الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بَيْنَ الأَْدِلَّةِ وَلَيْسَ لَهُ التَّخَيُّرُ مِنْهَا اتِّفَاقًا. وَاَلَّذِينَ أَجَازُوا التَّخَيُّرَ - وَهُمْ قِلَّةٌ - إِنَّمَا أَجَازُوهُ عِنْدَ عَدَمِ إِمْكَانِ التَّرْجِيحِ (1) . وَيُنْظَرُ الْخِلَافُ فِي ذَلِكَ وَالتَّفْصِيل فِيهِ فِي مَوْضِعِهِ مِنَ الْمُلْحَقِ الأُْصُولِيِّ، إِذْ فِي الْمَسْأَلَةِ خِلَافٌ.
تَقْلِيدُ الْمَذَاهِبِ:
17 -
قَال الشَّوْكَانِيُّ: اخْتَلَفَ الْمُجَوِّزُونَ لِلتَّقْلِيدِ هَل يَجِبُ عَلَى الْعَامِّيِّ الْتِزَامُ مَذْهَبٍ مُعَيَّنٍ، فَقَال جَمَاعَةٌ: يَلْزَمُهُ، وَاخْتَارَهُ إِلْكِيَا الْهِرَّاسِيُّ. وَقَال آخَرُونَ: لَا يَلْزَمُهُ، وَرَجَّحَهُ ابْنُ بُرْهَانٍ وَالنَّوَوِيُّ، وَهُوَ مَذْهَبُ الْحَنَابِلَةِ. وَاسْتَدَلُّوا بِأَنَّ الصَّحَابَةَ رضي الله عنهم لَمْ يُنْكِرُوا عَلَى الْعَامَّةِ تَقْلِيدَ بَعْضِهِمْ فِي بَعْضِ الْمَسَائِل وَبَعْضِهِمْ فِي الْبَعْضِ الآْخَرِ. وَقَدْ كَانَ السَّلَفُ يُقَلِّدُونَ مَنْ شَاءُوا قَبْل ظُهُورِ الْمَذَاهِبِ (2) . وَفِي الْمَسْأَلَةِ خِلَافٌ وَتَفْصِيلٌ يُرْجَعُ إِلَيْهِ فِي الْمُلْحَقِ الأُْصُولِيِّ. وَاَلَّذِينَ قَالُوا بِأَنَّهُ يَجِبُ عَلَى الْعَامِّيِّ الْتِزَامُ مَذْهَبٍ مُعَيَّنٍ فَإِنَّهُ يَأْخُذُ بِعَزَائِمِهِ وَرُخَصِهِ، إِلَاّ أَنْ يَتَبَيَّنَ لَهُ أَنَّ غَيْرَهُ أَوْلَى بِالاِلْتِزَامِ مِنْهُ. قَال ابْنُ تَيْمِيَّةَ: وَإِذَا تَبَيَّنَ لَهُ حُكْمُ اللَّهِ وَرَسُولِهِ فِي أَمْرٍ
(1) المستصفى 2 / 391، 392، وروضة الناظر 2 / 454، وإرشاد الفحول ص 271، والبرهان للجويني 2 / 1342 ـ 1344، نهاية المحتاج 1 / 41، ومطالب أولي النهى 6 / 441، وتبصرة الحكام 1 / 51.
(2)
إرشاد الفحول ص 272.
فَلَا يَعْدِل عَنْهُ، وَلَا يَتْبَعُ أَحَدًا فِي مُخَالَفَةِ حُكْمِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ، وَيَجُوزُ لَهُ أَيْضًا الْخُرُوجُ عَنْهُ بِتَقْلِيدٍ سَائِغٍ، أَيْ بِتَقْلِيدِ عَالِمٍ مِنْ أَهْل الاِجْتِهَادِ أَفْتَاهُ (1) .
أَثَرُ الْعَمَل بِالتَّقْلِيدِ الصَّحِيحِ:
18 -
مَنْ عَمِل بِتَقْلِيدٍ صَحِيحٍ فَلَا إِنْكَارَ عَلَيْهِ، لأَِنَّهُ لَا إِنْكَارَ فِي الْمَسَائِل الاِجْتِهَادِيَّةِ. وَدَعْوَى الْحِسْبَةِ أَيْضًا لَا تَدْخُل فِيهَا، وَلِذَلِكَ فَلَا يَمْنَعُهُ الْحَاكِمُ مَا فَعَل. وَهَذَا وَاضِحٌ فِيمَا ضَرَرُهُ قَاصِرٌ عَلَى الْمُقَلِّدِ نَفْسِهِ، كَمَنْ مَسَّ فَرْجَهُ ثُمَّ صَلَّى دُونَ أَنْ يَتَوَضَّأَ. لَكِنْ لَوْ كَانَ فِي فِعْلِهِ ضَرَرٌ يَتَعَدَّى إِلَى غَيْرِهِ، فَقَدْ قِيل: إِنَّ الْحَاكِمَ أَوِ الْمُحْتَسِبَ إِنْ كَانَ يَرَى حُرْمَةَ ذَلِكَ يَجِبُ عَلَيْهِ الاِعْتِرَاضُ عَلَيْهِ (2) .
وَلَيْسَ مَعْنَى عَدَمِ الإِْنْكَارِ عَلَى مَنْ عَمِل بِتَقْلِيدٍ صَحِيحٍ تَرْكَ الْبَيَانِ لَهُ مِنْ عَالِمٍ يَرَى مَرْجُوحِيَّةَ فِعْلِهِ، وَكَانَ الْبَيَانُ دَأْبَ أَهْل الْعِلْمِ وَلَا يَزَال، فَضْلاً عَنِ الأَْخْذِ وَالرَّدِّ بَيْنَهُمْ فِيمَا يَخْتَلِفُونَ فِيهِ. وَقَدْ يُخَطِّئُ بَعْضُهُمْ بَعْضًا، وَخَاصَّةً مَنْ خَالَفَ نَصًّا صَحِيحًا سَالِمًا مِنَ الْمُعَارَضَةِ. وَهَذَا وَاضِحٌ عَلَى قَوْل أَكْثَرِ الأُْصُولِيِّينَ، وَهُمُ الْقَائِلُونَ بِجَوَازِ تَخْطِئَةِ الْمُجْتَهِدِ فِي الْمَسَائِل الاِجْتِهَادِيَّةِ. إِلَاّ أَنَّ هَذَا الْبَيَانَ يَكُونُ
(1) كشاف القناع 6 / 307.
(2)
نهاية المحتاج 1 / 219 القاهرة.