الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
رُوِيَ أَنَّ النَّبِيَّ عليه الصلاة والسلام قَال لِمِرْدَاسٍ الْمُعَلِّمِ رضي الله عنه: إِيَّاكَ أَنْ تَضْرِبَ فَوْقَ الثَّلَاثِ، فَإِنَّكَ إِذَا ضَرَبْتَ فَوْقَ الثَّلَاثِ اقْتَصَّ اللَّهُ مِنْكَ (1)
ب - أَنْ يَكُونَ الضَّرْبُ بِإِذْنِ الْوَلِيِّ، لأَِنَّ الضَّرْبَ عِنْدَ التَّعْلِيمِ غَيْرُ مُتَعَارَفٍ، وَإِنَّمَا الضَّرْبُ عِنْدَ سُوءِ الأَْدَبِ، فَلَا يَكُونُ ذَلِكَ مِنَ التَّعْلِيمِ فِي شَيْءٍ، وَتَسْلِيمُ الْوَلِيِّ صَبِيَّهُ إِلَى الْمُعَلِّمِ لِتَعْلِيمِهِ لَا يُثْبِتُ الإِْذْنَ فِي الضَّرْبِ، فَلِهَذَا لَيْسَ لَهُ الضَّرْبُ، إِلَاّ أَنْ يَأْذَنَ لَهُ فِيهِ نَصًّا.
وَنُقِل عَنْ بَعْضِ الشَّافِعِيَّةِ قَوْلُهُمْ: الإِْجْمَاعُ الْفِعْلِيُّ مُطَّرِدٌ بِجَوَازِ ذَلِكَ بِدُونِ إِذْنِ الْوَلِيِّ (2) .
ج - أَنْ يَكُونَ الصَّبِيُّ يَعْقِل التَّأْدِيبَ، فَلَيْسَ لِلْمُعَلِّمِ ضَرْبُ مَنْ لَا يَعْقِل التَّأْدِيبَ مِنَ الصِّبْيَانِ
قَال الأَْثْرَمُ: سُئِل أَحْمَدُ عَنْ ضَرْبِ الْمُعَلِّمِ الصِّبْيَانَ، قَال: عَلَى قَدْرِ ذُنُوبِهِمْ، وَيَتَوَقَّى بِجَهْدِهِ الضَّرْبَ وَإِذَا كَانَ صَغِيرًا لَا يَعْقِل فَلَا يَضْرِبُهُ (3) .
(1) ابن عابدين 1 / 235، 5 / 363، وجواهر الإكليل 2 / 296.
(2)
المبسوط للسرخسي 16 / 13، وابن عابدين 5 / 363، وبدائع الصنائع 7 / 305، ومغني المحتاج 4 / 193، وانظر الموسوعة الفقهية الكويتية 10 / 23.
(3)
المغني لابن قدامة 5 / 237، والآداب الشرعية لابن مفلح 1 / 506، وغاية المنتهى 3 / 285.
ضَمَانُ ضَرْبِ التَّعْلِيمِ:
14 -
ذَهَبَ الْمَالِكِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ إِلَى أَنَّ الْمُعَلِّمَ إِذَا أَدَّبَ صَبِيَّهُ الأَْدَبَ الْمَشْرُوعَ فَمَاتَ، فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ (1) . وَبِهَذَا قَال الْحَنَفِيَّةُ. إِلَاّ أَنَّهُمْ يَشْتَرِطُونَ لِنَفْيِ الضَّمَانِ أَنْ يَكُونَ الضَّرْبُ قَدْ حَصَل بِإِذْنِ الأَْبِ أَوِ الْوَصِيِّ، فَضْلاً عَنْ كَوْنِهِ لَمْ يَخْرُجْ عَنِ الضَّرْبِ الْمُعْتَادِ كَمًّا وَكَيْفًا وَمَحَلًّا، فَإِذَا ضَرَبَ الْمُعَلِّمُ صَبِيًّا يَتَعَلَّمُ مِنْهُ بِغَيْرِ إِذْنِ الأَْبِ أَوِ الْوَصِيِّ ضَمِنَ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ، لأَِنَّهُ مُتَعَدٍّ فِي الضَّرْبِ، وَالْمُتَوَلِّدُ مِنْهُ يَكُونُ مَضْمُونًا عَلَيْهِ (2) .
وَقَال الشَّافِعِيَّةُ: لَوْ مَاتَ الْمُتَعَلِّمُ مِنْ ضَرْبِ الْمُعَلِّمِ، فَإِنَّهُ يَضْمَنُ وَإِنْ كَانَ بِإِذْنِ الْوَلِيِّ وَكَانَ مِثْلُهُ مُعْتَادًا لِلتَّعْلِيمِ، لأَِنَّهُ مَشْرُوطٌ بِسَلَامَةِ الْعَاقِبَةِ؛ إِذِ الْمَقْصُودُ التَّأْدِيبُ لَا الْهَلَاكُ، فَإِذَا حَصَل بِهِ هَلَاكٌ تَبَيَّنَ أَنَّهُ جَاوَزَ الْحَدَّ الْمَشْرُوعَ (3) . وَلِلتَّفْصِيل (ر: تَأْدِيبٌ. ضَمَانٌ. قَتْلٌ) .
الاِسْتِئْجَارُ لِتَعْلِيمِ الْقُرْآنِ وَالْعِلْمِ الشَّرْعِيِّ:
15 -
لَا خِلَافَ بَيْنَ الْفُقَهَاءِ فِي جَوَازِ أَخْذِ الرِّزْقِ
(1) المغني لابن قدامة 5 / 237، وغاية المنتهى 3 / 285، وجواهر الإكليل 2 / 296 والميزان الكبرى للشعراني 2 / 172.
(2)
ابن عابدين 5 / 363، وبدائع الصنائع 7 / 305، وحاشية الطحطاوي على الدر 4 / 275، والمبسوط للسرخسي 16 / 13.
(3)
مغني المحتاج 4 / 199، ونهاية المحتاج، وحاشية الشبراملسي 5 / 308 ط الحلبي.
مِنْ بَيْتِ الْمَال عَلَى تَعْلِيمِ الْقُرْآنِ وَتَدْرِيسِ عِلْمٍ نَافِعٍ مِنْ حَدِيثٍ وَفِقْهٍ وَنَحْوِهِمَا؛ لأَِنَّ هَذَا الرِّزْقَ لَيْسَ أُجْرَةً مِنْ كُل وَجْهٍ بَل هُوَ كَالأُْجْرَةِ (1) .
وَإِنَّمَا اخْتَلَفُوا فِي الاِسْتِئْجَارِ لِتَعْلِيمِ الْقُرْآنِ وَالْحَدِيثِ وَالْفِقْهِ وَنَحْوِهِمَا مِنَ الْعُلُومِ الشَّرْعِيَّةِ: فَيَرَى مُتَقَدِّمُو الْحَنَفِيَّةِ - وَهُوَ الْمَذْهَبُ عِنْدَ الْحَنَابِلَةِ - عَدَمَ صِحَّةِ الاِسْتِئْجَارِ لِتَعْلِيمِ الْقُرْآنِ وَالْعِلْمِ الشَّرْعِيِّ، كَالْفِقْهِ وَالْحَدِيثِ (2) . لِحَدِيثِ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ رضي الله عنه قَال: عَلَّمْتُ نَاسًا مِنْ أَهْل الصُّفَّةِ الْقُرْآنَ وَالْكِتَابَةَ، فَأَهْدَى إِلَيَّ رَجُلٌ مِنْهُمْ قَوْسًا. قَال: قُلْتُ: قَوْسٌ، وَلَيْسَ بِمَالٍ. قَال: قُلْتُ: أَتَقَلَّدُهَا فِي سَبِيل اللَّهِ، فَذَكَرْتُ ذَلِكَ لِلنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَقَصَصْتُ عَلَيْهِ الْقِصَّةَ، فَقُلْتُ: يَا رَسُول اللَّهِ، رَجُلٌ أَهْدَى إِلَيَّ قَوْسًا مِمَّنْ كُنْتُ أُعَلِّمُهُ الْكِتَابَ وَالْقُرْآنَ، وَلَيْسَتْ بِمَالٍ، وَأَرْمِي عَنْهَا فِي سَبِيل اللَّهِ، قَال: إِنْ كُنْتَ تُحِبُّ أَنْ تُطَوَّقَ طَوْقًا مِنْ نَارٍ فَاقْبَلْهَا (3) .
وَحَدِيثُ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ رضي الله عنه، أَنَّهُ عَلَّمَ رَجُلاً سُورَةً مِنَ الْقُرْآنِ، فَأَهْدَى لَهُ خَمِيصَةً
(1) ابن عابدين 3 / 282، ومطالب أولي النهى 3 / 641، والمغني لابن قدامة 6 / 417، وقليوبي 4 / 296، الموسوعة الفقهية 8 / 252.
(2)
بدائع الصنائع 4 / 191، والإنصاف 6 / 45، 46.
(3)
حديث: " إن كنت تحب أن تطوق طوقا من نار فاقبلها " أخرجه أبو داود (3 / 702 تحقيق عزت عبيد دعاس) ، والحاكم (2 / 41 ط دائرة المعارف العثمانية) وصححه ووافقه الذهبي.
أَوْ ثَوْبًا، فَذَكَرَ ذَلِكَ لِلنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَقَال: إِنَّكَ لَوْ لَبِسْتَهَا لأََلْبَسَكَ اللَّهُ مَكَانَهَا ثَوْبًا مِنْ نَارٍ (1) وَلأَِنَّهُ اسْتِئْجَارٌ لِعَمَلٍ مَفْرُوضٍ، فَلَا يَجُوزُ، كَالاِسْتِئْجَارِ لِلصَّوْمِ وَالصَّلَاةِ، وَلأَِنَّهُ غَيْرُ مَقْدُورِ الاِسْتِيفَاءِ فِي حَقِّ الأَْجِيرِ، لِتَعَلُّقِهِ بِالْمُتَعَلِّمِ، فَأَشْبَهَ الاِسْتِئْجَارَ لِحَمْل خَشَبَةٍ لَا يَقْدِرُ عَلَى حَمْلِهَا بِنَفْسِهِ، وَلأَِنَّ الاِسْتِئْجَارَ عَلَى تَعْلِيمِ الْقُرْآنِ وَالْعِلْمِ سَبَبٌ لِتَنْفِيرِ النَّاسِ عَلَى تَعْلِيمِ الْقُرْآنِ وَالْعِلْمِ، لأَِنَّ ثِقَل الأَْجْرِ يَمْنَعُهُمْ مِنْ ذَلِكَ، وَإِلَى هَذَا أَشَارَ اللَّهُ جَل شَأْنُهُ فِي قَوْلِهِ عز وجل:{أَمْ تَسْأَلُهُمْ أَجْرًا فَهُمْ مِنْ مَغْرَمٍ مُثْقَلُونَ} (2) فَيُؤَدِّي إِلَى الرَّغْبَةِ عَنْ هَذِهِ الطَّاعَةِ، وَهَذَا لَا يَجُوزُ (3) .
وَذَهَبَ مُتَأَخِّرُو الْحَنَفِيَّةِ - وَهُوَ الْمُخْتَارُ لِلْفَتْوَى عِنْدَهُمْ - وَالْمَالِكِيَّةُ فِي قَوْلٍ، وَهُوَ الْقَوْل الآْخَرُ عِنْدَ الْحَنَابِلَةِ - يُؤْخَذُ مِمَّا نَقَلَهُ أَبُو طَالِبٍ عَنْ أَحْمَدَ - إِلَى جَوَازِ الاِسْتِئْجَارِ عَلَى تَعْلِيمِ الْقُرْآنِ وَالْفِقْهِ، لِخَبَرِ: إِنَّ أَحَقَّ مَا أَخَذْتُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا كِتَابُ اللَّهِ (4) وَلِمَا رُوِيَ عَنْ عَبْدِ الْجَبَّارِ بْنِ عُمَرَ
(1) حديث: " إنك لو لبستها لألبسك الله مكانها. . . " ذكره الفقيه مصطفى السيوطي في مطالب أولي النهى (3 / 638 ط المكتب الإسلامي) وعزاه إلى الأثرم في سننه.
(2)
سورة الطور / 40.
(3)
مطالب أولي النهى 3 / 637، 638، وبدائع الصنائع 4 / 191، والفتاوى الهندية 4 / 448.
(4)
حديث: " إن أحق ما أخذتم عليه. . " أخرجه البخاري (الفتح) 10 / 199 ط السلفية) .