الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وعوجا بقرطاجنة فانظرا بها
…
جنايتي العادين تنتحبان
وإيوان كسرى فانظراه فإنه
…
يخبر كما بالصدق كل أوان
فلا تحسبا أن الفناء يخصني
…
ألا كل ما فوق البسيطة فاني
ووجدت بخط الشيخ شهاب الدين أحمد بن يحيى بن أبي حجلة التلمساني أنشدني القاضي فخر الدين عبد الوهاب المصريّ لنفسه في الأهرام سنة خمس وخمسين وسبعمائة وأجاد:
أمباني الأهرام كم من واعظ
…
صدع القلوب ولم يفه بلسانه
اذكرنني قولا تقادم عهده
…
أين الذي الهرمان من بنيانه
هنّ الجبال الشامخات تكاد أن
…
تمتدّ فوق الأرض عن كيوانه
لو أنّ كسرى جالس في سفحها
…
لأجلّ مجلسه على إيوانه
ثبتت على حرّ الزمان وبرده
…
مددا ولم تأسف على حدثانه
والشمس في إحراقها والريح عن
…
د هبوبها والسيل في جريانه
هل عابد قد خصها بعبادة
…
فمباني الأهرام من أوثانه
أو قائل يقضي برجعي نفسه
…
من بعد فرقته إلى جثمانه
فاختارها لكنوزه ولجسمه
…
قبرا ليأمن من أذى طوفانه
أو أنها للسائرات مراصد
…
يختار راصدها أعز مكانه
أو أنها وصفت شؤون كواكب
…
أحكام فرس الدهر أو يونانه
أو أنهم نقشوا على حيطانها
…
علما يحار الفكر في تبيانه
في قلب رائيها ليعلم نقشها
…
فكر يعض عليه طرف بنانه
ذكر الصنم الذي يقال له أبو الهول
هذا الصنم بين الهرمين عرف أوّلا ببلهيب، وتقول أهل مصر اليوم أبو الهول.
قال القضاعي: صنم الهرمين وهو بلهويه، صنم كبير من حجارة فيما بين الهرمين لا يظهر منه سوى رأسه فقط تسميه العامة بأبي الهول ويقال: بلهيب، ويقال: إنه طلسم للرمل، لئلا يغلب على إبليز الجيزة.
وقال في كتاب عجائب البنيان: وعند الأهرام رأس وعنق بارزة من الأرض في غاية العظم تسميه الناس: أبا الهول، ويزعمون أن جثته مدفونة تحت الأرض، ويقتضي القياس بالنسبة إلى رأسه أن يكون طوله سبعين ذراعا فصاعدا، وفي وجهه حمرة ودهان يلمع عليه رونق الطراوة، وهو حسن الصورة مقبولها عليه مسحة بهاء وجمال كأنه يضحك تبسما.
وسئل بعض الفضلاء، عن عجيب ما رأى فقال: تناسب وجه أبي الهول، فإنّ أعضاء
وجهه كالأنف والعين والأذن متناسبة كما تصنع الطبيعة الصور متناسبة، فإنّ أنف الطفل مثلا مناسب له، وهو حسن به حتى لو كان ذلك الأنف لرجل كان مشوّها، وكذلك أنف الرجل لو كان لصبيّ لتشوّهت صورته، وعلى هذا سائر الأعضاء فكل عضو ينبغي أن يكون على مقدار ماهيته بالقياس إلى الصورة وعلى نسبتها، والعجب من مصوّره كيف قدر أن يحفظ التناسب للأعضاء مع عظمها، وإنه ليس في أعمال الطبيعة ما يحاكيه.
ويقابله في برّ مصر قريبا من دار الملك: صنم عظيم الخلقة والهيئة متناسب الأعضاء كما وصف، وفي حجره مولود وعلى رأسه مأجور، الجميع صوّان ماتع يزعم الناس أنه امرأة وأنها سريّة أبي الهول المذكور، وهي بدرب منسوب إليها ويقال: لو وضع على رأس أبي الهول خيط ومدّ إلى سريته لكان على رأسها مستقيما.
ويقال: إن أبا الهول، طلسم الرمل يمنعه عن النيل، وإنّ السرية طلسم الماء يمنعه عن مصر.
وقال ابن المتوّج «1» : زقاق الصنم، هو الزقاق الشارع، أوّله بأوّل السوق الكبير بجوار درب عمار، ويعرف الصنم بسرية فرعون، وذكر أنه طلسم النيل لئلا يغلب على البلد.
وقيل: إن بلهيب الذي عند الأهرام يقابله، وإنّ ظهر بلهيب إلى الرمل، وظهر هذا إلى النيل، وكل منهما مستقبل الشرق، وقد نزل في سنة إحدى عشرة وسبعمائة، أمير يعرف ببلاط في نفر من الحجارين والقطاعين وكسروا الصنم المعروف بالسرية، وقطعوه أعتابا وقواعد ظنا أن يكون تحته مال، فلم يوجد سوى أعتاب من حجر عظيمة، فحفر تحتها إلى الماء فلم يوجد شيء، وجعل من حجرة قواعد تحتانية للعمد الصوّان التي بالجامع المستجد بظاهر مصر المعروف: بالجامع الجديد الناصريّ، وأزيل عين هذا الصنم من مكانه، والله أعلم.
وفي زمننا، كان شخص يعرف بالشيخ محمد صائم الدهر من جملة صوفية الخانقاه الصلاحية سعيد السعداء، قام في نحو من سنة ثمانين وسبعمائة لتغيير أشياء من المنكرات، وسار إلى الأهرام وشوّه وجه أبي الهول وشعثه، فهو على ذلك إلى اليوم، ومن حينئذ غلب الرمل على أراض كثيرة من الجيزة، وأهل تلك النواحي يرون أن سبب غلبة الرمل على الأراضي فساد وجه أبي الهول ولله عاقبة الأمور، وما أحسن قول ظافر الحدّاد:
تأمّل هيئة الهرمين واعجب
…
وبينهما أبو الهول العجيب
كعمار يبتن على رحيل
…
بمحبوبين بينهما رقيب
وماء النيل تحتهما دموع
…
وصوت الريح عندهما نحيب
وظاهر سجن يوسف مثل صب
…
تخلف فهو محزون كئيب
ويقال: إن أتريب «1» بن قبط بن مصر بن بيصر بن حام بن نوح أوصى أخاه صا «2» ، عند موته، أن يحمله في سفينة ويدفنه بجزيرة في وسط البحر، فلما مات، فعل ذلك من غير أن يعلم به أهل مصر فاتهمه الناس بقتل أتريب، وحاربوه تسع سنين، فلما مضى من حربهم خمس سنين مضى بهم حتى أوقفهم على قبر أتريب، فحفروه فلم يجدوا به شيئا، وقد نقلته الشياطين إلى موضع أبي الهول، ودفنته هناك بجانب قبر أبيه وجدّه بيصر، فازدادوا له تهمة وعادوا إلى مدينة منف وتحاربوا فأتاهم إبليس، فدلهم على قبر أتريب حيث نقله، فأخرجوه من قبره، ووضعوه على سرير، فتكلم لهم الشيطان على لسانه حتى افتتنوا به وسجدوا له وعبدوه، فيما عبدوا من الأصنام، وقتلوا صا، ودفنوه على شاطىء النيل فكان النيل إذا زاد لا يعلو قبره، فافتتن به طائفة، وقال: قتل ظلما وصاروا يسجدون لقبره كما يسجد أولئك لأتريب، فعمد آخرون إلى حجر فنحتوه على صورة أشموم، وكان يقال له: أبو الهول، ونصبوه بين الهرمين، وجعلوا يسجدون له، فصار أهل مصر ثلاث فرق ولم تزل الصابئة تعظم أبا الهول وتقرّب إليه الديكة البيض وتبخره بالصندروس.