الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
يسارك من أرض مصر إلى أرض الفيوم منها وأرض الواحات الأربعة فذلك غربيّ مصر، وهو ما استقبلته منه ثم تعوج من آخر أرض الواحات، وتستقبل المشرق سائرا إلى النيل تسير ثماني مراحل إلى النيل، ثم على النيل فصاعدا وهي آخر أرض الإسلام هناك، ويليها بلاد النوبة ثم ينقطع النيل فتأخذ من أسوان في المشرق منكبا عن بلد أسوان إلى عيداب ساحل البحر الحجازيّ، فمن أسوان إلى عيداب خمس عشرة مرحلة، وذلك كله قبليّ أرض مصر ومهب الجنوب منها ثم ينقطع البحر الملح من عيداب إلى أرض الحجاز فينزل الحوراء أوّل أرض مصر وهي متصلة بأعراض مدينة الرسول صلى الله عليه وسلم وهذا البحر المحدود: هو بحر القلزم، وهو داخل في أرض مصر بشرقيه وغربيه وبحريه فالشرقيّ منه أرض الحوراء وطنسه والنبك وأرض مدين وأرض أيلة فصاعدا إلى المقطم بمصر، والغربيّ منه ساحل عيداب إلى بحر النعام إلى المقطم، والبحريّ منه مدينة القلزم وجبل الطور ومن القلزم إلى الفرماء مسيرة يوم وليلة وهو الحاجز فيما بين البحرين طحر الحجاز وبحر الروم وهذا كله شرقيّ أرض مصر من الحوراء إلى العريش، وهو مهب الصبا منها فهذا المحدود من أرض مصر، وما كان بعد هذا من الحدّ الغربيّ، فمن فتوح أهل مصر، وثغورهم من البرقة إلى الأندلس.
ذكر بحر القلزم
«1»
القلازم: الدواهي والمضايقة ومنه بحر القلزم لأنه مضيق بين جبال، ولما كانت أرض مصر منحصرة بين بحرين هما بحر القلزم من شرقيها وبحر الروم من شماليها، وكان بحر القلزم داخلا في أرض مصر كما تقدّم صار من شرط هذا الكتاب التعريف به.
فنقول: هذا البحر إنما عرف في ناحية ديار مصر: بالقلزم لأنه كان بساحله الغربيّ في شرقيّ أرض مصر مدينة تسمى: القلزم وقد خربت كما ستقف عليه إن شاء الله تعالى في موضعه من هذا الكتاب عند ذكرى قرى مصر ومدنها فسمّى هذا البحر باسم تلك المدينة، وقيل له: بحر القلزم على الإضافة، ويقال له بالعبرانية:(ثم تسوب) وهذا البحر إنما هو خليج يخرج من البحر الكبير المحيط بالأرض الذي يقال له: بحر اقيانس ويعرف أيضا:
ببحر الظلمات لتكاثف البخار المتصاعد منه، وضعف الشمس عن حله فيغلظ وتشتدّ الظلمة، ويعظم موج هذا البحر، وتكثر أهواله، ولم يوقف من خبره إلّا على ما عرف من بعض سواحله، وما قرب من جزائره، وفي جانب هذا البحر الغربيّ الذي يخرج منه البحر الرومي الآتي ذكره إن شاء الله.
الجزائر الخالدات وهي فيما يقال: ست جزائر يسكنها قوم متوحشون، وفي جانب
هذا البحر الشرقيّ مما يلي الصين ست جزائر أيضا تعرف: بجزائر السبلي نزلها بعض العلويين في أوّل الإسلام خوفا على أنفسهم من القتل، ويخرج من هذا المحيط ستة أبحر أعظمها اثنان: وهما اللذان عناهما الله تعالى بقوله: مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ يَلْتَقِيانِ
[الرحمن/ 19]، وقوله: وَجَعَلَ بَيْنَ الْبَحْرَيْنِ حاجِزاً
[النمل/ 61]، فأحدهما: من جهة الشرق، والآخر:
من جهة الغرب. فالخارج من جهة الشرق يقال له: البحر الصينيّ، والبحر الهنديّ، والبحر الفارسيّ، والبحر اليمنيّ، والبحر الحبشيّ، بحسب ما يمرّ عليه من البلدان. وأما الخارج من الغرب فيقال له: البحر الروميّ. فأما البحر الهنديّ الخارج من جهة الشرق فإن مبدأ خروجه من مشرق الصين وراء خط الاستواء بثلاثة عشر درجة ويجري إلى ناحية الغرب فيمرّ على بلاد الصين وبلاد الهند إلى مدينة كنبانة وإلى التبير من بلاد كمران فإذا صار إلى بلاد كمران ينقسم هناك قسمين: أحدهما يسمى: بحر فارس، والآخر يسمى: بحر اليمن فيخرج بحر اليمن من ركن جبل خارج في البر يسمى هذا الركن: رأس الجمجمة فيمتد من هناك إلى مدينة ظفار ويسير إلى المسجر وساحل بلاد حضرموت إلى عدن وإلى باب المندب، وطول هذا البحر الهنديّ ثمانية آلاف ميل في عرض ألف وسبعمائة ميل عند بعض المواضع وربما ضاق عن هذا القدر من العرض فإذا انتهى إلى باب المندب يخرج إلى بحر القلزم، والمندب جبل طوله اثنا عشر ميلا وسعة فوهته قدر ما يرى الرجل الآخر من البرّ تجاهه فإذا فارق باب المندب مرّ في جهة الشمال بساحلي زبيد والحرون إلى عثر وكانت عثر مقر الملك في القديم ويمرّ من هناك على حلى إلى عسفان وأنمار وهي فرضة المدينة النبوية على الحال بها أفضل الصلاة والسلام والتحية والإكرام، ومنها على ما يقابل الجحفة حيث يسمى اليوم رابغ إلى الحوراء ومدين وأيلة والطور وفاران ومدينة القلزم، فإذا وصل إلى القلزم انعطف من جهة الجنوب ومرّ إلى القصير وهي فرضة قوص ومن القصير إلى عيداب وهي فرضة البجه «1» ، ويمتدّ من عيداب إلى بلد الزيلع، وهو ساحل بلاد الحبشة ويتصل ببربر وطول هذا البحر ألف وخمسمائة ميل وعرضه من أربعمائة ميل إلى ما دونها وهو بحر كريه المنظر والرائحة وفي هذا البحر مصب دجلة والفرات وعلى أطرافه بلاد السند، وبلاد اليمن كأنها جزائر أحاط بها الماء من جهاتها الثلاث وهو: يردع نهر مهران كردع البحر الرومي لنيل مصر. وفيه فيما بين مدينة القلزم، ومدينة أيلة مكان يعرف: بمدينة قاران وعندها جبل لا يكاد ينجو منه مركب لشدّة اختلاف الريح وقوّة ممرّها من بين شعبتي جبلين وهي بركة سعتها ستة أميال تعرف: ببركة الغرندل، يقال: إن فرعون غرق فيها فإذا هبت ريح الجنوب لا يمكن سلوك هذه البركة، ويقال: إن الغرندل اسم صنم كان في القديم هناك قد وضع ليحبس من خرج من أرض مصر مغاضبا للملك أو فارا منه، وأنّ موسى عليه السلام لما خرج ببني إسرائيل من مصر وسار بهم مشرقا أمره الله سبحانه وتعالى: أن