المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ذكر ديوان العساكر والجيوش - المواعظ والاعتبار بذكر الخطط والآثار - جـ ١

[المقريزي]

فهرس الكتاب

- ‌الجزء الاول

- ‌تقديم

- ‌[مقدمة المؤلف]

- ‌ذكر الرءوس الثمانية

- ‌ذكر طرف من هيئة الأفلاك

- ‌ذكر صورة الأرض وموضع الأقاليم منها

- ‌ذكر محل مصر من الأرض وموضعها من الأقاليم السبعة

- ‌ذكر حدود مصر وجهاتها

- ‌ذكر بحر القلزم

- ‌ذكر البحر الرومي

- ‌ذكر اشتقاق مصر ومعناها وتعداد أسمائها

- ‌ذكر طرف من فضائل مصر

- ‌ذكر العجائب التي كانت بمصر من الطلسمات والبرابي ونحو ذلك

- ‌ذكر الدفائن والكنوز التي تسميها أهل مصر المطالب

- ‌ذكر هلاك أموال أهل مصر

- ‌ذكر أخلاق أهل مصر وطبائعهم وأمزجتهم

- ‌ذكر شيء من فضائل النيل

- ‌ذكر مخرج النيل وانبعاثه

- ‌فصل في الردّ على من اعتقد أن النيل من سيل يفيض

- ‌ذكر مقاييس النيل وزيادته

- ‌ذكر الجسر الذي كان يعبر عليه في النيل

- ‌ذكر ما قيل في ماء النيل من مدح وذم

- ‌ذكر عجائب النيل

- ‌ذكر طرف من تقدمة المعرفة بحال النيل في كل سنة

- ‌ذكر عيد الشهيد

- ‌ذكر الخلجان التي شقت من النيل

- ‌ذكر ما كانت عليه أرض مصر في الزمن الأوّل

- ‌ذكر أعمال الديار المصرية وكورها

- ‌ذكر ما كان يعمل في أراضي مصر من حفر الترع وعمارة الجسور ونحو ذلك من أجل ضبط ماء النيل وتصريفه في أوقاته

- ‌ذكر مقدار خراج مصر في الزمن الأوّل

- ‌ذكر ما عمله المسلمون عند فتح مصر في الخراج وما كان من أمر مصر في ذلك مع القبط

- ‌ذكر انتقاض القبط وما كان من الأحداث في ذلك

- ‌ذكر نزول العرب بريف مصر واتخاذهم الزرع معاشا وما كان في نزولهم من الأحداث

- ‌ذكر قبالات أراضي مصر بعد ما فشا الإسلام في القبط ونزول العرب في القرى وما كان من ذلك إلى الروك الأخير الناصري

- ‌ذكر الروك الأخير الناصري

- ‌ذكر الديوان

- ‌ذكر ديوان العساكر والجيوش

- ‌ذكر القطائع والإقطاعات

- ‌ذكر ديوان الخراج والأموال

- ‌ذكر خراج مصر في الإسلام

- ‌ذكر أصناف أراضي مصر وأقسام زراعتها

- ‌ذكر أقسام مال مصر

- ‌ذكر الأهرام

- ‌ذكر الصنم الذي يقال له أبو الهول

- ‌ذكر الجبال

- ‌ذكر الجبل المقطم

- ‌الجبل الأحمر

- ‌جبل يشكر

- ‌ذكر الرّصد

- ‌ذكر مدائن أرض مصر

- ‌ذكر مدينة أمسوس وعجائبها وملوكها

- ‌ذكر مدينة منف وملوكها

- ‌ذكر مدينة الإسكندرية

- ‌ذكر الإسكندر

- ‌ذكر تاريخ الإسكندر

- ‌ذكر الفرق بين الإسكندر وذي القرنين وأنهما رجلان

- ‌ذكر من ولي الملك بالإسكندرية بعد الإسكندر

- ‌ذكر منارة الإسكندرية

- ‌ذكر الملعب الذي كان بالإسكندرية وغيره من العجائب

- ‌ذكر عمود السواري

- ‌ذكر طرف مما قيل في الإسكندرية

- ‌ذكر فتح الإسكندرية

- ‌ذكر ما كان من فعل المسلمين بالإسكندرية وانتقاض الروم

- ‌ذكر بحيرة الإسكندرية

- ‌ذكر خليج الإسكندرية

- ‌ذكر جمل حوادث الإسكندريّة

- ‌ذكر مدينة أتريب

- ‌ذكر مدينة تنيس

- ‌ذكر مدينة صا

- ‌رمل الغرابي

- ‌ذكر مدينة بلبيس

- ‌ذكر بلد الورادة

- ‌ذكر مدينة أيلة

- ‌ذكر مدينة مدين

- ‌بقية خبر مدينة مدين

- ‌ذكر مدينة فاران

- ‌ذكر أرض الجفار

- ‌ذكر صعيد مصر

- ‌ذكر تشعب النيل من بلاد علوة ومن يسكن عليه من الأمم

- ‌ذكر البجة ويقال إنهم من البربر

- ‌ذكر مدينة أسوان

- ‌ذكر بلاق

- ‌ذكر حائط العجوز

- ‌ذكر البقط

- ‌ذكر صحراء عيذاب

- ‌ذكر مدينة الأقصر

- ‌ذكر البلينا

- ‌ذكر سمهود

- ‌ذكر إرجنّوس

- ‌ذكر أبويط

- ‌ذكر ملوى

- ‌ذكر مدينة أنصنا

- ‌ذكر القيس

- ‌ذكر دروط بلهاسة

- ‌ذكر سكر

- ‌ذكر منية الخصيب

- ‌ذكر منية الناسك

- ‌ذكر الجيزة

- ‌ذكر قرية ترسا

- ‌ذكر منية أندونة

- ‌ذكر وسيم

- ‌ذكر منية عقبة

- ‌ذكر حلوان

- ‌ذكر مدينة العريش

- ‌ذكر مدينة الفرماء

- ‌ذكر مدينة القلزم

- ‌ذكر التيه

- ‌ذكر مدينة دمياط

- ‌ذكر شطا

- ‌ذكر الطريق فيما بين مدينة مصر ودمشق

- ‌ذكر مدينة حطين

- ‌ذكر مدينة الرقة

- ‌ذكر عين شمس

- ‌المنصورة

- ‌العباسة

- ‌ذكر مدينة دندرة

- ‌ذكر الواحات الداخلة

- ‌ذكر مدينة سنتريّة

- ‌ذكر الواحات الخارجة

- ‌ذكر مدينة قوص

- ‌ذكر مدينة أسنا

- ‌ذكر مدينة أدفو

- ‌إهناس

- ‌ذكر مدينة البهنسا

- ‌ذكر مدينة الأشمونين

- ‌ذكر مدينة إخميم

- ‌ذكر مدينة العقاب

- ‌ذكر مدينة الفيوم

- ‌ذكر ما قيل في الفيوم وخلجانها وضياعها

- ‌ذكر فتح الفيوم ومبلغ خراجها وما فيها من المرافق

- ‌مدينة النحريرية

الفصل: ‌ذكر ديوان العساكر والجيوش

‌ذكر ديوان العساكر والجيوش

يقال: إنّ أول من وضع ديوان الجند بخيلهم، كيهراسف، أحد ملوك الطبقة الثانية من الفرس، وإنّ كيقباذ قبله كان قد أخذ العشر من الغلات، وصرفه في أرزاق جنده، وأما في الإسلام، فما خرجه البخاري ومسلم من حديث حذيفة رضي الله عنه قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم:

«اكتبوا لي من تلفظ بالإسلام من الناس» ، فكتبنا له ألفا وخمسمائة رجل، الحديث. ذكره البخاريّ في باب كتابة الإمام الناس، وللبخاري من حديث عبد الله بن عباس رضي الله عنهما قال: جاء رجل إلى النبيّ صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله إني اكتتبت في غزوة كذا وكذا، وامرأتي حاجة؟ قال:«ارجع فاحجج مع امرأتك» . وقال عمرو بن منبه عن معمر عن قتادة قال: آخر ما أتي به النبيّ صلى الله عليه وسلم ثمانمائة ألف درهم من البحرين، فما قام من مجلسه حتى أمضاه، ولم يكن للنبيّ صلى الله عليه وسلم بيت مال، ولا لأبي بكر.

وأوّل من اتخذ بيت مال عمر بن الخطاب رضي الله عنه. وقال ابن شهاب: عمر أوّل من دوّن الدواوين. وروى ابن سعد عن عائشة رضي الله عنها قالت: قسم أبي الفيء عام أوّل، فأعطى الحرّ عشرة، والملوك عشرة، والمرأة عشرة، وأمتها عشرة، ثم قسم العام الثاني، فأعطاهم عشرين عشرين. فقيل: إن سببه أن أبا هريرة رضي الله عنه قدم على عمر رضي الله عنه بمال من البحرين، فقال له عمر: ماذا جئت به؟ فقال: خمسمائة ألف درهم، فاستكثره عمر! وقال: أتدري ما تقول؟ قال: نعم، مائة ألف خمس مرّات، فقال عمر:

أطيب هو؟ قال: لا أدري، فصعد عمر المنبر، فحمد الله، وأثنى عليه، ثم قال: أيها الناس، قد جاءنا مال كثير، فإن شئتم كلنا لكم كيلا، وإن شئتم عددنا لكم عدّا، فقام إليه رجل، فقال: يا أمير المؤمنين قد رأيت الأعاجم يدوّنون ديوانا لهم، فدوّن أنت ديوانا، فدوّن عمر.

وقيل: بل سببه أن عمر بعث بعثا وعنده الهرمزان، فقال لعمر: هذا بعث قد أعطيت أهله الأموال، فإن تخلف منهم رجل من أين يعلم صاحبك به، فأثبت لهم ديوانا، فسأله عن الديوان حتى فسره له، فاستشار المسلمين في تدوين الدواوين فقال له عليّ بن أبي طالب:

تقسم كل سنة ما اجتمع عندك من المال، ولا تمسك منه شيئا، وقال عثمان رضي الله عنه:

أرى مالا كثيرا يسع الناس، فإن لم يحصوا حتى يعرف من أخذ ممن لم يأخذ خشيت أن ينتشر الأمر، وقال خالد بن الوليد رضي الله عنه: قد كنت بالشام، فرأيت ملوكها دوّنوا ديوانا وجندوا جنودا، فدوّن ديوانا، وجند جنودا، فأخذ بقوله، ودعا عقيل بن أبي طالب، ومخرمة بن نوفل، وجبير بن مطعم، وكانوا كتاب قريش، فقال: اكتبوا الناس على منازلهم، فبدأوا ببني هاشم، وكتبوهم، ثم أتبعوهم أولاد أبي بكر، وقومه، ثم عمر وقومه، وكتبوا القبائل، ووضعوها على الخلافة، ثم رفعوا ذلك إلى عمر رضي الله عنه، فلما نظر فيه قال:

لا، ولكن ابدأوا بقرابة رسول الله صلى الله عليه وسلم الأقرب، فالأقرب حتى تضعوا عمر حيث وضعه الله

ص: 173

فشكره العباس رضي الله عنه على ذلك، وقال: وصلت رحمك، وقد اختلف في السنة التي فرض فيها عمر رضي الله عنه الأعطية ودوّن الدواوين فقال الكلبيّ في سنة خمس عشرة، وحكى ابن سعد عن عمر الواقدي: أنه جعل ذلك في سنة عشرين. قال الزهريّ: وكان ذلك في المحرّم سنة عشرين من الهجرة، وقيل: لما فتح الله على المسلمين القادسية، وقدمت على عمر رضي الله عنه الفتوح من الشام جمع المسلمين، وقال: ما يحلّ للوالي من هذا المال، فقالوا: جميعا. أما الخاصة، فقوته وقوت عياله لا وكس وشطط، وكسوته وكسوتهم للشتاء والصيف، ودابتان إلى جهاده وحوائجه وحملانه إلى حجته وعمرته، والقسم بالسوية، وأن يعطي أهل البلاد على قدر بلادهم ويرم أمور الناس بعد، ويتعاهدهم في الشدائد والنوازل حتى تنكشف، ويبدأ بأهل القيء ثم يجوزهم إلى كل مغلوب ما بلغ الفيء.

وقال الضحاك عن ابن عباس رضي الله عنهما: لما افتتحت القادسية، وصالح من صالح من أهل السواد، وافتتحت دمشق وصالح أهل الشام. قال عمر رضي الله عنه للناس:

اجتمعوا فأحضروني علمكم فيما أفاء الله على أهل القادسية وأهل الشام، فاجتمع رأي عليّ وعمر رضي الله عنهما أن يأخذوه من قبل القرآن فقالوا: ما أَفاءَ اللَّهُ عَلى رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرى

[الحشر/ 7] يعني: من الخمس فَلِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ

يعني: من الله الأمر وعلى الرسول القسم وَلِذِي الْقُرْبى وَالْيَتامى وَالْمَساكِينِ

ثم فسروا ذلك بالآية الأخرى التي تليها:

لِلْفُقَراءِ الْمُهاجِرِينَ

[الحشر/ 8] الآية، فأخذوا أربعة الأخماس على ما قسم عليه الخمس فيمن بدىء به، وثنى وثلث وأربعة أخماس لمن أفاء الله عليه المغنم، ثم استشهدوا على ذلك بقوله تعالى: وَاعْلَمُوا أَنَّما غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ

[الأنفال/ 41] الآية من تلك الطبقات الثلاث وأربعة أخماس لمن أفاء الله عليه، فقسم الأخماس على ذلك، فاجتمع على ذلك عمر وعليّ، وعمل به المسلمون بعد ذلك، فبدأ بالمهاجرين ثم الأنصار ثم التابعين الذين شهدوا معهم، وأعانوهم ثم فرض الأعطية من الجزاء على من صالح، أو دعا إلى الصلح من حرابة فردّه عليهم بالمعروف، وليس في الجزء أخماس الجزء لمن منع الذمّة، ووفى لهم ممن ولي ذلك منهم، ولمن لحق بهم، فأعانهم بأسوة إلا أن يواسوا بفضله عن طيب أنفس منهم، من لم ينل مثل الذي نالوا.

وعن أبي سلمة بن عبد الرحمن بن عوف قال عمر رضي الله عنه: إني مجيد المسلمين على الأعطية ومدوّنهم ومتحرّي الحق، فقال عبد الرحمن بن عوف وعثمان وعليّ رضي الله عنهم: ابدأ بنفسك، قال: لا أبدأ إلا بعم رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم الأقرب فالأقرب منهم من رسول الله، ففرض للعباس، وبدأ به، ثم فرض لأهل بدر خمسة آلاف خمسة آلاف، ثم فرض لمن بعد بدر إلى الحديبية أربعة آلاف أربعة آلاف، ثم فرض لمن بعد الحديبية إلى أن أقلع أبو بكر رضي الله عنه عن أهل الردّة ثلاثة آلاف ثلاثة آلاف، ودخل في ذلك من شهد الفتح، وقاتل عن أبي بكر ومن ولي الأيام قبل القادسية، كل هؤلاء على ثلاثة آلاف ثلاثة

ص: 174

آلاف، ثم فرض لأهل القادسية، وأهل الشام أصحاب اليرموك ألفين ألفين، وفرض لأهل البلاد النازح منهم ألفين وخمسمائة ألفين وخمسمائة، فقيل له: لو ألحقت أهل القادسية بأهل الأيام، فقال: لم أكن لألحقهم بدرجة من لم يدركوا لاها الله إذن، وقيل له: قد سوّيتهم على بعد دارهم بمن قد قربت داره، وقاتل عن فنائه، فقال: هم كانوا أحق بالزيادة لأنهم كانوا ردء الحقوق، وشجى للعدوّ. وأيم الله ما سوّيتهم حتى استطبتهم، فهلا قال المهاجرون مثل قولهم حين سوّينا بين السابقين من المهاجرين، وبين الأنصار، وقد كانت نصرة الأنصار بفنائهم، وهاجر إليهم المهاجرون من بعد، وفرض للروادف الذين ردفوا بعد افتتاح القادسية واليرموك بعد الفتح ثلثمائة ثلثمائة سوّى كل طبقة في العطاء ليس بينهم تفاضل، قويهم وضعيفهم عربيهم وأعجميهم في طبقاتهم سواء حتى إذا حوى أهل الأمصار من حووا من سباياهم، وردفت المربع من الروادف فرض لهم على خمسين ومائتين، وفرض لمن ردف من الروادف الخمس على مائتين، فكان آخر من فرض له عمر رضي الله عنه أهل هجر على مائتين، ومات عمر على ذلك.

وأدخل في أهل بدر أربعة من غير أهل بدر: الحسن والحسين وأبا ذر وسلمان، وقال أبو سلمة: فرض عمر للعباس على خمسة وعشرين ألفا. وقال الزهريّ: على اثني عشر ألفا، وجعل نساء أهل بدر إلى الحديبية على أربعمائة أربعمائة، ونساء من بعد ذلك إلى الأيام قبل القادسية على ثلثمائة ثلثمائة، ثم نساء أهل القادسية على مائتين مائتين، ثم سوّى بين النساء بعد ذلك، وجعل للصبيان من أهل بدر وغيرهم مائة مائة، ثم دعا ستين مسكينا، فأطعمهم خبزا بملح فأحصوا ما أكلوه فوجدوه يخرج من جزيتين، ففرض لكل إنسان يقوم بالأمر له ولعياله جزيتين جزيتين في كل شهر: مسلمهم وكافرهم، وفرض لأزواج النبيّ صلى الله عليه وسلم عشرة آلاف عشرة آلاف، إلا من جرى عليه البيع، فقالت أمّهات المؤمنين: ما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يفضلنا عليهنّ في القسمة ولكن كان يسوّي بيننا فسوّ بيننا، فجعلهن على عشرة آلاف عشرة آلاف، وفضل عائشة رضي الله عنها بألفين، فأبت. فقال لفضل: منزلتك عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فإذا أخذتها فشأنك.

وكان الناس أعشارا، فكانت العرفاء ثلاثة آلاف عريف كل عريف على عشرة، ورزق الخيل على أعرافها، فما زالوا كذلك حتى اختطت الكوفة والبصرة، فغيرت العرفاء والأعشار، وجعلت أسباعا، وجعل مائة عريف على كل مائة ألف درهم عريف، وكانت كل عرافة من القادسية خاصة ثلاثة وأربعين رجلا وثلاثا وأربعين امرأة، وخمسين من العيال لهم مائة ألف درهم، وكل عرافة من أهل الأيام عشرين رجلا على ثلاثة آلاف وعشرين امرأة، ولكل عيل مائة على مائة ألف درهم، وكل عرافة من الرادفة الأولى ستين رجلا وستين امرأة، وأربعين من العيال ممن كان رجالهم ألحقوا على ألف وخمسمائة على مائة ألف درهم، وكان العطاء يدفع إلى أمراء الأسباع وأصحاب الرايات، والرايات على أيادي العرب

ص: 175

فيدفعونه إلى العرفاء والنقباء والأمناء، فيدفعونه إلى أهله في دورهم. فمات عمر رضي الله عنه والأمر على ذلك، وقد عزم قبل موته أن يجعل العطاء أربعة آلاف أربعة آلاف، وقال:

لقد هممت أن أجعل العطاء أربعة آلاف أربعة آلاف، ألف يخلفها الرجل في أهله، وألف يتزوّدها معه في سفره، وألف يتجهز بها، وألف يترفق بها، فمات وهو في ارتياد ذلك قبل أن يفعل، وكان يقري البعوث على قدر المسافة إن كان بعيدا فسنة، وإن كان دون ذلك فستة أشهر، فإذا أخل الرجل بثغره نزعت عمامته، وأقيم في مسجد حيه، فقيل هذا فلان قد أخل. وقال سيف بن عمر: أول عطاء أخذ سنة خمس عشرة، وكان عمرو بن العاص رضي الله عنه يبعث من مصر إلى عمر بن الخطاب رضي الله عنه بالجزية بعد حبس ما كان يحتاج إليه، فلما استخلف عثمان رضي الله عنه لثلاث مضين من المحرّم سنة أربع وعشرين زاد الناس مائة، وكان أوّل من زاد، ورفد أهل الأمصار، وهو أوّل من رفدهم، وصنع فيهم الصنائع، فاستن به الخلفاء في الزيادة.

وكان عمر، قد فرض لكل نفس منفوسة من أهل الفيء في رمضان درهما في كل يوم، وفرض لأمهات المؤمنين درهمين. فقيل له: لو صنعت لهم به طعاما، فجمعتهم عليه فقال: اشبعوا الناس في بيوتهم، فأقرّ عثمان رضي الله عنه ذلك، وزاد فوضع لهم طعام رمضان. وقال: هو للمتعبد الذي يتخلف في المسجد، ولابن السبيل، وللمعترين بالناس في رمضان فاقتدى به الخلفاء من بعده.

وكان بمصر، في خلافة معاوية بن أبي سفيان أربعون ألفا، وكان منهم أربعة آلاف في مائتين مائتين، وكان إنما يحمل إلى معاوية ستمائة ألف دينار عن فضل أعطيات الجند، وما يصرف إلى الناس، وكان معاوية قد جعل على كل قبيلة من قبائل العرب بمصر، رجلا يصبح كل يوم فيدور على المجالس فيقول: هل ولد الليلة فيكم مولود؟ وهل نزل بكم نازل؟ فيقال: ولد لفلان غلام، ولفلان جارية، فيكتب أسماءهم، ويقال: نزل بهم رجل من أهل كذا بعياله، فيسميه وعياله فإذا فرغ من القيل أتى الديوان حتى يثبت ذلك، وأعطى مسلمة بن مخلد الأنصاري أمير مصر، أهل الديوان أعطياتهم وأعطيات عيالهم، وأرزاقهم ونوائبهم ونوائب البلاد من الجسور، وأرزاق الكتبة وحملان القمح إلى الحجاز، وبعث إلى معاوية ستمائة ألف دينار فضلا.

وأوّل تدوين كان بمصر على يد عمرو بن العاص رضي الله عنه، ثم دوّن عبد العزيز بن مروان تدوينا ثانيا، ودوّن قرّة بن شريك التدوين الثالث، ثم دوّن بشر بن صفوان تدوينا رابعا، ثم لم يكن بعد تدوين بشر شيء له ذكر إلا ما كان من إلحاق قيس بالديوان في خلافة هشام بن عبد الملك بن مروان.

فلما انقرضت دولة بني أمية وغلبت المسودّة بنو العباس أحدثوا أشياء حتى إذا مات

ص: 176

عبد الله المأمون بن هارون الرشيد لسبع خلون من رجب سنة ثماني عشرة ومائتين، وبويع أخوه المعتصم، أبو إسحاق محمد بن هارون كتب إلى كندر بن نصر الصفدي أمير مصر، يأمره بإسقاط من في ديوان مصر من العرب، وقطع العطاء عنهم ففعل ذلك، وكان مروان بن محمد الجعدي آخر خلائف بني أمية قطع عن أهل مصر العطاء سنة، ثم كتب إليهم كتابا يعتذر فيه: إني إنما حبست عنكم العطاء في السنة الماضية لعدوّ حضرني، فاحتجت إلى المال، وقد وجهت إليكم بعطاء السنة الماضية، وعطاء هذه السنة فكلوه هنيئا مريئا، وأعوذ بالله أن أكون أنا الذي يجري الله قطع العطاء على يديه، ولما قطع كندر عطاء أهل مصر خرج يحيى بن الوزير الجرويّ في جمع من لخم وجذام وقال له: هذا أمر لا يقوم فينا أفضل منه لأنا منعنا حقنا وفيئنا، فاجتمع إليه نحو خمسمائة رجل.

ومات كندر في ربيع الآخر سنة تسع عشرة ومائتين، وولي ابنه المظفر مصر من بعده، فسار إلى يحيى، وقاتله في بحيرة تنيس، وأخذه أسيرا فانقرضت دولة العرب من مصر، وصار جندها العجم والموالي من عهد المعتصم إلى أن ولي الأمير أبو العباس أحمد بن طولون مصر، فاستكثر من العبيد، وبلغت عدّتهم زيادة على أربعة وعشرين ألف غلام تركيّ، وأربعين ألف أسود، وسبعة آلاف حرّ مرتزق، ثم استجدّ ابنه الأمير أبو الجيش خمارويه بعده عدّة من شناترة حوف مصر، فلما كانت إمارة الأمير أبي بكر محمد بن طغج الإخشيد على مصر، بلغت عدّة عساكره بمصر والشام أربعمائة ألف تشتمل على عدّة طوائف.

ثم إن الأستاذ أبا المسك كافورا الإخشيدي استجدّ عدّة من السودان في أيام تحكمه بمصر، فلما تغلب الإمام المعز لدين الله أبو تميم معدّ الفاطمي على مصر صارت عساكرها ما بين كتامة وزويلة ونحوها من طوائف البربر، وفيهم الروم والصقالبة، وهم في العدد كما قيل. ومنهم معدّ. ولم تكن جيوشه تعدّ، ولا لما أوتيه كان حدّ، من كل ما يسعد فيه جدّ، وحتى قيل: إنه لم يطأ الأرض بعد جيش الإسكندر بن فليبس المقدوني أكثر عددا من جيوش المعز، فلما قام في الخلافة بمصر من بعده ابنه العزيز بالله أبو منصور نزار استخدم الديلم والأتراك واختص بهم.

وذكر الأمير المختار عبد الملك المسبحي في تاريخه: أن خزانة الخاص حملها لما خرج العزيز إلى الشام عشرون ألف جمل خارجا عن خزائن القوّاد وأكابر الدولة.

وذكر ابن ميسر في تاريخه: أن عبيد السيدة أم المستنصر بالله أبي تميم، معدّ بن الظاهر لإعزاز دين الله أبي الحسن عليّ بن الحاكم بأمر الله أبي عليّ منصور بن العزيز بالله خاصة كانت عدّتهم خمسين ألف عبد سوى طوائف العسكر، ورأيت بخط الأسعد بن مماتي أن عدّة الجيوش بمصر في أيام رزيك بن الصالح طلائع بن رزيك كانت أربعين ألف فارس،

ص: 177

وستة وثلاثين ألف راجل، وزاد غيره، وعشرة شواني «1» بحرية فيها عشرة آلاف مقاتل، وهذا عند انقراض الدولة الفاطمية، فلما زالت دولتهم على يد السلطان الملك الناصر صلاح الدين يوسف بن أيوب، أزال جند مصر من العبيد السود والأمراء المصريين والعربان والأرمن، وغيرهم واستجدّ عسكرا من الأكراد والأتراك خاصة، وبلغت عدّة عساكره بمصر اثني عشر ألف فارس لا غير، فلما مات، افترقت من بعده، ولم يبق بمصر مع ابنه الملك العزيز عثمان سوى ثمانية آلاف فارس، وخمسمائة فارس إلا أن فيهم من له عشرة أتباع، وفيهم من له عشرون، وفيهم من له أكثر من ذلك إلى مائة تبع لرجل واحد من الجند، فكانوا إذا ركبوا ظاهر القاهرة يزيدون على مائتي ألف، ثم لم يزالوا في افتراق، واختلاف حتى زالت دولتهم بقيام عبيدهم المماليك الأتراك، فحذوا حذو مواليهم بني أيوب، واقتصروا على الأتراك وشيء من الأكراد، واستجدّوا من المماليك التي تجلب من بلاد الترك شيئا كثيرا حتى يقال: إنّ عدّة مماليك الملك المنصور قلاون كانت سبعة آلاف مملوك، ويقال: اثني عشر ألفا، وكانت عدّة مماليك ولده الأشرف خليل بن قلاون اثني عشر ألف مملوك، لم تبلغ بعد ذلك قريبا من هذا إلى أن زالت دولة بني قلاون في شهر رمضان سنة أربع وثمانين وسبعمائة بالملك الظاهر برقوق، فأخذ في محو المماليك الأشرفية، وأنشأ لنفسه دولة من المماليك الجركسية بلغت عدّتهم ما بين مشترى ومستخدم أربعة آلاف أو تزيد قليلا، فلما قدم من بعده ابنه الناصر فرج، افترقوا واختلفوا، فلم يقتل حتى هلك كثير منهم بالقتل وغيره.

وعساكر مصر في الدولة التركية على قسمين: أجناد الحلقة، والمماليك السلطانية، وأكثر ما كانت أجناد الحلقة في أيام الناصر محمد بن قلاون، فإنها بلغت على ما رأيته في جرائد ديوان الجيش بأوراق الروك الناصري أربعة وعشرين ألف فارس، ثم ما زالت تنقص حتى صارت اليوم مع قلّة عدّتها سواء منها الألف والواحد فإنها لا تنفع ولا تدفع، وأما المماليك، فإنها اليوم قليل عددها بحيث لو جمعت أجناد الحلقة مع المماليك السلطانية لا تكاد أن تبلغ خمسة آلاف فارس يصلح منها لأن يباشر القتال ألف أو دونها، وهي اليوم قسمان: أجناد الحلقة، والمماليك السلطانية.

والمماليك السلطانية ثلاثة أقسام: ظاهرية وناصرية ومؤيدية، والمؤيدية ما بين حكمية ونوروزية، ومن استجدّه المؤيد وإن خوفي ليكثر أن يكون الحال بعد الملك المؤيّد، أبي النصر شيخ- خلد الله ملكه- يتلاشى إلى أن يؤيد الله الملك بابنه الأمير، صارم الدين إبراهيم- شدّ الله به أزره- فإنه فتح من البلاد الرومية ما لا ملكه أحد من

ص: 178

ملوك مصر في الدولة الإسلامية قبله.

والشبل في المخبر مثل الأسد، وابن السريّ إذا سري أسراهما. ولا غرو أن يحذو الفتى حذو والده،

بأبه اقتدى عدي في الكرم

ومن يشابه أبه فما ظلم

إن الأصول عليها ينبت الشجر.

ثم لما ملك الأشرف برسباي «1» صارت المماليك سبع طوائف: ظاهرية وناصرية ومؤيدية ونوروزية وحكمية وططرية وأشرفية، كل طائفة منها مباينة لجميعها، فلذلك اضمحلت شوكتهم، وانكسرت حدّتهم، وأمنت على السلطان غائلتهم، ولم يخف ثورتهم لتفرّقهم، وإن كانوا مجتمعين وتباينهم وإن كانوا في الظاهر متفقين.

واعلم أنه كانت عادة الخلفاء من بني أمية وبني العباس والفاطميين من لدن أمير المؤمنين عمر بن الخطاب، رضي الله عنه أن تجبى أموال الخراج، ثم تفرّق من الديوان في الأمراء أو العمال والأجناد على قدر رتبهم، وبحسب مقاديرهم، وكان يقال لذلك في صدر الإسلام العطاء، وما زال الأمر على ذلك إلى أن كانت دولة العجم، فغير هذا الرسم، وفرّقت الأراضي إقطاعات على الجند، وأوّل من عرف أنه فرّق الإقطاعات على الجند نظام الملك أبو عليّ الحسن بن عليّ بن إسحاق بن العباس الطوسي وزير البرشلان بن داود بن ميكال بن سلجوق، ثم وزر ابنه ملكشاه بن البرشلان، وذلك أن مملكته اتسعت، فرأى أن يسلم إلى كل مقطع قرية أو أكثر أو أقلّ على قدر إقطاعه لأنه رأى أن في تسليم الأراضي إلى المقطعين عمارتها لاعتناء مقطعيها بأمرها بخلاف ما إذا شمل جميع أعمال المملكة ديوان واحد، فإن الخرق يتسع ويدخل الخلل في البلاد ففعل نظام الملك ذلك، وعمرت به البلاد، وكثرت الغلات، واقتدى بفعله من جاء بعده من الملوك من أعوام بضع وثمانين وأربعمائة إلى يومنا هذا، وكانت الخلفاء ترزق من بيت المال. فذكر عطاء بن السائب، في حديث: أن أبا بكر رضي الله عنه، لما استخلف فرض له كل يوم شطر شاة وما يكسى به الرأس والبطن، وذكر عن حميد بن هلال: أنه فرض له بردان إذا أخلقهما وضعهما، وأخذ مثلهما، وطهره إذا سافر ونفقته على أهله، كما كان ينفق قبل أن يستخلف.

وذكر ابن الأثير في تاريخه: أن الذي فرضوا له ستة آلاف درهم في السنة، وفرض لعمر بن الخطاب رضي الله عنه لما استخلف ما يصلحه ويصلح عياله بالمعروف، وقال له عليّ رضي الله عنه: ليس لك غيره، فقال القوم: القول ما قال عليّ يأخذ قوته، وفرض

ص: 179