المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ذكر ما عمله المسلمون عند فتح مصر في الخراج وما كان من أمر مصر في ذلك مع القبط - المواعظ والاعتبار بذكر الخطط والآثار - جـ ١

[المقريزي]

فهرس الكتاب

- ‌الجزء الاول

- ‌تقديم

- ‌[مقدمة المؤلف]

- ‌ذكر الرءوس الثمانية

- ‌ذكر طرف من هيئة الأفلاك

- ‌ذكر صورة الأرض وموضع الأقاليم منها

- ‌ذكر محل مصر من الأرض وموضعها من الأقاليم السبعة

- ‌ذكر حدود مصر وجهاتها

- ‌ذكر بحر القلزم

- ‌ذكر البحر الرومي

- ‌ذكر اشتقاق مصر ومعناها وتعداد أسمائها

- ‌ذكر طرف من فضائل مصر

- ‌ذكر العجائب التي كانت بمصر من الطلسمات والبرابي ونحو ذلك

- ‌ذكر الدفائن والكنوز التي تسميها أهل مصر المطالب

- ‌ذكر هلاك أموال أهل مصر

- ‌ذكر أخلاق أهل مصر وطبائعهم وأمزجتهم

- ‌ذكر شيء من فضائل النيل

- ‌ذكر مخرج النيل وانبعاثه

- ‌فصل في الردّ على من اعتقد أن النيل من سيل يفيض

- ‌ذكر مقاييس النيل وزيادته

- ‌ذكر الجسر الذي كان يعبر عليه في النيل

- ‌ذكر ما قيل في ماء النيل من مدح وذم

- ‌ذكر عجائب النيل

- ‌ذكر طرف من تقدمة المعرفة بحال النيل في كل سنة

- ‌ذكر عيد الشهيد

- ‌ذكر الخلجان التي شقت من النيل

- ‌ذكر ما كانت عليه أرض مصر في الزمن الأوّل

- ‌ذكر أعمال الديار المصرية وكورها

- ‌ذكر ما كان يعمل في أراضي مصر من حفر الترع وعمارة الجسور ونحو ذلك من أجل ضبط ماء النيل وتصريفه في أوقاته

- ‌ذكر مقدار خراج مصر في الزمن الأوّل

- ‌ذكر ما عمله المسلمون عند فتح مصر في الخراج وما كان من أمر مصر في ذلك مع القبط

- ‌ذكر انتقاض القبط وما كان من الأحداث في ذلك

- ‌ذكر نزول العرب بريف مصر واتخاذهم الزرع معاشا وما كان في نزولهم من الأحداث

- ‌ذكر قبالات أراضي مصر بعد ما فشا الإسلام في القبط ونزول العرب في القرى وما كان من ذلك إلى الروك الأخير الناصري

- ‌ذكر الروك الأخير الناصري

- ‌ذكر الديوان

- ‌ذكر ديوان العساكر والجيوش

- ‌ذكر القطائع والإقطاعات

- ‌ذكر ديوان الخراج والأموال

- ‌ذكر خراج مصر في الإسلام

- ‌ذكر أصناف أراضي مصر وأقسام زراعتها

- ‌ذكر أقسام مال مصر

- ‌ذكر الأهرام

- ‌ذكر الصنم الذي يقال له أبو الهول

- ‌ذكر الجبال

- ‌ذكر الجبل المقطم

- ‌الجبل الأحمر

- ‌جبل يشكر

- ‌ذكر الرّصد

- ‌ذكر مدائن أرض مصر

- ‌ذكر مدينة أمسوس وعجائبها وملوكها

- ‌ذكر مدينة منف وملوكها

- ‌ذكر مدينة الإسكندرية

- ‌ذكر الإسكندر

- ‌ذكر تاريخ الإسكندر

- ‌ذكر الفرق بين الإسكندر وذي القرنين وأنهما رجلان

- ‌ذكر من ولي الملك بالإسكندرية بعد الإسكندر

- ‌ذكر منارة الإسكندرية

- ‌ذكر الملعب الذي كان بالإسكندرية وغيره من العجائب

- ‌ذكر عمود السواري

- ‌ذكر طرف مما قيل في الإسكندرية

- ‌ذكر فتح الإسكندرية

- ‌ذكر ما كان من فعل المسلمين بالإسكندرية وانتقاض الروم

- ‌ذكر بحيرة الإسكندرية

- ‌ذكر خليج الإسكندرية

- ‌ذكر جمل حوادث الإسكندريّة

- ‌ذكر مدينة أتريب

- ‌ذكر مدينة تنيس

- ‌ذكر مدينة صا

- ‌رمل الغرابي

- ‌ذكر مدينة بلبيس

- ‌ذكر بلد الورادة

- ‌ذكر مدينة أيلة

- ‌ذكر مدينة مدين

- ‌بقية خبر مدينة مدين

- ‌ذكر مدينة فاران

- ‌ذكر أرض الجفار

- ‌ذكر صعيد مصر

- ‌ذكر تشعب النيل من بلاد علوة ومن يسكن عليه من الأمم

- ‌ذكر البجة ويقال إنهم من البربر

- ‌ذكر مدينة أسوان

- ‌ذكر بلاق

- ‌ذكر حائط العجوز

- ‌ذكر البقط

- ‌ذكر صحراء عيذاب

- ‌ذكر مدينة الأقصر

- ‌ذكر البلينا

- ‌ذكر سمهود

- ‌ذكر إرجنّوس

- ‌ذكر أبويط

- ‌ذكر ملوى

- ‌ذكر مدينة أنصنا

- ‌ذكر القيس

- ‌ذكر دروط بلهاسة

- ‌ذكر سكر

- ‌ذكر منية الخصيب

- ‌ذكر منية الناسك

- ‌ذكر الجيزة

- ‌ذكر قرية ترسا

- ‌ذكر منية أندونة

- ‌ذكر وسيم

- ‌ذكر منية عقبة

- ‌ذكر حلوان

- ‌ذكر مدينة العريش

- ‌ذكر مدينة الفرماء

- ‌ذكر مدينة القلزم

- ‌ذكر التيه

- ‌ذكر مدينة دمياط

- ‌ذكر شطا

- ‌ذكر الطريق فيما بين مدينة مصر ودمشق

- ‌ذكر مدينة حطين

- ‌ذكر مدينة الرقة

- ‌ذكر عين شمس

- ‌المنصورة

- ‌العباسة

- ‌ذكر مدينة دندرة

- ‌ذكر الواحات الداخلة

- ‌ذكر مدينة سنتريّة

- ‌ذكر الواحات الخارجة

- ‌ذكر مدينة قوص

- ‌ذكر مدينة أسنا

- ‌ذكر مدينة أدفو

- ‌إهناس

- ‌ذكر مدينة البهنسا

- ‌ذكر مدينة الأشمونين

- ‌ذكر مدينة إخميم

- ‌ذكر مدينة العقاب

- ‌ذكر مدينة الفيوم

- ‌ذكر ما قيل في الفيوم وخلجانها وضياعها

- ‌ذكر فتح الفيوم ومبلغ خراجها وما فيها من المرافق

- ‌مدينة النحريرية

الفصل: ‌ذكر ما عمله المسلمون عند فتح مصر في الخراج وما كان من أمر مصر في ذلك مع القبط

الصعيدية، مما نقل إلى اللغة العربية أن مبلغ ما كان يستخرج لفرعون مصر بحق الخراج الذي يوجد وسائر وجوه الجبايات لسنة كاملة على العدل والإنصاف والرسوم الجارية من غير اضطهاد ولا مناقشة على عظيم فضل كان في يد المؤدّي لرسمه وبعد وضع ما يجب وضعه لحوادث الزمان رفقا بالمعاملين وتقوية لهم من العين أربعة وعشرين ألف ألف دينار وأربعمائة ألف دينار من جهات مصر، وذلك ما يصرف في عمارة البلاد لحفر الخلج وإتقان الجسور، وسدّ الترع وإصلاح السبل، والساسة ثم في تقوية من يحتاج التقوية من غير رجوع عليه بها لإقامة العوامل والتوسعة في البدار وغير ذلك، وثمن الآلات وأجرة من يستعان به من الأجراء لحمل الأصناف، وسائر نفقات تطريق أراضيهم من العين ثمانمائة ألف دينار، ولما يصرف في أرزاق الأولياء الموسومين بالسلاح وحملته والغلمان، وأشياعهم مع ألف كاتب موسومين بالدواوين سوى أتباعهم من الخزان، ومن يجري مجراهم وعدّتهم مائة ألف وأحد عشر ألف رجل من العين ثمانية آلاف ألف دينار، ولما يصرف في الأرامل، والأيتام فرضا لهم من بيت المال، وإن كانوا غير محتاجين إليه حتى لا تخلو آمالهم من برّ يصل إليهم من العين أربعمائة ألف دينار، ولما يصرف في كهنة برابيهم، وأئمتهم وسائر بيوت صلواتهم من العين مائة ألف دينار، ولما يصرف في الصدقات، وينادى في الناس: برئت الذمة من رجل كشف وجهه لفاقة، فليحضر فلا يرد عند ذلك أحد، والأمناء جلوس فإذا رؤي رجل لم تجر عادته بذلك أفرد بعض قبض ما يقبضه، حتى إذا فرّق المال، واجتمع من هذه الطائفة عدّة دخل أمناء فرعون إليه وهنوه بتفرقة المال، ودعوا له بالبقاء والسلامة وأنهوا حال الطائفة المذكورة، فيأمر بتغيير شعثها بالحمام واللباس، وبمدّ الأسمطة، ويأكلون ويشربون، ثم يستعلم من كلواحد سبب فاقته، فإن كان من آفة الزمان ردّ عليه مثل ما كان وأكثر، وإن كان عن سوء رأي وضعف تدبير ضمه إلى من يشرف عليه، ويقوم بالأمر الذي يصلح له من العين مائتا ألف دينار.

فذلك جملة ما تبين، وفصل في هذه الجهات المذكورة من العين تسعة آلاف ألف وثمانمائة ألف دينار، ويحصل بعد ذلك ما يتسلمه فرعون في بيوت أمواله عدّة لنوائب الدهر، وحادثات الزمان من العين أربعة عشر ألف ألف دينار وستمائة ألف دينار.

وقيل لبعضهم: متى عقدت مصر تسعين ألف ألف دينار؟ قال: في الوقت الذي أرسل فرعون بويبة قمح إلى أسفل الأرض وإلى الصعيد فلم يجد لها موضعا تبذر فيه لشغل جميع البلاد بالعمارة.

‌ذكر ما عمله المسلمون عند فتح مصر في الخراج وما كان من أمر مصر في ذلك مع القبط

قال زهير بن معاوية: حدثنا سهيل عن أبيه عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:

ص: 143

«منعت العراق درهمها وقفيزها «1» ، ومنعت الشام مدّها «2» ودينارها، ومنعت مصر إردبها «3» وعدتم من حيث بدأتم» . قال أبو عبيد: قد أخبر صلى الله عليه وسلم بما لم يكن، وهو في علم الله كائن فخرّج لفظه على لفظ الماضي لأنه ماض في علم الله وفي إعلامه بهذا قبل وقوعه، ما دل على إثبات نبوّته، ودل على رضاه من عمر رضي الله عنه ما وظفه على الكفرة من الخراج في الأمصار.

وفي تفسير المنع وجهان: أحدهما: أنه علم أنهم سيسلمون ويسقط عنهم ما وظف عليهم، فصاروا مانعين بإسلامهم ما وظف عليهم، يدل عليه قوله:«وعدتهم من حيث بدأتم» . وقيل معناه: أنهم يرجعون عن الطاعة، والأوّل أحسن.

وقال ابن عبد الحكم عن عبيد الله لن لهيعة: لما فتح عمرو بن العاص مصر صولح على جميع من فيها من الرجال من القبط ممن راهق الحلم إلى ما فوق ذلك ليس فيهم امرأة ولا صبيّ ولا شيخ على دينارين دينارين، فأحصوا ذلك، فبلغت عدّتهم ثمانية آلاف ألف.

وعن هشام بن أبي رقية اللخميّ: أن عمرو بن العاص لما فتح مصر قال لقبط مصر:

إن من كتمني كنزا عنده فقدرت عليه قتلته، وإنّ قبطيا من أرض الصعيد يقال له: بطرس، ذكر لعمرو: إن عنده كنزا فأرسل إليه فسأله، فأنكر، وجحد فحبسه في السجن، وعمرو يسأل عنه: هل تسمعونه يسأل عن أحد؟ فقالوا: لا، إنما سمعناه يسأل عن راهب في الطور، فأرسل عمرو إلى بطرس، فنزع خاتمه، ثم كتب إلى ذلك الراهب: أن ابعث إليّ بما عندك، وختمه بخاتمه، فجاء الرسول بقلّة شامية مختومة بالرصاص، ففتحها عمرو، فوجد فيها صحيفة مكتوب فيها:(ما لكم تحت الفسقية «4» الكبيرة) فأرسل عمرو إلى الفسقية، فحبس عنها الماء، ثم قلع البلاط الذي تحتها، فوجد فيها اثنين وخمسين أردبا ذهبا مصريا مضروبة، فضرب عمرو رأسه عند باب المسجد، فأخرج القبط كنوزهم شفقا أن يبغي على أحد منهم، فيقتل كما قتل بطرس.

وعن يزيد بن أبي حبيب: أن عمرو بن العاص، استحل مال قبطيّ من قبط مصر لأنه

ص: 144

استقرّ عنده أنه يظهر الروم على عورات المسلمين، ويكتب إليهم بذلك، فاستخرج منه بضعا وخمسين أردبا دنانير.

قال ابن عبد الحكم: وكان عمرو بن العاص رضي الله عنه، يبعث إلى عمر بن الخطاب رضي الله عنه بالجزية بعد حبس ما كان يحتاج إليه، وكانت فريضة مصر لحفر خلجها، وإقامة جسورها، وبناء قناطرها، وقطع جزائرها مائة ألف وعشرين ألفا معهم الطور والمساحي والأداة يعتقبون ذلك لا يدعون ذلك صيفا ولا شتاء، ثم كتب إليه عمر بن الخطاب رضي الله عنه: أن تختم في رقاب أهل الذمّة بالرصاص، ويظهروا مناطقهم، ويجزوا نواصيهم ويركبوا على الأكف عرضا، ولا يضربوا الجزية إلا على من جرتعليه الموسى، ولا يضربوا على النساء، ولا على الولدان، ولا تدعهم يتشبهون بالمسلمين في ملبوسهم.

وعن يزيد بن أسلم: أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه كتب إلى أمراء الأجناد: أن لا يضربوا الجزية إلا على من جرت عليه الموسى، وجزيتهم أربعون درهما على أهل الورق، وأربعة دنانير على أهل الذهب، وعليهم من أرزاق المسلمين من الحنطة والزيت مدّان من حنطة، وثلاثة أقساط من زيت في كل شهر لكل إنسان من أهل الشام، والجزيرة، وودك «1» وعسل لا أدري كم هو، ومن كان من أهل مصر، فأردب في كل شهر لكل إنسان، ولا أدري كم الودك والعسل، وعليهم من البز الكسوة التي يكسوها أمير المؤمنين الناس ويضيفون من نزل بهم من أهل الإسلام ثلاثة أيام وعلى أهل العراق خمسة عشر صاعا لكل إنسان، ولا أدري كم لهم من الودك، وكان لا يضرب الجزية على النساء والصبيان، وكان يختم في أعناق رجال أهل الجزية، وكانت ويبة عمر في ولاية عمرو بن العاص: ستة أمداد.

قال: وكان عمرو بن العاص، لما استوثق له الأمر أقرّ قبطها على جباية الروم، فكانت جبايتهم بالتعديل إذا عمرت القرية، وكثر أهلها زيد عليهم، وإن قل أهلها وخربت نقصوا، فيجتمع عرّافوا كل قرية وأمراءها ورؤساء أهلها فيتناظرون في العمارة والخراب حتى إذا أقرّوا من القسم بالزيادة انصرفوا بتلك القسمة إلى الكور، ثم اجتمعوا هم ورؤساء القرى، فوزعوا ذلك على احتمال القرى وسعة المزارع، ثم يجتمع كل قرية بقسمهم فيجمعون قسمهم وخراج كل قرية، وما فيها من الأرض العامرة، فيبتدئون ويخرجون من الأرض فدّادين لكنائسهم وحماياتهم ومعدياتهم من جملة الأرض، ثم يخرج منها عدد الضيافة للمسلمين، ونزول السلطان فإذا فرغوا نظروا لما في كل قرية من الصناع والأجراء فقسموا عليهم بقدر احتمالهم، فإن كانت فيهم جالية قسموا عليها بقدر احتمالها، وقلما كانت تكون إلا لرجل الشاب أو المتزوج ثم ينظرون ما بقي من الخراج، فيقسمونه بينهم

ص: 145

على عدد الأرض، ثم يقسمون ذلك بين من يريد الزرع منهم على قدر طاقتهم، فإنن عجز أحد منهم وشكا ضعفا عن زرع أرضه، وزعوا ما عجز عنه على ذوي الاحتمال، وإن كان منهم من يريد الزيادة أعطي ما عجز عنه أهل الضعف، فإن تشاحوا قسموا ذلك على عدّتهم، وكانت قسمتهم على قراريط الدنانير أربعة وعشرين قيراطا «1» يقسمون الأرض على ذلك.

ولذلك روي عن النبيّ صلى الله عليه وسلم: «إنكم ستفتحون أرضا يذكر فيها القيراط، فاستوصوا بأهلها خيرا» .

وجعل لكل فدان عليهم: نصف أردب قمح، وويبتين من شعير إلا القرظ «2» فلم يكن عليه ضريبة، والويبة ستة أمداد، وكان عمر بن الخطاب رضي الله عنه يأخذ ممن صالحه من المعاهدين ما سمى على نفسه لا يضع من ذلك شيئا، ولا يزيد عليه، ومن نزل منهم على الجزية ولم يسم شيئا يؤدّيه نظر عمر في أمره فإذا احتاجوا خفف عنهم، وإن استغنوا زاد عليهم بقدر استغنائهم.

وقال هشام بن أبي رقية اللخمي: قدم صاحب أخنا على عمرو بن العاص رضي الله عنه فقال له: أخبرنا ما على أحدنا من الجزية فنصير لها؟ فقال عمرو، وهو يشير إلى ركن كنيسة: لو أعطيتني من الأرض إلى السقف ما أخبرتك ما عليك إنما أنتم خزانة لنا إن كثر علينا كثرنا عليكم، وإن خفف عنا خففنا عنكم، ومن ذهب إلى هذا الحديث ذهب إلى أن مصر فتحت عنوة.

وعن يزيد بن أبي حبيب قال: قال عمر بن عبد: العزيز أيّما ذميّ أسلم فإن إسلامه يحرز له نفسه وماله، وما كان من أرض فإنها من فيء الله على المسلمين، وأيما قوم صالحوا على جزية يعطونها فمن أسلم منهم كانت داره وأرضه لبقيتهم.

وقال الليث: كتب إليّ يحيى بن سعيد: أن ما باع القبط في جزيتهم، وما يؤخذون به من الحق الذي عليهم من عبد أو وليدة أو بعير أو بقرة أو دابة فإن ذلك جائز عليهم، فمن ابتاعه منهم فهو غير مردود عليهم أن أيسروا وما أكروا من أرضهم فجائز كراؤه إلا أن يكون يضر بالجزية التي عليهم فلعل الأرض إن ترد عليهم أن أضرت بجزيتهم وإن كان فضلا بعد الجزية، فإنا نرى كراءها جائزا لمن يكراها منهم.

قال يحيى: فنحن نقول: الجزية جزيتان: جزية على رؤوس الرجال، وجزية جملة

ص: 146

تكون على أهل القرية يؤخذ بها أهل القرية، فمن هلك من أهل القرية التي عليهم جزية مسماة على القرية ليست على رؤوس الرجال، فإنا نرى أنّ من هلك من أهل القرية ممن لا ولد له ولا وارث إن أرضه ترجع إلى قريته في جملة ما عليهم من الجزية، ومن هلك ممن جزيته على رؤوس الرجال، ولم يدع وارثا فإن أرضه للمسلمين.

وقال الليث عن عمر بن العزيز: الجزية على الرءوس وليست على الأرضين، يريد أهل الذمّة.

وكتب عمر بن عبد العزيز إلى حيان بن شريح: أن يجعل جزية موتي القبط على أحيائهم، وهذا يدل على أنّ عمر كان يرى أنّ أرض مصر فتحت عنوة، وأن الجزية إنما هي على القرى، فمن مات من أهل القرى كانت تلك الجزية ثابتة عليهم وإن موت من مات منهم لا يضع عنهم من الجزية شيئا. قال: ويحتمل أن تكون مصر فتحت بصلح فذلك الصلح ثابت على من بقي منهم وإن موت من مات منهم لا يضع عنهم ممن صالحوا عليه شيئا.

قال الليث: وضع عمر بن عبد العزيز الجزية على من أسلم من أهل الذمّة من أهل مصر، وألحق في الديوان صلح من أسلم منهم في عشائر من أسلموا على يديه، وكانت تؤخذ قبل ذلك ممن أسلم، وأوّل من أخذ الجزية ممن أسلم من أهل الذمّة: الحجاج بن يوسف، ثم كتب عبد الملك بن مروان إلى عبد العزيز بن مروان: أن يضع الجزية على من أسلم من أهل الذمّة، فكلمه ابن حجيرة في ذلك فقال: أعيذك بالله أيها الأمير أن تكون أوّل من سنّ ذلك بمصر، فو الله إن أهل الذمّة ليتحملون جزية من ترهب منهم، فكيف نضعها على من أسلم منهم فتركهم عند ذلك.

وكتب عمر بن عبد العزيز إلى حيان بن شريح: أن تضع الجزية عمن أسلم من أهل الذمة، فإن الله تبارك وتعالى قال: فَإِنْ تابُوا وَأَقامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكاةَ فَخَلُّوا سَبِيلَهُمْ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ

[التوبة/ 5]، وقال: قاتِلُوا الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلا بِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَلا يُحَرِّمُونَ ما حَرَّمَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَلا يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صاغِرُونَ

[التوبة/ 29] .

وكتب حيان بن شريح إلى عمر بن عبد العزيز: أما بعد: فإن الإسلام قد أضر بالجزية حتى سلفت من الحارث بن ثابتة عشرين ألف دينارا تمت بها عطاء أهل الديوان، فإن رأى أمير المؤمنين أن يأمر بقضائها فعل، فكتب إليه عمر: أما بعد: فقد بلغني كتابك، وقد وليتك جند مصر، وأنا عارف بضعفك، وقد أمرت رسولي بضربك على رأسك عشرين سوطا، فضع الجزية عن من أسلم قبح الله رأيك فإن الله إنما بعث محمدا صلى الله عليه وسلم هاديا ولم يبعثه جابيا، ولعمري لعمر أشقى من أن يدخل الناس كلهم الإسلام على يديه.

ص: 147

قال: ولما استبطأ عمر بن الخطاب رضي الله عنه الخراج من قبل عمرو بن العاص كتب إليه: بسم الله الرحمن الرحيم، من عبد الله عمر أمير المؤمنين إلى عمرو بن العاص سلام الله عليك، فإني أحمد إليك الله الذي لا إله إلا هو، أما بعد: فإني فكرت في أمرك والذي أنت عليه فإذا أرضك أرض واسعة عريضة رفيعة، وقد أعطى الله أهلها عددا وجلدا وقوّة في برّ وبحر، وأنها قد عالجتها الفراعنة، وعملوا فيها عملا محكما مع شدّة عتوهم وكفرهم فعجبت من ذلك، وأعجب مما عجبت أنها لا تؤدّي نصف ما كانت تؤدّيه من الخراج قبل ذلك على غير قحوط، ولا جدب، وقد أكثرت في مكاتبتك في الذي على أرضك من الخراج، وظننت أن ذلك سيأتينا على غير نزر، ورجوت أن تفيق فترفع إليّ ذلك، فإذا أنت تأتيني بمعاريض تعبأ بها لا توافق الذي في نفسي لست قابلا منك دون الذي كانت تؤخذ به من الخراج قبل ذلك، ولست أدري مع ذلك ما الذي نفرك من كتابي، وقبضك، فلئن كنت مجرّبا كافيا صحيحا إن البراءة لنافعة، وإن كنت مضيعا نطعا إن الأمر لعلى غير ما تحدّث به نفسك، وقد تركت أن أبتلي ذلك منك في العام الماضي رجاء أن تفيق، فترفع إليّ ذلك وقد علمت أنه لم يمنعك من ذلك إلا أن أعمالك عمال السوء، وما توالس عليك وتلفف اتخذوك كهفا، وعندي بإذن الله دواء فيه شفاء عما أسألك فيه فلا تجزع أبا عبد الله أن يؤخذ منك الحق وتعطاه، فإن النهر يخرج الدرّ والحق أبلج ودعني وما عنه تلجلج، فإنه قد برح الخفاء والسلام.

فكتب إليه عمرو بن العاص: بسم الله الرحمن الرحيم، لعبد الله عمر أمير المؤمنين من عمرو بن العاص سلام الله عليك، فإني أحمد الله الذي لا إله إلا هو. أما بعد: فقد بلغني كتابك أمير المؤمنين في الذي استبطأني فيه من الخراج والذي ذكر فيها من عمل الفراعنة قبلي وإعجابه من خراجها على أيديهم ونقص ذلك منها مذ كان الإسلام، ولعمري للخراج يومئذ أوفر وأكثر، والأرض أعمر لأنهم كانوا على كفرهم، وعتوّهم أرغب في عمارة أرضهم منا مذ كان الإسلام، وذكرت أن النهر يخرج الدر، فحلبتها حلبا قطع درها، وأكثرت في كتابك وأنبت وعرضت وتربت وعلمت أن ذلك عن شيء تخفيه على غير خبر، فجئت لعمري بالمقطعات المقدّعات، ولقد كان لك فيه من الصواب من القول رصين صارم بليغ صادق، ولقد عملنا لرسول الله صلى الله عليه وسلم، ولمن بعده، فكنا نحمد الله مؤدّين لأماناتنا حافظين لما عظم الله من حق أئمتنا نرى غير ذلك قبيحا، والعمل به شينا، فتعرف ذلك لنا وتصدّق فيه قلبنا معاذ الله من تلك الطعم ومن شرّ الشيم، والاجتراء على كل مأثم، فامض عملك فإن الله قد نزهني عن تلك الطعم الدنية، والرغبة فيها بعد كتابك الذي لم تستبق فيه عرضا، ولم تكرم فيه أخا، والله يا ابن الخطاب لأنا حين يراد ذلك مني أشدّ غضبا لنفسي ولها إنزاها وإكراما، وما عملت من عمل أرى عليه فيه متعلقا، ولكني حفظت ما لم تحفظ، ولو كنت من يهود يثرب ما زدت، يغفر الله لك ولنا، وسكتّ عن أشياء كنت بها عالما وكان اللسان

ص: 148

بها مني ذلولا، ولكن الله عظم من حقك ما لا يجهل.

فكتب إليه عمر بن الخطاب رضي الله عنه: من عمر بن الخطاب إلى عمرو بن العاص: سلام عليك فإني أحمد إليك الله الذي لا إله إلا هو. أما بعد: فإني قد عجبت من كثرة كتبي إليك في إبطائك بالخراج، وكتابك إلى بثنيات الطرق، وقد علمت أني لست أرضى منك إلا بالحق البين، ولم أقدّمك إلى مصر أجعلها لك طعمة، ولا لقومك ولكني وجهتك لما رجوت من توفيرك الخراج، وحسن سياستك، فإذا أتاك كتابي هذا فاحمل الخراج فإنما هو فيء المسلمين، وعندي من قد تعلم قوم محصورون، والسلام. فكتب إليه عمرو بن العاص: بسم الله الرحمن الرحيم لعمر بن الخطاب، من عمرو بن العاص سلام عليك، فإني أحمد إليك الله الذي لا إله إلا هو، أما بعد: فقد أتاني كتاب أمير المؤمنين يستبطئني في الخراج ويزعم أني أحيد عن الحق، وأنكث عن الطريق، وإني والله ما أرغب عن صالح ما تعلم، ولكن أهل الأرض استنظروني إلى أن تدرك غلتهم، فنظرت للمسلمين فكان الرفق بهم خيرا من أن نخرق بهم، فيصيروا إلى بيع ما لا غنى بهم عنه، والسلام.

وقال الليث بن سعد رضي الله عنه: جباها عمرو بن العاص رضي الله عنه اثني عشر ألف ألف دينار، وجباها المقوقس قبله لسنة عشرين ألف ألف دينار، فعند ذلك كتب إليه عمر بن الخطاب بما كتب، وجباها عبد الله بن سعد بن سرح حين استعمله عثمان رضي الله عنه على مصر أربعة عشر ألف ألف دينار، فقال عثمان لعمرو بن العاص بعد ما عزله عن مصر:(يا أبا عبد الله درت اللقحة بأكثر من درها الأوّل) . قال: أضررتم بولدها، فقال:

ذلك أن لم يمت الفصيل.

وكتب معاوية بن أبي سفيان إلى وردان»

، وكان قد ولي خراج مصر: أن زد على كل رجل من القبط قيراطا، فكتب إليه وردان: كيف نزيد عليهم وفي عهدهم أن لا يزاد عليهم شيء؟ فعزله معاوية وقيل في عزل وردان غير ذلك.

وقال ابن لهيعة: كان الديوان في زمان معاوية أربعين ألفا، وكان منهم أربعة آلاف في مائتين مائتين، فأعطى مسلمة «2» بن مخلد أهل الديوان عطياتهم، وعطيات عيالهم، وأرزاقهم ونوائب البلاد من الجسور، وأرزاق الكتبة وحملان القمح إلى الحجاز، ثم بعث إلى معاوية بستمائة ألف دينار فضل.

ص: 149