الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
صا أصغر ولد أبيه وأحبهم إليه، فلما ملك حيزه أمر بالنظر في العمارات وبناء المدائن والبلدان والهياكل، وإظهار العجائب كما صنع إخوته وطلب الزيادة في ذلك.
وقال مرهون الهنديّ: صاحب بانة فبنى من حدّ صا إلى حدّ لوبية، ومراقيه على البحر أعلاما، وجعل على رؤوس تلك الأعلام مرائي من أخلاط شتى، فكان منها ما يمنع من دواب البحر وأذاها، ومنها ما إذا قصدتم عدوّ من الجزائر وأصابها الشمس، ألقت شعاعا على مراكبهم، فأحرقتها، ومنها ما يرى المدائن التي تحاذيهم من عدوة البحر، وما يعمله أهلها، ومنها ما ينظر فيها إلى إقليم مصر فيعلم منه ما يخصب، وما يجدب في كل سنة، وجعل فيها حمامات تقدمن نفسها، وجعل مستشرفات ومنتزهات، وكان ينزل كل يوم منها في موضع بمن يخصه من خدمه وحشمه، وجعل حواليها بساتين وسرح فيها الطيور المغرّدة، والوحش المستأمن، والأنهار المطردة والرياض المونقة، وجعل شرفات قصوره من حجارة ملوّنة تلمع إذا أصابتها الشمس، فينشر شعاعها على ما حولها، ولم يدع شيئا من آلة النعمة والرفاهية إلا استعمله، فكانت العمارة ممتدّة في رمال رشيد ورمال الإسكندرية إلى برقة، وكان الرجل يسافر في أرض مصر لا يحتاج إلى زاد لكثرة الفواكه والخيرات، ولا يسير إلا في ظلال تستره من الشمس، وعمل في تلك الصحاري قصورا، وغرس فيها غروسا، وساق إليها من النيل أنهارا، فكان يسلك من الجانب الغربيّ إلى حدّ الغرب في عمارة متصلة، فلما انقرض أولئك القوم بقيت آثارهم في تلك الصحاري، وخربت تلك المنازل وباد أهلها، ولا يزال من دخل تلك الصحاري يحكي ما رآه فيها من الآثار والعجائب.
قال مؤلفه رحمه الله: حدّثني الثقة، عمن دخل مدينة صا، ومشى في خرابها فإذا هو بلبنة طولها أربعة أشبار، فتناولها وأخذ يتأملها، ثم كسرها فإذا فيها سنبلة قدر شبر وافر، كأنها كما حصدت، وفركها بيده فخرج منها قمح أبيض، كبار حبه جدّا في قدر حب اللوبيا، فأكله كله فلم يجد فيه تغيرا، ودخل آخر إليها قبيل سنة تسعين وسبعمائة، وأخذ منها لبنة طولها ذراع ونصف في عرض ذراع، فكسرها فإذا فيها سنبلة قمح ثخن كل قمحة منها في مقدار ما يكون أكبر من الحمص، فلم يطق كسره إلا بعد ما رضه بالحجارة رضا، ووجد بصا: صنم لطيف طول أصبع فاتفق أنه ألقي في خابية ماء فصار خمرا، وكان ذلك عند رجل من تنيس، فصلحت حاله من بيعه ذلك الخمر، فطلبه الأمير الأوحد مستولي تنيس، وما زال به حتى أخذ الصنم منه.
رمل الغرابي
اعلم أنّ هذا الرمل ممتدّ في الأرض ويسميه بعضهم: الرمل الهبير، وطوله من وراء جبل طي إلى أن يتصل مشرقا بالبحر، ويمضي من وراء جبل طي إلى أرض مصر، ثم إلى
بلد النوبة، ويمتدّ إلى البحر المحيط مسيرة خمسة أشهر، ومنه عرق يضرب من القادسية إلى البحرين، فيعبر البحرين فيمرّ على مشارق خورستان وفارس إلى أن يرد سجستان ويمرّ مشرقا إلى مرو آخذا على جيحون في برّية خوارزم، ويأخذ في بلاد الحدلحية إلى الصين والبحر المحيط في جهة الشرق، وهو على ما وصفته وسقته من المحيط بالمشرق إلى المحيط بالمغرب، وفيه جبال عظام لا ترتقى، وبعضه في أرض سهلة ينتقل من مكان إلى مكان، ومنه أصفر لين اللمس وأحمر وأزرق سماويّ وأسود حالك وأكحل مشبع كالنيل وأبيض كالثلج، ومنه ما يحكي الغبار نعومة، ومنه خشن جريش اللمس، وزعم بعضهم أن رمل الغرابيّ، وما يتصل به من حدّ العريش إلى أرض العباسة حادث.
وذكر في سبب كونه، خبر فيه معتبر، وهو أنّ شدّاد بن هدّاد بن شدّاد بن عاد، أحد الملوك العادية، قدم إلى مصر، وغلب بكثرة جيوشه أشمون بن مصر بن بيصر بن حام بن نوح ملك مصر، وهدم ما بناه هو وآباؤه، وبنى لنفسه أهراما ونصب أعلاما زبر عليها الطلسمات، واختط موضع الإسكندرية، وأقام هناك دهرا إلى أن نزل به وبقومه وباء، فخرجوا من أرض مصر إلى جهة وادي القرى فيما بين المدينة النبوية، وأرض الشام، وعمروا الملاعب والمصانع لحبس المياه التي تجتمع من الأمطار والسيول، فكان سعة كل مصنع ميلا في ميل، وغرسوا النخل وغيره، وزرعوا أصناف الزراعات، فيما بين راية وأيلة إلى البحر الغربيّ، وامتدّت منازلهم من الدثنة إلى العريش والجفار في أرض سهلة ذات عيون تجري وأشجار مثمرة، وزروع كثيرة، فأقاموا بهذه الأرض دهرا طويلا، حتى عثوا وبغوا وتجبروا وطغوا، وقالوا: نحن الأكثرون قوّة الأشدّون الأغلبون، فسلط الله عليهم الريح فأهلكتهم ونسفت مصانعهم وديارهم، حتى سحلتها رملا فما تراه من هذه الرمال التي بأرض الجفار، ما بين العباسة حيث المنزلة التي تعرف اليوم بالصالحية إلى العريش من رمل مصانع العادية، وسالة صخورهم لما أهلكهم الله بالريح ودمّرهم تدميرا، وإياك وإنكار ذلك لغرابته، ففي القرآن الكريم ما يشهد لصحته، قال تعالى: وَفِي عادٍ إِذْ أَرْسَلْنا عَلَيْهِمُ الرِّيحَ الْعَقِيمَ ما تَذَرُ مِنْ شَيْءٍ أَتَتْ عَلَيْهِ إِلَّا جَعَلَتْهُ كَالرَّمِيمِ
[الذاريات/ 41] أي كالشيء الهالك البالي، وقيل: الرميم: نبات الأرض إذا يبس، وديس، وقيل: الورق الجاف المتحطم مثل الهشيم، والرميم: الخلق البالي من كل شيء.
مراقية: مدينة مراقية، كورة من كور مصر الغربية، وهي آخر حدّ أرض مصر، وفي آخر أرض مراقية تلقي أرض انطابلس، وهي برقة وبعدها من مدينة سنترية نحو من بريدين، وكان قطرا كبيرا به نخل كثير ومزارع، وبه عيون جارية، وبها إلى اليوم بقية، وثمرها جيد إلى الغاية وزرعها إذا بذر ينبت من الحبة الواحدة من القمح، مائة سنبلة، وأقل ما تنبت تسعون سنبلة، وكذلك الأرز بها فإنه جيد زاك وبها إلى اليوم بساتين متعدّدة، وكانت مراقية في القديم من الزمان سكنها البربر الذين نفاهم داود عليه السلام من أرض فلسطين، فنزلها