الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الوجه القبليّ والزراقين والرماة ورجال الحراريق، فساروا في أوّل شعبان من القاهرة حتى وصلوا إلى أرض النوبة، فخرجوا إلى لقائهم على النجب بأيديهم الحراب، وعليهم دكادك سود، فاقتتل الفريقان قتالا كبيرا، انهزم فيه النوبة وأغاز الأفرم على قلعة الدار، وقتل وسبى وأوغل الفارقاني في أرض النوبة برّا وبحرا، يقتل ويأسر، فحاز من المواشي ما لا يعدّ، ونزل بجزيرة ميكائيل برأس الجنادل، ونفر المراكب من الجنادل، ففرّ النوبة إلى الجزائر، وكتب لقمر الدولة نائب داود متملك النوبة أمانا، فحلف لسكندة على الطاعة، وأحضر رجال المريس ومن فرّ، وخاض الأفرم إلى برج في الماء وحصره، حتى أخذه وقتل به مائتين وأسر أخا لداود، فهرب داود والعسكر في أثره، مدّة ثلاثة أيام وهم يقتلون ويأسرون، حتى أذعن القوم، وأسرت أم داود وأخته، ولم يقدر على داود، فتقرّر سكندة عوضه، وقرّر على نفسه القطيعة في كل سنة ثلاث فيلة، وثلاث زرافات، وخمس فهود من أناثها، ومائة نجيب أصهب، وأربعمائة رأس من البقر المنتجة، على أن تكون بلاد النوبة نصفين، نصفها للسلطان، ونصفها لعمارة البلاد، وحفظها ما خلا بلاد الجنادل، فإنها كلها للسلطان لقربها من أسوان، وهي نحو الربع من بلاد النوبة، وأن يحمل ما بها من التمر والقطن، والحقوق الجارية بها العادة من قديم الزمان، وأن يقوموا بالجزية ما بقوا على النصرانية، فيدفع كل بالغ منهم في السنة دينارا عينا، وكتب نسخة يمين بذلك، حلف عليها الملك سكندة.
ونسخة يمين أخرى، حلفت عليها الرعية، وخرّب الأميران كنائس النوبة، وأخذ ما فيها، وقبض على نحو عشرين أميرا من أمراء النوبة، وأفرج عمن كان بأيدي النوبة من أهل أسوان وعيذاب من المسلمين في أسرهم، وألبس سكندة تاج الملك، وأقعد على سرير المملكة، بعد ما حلف والتزم أن يحمل جميع ما لداود، ولكل من قتل وأسر من مال ودواب إلى السلطان مع البقط القديم، وهو أربعمائة رأس من الرقيق، في كل سنة وزرافة من ذلك ما كان للخليفة ثلثمائة وستون رأسا، ولنائبه بمصر أربعون رأسا، على أن يطلق لهم إذا وصلوا بالبقط تاما من القمح ألف أردب لمتملكهم، وثلثمائة أردب لرسله.
ذكر صحراء عيذاب
«1»
اعلم أنّ حجاج مصر والمغرب، أقاموا زيادة على مائتي سنة لا يتوجهون إلى مكة شرّفها الله تعالى، إلا من صحراء عيذاب يركبون النيل من ساحل مدينة مصر الفسطاط إلى قوص «2» ، ثم يركبون الإبل من قوص، ويعبرون هذه الصحراء إلى عيذاب، ثم يركبون البحر
في الجلاب إلى جدّة ساحل مكة، وكذلك تجار الهند واليمن والحبشة، يردون في البحر إلى عيذاب، ثم يسلكون هذه الصحراء إلى قوص، ومنها يردون مدينة مصر، فكانت هذه الصحراء لا تزال عامرة آهلة بما يصدر، أو يرد من قوافل التجار والحجاج، حتى إن كانت أحمال البهار كالقرفة والفلفل، ونحو ذلك لتوجد ملقاة بها والقفول صاعدة وهابطة لا يعترض لها أحد، إلى أن يأخذها صاحبها.
فلم تزل مسلكا للحجاج في ذهابهم وإيابهم، زيادة على مائتي سنة من أعوام بضع وخمسين وأربعمائة، إلى أعوام بضع وستين وستمائة، وذلك منذ كانت الشدّة العظمى في أيام الخليفة المستنصر بالله أبي تميم معدّ بن الظاهر، وانقطاع الحج في البرّ إلى أن كسا السلطان الملك الظاهر ركن الدين بيبرس البندقداري، الكعبة وعمل لها مفتاحا، ثم أخرج قافلة الحاج من البرّ في سنة ست وستين وستمائة، فقلّ سلوك الحجاج لهذه الصحراء، واستمرّت بضائع التجار تحمل من عيذاب إلى قوص، حتى بطل ذلك بعد سنة ستين وسبعمائة، وتلاشى أمر قوص من حينئذ، وهذه الصحراء مسافتها من قوص إلى عيذاب سبعة عشر يوما، ويفقد فيها الماء ثلاثة أيام متوالية، وتارة يفقد أربعة أيام، وعيذاب مدينة على ساحل بحر جدّة، وهي غير مسوّرة، وأكثر بيوتها أخصاص، وكانت من أعظم مراسي الدنيا بسبب أنّ مراكب الهند واليمن تحط فيها البضائع، وتقلع منها مع مراكب الحجاج الصادرة والواردة، فلما انقطع ورود مراكب الهند واليمن إليها صارت المرسى العظيمة عدن من بلاد اليمن إلى أن كانت أعوام بضع وعشرين وثمانمائة، فصارت جدّة أعظم مراسي الدنيا، وكذلك هرمز، فإنها مرسى جليل، وعيذاب في صحراء لا نبات فيها، وكل ما يؤكل بها مجلوب إليها حتى الماء، وكان لأهلها من الحجاج والتجار فوائد لا تحصى، وكان لهم على كل حمل يحملونه للحجاج ضريبة مقرّرة، وكانوا يكارون الحجاج الجلاب التي تحملهم في البحر إلى جدّة، ومن جدّة إلى عيذاب، فيجتمع لهم من ذلك مال عظيم، ولم يكن في أهل عيذاب إلا من له جلبة فأكثر على قدر يساره.
وفي
بحر عيذاب، مغاص اللؤلؤ في جزائر قريبة منها تخرج إليها الغوّاصون في وقت معين من كل سنة، في الزوارق حتى يوافوه بتلك الجزائر، فيقيمون هنالك أياما، ثم يعودون بما قسم لهم من الحظ والمغاص فيها قريب القعر، وعيش أهل عيذاب، عيش البهائم، وهم أقرب إلى الوحش في أخلاقهم من الإنس، وكان الحجاج: يجدون في ركوبهم الجلاب على البحر أهوالا عظيمة لأنّ الرياح تلقيهم في الغالب بمراس في صحارى بعيدة مما يلي الجنوب، فينزل إليهم التجار من جبالهم، فيكارونهم الجمال، ويسلكون بهم على غير ماء، فربما هلك أكثرهم عطشا، وأخذ التجار ما كان معهم، ومنهم من يضلّ ويهلك عطشا،