الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
اشْتَرَى الثَّمَرَةَ لَهُ، فَضَمَانُهَا عَلَى الْمُشْتَرِي، وَعَلَيْهِ يُحْمَل قَوْل الرَّسُول صلى الله عليه وسلم فِي الْحَدِيثِ الَّذِي يَرْوِيهِ أَبُو سَعِيدٍ الْخُدْرِيُّ رضي الله عنه: أُصِيبَ رَجُلٌ فِي عَهْدِ رَسُول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِي ثِمَارٍ ابْتَاعَهَا فَكَثُرَ دَيْنُهُ، فَقَال رَسُول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم تَصَدَّقُوا عَلَيْهِ، فَتَصَدَّقَ النَّاسُ عَلَيْهِ فَلَمْ يَبْلُغْ ذَلِكَ وَفَاءَ دَيْنِهِ، فَقَال رَسُول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لِغُرَمَائِهِ: خُذُوا مَا وَجَدْتُمْ وَلَيْسَ لَكُمْ إِلَاّ ذَلِكَ (1) . وَالضَّمِيرُ فِي (تَصَدَّقُوا) لِلصَّحَابَةِ غَيْرِ الْبَائِعِينَ. وَمَحَل الْبَحْثِ فِي أَحْكَامِ ضَمَانِ الْجَوَائِحِ فِي مُصْطَلَحِ: (ضَمَانٌ، وَجَائِحَةٌ، وَثَمَرٌ) وَلَا يَسْتَعْجِل بِالتَّقْوِيمِ يَوْمَ الْجَائِحَةِ، بَل يَنْتَظِرُ إِلَى انْتِهَاءِ الْبُطُونِ - فِيمَا يُزْرَعُ بُطُونًا (2) لِيَتَحَقَّقَ الْمِقْدَارُ الْمُصَابُ الَّذِي يُرَادُ تَقْوِيمُهُ (3) .
التَّقْوِيمُ فِي الْقِسْمَةِ:
8 -
قَدْ تَحْتَاجُ الْقِسْمَةُ فِي بَعْضِ أَنْوَاعِهَا إِلَى تَقْوِيمِ الْمُقْسَمِ. وَلِهَذَا اشْتُرِطَ فِي الْقَاسِمِ أَنْ يَكُونَ عَارِفًا بِالتَّقْوِيمِ وَيُشْتَرَطُ فِي هَذَا النَّوْعِ مِنَ الْقِسْمَةِ مُقَوِّمَانِ.
(1) حديث: " خذوا ما وجدتم وليس لكم إلا ذلك " أخرجه مسلم (3 / 1191 ـ ط الحلبي) .
(2)
أي الخلائف وهو الزرع الذي يخلف ما حصد منه.
(3)
الشرح الصغير 3 / 242، الزرقاني 5 / 194، وروضة الطالبين 3 / 504، ونهاية المحتاج 4 / 149، وكشاف القناع 3 / 284، ومجمع الضمانات ص 220.
لأَِنَّ التَّقْوِيمَ لَا يَثْبُتُ إِلَاّ بِاثْنَيْنِ، فَاشْتُرِطَ الْعَدَدُ لِلتَّقْوِيمِ لَا لِلْقِسْمَةِ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِي الْقِسْمَةِ مَا يَحْتَاجُ إِلَى تَقْوِيمٍ كَفَى قَاسِمٌ وَاحِدٌ، بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْقَاسِمَ فِي التَّقْوِيمِ نَائِبٌ عَنِ الْحَاكِمِ فَيَكُونُ كَالْمُخْبِرِ فَيُكْتَفَى فِيهِ بِوَاحِدٍ كَالْقَائِفِ وَالْمُفْتِي وَالطَّبِيبِ. وَفِي قَوْلٍ لِلشَّافِعِيَّةِ أَنَّهُ يُشْتَرَطُ مُقَوِّمَانِ، بِنَاءً عَلَى الْمَرْجُوحِ - عِنْدَهُمْ - أَنَّ الْمُقَوِّمَ شَاهِدٌ لَا حَاكِمٌ. وَهَذَا الْخِلَافُ فِيمَنْ يَنْصِبُهُ الإِْمَامُ، أَمَّا فِيمَنْ يَنْصِبُهُ الشُّرَكَاءُ فَيَكْفِي فِيهِ قَاسِمٌ وَاحِدٌ قَطْعًا. وَلِلإِْمَامِ جَعْل الْقَاسِمِ حَاكِمًا فِي التَّقْوِيمِ، وَحِينَئِذٍ فَيُعْمَل فِيهِ بِعَدْلَيْنِ ذَكَرَيْنِ يَشْهَدَانِ عِنْدَهُ بِالْقِيمَةِ لَا بِأَقَل مِنْهَا (1) . وَتَتِمَّةُ هَذَا الْمَوْضُوعِ فِي مُصْطَلَحِ (قِسْمَةٌ) .
تَقْوِيمُ نِصَابِ السَّرِقَةِ:
9 -
مِنْ شَرْطِ إِقَامَةِ حَدِّ السَّرِقَةِ أَنْ يَبْلُغَ الْمَسْرُوقُ نِصَابًا. وَاخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي تَقْوِيمِ نِصَابِ السَّرِقَةِ: فَذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ إِلَى تَقْوِيمِ نِصَابِ السَّرِقَةِ بِالدَّرَاهِمِ. بِأَنْ تَبْلُغَ قِيمَةُ الْمَسْرُوقِ عَشَرَةَ دَرَاهِمَ، إِنْ كَانَ الْمَسْرُوقُ مِنْ غَيْرِ الْفِضَّةِ وَلَوْ كَانَ
(1) روضة الطالبين 11 / 201ـ والشرح الصغير 3 / 665، والمغني 9 / 126.
ذَهَبًا، وَأَنْ يَكُونَ عَشَرَةَ دَرَاهِمَ وَزْنًا وَقِيمَةً إِذَا كَانَ الْمَسْرُوقُ مِنَ الْفِضَّةِ (1) .
وَهُوَ أَحَدُ الرِّوَايَاتِ الثَّلَاثِ عِنْدَ الْحَنَابِلَةِ (2) . لِحَدِيثِ أُمِّ أَيْمَنَ رضي الله عنها قَالَتْ: قَال رَسُول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: لَا تُقْطَعُ يَدُ السَّارِقِ إِلَاّ فِي حَجَفَةٍ وَقُوِّمَتْ يَوْمَئِذٍ عَلَى عَهْدِ رَسُول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بِدِينَارٍ أَوْ عَشَرَةِ دَرَاهِمَ (3) .
وَقَدِ اخْتَلَفَتْ رِوَايَاتُ الْحَدِيثِ فَرُوِيَ مَوْقُوفًا وَمُرْسَلاً، وَرُوِيَ مَوْصُولاً مَرْفُوعًا مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما إِنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَطَعَ يَدَ رَجُلٍ فِي مِجَنٍّ قِيمَتُهُ دِينَارٌ أَوْ عَشَرَةُ دَرَاهِمَ (4) وَعَلَى الْقَوْل بِأَنَّهُ مَوْقُوفٌ إِلَاّ أَنَّهُ مَرْفُوعٌ حُكْمًا لأَِنَّ الْمُقَدَّرَاتِ الشَّرْعِيَّةَ لَا دَخْل لِلْعَقْل فِيهَا.
(1) فتح القدير 5 / 123ـ 124، وحاشية ابن عابدين 3 / 193.
(2)
كشاف القناع 6 / 132، والإنصاف 10 / 262، 263.
(3)
حديث: " لا تقع يد السارق إلا في حجفة " أخرجه الطحاوي في شرح المعاني (3 / 163ـ نشر مطبعة الأنوار المحمدية)، وأعله الزيلعي بالانقطاع وقال:" ولكنه يتقوى بغيره من الأحاديث المرفوعة والموقوفة " ثم ذكرها. نصب الراية (3 / 358 ـ ط المجلس العلمي بالهند) .
(4)
حديث ابن عباس: " إن النبي صلى الله عليه وسلم قطع يد الرجل في مجن قيمته دينار أو عشرة دراهم " أخرجه أبو داود (4 / 548ـ تحقيق عزت عبيد دعاس) وحكم عليه ابن حجر بالاضطراب. (فتح الباري 12 / 103 ط السلفية) .
وَفِي حَدِيثٍ: لَا يُقْطَعُ السَّارِقُ إِلَاّ فِي عَشَرَةِ دَرَاهِمَ (1)
وَقَدِ اخْتُلِفَ فِي تَقْوِيمِ ثَمَنِ الْمِجَنِّ فَرُوِيَ أَنَّهُ ثَلَاثَةُ دَرَاهِمَ، وَرُوِيَ أَنَّهُ عَشَرَةُ دَرَاهِمَ. فَوَجَبَ الأَْخْذُ بِالأَْكْثَرِ دَرْءًا لِلْحَدِّ.
وَذَهَبَ الْمَالِكِيَّةُ إِلَى أَنَّ الْمَسْرُوقَ يُقَوَّمُ بِالدَّرَاهِمِ وَبِالدَّنَانِيرِ. وَالنِّصَابُ رُبُعُ دِينَارٍ شَرْعِيٍّ مِنَ الذَّهَبِ، أَوْ ثَلَاثَةُ دَرَاهِمَ شَرْعِيَّةٌ مِنَ الْفِضَّةِ أَوْ مَا يُسَاوِيهِمَا.
وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنِ الْحَنَابِلَةِ بِمَعْنَى أَنَّ كُلًّا مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ أَصْلٌ بِنَفْسِهِ، وَعَلَى هَذِهِ الرِّوَايَةِ تُقَوَّمُ غَيْرُ الأَْثْمَانِ بِأَدْنَى الأَْمْرَيْنِ مِنْ رُبُعِ دِينَارٍ أَوْ ثَلَاثَةِ دَرَاهِمَ (2) .
وَذَهَبَ الشَّافِعِيَّةُ إِلَى تَقْوِيمِ نِصَابِ السَّرِقَةِ بِالدَّنَانِيرِ، بِأَنْ يَبْلُغَ الْمَسْرُوقُ قِيمَةَ رُبُعِ دِينَارٍ مِنَ الذَّهَبِ وَالاِعْتِبَارُ بِالذَّهَبِ الْمَضْرُوبِ. لِحَدِيثِ عَائِشَةَ رضي الله عنها عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَال: لَا تُقْطَعُ يَدُ السَّارِقِ إِلَاّ فِي رُبُعِ دِينَارٍ فَصَاعِدًا (3)
(1) حديث: " لا يقطع السارق إلا في عشرة دراهم ". أخرجه الدارقطني (3 / 193 ـ ط دار المحاسن) من حديث عبد الله بن عمرو وأعل بالانقطاع كما في نصب الراية (3 / 359 ـ ط المجلس العلمي بالهند) .
(2)
حاشية الدسوقي 4 / 334، والشرح الصغير 4 / 472.
(3)
حديث: " لا تقطع يد السارق إلا في ربع دينار فصاعدا " أخرجه البخاري (الفتح 12 / 96ـ ط السلفية) ومسلم (3 / 1312ـ ط الحلبي) من حديث عائشة واللفظ لمسلم.