الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ذكر الجيزة
قال ابن سيده: الجيزة الناحية والجانب، وجمعها جيز وجيز والجيز: جانب الوادي، وقد يقال فيه: الجيزة، واعلم أنّ الجيزة اسم لقرية كبيرة جميلة البنيان على النيل من جانبه الغربيّ، تجاه مدينة فسطاط مصر، لها في كل يوم أحد سوق عظيم يجيء إليه من النواحي أصناف كثيرة جدّا، ويجتمع فيه عالم عظيم، وبها عدّة مساجد جامعة.
وقد روى الحافظ أبو بكر بن ثابت الخطيب من حديث نبيط بن شريط قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «الجيزة روضة من رياض الجنة ومصر خزائن الله في أرضه» . ويقال: إنّ مسجد التوبة الذي بالجيزة، كان فيه تابوت موسى عليه السلام الذي قذفته أمّه فيه بالنيل، وبها النخلة التي أرضعت مريم تحتها عيسى فلم يثمر غيرها.
وقال ابن عبد الحكم عن يزيد بن أبي حبيب: فاستحبت همدان ومن والاها الجيزة، فكتب عمرو بن العاص إلى عمر بن الخطاب رضي الله عنهما بما صنع الله للمسلمين، وما فتح عليهم، وما فعلوا في خططهم، وما استحبت همدان من النزول بالجيزة، فكتب إليه عمر يحمد الله على ما كان من ذلك، ويقول له: كيف رضيت أن تفرّق أصحابك لم يكن ينبغي لك أن ترضى لأحد من أصحابك أن يكون بينك وبينهم بحر، ولا تدري ما يفجأهم فلعلك لا تقدر على غياثهم حين ينزل بهم ما تكره؟
فاجمعهم إليك فإن أبوا عليك، وأعجبهم موضعهم بالجيزة، وأحبوا ما هنالك، فابن عليهم من فيء المسلمين حصنا، فعرض عليهم عمرو ذلك، فأبوا وأعجبهم موضعهم بالجيزة، ومن والاهم على ذلك من رهطهم يافع وغيرها، وأحبوا ما هنالك، فبنى لهم عمرو بن العاص الحصن في الجيزة في سنة إحدى وعشرين، وفرغ من بنائه في سنة اثنتين وعشرين.
ويقال: إن عمرو بن العاص، لما سأل أهل الجيزة أن ينضموا إلى الفسطاط قالوا:
مقدم قدمناه في سبيل الله ما كنا لنرحل منه إلى غيره، فنزلت يافع الجيزة فيها مبرح بن شهاب، وهمدان، وذو أصبح، فيهم أبو شمر بن أبرهة وطائفة من الحجر.
وقال القضاعيّ: ولما رجع عمرو بن العاص من الإسكندرية، ونزل الفسطاط جعل طائفة من جيشه بالجيزة خوفا من عدوّ يغشاهم من تلك الناحية، فجعل فيها آل ذي أصبح من حمير، وهم كثير، ويافع بن زيد من رعين، وجعل فيها همدان، وجعل فيها طائفة من الأزديين بني الحجر بن الهبو بن الأزد، وطائفة من الحبشة، وديوانهم في الأزد، فلما استقرّ عمرو في الفسطاط، أمر الذين خلفهم بالجيزة أن ينضموا إليه فكرهوا ذلك، وقالوا: هذا مقدم قدمناه في سبيل الله، وأقمنا به ما كنا بالذين نرغب عنه، ونحن به منذ أشهر، فكتب
عمرو بن العاص إلى عمر بن الخطاب رضي الله عنهما بذلك يخبره، أنّ همدان وآل ذي أصبح ويافعا ومن كان معهم أحبوا المقام بالجيزة، فكتب إليه كيف رضيت أن تفرّق عنك أصحابك، وتجعل بينك وبينهم بحرا لا تدري ما يفجأهم، فلعلك لا تقدر على غياثهم، فاجمعهم إليك، ولا تفرّقهم فإن أبوا وأعجبهم مكانهم، فابن عليهم حصنا من فيء المسلمين، فجمعهم عمرو وأخبرهم بكتاب عمر فامتنعوا من الخروج من الجيزة، فأمر عمرو ببناء الحصن عليهم، فكرهوا ذلك، وقالوا: لا حصن أحصن لنا من سيوفنا، وكرهت ذلك همدان ويافع، فأقرع عمرو بينهم، فوقعت القرعة على يافع، فبنى فيهم الحصن في سنة إحدى وعشرين، وفرغ من بنائه في سنة اثنتين عشرين، وأمرهم عمرو بالخطط بها، فاختط ذو أصبح من حمير من الشرق، ومضوا إلى الغرب، حتى بلغوا أرض الحرث والزرع، وكرهوا أن يبني الحصن فيهم، واختط يافع بن الحرث من رعين، بوسط الجيزة وبنى الحصن في خططهم وخرجت طائفة منهم عن الحصن أنفه منه، واختطت بكيل بن جشم من نوف من همدان في مهب الجنوب من الجيزة في شرقيها، واختطت حاشد بن جشم من نوف في مهب الشمال من الجيزة في غربيها، واختطت الجباوية بنو عامر بن بكيل في قبليّ الجيزة، واختطت بنو حجر بن أرحب بن بكيل في قبليّ الجيزة، واختط بنو كعب بن مالك بن الحجر بن الهبو بن الأزد، فيما بين بكيل ويافع، والحبشة اختطوا على الشارع الأعظم.
والمسجد الجامع بالجيزة بناه محمد بن عبد الله الخازن في المحرّم سنة خمسين وثلثمائة بأمر الأمير عليّ بن الإخشيد، فتقدّم كافور، إلى الخازن ببنائه، وعمل له مستغلا، وكان الناس قبل ذلك بالجيزة يصلون الجمعة في مسجد همدان، وهو مسجد مراحق بن عامر بن بكيل، كان يجمع فيه الجمعة في الجيزة، وشارف بناء هذا الجامع الخازن، أبو الحسن بن أبي جعفر الطحاويّ، واحتاجوا إلى عمد للجامع، فمضى الخازن في الليل إلى كنيسة بأعمال الجيزة فقلع عمدها، ونصب بدلها أركانا، وحمل العمد إلى الجامع، فترك أبو الحسن بن الطحاويّ الصلاة فيه مذ ذاك تورّعا.
قال اليمنيّ: وقد كان ابن الطحاويّ، يصلي في جامع الفسطاط العتيق، وبعض عمده أو أكثرها ورخامه من كنائس الإسكندرية، وأرياف مصر، وبعضه بناه قرّة بن شريك، عامل الوليد بن عبد الملك، ويقال: إنّ بالجيزة قبر كعب الأحبار، وإنه كان بها أحجار ورخام قد صوّرت فيها التماسيح، فكانت لا تظهر فيما يلي البلد من النيل، مقدار ثلاثة أميال علوا وسفلا.
وفي سنة أربع وعشرين وسبعمائة منع الملك الناصر، محمد بن قلاون، الوزير أن يتعرّض إلى شيء مما يتحصل من مال الجيزة، فصار جميعه يحمل إليه.
قال القضاعيّ: سجن يوسف عليه السلام ببوصير من عمل الجيزة، أجمع أهل المعرفة من أهل مصر على صحة هذا المكان، وفيه أثر نبيين، أحدهما يوسف، سجن به المدّة التي ذكر أن مبلغها سبع سنين، وكان الوحي ينزل عليه فيه، وسطح السجن موضع معروف، بإجابة الدعاء، يذكر أن كافور الإخشيديّ، سأل أبا بكر بن الحدّاد عن موضع معروف بإجابة الدعاء ليدعو فيه؟ فأشار عليه بالدعاء على سطح السجن، والنيّ الآخر موسى عليه السلام، وقد بنى على أثره مسجد هناك يعرف بمسجد موسى.
أخبرنا أبو الحسن عليّ بن إبراهيم الشرفيّ بالشرف قال: حدّثنا أبو محمد عبد الله بن الورد، وكان قد هلكت أخته، وورث منها مورثا وكنا نسمع عليه دائما، وكان لسجن يوسف وقت يمضي الناس إليه يتفرّجون، فقال لنا يوما: يا أصحابنا هذا أوان السجن، ونريد أن نذهب إليه، وأخرج عشرة دنانير، فناولها لأصحابه وقال لهم: ما اشتهيتموه، فاشتروه، فمضى أصحاب الحديث، واشتروا ما أرادوا وعدّينا يوم أحد الجيزة كلنا، وبتنا في مسجد همدان، فلما كان الصباح مشينا حتى جئنا إلى مسجد موسى، وهو الذي في السهل، ومنه يطلع إلى السجن، وبينه وبين السجن تل عظيم من الرمل، فقال الشيخ: من يحملني ويطلع بي إلى هذا السجن حتى أحدّثه بحديث لا أحدّثه لأحد بعده، حتى تفارق روحي الدنيا.
قال الشرفيّ: فأخذت الشيخ، وحملته حتى صرت في أعلاه، فنزل وقال: معك ورقة؟ قلت: لا، قال: أبصر لي بلاطة، فأخذ فحمة وكتب: حدّثني يحيى بن أيوب، عن يحيى بن بكير، عن زيد بن أسلم بن يسار، عن ابن عباس قال: إنّ جبريل أتى إلى يوسف في هذا السجن في هذا البيت المظلم، فقال له يوسف: من أنت الذي مذ دخلت السجن ما رأيت أحسن وجها منك؟ فقال له: أنا جبريل، فبكى يوسف، فقال: ما يبكيك يا نبيّ الله، فقال: إيش يعمل جبريل في مقام المذنبين؟ فقال: أما علمت أنّ الله تعالى يطهر البقاع بالأنبياء، والله لقد طهر الله بك السجن وما حوله، فما أقام إلى آخر النهار، حتى أخرج من السجن.
قال القضاعيّ: سقط بين يحيى وزيد رجل، وقال الفقيه أبو محمد أحمد بن محمد بن سلامة الطحاويّ، وذكر سجن يوسف لو سافر الرجل من العراق ليصلي فيه، وينظر إليه لما عنفته في سفره.
وذكر المسبحيّ: في حوادث شهر ربيع الأوّل سنة خمس عشرة وأربعمائة، أنّ العامّة والسوقة طافت بمصر بالطبول والبوقات يجمعون من التجار، وأرباب الأسواق ما ينفقونه في مضيهم إلى سجن يوسف، فقال لهم التجار: شغلنا بعدم الأقوات يمنعنا من هذا، وكان قد اشتدّ الغلاء، وأنهوا حالهم إلى الحضرة المطهرة، يعني أمير المؤمنين الظاهر لإعزاز دين الله أبا الحسن عليّ بن الحاكم بأمر الله، فرسم لنائب الدولة أبي طاهر بن كافي متولي الشرطة