الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فَإِنَّ اللَّهَ أَعَدَّ لِلْمُحْسِنَاتِ مِنْكُنَّ أَجْرًا عَظِيمًا} (1) قَال: فَبَدَأَ بِعَائِشَةَ فَقَال: يَا عَائِشَةُ إِنِّي أُرِيدُ أَنْ أَعْرِضَ عَلَيْكِ أَمْرًا أُحِبُّ أَلَاّ تَعْجَلِي فِيهِ حَتَّى تَسْتَشِيرِي أَبَوَيْكِ، قَالَتْ: وَمَا هُوَ يَا رَسُول اللَّهِ؟ فَتَلَا عَلَيْهَا الآْيَةَ. قَالَتْ: أَفِيكَ يَا رَسُول اللَّهِ أَسْتَشِيرُ أَبَوَيَّ،، بَل أَخْتَارُ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالدَّارَ الآْخِرَةَ، وَأَسَالُكَ أَلَاّ تُخْبِرَ امْرَأَةً مِنْ نِسَائِكَ بِاَلَّذِي قُلْتُ. قَال: لَا تَسْأَلْنِي امْرَأَةٌ مِنْهُنَّ إِلَاّ أَخْبَرْتُهَا، إِنَّ اللَّهَ لَمْ يَبْعَثْنِي مُعَنِّتًا وَلَا مُتَعَنِّتًا، وَلَكِنْ بَعَثَنِي مُعَلِّمًا مُيَسِّرًا. (2)
حَقِيقَةُ التَّفْوِيضِ فِي الطَّلَاقِ وَصِفَتُهُ:
10 -
ذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ، وَالشَّافِعِيُّ فِي الْجَدِيدِ، إِلَى أَنَّ التَّفْوِيضَ تَمْلِيكٌ لِلطَّلَاقِ، وَعَلَى هَذَا قَال الْحَنَفِيَّةُ بِعَدَمِ صِحَّةِ رُجُوعِ الزَّوْجِ عَنْهُ، وَذَلِكَ لأَِنَّ التَّمْلِيكَ يَتِمُّ بِالْمِلْكِ وَحْدَهُ بِلَا تَوَقُّفٍ عَلَى الْقَبُول.
وَقَال الشَّافِعِيُّ فِي الْقَدِيمِ لَهُ: الرُّجُوعُ قَبْل تَطْلِيقِهَا، بِنَاءً عَلَى أَنَّ التَّمْلِيكَ يَجُوزُ الرُّجُوعُ فِيهِ قَبْل الْقَبُول، وَبِنَاءً عَلَى اشْتِرَاطِهِمْ لِوُقُوعِهِ تَطْلِيقَهَا عَلَى الْفَوْرِ؛ وَذَلِكَ لأَِنَّ التَّطْلِيقَ عِنْدَهُمْ جَوَابٌ لِلتَّمْلِيكِ، فَكَانَ كَقَبُولِهِ، وَقَبُولُهُ فَوْرٌ.
وَأَمَّا الْمَالِكِيَّةُ فَقَدْ جَعَلُوا التَّفْوِيضَ جِنْسًا تَحْتَهُ أَنْوَاعٌ ثَلَاثَةٌ: تَفْوِيضُ تَوْكِيلٍ، وَتَفْوِيضُ
(1) سورة الأحزاب / 28، 29.
(2)
حديث: " دخل أبو بكر يستأذن على رسول الله صلى الله صلى الله عليه وسلم فوجد الناس. . . " سبق تخريجه ف / 4.
تَخْيِيرٍ، وَتَفْوِيضُ تَمْلِيكٍ. وَيُمْكِنُ التَّمْيِيزُ بَيْنَهَا مِنْ خِلَال الأَْلْفَاظِ الصَّادِرَةِ عَنِ الزَّوْجِ. فَكُل لَفْظٍ دَل عَلَى جَعْل إِنْشَاءِ الطَّلَاقِ بِيَدِ الْغَيْرِ مَعَ بَقَاءِ حَقِّ الزَّوْجِ فِي الْمَنْعِ مِنْ إِيقَاعِهِ فَهُوَ تَفْوِيضُ تَوْكِيلٍ، وَكُل لَفْظٍ دَل عَلَى أَنَّ الزَّوْجَ فَوَّضَ لَهَا الْبَقَاءَ عَلَى الْعِصْمَةِ أَوِ الْخُرُوجَ مِنْهَا فَهُوَ تَفْوِيضُ تَخْيِيرٍ، وَكُل لَفْظٍ دَل عَلَى جَعْل الطَّلَاقِ بِيَدِهَا أَوْ بِيَدِ غَيْرِهَا دُونَ تَخْيِيرٍ فَهُوَ تَفْوِيضُ تَمْلِيكٍ. وَلَهُ الرُّجُوعُ فِي تَفْوِيضِ التَّوْكِيل دُونَهُمَا؛ لأَِنَّهُ فِي التَّوْكِيل جَعَلَهَا نَائِبَةً عَنْهُ فِي إِنْشَائِهِ، وَأَمَّا فِيهِمَا فَقَدْ جَعَل لَهَا مَا كَانَ يَمْلِكُ، فَهُمَا أَقْوَى.
وَفَرَّقَ الْحَنَابِلَةُ بَيْنَ صِيَغِ التَّفْوِيضِ، فَجَعَلُوا صِيغَتَيْنِ " أَمْرُكِ بِيَدِكِ "، " وَطَلِّقِي نَفْسَكِ " مِنَ التَّوْكِيل، فَيَكُونُ لَهَا عَلَى التَّرَاخِي مَا لَمْ يَفْسَخْ أَوْ يَطَأْ، وَجَعَلُوا صِيغَةَ " اخْتَارِي " مِنْ خِيَارِ التَّمْلِيكِ، فَهُوَ لَهَا عَلَى الْفَوْرِ إِلَاّ أَنْ يَجْعَلَهُ لَهَا عَلَى التَّرَاخِي. (1)
أَلْفَاظُ التَّفْوِيضِ فِي الطَّلَاقِ:
11 -
ذَهَبَ جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ إِلَى تَقْسِيمِ أَلْفَاظِ التَّفْوِيضِ فِي الطَّلَاقِ إِلَى صَرِيحٍ وَكِنَايَةٍ، فَالصَّرِيحُ عِنْدَهُمْ مَا كَانَ بِلَفْظِ الطَّلَاقِ، كَطَلِّقِي نَفْسَكِ إِنْ شِئْتِ، وَالْكِنَايَةُ مَا كَانَ بِغَيْرِهِ كَاخْتَارِي نَفْسَكِ، وَأَمْرُكِ بِيَدِكِ.
(1) ابن عابدين 2 / 475، 476، 486، وحاشية الدسوقي 2 / 406، ومغني المحتاج 3 / 286، وكشاف القناع 5 / 257.