الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
هنيئا فإنّ السعد جاء مخلدا
…
وقد أنجز الرحمن بالنصر موعدا
حبانا إله الخلق فتحا لنا بدا
…
مبينا وإنعاما وعزا مؤبدا
تهلل وجه الأرض بعد قطوبه
…
وأصبح وجه الشرك بالظلم أسودا
ولما طغى البحر الخضمّ بأهله ال
…
طغاة وأضحى بالمراكب مزبدا
أقام لهذا الدين من سلّ عزمه
…
صقيلا كما سلّ الحسام المهندا
فلم ينج إلا كل شلو مجدّل
…
ثوى منهم أو من تراه مقيدا
ونادى لسان الكون في الأرض رافعا
…
عقيرته في الخافقين ومنشدا
أعباد عيسى إنّ عيسى وحزبه
…
وموسى جميعا ينصران محمدا
فكانت هذه الليلة بالمنصورة، من أحسن ليلة مرّت لملك من الملوك، وكان عند إنشاده يشير إذا قال عيسى إلى عيسى المعظم، وإذا قال موسى إلى موسى الأشرف، وإذا قال محمدا إلى السلطان الملك الكامل، وقد قيل: إنّ الذي أنشد هذه الأبيات إنما هو راجح المحلي الشاعر.
العباسة
«1»
هذه القرية فيما بين بلبيس والصالحية، من أرض السدير لم يزل منتزها لملوك مصر، وبها ولد العباس بن أحمد بن طولون، فسماه لذلك أبوه العباس، وولد بها أيضا الملك الأمجد تقيّ الدين عباس بن العادل أبي بكر بن أيوب، وكان الملك الكامل محمد بن العادل يقيم بها كثيرا، ويقول: هذه تعلو مصر إذا أقمت بها أصطاد الطير من السماء، والسمك من الماء، والوحش من الفضاء، ويصل الخبز من قلعة الجبل إليّ بها في قلعتي، وهو سخن، وبنى بها آدرا ومناظر وبساتين، وبنى أمراؤه بها أيضا عدّة مساكن في البساتين، ولم تزل العباسة على ذلك حتى أنشأ الملك الصالح نجم الدين أيوب بن الكامل، المنزلة الصالحية، فتلاشى حينئذ أمر العباسة، وخربت المناظر في سلطنة الملك المعز أيبك.
فلما كانت سلطنة الملك الظاهر ركن الدين بيبرس، مرّ على السدير، وهو فم الوادي، فأعجب به وبنى في موضع اختاره منه قرية سماها الظاهرية، وأنشأ بها جامعا، وذلك في سنة ست وستين وستمائة.
وسميت: بالعباسة بنت أحمد بن طولون، فإنها خرجت إلى هذا الموضع مودّعة لبنت أخيها، قطر الندى بنت خمارويه بن أحمد بن طولون، لما حملت إلى المعتضد، وضربت
هناك فساطيطها، ثم بنت قرية، فسميت باسمها.
ذكر مدينة قفط «1» بصعيد مصر
هذه المدينة عرفت: بقفطريم بن قبطيم بن مصرايم بن بيصر بن حام بن نوح عليه السلام، وكانت في الدهر الأوّل، مدينة الإقليم، وإنما بدا خرابها بعد الأربعمائة من تاريخ الهجرة النبوية، وآخر ما كان فيها بعد السبعمائة من سني الهجرة، أربعون مسبكا للسكر، وست معاصر للقصب، ويقال: كان فيها قباب بأعالي دورها، وكانت إشارة من ملك من أهلها عشرة آلاف دينار أن يجعل في داره قبة، وبالقرب منها معدن الزمرّذ، ولم يبطل إلا من قريب، فإنّ قفطريم ولي الملك بعد أبيه قبطيم.
قال ابن وصيف شاه: كان أكبر ولد أبيه، وكان جبارا عظيم الخلق، وهو الذي وضع أساسات الأهرام الدهشورية وغيرها، وهو الذي بنى مدينة دندرة «2» ، ومدينة الأصنام، وهلكت عاد بالريح في آخر أيامه، وأثار من المعادن ما لم يثره غيره، وكان يتخذ من الذهب مثل حجر الرحى، ومن الزبرجد مثل الأسطوانة، ومن الإسبادشم في صحراء الغرب كالقلة، وعمل من العجائب شيئا كثيرا.
وبنى منارا عاليا على جبل قفط، يرى منه البحر الشرقيّ، ووجد هناك معدن زئبق، فعمل منه تمثالا كالعمود لا ينحلّ، ولا يذوب.
وعمل البركة التي سماها صيادة الطير إذا مرّ عليها طائر سقط فيها، ولم يقدر على الحركة، حتى يؤخذ، وهذه البركة يقال: إنها هناك إلى الآن، وأما المنار فسقط، وعمل عجائب كثيرة، وفي أيامه أثار عبادة الأصنام التي كان الطوفان غرّقها وزين الشيطان أمرها وعبادتها، ويقال: إنه بنى المدائن الداخلة، وعمل فيها عجائب، وبنى غربيّ النيل، وخلف الواحات الداخلة مدنا عمل فيها عجائب كثيرة، ووكل بها الروحانيين الذين يمنعون منها، فما يستطيع أحد أن يدنو إليها ولا يدخلها، إلا أن يعمل قرابين لأولئك الروحانيين، وأقام قفطريم ملكا أربعمائة وثمانين سنة، وأكثر العجائب عملت في وقته، ووقت ابنه، البودسير، ولذلك كان الصعيد أكثر عجائب من أسفل، لأنّ حيز قفطريم فيه.
ولما حضر قفطريم الوفاة عمل ناوسا في الجبل الغربيّ قرب مدينة الكهان في سرب تحت الأرض معقود على آزاج إلى الأرض، ونقر تحت الجبل، دارا واسعة، وجعل دورها
خزائن منقورة، وفي سقفها مسارب للرياح، وبلط السرب، وجميع الدار بالمرمر، وجعل في وسط الدار مجلسا على ثمانية أركان مصفحا بالزجاج الملوّن المسبوك، وجعل في سقفه جواهر تسرج، وجعل في كل ركن من أركان المجلس، تمثالا من الذهب بيده كالبوق الذي يبوق به، وتحت القبة دكة مصفحة بذهب، ولها حواف من زبرجد، وفوق الدكة فرش من حرير، وجعل عليها جسد بعد أن لطخ بالأدوية المجففة، ووضع في جانبه آلات كافور، وسدلت عليه ثياب منسوجة بالذهب، ووجهه مكشوف وعلى رأسه تاج مكلل، وعن جوانب الدكة أربعة تماثيل مجوّفات من زجاج مسبوك في صور النساء بأيديهنّ مراوح من ذهب، وعلى صدره من فوق الثياب، سيف فاخر قائمته من زبرجد، وجعل في تلك الخزائن من الذخائر وسبائك الذهب، والتيجان والجوهر، وبرابي الحكم، وأصناف العقاقير والطلسمات ومصاحف العلوم، ما لا يحصى كثرة، وجعل على باب المجلس: ديكا من ذهب على قاعدة من زجاج أخضر منشور الجناحين، مزبورا عليه آيات مانعة، وجعل على كل مدخل أزج، صورتين من نحاس بأيديهما سيفان، وقدّامهما بلاطة، تحتها لوالب من وطئها، ضرباه بأسيافهما، فقتلاه، وفي سقف كل أزج، كرة وعليها الطوخ مدبر يسرج، فيقد طول الزمان، وسدّ باب الأزج بالأساطين المرصصة، ورصوا على سقفه البلاط العظام، وردموا فوقها الرمال، وزبروا على باب الأزج، هذا المدخل إلى جسد الملك المعظم المهيب الكريم الشديد قفطريم ذي الأيد والفخر والغلبة والقهر، وأفل نجمه، وبقي ذكره وعلمه، فلا يصل أحد إليه ولا يقدر بحيلة عليه، وذلك بعد سبعمائة وسبعين ودورات مضت من السنين.
وقال المسعوديّ: ومعدن الزمرّد في عمل الصعيد الأعلى، من مدينة قفط، ومنها يخرج إلى هذا المعدن، والموضع الذي هو فيه يعرف: بالخربة، وهي مفازة وجبال، والبجة تحمي هذا المكان المعروف بالخربة، وإليها يؤدّي الخفارات من يرد إلى حفر الزمرّذ، ووجدت جماعة من صعيد مصر من ذوي الدراية ممن اتصلت معرفته بهذا المعدن، وعرف هذا النوع من الجوهر يخبرون أنه يكثر، ويقلّ في فصول السنة، فيكثر في قوّة موادّ الهواء، وهبوب نوع من الرياح الأربع، وتقوى الخضرة فيه، والشعاع النوريّ في أوائل الشهر، والزيادة في نور القمر، وبين الموضع المعروف بالخربة الذي فيه معدن الزمرّذ، وبين ما اتصل من العمارة، وقرب منه من الديار مسيرة سبعة أيام، وهي قفط وقوص وغيرهما من صعيد مصر، وقوص راكبة النيل، وبين النيل وقفط نحو من ميلين.
ولمدينتي قفط وقوص أخبار عجيبة في بدء عمارتهما، وما كان في أيام القبط من أخبارهما إلا أنّ مدينة قفط في هذا الوقت، متداعية للخراب، وقوص أعمر والناس فيها أكثر، وكان بقفط بربا موكل بها روحانيّ في صورة جارية سوداء تحمل صبيا أسود صغيرا، حكي أنها رئيت بها مرارا، ومعدن الزمرّذ في البرّ المتصل بأسوان، وكان له ديوان فيه شهود