الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
هَل الْمُقَلِّدُ مِنْ أَهْل الإِْجْمَاعِ
؟
20 -
يَرَى جُمْهُورُ الأُْصُولِيِّينَ أَنَّ الْمُقَلِّدَ لَا يُعْتَبَرُ فَقِيهًا، وَلِذَا قَالُوا: إِنَّ رَأْيَهُ لَا يُعْتَدُّ بِهِ فِي الإِْجْمَاعِ وَإِنْ كَانَ عَارِفًا بِالْمَسَائِل الْفِقْهِيَّةِ، إِذِ الْجَامِعُ بَيْنَ أَهْل الإِْجْمَاعِ هُوَ الرَّأْيُ، وَلَيْسَ لِلْمُقَلِّدِ رَأْيٌ إِذْ رَأْيُهُ هُوَ عَنْ رَأْيِ إِمَامِهِ. وَهَذَا إِنْ لَمْ يَكُنْ مُجْتَهِدًا فِي بَعْضِ الْمَسَائِل، فَإِنْ كَانَ كَذَلِكَ فَعَلَى أَسَاسِ قَاعِدَةِ جَوَازِ تَجَزُّؤِ الاِجْتِهَادِ، يُعْتَدُّ بِالْمُقَلِّدِ فِي الإِْجْمَاعِ فِي الْمَسَائِل الَّتِي يَجْتَهِدُ فِيهَا (1) .
قَضَاءُ الْمُقَلِّدِ:
21 -
يَشْتَرِطُ الشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ، وَهُوَ قَوْلٌ عِنْدَ كُلٍّ مِنَ الْحَنَفِيَّةِ وَالْمَالِكِيَّةِ، فِي الْقَاضِي أَنْ يَكُونَ مُجْتَهِدًا. وَادَّعَى ابْنُ حَزْمٍ الإِْجْمَاعَ عَلَى ذَلِكَ، وَلِقَوْل اللَّهِ تَعَالَى:{وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَل اللَّهُ} (2) وقَوْله تَعَالَى {فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُول} (3) وَفَاقِدُ الاِجْتِهَادِ إِنَّمَا يَحْكُمُ بِالتَّقْلِيدِ وَلَا يَعْرِفُ الرَّدَّ إِلَى مَا أَنْزَل اللَّهُ وَإِلَى الرَّسُول.
قَال ابْنُ قُدَامَةَ: لَا يَجُوزُ لِلْقَاضِي أَنْ يُقَلِّدَ غَيْرَهُ وَيَحْكُمَ بِقَوْل سِوَاهُ، سَوَاءٌ ظَهَرَ لَهُ الْحَقُّ فَخَالَفَهُ غَيْرُهُ فِيهِ أَمْ لَمْ يَظْهَرْ لَهُ شَيْءٌ، وَسَوَاءٌ ضَاقَ الْوَقْتُ أَمْ لَمْ يَضِقْ. وَقَال سَائِرُ الْحَنَفِيَّةِ، وَهُوَ قَوْلٌ عِنْدَ مُتَأَخِّرِي
(1) شرح مسلم الثبوت 2 / 217، 218.
(2)
سورة المائدة / 49.
(3)
سورة النساء / 59.
الْحَنَابِلَةِ: يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الْقَاضِي مُقَلِّدًا، لِئَلَاّ تَتَعَطَّل أَحْكَامُ النَّاسِ، وَعَلَّل الْحَنَفِيَّةُ بِأَنَّ غَرَضَ الْقَضَاءِ فَصْل الْخُصُومَاتِ فَإِذَا تَحَقَّقَ بِالتَّقْلِيدِ جَازَ (1) .
وَعِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ أَنَّهُ إِنْ تَعَذَّرَ الْقَاضِي الْمُجْتَهِدُ جَازَ تَوْلِيَةُ الْمُقَلِّدِ عِنْدَ الضَّرُورَةِ وَتَتَحَقَّقُ الضَّرُورَةُ بِأَمْرَيْنِ:
الأَْوَّل: أَنْ يُوَلِّيَهُ سُلْطَانٌ ذُو شَوْكَةٍ، بِخِلَافِ نَائِبِ السُّلْطَانِ، كَالْقَاضِي الأَْكْبَرِ، فَلَا تُعْتَبَرُ تَوْلِيَتُهُ لِقَاضٍ مُقَلِّدٍ ضَرُورَةً. وَيَحْرُمُ عَلَى السُّلْطَانِ تَوْلِيَةُ غَيْرِ الْمُجْتَهِدِ عِنْدَ وُجُودِ الْمُجْتَهِدِ. ثُمَّ لَوْ زَالَتِ الشَّوْكَةُ انْعَزَل الْقَاضِي بِزَوَالِهَا.
الثَّانِي: أَنْ لَا يُوجَدَ مُجْتَهِدٌ يَصْلُحُ لِلْقَضَاءِ، فَإِنْ وُجِدَ مُجْتَهِدٌ صَالِحٌ لِلْقَضَاءِ لَمْ يَجُزْ تَوْلِيَةُ الْمُقَلِّدِ، وَلَمْ تَنْفُذْ تَوْلِيَتُهُ. وَعَلَى قَاضِي الضَّرُورَةِ أَنْ يُرَاجِعَ الْعُلَمَاءَ، وَهَذَا مَوْضِعُ اتِّفَاقٍ، وَعَلَيْهِ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ أَنْ يَذْكُرَ مُسْتَنَدَهُ فِي أَحْكَامِهِ.
مَا يَفْعَلُهُ الْمُقَلِّدُ إِذَا تَغَيَّرَ الاِجْتِهَادُ:
22 -
إِذَا تَغَيَّرَ اجْتِهَادُ الْمُجْتَهِدِ بَعْدَ أَنْ فَعَل الْمُقَلِّدُ طِبْقًا لِمَا أَفْتَاهُ بِهِ، لَمْ يَلْزَمِ الْمُقَلِّدَ مُتَابَعَةُ الْمُقَلَّدِ فِي
(1) المغني 9 / 41، 52، وتبصرة الحكام 1 / 46، وروضة الطالبين 11 / 94، 97، وشرح المنهاج بحاشية القليوبي وعميرة 4 / 297.