الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الْقَوْل وَالْبَيَانِ وَالْكَلَامِ عَلَى مَعْنَى الأَْمْرِ بِأَنْ يَفْهَمَهُ، وَيَفْقَهَهُ ثُمَّ يَتَدَبَّرَهُ، وَيَعْتَبِرَ بِهِ. فَأَمَّا قَبْل ذَلِكَ فَمُسْتَحِيلٌ أَمْرُهُ بِتَدَبُّرِهِ وَهُوَ جَاهِلٌ عَنْ مَعْنَاهُ.
ثُمَّ قَال: وَإِذَا صَحَّ هَذَا فَقَدْ فَسَدَ قَوْل مَنْ أَنْكَرَ تَفْسِيرَ الْمُفَسِّرِينَ فِي كُتُبِ اللَّهِ، مَا لَمْ يَحْجُبِ اللَّهُ تَأْوِيلَهُ عَنْ خَلْقِهِ. (1) وَقَال الْعُلَمَاءُ: إِنَّ النَّهْيَ عَنْ تَفْسِيرِ الْقُرْآنِ، إِنَّمَا يَنْصَرِفُ إِلَى الْمُتَشَابِهِ مِنْهُ لَا إِلَى جَمِيعِهِ لأَِنَّ الْقُرْآنَ نَزَل حُجَّةً عَلَى الْخَلْقِ، فَلَوْ لَمْ يَجُزِ التَّفْسِيرُ لَمْ تَكُنِ الْحُجَّةُ بَالِغَةً. فَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ، جَازَ لِمَنْ عَرَفَ لُغَاتِ الْعَرَبِ وَأَسْبَابَ النُّزُول أَنْ يُفَسِّرَهُ، أَمَّا مَنْ لَمْ يَعْرِفْ وُجُوهَ اللُّغَةِ فَلَا يَجُوزُ أَنْ يُفَسِّرَهُ إِلَاّ بِمِقْدَارِ مَا سَمِعَ، فَيَكُونُ ذَلِكَ عَلَى وَجْهِ الْحِكَايَةِ، لَا عَلَى وَجْهِ التَّفْسِيرِ، وَلَوْ قَال: إِنَّ الْمُرَادَ مِنَ الآْيَةِ كَذَا - وَهُوَ لَا يَعْرِفُ اللُّغَةَ الْعَرَبِيَّةَ، وَلَمْ يَسْمَعْ فِيهِ شَيْئًا، فَلَا يَحِل لَهُ ذَلِكَ، وَهُوَ الَّذِي نَهَى عَنْهُ. وَقَال مُجَاهِدٌ: لَا يَحِل لأَِحَدٍ يُؤْمِنُ بِاَللَّهِ، وَالْيَوْمِ الآْخِرِ، أَنْ يَتَكَلَّمَ فِي كِتَابِ اللَّهِ إِذَا لَمْ يَكُنْ عَالِمًا بِلُغَاتِ الْعَرَبِ (2) .
شُرُوطُ الْمُفَسِّرِ لِلْقُرْآنِ، وَآدَابُهُ:
9 -
يُشْتَرَطُ فِيمَنْ يُفَسِّرُ الْقُرْآنَ أَنْ يَكُونَ عَالِمًا
(1) مقدمة تفسير الطبري ص 82 - 83.
(2)
الإتقان للسيوطي 2 / 181.
بِلُغَةِ الْعَرَبِ لأَِنَّ الْقُرْآنَ نَزَل بِهَا، فَبِالْعِلْمِ بِهَا يُعْرَفُ شَرْحُ مُفْرَدَاتِ الأَْلْفَاظِ، وَمَدْلُولَاتِهَا حَسَبَ الْوَضْعِ وَالاِسْتِعْمَال.
وَقَدْ نُقِل عَنْ مُجَاهِدٍ: (لَا يَحِل لأَِحَدٍ يُؤْمِنُ بِاَللَّهِ وَالْيَوْمِ الآْخِرِ: أَنْ يَتَكَلَّمَ فِي كِتَابِ اللَّهِ إِذَا لَمْ يَكُنْ عَالِمًا بِلُغَاتِ الْعَرَبِ) .
وَمِنْهَا أَنْ يَكُونَ عَالِمًا بِالنَّحْوِ؛ لأَِنَّ الْمَعْنَى يَتَغَيَّرُ، وَيَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الإِْعْرَابِ، وَبِالصَّرْفِ لأَِنَّ بِهِ يَعْرِفُ أَبْنِيَةَ الْكَلِمَاتِ وَاشْتِقَاقَاتِهَا، لأَِنَّ الاِسْمَ إِذَا كَانَ اشْتِقَاقُهُ مِنْ مَادَّتَيْنِ مُخْتَلِفَتَيْنِ اخْتَلَفَ مَعْنَاهُ بِاخْتِلَافِهَا.
وَيُشْتَرَطُ أَنْ يَعْرِفَ عُلُومَ الْبَلَاغَةِ: الْمَعَانِيَ، وَالْبَيَانَ، وَالْبَدِيعَ، لأَِنَّهُ بِهَذِهِ الْعُلُومِ يَعْرِفُ خَوَاصَّ تَرَاكِيبِ الْكَلَامِ مِنْ جِهَةِ إِفَادَتِهَا الْمَعْنَى، وَخَوَاصَّهَا مِنْ حَيْثُ اخْتِلَافُهَا، حَسَبَ وُضُوحِ الدَّلَالَةِ، وَخَفَائِهَا، وَتَحْسِينِ الْكَلَامِ، كَمَا يُشْتَرَطُ أَنْ يَكُونَ عَالِمًا بِأُصُول الْفِقْهِ، إِذْ بِهِ يَعْرِفُ وُجُوهَ الاِسْتِدْلَال عَلَى الأَْحْكَامِ، وَطُرُقَ الاِسْتِنْبَاطِ، وَأَنْ يَعْلَمَ أَسْبَابَ النُّزُول، إِذْ بِهِ يَعْرِفُ مَعْنَى الآْيَةِ الْمُنَزَّلَةِ فِيهِ بِحَسَبِ مَا أُنْزِلَتْ.
وَيُشْتَرَطُ أَيْضًا أَنْ يَعْرِفَ النَّاسِخَ، وَالْمَنْسُوخَ لِيَعْلَمَ الْمُحْكَمَ مِنْ غَيْرِهِ، وَالأَْحَادِيثَ الْمُبَيِّنَةَ لِتَفْسِيرِ الْمُجْمَل، وَالْمُبْهَمِ.
وَيُشْتَرَطُ فِي الْمُفَسِّرِ صِحَّةُ الاِعْتِقَادِ، وَلُزُومُ السُّنَّةِ، وَأَلَاّ يُتَّهَمَ بِإِلْحَادٍ، وَلَا هَوًى، لأَِنَّهُ لَا يُؤْتَمَنُ عَلَى الدُّنْيَا مَنْ كَانَ مَغْمُوصًا فِي دِينِهِ