الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ونهران كافران. أما المؤمنان: فالنيل والفرات، وأما الكافران: فدجلة ونهر بلخ» . إنما جعل النيل والفرات مؤمنين على التشبيه لأنهما يفيضان على الأرض ويسقيان الحرث، والشجر بلا تعب في ذلك ولا مؤنة، وجعل دجلة ونهر بلخ كافرين لأنهما لا يفيضان على الأرض ولا يسقيان إلا شيئا قليلا، وذلك القليل بتعب ومؤنة فهذان في الخير والنفع كالمؤمنين، وهذان في قلة الخير والنفع كالكافرين.
ذكر مخرج النيل وانبعاثه
اعلم أن البحر المحيط بالمعمور إذا خرج منه نهر الهند، افترق قطعا كما تقدّم وكان منه قطعة تسمى بحر الزنج «1» وهي مما يلي: بلاد اليمن وبحر بربر.
وفي هذه القطعة عدّة جزائر منها: جزيرة القمر- بضم القاف وإسكان الميم وراء مهملة-. ويقال لهذه الجزيرة أيضا: جزيرة ملاي، وطولها أربعة أشهر في عرض عشرين يوما إلى أقل من ذلك؛ وهذه الجزيرة تحاذي جزيرة سرنديب، وفيها عدة بلاد كثيرة منها قمرية، وإليها ينسب الطائر القمري، ويقال: إن بهذه الجزيرة خشب ينحت من الخشبة ساق طوله ستون ذراعا يجذف على ظهره مائة وستون رجلا، وإن هذه الجزيرة ضاقت بأهلها فبنوا على الساحل محلات يسكنونها في سفح جبل يعرف بهم يقال له: جبل القمر.
واعلم أن الجبال كلها متشعبة من الجبل المستدير بغالب معمور الأرض، وهو المسمى بجبل قاف وهو أم الجبال، كلها تتشعب منه فيتصل في موضع، وينقطع في آخر، وهو كالدائرة لا يعرف له أوّل إذ كان كالحلقة المستديرة لا يعرف طرفاها وإن لم يكن استدارة كريه ولكنها استدارة إحاطة.
وزعم قوم أن أمّهات الجبال جبلان: خرج أحدهما من البحر المحيط في المغرب آخذا جنوبا، وخرج الآخر من البحر الرومي آخذا شمالا، حتى تلاقيا عند السدّ، وسموا الجنوبيّ قاف، وسموا الشمالي قاقونا، والأظهر أنه جبل واحد، ومحيط بغالب بسيط المعمور، وأنه هو الذي يسمى بجبل قاف، فيعرف بذلك في الجنوب ويعرف في الشمال بجبل قاقونا. ومبدأ هذا الجبل المحيط من كتف السدّ آخذا من وراء صنم الخط المشجوج إلى شعبته الخارجة منه المعمول بها باب الصين أخذا على غربي صين الصين، ثم ينعطف على جنوبه مستقيما في نهاية الشرق على جانب البحر المحيط، مع الفرجة المنفرجة بينه وبين البحر الهندي الداخلة، ثم ينقطع عند مخرج البحر الهنديّ المحيط مع خط الاستواء.
حيث الطول مائة وسبعون درجة، ثم يتصل من شعبة البحر الهندي الملاقي لشعبة المحيط الخارجة إلى بحر الظلمات من الشرق بجنوب كثير من وراء مخرج البحر الهندي في
الجنوب؛ وتبقى الظلمات من هاتين الشعبتين شعبة المحيط الجائية على جنوب الظلمات شرقا مغربا؛ ومخرج البحر الهندي الجائية على الظلمات حتى تتلاقى الشعبتان عند مخرج هذا الجبل كتفصيل السراويل؛ ثم ينفرج برأس البحرين شعبتان على مبدأ هذا الجبل، ويبقى الجبل بينهما كأنه خارج من نفس الماء.
ومبدأ هذا الجبل هنا وراء قبة أرين عن شرقيها، وبعده منها خمس عشرة درجة.
ويقال لهذا الجبل في أوّله: المجرّد، ثم يمتد حتى ينتهي في القسم الغربي إلى طوله إلى خمس وستين درجة؛ من أوّل المغرب وهناك يتشعب من الجبل المذكور جبل القمر، وينصب منه النيل وبه أحجار برّاقة كالفضة تتلألأ تسمى: ضحكة الباهت كل من نظرها ضحك، والتصق بها حتى يموت ويسمى: مغناطيس الناس. ويتشعب منه شعب تسمى:
أسيفي أهله كالوحوش، ثم ينفرج منه فرجة ويمرّ منه شعب إلى نهاية المغرب في البحر المحيط يسمى: جبل وحشية به سباع لها قرون طوال لا تطاق، وينطف دون تلك الفرجة من جبل قاف شعاب منها شعبتان إلى خط الاستواء يكتنفان مجرى النيل من الشرق والغرب، فالشرقي يعرف: بجبل قاقول، وينقطع عند خط الاستواء.
والغربي يعرف: بأدمرية يجري عليه نيل السودان المسمى ببحر الدمادم، وينقطع تلقاء مجالات الحبشة ما بين مدينة سفرة وحيمى وراء هذه الشعبة يمتدّ منه شعبة هي الأم من الموضع المعروف فيه الجبل بأسيفي المذكور إلى خط الاستواء حيث الطول هناك عشرون درجة، ويعرف هناك بجبل كرسقابه، وبه وحوش ضارية ثم ينتهي إلى البحر المحيط، وينقطع دونه بفرجة. وذلك وراء التكرور عند مدينة قلمتبور أو وراء هذا الجبل سودان يقال لهم: تمتم يأكلون الناس، ثم تتصل الأم من ساحل البحر الشامي في شماله شرقي رومية الكبرى مسامتا للشعبة المسماة أدمدمه المنقطعة بين سمعرة، وحيمي لا يكاد يخطوها حيث الطول خمس وثلاثون درجة، ويقع منشأ اتصال هذه الأم على عرض خمسين درجة، وكذلك تقطع شعبها الآخذة في الجنوب على عرض خمسين درجة عند آخرها ما بين سردانة وبلنسية «1» وتتناهى، وصلة هذه الأم إلى البحر المحيط في نهاية الشمال قبالة جزيرة بركانية. وتبقى سوسية داخل الجبل.
ثم تمتد هذه الأم بعد انقطاع لطيف، وينعطف انعطاف خرجة البحر المحيط في المغرب على الصقلب المسماة ببحر الأنفلشين، ممتدا إلى غاية المشرق ويسمى هناك بجبل قاقونا ويبقى وراءه البحر جامدا لشدة البرد، ثم ينعطف من الشمال إلى المشرق جنوبا بتغريب إلى كتف السدّ الشمالي فيتلاقى هناك الطرفان وبينهما في الفرجة المنفرجة سوّى ذو القرنين بين الصدفين.
وفي
جزيرة القمر، ثلاثة أنهار: أحدها في شرقيها من قنطورا ومعلا، وثانيها في غربيها ينصب من جبل قدم آدم على مدينة سبا، ويأخذ مارا على مدينة فردرا، وينجر هناك بحيرة في جنوبها مدينة كيما، حيث محل السودان الذين يأكلون الناس. وثالثها في غربيها أيضا ويخرج من الجبل المشبه ماء محدودب الذيل يطوف بمدينة دهما فتبقى مدينة دهما في جزيرة بينهما يكون هو محيطا بها شرقا وجنوبا وغربا ويصير لذلك كالجزيرة، ويتصل شمالها بالبحر الهندي، وتقع مدينة قوارة في غربيه، حيث يصب في البحر الهندي.
ومن جبل القمر يخرج نهر النيل، وقد كان يتبدّد على وجه الأرض فلما قدم نقراوش الحدار بن مصريم الأوّل ابن مركابيل ابن دوابيل بن عرباب ابن آدم عليه السلام إلى أرض مصر ومعه عدّة من بني عرباب، واستوطنوها، وبنوا بها مدينة أمسوس وغيرها من المدائن حفروا النيل حتى أجروا ماءه إليهم، ولم يكن قبل ذلك معتدل الجري بل ينبطح، ويتفرّق في الأرض حتى وجه إلى النوبة الملك نقراوش، فهندسوه وساقوا منه أنهارا إلى مواضع كثيرة من مدنهم التي بنوها، وساقوا منه نهرا إلى مدينة أمسوس، ثم لما خربت أرض مصر بالطوفان، وكانت أيام البودشيرين قفط بن مصر بن بيصر بن حام بن نوح عليه السلام عدل جانبي النيل تعديلا ثانيا بعدما أتلفه الطوفان.
قال الأستاذ إبراهيم بن وصيف شاه فملك البودشير، وتجبر، وهو أوّل من تكهن، وعمل بالسحر، واحتجب عن العيون وقد كانت أعمامه أشمن وأتريب وصا ملوكا على أحيازهم. إلا أنه قهرهم بجبروته، وقوّته فكان الذكر له كما تجبر أبوه على من قبله لأنه كان أكبرهم ولذلك أغضوا عنه فيقال: إنه أرسل هرمس- الكاهن المصري- إلى جبل القمر الذي يخرج النيل من تحته، حتى عمل هناك التماثيل النحاس، وعدل البطيحة التي ينصب فيها ماء النيل. ويقال: إنه الذي عدل جانبي النيل، وقد كان يفيض وربما انقطع في مواضع.
وهذا القصر الذي فيه تماثيل النحاس يشتمل على خمس وثمانين صورة جعلها هرمس جامعة لما يخرج من ماء النيل بمعاقد ومصاب مدورة وقنوات يجري فيها الماء وينصب إليها إذا خرج من تحت جبل القمر حتى يدخل من تلك الصور، ويخرج من حلوقها، وجعل لها قياسا معلوما بمقاطع، وأذرع مقدّرة، وجعل ما يخرج من هذه الصور من الماء ينصب إلى الأنهار ثم يصير منها إلى بطيحتين، ويخرج منهما حتى ينتهي إلى البطيحة الجامعة للماء الذي يخرج من تحت الجبل، وعمل لتلك الصور مقادير من الماء الذي يكون معه الصلاح بأرض مصر. وينتفع به أهلها دون الفساد، وذلك الانتهاء المصلح ثمانية عشر ذراعا بالذراع الذي مقداره اثنان وثلاثون إصبعا. وما فضل عن ذلك عدل عن يمين تلك الصور، وشمالها إلى مسارب يخرج، ويصب في رمال وغياض لا ينتفع بها من خلف خط الاستواء. ولولا ذلك لغرّق ماء النيل البلدان التي يمر عليها.
قال: وكان الوليد بن دومع العمليقي، قد خرج في جيش كثيف يتنقل في البلدان، ويقهر ملوكها ليسكن ما يوافقه منها. فلما صار إلى الشام انتهى إليه خبر مصر، وعظم قدرها وإن أمرها قد صار إلى النساء، وباد ملوكها. فوجه غلاما له يقال له: عون إلى مصر، وسار إليها بعده، واستباح أهلها وأخذ الأموال، وقتل جماعة من كهنتها، ثم سنح له أن يخرج ليقف على مصب النيل. فيعرف ما بحافتيه من الأمم فأقام ثلاث سنين يستعدّ لخروجه وخرج في جيش عظيم فلم يمرّ بأمّة إلا أبادها، ومرّ على أمم السودان، وجاوزهم ومرّ على أرض الذهب، فرأى فيها قضبانا نابتة من ذهب، ولم يزل يسير حتى بلغ البطيحة التي ينصب ماء النيل فيها من الأنهار التي تخرج من تحت جبل القمر. وسار حتى بلغ البطيحة هيكل الشمس، وتجاوزه حتى بلغ جبل القمر، وهو جبل عال وإنما سمي: جبل القمر لأنّ القمر لا يطلع عليه لأنه خارج من تحت خط الاستواء، ونظر إلى النيل يخرج من تحته فيمرّ في طريق وأنهار دقاق حتى ينتهي إلى حظيرتين، ثم يخرج منهما في نهرين حتى ينتهي إلى حظيرة أخرى، فإذا جاوز خط الاستواء مدّته عين تخرج من ناحية نهر مكران بالهند؛ وتلك العين أيضا تخرج من تحت جبل القمر إلى ذلك الوجه. ويقال: إن نهر مكران، مثل النيل يزيد وينقص، وفيه التماسيح والأسماك التي مثل أسماك النيل.
ووجد الوليد بن دومع: القصر الذي فيه التماثيل النحاس التي عملها هرمس الأوّل في وقت البودشير بن قنطريم بن قبطيم ابن مصرايم. وقد ذكر قوم من أهل الأثر أن الأنهار الأربعة تخرج من أصل واحد من قبة في أرض الذهب التي من وراء البحر المظلم وهي سيحون، وجيحون، والفرات، والنيل. وأن تلك الأرض من أرض الجنة. وأن تلك القبة من زبرجد، وأنها قبل أن تسلك البحر المظلم أحلى من العسل وأطيب رائحة من الكافور.
وممن جاء بهذا رجل من ولد العيص بن إسحاق بن إبراهيم عليهما السلام وصل إلى تلك القبة؛ وقطع البحر المظلم وكان يقال له: حايد، وقال آخرون: تنقسم هذه الأنهار على اثنين وسبعين قسما حذاء اثنين وسبعين لسانا للأمم. وقال آخرون: هذه الأنهار من ثلوج تتكاثف ويذيبها الحرّ، فتسيل إلى هذه الأنهار وتسقي من عليها لما يريد الله عز وجل من تدبير خلقه قالوا: ولما بلغ الوليد جبل القمر، رأى جبلا عاليا؛ فعمل حيلة إلى أن صعد إليه ليرى ما خلفه، فأشرف على البحر الأسود الزفتي المنتن، ونظر إلى النيل يجري عليه كالأنهار الدقاق. فأتته من ذلك البحر روائح منتنة هلك كثير من أصحابه من أجلها، فأسرع النزول بعد أن كاد يهلك.
وذكر قوم: أنهم لم يروا هناك شمسا ولا قمرا إلا نورا أحمر كنور الشمس عند غيابها.
وأما ما ذكر عن حايد وقطعه البحر المظلم ماشيا عليه لا يلصق بقدمه منه شيء؛ وكان فيما يذكر نبيا وأوتي حكمة وأنه سأل الله تعالى: أن يريه منتهى النيل، فأعطاه قوّة على ذلك
فيقال: إنه أقام يمشي عليه ثلاثين سنة في عمران وعشرين سنة في خراب. قالوا: وأقام الوليد في غيبته أربعين سنة، وعاد ودخل منف، وأقام بمصر فاستعبد أهلها واستباح حريمهم وأموالهم وملكهم مائة وعشرين سنة؛ فأبغضوه وسئموه إلى أن ركب في بعض أيامه متصيدا فألقاه فرسه في وهدة فقتله، واستراح الناس منه.
وقال قدامة بن جعفر «1» في كتاب الخراج: انبعاث النيل من جبل القمر وراء خط الاستواء من عين تجري منها عشرة أنهار كل خمسة منها تصب إلى بطيحة، ثم يخرج من كل بطيحة نهران، وتجري الأنهار الأربعة إلى بطيحة كبيرة في الإقليم الأوّل، ومن هذه البطيحة «2» يخرج نهر النيل.
وقال في كتاب نزهة المشتاق إلى اختراق الآفاق: إن هذه البحيرة تسمى بحيرة كوري منسوبة لطائفة من السودان يسكنون حولها. متوحشين يأكلون من وقع إليهم من الناس، ومن هذه البحيرة يخرج لهم نهر غانة وبحر الحبشة، فإذا خرج النيل منها يشق بلاد كوري، وبلادينه. وهم طائفة من السودان بين كاتم والنوبة فإذا بلغ دنقلة مدينة النوبة عطف من غربيها، وانحدر إلى الإقليم الثاني فيكون على شطيه عمارة النوبة. وفيه هناك جزائر متسعة عامرة بالمدن والقرى ثم يشرق إلى الجنادل.
وقال المسعودي رحمه الله تعالى: رأيت في كتاب جغرافيا: النيل مصوّرا ظاهرا من تحت جبل القمر، ومنبعه ومبدأ ظهوره من اثني عشرة عينا؛ فتصب تلك المياه إلى بحيرتين هنالك كالبطائح ثم يجتمع الماء منهما جاريا فيمرّ برمال هنالك وجبال، ويخرق أرض السودان فيما يلي بلاد الزنج، فيتشعب منه خليج يصب في بحر الزنج، ويجري على وجه الأرض تسعمائة فرسخ. وقيل: ألف فرسخ في عامر وغامر من عمران، وخراب حتى يأتي أسوان من صعيد مصر.
وقال في كتاب هردسوس: نهر النيل مخرجه من ريف بحر القلزم، ثم يميل إلى ناحية الغرب فيصير في وسطه جزيرة، وآخر ذلك يميل إلى ناحية الشمال فيسقي أرض مصر.
وقيل: إن مخرجه من عين فيما يجاوز الجبل، ثم يغيب في الرمال ثم يخرج غير بعيد فيصير له محبس عظيم، ثم يساير البحر المحيط على قفار الحبشة، ثم يميل على اليسار إلى أرض مصر، فيحق ما يظن بهذا النهر أنه عظيم إذ كان مجراه على ما حكيناه.
قال: ونهر النيل وهو الذي يسمى بلون مخرجه خفيّ ولكن ظاهر إقباله من أرض الحبشة، ويصير له هناك محبس عظيم مجراه إليه مائتا ميل وذكر مخرجه حتى ينتهي إلى
البحر قال: وكثيرا ما يوجد في نهر النيل التماسيح، وإقبال النيل من أرض الحبشة ليس يختلف فيه أحد، وعدّة أمياله من مخرجه المعروف إلى موقفه مائة ألف وتسعون ألفا وتسعمائة وثلاثون ميلا.
وماء النيل عكر مرمل عذب وفيّ، انتهى. والنيل إذا وصل إلى الجنادل كان عند انتهاء مراكب النوبة انحدار أو مراكب الصعيد إقلاعا. وهناك حجارة مضرسة لا مرور للمراكب عليها إلا في أيام زيادة النيل. ثم يأخذ على الشمال فيكون على شرقيه أسوان من الصعيد الأعلى، ويمرّ بين جبلين يكتنفان أعمال مصر أحدهما شرقيّ والآخر غربي، حتى يأتي مدينة فسطاط مصر، فتكون في بره الشرقيّ. فإذا تجاوز فسطاط مصر بمسافة يوم صار فرقتين: فرقة تمرّ حتى تصب في بحر الروم عند دمياط، وتسمى هذه الفرقة: بحر الشرق، والفرقة الأخرى هي: عمود النيل ومعظمه يقال لها: بحر الغرب تمرّ حتى تصب في بحر الروم أيضا عند رشيد، وكانت مدينة كبيرة في قديم الزمان.
ويقال: إن مسافة النيل من منبعه إلى أن يصب في البحر عند رشيد سبعمائة وثمانية وأربعون فرسخا. وأنه يجري في الخراب أربعة أشهر، وفي بلاد السودان شهرين، وفي بلاد الإسلام مسافة شهر.
وذهب بعضهم إلى أن زيادة ماء النيل إنما تكون بسبب المدّ الذي يكون في البحر فإذا فاض ماؤه تراجع النيل، وفاض على الأراضي ووضع في ذلك كتابا حاصله: إن حركة البحر التي يقال لها المدّ والجزر، توجد في كل يوم وليلة مرّتين، وفي كل شهر قمريّ مرّتين، وفي كل سنة مرّتين. فالمدّ والجزر اليوميّ تابع لقرص القمر، ويخرج الشعاع عنه من جنبتي جرم الماء.
فإذا كان القمر وسط السماء كان البحر في غاية المدّ، وكذا إذا كان القمر في وتد الأرض فإذا بزغ القمر طالعا من الشرق أو غرب كان الجزر. والمدّ الشهري يكون عند استقبال القمر للشمس في نصف الشهر، ويقال له: الامتلاء أيضا عند الاجتماع، ويقال له: السرار.
والجزر يكون أيضا في وقتين عند تربيع القمر للشمس في سابع الشهر، وفي ثاني عشريه.
والمدّ السنوي يكون أيضا في وقتين: أحدهما عند حلول الشمس آخر برج السنبلة، والآخر عند حلول الشمس بآخر برج الحوت، فإن اتفق أن يكون ذلك في وقت الامتلاء أو الاجتماع، فإنه حينئذ يجتمع الامتلاءان الشهريّ والسنويّ، ويكون عند ذلك البحر في غاية الفيض لا سيما إن وقع الاجتماع أو الامتلاء في وسط السماء، ووقع مع النيرين أو مع أحدهما أحد الكواكب السيارة فإنه يعظم الفيض. فإن وقع كوكب فصاعدا مع أحد النيرين، تزايد عظم الفيض، وكانت زيادة النيل تلك السنة عظيمة جدا، وزاد أيضا نهر مهران. فإن كان الاجتماع أو الامتلاء زائلا عن وسط السماء، وليس مع أحد النيرين كوكب فإن النيل ونهر مهران لا يبلغان غاية زيادتهما لعدم الأنوار التي تثير المياه.
ويكون بمصر في السنة الغلاء والجزء السنوي يكون عند حلول الشمس برأسي الجدي والسرطان. فأما المدّ اليوميّ الدافع من البحر المحيط فإنه لا ينتهي في البحر الخارج من المحيط أكثر من درجة واحدة فلكية، ومساحتها من الأرض نحو من ستين ميلا ثم ينصرف، وانصرافه هو الجزر وكذلك الأودية إذا كانت الأرض وهدة، والمدّ الشهري ينتهي إلى أقاصي البحار، وهو يمسكها حتى لا تنصب في البحر المحيط، وحيث ينتهي المدّ الشهريّ فهناك منتهى ذلك البحر وطرفه. وأما المدّ السنوي فإنه يزيد في البحار الخارجة عن البحر المحيط زيادة بينة، ومن هذه الزيادة تكون زيادة النيل وامتلاؤه، وامتلاء نهر مهران، والديتلو الذي ببلاد السند. قال: ولما جاء أرسطو إلى مصر مع الإسكندر ورأى مصب النيل، وعلم أن من المحال أن يكون النيل في أسوان واد من الأودية. وكلما استحل اتسع حتى أن عرضه في أسفل ديار مصر لينتهي إلى مائة ميل عند غاية الفيض، وله أفواه كثيرة شارعه في البحر تسع كل ما يهبط من الميزان في ذلك الصنع، فرأى محالا أن يكون الوادي بحيث يضيق أسفله عن حمل ما يأتي به أعلاه مع ضيق أعلاه وسعة أسفله.
فلما رأى ذلك قال: إن رياحا تستقبل جرية الماء وتردعه، فيفيض لذلك. وقال الإسكندر: إن من المحال أن يكون الريح يردع الماء السائل في الوادي حتى يفيض أكثر من مائة ميل، ولو كانت الريح تفعل ذلك لكان الماء السائل ينفلت من أسفل الوادي، ويسيل إلى البحر، لأن البحر لا يمسك إلا أعلاه؛ ولكن الرياح تقذف الرمل في أفواه تلك الشوارع التي تفضي إلى البحر، فيعثر بها شبه الردم فيفيض. قال: وأغفل أن الرمل جسم متخلخل، فالماء يتخلله وينفذه سائلا إلى البحر، مع أن الرمل لم يعتل اعتلاء يظهر للحسن، والماء سائل في كل حين على حلق تنيس ودمياط وحلق رشيد وحلق الإسكندرية، ففطنوا لاستحالة كونه سائلا عن سيل حامل ونسبوا توقفه إلى الريح والرمل. وهم استقصوا الهواء واستقصوا الأرض وأغفلوا الاستقصاء الثالث الذي هو الماء لأنهم لم يعرفوا حركة البحر السنوية لأنها لا تبلغ الغاية إلا في ثلاثة أشهر فلا يظهر مقدار صعودها في كل يوم للحس. ولذلك وضع أمير مصر المقياس بديار مصر.
قال: والمدّ كله واحد وهو أن القمر يقابل الماء كما تقابل الشمس الأرض، فنور القمر إذا قابل كرة الأرض سخنها كما تسخن الشمس الهواء المحيط فيعتري الهواء المحيط بالماء بعض تسخين يذيب الماء، فيفيض وينمى بخاصته كالمرآة المحرقة الملهبة للجوّ حتى تحرق القطنة الموضوعة بين المرآة والشمس. فهذا مثاله في المقابلة ومثاله في المسرار كون الزجاجة المملوءة ما يلقى الشعاع إلى حلقها، فتحترق القطنة أيضا. فالقمر جسم نوريّ باكتسابه ذلك من الشمس. فإذا حال بين الشمس والأرض خرج عن جانبي الماء شعاع نافذ يمرّ مع جنبي الماء فيسخن ما قابله فينمو. والماء جسم شفاف عن جانبيه يخرج الشعاع كما