الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
[الشرح]
الْمُكَلَّفِ زَالَ، وَذَلِكَ غَيْرُ مُمْتَنِعٍ. كَزَوَالِ التَّكْلِيفِ بِالْمَوْتِ، لَا أَنَّ الْفِعْلَ يَرْتَفِعُ.
ش - الشُّبْهَةُ الْخَامِسَةُ - أَنْ يُقَالَ: لَا يَخْلُو إِمَّا أَنْ يَكُونَ الْبَارِي سبحانه وتعالى عَلِمَ اسْتِمْرَارَ الْحُكْمِ الْمَنْسُوخِ أَبَدًا، فَحِينَئِذٍ لَا نَسْخَ لَهُ، وَإِلَّا يَلْزَمُ وُقُوعُ خِلَافِ مَا فِي عِلْمِ اللَّهِ تَعَالَى، وَهُوَ مُحَالٌ.
أَوْ عَلِمَ اسْتِمْرَارَهُ إِلَى وَقْتٍ مُعَيَّنٍ، فَحِينَئِذٍ لَيْسَ بِنَسْخٍ؛ لِانْتِهَاءِ الْحُكْمِ بِنَفْسِهِ.
أَجَابَ بِأَنَّا نَخْتَارُ الشِّقَّ الثَّانِيَ، وَهُوَ أَنْ يَعْلَمَ اللَّهُ تَعَالَى اسْتِمْرَارَهُ إِلَى وَقْتٍ مُعَيَّنٍ، وَهُوَ الْوَقْتُ الَّذِي عَلِمَ اللَّهُ أَنَّهُ يَنْسَخُ ذَلِكَ الْحُكْمَ فِيهِ.
وَعِلْمُ اللَّهِ بِارْتِفَاعِ الْحُكْمِ بِالنَّسْخِ لَا يَمْنَحُ النَّسْخَ، لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ يَكُونُ انْتِهَاؤُهُ بِالنَّسْخِ لَا بِنَفْسِهِ.
ش - هَذِهِ حُجَّةٌ عَلَى أَبِي مُسْلِمٍ الْأَصْفَهَانِيِّ، وَتَقْرِيرُهَا أَنْ يُقَالَ: النَّسْخُ وَاقِعٌ لِإِجْمَاعِ الصَّحَابَةِ عَلَى أَنَّ شَرِيعَتَنَا نَاسِخَةٌ لِكُلِّ شَرِيعَةٍ تُخَالِفُ شَرِيعَتَنَا.
وَعَلَى أَنَّ وُجُوبَ التَّوَجُّهِ إِلَى بَيْتِ الْمَقْدِسِ مَنْسُوخٌ بِوُجُوبِ التَّوَجُّهِ إِلَى الْكَعْبَةِ.
وَعَلَى أَنَّ وَصِيَّةَ الْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ مَنْسُوخَةٌ بِآيَةِ الْمَوَارِيثِ، وَذَلِكَ كَثِيرٌ.
كَنَسْخِ تَقْدِيمِ الصَّدَقَةِ بَيْنَ يَدَيِ الرَّسُولِ عَلَى مُنَاجَاتِهِ.
وَكَنَسْخِ صَوْمِ عَاشُورَاءَ.
[مَسْأَلَةٌ: الْمُخْتَارُ جَوَازُ النَّسْخِ قَبْلَ وَقْتِ الْفِعْلِ]
ش - اخْتَلَفُوا فِي جَوَازِ النَّسْخِ قَبْلَ وَقْتِ الْفِعْلِ.
وَالْمُخْتَارُ: جَوَازُهُ، خِلَافًا لِلصَّيْرَفِيِّ وَالْمُعْتَزِلَةِ.
مِثْلَ أَنْ يَقُولَ: حُجُّوا هَذِهِ السَّنَةَ، ثُمَّ يَقُولَ - قَبْلَ الْحَجِّ -: لَا تَحُجُّوا.
وَاحْتَجَّ عَلَى الْمُخْتَارِ بِوَجْهَيْنِ:
الْأَوَّلُ - أَنَّهُ ثَبَتَ فِي مَبَادِئِ الْأَحْكَامِ أَنَّ التَّكْلِيفَ يَتَوَجَّهُ قَبْلَ (وَقْتِ) مُبَاشَرَةِ الْفِعْلِ، فَوَجَبَ جَوَازُ رَفْعِ التَّكْلِيفِ الثَّابِتِ قَبْلَ الْفِعْلِ بِالنَّاسِخِ، كَمَا جَازَ رَفْعُهُ بِالْمَوْتِ.
وَالثَّانِي - أَنَّ كُلَّ نَسْخٍ كَذَلِكَ، أَيْ قَبْلَ وَقْتِ الْفِعْلِ ; لِأَنَّ النَّسْخَ رَفَعُ التَّكْلِيفَ، وَرَفْعُ التَّكْلِيفِ بَعْدَ وَقْتِ الْفِعْلِ وَمَعَهُ مُمْتَنِعٌ ; أَمَّا الْأَوَّلُ فَلِأَنَّهُ إِنْ أَتَى الْمُكَلَّفُ بِالْفِعْلِ انْقَطَعَ التَّكْلِيفُ عَنْهُ
وَنُسِخَ التَّوَجُّهُ ; وَالْوَصِيَّةُ لِلْأَقْرَبِينَ بِالْمَوَارِيثِ.
وَذَلِكَ كَثِيرٌ.
ص - (مَسْأَلَةٌ) الْمُخْتَارُ: جَوَازُ النَّسْخِ قَبْلَ وَقْتِ الْفِعْلِ:
ــ
[الشرح]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
مِثْلَ: حُجُّوا هَذِهِ السَّنَةَ، ثُمَّ يَقُولُ قَبْلَهُ: لَا تَحُجُّوا.
وَمَنَعَ الْمُعْتَزِلَةُ وَالصَّيْرَفِيُّ.
لَنَا: ثَبَتَ التَّكْلِيفُ، قَبْلَ وَقْتِ الْفِعْلِ، فَوَجَبَ جَوَازُ رَفْعِهِ كَالْمَوْتِ.
وَأَيْضًا: فَكُلُّ نَسْخٍ كَذَلِكَ ; لِأَنَّ الْفِعْلَ بَعْدَ الْوَقْتِ وَمَعَهُ يَمْتَنِعُ نَسْخُهُ.
ص - وَاسْتَدَلَّ بِأَنَّ إِبْرَاهِيمَ عليه السلام أُمِرَ بِالذَّبْحِ بِدَلِيلِ: {افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ} [الصافات: 102] وَبِالْإِقْدَامِ، وَبِتَرْوِيعِ الْوَلَدِ، وَنُسِخَ قَبْلَ التَّمَكُّنِ.
وَاعْتَرَضَ بِجَوَازِ أَنْ يَكُونَ مُوَسَّعًا.
وَأُجِيبُ بِأَنَّ ذَلِكَ لَا يَمْنَعُ رَفْعَ تَعَلَّقِ الْوُجُوبِ بِالْمُسْتَقْبَلِ ; لِأَنَّ الْأَمْرَ بَاقٍ عَلَيْهِ، وَهُوَ الْمَانِعُ عِنْدَهُمْ.
وَبِأَنَّهُ لَوْ كَانَ مُوَسَّعًا لَقَضَتِ الْعَادَةُ بِتَأْخِيرِهِ، رَجَاءَ نَسْخِهِ أَوْ مَوْتِهِ لِعِظَمِهِ.
وَأَمَّا دَفْعُهُمْ بِمِثْلِ: لَمْ يُؤْمَرْ، وَإِنَّمَا تَوَهَّمَ، أَوْ أُمِرَ بِمُقَدِّمَاتِ الذَّبْحِ - فَلَيْسَ بِشَيْءٍ.
أَوْ ذَبَحَ وَكَانَ يَلْتَحِمُ عُقَيْبَةً، أَوْ جَعَلَ صَفِيحَةَ نُحَاسٍ، أَوْ حَدِيدٍ - فَلَا يُسْمَعُ، وَيَكُونُ نَسْخًا قَبْلَ التَّمَكُّنِ.
ص - قَالُوا: إِنْ كَانَ مَأْمُورًا بِهِ ذَلِكَ الْوَقْتَ تَوَارَدَ النَّفْيُ وَالْإِثْبَاتُ.
وَإِنْ لَمْ يَكُنْ، فَلَا نَسْخَ.
وَأُجِيبُ: لَمْ يَكُنْ، بَلْ قَبْلَهُ، وَانْقَطَعَ التَّكْلِيفُ عِنْدَهُ،
ــ
[الشرح]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
[الشرح]
بِنَفْسِهِ. فَلَا نَسْخَ.
وَإِنْ لَمْ يَأْتِ بِهِ عَصَى بِتَرْكِهِ، فَلَا نَسْخَ أَيْضًا.
وَأَمَّا الثَّانِي - فَلِامْتِنَاعِ النَّفْيِ وَالْإِثْبَاتِ عَلَى شَيْءٍ وَاحِدٍ فِي حَالَةٍ وَاحِدَةٍ.
ش - وَاسْتَدَلَّ عَلَى جَوَازِ النَّسْخِ قَبْلَ الْوَقْتِ بِقِصَّةِ إِبْرَاهِيمَ.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
[الشرح]
فَإِنَّهُ عليه السلام أُمِرَ بِذَبْحِ وَلَدِهِ إِسْمَاعِيلَ وَنُسِخَ عَنْهُ قَبْلَ التَّمَكُّنِ مِنَ الذَّبْحِ، أَيْ قَبْلَ وَقْتِ الْفِعْلِ.
أَمَّا الْأَوَّلُ فَبِدَلِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى - حِكَايَةً عَنْ إِسْمَاعِيلَ - {افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ} [الصافات: 102] وَهُوَ الذَّبْحُ، لِأَنَّهُ قَالَ إِبْرَاهِيمُ:{إِنِّي أَرَى فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ} [الصافات: 102] .
وَبِدَلِيلِ إِقْدَامِ إِبْرَاهِيمَ عَلَى الذَّبْحِ.
وَبِدَلِيلِ تَرْوِيعِهِ إِسْمَاعِيلَ، أَيْ تَخْوِيفِهِ.
فَلَوْ لَمْ يَكُنِ الذَّبْحُ مَأْمُورًا بِهِ لَمْ يُقْدِمْ عَلَيْهِ، وَلَمْ يُخَوِّفْ وَلَدَهُ.
وَأَمَّا أَنَّهُ نُسِخَ فَلِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَفَدَيْنَاهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ} [الصافات: 107] وَأَمَّا أَنَّهُ نُسِخَ قَبْلَ التَّمَكُّنِ، أَيْ قَبْلَ وَقْتِهِ، فَلِأَنَّهُ لَوْ تَمَكَّنَ مِنَ الذَّبْحِ لَكَانَ عَاصِيًا بِتَأْخِيرِهِ.
وَاعْتُرِضَ عَلَى هَذَا بِأَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ وُجُوبُ الذَّبْحِ مُوَسَّعًا، وَنُسِخَ بَعْدَ مُضِيِّ وَقْتٍ يَسَعُ الذَّبْحَ فِيهِ، فَحِينَئِذٍ لَا يَكُونُ النَّسْخُ قَبْلَ وَقْتِ الْفِعْلِ.
أَجَابَ عَنْهُ بِوَجْهَيْنِ:
الْأَوَّلُ - أَنَّ ذَلِكَ، أَيِ الْوَقْتَ الْمُوَسَّعَ لَا يَمْنَعُ رَفْعَ تَعَلُّقِ
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
[الشرح]
الْوُجُوبِ بِالْمُسْتَقْبَلِ، أَيْ لَا يَمْنَعُ رَفْعَ تَعَلُّقِ الْوُجُوبِ قَبْلَ وَقْتِ الْفِعْلِ ; لِأَنَّ وُجُوبَ الْفِعْلِ بَاقٍ عَلَى الْمُكَلَّفِ إِذَا لَمْ يَأْتِ بِالْفِعْلِ فِي أَوَّلِ الْوَقْتِ الْمُوَسَّعِ، وَبَقَاءُ الْوُجُوبِ عَلَى الْمُكَلَّفِ هُوَ الْمَانِعُ عِنْدَ الْخُصُومِ عَنِ النَّسْخِ.
فَيَمْتَنِعُ النَّسْخُ فِي بَاقِي الْوَقْتِ الْمُوَسَّعِ.
وَيَمْتَنِعُ أَيْضًا بَعْدَ انْقِضَاءِ الْوَقْتِ الْمُوَسَّعِ؛ لِانْقِطَاعِ التَّكْلِيفِ بِنَفْسِهِ.
وَيَمْتَنِعُ أَيْضًا فِي أَوَّلِ الْوَقْتِ الْمُوَسَّعِ لِتَحَقُّقِ الْوُجُوبِ فِيهِ.
فَتَعَيَّنَ أَنْ يَكُونَ النَّسْخُ قَبْلَ الْوَقْتِ الْمُوَسَّعِ.
الثَّانِي - أَنَّهُ لَوْ كَانَ وُجُوبُ الذَّبْحِ مُوَسَّعًا لَأَخَّرَهُ؛ لِأَنَّ الْعَادَةَ تَقْضِي بِتَأْخِيرِ مِثْلِ هَذَا الْفِعْلِ رَجَاءً لِنَسْخِهِ أَوْ مَوْتِ أَحَدِهِمَا، لِعِظَمِ مِثْلِ هَذَا الْأَمْرِ.
وَقَدْ دَفَعَ جَمَاعَةٌ مِنَ الْأُصُولِيِّينَ هَذَا الِاسْتِدْلَالَ بِأَنَّ إِبْرَاهِيمَ لَمْ يُؤْمَرْ بِالذَّبْحِ، وَإِنَّمَا تَوَهَّمَ الْأَمْرَ بِهِ.
أَوْ أُمِرَ بِمُقَدِّمَاتِ الذَّبْحِ لَا بِنَفْسِهِ.
أَجَابَ الْمُصَنِّفُ بِأَنَّ هَذَا الدَّفْعَ لَيْسَ بِشَيْءٍ ; لِأَنَّهُ لَوْ لَمْ يُؤْمَرْ بِالذَّبْحِ لَمَا احْتَاجَ إِلَى الْفِدَاءِ.