المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ذكر عين شمس - المواعظ والاعتبار بذكر الخطط والآثار - جـ ١

[المقريزي]

فهرس الكتاب

- ‌الجزء الاول

- ‌تقديم

- ‌[مقدمة المؤلف]

- ‌ذكر الرءوس الثمانية

- ‌ذكر طرف من هيئة الأفلاك

- ‌ذكر صورة الأرض وموضع الأقاليم منها

- ‌ذكر محل مصر من الأرض وموضعها من الأقاليم السبعة

- ‌ذكر حدود مصر وجهاتها

- ‌ذكر بحر القلزم

- ‌ذكر البحر الرومي

- ‌ذكر اشتقاق مصر ومعناها وتعداد أسمائها

- ‌ذكر طرف من فضائل مصر

- ‌ذكر العجائب التي كانت بمصر من الطلسمات والبرابي ونحو ذلك

- ‌ذكر الدفائن والكنوز التي تسميها أهل مصر المطالب

- ‌ذكر هلاك أموال أهل مصر

- ‌ذكر أخلاق أهل مصر وطبائعهم وأمزجتهم

- ‌ذكر شيء من فضائل النيل

- ‌ذكر مخرج النيل وانبعاثه

- ‌فصل في الردّ على من اعتقد أن النيل من سيل يفيض

- ‌ذكر مقاييس النيل وزيادته

- ‌ذكر الجسر الذي كان يعبر عليه في النيل

- ‌ذكر ما قيل في ماء النيل من مدح وذم

- ‌ذكر عجائب النيل

- ‌ذكر طرف من تقدمة المعرفة بحال النيل في كل سنة

- ‌ذكر عيد الشهيد

- ‌ذكر الخلجان التي شقت من النيل

- ‌ذكر ما كانت عليه أرض مصر في الزمن الأوّل

- ‌ذكر أعمال الديار المصرية وكورها

- ‌ذكر ما كان يعمل في أراضي مصر من حفر الترع وعمارة الجسور ونحو ذلك من أجل ضبط ماء النيل وتصريفه في أوقاته

- ‌ذكر مقدار خراج مصر في الزمن الأوّل

- ‌ذكر ما عمله المسلمون عند فتح مصر في الخراج وما كان من أمر مصر في ذلك مع القبط

- ‌ذكر انتقاض القبط وما كان من الأحداث في ذلك

- ‌ذكر نزول العرب بريف مصر واتخاذهم الزرع معاشا وما كان في نزولهم من الأحداث

- ‌ذكر قبالات أراضي مصر بعد ما فشا الإسلام في القبط ونزول العرب في القرى وما كان من ذلك إلى الروك الأخير الناصري

- ‌ذكر الروك الأخير الناصري

- ‌ذكر الديوان

- ‌ذكر ديوان العساكر والجيوش

- ‌ذكر القطائع والإقطاعات

- ‌ذكر ديوان الخراج والأموال

- ‌ذكر خراج مصر في الإسلام

- ‌ذكر أصناف أراضي مصر وأقسام زراعتها

- ‌ذكر أقسام مال مصر

- ‌ذكر الأهرام

- ‌ذكر الصنم الذي يقال له أبو الهول

- ‌ذكر الجبال

- ‌ذكر الجبل المقطم

- ‌الجبل الأحمر

- ‌جبل يشكر

- ‌ذكر الرّصد

- ‌ذكر مدائن أرض مصر

- ‌ذكر مدينة أمسوس وعجائبها وملوكها

- ‌ذكر مدينة منف وملوكها

- ‌ذكر مدينة الإسكندرية

- ‌ذكر الإسكندر

- ‌ذكر تاريخ الإسكندر

- ‌ذكر الفرق بين الإسكندر وذي القرنين وأنهما رجلان

- ‌ذكر من ولي الملك بالإسكندرية بعد الإسكندر

- ‌ذكر منارة الإسكندرية

- ‌ذكر الملعب الذي كان بالإسكندرية وغيره من العجائب

- ‌ذكر عمود السواري

- ‌ذكر طرف مما قيل في الإسكندرية

- ‌ذكر فتح الإسكندرية

- ‌ذكر ما كان من فعل المسلمين بالإسكندرية وانتقاض الروم

- ‌ذكر بحيرة الإسكندرية

- ‌ذكر خليج الإسكندرية

- ‌ذكر جمل حوادث الإسكندريّة

- ‌ذكر مدينة أتريب

- ‌ذكر مدينة تنيس

- ‌ذكر مدينة صا

- ‌رمل الغرابي

- ‌ذكر مدينة بلبيس

- ‌ذكر بلد الورادة

- ‌ذكر مدينة أيلة

- ‌ذكر مدينة مدين

- ‌بقية خبر مدينة مدين

- ‌ذكر مدينة فاران

- ‌ذكر أرض الجفار

- ‌ذكر صعيد مصر

- ‌ذكر تشعب النيل من بلاد علوة ومن يسكن عليه من الأمم

- ‌ذكر البجة ويقال إنهم من البربر

- ‌ذكر مدينة أسوان

- ‌ذكر بلاق

- ‌ذكر حائط العجوز

- ‌ذكر البقط

- ‌ذكر صحراء عيذاب

- ‌ذكر مدينة الأقصر

- ‌ذكر البلينا

- ‌ذكر سمهود

- ‌ذكر إرجنّوس

- ‌ذكر أبويط

- ‌ذكر ملوى

- ‌ذكر مدينة أنصنا

- ‌ذكر القيس

- ‌ذكر دروط بلهاسة

- ‌ذكر سكر

- ‌ذكر منية الخصيب

- ‌ذكر منية الناسك

- ‌ذكر الجيزة

- ‌ذكر قرية ترسا

- ‌ذكر منية أندونة

- ‌ذكر وسيم

- ‌ذكر منية عقبة

- ‌ذكر حلوان

- ‌ذكر مدينة العريش

- ‌ذكر مدينة الفرماء

- ‌ذكر مدينة القلزم

- ‌ذكر التيه

- ‌ذكر مدينة دمياط

- ‌ذكر شطا

- ‌ذكر الطريق فيما بين مدينة مصر ودمشق

- ‌ذكر مدينة حطين

- ‌ذكر مدينة الرقة

- ‌ذكر عين شمس

- ‌المنصورة

- ‌العباسة

- ‌ذكر مدينة دندرة

- ‌ذكر الواحات الداخلة

- ‌ذكر مدينة سنتريّة

- ‌ذكر الواحات الخارجة

- ‌ذكر مدينة قوص

- ‌ذكر مدينة أسنا

- ‌ذكر مدينة أدفو

- ‌إهناس

- ‌ذكر مدينة البهنسا

- ‌ذكر مدينة الأشمونين

- ‌ذكر مدينة إخميم

- ‌ذكر مدينة العقاب

- ‌ذكر مدينة الفيوم

- ‌ذكر ما قيل في الفيوم وخلجانها وضياعها

- ‌ذكر فتح الفيوم ومبلغ خراجها وما فيها من المرافق

- ‌مدينة النحريرية

الفصل: ‌ذكر عين شمس

‌ذكر عين شمس

«1»

وكان يقال لها في القديم: رعمساس، وكانت عين شمس، هيكلا يحج الناس إليه، ويقصدونه من أقطار الأرض في جملة ما كان يحج إليه من الهياكل التي كانت في قديم الدهر، ويقال: إنّ الصابئة أخذت هذه الهياكل عن عاد وثمود، ويزعمون أنه عن شيث بن آدم، وعن هرمس الأوّل، وهو إدريس، وإن إدريس هو أوّل من تكلم في الجواهر العلوية والحركات النجومية، وبنى الهياكل ومجد الله فيها.

ويقال: إنّ الهياكل كانت عدّتها في الزمن الغابر: اثني عشر هيكلا، وهي هيكل:

العلة الأولى، وهيكل: العقل، وهيكل: السياسة، وهيكل: الصورة، وهيكل: النفس؛ وكانت هذه الهياكل الخمسة مستديرات، والهيكل السادس هيكل: زحل، وهو مسدّس، وبعده هيكل: المشتري وهو مثلث، ثم هيكل: المرّيخ، وهو مربع، وهيكل: الشمس، وهو أيضا مربع، وهيكل: الزهرة، وهو مثلث مستطيل، وهيكل: عطارد مثلث في جوف مربع مستطيل، وهيكل: القمر مثمن.

وعللوا عبادتهم للهياكل بأن قالوا: لما كان صانع العالم مقدّسا عن صفات الحدوث، وجب العجز عن إدراك جلاله، وتعين أن يتقرّب إليه عباده بالمقرّبين لديه، وهم:

الروحانيون ليشفعوا لهم، ويكونوا وسائط لهم عنده، وعنوا بالروحانيين: الملائكة، وزعموا أنها المدبرات للكواكب السبعة السيارة في أفلاكها، وهي هياكلها وأنه لا بدّ لكل روحانيّ من هيكل، ولا بدّ لكل هيكل من فلك، وأن نسبة الروحانيّ، إلى الهيكل نسبة الروح إلى الجسد، وزعموا: أنه لا بدّ من رؤية المتوسط بين العباد، وبين بارئهم حتى يتوجه إليه العبد بنفسه، ويستفيد منه، ففزعوا إلى الهياكل التي هي السيارات، فعرفوا بيوتها من الفلك، وعرفوا مطالعها ومغاربها واتصالاتها، وما لها من الأيام والليالي، والساعات والأشخاص والصور والأقاليم، وغير ذلك مما هو معروف في موضعه من العلم الرياضي.

وسموا هذه السبعة السيارة: أربابا وآلهة، وسموا: الشمس إله الآلهة ورب الأرباب، وزعموا أنها المفيضة على ألسنة أنوارها، والمظهرة فيها آثارها، فكانوا يتقرّبون إلى الهياكل تقرّبا إلى الرّوحانيين لتقرّبهم إلى الباري، لزعمهم أن الهياكل أبدان الروحانيين، وكلّ من تقرّب إلى شخص، فقد تقرّب إلى روحه.

وكانوا: يصلون لكل كوكب يوما، يزعمون أنه رب ذلك اليوم، وكانت صلاتهم في ثلاثة أوقات: الأولى عند طلوع الشمس، والثانية عند استوائها في الفلك، والثالثة عند

ص: 421

غروبها، فيصلون لزحل يوم السبت، وللمشتري يوم الأحد، وللمريخ يوم الاثنين، وللشمس يوم الثلاثاء، وللزهرة يوم الأربعاء، ولعطارد يوم الخميس، وللقمر يوم الجمعة.

ويقال: إنه كان ببلخ «1» هيكل بناه: بنو حمير على اسم القمر لتعارض به الكعبة، فكانت الفرس تحجه وتكسوه الحرير، وكان اسمه: نوبهر، فلما تمجست الفرس، عملته بيت نار، وقيل للموكل بسدانته: برمك، يعني والي مكة، وانتهت البرمكة إلى جد خالد جدّ جعفر بن يحيى بن خالد، فأسلم على يد هشام بن عبد الملك، وسماه عبد الله، وخرّب هذا الهيكل، قيس بن الهيثم في أوّل خلافة معاوية سنة إحدى وأربعين، وكان بناء عظيما حوله أروقة وثلثمائة وستون مقصورة لسكن خدّامه.

وكان بصنعاء، قصر غمدان من بناء الضحاك، وكان هيكل الزهرة، وهدم في خلافة عثمان بن عفان.

وكان بالأندلس: في الجبل الفارق بين جزيرة الأندلس، والأرض الكبيرة، هيكل المشتري من بناء كلوبطرة بنت بطليموس.

وكان بفرعانة «2» بيت يقال له: كلوسان هيكل للشمس، بناه بعض ملوك الفرس، الأول خرّبه المعتصم، وقد اختلف فيمن بنى هيكل عين شمس، وسأقص من أخباره ما لم أره مجموعا في كتاب.

قال ابن وصيف شاه: وقد كان الملك، منقاوس إذا ركب، عملوا بين يديه التخاييل العجيبة، فيجتمع الناس، ويعجبون من أعمالهم، وأمر أن يبنى له هيكل للعبادة يكون له خصوصا، ويجعل فيه قبة فيها صورة الشمس والكواكب، وجعل حولها أصناما، وعجائب، فكان الملك يركب إليه ويقيم فيه سبعة أيام، وجعل فيه عمودين زبر عليهما تاريخ الوقت الذي عمله فيه، وهما باقيان إلى اليوم، وهو الموضع الذي يقال له عين شمس، ونقل إلى عين شمس كنوزا وجواهر وطلسمات وعقاقير وعجائب، ودفنها بها وبنواحيها، وأقام ملكا بإحدى وتسعين سنة، ومات من الطاعون، وقيل: من سمّ، وعمل له ناوس في صحراء الغرب، وقيل: في غربيّ قوص، ودفن معه مصاحف الحكمة والصنعة، وتماثيل الذهب والجوهر، ومن الذهب المضروب شيء كثير، ودفن معه تمثال روحانيّ الشمس من ذهب يلمع، وله جناحان من زبرجد، وصنم على صورة امرأته، وكان يحبها.

فلما ماتت، أمر أن تعمل صورتها في الهياكل كلها، وعمل صورتها من ذهب بذؤابتين

ص: 422

سوداوين، وعليها حلة من جواهر منظومة، وهي جالسة على كرسيّ، وكان يجعلها بين يديه في كل موضع يجلس فيه يتسلى بذلك عنها، فدفنت هذه الصورة معه تحت رجليه كأنها تخاطبه.

وقال الحكيم الفاضل أحمد بن خليفة في كتاب عيون الأنباء في طبقات الأطباء:

واشتاق فيثاغورس إلى الاجتماع بالكهنة الذين كانوا بمصر، فورد على أهل مدينة الشمس المعروفة في زماننا بعين شمس، فقبلوه قبولا كريما، وامتحنوه زمانا، فلم يجدوا عليه نقصا ولا تقصيرا، فوجهوا به إلى كهنة منف كي يبالغوا في امتحانه، فقبلوه على كراهة واستقصوا امتحانه، فلم يجدوا عليه معيبا، ولا أصابوا له عثرة، فبعثوا به إلى أهل ديوسوس ليمتحنوه، فلم يجدوا عليه طريقا، ولا إلى إدحاضه سبيلا، ففرضوا عليه فرائض صعبة، كيما يمتنع من قبولها، فيدحضوه ويحرموه طلبته، مخالفة لفرائض اليونانين، فقبل ذلك، وقام به، فاشتدّ إعجابهم به، وفشا بمصر ورعه حتى بلغ ذكره إلى أماسيس ملك مصر، فأعطاه سلطانا على ضحايا الرب، وعلى سائر قرابينهم، ولم يعط ذلك لغريب قط.

ويقال: إنه كان للكواكب السبعة السيارة، هياكل تحج الناس إليها من سائر أقطار الدنيا، وضعها القدماء، فجعلوا على اسم كل كوكب هيكلا في ناحية من نواحي الأرض، وزعموا أن البيت الأوّل هو الكعبة، وأنه مما أوصى إدريس الذي يسمونه هرمس الأوّل المثلث، أن يحج إليه، وزعموا أنه منسوب لزحل، والبيت الثاني بيت المرّيخ، وكان بمدينة صور من الساحل الشاميّ، والبيت الثالث للمشتري، وكان بدمشق، بناه جيرون بن سعد بن عاد، وموضعه الآن جامع بني أمية، والبيت الرابع بيت الشمس بمصر، ويقال: إنه من بناء هرشيك أحد ملوك الطبقة الأولى من ملوك الفرس، وهو المسمى بعين شمس، والبيت الخامس بيت الزهرة، وكان بمنتيح، والبيت السادس بيت عطارد، وهو بصيدا من ساحل البحر الشاميّ، والبيت السابع بيت القمر، وكان بحرّان «1» ويقال: إنه قلعتها، ويسمى المدوّر، ولم يزل عامرا إلى أن خرّبه التتر، ويقال: إنه كان هو هيكل الصابئة الأعظم. وقال شافع بن عليّ «2» في كتاب عجائب البلدان: وعين شمس مدينة صغيرة تشاهد سورها محدقا بها مهدوما، ويظهر من أمرها أنها كانت بيت عبادة، وفيها من الأصنام الهائلة العظيمة الشكل من نحيت الحجارة ما يكون طول الصنم، بقدر ثلاثين ذراعا، وأعضاؤه في تلك النسبة من العظم، وكل هذه الأصنام قائمة على قواعد، وبعضها قاعد على نصبات عجيبة وإتقانات محكمة، وباب المدينة موجود إلى الآن، وعلى معظم تلك الحجارة تصاوير على

ص: 423

شكل الإنسان وغيره من الحيوان، وكتابة كثيرة بالقلم المجهول، وقلما ترى حجرا خلا عن كتابة أو نقش أو صورة.

وفي هذه المدينة، المسلتان المشهورتان، وتسميان مسلتي فرعون وصفة المسلة قاعدة مربعة طولها عشرة أذرع في مثلها عرضا في نحوها سمكا، قد وضعت على أساس ثابت في الأرض، ثم أقيم عليها، عمود مثلث مخروط ينيف طوله على مائة ذراع، يبتدئ من القاعدة ببسطة، قطرها خمسة أذرع، وينتهي إلى نقطة، وقد لبّس رأسها بقلنسوة نحاس إلى نحو ثلاثة أذرع منها كالقمع، وقد تزنجر بالمطر، وطول المدّة، واخضرّ، وسال من خضرته على بسيط المسلة، وكلها عليها كتابات بذلك القلم، وكانت المسلتان قائمتين، ثم خربت إحداهما، وانصدعت من نصفها العظم الثقل، وأخذ النحاس من رأسها، ثم إنّ حولها من الأصنام شيئا كثيرا لا يحصى عدده على نصف تلك العظمى، أو يليها، وقلما يوجد في هذه المسال الصغار ما هو قطعة واحدة، بل فصوصها بعضها على بعض، وقد تهدّم أكثرها، وإنما بقيت قواعدها.

وقال محمد بن إبراهيم الجزريّ في تاريخه: وفي رابع شهر رمضان، يعني من سنة ست وخمسين وستمائة: وقعت إحدى مسلتي فرعون التي بأراضي المطرية من ضواحي القاهرة، فوجدوا داخلها مائتي قنطار من نحاس، وأخذ من رأسها عشرة آلاف دينار.

ويقال: إنّ عين شمس، بناها الوليد بن دومع من الملوك العماليق، وقيل: بناها الريان بن الوليد، وكانت سرير ملكه.

والفرس تزعم: أنّ هرشيك بناها.

ويقال: طول العمودين مائة ذراع، وقيل: أربعة وثمانون ذراعا، وقيل: خمسون ذراعا.

ويقال: إنّ بخت نصر هو الذي خرّب عين شمس لما دخل إلى مصر.

وقال القضاعيّ: وعين شمس، وهي هيكل الشمس بها العمودان اللذان لم ير أعجب منهما، ولا من شأنهما، طولهما في السماء نحو من خمسين ذراعا، وهما محمولان على وجه الأرض، وبينهما صورة إنسان على دابة، وعلى رأسهما شبه الصومعتين من نحاس، فإذا جاء النيل، قطر من رأسيهما ما تستبينه وتراه منهما واضحا ينبع حتى يجري من أسافلهما، فينبت في أصلهما العوسج وغيره، وإذا دخلت الشمس دقيقة من الجدي، وهو أقصر يوم في السنة، انتهت إلى الجنوبيّ منهما، فطلعت عليه على قمة رأسه، وهما منتهى الميلين وخط الاستواء في الواسطة منهما، ثم خطرت بينهما ذاهبة، وجائية سائر السنة، كذا يقول أهل العلم بذلك.

ص: 424

وقال ابن سعيد «1» في كتاب المغرب: وكانت عين شمس في قديم الزمان عظيمة الطول والعرض، متصلة البناء بمصر القديمة، حيث مدينة الفسطاط الآن، ولما قدم عمرو بن العاص، نازل عين شمس، وكان جمع القوم حتى فتحها.

وقال جامع السيرة الطولونية: كان بعين شمس صنم بمقدار الرجل المعتدل الخلق، من كدّان أبيض محكم الصنعة يتخيل من استعرضه أنه ناطق، فوصف لأحمد بن طولون، فاشتاق إلى تأمّله، فنهاه ندوسة عنه، وقال: ما رآه وال قط إلا عزل، فركب إليه، وكان هذا في سنة ثمان وخمسين ومائتين، وتأمّله، ثم دعا بالقطاعين، وأمرهم باجتثاثه من الأرض، ولم يترك منه شيئا، ثم قال لندوسة خازنه: يا ندوسة من صرف منا صاحبه؟ فقال: أنت أيها الأمير، وعاش بعدها أحمد اثنتي عشرة سنة أميرا. وبنى العزيز بالله نزار بن المعز قصورا بعين شمس.

وقال أبو عبيد البكريّ: عين شمس، بفتح الشين وإسكان ثانيه بعده سين مهملة، عين ماء معروفة.

قال محمد بن حبيب: عين شمس حيث بنى فرعون الصرح، وزعم قوم: أنّ عين شمس إلى هذا الماء أضيف، وأوّل من سمى هذا الاسم، سبا بن يشجب.

وذكر الكلبيّ: أن شمسا الذي تسموا به صنم قديم.

وقال ابن خرداذبه: وأسطوانتين بعين شمس من أرض مصر، ومن بقايا أساطين كانت هناك في رأس كل أسطوانة: طوق من نحاس يقطر من إحداهما ماء من تحت الطوق إلى نصف الأسطوانة لا يجاوزه، ولا ينقطع قطره ليلا ولا نهارا، فموضعه من الأسطوانة أخضب رطب، ولا يصل الماء إلى الأرض، وهو من بناء أوسهنك.

وذكر محمد بن عبد الرحيم «2» في كتاب تحفة الألباب: أنّ هذا المنار مربع علوه:

مائة ذراع قطعة واحدة محدّد الرأس على قاعدة من حجر، وعلى رأس المنار، غشاء من صفر كالذهب فيه صورة إنسان على كرسيّ، قد استقبل المشرق، ويخرج من تحت ذلك الغشاء الصفر، ماء يسيل، مقدار عشرة أذرع، وقد نبت منه شيء كالطحلب، فلا يبرح لمعان الماء على تلك الخضرة أبدا صيفا وشتاء، لا ينقطع ولا يصل إلى الأرض منه شيء،

ص: 425

وبعين شمس نبت يزرع كالقضبان يسمى البلسم، يتخذ منه دهن البلسان لا يعرف بمكان من الأرض إلا هناك، وتؤكل لحمى هذه القضبان، فيكون له طعم، وفيه حرارة، وحرافة لذيذة.

وبناحية المطرية من حاضرة عين شمس، البلسان، وهو شجر قصار يسقى من ماء بئر هناك، وهذه البئر، تعظمها النصارى وتقصدها، وتغتسل بمائها، وتستشفي به، ويخرج لاعتصار البلسان أوان إدراكه من قبل السلطان، من يتولى ذلك، ويحفظه ويحمل إلى الخزانة السلطانية، ثم ينقل منه إلى قلاع الشام، والمارستانات لمعالجة المبرودين، ولا يؤخذ منه شيء إلا من خزانة السلطان بعد أخذ مرسوم بذلك، ولملوك النصارى من الحبشة والروم والفرنج فيه غلوّ عظيم، وهم يتهادونه من صاحب مصر، ويرون أنهم لا يصح عندهم لأحد أن يتنصر إلا أن ينغمس في ماء المعمودية، ويعتقدون أنه لا بدّ أن يكون في ماء المعمودية شيء من دهن البلسان، ويسمونه: الميرون.

وكان في القديم، إذا وصل من الشام خبر انتهى إلى صاحب عين شمس، ثم يرد من عين شمس إلى الحصن الذي عرف بقصر الشمع حيث الآن مدينة مصر، ثم يرد من الحصر إلى مدينة منف، حيث كانت منف تحت الملك.

وسبب تعظيم النصارى لدهن البلسان، ما ذكره في كتاب السنكسار، وهو يشتمل على أخبار النصارى: أنّ المسيح لما خرجت به أمّه، ومعهما يوسف النجار من بيت المقدس فرارا من هيرودس ملك اليهود، نزلت به أول موضع من أرض مصر، مدينة بسطة في رابع عشري بشنس، فلم يقبلهم أهلها، فنزلوا بظاهرها، وأقاموا أياما، ثم ساروا إلى مدينة سمنود، وعدّوا النيل إلى الغربية، ومشوا إلى مدينة الأشمونين، وكان بأعلاها إذ ذاك، شكل فرس من نحاس قائم على أربعة أعمدة، فإذا قدم إليها غريب صهل، فجاءوا ونظروا في أمر القادم، فعندما وصلت مريم بالمسيح عليه السلام، إلى المدينة سقط الفرس المذكور، وتكسر فدخلت به أمّه، وظهرت له عليه السلام في الأشمونين آية، وهو أنّ: خمسة جمال محملة زاحمتهم في مرورهم، فصرخ فيها المسيح في الأشمونين، فصارت حجارة، ثم إنهم ساروا من الأشمونين، وأقاموا بقرية تسمى: فيلس مدّة أيام، ثم مضوا إلى مدينة تسمى:

قس وقام، وهي التي يقال لها اليوم: القوصية، فنطق الشيطان من أجواف الأصنام التي بها، وقال: إنّ امرأة أتت، ومعها ولدها يريدون أن يخربوا بيوت معابدكم، فخرج إليهم مائة رجل بسلاحهم، وطردوهم عن المدينة، فمضوا إلى ناحية ميرة في غربيّ القوصية، ونزلوا في الموضع الذي يعرف اليوم بدير المحرق، وأقاموا به ستة أشهر وأياما، فرأى يوسف النجار في منامه قائلا يخبره بموت هيرودس، ويأمره أن يرجع بالمسيح إلى القدس، فعادوا من ميرة حتى نزلوا حيث الموضع الذي يعرف اليوم في مدينة مصر بقصر الشمع، وأقاموا بمغارة تعرف اليوم بكنيسة بوسرجة، ثم خرجوا منها إلى عين شمس، فاستراحوا هناك

ص: 426