الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
قال: فأمر السلطان أبو بكر بن يحيى الحفصيّ «1» ، صاحب تونس بطمه، فطم القبر.
قال مؤلفه رحمه الله تعالى: وأنا أدركت شيئا من ذلك، وهو أنه ترافع في بعض الأيام طائفة من الحجارين إلى السلطان الملك الظاهر برقوق أعوام، بضع وتسعين وسبعمائة، وقد اختلفوا على مال وجدوه بجبل المقطم، وهو أنهم كانوا يقطعون الحجارة من مغار فيما يلي قلعة الجبل من بحريها، فانكشف لهم حجر أسود عليه كتابة، فاجتمعوا على قطع ما بين يدي هذا الحجر طمعا في وجود مال، فانتهى بهم القطع إلى عمود عظيم قائم في قلب الجبل، فلعجلتهم أقبلوا بمعاولهم عليه حتى تكسر قطعا، فإذا هو مجوّف، وإنسان قائم على قدميه بطوله وتناثر لهم من جهة رأسه دنانير كثيرة، فاقتسموها وتنافسوا في قسمتها، واختلفوا حتى اشتهر أمرهم، وترافعوا إلى السلطان، فبعث من كشف المغار فوجد الحجر والعمود، وقد تكسر فأخذ منهم ما وجد بأيديهم من الدنانير، ولم يجد من يعرف ما قد كتب على الحجر، وتسامع الناس بالخبر، فأقبلوا إلى المغار وعبثوا برمّة الميت، فأخبرني من شاهد سنا من أسنان هذا الميت، أنها سوداء بقدر الباذنجانة وإن عظم ساقه فيما بين قدمه إلى ركبته خمسة أذرع فيجيء هذا من حساب طوله عشرين ذراعا وأزيد، ودماغ سنّ واحدة من أسنانه في قدر الباذنجانة، ما هو إلا كالقبة الكبيرة، وأخبرني السيد الشريف قاضي القضاة بدمشق شهاب الدين أحمد بن عليّ بن إبراهيم الحسينيّ المعروف: بابن عدنان وبابن أبي الجن: أنه وقف في سنة أربع عشرة وثمانمائة بمقبرة باب الصغير من دمشق على قبر ليدفن فيه ميت لهم، فلما تهيأ القبر، ولم يبق إلا أن يدلى فيه الميت، انخسف وخرج من الخسف ذباب كثير كبار زرق الألوان حتى كادت تظلهم، فنزل الحفار في الخسف، فإذا قبر طوله اثنان وعشرون ذراعا وفيه بطوله ميت قد صار كالرماد.
وأخبرني أيضا: أنه شاهد بهذه المقبرة ضرس إنسان وله ثلاث شعب، وقد سقطت منه قطعة وهو في قدر البطيخة، وأنه وزن بحضرته فبلغ رطلين وتسع أواقي بالرطل الشامي، وإنّ القطعة التي انكسرت منه نحو أوقيتين بالشامي، فيكون على هذا زنة هذا الضرس نحو اثني عشر رطلا بالمصريّ، والله تعالى أعلم.
ذكر طرف مما قيل في الإسكندرية
قال أبو عمرو الكنديّ: أجمع الناس أنه ليس في الدنيا مدينة على ثلاث طبقات، غير الإسكندرية، ولما دخل عبد العزيز بن مروان الإسكندرية، سأل رجلا من علماء الروم عنها وعن عدد أهلها؟ فقال: والله أيها الأمير، ما أدرك علم هذا أحد من الملوك، والذي أخبرك
كم كان فيها من اليهود، فإنّ ملك الروم أمر بإحصائهم، فكانوا ستمائة ألف. قال: فما هذا الخراب الذي في أطرافها، قال: بلغني عن بعض ملوك فارس حين ملكوا مصر أنه أمر بفرض دينار على كل محتلم لعمران الإسكندرية، فأتاه كبراء أهلها وعلماؤهم، وقالوا: أيها الملك لا تتعب فإنّ الإسكندرية أقام الإسكندر على بنائها، ثلثمائة سنة، وعمرت ثلثمائة سنة، وإنها لخراب منذ ثلثمائة سنة، ولقد أقام أهلها سبعين سنة لا يمشون فيها نهارا إلا بخرق سود في أيديهم خوفا على أبصارهم من شدّة بياضها.
ومن فضائلها ما قاله بعض المفسرين من أهل العلم: أنها المدينة التي وصفها الله عز وجل في كتابه العزيز فقال: إِرَمَ ذاتِ الْعِمادِ الَّتِي لَمْ يُخْلَقْ مِثْلُها فِي الْبِلادِ
[الفجر/ 8] .
قال أحمد بن صالح: قال لي سفيان بن عيينة: يا مصريّ أين تسكن؟ قلت: أسكن الفسطاط، فقال: أتاني الإسكندرية؟ قلت: نعم، قال: تلك كنانة الله يجعل فيها خيار سهامه.
وقال وقال عبد الله بن مرزوق الصدفيّ، لما نعى لي ابن عمي خالد بن يزيد، وكان قد توفي بالإسكندرية، لقيني موسى بن عليّ بن رباح وعبد الله بن لهيعة والليث بن سعد متفرّقين كلهم يقول: أليس مات بالإسكندرية؟ فأقول: نعم، فيقولون: هو حيّ عند الله يرزق ويجري عليه أجر رباطه ما أقامت الدنيا، وله أجر شهيد حتى يحشر على ذلك، وقال الذين ينظرون في الأهوية والبلدان وترتب الأقاليم والأمصار: أنه لم تطل أعمار الناس في بلد من البلدان طولها بمربوط من كورة الإسكندرية، ووادي فرغانة. وقال الحسن بن صفوان: وأما الإسكندرية وتنيس، وأمثالهما، فقربها من البحر وسكون الحرارة والبرد عندهم، وظهور ريح الصبا فيهم مما يصلح أمرهم، ويرق طباعهم، ويرفع همتهم وليس يعرض لهم ما يعرض لأهل اليشمون من غلظ الطبع والحمارية، وقد وصف أهل الإسكندرية بالبخل، قال جلال الدين بن مكرم بن أبي الحسن بن أحمد الخزرجي ملك الحفاظ:
نزيل اسكندرية ليس يقري
…
بغير الماء أو نعت السواري
ويتحف حين يكرم بالهواء ال
…
ملاتن والإشارة للمنار
وذكر البحر والأمواج فيه
…
ووصف مراكب الروم الكبار
فلا يطمع نزيلهم بخبز
…
فما فيها لذاك الحرف قاري
وقال أحمد بن جردادية من الفسطاط إلى ذوات الساحل، أربعة وعشرون ميلا، ثم إلى مربوط ثلاثون ميلا، ثم إلى كوم شريك ثلاثون ميلا، ثم إلى كريون أربعة وعشرون ميلا، ثم إلى الإسكندرية أربعة وعشرون ميلا، وقال آخر: وطريق الإسكندرية إذا نضّب ماء النيل يأخذ بين المدائن والضياع، وذلك إذا أخذت من شطنوف إلى سبك العبيد، فهو منزل فيه منية لطيفة، وبينهما اثنا عشر سقسا، ومن سبك إلى مدينة منوف، وهي كبيرة فيها