الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَفَرَّقَ الْحَنَابِلَةُ بَيْنَهُمَا، فَجَعَلُوا لَفْظَ الأَْمْرِ مِنْ بَابِ الْكِنَايَةِ الظَّاهِرَةِ، وَلَفْظَ الْخِيَارِ مِنْ بَابِ الْكِنَايَةِ الْخَفِيَّةِ. وَتَفْتَقِرُ أَلْفَاظُ التَّفْوِيضِ الْكِنَائِيَّةُ إِلَى النِّيَّةِ بِخِلَافِ الصَّرِيحِ مِنْهَا (1) .
زَمَنُ تَفْوِيضِ الزَّوْجَةِ:
12 -
صِيغَةُ التَّفْوِيضِ إِمَّا أَنْ تَكُونَ مُطْلَقَةً، أَوْ تَكُونَ مُقَيَّدَةً بِزَمَنٍ مُعَيَّنٍ، أَوْ تَكُونَ بِصِيغَةٍ تَعُمُّ جَمِيعَ الأَْوْقَاتِ.
(أ) فَإِنْ كَانَتْ صِيغَةُ التَّفْوِيضِ مُطْلَقَةً.
فَقَدْ ذَهَبَ جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ إِلَى أَنَّ حَقَّ الطَّلَاقِ لِلْمَرْأَةِ مُقَيَّدٌ بِمَجْلِسِ عِلْمِهَا وَإِنْ طَال، مَا لَمْ تُبَدِّل مَجْلِسَهَا حَقِيقَةً كَقِيَامِهَا عَنْهُ، أَوْ حُكْمًا بِأَنْ تَعْمَل مَا يَقْطَعُهُ مِمَّا يَدُل عَلَى الإِْعْرَاضِ عَنْهُ، وَكَانَ الإِْمَامُ مَالِكٌ يَقُول بِأَنَّ التَّخْيِيرَ وَالتَّمْلِيكَ الْمُطْلَقَيْنِ بَاقِيَانِ بِيَدِهَا مَا لَمْ تُوقَفْ عِنْدَ الْحَاكِمِ، أَوْ تُمَكِّنْ زَوْجَهَا مِنَ الاِسْتِمْتَاعِ مِنْهَا عَالِمَةً طَائِعَةً، ثُمَّ رَجَعَ إِلَى مَا ذَهَبَ إِلَيْهِ الْجُمْهُورُ، وَهُوَ مَا أَخَذَ بِهِ ابْنُ الْقَاسِمِ، وَرَجَّحَهُ الدَّرْدِيرُ وَالدُّسُوقِيُّ.
وَقَال الشَّافِعِيَّةُ: لَوْ أَخَّرَتْ بِقَدْرِ مَا يَنْقَطِعُ بِهِ الْقَبُول عَنِ الإِْيجَابِ ثُمَّ طُلِّقَتْ لَمْ يَقَعْ.
وَأَمَّا الْحَنَابِلَةُ فَقَدْ جَعَلُوا لِكُل صِيغَةٍ مِنْ صِيَغِ التَّفْوِيضِ حُكْمًا خَاصًّا بِهَا.
(1) ابن عابدين 2 / 275، 481، 486، وحاشية الدسوقي2 / 406، ومغني المحتاج 3 / 285، 286، وكشاف القناع 5 / 256.
فَلَوْ قَال لَهَا " أَمْرُكِ بِيَدِكِ " فَلَا يَتَقَيَّدُ ذَلِكَ بِالْمَجْلِسِ، وَلَهَا حَقُّ تَطْلِيقِ نَفْسِهَا عَلَى التَّرَاخِي وَذَلِكَ لأَِنَّهُ تَوْكِيلٌ يَعُمُّ الزَّمَانَ مَا لَمْ يُقَيِّدْهُ بِقَيْدٍ، وَكَذَلِكَ الْحُكْمُ لَوْ قَال لَهَا " طَلِّقِي نَفْسَكِ " فَهُوَ عَلَى التَّرَاخِي، لأَِنَّهُ فَوَّضَهُ إِلَيْهَا فَأَشْبَهَ " أَمْرُكِ بِيَدِكِ ".
وَلَوْ قَال لَهَا: اخْتَارِي نَفْسَكِ " فَهُوَ مُقَيَّدٌ بِالْمَجْلِسِ، وَبِعَدَمِ الاِشْتِغَال بِمَا يَقْطَعُهُ عُرْفًا، وَهَذَا مَرْوِيٌّ عَنْ عُمَرَ وَعُثْمَانَ وَابْنِ مَسْعُودٍ وَجَابِرٍ، وَلأَِنَّهُ خِيَارُ تَمْلِيكٍ، فَكَانَ عَلَى الْفَوْرِ كَخِيَارِ الْقَبُول. إِلَاّ أَنْ يَجْعَل لَهَا أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ بِأَنْ يَقُول لَهَا " اخْتَارِي نَفْسَكِ يَوْمًا أَوْ أُسْبُوعًا أَوْ شَهْرًا " وَنَحْوَهُ فَتَمْلِكُهُ.
(ب) وَإِنْ كَانَتْ صِيغَةُ التَّفْوِيضِ تَعُمُّ جَمِيعَ الأَْوْقَاتِ فَيَكُونُ لَهَا حَقُّ تَطْلِيقِ نَفْسِهَا مَتَى شَاءَتْ وَلَا يَتَقَيَّدُ بِالْمَجْلِسِ.
وَقَيَّدَهُ الْمَالِكِيَّةُ بِعَدَمِ وَقْفِهَا عِنْدَ الْحَاكِمِ لِتُطَلِّقَ أَوْ تُسْقِطَ التَّمْلِيكَ، أَوْ يَكُونَ مِنْهَا مَا يَدُل عَلَى إِسْقَاطِهِ، كَأَنْ تُمَكِّنَهُ مِنَ الاِسْتِمْتَاعِ بِهَا، وَذَلِكَ لأَِنَّهُمْ يَقُولُونَ بِوُجُوبِ التَّفْرِيقِ بَيْنَ الزَّوْجَيْنِ فِي حَالَةِ التَّفْوِيضِ حَتَّى تُجِيبَ بِمَا يَقْتَضِي رَدًّا أَوْ أَخْذًا، وَإِلَاّ لأََدَّى إِلَى الاِسْتِمْتَاعِ فِي عِصْمَةٍ مَشْكُوكٍ فِي بَقَائِهَا. وَهَذَا فِي تَفْوِيضِ التَّمْلِيكِ وَالتَّخْيِيرِ دُونَ التَّوْكِيل لِقُدْرَةِ الزَّوْجِ عَلَى عَزْلِهَا.
(ج) وَإِنْ كَانَتْ صِيغَةُ التَّفْوِيضِ مُقَيَّدَةً بِزَمَنٍ مُعَيَّنٍ، فَإِنَّهُ يَسْتَمِرُّ حَقُّ تَطْلِيقِ نَفْسِهَا إِلَى