الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
[الشرح]
وَأَيْضًا: لَوْ ثَبَتَ حُكْمُ النَّاسِخِ قَبْلَ تَبْلِيغِ الرَّسُولِ إِلَى الْمُكَلَّفِينَ يَلْزَمُ أَنْ يَكُونَ ثَابِتًا قَبْلَ تَبْلِيغِ جِبْرِيلَ إِلَى الرَّسُولِ عليه السلام إِذْ لَا فَرْقَ بَيْنَ الصُّورَتَيْنِ.
وَالتَّالِي بَاطِلٌ بِالِاتِّفَاقِ.
ش - الْقَائِلُونَ بِأَنَّ النَّاسِخَ يَثْبُتُ حُكْمُهُ قَبْلَ تَبْلِيغِ الرَّسُولِ عليه السلام إِلَى الْمُكَلَّفِينَ قَالُوا: حُكْمُ النَّاسِخِ حُكْمٌ مُتَجَدِّدٌ، وَلَا يَتَوَقَّفُ ثُبُوتُهُ عَلَى عِلْمِ الْمُكَلَّفِ كَسَائِرِ الْأَحْكَامِ الْمُتَجَدِّدَةِ، أَجَابَ بِأَنَّهُ أُرِيدَ بِثُبُوتِ الْحُكْمِ تَعَلُّقُهُ بِالْمُكَلَّفِ فِي الْخَارِجِ، فَيَتَوَقَّفُ عَلَى عِلْمِ الْمُكَلَّفِ ; إِذْ لَا بُدَّ مِنَ اعْتِبَارِ التَّمَكُّنِ مِنَ الِامْتِثَالِ، وَهُوَ مُنْتَفٍ عِنْدَ جَهْلِ الْمُكَلَّفِ بِثُبُوتِ الْحُكْمِ.
[مَسْأَلَة: الْعِبَادَاتُ الْمُسْتَقِلَّةُ لَيْسَتْ نَسْخًا]
ش - اتَّفَقَ الْجُمْهُورُ عَلَى أَنَّ زِيَادَةَ الْعِبَادَاتِ الْمُسْتَقِلَّةَ لَيْسَتْ نَسْخًا.
وَنُقِلَ عَنْ بَعْضِ الْأُصُولِيِّينَ أَنَّ زِيَادَةَ صَلَاةٍ عَلَى الصَّلَوَاتِ الْخَمْسِ (نَسْخٌ) ; لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلَاةِ الْوُسْطَى} [البقرة: 238] لِأَنَّهَا تَجْعَلُ مَا كَانَ أَوْسَطَ، غَيْرَ أَوْسَطَ.
وَهُوَ بَاطِلٌ، لِأَنَّ كَوْنَهَا وُسْطَى أَمْرٌ حَقِيقِيٌّ لَا شَرْعِيٌّ، فَيَكُونُ رَفْعُهُ لَيْسَ بِنَسْخٍ.
وَأَمَّا زِيَادَةُ جُزْءٍ مُشْتَرَطٍ كَزِيَادَةِ رَكْعَةٍ فِي الصَّلَاةِ،
وَالْحَنَفِيَّةُ: نَسْخٌ.
وَقِيلَ: الثَّالِثُ نَسْخٌ.
عَبْدُ الْجَبَّارِ: إِنْ غَيَّرَتْهُ حَتَّى صَارَ وَجُودُهُ كَالْعَدَمِ شَرْعًا، كَزِيَادَةِ رَكْعَةٍ فِي الْفَجْرِ، وَكَعِشْرِينَ فِي الْقَذْفِ، وَكَتَخْيِيرٍ فِي ثَالِثٍ بَعْدِ اثْنَيْنِ - فَنَسْخٌ.
وَقَالَ الْغَزَّالِيُّ رحمه الله: إِنِ اتَّحَدَتْ كَرَكْعَةٍ فِي الْفَجْرِ - فَنَسْخٌ بِخِلَافِ عِشْرِينَ فِي الْقَذْفِ.
وَالْمُخْتَارُ ; إِنْ رَفَعَتْ حُكْمًا شَرْعِيًّا بَعْدَ ثُبُوتِهِ بِدَلِيلٍ شَرْعِيٍّ - فَنَسْخٌ ; لِأَنَّهُ حَقِيقِيَّتُهُ، وَمَا خَالَفَهُ لَيْسَ بِنَسْخٍ.
ص - فَلَوْ قَالَ: فِي السَّائِمَةِ زَكَاةٌ، ثُمَّ قَالَ: فِي الْمَعْلُوفَةِ زَكَاةٌ فَلَا نَسْخَ.
فَإِنْ تَحَقَّقَ أَنَّ الْمَفْهُومَ مُرَادٌ - فَنَسْخٌ، وَإِلَّا فَلَا.
وَلَوْ زِيدَتْ رَكْعَةٌ فِي الصُّبْحِ - فَنَسْخٌ، لِتَحْرِيمِ الزِّيَادَةِ ثُمَّ وُجُوبِهَا.
وَالتَّغْرِيبُ عَلَى الْحَدِّ كَذَلِكَ.
فَإِنْ قِيلَ: مَنْفِيٌّ بِحُكْمِ الْأَصْلِ.
قُلْنَا: هَذَا لَوْ لَمْ يَثْبُتْ تَحْرِيمُهُ.
فَلَوْ خَيَّرَ فِي الْمَسْحِ بَعْدَ وُجُوبِ الْغُسْلِ فَنَسْخٌ لِلتَّخْيِيرِ بَعْدَ الْوُجُوبِ.
وَلَوْ قَالَ: (وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ) ثُمَّ ثَبَتَ الْحُكْمُ (بِالنَّصِّ) بِشَاهِدٍ وَيَمِينٍ - فَلَيْسَ بِنَسْخٍ ; إِذْ لَا رَفْعَ لِشَيْءٍ.
ــ
[الشرح]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
[الشرح]
أَوْ زِيَادَةُ شَرْطٍ كَزِيَادَةِ صِفَةِ الْإِيمَانِ فِي رَقَبَةِ الْكَفَّارَةِ، أَوْ زِيَادَةٌ تَرْفَعُ مَفْهُومَ الْمُخَالَفَةِ، كَمَا إِذَا قَالَ: فِي السَّائِمَةِ زَكَاةٌ، ثُمَّ قَالَ: فِي الْمَعْلُوفَةِ زَكَاةٌ.
فَذَهَبَتِ الشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ إِلَى أَنَّهَا لَيْسَتْ بِنَسْخٍ.
وَذَهَبَتِ الْحَنَفِيَّةُ إِلَى أَنَّهَا نَسْخٌ.
وَقِيلَ: الثَّالِثُ نَسْخٌ؛ أَيِ الزِّيَادَةُ الَّتِي تَرْفَعُ مَفْهُومَ الْمُخَالَفَةِ نَسْخٌ، وَغَيْرُهَا لَيْسَتْ بِنَسْخٍ.
وَقَالَ عَبْدُ الْجَبَّارِ: إِنْ غَيَّرَتِ الزِّيَادَةُ الْمَزِيدَ عَلَيْهِ تَغْيِيرًا شَدِيدًا حَتَّى صَارَ الْمَزِيدُ عَلَيْهِ لَوْ فُعِلَ بَعْدَ الزِّيَادَةِ عَلَى حَدِّ مَا كَانَ يُفْعَلُ قَبْلَ الزِّيَادَةِ، كَانَ وُجُودُهُ كَعَدَمِهِ، وَوَجَبَ اسْتِئْنَافُهُ - فَإِنَّهُ يَكُونُ نَسْخًا؛ نَحْوَ زِيَادَةِ رَكْعَةٍ عَلَى رَكْعَتَيِ الْفَجْرِ، وَكَزِيَادَةِ عِشْرِينَ عَلَى حَدِّ الْقَذْفِ، وَزِيَادَةِ تَخْيِيرٍ فِي ثَالِثٍ بَعْدَ التَّخْيِيرِ فِي اثْنَيْنِ، كَمَا لَوْ خَيَّرَ أَوَّلًا بَيْنَ الْإِعْتَاقِ وَالصِّيَامِ، ثُمَّ خَيَّرَ بَيْنَ الْإِعْتَاقِ وَالصِّيَامِ وَالْإِطْعَامِ.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
[الشرح]
وَالْمِثَالُ الْأَوَّلُ صَحِيحٌ ; لِأَنَّهُ لَوْ أَتَى بِرَكْعَتَيْنِ بَعْدَ زِيَادَةِ رَكْعَةٍ يَكُونُ وَجُودُهُمَا كَالْعَدَمِ، وَوَجَبَ الِاسْتِئْنَافُ.
وَأَمَّا الْمِثَالَانِ الْأَخِيرَانِ فَغَيْرُ صَحِيحَيْنِ ; لِأَنَّ بَعْدَ زِيَادَةِ عِشْرِينَ لَوْ أَتَى بِالثَّمَانِينَ لَمْ يَكُنْ وُجُودُهَا كَالْعَدَمِ، وَإِنَّمَا يَلْزَمُ أَنْ يُضَمَّ إِلَيْهَا عِشْرُونَ.
وَأَيْضًا: لَوْ أَتَى بِأَحَدِ الْأَوَّلَيْنِ بَعْدَ التَّخْيِيرِ فِي الثَّالِثِ لَمْ يَكُنْ وُجُودُهُ كَالْعَدَمِ بَلْ يَكْفِي.
وَإِنْ كَانَ الْمَزِيدُ عَلَيْهِ لَوْ فُعِلَ عَلَى مَا كَانَ يُفْعَلُ قَبْلَ الزِّيَادَةِ، صَحَّ فِعْلُهُ وَاعْتُدَّ بِهِ، وَلَمْ يَلْزَمِ اسْتِئْنَافُ فِعْلِهِ، وَإِنَّمَا يَلْزَمُ أَنْ يُضَمَّ إِلَيْهِ غَيْرُهُ - لَمْ تَكُنِ الزِّيَادَةُ نَسْخًا؛ نَحْوَ التَّغْرِيبِ عَلَى الْحَدِّ، وَزِيَادَةِ الْعِشْرِينَ عَلَى حَدِّ الْقَاذِفِ.
وَلِهَذَا؛ الْمِثَالُ إِنَّمَا يَكُونُ صَحِيحًا لِهَذَا الْقِسْمِ لَا لِلْأَوَّلِ؛ وَلِهَذَا ذَكَرَ الْإِمَامُ فِي الْمَحْصُولِ هَذَا الْمِثَالَ لِهَذَا الْقِسْمِ.
وَقَالَ الْغَزَّالِيُّ: إِنِ اتَّحَدَتِ الزِّيَادَةُ مَعَ الْمَزِيدِ عَلَيْهِ بِحَيْثُ يَرْتَفِعُ التَّعَدُّدُ بَيْنَهُمَا، كَزِيَادَةِ رَكْعَةٍ فِي الْفَجْرِ - فَنَسْخٌ، وَإِنْ لَمْ يَتَحِدْ مَعَ الْمَزِيدِ عَلَيْهِ لَا يَكُونُ نَسْخًا) ، كَزِيَادَةِ عِشْرِينَ فِي الْقَذْفِ.
وَالْمُخْتَارُ عِنْدَ الْمُصَنِّفِ أَنَّ الزِّيَادَةَ إِنْ رَفَعَتْ بِدَلِيلٍ شَرْعِيٍّ حُكْمًا
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
[الشرح]
شَرْعِيًّا بَعْدَ ثُبُوتِهِ - فَنَسْخٌ؛ لِأَنَّ النَّسْخَ حَقِيقَةٌ فِي رَفْعِ حُكْمٍ شَرْعِيٍّ بِدَلِيلٍ شَرْعِيٍّ.
وَمَا خَالَفَهُ - وَهُوَ أَنْ لَا تَكُونَ الزِّيَادَةُ حُكْمًا شَرْعِيًّا - أَوْ يَكُونَ حُكْمًا شَرْعِيًّا، وَلَكِنْ يُرْفَعُ لَا بِدَلِيلٍ شَرْعِيٍّ - لَا يَكُونُ نَسْخًا.
ش - اعْلَمْ أَنَّ الْمُصَنِّفَ قَدْ فَرَّعَ عَلَى الْمَذْهَبِ الْمُخْتَارِ عِدَّةَ فُرُوعٍ.
مِنْهَا - لَوْ قَالَ الشَّارِعُ فِي السَّائِمَةِ زَكَاةٌ، ثُمَّ قَالَ: فِي الْمَعْلُوفَةِ زَكَاةٌ؟
فَإِنْ كَانَ الْمَفْهُومُ الَّذِي هُوَ دَلِيلُ الْخِطَابِ مُرَادًا مِنْ لَفْظِ الشَّارِعِ كَانَ ذَلِكَ نَسْخًا ; لِأَنَّ رَفْعَ عَدَمِ وُجُوبِ الزَّكَاةِ فِي الْمَعْلُوفَةِ بِقَوْلِهِ: فِي الْمَعْلُوفَةِ زَكَاةٌ - رَفْعُ حُكْمٍ شَرْعِيٍّ بِدَلِيلٍ شَرْعِيٍّ؛ لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ يَكُونُ عَدَمُ وُجُوبِ الزَّكَاةِ فِي الْمَعْلُوفَةِ حُكْمًا شَرْعِيًّا دَلَّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ: فِي السَّائِمَةِ زَكَاةٌ.
وَلَوْ ثَبَتَ مَفْهُومُهُ وَمَفْهُومُ (فَإِنْ لَمْ يَكُونَا رَجُلَيْنِ) إِذْ لَيْسَ فِيهِ مَنْعُ الْحُكْمِ بِغَيْرِهِ.
وَلَوْ زِيدَ فِي الْوُضُوءِ اشْتِرَاطُ غَسْلِ عُضْوٍ - فَلَيْسَ بِنَسْخٍ؛ لِأَنَّهُ إِنَّمَا حَصَلَ وُجُوبُ مُبَاحِ الْأَصْلِ.
قَالُوا: كَانَتْ مُجْزِئَةً ثُمَّ صَارَتْ غَيْرَ مُجْزِئَةٍ.
قُلْنَا: مَعْنَى مُجْزِئَةٍ: امْتِثَالُ الْأَمْرِ بِفِعْلِهَا، وَلَمْ يَرْتَفِعْ وَارْتَفَعَ عَدَمُ تَوَقُّفِهَا عَلَى شَرْطٍ آخَرَ وَذَلِكَ مُسْتَنِدٌ إِلَى حُكْمِ الْأَصْلِ، وَكَذَلِكَ لَوْ زِيدَ فِي الصَّلَاةِ مَا لَمْ يَكُنْ مُحَرَّمًا.
ص - (مَسْأَلَةٌ) إِذَا نُقِصَ جُزْءُ الْعِبَادَةِ أَوْ شَرْطُهَا فَنَسْخٌ لِلْجُزْءِ وَالشَّرْطِ، لَا لِلْعِبَادَةِ، وَقِيلَ: نَسْخٌ لِلْعِبَادَةِ.
عَبْدُ الْجَبَّارِ: إِنْ كَانَ جُزْءًا، لَا شَرْطًا.
لَنَا: لَوْ كَانَ نَسْخًا لِوُجُوبِهَا افْتَقَرَتْ إِلَى دَلِيلٍ ثَانٍ وَهُوَ خِلَافُ الْإِجْمَاعِ.
قَالُوا: ثَبَتَ تَحْرِيمُهَا بِغَيْرِ طَهَارَةٍ وَبِغَيْرِ الرَّكْعَتَيْنِ، ثُمَّ ثَبَتَ جَوَازُهَا أَوْ وُجُوبُهَا بِغَيْرِهِمَا.
قُلْنَا: الْفَرْضُ لَمْ يَتَجَدَّدْ وُجُوبٌ.
ص - (مَسْأَلَةٌ) الْمُخْتَارُ جَوَازُ نَسْخِ وُجُوبِ مَعْرِفَتِهِ وَتَحْرِيمِ الْكُفْرِ وَغَيْرِهِ.
خِلَافًا لِلْمُعْتَزِلَةِ.
وَهِيَ فَرْعُ التَّحْسِينِ وَالتَّقْبِيحِ.
وَالْمُخْتَارُ جَوَازُ نَسْخِ جَمِيعِ التَّكَالِيفِ.
ــ
[الشرح]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
[الشرح]
وَإِلَّا؛ أَيْ وَإِنْ لَمْ يَكُنِ الْمَفْهُومُ مُرَادًا مِنْ لَفْظِ الشَّارِعِ - لَا يَكُونُ ذَلِكَ نَسْخًا ; لِأَنَّ قَوْلَهُ عليه السلام: «فِي الْمَعْلُوفَةِ زَكَاةٌ» ، لَمْ يَرْفَعْ حُكْمًا شَرْعِيًّا؛ لِأَنَّ عَدَمَ وُجُوبِ زَكَاةِ الْمَعْلُوفَةِ ثَابِتٌ بِالْأَصْلِ، وَرَفْعُ الْحُكْمِ الثَّابِتِ بِالْأَصْلِ لَا يَكُونُ نَسْخًا.
وَمِنْهَا - لَوْ زِيدَتْ رَكْعَةٌ فِي الصُّبْحِ يَكُونُ نَسْخًا لِتَحْرِيمِ الزِّيَادَةِ ; لِأَنَّهُ قَبْلَ زِيَادَةِ الرَّكْعَةِ كَانَتِ الزِّيَادَةُ عَلَى الرَّكْعَتَيْنِ حَرَامًا، فَلَمَّا زِيدَتِ الرَّكْعَةُ وَجَبَتِ الزِّيَادَةُ، فَرَفَعَ وَجُوبُهَا التَّحْرِيمَ، وَمِنْهَا - زِيَادَةُ التَّغْرِيبِ عَلَى الْحَدِّ؛ فَإِنَّهَا تَكُونُ نَسْخًا؛ لِأَنَّ التَّغْرِيبَ قَبْلَ وُجُوبِهِ كَانَ حَرَامًا، فَلَمَّا وَجَبَ رَفَعَ حُرْمَةَ التَّغْرِيبِ.
فَإِنْ قِيلَ: رَفْعُ تَحْرِيمِ الزِّيَادَةِ لَيْسَ بِنَسْخٍ ; لِأَنَّ تَحْرِيمَ الزِّيَادَةِ ثَابِتٌ بِالْأَصْلِ، وَرَفْعُ الثَّابِتِ بِالْأَصْلِ لَا يَكُونُ نَسْخًا.
أُجِيبُ بِأَنَّ الثَّابِتَ بِالْأَصْلِ عَدَمُ وُجُوبِ الزِّيَادَةِ، أَمَّا تَحْرِيمُ الزِّيَادَةِ فَثَابِتٌ بِالشَّرْعِ ; لِأَنَّهُ لَمَّا كَانَ مُبْطِلًا لِلْإِتْيَانِ بِالْمَأْمُورِ بِهِ كَانَ حَرَامًا.
وَمِنْهَا - لَوْ خُيِّرَ الْمُكَلَّفُ فِي الْمَسْحِ عَلَى الْخُفَّيْنِ وَغَسْلِ الرِّجْلَيْنِ بَعْدَ وُجُوبِ غَسْلِ الرِّجْلَيْنِ عَلَى التَّعْيِينِ - فَنَسْخٌ ; لِأَنَّ التَّخْيِيرَ حُكْمٌ شَرْعِيٌّ، وَقَدْ رَفَعَ وُجُوبَ الْغَسْلِ عَلَى التَّعْيِينِ، وَهُوَ أَيْضًا حُكْمٌ شَرْعِيٌّ.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
[الشرح]
وَمِنْهَا - لَوْ قَالَ الشَّارِعُ: وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ، ثُمَّ ثَبَتَ الْحُكْمُ بِشَاهِدٍ وَيَمِينٍ - فَلَيْسَ ذَلِكَ بِنَسْخٍ ; إِذْ مُقْتَضَى الْآيَةِ أَنَّ شَهَادَةَ الشَّاهِدَيْنِ حُجَّةٌ، فَثُبُوتُ الْحُكْمِ بِشَاهِدٍ وَيَمِينٍ، لَمْ يَرْفَعْ شَيْئًا مِنْ مُقْتَضَاهَا، فَلَا يَكُونُ نَسْخًا.
وَلَوْ ثَبَتَ مَفْهُومُ قَوْلِهِ: {وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجَالِكُمْ} [البقرة: 282] وَمَفْهُومُ قَوْلِهِ: {فَإِنْ لَمْ يَكُونَا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ} [البقرة: 282] لَا يَكُونُ الْحُكْمُ بِشَاهِدٍ وَيَمِينٍ نَسْخًا؛ لِأَنَّ مَفْهُومَ قَوْلِهِ: وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ وَمَفْهُومَ قَوْلِهِ: فَإِنْ لَمْ يَكُونَا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ: انْحِصَارُ الِاسْتِشْهَادِ فِي الْمَذْكُورِ، لَا انْحِصَارُ الْحُكْمِ فِي الْمَذْكُورِينَ.
فَمَفْهُومُ الْآيَتَيْنِ لَمْ يَمْنَعِ الْحُكْمَ بِغَيْرِ شَاهِدَيْنِ وَبِغَيْرِ رَجُلٍ وَامْرَأَتَيْنِ، فَلَا يَكُونُ الْحُكْمُ بِشَاهِدٍ وَيَمِينٍ نَسْخًا.
وَيَظْهَرُ مِنْ ذَلِكَ بُطْلَانُ قَوْلِ الْحَنَفِيَّةِ: لَوْ كَانَ الْحُكْمُ بِالشَّاهِدِ وَالْيَمِينِ صَحِيحًا - يَلْزَمُ أَنْ يَكُونَ خَبَرُ الْوَاحِدِ نَاسِخًا.
وَالتَّالِي بَاطِلٌ بِالِاتِّفَاقِ.
بَيَانُ الْمُلَازَمَةِ: أَنَّ الْحُكْمَ بِالشَّاهِدِ وَالْيَمِينِ ثَبَتَ بِخَبَرِ الْوَاحِدِ، فَلَوْ كَانَ صَحِيحًا يَلْزَمُ نَسْخُ انْحِصَارِ الْحُكْمِ فِي الْمَذْكُورِينَ.
وَمِنْهَا - لَوْ زِيدَ فِي الْوُضُوءِ اشْتِرَاطُ غَسْلِ عُضْوٍ - فَلَيْسَ بِنَسْخٍ ;
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
[الشرح]
لِأَنَّهُ إِنَّمَا حَصَلَ بِالزِّيَادَةِ وُجُوبُ فِعْلٍ كَانَ مُبَاحًا بِالْأَصْلِ، وَرَفْعُ مُبَاحِ الْأَصْلِ لَيْسَ بِنَسْخٍ.
قِيلَ: هَذَا إِنَّمَا يَصِحُّ أَنْ لَوْ كَانَتِ الزِّيَادَةُ فِي الْآخَرِ ; لِأَنَّ الزِّيَادَةَ إِذَا كَانَتْ فِي خِلَالِهِ يَرْتَفِعُ بِهَا التَّرْتِيبُ الثَّابِتُ بِدَلِيلٍ شَرْعِيٍّ.
وَفِيهِ نَظَرٌ ; فَإِنَّ وُقُوعَ الزِّيَادَةِ فِي خِلَالِهِ، لَا يُخِلُّ بِالتَّرْتِيبِ الشَّرْعِيِّ، لِأَنَّ مَا كَانَ مُتَأَخِّرًا قَبْلَ الزِّيَادَةِ بَقِيَ عَلَى تَأَخُّرِهِ بَعْدَ الزِّيَادَةِ.
وَكَذَا مَا كَانَ مُتَقَدِّمًا قَبْلَ الزِّيَادَةِ، بَقِيَ عَلَى تَقَدُّمِهِ بَعْدَهَا.
الْقَائِلُونَ بِأَنَّ زِيَادَةَ اشْتِرَاطِ غَسْلِ عُضْوٍ يَكُونُ نَسْخًا، قَالُوا: قَبْلَ الزِّيَادَةِ كَانَتِ الطَّهَارَةُ بِدُونِهَا مُجْزِئَةً وَبَعْدَ الزِّيَادَةِ لَمْ تَكُنْ مُجْزِئَةً فَارْتَفَعَ بِالزِّيَادَةِ الْإِجْزَاءُ، وَهُوَ حُكْمٌ شَرْعِيٌّ فَيَكُونُ نَسْخًا.
أَجَابَ بِأَنَّ مَعْنَى كَوْنِ الطَّهَارَةِ مُجْزِئَةً امْتِثَالُ الْأَمْرِ بِفِعْلِهَا، وَلَمْ يَرْتَفِعْ ذَلِكَ بِالزِّيَادَةِ ; وَإِنَّمَا ارْتَفَعَ بِالزِّيَادَةِ عَدَمُ تَوَقُّفِ الطَّهَارَةِ عَلَى شَرْطٍ آخَرَ، وَعَدَمُ تَوَقُّفِهَا عَلَى شَرْطٍ آخَرَ لَيْسَ بِحُكْمٍ شَرْعِيٍّ ; لِأَنَّهُ مُسْتَنِدٌ إِلَى حُكْمِ الْأَصْلِ، فَرَفْعُهُ لَا يَكُونُ نَسْخًا.
وَكَذَلِكَ لَوْ زِيدَ فِي الصَّلَاةِ مَا لَيْسَ بِمُحَرَّمٍ فِي الصَّلَاةِ لَا يَكُونُ نَسْخًا ; لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ يَكُونُ رَفْعُهُ رَفْعًا لِمَا ثَبَتَ بِالْأَصْلِ.