الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ذكر الدفائن والكنوز التي تسميها أهل مصر المطالب
الأصل في جواز تتبع الدفائن ما رواه أبو عمرو بن عبد البر والبيهقيّ في الدلائل من حديث ابن عباس.
أن رسول الله صلى الله عليه وسلم، لما انصرف من الطائف مرّ بقبر أبي رغال «1» فقال:«هذا قبر أبي رغال، وهو أبو ثقيف» . كان إذا هلك قوم صاح في الحرم فمنعه الله. فلما خرج من الحرم رماه بقارعة، وآية ذلك أنه دفن معه عمود من ذهب فابتدر المسلمون قبره فنبشوه واستخرجوا العمود منه.
ومن حديث عبد الله بن عمر سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول حين خرجنا معه إلى الطائف فمررنا بقبر، فقال:«هذا قبر أبي رغال وكان بهذا الحرم يدفع عنه، فلما أخرج أصابته النقمة التي أصابت قومه بهذا المكان فدفن فيه وآية ذلك أنه دفن معه عصا من ذهب إن نبشتم عليه أصبتموه معه» ، فابتدره الناس فأخرجوا العصا الذي كان معه.
وبمصر كنوز يوسف عليه السلام، وكنوز الملوك من قبله، والملوك من بعده لأنه كان يكنز ما يفضل عن النفقات، والمؤن لنوائب الدهر، وهو قول الله عز وجل: فَأَخْرَجْناهُمْ مِنْ جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ وَكُنُوزٍ
[الشعراء/ 58] ويقال: إن علم الكنوز في كنيسة القسطنطينية نقلت إليها من طليطلة.
ويقال: إنّ الروم لما خرجت من الشام ومصر، اكتنزت كثيرا من أموالها في مواضع أعدّتها لذلك، وكتبت كتبا بأعلام مواضعها، وطرق الوصول إليها، وأودعت هذه الكتب قسطنطينية، ومنها يستفاد معرفة ذلك، وقيل: إن الروم لم تكتب، وإنما ظفرت بكتب معالم كنوز من ملك قبلها من اليونانيين، والكلدانيين، والقبط. فلما خرجوا من مصر والشام، حملوا تلك الكتب معهم، وجعلوها في الكنيسة وقيل: إنه لا يعطى من ذلك أحد حتى يخدم الكنيسة مدّة. فيدفع إليه ورقة تكون حظه.
قال المسعوديّ: ولمصر أخبار عجيبة من الدفائن والبنيان، وما يوجد في الدفائن من ذخائر الملوك التي استودعوها الأرض، وغيرهم من الأمم ممن سكن تلك الأرض. وتدعى بالمطالب إلى هذه الغاية وقد أتينا على جميع ذلك فيما سلف من كتبنا.
(فمن أخبارها) ما ذكره يحيى بن بكير قال: كان عبد العزيز بن مروان، عاملا على مصر لأخيه عبد الملك بن مروان، فأتاه رجل متنصح فسأله عن نصحه فقال: بالقبة الفلانية كنز عظيم. قال عبد العزيز: وما مصداق ذلك. قال: هو أن يظهر لنا بلاط من المرمر والرخام عند يسير من الحفر. ثم ينتهي بنا الحفر إلى باب من الصفر تحته عمود من الذهب على أعلاه ديك عيناه ياقوتتان تساويان ملك الدنيا، وجناحاه مضرجان بالياقوت، والزمرد «1» ورأسه على صفائح من الذهب على أعلى ذلك العمود، فأمر له عبد العزيز بنفقة لأجرة من يحفر من الرجال في ذلك ويعمل فيه. وكان هناك تل عظيم، فاحتفروا حفيرة عظيمة في الأرض، والدلائل المقدّم ذكرها من الرخام والمرمر تظهر فازداد عبد العزيز حرصا على ذلك، وأوسع في النفقة وأكثر من الرجالة، ثم انتهوا في حفرهم إلى ظهور رأس الديك، فبرق عند ظهوره لمعان عظيم. لما في عينيه من الياقوت، ثم بان جناحاه، ثم بانت قوائمه، وظهر حول العمود عمود من البنيان بأنواع الحجارة، والرخام وقناطر مقنطرة، وطاقات على أبواب معقودة، ولاحت منها تماثيل، وصور أشخاص من أنواع الصور الذهب وأجرنة من الأحجار قد أطبق عليها أغطيتها، وسبكت.
فركب عبد العزيز بن مروان، حتى أشرف على الموضع، فنظر إلى ما ظهر من ذلك فأسرع بعضهم، ووضع قدمه على درجة من نحاس ينتهي إلى ما هناك، فلما استقرّت قدماه على المرقاة ظهر سيفان عاديان عن يمين الدرجة، وشمالها فالتقيا على الرجل فلم يدرك حتى جزآه قطعا وهوى جسمه سفلا. فلما استقرّ جسمه على بعض الدرج اهتز العمود، وصفر الديك صفيرا عجيبا أسمع من كان بالبعد من هناك، وحرّك جناحيه، وظهرت من تحته أصوات عجيبة، قد عملت بالكواكب والحركات إذا مال وقع على بعض تلك الدرج شيء أو ماسها شيء انقلبت فتهاوى من هناك من الرجال إلى أسفل تلك الحفرة، وكان فيها ممن يحفر ويعمل وينقل التراب، وينظر ويحوّل ويأمر وينهي نحو ألف رجل. فهلكوا جميعا، فخرج عبد العزيز وقال: هذا ردم عجيب الأمر ممنوع النيل نعوذ بالله منه وأمر جماعة من الناس فطرحوا ما أخرج من هناك من التراب على من هلك من الناس. فكان الموضع قبرا لهم.
قال المسعودي: وقد كان جماعة من أهل الدفائن والمطالب ومن قد اعتنى وأغرى بحفر الحفائر، وطلب الكنوز وذخائر الملوك والأمم السالفة المستودعة بطن الأرض ببلاد مصر، قد وقع إليهم كتاب ببعض الأقلام السالفة فيه وصف موضع ببلاد مصر على أذرع يسيرة من بعض الأهرام بأن فيه مطلبا عجيبا، فأخبروا الإخشيد محمد بن طفج «2» بذلك
فأمرهم بحفره، وأباحهم استعمال الحيلة في إخراجه، فحفروا حفرا عظيما إلى أن انتهوا إلى أزج وأقباء وحجارة مجوّفة في صخرة منقورة فيها تماثيل قائمة على أرجلها من الخشب قد طلي بالأطلية المانعة من سرعة البلاء وتفرّق الأجزاء والصور مختلفة فيها صور شيوخ وشبان ونساء وأطفال. أعينهم من أنواع الجواهر كالياقوت والزمرد والزبرجد والفيروزج، ومنها ما وجوهها ذهب، وفضة فكسر بعض تلك التماثيل فوجدوا في أجوافها رمما بالية، وأجساما فانية، وإلى جانب كل تمثال منها نوع من الأبنية كالبراني وغيرها من المرمر والرخام، وفيه من الطلي الذي قد طلي منه ذلك الميت الموضوع في التماثيل الخشب والطلاء دواء مسحوق، وأخلاط معمولة لا رائحة لها، فجعل منه على النار شيء ففاح منه ريح طيبة مختلفة لا تعرف في نوع من أنواع الطيب. وقد جعل كل تمثال من الخشب على صورة ما فيه من الناس على اختلاف أسنانهم، ومقادير أعمارهم، وتباين صورهم، وبإزاء كل تمثال تمثال من الحجر المرمر، أو من الرخام الأخضر على هيئة الصنم على حسب عبادتهم للتماثيل والصور. عليها أنواع من الكتابات لم يقف أحد على استخراجها من أهل الملل، وزعم قوم من أهل الدراية أن لذلك القلم منذ فقد من أرض مصر. أربعة آلاف سنة، وفيما ذكرناه دلالة على أن هؤلاء ليسوا بيهود ولا نصارى ولم يؤدّهم الحفر إلا لما ذكرناه من هذه التماثيل، وكان ذلك في سنة ثمان وعشرين وثلثمائة، وقد كان من سلف وخلف من ولاة مصر. من أحمد بن طولون وغيره، إلى هذا الوقت وهو سنة اثنتين وثلاثين وثلثمائة، لهم أخبار عجيبة فيما استخرج في أيامهم من الدفائن، والأموال والجواهر، وما أصيب في هذه المطالب من القبور، وقد أتينا على ذكرها فيما تقدّم من تصنيفنا.
(وركب) أحمد «1» بن طولون يوما إلى الأهرام، فأتاه الحجاب بقوم عليهم ثياب صوف، ومعهم المساحي والمعاول، فسألهم عن ما يعملون فقالوا: نحن قوم نطلب المطالب، فقال لهم: لا تخرجوا بعدها إلا بمشورتي أو رجل من قبلي وأخبروه أنّ في سمت الأهرام مطلبا قد عجزوا عنه فضم إليهم الرافقي وتقدّم إلى عامل الجيزة في إعانتهم بالرجال والنفقات، وانصرف فأقاموا مدّة يعملون حتى ظهر لهم، فركب أحمد بن طولون إليهم وهم يحفرون، فكشفوا عن حوض مملوء دنانير، وعليه غطاء مكتوب عليه بالبربطية فأحضر من قرأه: فإذا فيه أنا فلان بن فلان الملك الذي ميز الذهب من غشه ودنسه فمن أراد أن يعلم فضل ملكي على ملكه فلينظر إلى فضل عيار ديناري على عيار ديناره، فإن مخلص الذهب من الغش مخلص في حياته وبعد وفاته، فقال أحمد بن طولون: الحمد لله أنّ ما