الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
عمر لمعاوية بن أبي سفيان على عمله في الشام عشرة آلاف دينار في السنة، وقيل: بل رزقه ألف دينار وهو أشبه.
ذكر القطائع والإقطاعات
يقال: اقتطع طائفة من الشيء: أخذها، والقطيعة ما اقتطعه منه وأقطعني إياها أذن لي في اقتطاعها واستقطعه إياهما: سأله أن يقطعه إياها، وأقطعه نهرا وأرضا أباح له ذلك، وقد أقطع رسول الله صلى الله عليه وسلم، وتألف على الإسلام قوما، وأقطع الخلفاء من بعده من رأوا في إقطاعه صلاحا.
روى ابن أبي نجيح عن عمرو بن شعيب عن أبيه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أقطع أناسا من مزينة أو جهينة أرضا، فلم يعمروها، فجاء قوم فعمروها، فخاصمهم الجهينيون أو المزينيون إلى عمر بن الخطاب رضي الله عنه، فقال عمر: لو كانت مني أو من أبي بكر لرددتها، ولكنها قطيعة من رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم قال: من كانت له أرض ثم تركها ثلاث سنين لا يعمرها، فعمرها قوم آخرون فهم أحق بها.
وقال هشام بن عروة، عن أبيه: أقطع رسول الله صلى الله عليه وسلم الزبير أرضا فيها نخل من أموال بني النضير، وذكر أنها أرض يقال لها الجرف.
وذكر أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه: أقطع العقيق: أجمع الناس حتى جازت قطيعة عروة، فقال ابن الزبير: المستقطعون فند اليوم، فإن يك فيه خير فتحت قدمي. قال خوّات بن جبير: أقطعنيه فأقطعه إياه، وقال سفيان بن عيينة عن عمرو بن دينار قال: لما قدم النبيّ أقطع أبا بكر وأقطع عمر بن الخطاب رضي الله عنهما، وقال أشعث بن سوار، عن حبيب بن أبي ثابت، عن صلت المكيّ، عن أبي رافع قال: أعطى النبيّ صلى الله عليه وسلم قوما أرضا فعجزوا عن عمارتها، فباعوها في زمن عمر بن الخطاب رضي الله عنه بثمانية آلاف دينارا وبثمانمائة ألف درهم، فوضعوا أموالهم عند عليّ بن أبي طالب رضي الله عنه، فلما أخذوها، وجدوها ناقصة، فقالوا: هذا ناقص، قال: احسبوا زكاته، قال: فحسبوا زكاته فوجدوه وافيا، فقال: أحسبتم أن أمسك مالا ولا أزكيه، وقد سأل تميم الداري، رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يقطعه عيون البلد الذي كان منه بالشام قبل فتحه، ففعل.
وسأله أبو ثعلبة الخشني أن يقطعه أرضا كانت بيد الروم، فأعجبه ذلك وقال: ألا تسمعون ما يقول؟ فقال: والذي بعثك بالحق ليفتحن عليك، فكتب له بذلك كتابا، وقال ثابت بن سعد عن أبيه عن جده: إن الأبيض بن جمال، استقطع رسول الله صلى الله عليه وسلم ملح مأرب فأقطعه، فقال الأقرع بن حابس التميمي: يا رسول الله إني وردت هذا الملح في الجاهلية وهو بأرض ليس فيها ملح، من ورده أخذه، وهو مثل الماء العذب بالأرض، فاستقال
الأبيض، فقال: قد أقلتك على أن تجعله مني صدقة، فقال النبيّ صلى الله عليه وسلم:«هو منك صدقة، وهو مثل الماء العذب من ورده أخذه» . وقال كثير بن عبد الله بن عوف المزنيّ عن أبيه عن جدّه: أقطع رسول الله صلى الله عليه وسلم بلال بن الحارث المعادن القبلية جليتها وغورتها، وقال مالك عن ربيعة عن قوم من علمائهم: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم أقطع بلال بن الحرث المزني معادن بناحية الفرع.
وعن ربيعة عن الحرث بن بلال عن أبيه بلال بن الحرث، أن النبيّ صلى الله عليه وسلم أقطعه العقيق أجمع، وعن حماد بن سلمة عن أبي مكين عن أبي عكرمة مولى بلال بن الحرث قال:
أقطع رسول الله صلى الله عليه وسلم بلالا أرضا فيها جبل معدن، فباع بنو بلال: عمر بن عبد العزيز أرضا منها، فظهر فيها معدن، أو قال: معدنان، فقالوا: إنما بعناك أرض حرث ولم نبعك المعادن، وجاءوا بكتاب النبي صلى الله عليه وسلم لهم في جريدة، فقبلها عمر وفتح ومسح بها عينيه، وقال لقيمه: انظر ما خرج منها، وما أنفقت، فقاصهم بالنفقة، وردّ عليهم الفضل، واصطفى عمر بن الخطاب رضي الله عنه من أرض السواد أموال كسرى، وأهل بيته، وما هرب عنه أربابه أو هلكوا، فكان مبلغ غلته تسعة آلاف ألف درهم كان يصرفها في مصالح المسلمين، ولم يقطع شيئا منها، ثم إن عثمان رضي الله عنه أقطعها لأنه رأى إقطاعها أوفر لغلتها من تعطيلها، وشرط على من أقطعها أن يأخذ منه حق الفيء، فكان مبلغ غلته خمسين ألف ألف درهم كان منها صلاته وعطاياه، ثم تناقلها الخلفاء بعده، فلما كان عام الجماجم سنة اثنتين وثمانين في فتنة عبد الرحمن بن الأشعث، أحرق الديوان، وأخذ كل قوم ما يليهم، وأقطع عمر بن الخطاب رضي الله عنه، ابن سندر منية الأصبغ، فحاز منها لنفسه ألف فدّان، وقال وكيع عن سفيان عن جابر الجعفي عن عامر: لم يقطع أبو بكر ولا عمر ولا عليّ رضي الله عنهم، وأوّل من أقطع القطائع، عثمان رضي الله عنه، وبيعت الأرضون في خلافة عثمان.
قال الليث بن سعد: ولم يبلغنا أن عمر بن الخطاب أقطع أحدا من الناس شيئا من أرض مصر إلا ابن سندر، فإنه أقطعه أرض منية الأصبغ، فلم تزل له حتى مات، فاشتراها الأصبغ بن عبد العزيز بن مروان من ورثته، فليس بمصر قطيعة أقدم منها، ولا أفضل. وقال الأعمش عن إبراهيم بن المهاجر عن موسى بن طلحة قال: أقطع عثمان رضي الله عنه عبد الله ابن مسعود النهرين، وعمار بن ياسر إسنسا، وأقطع خبابا وصهيبا، وأقطع سعد بن أبي وقاص قرية هرمز وكان عبد الله بن مسعود وسعد يعطيان أرضهما بالثلث والربع.
وقال سيف بن عمر، عن عمرو بن محمد عن عمر قال: أقطع الزبير وخباب وعبد الله ابن مسعود وعمار بن ياسر، وابن هبار أزمان عثمان، فإن يكن عثمان أخطأ، فالذين قبلوا منه الخطأ أخطأوا، وهم الذين أخذنا عنهم ديننا، وأقطع عمر بن الخطاب رضي الله عنه، طلحة وجرير بن عبد الله والربيل بن عمرو، وأقطع أبا مفرز دار النيل في عدّة ممن أخذنا عنه، وإنما القطائع على وجه النفل من خمس ما أفاء الله.
وكتب عمر رضي الله عنه إلى عثمان بن حنيف مع جرير بن عبد الله البجلي: أما بعد، فأقطع جرير بن عبد الله قدر ما يقوّته ولا وكس ولا شطط، فكتب عثمان إلى عمر: إن جريرا قدم عليّ بكتاب منك نقطعه ما يقوّته، فكرهت أن أمضي ذلك حتى أراجعك فيه، فكتب إليه صدق جرير، فأنفذ ذلك، وقد أحسنت في مؤامرتي، وأقطع أبو موسى الأشعريّ، وأقطع عليّ بن أبي طالب رحبة كردوس بن هاني، وأقطع سويد بن غفلة الجعفي.
قال سيف عن ثابت بن هزيمة عن سويد بن غفلة قال: استقطت عليا، فقال: اكتب هذا ما أقطع عليّ سويدا أرضا لدوابه ما بين كذا إلى كذا ما شاء الله، وذكر أبو القسم، عبد الرحمن بن عبد الله بن عبد الحكم ما أقطعه معاوية بن أبي سفيان ومن بعده من الخلفاء من دور مصر، فأورد شيئا كثيرا.
وقد كان خلفاء بني أمية وخلفاء بني العباس يقطعون الأراضي من أرض مصر، النفر من خواصهم لا كما هو الحال اليوم، بل يكون مال خراج أرض مصر يصرف منه أعطية الجند، وسائر الكلف، ويحمل ما يفضل إلى بيت المال، وما أقطع من الأراضي فإنه بيد من أقطعه. وأما منذ كانت أيام السلطان صلاح الدين يوسف بن أيوب إلى يومنا هذا. فإن أراضي مصر كلها صارت تقطع للسلطان وأمرائه وأجناده.
وأرض مصر اليوم على سبعة أقسام: قسم يجري في ديوان السلطان، وهذا القسم ثلاثة أقسام، منه ما يجري في الديوان الخاص، ومنه ما يجري في الديوان المفرد، وقسم من أراضي مصر قد أقطع الأمراء والأجناد، وقد ذكر تفصيل ذلك عند ذكر الروك الناصري، وقسم ثالث جعل وقفا محبسا على الجوامع والمدارس والخوانك «1» ، وعلى جهات البرّ، وعلى ذراري واقفي تلك الأراضي وعتقائهم، وقسم رابع يقال له: الأحباس يجري فيه أراض بأيدي قوم يأكلونها. إما عن قيامهم بمصالح مسجد أو جامع، وإما يكون لهم لا في مقابلة عمل، وقسم خامس قد صار ملكا يباع ويشتري ويورث ويوهب لكونه اشترى من بيت المال، وقسم سادس لا يزرع للعجز عن زراعته فترعاه المواشي أو ينبت الحطب ونحوه، وقسم سابع لا يشمله ماء النيل، فهو قفر وهذا القسم منه ما لم يزل كذلك منذ عرفت أحوال الخليقة، ومنه ما كان عامرا في الدهر الأوّل ثم خرب، وسائر هذه الأقسام مذكورة أخبارها في هذا الكتاب تجدها إن أنت تأمّلته إن شاء الله تعالى.
وقال أبو عبد الله «2» القاسم بن سلام في كتاب الأموال في الكلام على حديث معمر
عن عبد الله بن طاوس عن أبيه طاوس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «عادي الأرض لله ولرسوله ثم هي لكم» . قلت: ما معنى ذلك؟ قال: تكون إقطاعا، هذا الخبر أصل في الإقطاع والعادي كل أرض كان لها سكان فانقرضوا، أي صارت خرابا فإن حكمها إلى الإمام قال:
وأما الأرض التي جعلها النبيّ صلى الله عليه وسلم لبعض الناس وهي عامرة لها أهل فإعطاء الإمام يكون على وجه النفل، ومن ذلك ما أعطاه رسول الله صلى الله عليه وسلم تميما الداري، فإنه أعطاه أرضا بالشام من قبل أن يفتح الشام، وقبل أن يملكها المسلمون، فجعلها له نفلا من أموال أهل الحرب إذا ظهر عليهم، كما فعل نائبه، نفيلة، لما وهبها الشيباني قبل افتتاح الحيرة، فأمضاها له خالد بن الوليد رضي الله عنه، وكذلك أمضى عمر بن الخطاب رضي الله عنه لتميم الداري لما فتحت فلسطين، ما كان النبيّ صلى الله عليه وسلم نفله، انتهى.
فقد خرّج أبو عبد الله، هذه العطية المعلقة مخرج النفل الذي ينفله الإمام بعض المقاتلة.
وقال أبو الحسن عليّ بن محمد بن حبيب الماوردي «1» في الأحكام السلطانية:
والإقطاع ضربان: إقطاع استغلال، وإقطاع تمليك. والثاني ينقسم إلى موات وعامر، والثاني ضربان: أحدهما: ما يتعين مالكه ولا نظر للسلطان فيه إلا بتلك الأرض في حق لبيت المال إذا كانت في دار الإسلام فإن كانت في دار الحرب حيث لم يثبت للمسلمين عليها يد، فأراد الإمام أن يقطعها ليملكها المقطع عند الظفر بها، فإنه يجوز فقد سأل تميم الداري، رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يعطيه عيون البلد الذي كان منه قبل أن يفتح الشام ففعل، وسأله أبو ثعلبة الخشني أن يقطعه أرضا كانت بيد الروم فأعجبه ذلك وقال: ألا تسمعون ما يقول هذا؟
فقال: والذي بعثك بالحق ليفتحنّ عليك، فكتب له بذلك كتابا.
قال الماورديّ: وهكذا لو استوهب أحد من الإمام مالا في دار الحرب وهو على ملك أهلها أو استوهبه شيئا من سبيها أو ذراريها ليكون أحق به إذا فتحت جاز وصحت العطية منه مع الجهالة بها لتعلقها بالأمور العامة.
وقد روي الشعبيّ: أن خزيمة بن أوس الطائيّ، قال للنبيّ صلى الله عليه وسلم: إن افتح الله عليك الحيرة فأعطني بنت نفيلة، فلما أراد خالد صلح أهل الحيرة قال له خزيمة: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم أعطاني بنت نفيلة، فلا تدخلها في صلحك، فشهد له بشر بن سعد، ومحمد بن مسلمة، فاستثناها من الصلح ودفعها إلى خزيمة، فاشتريت بألف درهم، وكانت عجزت وحالت عما عهد منها، فقيل له: قد أرخصتها وكان أهلها يدفعون لك أضعاف ما سألت، فقال: ما كنت أظنّ أن عددا يكون أكثر من ألف.