الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
عَلَى مَحْمَلٍ حَسَنٍ، أَوْ كَانَ فِي كُفْرِهِ خِلَافٌ وَلَوْ كَانَ رِوَايَةً ضَعِيفَةً (1) . مَا يُشَكُّ فِي أَنَّهُ كُفْرٌ لَا يُحْكَمُ بِهِ، فَإِنَّ الْمُسْلِمَ لَا يُخْرِجُهُ مِنَ الإِْيمَانِ إِلَاّ جُحُودُ مَا أَدْخَلَهُ فِيهِ، إِذِ الإِْسْلَامُ الثَّابِتُ لَا يَزُول بِالشَّكِّ مَعَ أَنَّ الإِْسْلَامَ يَعْلُو، فَإِنْ كَانَ فِي الْمَسْأَلَةِ وُجُوهٌ تُوجِبُ التَّكْفِيرَ وَوَجْهٌ وَاحِدٌ يَمْنَعُهُ فَعَلَى الْمُفْتِي أَنْ يَمِيل إِلَى الْوَجْهِ الَّذِي يَمْنَعُ التَّكْفِيرَ؛ لِعِظَمِ خَطَرِهِ وَتَحْسِينًا لِلظَّنِّ بِالْمُسْلِمِ، وَلأَِنَّ الْكُفْرَ نِهَايَةٌ فِي الْعُقُوبَةِ فَيَسْتَدْعِي نِهَايَةً فِي الْجِنَايَةِ، وَمَعَ الشَّكِّ وَالاِحْتِمَال لَا نِهَايَةَ (2) .
مَتَى يُحْكَمُ بِالْكُفْرِ:
6 -
يُشْتَرَطُ فِي تَكْفِيرِ الْمُسْلِمِ أَنْ يَكُونَ مُكَلَّفًا مُخْتَارًا عِنْدَ صُدُورِ مَا هُوَ مُكَفِّرٌ مِنْهُ، فَلَا يَصِحُّ تَكْفِيرُ صَبِيٍّ وَمَجْنُونٍ، وَلَا مَنْ زَال عَقْلُهُ بِنَوْمٍ أَوْ إِغْمَاءٍ، لِعَدَمِ تَكْلِيفِهِمْ، فَلَا اعْتِدَادَ بِقَوْلِهِمْ وَاعْتِقَادِهِمْ.
وَكَذَلِكَ لَا يَجُوزُ تَكْفِيرُ مُكْرَهٍ عَلَى الْكُفْرِ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالإِْيمَانِ، قَال تَعَالَى:{إِلَاّ مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالإِْيمَانِ (3) } .
وَجَرَى الْخِلَافُ بَيْنَ الْفُقَهَاءِ فِي صِحَّةِ تَكْفِيرِ الصَّبِيِّ الْمُمَيِّزِ وَالسَّكْرَانِ إِذَا صَدَرَ مِنْهُمَا مَا هُوَ مُكَفِّرٌ.
(1) حاشية ابن عابدين 3 / 289.
(2)
حاشية ابن عابدين 3 / 285.
(3)
سورة النحل / 106.
فَذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ إِلَى صِحَّةِ تَكْفِيرِ الصَّبِيِّ الْمُمَيِّزِ إِذَا صَدَرَ مِنْهُ مَا هُوَ مُكَفِّرٌ.
وَيُفْهَمُ مِنْ كَلَامِ الْمَالِكِيَّةِ تَقْيِيدُهُ بِالصَّبِيِّ الْمُمَيِّزِ الْمُرَاهِقِ فَقَطْ.
وَذَهَبَ الشَّافِعِيَّةُ إِلَى عَدَمِ صِحَّةِ تَكْفِيرِ الصَّبِيِّ الْمُمَيِّزِ لِعَدَمِ تَكْلِيفِهِ مَعَ اتِّفَاقِهِمْ عَلَى أَنَّهُ لَا يُقْتَل بَل يُجْبَرُ عَلَى الإِْسْلَامِ بِالضَّرْبِ وَالتَّهْدِيدِ وَالْحَبْسِ.
وَعِنْدَ الْحَنَابِلَةِ يُنْتَظَرُ إِلَى مَا بَعْدَ الْبُلُوغِ وَالاِسْتِتَابَةِ، فَإِنْ أَصَرَّ قُتِل (1)، لِحَدِيثِ رُفِعَ الْقَلَمُ عَنْ ثَلَاثَةٍ: عَنِ النَّائِمِ حَتَّى يَسْتَيْقِظَ، وَعَنِ الْمُبْتَلَى حَتَّى يَبْرَأَ، وَعَنِ الصَّبِيِّ حَتَّى يَكْبَرَ (2) .
تَكْفِيرُ السَّكْرَانِ:
7 -
اتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ عَلَى أَنَّ السَّكْرَانَ غَيْرُ الْمُتَعَدِّي بِسُكْرِهِ لَا يُحْكَمُ بِرِدَّتِهِ إِذَا صَدَرَ مِنْهُ مَا هُوَ مُكَفِّرٌ، وَاخْتَلَفُوا فِي السَّكْرَانِ الْمُتَعَدِّي بِسُكْرِهِ:
فَذَهَبَ جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ (الْمَالِكِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ) إِلَى تَكْفِيرِهِ إِذَا صَدَرَ مِنْهُ مَا هُوَ مُكَفِّرٌ.
(1) ابن عابدين 3 / 285، 306، والدسوقي 4 / 308 - 310، ومغني المحتاج 4 / 137، وكشاف القناع 6 / 168، 174 وما بعدها.
(2)
حديث: " رفع القلم عن ثلاثة: عن النائم حتى يستيقظ وعن المبتلى حتى يبرأ، وعن الصبي حتى يكبر ". أخرجه أبو داود (4 / 558 تحقيق عزت عبيد دعاس) والحاكم (2 / 59 ط دائرة المعارف العثمانية) من حديث عائشة، واللفظ لأبي داود، وصححه الحاكم ووافقه الذهبي.