المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ذكر اشتقاق مصر ومعناها وتعداد أسمائها - المواعظ والاعتبار بذكر الخطط والآثار - جـ ١

[المقريزي]

فهرس الكتاب

- ‌الجزء الاول

- ‌تقديم

- ‌[مقدمة المؤلف]

- ‌ذكر الرءوس الثمانية

- ‌ذكر طرف من هيئة الأفلاك

- ‌ذكر صورة الأرض وموضع الأقاليم منها

- ‌ذكر محل مصر من الأرض وموضعها من الأقاليم السبعة

- ‌ذكر حدود مصر وجهاتها

- ‌ذكر بحر القلزم

- ‌ذكر البحر الرومي

- ‌ذكر اشتقاق مصر ومعناها وتعداد أسمائها

- ‌ذكر طرف من فضائل مصر

- ‌ذكر العجائب التي كانت بمصر من الطلسمات والبرابي ونحو ذلك

- ‌ذكر الدفائن والكنوز التي تسميها أهل مصر المطالب

- ‌ذكر هلاك أموال أهل مصر

- ‌ذكر أخلاق أهل مصر وطبائعهم وأمزجتهم

- ‌ذكر شيء من فضائل النيل

- ‌ذكر مخرج النيل وانبعاثه

- ‌فصل في الردّ على من اعتقد أن النيل من سيل يفيض

- ‌ذكر مقاييس النيل وزيادته

- ‌ذكر الجسر الذي كان يعبر عليه في النيل

- ‌ذكر ما قيل في ماء النيل من مدح وذم

- ‌ذكر عجائب النيل

- ‌ذكر طرف من تقدمة المعرفة بحال النيل في كل سنة

- ‌ذكر عيد الشهيد

- ‌ذكر الخلجان التي شقت من النيل

- ‌ذكر ما كانت عليه أرض مصر في الزمن الأوّل

- ‌ذكر أعمال الديار المصرية وكورها

- ‌ذكر ما كان يعمل في أراضي مصر من حفر الترع وعمارة الجسور ونحو ذلك من أجل ضبط ماء النيل وتصريفه في أوقاته

- ‌ذكر مقدار خراج مصر في الزمن الأوّل

- ‌ذكر ما عمله المسلمون عند فتح مصر في الخراج وما كان من أمر مصر في ذلك مع القبط

- ‌ذكر انتقاض القبط وما كان من الأحداث في ذلك

- ‌ذكر نزول العرب بريف مصر واتخاذهم الزرع معاشا وما كان في نزولهم من الأحداث

- ‌ذكر قبالات أراضي مصر بعد ما فشا الإسلام في القبط ونزول العرب في القرى وما كان من ذلك إلى الروك الأخير الناصري

- ‌ذكر الروك الأخير الناصري

- ‌ذكر الديوان

- ‌ذكر ديوان العساكر والجيوش

- ‌ذكر القطائع والإقطاعات

- ‌ذكر ديوان الخراج والأموال

- ‌ذكر خراج مصر في الإسلام

- ‌ذكر أصناف أراضي مصر وأقسام زراعتها

- ‌ذكر أقسام مال مصر

- ‌ذكر الأهرام

- ‌ذكر الصنم الذي يقال له أبو الهول

- ‌ذكر الجبال

- ‌ذكر الجبل المقطم

- ‌الجبل الأحمر

- ‌جبل يشكر

- ‌ذكر الرّصد

- ‌ذكر مدائن أرض مصر

- ‌ذكر مدينة أمسوس وعجائبها وملوكها

- ‌ذكر مدينة منف وملوكها

- ‌ذكر مدينة الإسكندرية

- ‌ذكر الإسكندر

- ‌ذكر تاريخ الإسكندر

- ‌ذكر الفرق بين الإسكندر وذي القرنين وأنهما رجلان

- ‌ذكر من ولي الملك بالإسكندرية بعد الإسكندر

- ‌ذكر منارة الإسكندرية

- ‌ذكر الملعب الذي كان بالإسكندرية وغيره من العجائب

- ‌ذكر عمود السواري

- ‌ذكر طرف مما قيل في الإسكندرية

- ‌ذكر فتح الإسكندرية

- ‌ذكر ما كان من فعل المسلمين بالإسكندرية وانتقاض الروم

- ‌ذكر بحيرة الإسكندرية

- ‌ذكر خليج الإسكندرية

- ‌ذكر جمل حوادث الإسكندريّة

- ‌ذكر مدينة أتريب

- ‌ذكر مدينة تنيس

- ‌ذكر مدينة صا

- ‌رمل الغرابي

- ‌ذكر مدينة بلبيس

- ‌ذكر بلد الورادة

- ‌ذكر مدينة أيلة

- ‌ذكر مدينة مدين

- ‌بقية خبر مدينة مدين

- ‌ذكر مدينة فاران

- ‌ذكر أرض الجفار

- ‌ذكر صعيد مصر

- ‌ذكر تشعب النيل من بلاد علوة ومن يسكن عليه من الأمم

- ‌ذكر البجة ويقال إنهم من البربر

- ‌ذكر مدينة أسوان

- ‌ذكر بلاق

- ‌ذكر حائط العجوز

- ‌ذكر البقط

- ‌ذكر صحراء عيذاب

- ‌ذكر مدينة الأقصر

- ‌ذكر البلينا

- ‌ذكر سمهود

- ‌ذكر إرجنّوس

- ‌ذكر أبويط

- ‌ذكر ملوى

- ‌ذكر مدينة أنصنا

- ‌ذكر القيس

- ‌ذكر دروط بلهاسة

- ‌ذكر سكر

- ‌ذكر منية الخصيب

- ‌ذكر منية الناسك

- ‌ذكر الجيزة

- ‌ذكر قرية ترسا

- ‌ذكر منية أندونة

- ‌ذكر وسيم

- ‌ذكر منية عقبة

- ‌ذكر حلوان

- ‌ذكر مدينة العريش

- ‌ذكر مدينة الفرماء

- ‌ذكر مدينة القلزم

- ‌ذكر التيه

- ‌ذكر مدينة دمياط

- ‌ذكر شطا

- ‌ذكر الطريق فيما بين مدينة مصر ودمشق

- ‌ذكر مدينة حطين

- ‌ذكر مدينة الرقة

- ‌ذكر عين شمس

- ‌المنصورة

- ‌العباسة

- ‌ذكر مدينة دندرة

- ‌ذكر الواحات الداخلة

- ‌ذكر مدينة سنتريّة

- ‌ذكر الواحات الخارجة

- ‌ذكر مدينة قوص

- ‌ذكر مدينة أسنا

- ‌ذكر مدينة أدفو

- ‌إهناس

- ‌ذكر مدينة البهنسا

- ‌ذكر مدينة الأشمونين

- ‌ذكر مدينة إخميم

- ‌ذكر مدينة العقاب

- ‌ذكر مدينة الفيوم

- ‌ذكر ما قيل في الفيوم وخلجانها وضياعها

- ‌ذكر فتح الفيوم ومبلغ خراجها وما فيها من المرافق

- ‌مدينة النحريرية

الفصل: ‌ذكر اشتقاق مصر ومعناها وتعداد أسمائها

ذلك بسبعة أيام حتى لا يمكن أحد يسمع صوته لأنه يغلب على قلبه من حسن صوته ما يميت السامع وأنه يدركه قبل موته بأيام طرب عظيم وسرور فلا يهدأ من الصياح، وزعموا أن عامل الموسيقى من الفلاسفة أراد أن يسمع صوت قفنس في تلك الحال فخشي إن هجم عليه أن يقتله حسن صوته فسدّ أذنيه سدّا محكما ثم قرب إليه فجعل يفتح من أذنيه شيئا بعد شيء حتى استكمل فتح الأذنين في ثلاثة أيام يريد أن يتوصل إلى سماعه رتبة بعد رتبة فلا يبغته حسنه في أوّل مرّة فيأتي عليه، وزعموا: أن ذلك الطائر هلك ولم يبق منه ولا من فراخه شيء بسبب هجوم ماء البحر عليه، وعلى رهطه بالليل في الأوكار فلم يبق له بقية، ويقال: إن بعض الفلاسفة أراد ملك من الملوك قتله فأعطاه قدحا فيه سمّ ليشربه فأعلمه بذلك فظهر منه مسرّة وفرح فقال له: ما هذا أيها الحكيم؟ فقال: هل أعجز أن أكون مثل قفنس.

‌ذكر اشتقاق مصر ومعناها وتعداد أسمائها

ويقال: كان اسمها في الدهر الأوّل قبل الطوفان جزلة، ثم سميت مصر، وقد اختلف أهل العلم في المعنى الذي من أجله سميت هذه الأرض بمصر فقال قوم: سميت بمصر ابن مركابيل بن دوابيل بن عرياب بن آدم وهو مصر الأوّل. وقيل: بل سميت بمصر الثاني وهو مصرام بن يعراوش الجبار بن مصريم الأوّل وبه سمي مصر بن بنصر بن حام بعد الطوفان، وقيل: بل سميت بمصر الثالث وهو مصر بن بنصر بن حام بن نوح وهو اسم أعجميّ لا ينصرف. وقال آخرون: هي اسم عربيّ مشتق فأمّا من ذهب إلى أنّ مصر اسم أعجميّ فإنه استدل بما رواه أهل العلم بالأخبار من نزول مصر بن بنصر بهذه الأرض وقسمها بين أولاده فعرفت به اه.

وذكر الحسن بن أحمد الهمداني «1» : أنّ مصر بن حام وهو مصريم، وقيل: أنّ بنصر بن هرمس بن هردوس جدّ الإسكندر قال: ونكح لوما بن حام بنت شاويل بن يافث بن نوح فولدت له بوقير وقبط أبا القبط قبط مصر، ومن ههنا أن مصر بن حام وإنما هو مصر بن هرمس بن هردش بن بيطون بن روي بن ليطي بن يونان وبه سميت مصر فهي مقدونية.

وذكر أبو الحسن المسعوديّ «2» في كتاب أخبار الزمان: أنّ بني آدم لما تحاسدوا وبغى عليهم بنو أقابيل بن آدم ركب نقراوس الجبار ابن مصريم ابن مركابيل بن دوابيل بن عرياب بن آدم عليه السلام في نيف وسبعين راكبا من بني عرياب جبابرة كلهم يطلبون موضعا من

ص: 36

الأرض يقطنون فيه فرارا من بني أبيهم فلم يزالوا يمشون حتى وصلوا إلى النيل، فأطالوا المشي عليه فلما رأوا سعة البلد فيه وحسنه أعجبهم وقالوا: هذه بلد زرع، وعمارة فأقطنوا فيه، واستوطنوا وبنوا فيه الأبنية المحكمة، والصنائع العجيبة.

وبنى نقراوس مصر وسماها باسم أبيه مصريم وكان نقراوس جبارا له قوّة، وكان مع ذلك عالما وله ائتمر الجنّ في هلاك بني أبيه ولم يزل مطاعا وقد كان وقع إليه من العلوم التي كان زواميل علمها لآدم عليه السلام ما قهر به الجبابرة الذين كانوا قبله وملوكهم، ثم أمر حين ملك ببناء مدينة في موضع خيمته فقطعوا له الصخور من الجبال، وأثاروا معادن الرصاص وبنوا مدينة سماها: أمسوس وأقاموا فيها أعلاما طول كل لم منها: مائة ذراع وزرعوا وعمروا الأرض، ثم أمرهم ببناء المدائن، والقرى وأسكن كل ناحية من الأرض من رأى ثم حفروا النيل حتى أجروا ماءه إليهم ولم يكن قبل ذلك معتدل الجري إنما كان ينبطح ويتفرّق في الأرض حتى يتوجه إلى النوبة فهندسوه وساقوا منه أنهارا إلى مواضع كثيرة من مدنهم التي بنوها، وساقوا منه نهرا إلى مدينتهم أمسوس يجري في وسطها، ثم سميت مصر بعد الطوفان بمصر بن بنصر بن حام بن نوح وذلك أن قليمون الكاهن خرج من مصر ولحق بنوح عليه السلام وآمن به هو وأهله وولده وتلامذته وركب معه في السفينة، وزوّج ابنته من بنصر بن حام بن نوح فلما خرج نوح من السفينة وقسم الأرض بين أولاده، وكانت ابنة قليمون قد ولدت لبنصر ولد أسماه مصرايم، فقال قليمون لنوح: ابعث معي يا نبيّ الله ابني حتى أمضي به بلدي، وأظهره على كنوزي وأوقفه على علومه ورموزه فأنفذه معه في جماعة من أهل بيته وكان غلاما مرفها فلما قرب من مصر بنى له عريشا من أغصان الشجر، وستره بحشيش الأرض ثم بنى له بعد ذلك في هذا الموضع مدينة وسماها: درسان أي باب الجنة، فزرعوا وغرسوا الأشجار والأجنة من درسان إلى البحر فصارت هناك زروع وأجنة وعمارة وكان الذي مع مصرايم جبابرة فقطعوا الصخور وبنوا المعالم والمصانع وأقاموا في أرغد عيش ويقال: إن أهل مصر أقاموا عليهم مصرايم بن بنصر ملكا في أيام تالغ بن عابر بن شامخ بن أرفخشد بن سام بن نوح فملك مصر وهي مدينة منيعة على النيل وسماها باسمه ويقال: إن مصرايم غرس الأشجار بيده وكانت ثمارها عظيمة بحيث يشق الأترجة نصفين فيحمل على البعير نصفها وكان القثاء في طول أربعة عشر شبرا ويقال: إنه أوّل من صنع السفن بالنيل وإنّ أوّل سفينة كانت ثلثمائة ذراع طولا في عرض مائة ذراع.

ويقال: إن مصرايم نكح امرأة من بني الكهنة فولدت له ولدا فسماه قبطيم، ونكح قبطيم بعد سبعين سنة من عمره امرأة ولدت له أربعة نفر: قبطيم، وأشمون، وأتريب، وصا، فكثروا وعمروا الأرض وبورك لهم فيها وقيل: إنه كان عدد من وصل معهم ثلاثين رجلا فبنوا مدينة سموها نافة ومعنى نافة ثلاثون بلغتهم وهي (منف) وكشف أصحاب قليمون الكاهن عن كنوز مصر وعلومهم وأثاروا المعادن، وعلومهم علم الطلسمات

ص: 37

ووضعوا لهم علم الصنعة، وبنوا على غير البحر مدنا منها رقودة مكان الإسكندرية ولما حضر مصرايم الوفاة عهد إلى ابنه قبطيم، وكان قد قسم أرض مصر بين بنيه فجعل لقبطيم من قفط إلى أسوان ولأشمون من أشمون إلى منف ولأتريب الحوف كله ولصا من ناحية صا البحرية إلى قرب برقة وقال لأخيه: فارق لك من برقة إلى الغرب فهو صاحب إفريقة ووالد الأفارقة وأمر كل واحد من بنيه أن يبني لنفسه مدينة في موضعه وأمرهم عند موته أن يحفروا له في الأرض سربا وأن يفرشوه بالمرمر الأبيض، ويجعلوا فيه جسده، ويدفنوا معه جميع ما في خزائنه من الذهب، والجوهر، ويزبروا عليه أسماء الله تعالى المانعة من أخذه فحفروا له سربا طوله مائة وخمسون ذراعا وجعلوا في وسطه مجلسا مصفحا بصفائح الذهب، وجعلوا أربعة أبواب على كل باب منها تمثال من ذهب عليه تاج مرصع بالجوهر وهو جالس على كرسيّ من ذهب قوائمه من زبرجد وزبروا في صدر كل تمثال آيات مانعة وجعلوا جسده في جمد مرمر مصفح بالذهب وزبروا على مجلسه مات مصرايم بن بنصر بن حام بن نوح بعد سبعمائة عام مضت من أيام الطوفان ولم يعبد الأصنام إذ لا هرم، ولا سقام، ولا حزن، ولا اهتمام وحصنه بأسماء الله العظام، ولا يصل إليه إلا ملك ولدته سبعة ملوك تدين بدين الملك الديان ويؤمن بالمبعوث بالفرقان الداعي إلى الإيمان آخر الزمان، وجعلوا معه في ذلك المجلس: ألف قطعة من الزبرجد المخروط، وألف تمثال من الجوهر النفيس، وألف برنية مملوءة من الدرّ الفاخر والصنعة الإلهية والعقاقر، والطلسمات العجيبة، وسبائك الذهب وسقفوا ذلك بالصخور، وهالوا فوقها الرمال بين جبلين وولي ابنه قبطيم الملك.

قال أبو محمد عبد الملك بن هشام «1» في كتاب التحائف: أنّ عبد شمس بن يشجب بن يعرب بن قحطان بن هود أخي عاد ابن عامر بن شالخ بن أرفخشد بن سام بن نوح عليه السلام واسم عبد شمس هذا: عامر، وعرف بعبد شمس لأنه أوّل من عبد الشمس وقيل له أيضا:(سبأ) لأنه أوّل من سبأ وهو سبأ الأكبر أبو حمير وكهلان ملك بعد أبيه يشجب بأرض اليمن جميع بني قحطان وبني هود عليه السلام، وحثهم على الغزو ثم سار بهم إلى أرض بابل ففتحها وقتل من كان بها من الثوار حتى بلغ أرض أرمينية، وملك أرض بني يافث بن نوح وأراد أن يعبر من هناك إلى الشام، وأرض الجزيرة فقيل له: ليس لك مجاز غير الرجوع في طريقك فبنى قنطرة على البحر وجاز عليها إلى الشام فأخذ تلك الأراضي إلى الدرب، ولم يكن خلف الدرب إذ ذاك أحد ثم نهض يريد بلاد العرب فنزل على النيل، وجمع أهل مشورته وقال لهم: إني رأيت أن أبني مصرا إلى حدّ بين هذين البحرين يعني بحر الروم، وبحر القلزم. فيكون فاصلا بين الشرق والغرب فقالوا: نعم الرأي أيها الملك، فبنى مدينة سماها مصر، وولى عليها ابنه بابليون ومضى إلى بني حام بن نوح

ص: 38

وهم نزول في البراري إلى قمونية ويعمونية القبط فأوقع بجميع تلك الطوائف وسبى ذراريهم كما فعل ببلاد الشرق فقيل له: من أجل ذلك سبأ ثم عاد إلى مصر ومضى فيها إلى الشام يريد الحجاز وأوصى ابنه بابليون عند رحيله اه:

ألا قل لبابليون والقول حكمة

ملكت زمام الشرق والغرب فأجمل

وخذ لبني حام من الأمر وسطه

فإن صدفوا يوما عن الحق فأقبل

وإن جنحوا بالقول للرفق طاعة

يريدون وجه الحق والعدل فأعدل

ولا تظهرنّ الرأي في الناس يجتروا

عليك به واجعله ضربة فيصل

ولا تأخذن المال في غير حقه

وإن جاء لا تدينه نحوك وابذل

وداوي ذوي الأحقاد بالسيف إنه

متى يلق منك العزم ذو الحقد يجمل

وجد لذوي الأحساب لينا وشدّة

ولا تك جبارا عليهم وأجمل

وكن لسؤال الناس غوثا ورحمة

ومن يك ذا عرف من الناس يسأل

وإياك والسفر القريب فإنه

سيغني بما يوليه في كل منهل

ثم عاد إلى اليمن، وبنى سد مأرب وهو سدّ فيه سبعون نهرا، ويصل إليه السيل من مسيرة ثلاثة أشهر في مثلها، ثم مات عن خمسمائة سنة، وقام من بعده ابنه حمير بن سبا فعتا بنو حام على بابليون وأرادوا تخريب مصر فاستدعى أخاه حمير لينجده عليهم فقدم عليه مصر، ومضى إلى بلاد المغرب فأقام بها مائة عام يبني المدائن، ويتخذ المصانع فمات بابليون بن سبأ بمصر. وولى بعده ابنه امرئ القيس بابليون ثم مات حمير بن سبأ عن أربعمائة سنة وخمس وأربعين سنة منها في الملك أربعمائة سنة، وأقام من بعده وائل بن حمير. ثم مات فقام من بعده ابنه السكسك بن وائل الذي يقال له: مقعقع الحمد وقد افترق ملك حمير، فحارب الثوار، وسار إلى الشام فلقيه عمرو بن امرئ القيس بن بابليون بن سبأ بالرملة وقد ملك بعد أبيه وقدّم له هدية فأقرّه على مصر حتى قدم عليه إبراهيم الخليل عليه السلام ووهبه هاجر.

وقال أبو القاسم عبد الرحمن بن عبد الله بن عبد الحكم «1» في كتاب فتوح مصر وأخبارها عن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما قال: كان لنوح عليه السلام أربعة من الولد:

سام، وحام، ويافث، ويخطون، وأنّ نوحا رغب إلى الله عز وجل وسأله أن يرزقه الإجابة في ولده وذريته حين تكاملوا بالنماء والبركة فوعده ذلك فنادى نوح ولده وهم نيام عند السحر فنادى ساما فأجابه يسعى وصاح سام في ولده فلم يجبه أحد منهم إلا ابنه أرفخشد فانطلق به معه حتى أتياه فوضع نوح يمينه على سام وشماله على أرفخشد بن سام وسأل الله

ص: 39

عزّ وجل أن يبارك في سام أفضل البركة وأن يجعل الملك والنبوّة في ولد أرفخشد، ثم نادى حاما وتلفت يمينا وشمالا فلم يجبه ولم يقم إليه هو ولا أحد من ولده فدعا الله عز وجل نوح أن يجعل ولده أذلاء وأن يجعلهم عبيدا لولد سام، وكان مصر بن بنصر بن حام نائما إلى جنب جدّه فلما سمع دعاء نوح على جدّه وولده قام يسعى إلى نوح وقال: يا جدّي قد أجبتك إذ لم يجبك جدّي ولا أحد من ولده فاجعل لي دعوة من دعائك ففرح نوح ووضع يده على رأسه وقال: اللهمّ إنه قد أجاب دعوتي فبارك فيه وفي ذريته وأسكنه الأرض المباركة التي هي أمّ البلاد، وغوث العباد التي نهرها أفضل أنهار الدنيا وأجعل فيها أفضل البركات، وسخر له ولولده الأرض وذللها لهم وقوّهم عليها، ثم دعا ابنه يافث فلم يجبه ولا أحد من ولده، فدعا الله عليهم أن يجعلهم شرار الخلق، وعاش سام مباركا إلى أن مات وعاش ابنه أرفخشد بن سام مباركا حتى مات وكان الملك الذي يحبه الله والنبوّة والبركة في ولد أرفخشد بن سام وكان أكبر ولد حام: كنعان بن حام، وهو الذي حمل به في الرجز في الفلك فدعا عليه نوح فخرج أسود وكان في ولده الملك والجبروت والجفاء وهو:

أبو السودان والحبش كلهم وابنه الثاني: كوش بن حام، وهو أبو السند والهند وابنه الثالث:

قوط بن حام وهو: أبو البربر وابنه الأصغر الرابع: بنصر بن حام، وهو أبو القبط كلهم فولد بنصر بن حام أربعة: مصر بن بنصر وهو أكبرهم والذي دعا له نوح بما دعا له. وفارق بن بنصر، وماح بن بنصر، وقيل: ولد مصر أربعة: قفط بن مصر، وأشمن بن مصر، وأتريب بن مصر، وصا بن مصر؛ وعن ابن لهيعة وعبد الله بن خالد أوّل من سكن مصر بنصر بن حام بن نوح عليه السلام بعد أن أغرق الله تعالى قومه وأوّل مدينة عمرت بمصر منف فسكنها بنصر بولده وهم: ثلاثون نفسا منهم أربعة أولاد له قد بلغوا وتزوجوا وهم:

مصر، وفارق، وياح، وماح، وكان مصر أكبرهم فبنوا مصر، وكانت إقامتهم قبل ذلك بسفح المقطم، ونقروا هناك منازل كثيرة، وكان نوح عليه السلام قد دعا لمصر أن يسكنه الله الأرض الطيبة المباركة التي هي أمّ البلاد، وغوث العباد، ونهرها أفضل الأنهار، ويجعل له فيها أفضل البركات ويسخر له الأرض ولولده ويذللها لهم ويقوّيهم عليها، فسأله عنها فوصفها له وأخبره بها قالوا: وكان مصر بن بنصر مع نوح في السفينة لما دعا له وكان بنصر بن حام قد كبر وضعف فساق ولده مصر، وجميع إخوته إلى مصر فنزلوها وبذلك سميت مصر فلما قرّ قرار بنصر وبنيه بمصر قال لمصر إخوته فارق وماح وياح وبنوا بنصر قد علمنا أنك أكبرنا وأفضلنا وأن هذه الأرض التي أسكنك إياها جدّك نوح، ونحن نضيق عليك أرضك، وذلك حين كثر ولده وأولادهم، ونحن نطلب إليك البركة التي جعلها فيك جدّنا نوح أن تبارك لنا في أرض نلحق بها ونسكنها وتكون لنا ولأولادنا، فقال: نعم عليكم بأقرب البلاد إليّ ولا تباعدوا مني فإنّ لي في بلادي مسيرة شهر من أربعة وجوه أحوزها لنفسي فتكون لي ولولدي ولأولادهم، فحاز مصر بن بنصر لنفسه ما بين الشجرتين التي بالعريش

ص: 40

إلى أسوان طولا، ومن برقة إلى أيلة عرضا، وحاز فارق لنفسه ما بين برقة إلى إفريقية، وكان ولده الأفارقة ولذلك سميت إفريقية، وذلك مسيرة شهر، وحاز ماح ما بين الشجرتين من منتهى حدّ مصر إلى الجزيرة مسيرة شهر، وهو أبو قبط الشام، وحاز باح ما وراء الجزيرة كلّها ما بين البحر إلى الشرق مسيرة شهر، وهو أبو قبط العراق، ثم توفي بنصر بن حام، ودفن في موضع دير أبي هرميس غربيّ الأهرام، فهي أوّل مقبرة قبر فيها بأرض مصر، وكثر أولاد مصر وكان الأكابر منهم قفط، وأتريب، وأشمن، وصا، والقبط من ولد مصر هذا ويقال: إنّ قبط أخو قفط، وهو بلسانهم قفطيم وقبطيم ومصرايم، قال: ثم إنّ بنصر بن حام وتوفي واستخلف ابنه مصر، وحاز كل واحد من إخوة مصر: قطعة من الأرض لنفسه سوى أرض مصر التي حازها لنفسه ولولده، فلما كثر ولد مصر وأولاد أولادهم قطع مصر لكل واحد من ولده قطيعة يحوزها لنفسه ولولده، وقسم لهم هذا النيل فقطع لابنه قفط موضع قفط فسكنها وبه سميت قفط قفطا، وما فوقها إلى أسوان، وما دونها إلى أشمون في الشرق والغرب، وقطع لأشمن من أشمون فما دونها إلى منف في الشرق والغرب فسكن أشمن أشمون فسميت به، وقطع لأتريب ما بين منف إلى صا فسكن أتريبا فسميت به، وقطع لصا ما بين صا إلى البحر فسكن صا فسميت به فكانت مصر كلها على أربعة أجزاء: جزأين بالصعيد، وجزأين بأسفل الأرض.

قال البكري: ومصر مؤنثة قال تعالى: أَلَيْسَ لِي مُلْكُ مِصْرَ

[الزخرف/ 51]، وقال:

ادْخُلُوا مِصْرَ

[يوسف/ 99] . وقال عامر بن أبي واثلة الكناني لمعاوية: أما عمرو بن العاص، فأقطعته مصر، وأما قوله سبحانه: اهْبِطُوا مِصْراً

[البقرة/ 61] فإنه أراد مصرا من الأمصار، وقرأ سليم الأعمش: اهبطوا مصر، وقال: هي مصر التي عليها سليم بن عليّ فلم يجرّها.

وقال القضاعي: وكان بنصر بن حام قد كبر، وضعف فساقه ولده مصر، وجميع إخوته إلى مصر، فنزلوها وبذلك سميت مصر، وهو اسم لا ينصرف في المعرفة لأنه اسم مذكر سميت به هذه المدينة فاجتمع فيها التأنيث والتعريف، فمعناها الصرف، ثم قيل: لكل مدينة عظيمة يطرقها السفار: مصر فإذا أريد مصر من الأمصار صرف لزوال إحدى العلتين، وهي التعريف، وأما قوله تعالى إخبارا عن موسى عليه السلام: اهْبِطُوا مِصْراً فَإِنَّ لَكُمْ ما سَأَلْتُمْ

[البقرة/ 61] فإنه مصروف في قراءة سائر القراء، وفي قراءة الحسن والأعمش:

غير مصروف فمن صرفها فله وجهان: أحدهما: أنه أراد هبوط مصرا من الأمصار لأنهم كانوا يومئذ في التيه، والآخر: أنه أراد مصر هذه بعينها وصرفها لأنه جعل مصرا اسما للبلد، وهو اسم مذكر سمي به مذكّر فلم يمنعه الصرف، وأما من لم يصرفه فإنه أراد بمصر هذه المدينة، وكذلك قوله تعالى إخبارا عن يوسف عليه السلام: ادْخُلُوا مِصْرَ إِنْ شاءَ اللَّهُ آمِنِينَ

[يوسف/ 99]، وقول فرعون: أَلَيْسَ لِي مُلْكُ مِصْرَ

[الزخرف/ 51] إنما يراد به مصر

ص: 41

هذه، فأما المصر في كلام العرب فهو الحدّ بين الأرضين، ويقال: إن أهل هجر يقولون:

اشتريت الدار بمصورها أي بحدودها.

وقال الجاحظ في كتاب مدح مصر: إنما سميت مصر بمصر لمصير الناس إليها، واجتماعهم بها. كما سمي مصير الجوف مصيرا ومصرانا لمصير الطعام إليه، قال: وجمع المصر من البلدان أمصار، وجمع مصير الطعام مصران، وليس لمصر هذه جمع لأنها واحدة قال: وقال الأخطل: هممت بالإسلام، ثم توقفت عنه، قيل: ولم ذلك؟ قال: أتيت امرأة لي وأنا جائع فقلت: أطعميني شيئا، فقالت: يا جارية ضعي لأبي مالك مصيرا في النار، ففعلت، فاستعجلتها بالطعام فقالت: يا جارية أين مصير أبي مالك؟ قالت: في النار، قال:

فتطيرت وهممت بأن أسلم فتوقفت.

وقال الجوهريّ «1» في كتاب الصحاح: مصر هي المدينة المعروفة تذكر وتؤنث عن ابن السراج والمصران الكوفة والبصرة، وقال ابن خالويه «2» : في كتاب ليس ليس أحد: فسّر لنا لم سميت مصر مقدونية قديما إلا في اللسان العبرانيّ، قال: مقدونية مغيث وإنما سميت مصر لما سكنها بنصر بن حام، وتزعم الروم أن بلاد مقدونية جميعا وقف على الكنيسة العظمى التي بالقسطنطينية، ويسمون بلاد مقدونية الأوصفية وهي عندهم الإسكندرية، وما يضاف إليها وهي مصر كلها بأسرها إلا الصعيد الأعلى، ويقال لمصر: أم خنور، وتفسيره النعمة والمصر الفرق بين الشيئين. قال الشاعر يصف الله تعالى:

وجاعل الشمس مصرا لا خفاء به

بين النهار وبين الليل قد فصلا

هذا البيت قائله عديّ بن زيد العباديّ ويروى لأمية بن الصلت الثقفيّ وهو من أبيات أوّلها:

اسمع حديثا كما يوما تحدّثه

عن ظهر غيب إذا ما سائل سألا

كيف بدا ثم ربى الله نعمته

فيها وعلمنا آياته ألا ولا

كانت رياح وسيل ذو كرانية

وظلمة لم تدع فتقا ولا خللا

فآمر الظلمة السوداء فانكشفت

وعزل الماء عما كان قد شغلا

وبسط الأرض بسطا ثم قدّرها

تحت السّماء سواميل وما نقلا

وجاعل الشمس مصرا لا خفاء به

بين النهار وبين الليل قد فصلا

وفي السماء مصابيح تضيء لنا

ما إن تكلفنا زيتا ولا فتلا

قضى لستة أيام خليقته

وكان آخر شيء صوّر الرجلا

ص: 42