الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
حدّ بلده إلى رأس البحر إلى دمياط، وأعطى ولده أنصنا من حدّ أنصنا إلى الجنادل، وأعطى لولده صا: من صا أسفل الأرض إلى الإسكندرية، وأعطى لولده منوف وسط الأرض السفلي منف وما حولها، وأعطى لولده قفط غربيّ الصعيد إلى الجنادل، وأعطى لولده أتريب شرقيّ الأرض إلى البريّة بريّة فاران، وأعطى لبناته الثلاثة وهن: الفرما، وسريام، وبدورة، بقاعا من أرض مصر محدّدة فيما بين إخوتهن.
ذكر مدينة أمسوس وعجائبها وملوكها
قال الأستاذ إبراهيم بن وصيف شاه الكاتب في كتاب أخبار مصر وعجائبها: وكانت مصر القديمة اسمها: أمسوس.
وأوّل من ملك أرض مصر نقراوش الجبار بن مصرايم. ومعنى نقراوش: ملك قومه الأوّل ابن مركاييل بن دواييل بن عرياب بن آدم عليه السلام، ركب في نيف وسبعين راكبا من بني عرياب جبابرة كلهم يطلبون موضعا يقطنون فيه فرارا من بني أبيهم، عندما بغى بعضهم على بعض، وتحاسدوا وبغى عليهم بنو قابيل بن آدم، فلم يزالوا يمشون حتى وصلوا إلى النيل، فلما رأوا سعة البلد فيه، وحسنه أعجبهم، فأقاموا فيه وبنوا الأبنية المحكمة، وبنى نقراوش: مصر، وسماها باسم أبيه: مصرايم، ثم تركها، وأمر ببناء مدينة سماها:
أمسوس.
وقال ابن وصيف شاه: وكان قد وقع إليه علم ذلك من العلوم التي تعلمها دواييل من آدم عليه السلام، فبنى الأعلام، وأقام الأساطين وعمل المصانع واستخرج المعادن، ووضع الطلسمات وشق الأنهار وبنى المدائن، فكل علم جليل كان في أيدي المصريين إنما هو من فضل علم نقراوش، وأصحابه. كان ذلك مرموزا على الحجارة ففسره قليمون الكاهن الذي ركب مع نوح عليه السلام في السفينة ونقراوش هو الذي بنى مدينة أمسوس، وعمل بها عجائب كثيرة منها: طائر يصفر كل يوم عند طلوع الشمس مرّتين، وعند غروبها مرّتين، فيستدلون بصفيره على ما يكون من الحوادث حتى يتهيأون له. ومنها صنم من حجر أسود في وسط المدينة تجاهه صنم مثله إذا دخل إلى المدينة سارق لا يقدر أن يزول حتى يسلك بينهما، فإذا دخل بينهما أطبقا عليه، فيؤخذ وعمل صورة من نحاس على منار عال لا يزال عليها سحاب يطلع، فكل من استمطرها أمطرت عليه ما شاء، وعمل عمل حدّ البلاد أصناما من نحاس مجوّفة وملأها كبريت، أو وكل بها روحانية النار، فكانت إذا قصدهم قاصد أرسلت تلك الأصنام من أفواهها نارا أحرقته، وعمل فوق جبل بطرس، منارا يفور بالماء، ويسقي ما حوله من المزارع، ولم تزل هذه الآثار حتى أزالها الطوفان، ويقال: إنه هو الذي أصلح مجرى النيل، وكان قبله يتفرّق بين الجبلين، وإنه وجه إلى بلاد النوبة جماعة هندسوه، وشقوا نهرا عظيما منه بنوا عليه المدن، وغرسوا الغروس، وأحب أن يعرف مخرج
النيل، فسار حتى بلغ خلف خط الاستواء، ووقف على البحر الأسود الزفتي، ورأى النيل يجري على البحر مثل الخيوط حتى يدخل تحت جبل القمر، ويخرج منه إلى بطائح.
ويقال: إنه هو الذي عمل التماثيل التي هناك، وعاد إلى أمسوس وقسم البلاد بين أولاده، فجعل لابنه الأكبر واسمه: نقاوش الجانب الغربيّ، ولابنه شورب الجانب الشرقيّ، وبنى لابنه الأصغر واسمه: مصرايم مدينة برسان، وأسكنه فيها، وأقام ملكا على مصر مائة وثمانين سنة، ولما مات لطخ جسده بأدوية ماسكة، وجعل في تابوت من ذهب، وعمل له ناوس مصفح بالذهب، ووضع فيه ومعه كنوز وإكسير وأوان من ذهب لا يحصى ذلك لكثرته، وزبروا على الناوس تاريخ موته، وأقاموا عليه طلسما يمنعه من الحشرات المفسدة.
وملك بعده ابنه نقاوش بن نقراوش وكان كأبيه في علم الكهانة والطلسمات، وهو أوّل من عمر بمصر هيكلا، وجعل فيه صور الكواكب السبعة، وكتب على هيكل كلّ كوكب منافعه ومضاره، وألبسها كلها الثياب الفاخرة، وأقام لها خدمة وسدنة، وخرج من أمسوس مغرّبا، حتى بلغ البحر المحيط، وأقام عليه أساطين على رؤوسها أصنام تسرج عيونها في الليل، ومضى على بلاد السودان إلى النيل، وأمر ببناء حائط على جنب النيل، وعمل له أبوابا يخرج منها الماء وبنى في صحراء الغرب، خلف الواحات ثلاث مدن على أساطين مشرفات من حجارة ملوّنة شفافة، وفي كل مدينة عدّة خزائن من الحكمة، وفي إحداها صنم للشمس على صورة إنسان، وجسد طائر من ذهب وعيناه من جوهر أصفر، وهو جالس على سرير من مغناطيس، وفي يده مصحف العلوم، وفي إحداها صنم رأسه رأس إنسان بجسد طائر، ومعه صورة امرأة جالسة قد عملت من زئبق معقود لها ذؤابتان في يدها مرآة، وعلى رأسها صورة كوكب، وقد رفعت المرآة بيديها إلى وجهها، وفي إحداها مطهرة فيها سبعة ألوان من سائل يرد إليها ولا يغير بعضها لون بعض، وفي بعضها: صورة شيخ جالس قد عمل من الفيروزج وبين يديه صبية جلوس كلهم من عقيق، وفي بعضها صورة هرمس، يعني عطارد، وهو ينظر إلى مائدة بين يديه من نوشادر على قوائم من كبريت أحمر، وفي وسطها صحفة من جوهر، وجعل فيها صورة عقاب من زبرجد أخضر، وعيناه من ياقوت أصفر، وبين يديه حية زرقاء من فضة قد لوت ذنبها على رجليه، ورفعت رأسها كأنها تنفخ عليه، وجعل فيها صفة المرّيخ وهو راكب على فرس وفي يده سيف مسلول من حديد أخضر، وجعل فيها عمودا من جوهر أحمر، وعليه قبة من ذهب فيها صورة المشتري، وجعل فيها قبلة من آنك على أربعة أعمدة من جزع أزرق، وفي سقفها صورة الشمس والقمر متحاذيين في صورة رجل وامرأة يتحادثان، وجعل فيها قبة من كبريت أحمر فيها صورة الزهرة على هيئة امرأة ممسكة بضفائرها، وتحتها رجل من زبرجد أخضر في يده كتاب فيه علم من علومهم كأنه يقرأ فيه عليها.
وجعل في بقية الخزائن من كنوز الأموال والجواهر والحلي وإكسير الصنعة، وصنوف الأدوية والسموم القاتلة ما لا يحصى كثرة، وجعل على باب كل مدينة طلسما يمنع من دخولها، وأنفذ لها مسارب تحت الأرض ينفذ بعضها إلى بعض طول كل سرب ثلاثة أميال، وبنى أيضا مدينة بأرض مصر اسمها: حلجمة، وعمل فيها جنّة صفح حيطانها بالجواهر الملوّنة بالذهب، وغرس فيها أصناف الأشجار، وأجرى تحتها الأنهار، وغرس فيها شجرة مولدة تطعم سائر الفواكه، وعمل فيها قبة من رخام أحمر على رأسها صنم يدور مع الشمس، ووكل بها شياطين إذا خرج أحد من بيته في الليل هلك.
وأقام بها أساطين زبر عليها جميع العلوم، وصور العقاقير ومنافعها ومضارها، وجعل لهذه المدينة مسارب تتصل بمسارب تلك المدن الثلاث بين كل سرب منها، وبين هذه المدينة عشرون ميلا، فلم تزل هذه المدائن حتى أفسدها الطوفان، ولمّا مات بعد مائة وتسع سنين من ملكه على مصر جعل في ناوس مطلسم، ودفن فيه.
وملك بعده أخوه مصرام بن نقراوش الجبار بن مصرايم ويقال: به سميت مصر، وكان حكيما فعمل هيكلا للشمس من مرمر مموّه بذهب أحمر، وفي وسطه فرس من جوهر أزرق عليه صورة الشمس من ذهب أحمر، وعلى رأسه قنديل من الزجاج فيه حجر مدبر يضيء أكثر من السراج، ثم إنه ذلل الأسد وركبها وسار إلى البحر المحيط، وجعل في وسطه قلعة بيضاء عليها صنم للشمس، وزبر عليه اسمه وصفته، وعمل صنما من نحاس زبر عليه:
أنا مصرايم الجبار كاشف الأسرار الغالب القهار، وضعت الطلسمات الصادقة، وأقمت الصور الناطقة، ونصبت الأعلام الهائلة على البحار السائلة ليعلم من بعدي، إنه لا يملك أحد أشدّ من أيدي، وعاد إلى أمسوس، واحتجب عن الناس ثلاثين سنة، واستخلف رجلا يقال له: عيقام من ولد عرياب بن آدم، وكان كاهنا ساحرا. فلمّا مضت المدّة أحب أهل مصر أن يروه، فجمعهم عيقام بعدما أعلم مصرايم، فظهر لهم، في أعلى مجلس مزين بأصناف الزينة في صورة هائلة ملأت قلوبهم رعبا، فخرّوا له ساجدين، ودعوا له، ثم أحضر إليهم الطعام فأكلوا وشربوا، وأمرهم بالرجوع إلى مواضعهم ولم يروه بعدها.
فملك بعده خليفته عيقام، وقد حكي عنه أهل مصر حكايات لا تصدّقها العقول.
ويقال: إنّ إدريس عليه السلام، رفع في أيامه وإنه رأى في علمه كون الطوفان، فبنى خلف خط الاستواء في سفح جبل القمر، قصرا من نحاس، وجعل فيه خمسة وثمانين تمثالا من نحاس يخرج ماء النيل من حلوقها، ويصب في بطحاء تنتهي إلى مصر، وسار إليه من أمسوس، فشاهد حكمة بنيانه وزخرفة حيطانه، وما فيها من النقوش من صور الأفلاك، وغيرها، وكان قصرا تسرج فيه المصابيح، وتنصب به الموائد وعليها من كل الأطعمة
الفاخرة في الأواني النفيسة ما لو أكل منها عسكر لما نقصت ذرة، ولا يعرف من عملها، ولا من وضعها، وفي وسط القصر بركة من ماء جامد الظاهر، وترى حركته من وراء ما جمد منه، فأعجب بما رأى، وعاد إلى أمسوس، واستخلف ابنه عرياق، وقلده الملك، وأوصاه، وعاد إلى ذلك القصر، وأقام به حتى هلك.
وإلى عيقام هذا يعزى مصحف القبط الذي فيه تواريخهم، وجميع ما يجري في آخر الزمان.
فقام من بعده ابنه عرياق، ويقال: أرياق بن عيقام، ويقال له: الأثيم، فعمل أعمالا عجيبة منها شجرة صفراء لها أغصان من حديد بخطاطيف إذا قرب الظالم منها أخذته تلك الخطاطيف، ولا تفارقه حتى يقرّ بظلمه، ويخرج منه لخصمه، ومنها: صنم من كدان أسود سمّاه: عبد زحل، كانوا يتحاكمون إليه، فمن زاغ عن الحق ثبت في مكانه، ولم يقدر على الخروج منه حتى ينصف خصمه من نفسه، ولو أقام سنة ومن كانت له حاجة قام ليلا ونظر إلى الكوكب، وتضرّع وذكر اسم عرياق، فإذا أصبح وجد حاجته على بابه.
وعمل شجرة من حديد ذات أغصان، ولطخها بدواء مدبر، فكانت تجلب كل صنف من الدواب والسباع والوحوش إليها، حتى يتمكن من صيدها، وكان إذا غضب على أهل إقليم سلط عليهم الوحوش والسباع، وتارة يجعل ماءهم من الإيداق، ويقال: إن هاروت وماروت كانا في زمانه! وإنه بنى جنة عظيمة، واغتصب النساء الحسان وأسكنهنّ فيها، فعملت عليه امرأة منهنّ وسمّته فهلك.
وملك بعده لوجيم بن نقاوش، ويقال: بل هو من بني نقراوش الجبار، ويعرف:
بلوجيم الفتى، وهو الذي أخذ الملك من عرياق بن عيقام الكاهن، وردّه لبني نقراوش بعد ما خرج منهم بلا حرب، ولا قتل وكان عالما بالكهانة، والطلسمات فعمل أعمالا عجيبة منها: أنّ الغداف «1» والغراب كثر في أيامه، وأتلف الزرع، فعمل أربع منارات في جوانب مدينة أمسوس الأربعة، وعلى كل منارة، صورة غراب في فمه حية قد التوت عليه، فنفرت عنهم الطيور المضرّة من حينئذ، ولم تقر بهم حتى زالت المنارات بالطوفان، وكان حسن السيرة منصفا للرعية عادلا مقرّبا للكهنة، ولما مات دفن في ناوس، ومعه كنوزه، وعمل عليه طلسم يمنعه.
وملك بعده ابنه فحصليم، وكان فاضلا عالما كاهنا، فعمل أعمالا عجيبة، وهو أوّل من عمل مقياسا لزيادة ماء النيل بأن جمع أرباب العلوم والهندسة، فقدّروا بيتا من رخام على حافة النيل، وفي وسطه بركة صغيرة من نحاس فيها ماء موزون، وعليها من جانبيها
عقابان من نحاس أحدهما ذكر، والآخر أنثى، فإذا كان أوّل الشهر الذي يزيد فيه النيل فتح هذا البيت وجمع الكهان فيه بين يديه، وزمزم الكهان بكلامهم حتى يصفر أحد العقابين، فإن صفر الذكر، كان الماء تاما، وإن صفرت الأنثى، كان الماء ناقصا، فيستعدّون عند ذلك لغلاء الأسعار بما يصلحون به شأنهم، وهو الذي بنى القنطرة ببلاد النوبة على النيل، ولما مات جعل في ناوس، ومعه كنوزه وعمل عليه طلسم.
وملك بعده ابنه، هو صال، ويقال: يوصال، ومعناه: خادم الزهرة، ويقال: سومال بن لوجيم الملك النقراوشي من بني نقراوش الجبار، ويقال: إن نوحا عليه السلام ولد في أيامه، وكان فاضلا كاهنا عالما بالسحر، والطلسمات، فعمل عجائب، منها أنه بنى مدينة عمل في وسطها صنما للشمس يدور بدورانها، ويبيت مغربا ويصبح مشرقا، وعمل سربا تحت النيل، فشق الأرض وخرج منه متنكرا، حتى بلغ مدينة بابل، وكشف أعمال الملوك، وكان نوح عليه السلام في زمانه وولد له عشرون ولدا، فجعل مع كل ولد منهم: قطرا، وهو رأس الكهنة، وأقام في الملك مائة وسبع عشرة سنة، ثم لزم الهياكل وأقام أولاده على حالهم كل منهم في قسمه الذي أعطاه إياه أبوه مدّة سبع سنين.
ثم اجتمعوا على واحد منهم وملكوه عليهم وكان اسمه تدرشان، وقيل: تدرسان، فلما ملك نفى جميع إخوته إلى المدائن الداخلة في الغرب، واقتصر على امرأة من بنات عمه، وكانت ساحرة، وعمل له قصرا من خشب منقوشا فيه صورة الكواكب، وبسطه بأحسن الفرش وحمله على الماء، وصار يجلس فيه، فبينما هو فيه ذات يوم إذ هبت ريح شديدة اضطرب منها الماء، فانقلب القصر وتكسر فغرق، هو ومن كان معه في القصر.
وملك بعده أخوه، نمرود الجبار، ويقال: شمرود بن هوصال، فأحسن السيرة وأنصف الرعية وبسط العدل، وجمع إخوته وفرّق عليهم كنوز أخيهم، فسرّ الناس به وطلب امرأة أخيه الساحرة، ففرّت منه بابنها إلى مدينة ببلاد الصعيد، وامتنعت عليه بسحرها، وأقامت مدّة واجتمع السحرة إلى ابنها، وكان اسمه توميدون، وحملوه على طلب الملك، فسار وخرج إليه شمرود وأخوته، فاقتتلوا قتالا عظيما كان فيه الظفر لتوميدون فقتله. وملك من بعده، فقام توميدون بن تدرسان بالملك في مدينة أمسوس، وكان عالما فاضلا، فتقوّى بسحر أمه، وعملت له أعمالا عجيبة، منها قبة من زجاج على هيئة الكرة تدور بدوران الفلك، وصوّرت فيها صور الكواكب، فكانوا يعرفون بها أسرار الطبائع وعلوم العالم، فلما ماتت أمّه الساحرة بعد ستين سنة من ملكه طلى جسدها بما يدفع عنه النتن والحشرات، ودفنت تحت صنم القمر، ويقال: إنها كانت بعد موتها يسمع من عندها صوت بعض الأرواح، وتخبرهم بعجائب، وتجيب عما تسأل عنه، ولما مات توميدون بعد مائة سنة من ملكه عمل له صورة من زجاج مقسومة نصفين، وأدخل فيها بعد ما طلي بالأدوية المانعة من
النتن، وأطبقت الصورة عليه حتى التحمت وأقيم في هيكل الأصنام، ودفنت كنوزه عنده، وصار يعمل له في كل سنة عيد.
وملك بعده ابنه شرياق، ويقال له: سرياق بن توميدون بن تدرسان بن هوصال، وكان كأبيه في علم الكهانة والسحر والطلسمات، فعمل أعمالا عجيبة منها: على باب مدينة أمسوس هيئة بطة من نحاس قائمة على أسطوانة إذا دخل غريب من ناحية من النواحي صفقت بجناحيها، وصرخت فيؤخذ ذلك الغريب، ويكشف أمره حتى يعرف فيما قدم، وشق من النيل نهرا يمرّ إلى مدائن الغرب وبنى عليه أعلاما ومدنا، ومنتزهات، وسار ملك من بني فراشي بن آدم ويقال: من بني صوانيتي بن آدم خرج من ناحية العراق في أيامه، وغلب على بلاد الشام، وقصد مصر ليأخذ ملكها، فقيل له: إنك لا تقدر عليها لسحر أهلها، فتنكر ودخل في جماعة من خواصه ليكشف حال أهل مصر، فلما وصل إلى أوّل حدّ مصر حبسه الموكلون بذلك الحدّ هو ومن معه، حتى يأمر الملك فيهم بأمره وبعثوا إليه بصفتهم، وكان قد رأى في منامه كأنه على منار عال وكأن طائرا عظيما انقض عليه ليخطفه، فحاد عنه حتى كاد يسقط من المنار، فجاوزه الطائر وسلم منه فانتبه مذعورا.
وقص رؤياه على كبير الكهنة، فقال: يطلبك ملك، ولا يقدر عليك، ونظر في نجومه، فرأى الملك الذي يطلب ملكه قد دخل إلى مصر، وكان ذلك هو الوقت الذي قدم عليه فيه الرسل بصفات الذين وصلوا إلى حدّ مصر، فأمر بإحضارهم إليه بعد ما يطاف بهم على عجائب مصر كلها ليروها، فأوثقوهم وساروا بهم وأوقفوهم على عجائب أرض مصر، وما فيها من الطلسمات حتى بلغوا إلى الإسكندرية، ثم إلى أمسوس، ثم إلى الجنة التي عملها مصرام، كان الملك شرياق مقيما بها، فعند ما وصلوا إليها أظهرت السحرة التماثيل العجيبة، فدخلوا عليه وحوله الكهنة، وبين يديه نار لا يصل إليه أحد حتى يخوضها، فمن كان بريئا لم تضرّه، ومن كان يريد بالملك سوءا أو أضمر له مكروها أخذته النار، فشق القوم في وسط النار واحدا بعد واحد من غير أن تضرّهم حتى انتهى الأمر إلى ملك العراق، فعندما دنا من النار أخذته بحرّها، فولى هاربا فاتبعوه حتى أخذوه وأوقفوه بين يدي شرياق، فلم يزل به حتى اعترف، فأمر بصلب فصلب على الحصن الذي أخذ منه، ونودي عليه هذا جزاء من طلب ما لا يصل إليه، وعفا عن الباقين فساروا من مصر وتحدّثوا بما رأوه من العجائب، فانقطع طمع ملوك الأرض عن طلب ملك مصر، ومات شرياق بعد ما ملك مصر مائة وثلاثين سنة، فجعل في ناوس ومعه أمواله وطلسم يحفظه ممن يقصده.
وملك بعده ابنه: شهلوق، وكان عالما بالكهانة والطلسمات، فقسم ماء النيل موزونا يصرف إلى كل ناحية قسطها، ورتب الدولة وعمل بيت نار، وهو أوّل من عبد النار، وعمل بأمسوس عجائب منها: شجرة على أعلى الجبال تقسم بها الرياح التي تمنع من أراد مصر
بأذى أو فساد من جنيّ أو إنسيّ أو سبع أو طائر، وعمل بالمدينة قبة مركبة على سبعة أركان ولها سبعة أبواب على كل ركن باب، وفي وسط القبة قبة من صفر، وفي أعلاها صور الكواكب السبعة، وتحت القبة قبة أخرى معلقة على سبع أساطين، وعلى الباب الأوّل من القبة: أسد ولبوة من صفر، وهما رابضان، كان يذبح لهما جروا أسود ويبخرهما بشعره، وعلى الباب الثاني: ثور وبقرة يذبح لهما عجلا ويبخرهما بشعره، وعلى الباب الثالث:
خنزير وخنزيرة يذبح لهما خنوصا ويبخرهما بشعره، وعلى الباب الرابع: كبش وشاة يذبح لهما سخلة ويبخرهما بشعرها، وعلى الباس الخامس: ثعلب وثعلبة يذبح لهما فرخ ثعلب ويبخرهما بشعره، وعلى الباب السادس: عقاب وأنثاه يذبح لهما فرخ عقاب ويبخرهما بريشه، وعلى الباب السابع: نسر وأنثاه يذبح لهما فرخ نسر ويبخرهما بريشه، ويلطخ كلا منهما بدم ما ذبح له، وتحرق سائر القرابين، ويوضع رمادها تحت عتبات أبواب القبة، وجعل لهذه القبة سدنة يشعلون المصابيح ليلا ونهارا، وقسم الناس بمصر سبع مراتب، لكل مرتبة منهم: باب من أبواب تلك القبة، فكان الخصم إذا تقدّم إلى شيء من تلك الصور، وكان ظالما فإنه يلتصق بها ولا يتخلص منها حتى يخرج من الحق الذي عليه، الذكر للذكر، والأنثى للأنثى، فيعرفون بذلك الظالم من المظلوم.
ولم تزل هذه القبة بأمسوس حتى أزالها الطوفان، ويقال: إنه رأى أباه في النوم وهو يأمره أن ينطلق إلى جبل وصفه له من جبال مصر، فإنّ فيه كوّة صفتها كذا على بابها أفعى لها رأسان إذا أقبل إليها كشرت في وجهه فخذ معك طائرين صغيرين ذكرا وأنثى، فاذبحهما لها وألقمها إياهما، فإنها تأخذ برأسيهما، وتتنحي بهما إلى سرب فإذا غابت، أدخل الكوّة تجد فيها امرأة عظيمة من نور حار يابس، فإنها تسطع لك وتحس بحرارتها فلا تدن منها تحترق ولكن اقعد حذاءها وسلم عليها، فإنها تخاطبك فافهم ما تقول لك واعمل به، فإنك تشرف بذلك، وتدلك على كنوز جدّك مصرام، فإنها حافظة لها، فلما انتبه عمل ما أمره أبوه فلما قعد بجانب المرأة وسلم، قالت له: أتعرفني؟ قال: لا، قالت: أنا صورة النار المعبودة في الأمم الخالية، وقد أردت أن تحيي ذكري وتجدّد لي بيتا تقد لي فيه نارا دائمة بقدر واحد وتتخذ لها عيدا في كل سنة تحضره أنت وقومك فإنك تتخذ بذلك عندي يدا أنيلك بها شرفا إلى شرفك، وملكا إلى ملكك، وأمنع عنك من يطلبك بسوء، وأدلك على كنوز جدّك مصرام، فضمن لها أن يفعل كلّ ما أمرته به فدلته على الكنوز التي تحت المدائن المعلقة، وعلمته كيف يصير إليها وكيف يحترس من الأرواح الموكلة بها، وما ينجيه منها، ثم قال لها: كيف لي بأن أراك في وقت آخر؟ قالت: لا تعد، فإنّ الأفعى لا تمكنك، ولكن بخر في بيتك بكذا فإني آتيك، فسرّ بذلك، وغابت عنه وخرج، ففعل ما أمرته به من عمل بيت النار، وأخذ كنوز مصرام، ولما مات جعل في ناوس ومعه سائر أمواله وكنوزه، وجعل عليه طلسم يحفظه ممن يقصده. وملك بعده ابنه سوريد، وكان حكيما فاضلا، وهو أوّل من
جبى الخراج بمصر، وأوّل من أمر بالإنفاق على المرضى، والزمنى من خزائنه، وأوّل من سنّ رقعة الصباح، وعمل أعمالا عجيبة، منها مرآة من أخلاط كان ينظر فيها إلى الأقاليم فيعرف فيها ما حدث من الحوادث، وما يخصب منها وما يجدب، وأقام هذه المرأة في وسط مدينة أمسوس، وكانت من نحاس.
وعمل في أمسوس صورة امرأة جالسة في حجرها صبيّ ترضعه، وكانت المرأة من نساء مصر إذا أصابتها علة في موضع من جسمها أتت هذه الصورة، ومسحت ذلك الموضع من جسدها بمثل ذلك الموضع من الصورة، فتزول عنها العلة، وإن قلّ لبنها مسحت ثديها بثدي الصورة فيغزر لبنها، وإن قلّ حيضها مسحت فرجها بفرج الصورة فيكثر حيضها، وإن كثر دمها مسحت أسفل ركبها بمثل ذلك من الصورة، وإن عسرت ولادة امرأة مسحت رأس الصبيّ الذي في حجر الصورة، فتضع حملها، وإن أرادت التحبب إلى زوجها مسحت وجهها وتقول: افعلي كذا وكذا، فإذا وضعت الزانية يدها عليها ارتعدت حتى تتوب، ولم تزل هذه الصورة إلى أن أزالها الطوفان، وفي كتب القبط: أنها وجدت بعد الطوفان، وأن أكثر الناس عبدوها.
وعمل سوريد، صنما من أخلاط كثيرة، فكان من أصابته علة في موضع من جسده غسل ذلك الموضع من الصنم بماء وشرب الماء، فإنه يبرأ وسوريد هذا هو الذي بنى الهرمين العظيمين بمصر المنسوبين إلى شدّاد بن عاد، والقبط تنكر أن تكون العادية دخلت بلادهم لقوّة سحرهم، ولما مات سوريد دفن في الهرم ومعه كنوزه، ويقال: إنه كان قبل الطوفان بثلاثمائة سنة وأنه ملك مائة سنة وتسعين سنة.
فملك بعده ابنه هرجيب، وكان كأبيه حكيما فاضلا في علم السحر والطلسمات، فعمل أعمالا عجيبة، واستخرج معادن كثيرة وأظهر علم الكيمياء، وبنى أهرام دهشور وحمل إليها أموالا عظيمة وجواهر نفيسة، وعقاقير وسمومات، وجعل عليها روحانيات تحفظها وشج رجل رجلا، فأمر بقطع أصابعه وسرق رجل مالا، فملك المسروق له رق السارق، ولما مات دفن في الهرم، ومعه جميع أمواله وذخائره.
وملك بعده ابنه مناوس، ويقال: منقاوس، وكان كأبيه في الحكمة إلا أنه كان جبارا فاسقا سفاكا للدماء، ينتزع النساء من أزواجهنّ ويبيح ذلك لخواصه، وعمل أعمالا عجيبة واستخرج كنوزا وبنى قصورا من ذهب وفضة، وأجرى فيها الأنهار وجعل حصباءها من أصناف الجواهر النفيسة، وسلط رجلا جبارا اسمه: قرناس، على الناس ووجّهه لمحاربة الأمم الغريبة، فقتل منهم خلائق، ولما مات دفن في بعض قصوره ومعه أمواله، وعمل عليه طلسم يحفظه ويمنعه من كل طالب.
وملك بعده ابنه أفروس، وكان كأبيه في العلم والحكمة، ولما ملك أظهر العدل
وأحسن السيرة وردّ النساء اللاتي غصبن في أيام أبيه على أزواجهنّ، وعمل قبة طولها خمسون ذراعا في عرض مائة ذراع، وركب في جوانبها طيورا من صفر تصفر بأصوات مختلفة مطربة لا تفتر ساعة، وعمل في وسط مدينة أمسوس، منارا عليه رأس إنسان من صفر كلما مضى من النهار أو الليل ساعة صاح صيحة يعلم من سمعها بمضيّ ساعة، وعمل منارا عليه قبة من صفر مذهب، ولطخها بلطوخات، فإذا غربت الشمس في كل ليلة اشتعلت القبة نورا تضيء له مدينة أمسوس طول الليل، حتى يصير مثل النهار لا تطفئها الرياح ولا الأمطار فإذا طلع النهار خمد ضوءها وأهدى لبعض ملوك بابل مدهنا من زبرجد قطره خمسة أشبار.
ويقال: إنه وجد بعد الطوفان، وعمل في الجبل الشرقيّ صنما عظيما قائما على قاعدة وهو مصبوغ مصفر بالذهب ووجهه إلى الشمس يدور معها حتى تغرب، ثم يدور ليلا حتى يحاذي المشرق مع الفجر، فإذا أشرقت الشمس استقبلها بوجهه، وبنى بصحراء الغرب مدنا كثيرة، وأودعها كنوزا عظيمة، ونكح ثلثمائة امرأة ولم يولد له ولد، فإنّ الله تعالى، كان قد أعقم الأرحام لما يريد من إهلاك العالم بالطوفان، ووقع الموت في الناس والبهائم، ولما مات وضع في ناوس بالجبل الشرقيّ، ومعه أمواله وطلسم عليه.
وملك بعده أرمالينوس، فعمل أعمالا عجيبة وبنى مدنا ومصانع جدّد الطلسمات، وكان له ابن عم يسمى: فرعان، وكان جبارا، فأبعده وجعله على جيش ساربه عنه، فقهر ملوكا وقتل أمما عظيمة، وغنم أموالا كثيرة، وعاد فشغفت به امرأة من نساء الملك، وما زالت به حتى اجتمع بها تآلفا، وأقاما على ذلك مدّة، فخافا الملك أن يفطن بهما، فعملت المرأة لأرمالينوس سمّا في شرابه هلك منه.
وملك بعده ابن عمه فرعان بن مشور، فلم ينازعه أحد لشجاعته وسياسته، ولم تطل أعوامه حتى رأى قليمون الكاهن، كأنّ طيورا بيضاء قد نزلت من السماء، وهي تقول: من أراد النجاة فليلحق بصاحب السفينة، وكان عندهم علم بحدوث الطوفان من أيام سوريد وبنائه الأهرام، لأجل ذلك، واتخذ الناس سراديب تحت الأرض مصفحة بالزجاج قد حبست الرياح فيها بتدبير، وعمل منها فرعان لنفسه ولأهله عدّة، فما كذب أن جمع أهله وولده وتلميذه ولحق بنوح عليه السلام، وآمن به وأقام معه حتى ركب في السفينة وجاء الطوفان في أيام فرعان، فأغرق أرض مصر كلها، وخرب عمائرها، وأزال تلك المعالم كلها، وأقام الماء عليها ستة أشهر، ووصل إلى أنصاف الهرمين العظيمين، وسيأتي خبر ذلك إن شاء الله تعالى عند ذكر محن مصر من هذا الكتاب.
ويقال: إنّ فرعان كان عاتيا متجبرا يغصب الأموال والنساء، وأنه كتب إلى الدر مثيل ابن لحويل ببابل يشير عليه بقتل نوح عليه السلام، وأنه استخف بالكهنة والهياكل، ففسدت