الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
تصبح الصلاة في المساجد موطن خطر على النفس أو الروح أو المال. فيمكن أن تتم صلاة جماعية مصغرة في أماكن لقاءات الإخوة.
إنه لا بد من الصلاة التي تصل الإنسان بخالقه، ولا خير في دين لا صلاة فيه (1) - كما يقول عليه الصلاة والسلام، وبين العبد وبين الكفر ترك الصلاة (2).
السمة التاسعة
التركيز على الجانب الروحي
فلا شيء أكبر أثرا في النفس في مرحلة البناء من التركيز على العبادة والطاعة والنوافل. فهي التي تصل القلب بالله، وتجعله أكبر من المحنة، وأعصى على الفتنة، وأثبت على الحق.
إنها مرحلة العبادة والتبتل وقيام الليل وناشئته.
فقد روى البزار عن محمد بن عقيل بن جابر قال: اجتمعت قرش في دار الندوة فقالوا: سموا هذا الرجل أسما يصد الناس عنه فقالوا: كاهن. قالوا: ليس بكاهن. قالوا: مجنون. قالوا: ليس بمجنون، قالوا: ساحر، قالوا: ليس بساحر. فتفرق المشركون على ذلك فبلغ ذلك النبي صلى الله عليه وسلم فتزمل في ثيابه وتدثر فيها، فأتاه جبريل عليه السلام فقال: يا أيها المزمل، يا أيها المدثر .. (3).
كما روى الإمام أحمد عن عائشة رضي الله عنها قولها:
إن الله افترض قيام الليل في أول هذه السورة. فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه حولا حتى انتفخت أقدامهم، وأمسك الله خاتمتها في السماء اثني عشر شهرا ثم أنزل الله التخفيف في آخر هذه السورة فصار قيام الليل تطوعا
(1) ابن هشام، وفد ثقيف ج 4/ 137. دار الجيل.
(2)
رواه مسلم.
(3)
مختصر تفسير ابن كثير سورة المزمل ج 3 ص 562.
بعد فريضة (1) ..
وقيام الليل المفروض في البدء هو دورة تدريبية عنيفة على الالتزام والطاعة لأمر الله عز وجل استمر عاما كاملا. كما وجه القرآن الكريم:
فالليل كله إلا قليل منه واجب القيام.
وقيام الليل ليس هدفا لذاته، وما يفعل الله بعذاب عباده من شيء. ولكنها التربية الإيمانية على الصلة الوثيقة بالله عز وجل. فهو وسيلة للقربى من الله تعالى. وسيلة لذكر الله والتبتل إليه والتوكل عليه.
{واذكر اسم ربك وتبتل إليه تبتيلا رب المشرق والمغرب لا إله إلا هو فاتخذه وكيلا .. (3)}
وذكر الله تعالى والتبتل إليه والتوكل عليه والعبادة له هي السلاح الوحيد في المعركة. هو الذي يمد المؤمنين بالصبر على البلاء، وتحمل الأذى، والإغضاء عن الإهانة، هو السلاح الوحيد في هذه المرحلة، التي لم يسمح فيها بالمواجهة المباشرة.
{واصبر على ما يقولون واهجرهم هجرا جميلا وذرني والمكذبين أولي النعمة ومهلهم قليلا .. (4)} . فما أحوج الدعاة إلى الله وهم يحملون لواء الدعوة إلى الله، ويلقون في سبيلها الأذى والاضطهاد إلى هذا السلاح الوحيد الذي يثبت أقدامهم، ويثبت قلوبهم. وإن الحركة الإسلامية ما لم تعنى في مثل هذه المرحلة بهذا الجانب العبادي، الجانب الروحي، وقيام الليل المتصل
(1) مختصر تفسير ابن كثير سورة المزمل ج 3 ص 564.
(2)
سورة المزمل الآية 1 - 7.
(3)
المزمل الآية 8 - 9.
(4)
المزمل الآية 9 - 11.
الدؤوب، والدورات المتكررة على الإحياء المستمر، فستجد جنودها يسقطون واحدا تلو الآخر. وينهارون تحت وقع المحنة.
ولا بد من الإشارة إلى أن قيام الليل يبقى أمرا نظريا غير قابل للتطبيق. ما لم يكن رصيد الأخ الداعية عظيما من حفظ القرآن. إذ أن الأخ الذي لا يملك من القرآن إلا بضع آيات يكررها في صلاته كيف يقوم الليل وكيف يتحرك قلبه بالخشوع؟! وكيف يجد لذة الطاعة والعبادة ولم تخالط لذة القرآن بشاشة قلبه، وصار القرآن ملء حياته وروحه وسمعه وبصره، ما إن يصف قدميه للعبادة في سيل الله. حتى يفتح معين القرآن المتفجر من قلبه.
فيتلو ما شاء الله أن يتلو، ويعيش في جوه من الترغيب والترهيب، ويقف عند حكمه وأحكامه.
في المدة الأخيرة لقد أصبح قيام الليل عند كثير من شبابنا المسلم مناسبة شهرية أو موسمية أو سنوية، وحين يتم، ففي سور محددة. معدودة يتعاون مجموع الشباب فيها حتى يؤدوها تلاوة وعبادة. إن المنهج الذي يجب أن يتربى الشباب عليه في أول الطريق هو المنهج القرآني - كما ذكرنا من قبل - فلا يكفي أن يكون القرآن هو محور المنهج كله، ومحور الثقافة المقدمة للأخ فقط. بل لا بد كذلك من أن يكون حفظ القرآن هدفا رئيسيا من أهداف المنهج، وخاصة الفتيان والفتيات القادرين على الحفظ في سنهم المبكرة.
إن منهج التربية الحركي الذي تضعه الجماعة لا بد أن ينتهي بالشاب المسلم وقد حفظ الكثير من القرآن في سن العشرين، ليكون زاده في الطاعة والتنقل والتهجد وناشئة الليل، وعندئذ يعرف لذة العبادة، ولذة الطاعة، ولذة القيام، يذوق لذة الذكر ولذة التوكل. كما أن المنهج التربوي في هذه المرحلة لا بد أن يركز على ذكر الله عز وجل، على التهليل والتكبير، والتحميد والتسبيح، على الصلوات على النبي صلى الله عليه وسلم، على الأوراد المأثورة وعلى الأذكار المطلقة التي لا تنقطع ليل نهار: