الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
كل أخ على هواه. وبمثل المعابر الشرعية التنظيمية في الحركة الإسلامية اليوم مجلس شوراها المنبثق عنها. فهو الذي يحقق صورة النقد الشرعي البناء، وهو الذي يحاسب القيادة ويناقشها ويطرح ملاحظات القواعد عليها، وعلى القيادة أن تستجيب لأية تساؤلات، وترد على أي اقتراح، وبذلك يضمن التنظيم قوته وتلاحمه واستمراره.
السمة العاشرة
توثيق البيان وإقراره
يقول العلامة المباركفوري في كتابه - الرحيق المختوم: (وبعد أن تمت المحادثة حول شروط البيعة، وأجمعوا على الشروع في عقدها، قام رجلان من الرعيل الأول ممن أسلموا في مواسم سنتي 11 و 12 من النبوة، وقام أحدهما تلو الآخر ليؤكدا خطورة المسؤولية، حتى لا يبايعوه إلا على جلية من الأمر، وليعرفا مدى استعداد القوم للتضحية، ويتأكدا من ذلك.
قال ابن إسحاق: لما اجتمعوا للبيعة قال العباس بن عبادة بن نضلة: هل تدرون علام تبايعون هذا الرجل؟ قالوا: نعم، قال: إنكم تبايعونه على حرب الأحمر والأسود من الناس. فإن كنتم ترون أنكم إذا نهكت أموالكم مصيبة، وأشرافكم قتلا أسلمتموه فمن الآن، فهو والله إن فعلتم خزي الدنيا والآخرة. وإن كنتم ترون أنكم وافون له بما دعوتموه إليه على نهكة الأموال وقتل الأشراف فخذوه فهو والله خير الدنيا والآخرة. قالوا: فإنا نأخذه على مصيبة الأموال وقتل الأشراف. فما لنا بذلك يا رسول الله إن نحن وفينا بذلك؟ قال: الجنة. قالوا: أبسط يدك، فبسط يده فبايعوه. وفي رواية جابر قال: فقمنا نبايعه فأخذ بيده أسعد بن زرارة، وهو أصغر السبعين فقال: رويدا يا أهل يثرب إنا لم نضرب أكباد الإبل إلا ونحن نعلم أنه رسول الله، وأن إخراجه اليوم مفارقة العرب كافة، وقتل خياركم، وأن تعضكم السيوف، فإما أنتم تصبرون على ذلك فخذوه، وأجركم على الله، وإما أنتم
تخافون من أنفسكم خيفة، فهو أعذر لكم عند الله، فقالوا: يا أسعد أمط عنا يدك، فوالله لا نذر هذه البيعة ولا نستقيلها
…
(1)).
كان لا بد أن يظهر الوجه المقابل للصورة التي عرضها ابن التيهان، وظهر ذلك على الشكل التالي:
1 -
حرب الأحمر والأسود من الناس.
مفارقة العرب كافة.
قتل الأشراف والخيار، ونهكة الأموال والأعراض.
وهذه هي طبيعة معركتنا اليوم كما كانت طبيعة المعركة يوم العقبة.
لا بد أن يكون واضحا في ذهننا أن العالم كله ضدنا، والعالم كله يحاربنا، والعالم كله لا يرضى أن تصل الحركة الإسلامية إلى الحكم وهي تريد أن تحكم بشريعة الله. لا بد أن يكون واضحا في ذهننا أن العرب جميعا من قبل، والأمة العربية اليوم من المحيط إلى الخليج - على حد التعبير المعاصر - تعادي هذه الحركة، وتعادينا. لا بد أن يكون الأمر بهذا الوضوح، وهذه الصراحة، وهذه البينة.
فمن الذي يرضى أن يحالفنا على هذا الأساس؟ أي حليف سياسي يرضى هذا المصير، وكل الحلفاء السياسيين يرضون بحلفنا إذا عرفوا أننا منتصرون، فقط، وغير ذلك فقد أنعم الله علي إذ لم أكن معهم شهيدا.
إننا حين نعرف طبيعة المعركة، نعرف طبيعة الحركة من خلالها. إنه لا بد أن يعرف كل فرد في القاعدة الصلبة طبيعة هذه المعركة في حرب الأحمر والأسود من الناس، في مفارفة العرب كافة، في نهكة الأموال والأعراض، إنه بعد أن يعرف هذا الأمر. فليبايع أو يرفض، إنه يمكن أن يبقى على بيعة النساء، كما وردت في سورة الممتحنة، أما بيعة الرجال، أما بيعة الحرب فهذه حدودها، وهذه ظروفها، وهذه طبيعتها.
وما أحرى الحركة الإسلامية أن تكون واضحة صريحة صادقة مع قواعدها لا تغشهم، ولا توحي لهم أن النصر قاب قوسين أو أدنى،
(1) الرحيق المختوم ص 167 و 168.
تخدرهم بالأحلام الجميلة، وأن العرب معنا، وأن الذي ينقصنا هو التفاوض معهم، وأن قوى العالم ترضانا إذا فاوضنا، وإذا ملكنا المرونة السياسية، وأن الأمر كله أمر حركة سياسية، أوامر جبهة وطنية، أوامر حلف سياسي، أوامر لعبة ذكية. لسنا أحب إلى الله تعالى من رسوله، ولسنا أكرم على الله من صحابته. هذا هو خط السير. فمن رضيه على هذا الأساس فمرحبا وأهلا، فليتقدم وليبايع، ومن لم يرض فهو وشأنه، ولكن لا غش ولا لبس ولا غموض. والذين يريدون أن يحرفوا المعركة، ولا يتحملوا تبعاتها، فمكانهم خارج الصف، ومن أول الطريق، فالطريق صعب، والطريق شائك، والطريق طويل. ولقد كانت قيادات الأنصار على مستوى المعركة، ولم تغش قواعدها، ولم تدغدغ أحلامهم بل أوقفت البيعة حتى أوضحت خطورة الأمر، وأوضحت تبعاته، وبينت مهالكه ومصاعبه فماذا كان بعد ذلك؟
2 -
قالوا: فإنا نأخذه على مصيبة الأموال وقتل الأشراف. فما لنا إن نحن وفينا بذلك؟ قال: الجنة.
هل يقبل أي حليف سياسي كافر بهذا الثمن؟ هل يصدق أصلا أن هناك جنة؟
فالمعركة إذن معركتنا نحن، معركة الجنود المؤمنين، معركة القاعدة الإسلامية الصلبة العريضة في الأرض. وفي هذه المرحلة بالذات، ليس الاتجاه الدقيق هو اتجاه التحالف السياسي، بل هو اتجاه الحسم، هو اتجاه البناء الداخلي، إن ظروفنا الآن هي ظروف بيعة العقبة، هي ظروف بيعة الحرب، فقد تجاوزنا مرحلة الدخول في الجوار، وحتى مرحلة الحماية لدعوة الله، نحن الآن في مرحلة المواجهة السافرة مع العدو، ومع قوى الأرض، وذخيرتنا هي قاعدتنا الصلبة، هي قواعدنا المؤمنة التي ترضى بالجنة ثمنا لحرب الأحمر والأسود من الناس نرضى بالجنة ثمنا لمفارقة العرب كافة، ترضى بالجنة ثمنا لنهكة الأموال والأعراض، تستعد للوفاء بهذه الالتزامات وترضى يالجنة ثمنا وحيدا لها.
ليس عند القيادة ثمنان، ليس عند الله تعالى الذي نبايعه ثمن في هذه الظروف إلا الجنة كما نطق رسوله بذلك. أما النصر فقد لا نكون نحن أصحابه، قد نكون نحن جيل الشهادة. إن النصر قادم لا محالة، لكن لنا؟!. لا ندري. إن الوعد الذي قطعه الله تعالى على نفسه لمن وفى بهذه الالتزامات هو الجنة، وهو الوعد الذي رضيه الله تعالى لرسوله أن يعطيه باسمه. وأما النصر فهبة ربانية تأتي في الموعد الذي يختاره جل شأنه لدعوته.
أما من نصر موهوم يقوم على أكتاف عدو الله صلى الله عليه وسلم -قدمه لنا، أو نصر حالم يقوم على أكتاف مساندة الكفار الحلفاء لنا، فنحن واهمون، ولسنا مدركين طبيعة المعركة التي نخوضها، وإن تحققه دون أن نلتزم بقواعد هذه الشريعة. فالمعركة - والعياذ بالله - كلها خاسرة.
إنه قبل أن تقوم دولة الإسلام على الأرض، فلا وعد عند الله تعالى إلا الجنة للجيل الذي يحمل اللواء لحرب الأحمر والأسود من الناس.
3 -
(فقالوا: ابسط يدك. فبسط يده فبايعوه.
وقالوا: ربح البيع لا نقيل ولا نستقيل. وقالوا: يا أسعد أمط لنا يدك فوالله لا نذر هذه البيعة ولا نستقيلها).
(قال جابر: فقمنا إليه رجلا رجلا فأخذ علينا البيعة يعطينا بذلك الجنة). وأما بيعة المرأتين اللتين شهدتا الوقعة، فكانت قولا، ما صافح رسول الله صلى الله عليه وسلم امرأة أجنبية قط.
وقبل المفاوضون بالبيعة، وبايعوه جميعا دون أن يتخلف أحد، حتى المرأتان بايعتا بيعة الحرب. وصدقتا عهدهما، فلقد سقطت أم عمارة في أحد جريحة في جسدها اثنا عشر جرحا، وقد قطع مسيلمة الكذاب ابنها إربا إربا، فما وهنت وما استكانت وتحولت النسوة في هذه البيعة إلى رجال يقاتلن ويبايعن على قتل أشرافهن، وحرب الأحمر والأسود من الناس.