الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ذكر مدينة أدفو
ومدينة أدفو يقال بالدال المهملة، ويقال أيضا بالتاء المثناة من فوق. قال الأدفويّ:
أخبرني الخطيب العدل أبو بكر خطيب أدفو: أن جمارة طرحت، ثلاثة شماريخ في كل شمروخ تمرة واحدة، وأنه قلع الجمارة بأصلها، ووزنها فجاءت خمسة وعشرين درهما، كلها بجريدها وخشبها، وذلك بأدفو.
ولما كان بعد سنة سبعمائة، حفر صناع الطوب، فظهرت صورة شخص من حجر شكل امرأة متربعة على كرسيّ، وعليها مثال شبكة، وفي ظهرها لوح مكتوب بالقلم اليونانيّ، رأيتها على هذه الحالة في مدينة أدفو.
إهناس
«1»
هي كورة من كور الصعيد يقال: إنّ عيسى ابن مريم عليه السلام، ولد بها، وإن نخلة مريم عليها السلام التي ذكرت في قوله تعالى: وَهُزِّي إِلَيْكِ بِجِذْعِ النَّخْلَةِ تُساقِطْ عَلَيْكِ رُطَباً جَنِيًّا
[مريم/ 25] لم تزل بها إلى آخر أيام بني أمية، والذي عليه الجماهرة أنّ عيسى عليه السلام إنما ولد بقرية بيت لحم من مدينة بيت المقدس وبإهناس شجر البنج.
ذكر مدينة البهنسا
«2»
هذه المدينة في جهة الغرب من النيل بها تعمل الستور البهنسية، وينسج المطرّز والمقاطع السلطانية، والمضارب الكبار، والثياب المحبرة، وكان يعمل بها من الستور، ما يبلغ طول الستر الواحد ثلاثين ذراعا، وقيمة الزوج مائتا مثقال ذهب، وإذا صنع بها شيء من الستور والأكسية، والثياب من الصوف أو القطن، فلا بدّ أن يكون فيها اسم المتخذ له مكتوبا على ذلك مضوا جيلا بعد جيل.
وقبط مصر، مجمعون على أنّ المسيح وأمّه مريم كانا بالبهنسا، ثم انتقلا عنها إلى القدس.
وقال بعض المفسرين في قوله تعالى عن المسيح وأمّه: وَآوَيْناهُما إِلى رَبْوَةٍ ذاتِ قَرارٍ وَمَعِينٍ
[المؤمنون/ 50] ، الربوة، البهنسا، وهذه المدينة بناها ملك من القبط يقال له:
مناوش بن منقاوش.
قال ابن وصيف شاه: واستخلف مناوش الملك فطلب الحكمة مثل أبيه، واستخرج كتبها، وأكرم أهلها، وبذل فيهم الجوائز، وطلب الأغراب في عمل العجائب، وكان كل من ملوكهم يجهد جهده في أن يعمل له غريبة من الأعمال لم تعمل لمن كان قبله، وثبت في كتبهم، وزبر على الحجارة في تواريخهم.
وهو أوّل من عبد البقر من أهل مصر، وكان السبب في ذلك أنه اعتلّ، علة يئس منه فيها، فرأى في منامه صورة روحانيّ عظيم، يقول له: إنه لا يخرجك من علتك إلا عبادتك البقر، لأنّ الطالع كان وقت حلولها بك صورة ثور بقرنين، ففعل ذلك، وأمر بأخذ ثور أبلق حسن الصورة، وعمل له مجلسا في قصره، وسقفه بقبة مذهبة، فكان ينجره، ويطيب موضعه، وكل به سائسا يقوم به، ويكنس تحته، ويعبد سرا من أهل مملكته، فبرأ من علته.
وهو أوّل من عمل العجل في علته، فكان يركب عليها البيوت من فوقها قباب الخشب، وعمل ذلك من أحب من نسائه، وخدمه إلى المواضع، والمنتزهات، وكان البقر يجرّه، فإذا مرّ بمكان نزهة أقام فيه وإذا مرّ بمكان خراب أمر بعمارته، فيقال: إنه نظر إلى ثور من البقر الذي يجرّ عجلته أبلق حسن الشية، فأمر بترفيهه، وسوقه بين يديه إعجابا به، وجعل عليه جلا من ديباج، فلما كان في يوم وقد خلا في موضع صار إليه، وقد انفرد عن عبيده وخدمه، والثور قائم إذ خاطبه الثور، وقال له: لو رفهني الملك عن السير معه، وجعلني في هيكل وعبدني، وأمر أهل مملكته بعبادتي، كفيته جميع ما يريد، وعاونته على أمره، وقوّيته في مملكته، وأزلت عنه جميع علله، فارتاع لذلك، وأمر بالثور، فغسل وطيب، وأدخل في هيكل، وأمر بعبادته، فأقام ذلك الثور يعبد مدّة، وصار فيه آية وهو أنه لا يبول ولا يروث ولا يأكل إلا أطراف ورق القصب الأخضر في كل شهر مرّة، فافتتن الناس به، وصار ذلك أصلا لعبادة البقر، وبنى مواضع كنز فيها كنوزا، وأقام عليها أعلاما، وبنى في صحراء الغرب مدينة يقال لها ديماس وأقام فيها منارا، ودفن حولها كنوزا.
ويقال: إن هذه المدينة قائمة، وإنّ قوما، جازوا بها من نواحي الغرب، وقد ضلوا الطريق، فسمعوا بها، عزيف الجنّ، ورأوا ضوءا يتراءى بها، وفي بعض كتبهم أنّ ذلك الثور بعد مدّة من عبادتهم له، أمرهم أن يعملوا صورته من ذهب أجوف، ويؤخذ من رأسه شعرات، ومن ذنبه ومن نحاتة قرونه وأظلافه، ويجعل في التمثال المذكور، وعرّفهم أنه يلحق بعالمه، وأمرهم أن يجعلوا جسده في جرن من حجر أحمر، ويدفن في الهيكل، وينصب تمثاله عليه، وزحل في شرفه، والشمس تنظر إليه من تثليث القمر زائد النور، وينقش على التمثال علامات الكواكب السبعة، ففعلوا ذلك، وكلّلوه بجميع الأصناف من الجواهر، وجعلوا عينيه جزعتين، وغرسوا في الهيكل عليه شجرة بعد ما دفنوه في الجرن الأحمر، وبنوا منارا طوله ثمانون ذراعا على رأسه قبة تتلوّن كل يوم لونا، حتى تمضي سبعة
أيام، ثم تعود إلى اللون الأوّل، وكسوا الهيكل ألوان الثياب، وشقوا نهرا من النيل إلى الهيكل، وجعل حوله طلسمات رؤوسها رؤوس القرود على أبدان اناس، كل واحد منها لدفع مضرّة، وجلب منفعة، وأقام عند الهيكل، أربعة أصنام على أربعة أبواب، ودفن تحت كل صنم صنفا من الكنوز، وكتب عليها قربانها، وبخورها وأسكنها الشجرة، فكانت تعرف بمدينة الشجرة، ومنها كانت أصناف الشجر تخرج وهو أوّل من عمل النيروز بمصر، وفي زمانه بنيت البهنسا، وأقم بها أسطوانات وجعل فيما فوقها مجلسا من زجاج أصفر عليه قبة مذهبة إذا طلعت الشمس ألقت شعاعها على المدينة.
ويقال: إنه ملكهم ثمانمائة وثلاثين سنة، ودفن في أحد الأهرام الصغار القبلية، وقيل: في غربيّ الأشمونين، ودفن معه من المال والجواهر والعجائب شيء كثير، وأصناف الكواكب السبعة التي يرى الدفين والحية، وألف سرج ذهبا وفضة، وعشرة آلاف جام وغضار من ذهب وفضة وزجاج، وألف عقاقير لفنون الأعمال، وزبروا عليه اسمه ومدّة ملكه، ووقت موته.
وفي سنة أربع وثلاثين وسبعمائة، ظهر بالأشمونين في واد بين جبلين، فساقي «1» مربعة مملوءة ماء عذبا صافيا، فمشى شخص على حافتها طول يوم وليلة، فلم يبلغ آخرها.
ويقال: إنها من عمل سوريد باني الأهرام لتكون عدّة لما كانوا قد توقعوه من حدوث طوفان ناريّ، فردم هذا الوادي بعد ذلك خوفا من تلاف الناس.
يقول الشيخ الإمام محمد بن أحمد الغريانيّ: حدّثني عليّ بن حسن بن خالد الشعريّ، ثلاث مرّات لم يختلف قوله عليّ فيها، قال: حدّثني رجل من فزارة، الساكنين بكورة البهنسا قال: خرجت أنا ورجل رفيق لي نرتاد البلاد، ونطلب الرزق في الأرض، وذلك بعد سنة عشر وثمانمائة، فقطعنا الجبل الغربيّ من ناحية البهنسا، وسرنا متوكلين على الله تعالى، فأقمنا أياما، ونحن نمشي ما بين الغرب والجنوب، فوقعنا في واد كثير الشجر والنبات والماء والكلأ ليس فيه أنيس، وهو واد واسع في الطول والعرض، نحو يوم في الطول، ويوم في العرض، كله أعين وبساتين نخل وزيتون كثير الإبل والمعز، والذئب والضبع به كثير، والإبل به متوحشة، وكذلك المعز قد صارت به وحشية بعد أن كانت آنسة به، وليس بالوادي لا رائح، ولا غاد من الناس قال: فأخبرني أنهما أقاما بالوادي نحوا من شهرين أو ثلاثة، وإنهما رأيا في وسط الوادي، مدينة حصينة منيعة عالية السور شامخة القصور فإذا تقرّبا من سورها سمعا ضجيجا عظيما، وأصواتا مهولة مخوفة، ورأيا دخانا يرتفع إلى جوّ السماء، حتى يغطي سور المدينة، وجميع ما فيها، وإنّ تلك الإبل الوحشية