الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
[الشرح]
وَأَمَّا إِذَا جَازَ الْإِتْيَانُ بِهِ عَلَى الْفَوْرِ - كَمَا هُوَ مَذْهَبُنَا - لَا يَلْزَمُ تَكْلِيفُ مَا لَا يُطَاقُ ; لِتَمَكُّنِ الْمُكَلَّفِ مِنَ الِامْتِثَالِ بِالْمَأْمُورِ بِهِ عَلَى الْفَوْرِ حِينَئِذٍ.
السَّابِعُ - أَنْ يُقَالَ: فِعْلُ الْمَأْمُورِ بِهِ مِنَ الْخَيْرَاتِ وَسَبَبٌ لِلْمَغْفِرَةِ. فَوَجَبَ الْإِتْيَانُ بِهِ عَلَى الْفَوْرِ ; لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ} [آل عمران: 133] . وَقَوْلِهِ تَعَالَى: {فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ} [البقرة: 148] فَإِنَّهُ أَمْرٌ بِالْمُسَارَعَةِ وَالْمُسَابَقَةِ، وَالْأَمْرُ لِلْوُجُوبِ.
أَجَابَ بِأَنَّ الْأَمْرَ بِالْمُسَابَقَةِ وَالْمُسَارَعَةِ مَحْمُولٌ عَلَى الْأَفْضَلِيَّةِ عَلَى مَعْنَى أَنَّ الْمُسَارَعَةَ وَالْمُسَابَقَةَ أَوْلَى وَأَفْضَلُ مِنَ التَّأْخِيرِ ; لِأَنَّهُ لَوْ حُمِلَ عَلَى وُجُوبِ الْمُسَارَعَةِ وَالْمُسَابَقَةِ، لَتَضَيَّقَ وَقْتُهُ، فَلَمْ يَتَمَكَّنْ مِنْ تَرْكِهِ، فَلَا يَكُونُ الْمَأْمُورُ مُسَارِعًا عِنْدَ إِتْيَانِهِ فِي وَقْتِهِ، لِأَنَّ الْمُسَارِعَ هُوَ مُبَاشِرُ الْفِعْلِ فِي وَقْتٍ مَعَ جَوَازِ الْإِتْيَانِ بِهِ بَعْدَ ذَلِكَ الْوَقْتِ.
ش - دَلِيلُ الْقَاضِي مَا تَقَدَّمَ فِي الْوَاجِبِ الْمُوَسَّعِ مِنْ وُجُوبِ الْعَزْمِ فِي أَوَّلِ الْوَقْتِ أَوِ الْإِتْيَانِ بِالْمَأْمُورِ بِهِ.
وَتَقْرِيرُهُ مَعَ الْجَوَابِ (يُعْلَمُ) مِنْ ثَمَّةَ، فَلَمْ يُحْتَجْ إِلَى إِعَادَتِهِ.
ش - قَالَ الْإِمَامُ: طَلَبُ تَحْصِيلِ الْفِعْلِ مُتَحَقِّقٌ مِنَ الْأَمْرِ، وَالْخُرُوجُ عَنْ عُهْدَتِهِ بِالتَّأْخِيرِ مَشْكُوكٌ فِيهِ. فَوَجَبَ تَرْكُ الْمَشْكُوكِ فَتَعَيَّنَ الْبِدَارُ.
أَجَابَ أَنَّ طَلَبَ تَحْصِيلِ الْفِعْلِ مُشْتَرَكٌ بَيْنَ التَّأْخِيرِ وَالْبِدَارِ، وَكَمَا يَحْتَمِلُ التَّأْخِيرَ يَحْتَمِلُ الْبِدَارَ، وَلَا تَرْجِيحَ لِأَحَدِهِمَا عَلَى الْآخَرِ، وَكَمَا يَخْرُجُ عَنْ عُهْدَتِهِ بِالْبِدَارِ، يَخْرُجُ عَنْ عُهْدَتِهِ بِالتَّأْخِيرِ، فَلَا يَكُونُ الْخُرُوجُ عَنْ عُهْدَتِهِ بِالتَّأْخِيرِ مَشْكُوكًا.
[مَسْأَلَة: الْأَمْرَ بِشَيْءٍ مُعَيَّنٍ هل نَهْي عَنْ ضِدِّهِ]
ش - اخْتَلَفُوا فِي أَنَّ الْأَمْرَ بِشَيْءٍ مُعَيَّنٍ هَلْ هُوَ بِعَيْنِهِ نَهْيٌ عَنْ ضِدِّهِ أَمْ لَا؟ اخْتِيَارُ إِمَامِ الْحَرَمَيْنِ وَالْغَزَّالِيِّ أَنَّ الْأَمْرَ بِشَيْءٍ مُعَيَّنٍ لَا يَكُونُ نَهْيًا عَنْ ضِدِّهِ وَلَا يَقْتَضِيهِ عَقْلًا، أَيْ لَا يَسْتَلْزِمُهُ، وَالْمُرَادُ بِالضِّدِّ مَا يَسْتَلْزِمُ تَرْكَ الْمَأْمُورِ بِهِ.
وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لَا فَائِدَةَ فِي قَوْلِهِ " مُعَيَّنٍ ".
قِيلَ: فَائِدَتُهُ الِاحْتِرَازُ عَنِ الْأَمْرِ بِالضِّدَّيْنِ عَلَى سَبِيلِ الْبَدَلِ، فَإِنَّهُ فِي تِلْكَ الصُّورَةِ لَيْسَ نَهْيًا عَنْ ضِدِّهِ.
وَقِيلَ: فَائِدَتُهُ الِاحْتِرَازُ عَنْ مِثْلِ قَوْلِ الْقَائِلِ: " افْعَلْ شَيْئًا " فَإِنَّ الْمَأْمُورَ بِهِ فِي مِثْلِ هَذِهِ الصُّورَةِ لَا ضِدَّ لَهُ. وَعَلَى تَقْدِيرِ أَنْ يَكُونَ لَهُ ضِدٌّ لَا يَكُونُ الْأَمْرُ بِمِثْلِهِ نَهْيًا عَنْ ضِدِّهِ،
ص - الْإِمَامُ: الطَّلَبُ مُتَحَقِّقٌ، وَالتَّأْخِيرُ مَشْكُوكٌ، فَوَجَبَ الْبِدَارُ.
وَأُجِيبُ بِأَنَّهُ غَيْرُ مَشْكُوكٍ.
ص - (مَسْأَلَةٌ) اخْتِيَارُ الْإِمَامِ وَالْغَزَّالِيِّ رَحِمَهُمَا اللَّهُ: أَنَّ الْأَمْرَ بِشَيْءٍ مُعَيَّنٍ لَيْسَ نَهْيًا عَنْ ضِدِّهِ، وَلَا يَقْتَضِيهِ عَقْلًا.
وَقَالَ الْقَاضِي وَمُتَابِعُوهُ: نَهْيٌ عَنْ ضِدِّهِ.
ثُمَّ قَالَ: يَتَضَمَّنُهُ.
ثُمَّ اقْتَصَرَ قَوْمٌ.
وَقَالَ الْقَاضِي: وَالنَّهْيُ كَذَلِكَ فِيهِمَا.
ثُمَّ مِنْهُمْ مَنْ خَصَّ الْوُجُوبَ دُونَ النَّدْبِ.
ــ
[الشرح]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ص - لَنَا: لَوْ كَانَ الْأَمْرُ نَهْيًا عَنِ الضِّدِّ أَوْ يَتَضَمَّنُهُ لَمْ يَحْصُلْ بِدُونِ تَعَقُّلِ الضِّدِّ وَالْكَفِّ عَنْهُ ; لِأَنَّهُ مَطْلُوبُ النَّهْيِ.
وَنَحْنُ نَقْطَعُ بِالطَّلَبِ مَعَ الذُّهُولِ عَنْهُمَا.
ــ
[الشرح]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
[الشرح]
وَفِيهَا تَعَسُّفٌ.
وَقَالَ الْقَاضِي أَبُو بَكْرٍ وَمُتَابِعُوهُ: أَوَّلًا: الْأَمْرُ بِالشَّيْءِ بِعَيْنِهِ نَهْيٌ عَنْ ضِدِّهِ.
ثُمَّ قَالَ الْقَاضِي: ثَانِيًا: إِنَّ الْأَمْرَ بِالشَّيْءِ يَتَضَمَّنُ النَّهْيَ عَنْ ضِدِّهِ، أَيْ يَسْتَلْزِمُهُ.
ثُمَّ اقْتَصَرَ قَوْمٌ مِنَ الْقَائِلِينَ بِكَوْنِهِ نَهْيًا عَنْ ضِدِّهِ عَلَى أَنَّ الْأَمْرَ بِالشَّيْءِ نَهْيٌ عَنْ ضِدِّهِ، أَوْ يَسْتَلْزِمُهُ، وَلَا يَكُونُ النَّهْيُ عَنِ الشَّيْءِ أَمْرًا بِضِدِّهِ، وَلَا مُسْتَلْزِمًا لَهُ.
وَقَالَ الْقَاضِي: وَالنَّهْيُ كَذَلِكَ فِيهِمَا، أَيِ النَّهْيُ عَنِ الشَّيْءِ أَمْرٌ بِضِدِّهِ أَوْ يَقْتَضِيهِ عَقْلًا.
ثُمَّ مِنَ الْقَائِلِينَ بِكَوْنِ الْأَمْرِ بِالشَّيْءِ نَهْيًا عَنْ ضِدِّهِ أَوْ مُسْتَلْزِمًا لَهُ، مَنْ قَالَ: إِنَّ أَمْرَ الْإِيجَابِ نَهْيٌ عَنْ ضِدِّهِ أَوْ مُسْتَلْزِمٌ لَهُ، لَا أَمْرَ النَّدْبِ.
وَمِنْهُمْ مَنْ لَا يَخُصُّ بِهِ.
ش - احْتَجَّ الْمُصَنِّفُ عَلَى أَنَّ الْأَمْرَ بِالشَّيْءِ لَا يَكُونُ نَهْيًا عَنْ ضِدِّهِ، وَلَا يَقْتَضِيهِ عَقْلًا بِأَنَّهُ لَوْ كَانَ الْأَمْرُ بِالشَّيْءِ نَهْيًا عَنْ ضِدِّهِ، أَوْ مُقْتَضِيًا لِلنَّهْيِ عَنْ ضِدِّهِ بِطَرِيقِ التَّضَمُّنِ، لَمْ يَحْصُلِ الْأَمْرُ بِدُونِ تَعَقُّلِ الضِّدِّ، وَتَعَقُّلِ الْكَفِّ عَنِ الضِّدِّ.
وَالتَّالِي بَاطِلٌ.
أَمَّا الْمُلَازَمَةُ فَلِأَنَّ الْأَمْرَ حِينَئِذٍ لَا يَحْصُلُ بِدُونِ النَّهْيِ عَنْ ضِدِّهِ، وَالنَّهْيُ عَنِ الضِّدِّ لَا يَحْصُلُ بِدُونِ تَعَقُّلِ الْكَفِّ عَنِ الضِّدِّ ; لِأَنَّ الْكَفَّ عَنِ الضِّدِّ مَطْلُوبُ النَّهْيِ، وَالنَّهْيُ لَا يَحْصُلُ بِدُونِ تَصَوُّرِ الْمَطْلُوبِ مِنْهُ، لِامْتِنَاعِ طَلَبِ غَيْرِ الْمُتَصَوَّرِ، وَتَعَقُّلُ الْكَفِّ عَنِ الضِّدِّ لَا يُعْقَلُ بِدُونِ تَعَقُّلِ الضِّدِّ.
وَأَمَّا انْتِفَاءُ التَّالِي - فَلِأَنَّا نَقْطَعُ أَنَّ الْأَمْرَ قَدْ يَطْلُبُ شَيْئًا مَعَ الذُّهُولِ عَنْ ضِدِّهِ وَالْكَفِّ عَنْهُ.
وَاعْتُرِضَ عَلَى هَذَا الدَّلِيلِ بِمَنْعِ انْتِفَاءِ التَّالِي ; فَإِنَّا لَا نُسَلِّمُ تَحَقُّقَ
وَاعْتُرِضَ بِأَنَّ الْمُرَادَ: الضِّدُّ الْعَامُّ. وَتَعَقُّلُهُ حَاصِلٌ ; لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ عَلَيْهِ لَمْ يَطْلُبْهُ.
وَأُجِيبُ بِأَنَّهُ طَلَبَهُ فِي الْمُسْتَقْبَلِ.
وَلَوْ سُلِّمَ فَالْكَفُّ وَاضِحٌ.
ص - الْقَاضِي: لَوْ لَمْ يَكُنْ إِيَّاهُ لَكَانَ ضِدًّا أَوْ مِثْلًا، أَوْ خِلَافًا.
لِأَنَّهُمَا إِمَّا أَنْ يَتَسَاوَيَا فِي صِفَاتِ النَّفْسِ أَوْ لَا.
الثَّانِي: إِمَّا أَنْ يَتَنَافَيَا بِأَنْفُسِهِمَا أَوْ لَا.
فَلَوْ كَانَا مِثْلَيْنِ أَوْ ضِدَّيْنِ لَمْ يَجْتَمِعَا.
وَلَوْ كَانَا خِلَافَيْنِ لَجَازَ أَحَدُهُمَا مَعَ ضِدِّ الْآخَرِ وَخِلَافِهِ؛ لِأَنَّهُ حُكْمُ الْخِلَافَيْنِ.
وَيَسْتَحِيلُ الْأَمْرُ مَعَ ضِدِّ النَّهْيِ عَنْ ضِدِّهِ، وَهُوَ الْأَمْرُ بِضِدِّهِ ; لِأَنَّهُمَا نَقِيضَانِ.
أَوْ تَكْلِيفٌ بِغَيْرِ الْمُمْكِنِ.
وَأُجِيبُ: إِنْ أَرَادَ بِطَلَبِ تَرْكِ ضِدِّهِ طَلَبَ الْكَفِّ مُنِعَ
ــ
[الشرح]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
[الشرح]
الطَّلَبِ مَعَ الذُّهُولِ عَنْ ضِدِّهِ وَالْكَفِّ عَنْهُ، لِأَنَّ الضِّدَّ قَدْ يُطْلَقُ عَلَى مَا يَسْتَلْزِمُ فِعْلُهُ تَرْكَ الْمَأْمُورِ بِهِ، كَالْأَكْلِ وَالشُّرْبِ بِالنِّسْبَةِ إِلَى الصَّلَاةِ.
وَقَدْ يُطْلَقُ عَلَى تَرْكِ الْمَأْمُورِ بِهِ.
وَالْأَوَّلُ خَاصٌّ وَالثَّانِي عَامٌّ.
وَالْمُرَادُ بِالضِّدِّ هَا هُنَا هُوَ الضِّدُّ الْعَامُّ.
وَيَمْتَنِعُ تَحَقُّقُ الطَّلَبِ مَعَ الذُّهُولِ عَنِ الضِّدِّ الْعَامِّ ; لِأَنَّ تَعَقُّلَ الضِّدِّ الْعَامِّ حَاصِلٌ عِنْدَ الْأَمْرِ بِالشَّيْءِ ; لِأَنَّ الْآمِرَ عِنْدَ الْأَمْرِ يَعْلَمُ تَرْكَ الْمَأْمُورِ بِهِ ; لِأَنَّهُ لَوْ عَلِمَ أَنَّ الْمَأْمُورَ عَلَى الْفِعْلِ الْمَأْمُورِ بِهِ لَمْ يَأْمُرْهُ، لِامْتِنَاعِ تَحْصِيلِ الْحَاصِلِ.
أَجَابَ بِأَنَّا لَا نُسَلِّمُ أَنَّ الْآمِرَ لَوْ عَلِمَ أَنَّ الْمَأْمُورَ عَلَى الْفِعْلِ لَمْ يَأْمُرْهُ.
قَوْلُهُ: لِامْتِنَاعِ تَحْصِيلِ الْحَاصِلِ.
قُلْنَا: لَا نُسَلِّمُ لُزُومَ تَحْصِيلِ الْحَاصِلِ.
وَإِنَّمَا يَلْزَمُ أَنْ لَوْ كَانَ الْأَمْرُ يُطْلَبُ بِهِ تَحْصِيلُ الْفِعْلِ فِي الْحَالِ، وَهُوَ مَمْنُوعٌ، فَإِنَّ الْأَمْرَ يُطْلَبُ بِهِ الْفِعْلُ فِي الزَّمَانِ الْمُسْتَقْبَلِ. وَلَوْ سُلِّمَ أَنَّ الضِّدَّ الْعَامَّ مَعْلُومٌ لِلْآمِرِ، وَلَكِنَّ الْكَفَّ وَاضِحٌ
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
[الشرح]
أَنَّهُ غَيْرُ مَعْلُومٍ لَهُ.
وَلِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ: إِنَّ أَمْرَ الْإِيجَابِ لَا يَتَحَقَّقُ بِدُونِ الْكَفِّ عَنِ الضِّدِّ الْعَامِّ ; لِأَنَّ أَمْرَ الْإِيجَابِ هُوَ طَلَبُ الْفِعْلِ مَعَ الْمَنْعِ مِنْ تَرْكِهِ.
ش - احْتَجَّ الْقَاضِي عَلَى أَنَّ الْأَمْرَ بِالشَّيْءِ نَهْيٌ عَنْ ضِدِّهِ بِوَجْهَيْنِ:
الْأَوَّلُ - لَوْ لَمْ يَكُنِ الْأَمْرُ بِالشَّيْءِ عَيْنَ النَّهْيِ عَنْ ضِدِّهِ لَكَانَ إِمَّا ضِدًّا لَهُ أَوْ مِثْلًا لَهُ أَوْ خِلَافًا لَهُ.
وَالتَّالِي بَاطِلٌ.
أَمَّا الْمُلَازَمَةُ فَالِانْحِصَارِهِ فِي الثَّلَاثَةِ عَلَى تَقْدِيرِ أَنْ يَكُونَ
لَازِمُهُمَا عِنْدَهُ، فَقَدْ يَتَلَازَمُ الْخِلَافَانِ، فَيَسْتَحِيلُ ذَلِكَ.
وَقَدْ يَكُونُ كُلٌّ مِنْهُمَا ضِدَّ ضِدِّ الْآخَرِ؛ كَالظَّنِّ وَالشَّكِّ، فَإِنَّهُمَا مَعًا ضِدُّ الْعِلْمِ.
وَإِنْ أَرَادَ بِتَرْكِ ضِدِّهِ عَيْنَ الْفِعْلِ الْمَأْمُورِ بِهِ رَجَعَ النِّزَاعُ لَفْظِيًّا فِي تَسْمِيَتِهِ تَرْكًا، ثُمَّ فِي تَسْمِيَةِ طَلَبِهِ نَهْيًا.
الْقَاضِي أَيْضًا: السُّكُونُ عَيْنُ تَرْكِ الْحَرَكَةِ، فَطَلَبُ السُّكُونِ طَلَبُ تَرْكِ الْحَرَكَةِ.
وَأُجِيبُ بِمَا تَقَدَّمَ.
ص - التَّضَمُّنُ: أَمْرُ الْإِيجَابِ طَلَبُ فِعْلٍ يُذَمُّ عَلَى تَرْكِهِ اتِّفَاقًا، وَلَا يُذَمُّ إِلَّا عَلَى فِعْلٍ، وَهُوَ الْكَفُّ أَوِ الضِّدُّ. فَيَسْتَلْزِمُ النَّهْيَ.
أُجِيبُ بِأَنَّهُ مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّهُ مِنَ (مَعْقُولِهِ، لَا بِدَلِيلٍ خَارِجِيٍّ.
وَإِنْ سُلِّمَ فَالذَّمُّ عَلَى أَنَّهُ) لَمْ يَفْعَلْ، لَا عَلَى فِعْلٍ.
وَإِنْ سُلِّمَ فَالنَّهْيُ طَلَبُ كَفٍّ عَنْ فِعْلٍ، لَا عَنْ كَفٍّ، وَإِلَّا أَدَّى إِلَى وُجُوبِ تَصَوُّرِ الْكَفِّ عَنِ الْكَفِّ لِكُلِّ آمِرٍ. وَهُوَ بَاطِلٌ قَطْعًا.
قَالُوا: لَا يَتِمُّ الْوَاجِبُ إِلَّا بِتَرْكِ ضِدِّهِ؛ وَهُوَ الْكَفُّ عَنْ ضِدِّهِ أَوْ نَفْيِهِ، فَيَكُونُ مَطْلُوبًا، وَهُوَ مَعْنَى النَّهْيِ.
وَقَدْ تَقَدَّمَ.
ــ
[الشرح]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
[الشرح]
غَيْرَهُ ; لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ إِمَّا أَنْ يَكُونَ مُسَاوِيًا (لَهُ) فِي صِفَاتِ نَفْسِ الْمَاهِيَّةِ، أَيْ فِي تَمَامِ ذَاتِيَّاتِهِ أَوْ لَا.
وَالْأَوَّلُ هُمَا الْمِثْلَانِ، كَزَيْدٍ وَخَالِدٍ.
وَالثَّانِي إِمَّا يَتَنَافَيَا لِذَاتَيْهِمَا أَوْ لَا.
وَالْأَوَّلُ هُمَا الضِّدَّانِ، وَيَنْدَرِجُ فِيهِ النَّقِيضَانِ، كَالْإِنْسَانِ وَاللَّا إِنْسَانِ ; وَالْعَدَمِ وَالْمَلَكَةِ كَالْعَمَى وَالْبَصَرِ، وَالضِّدَّانِ الْوُجُودِيَّانِ اللَّذَانِ يَكُونُ بَيْنَهُمَا غَايَةُ الْخِلَافِ، كَالسَّوَادِ وَالْبَيَاضِ.
وَالثَّانِي هُمَا الْخِلَافَانِ، كَالْحَرَكَةِ وَالسَّوَادِ.
وَأَمَّا بَيَانُ بُطْلَانِ التَّالِي - فَلِأَنَّ الْأَمْرَ بِالشَّيْءِ وَالنَّهْيَ عَنْ ضِدِّهِ لَوْ كَانَا مِثْلَيْنِ أَوْ ضِدَّيْنِ لَمْ يَجْتَمِعَا، ضَرُورَةَ امْتِنَاعِ اجْتِمَاعِ الضِّدَّيْنِ وَالْمِثْلَيْنِ، لَكِنَّ الْأَمْرَ بِالشَّيْءِ وَالنَّهْيَ عَنْ ضِدِّهِ يَجْتَمِعَانِ، فَلَا يَكُونُ الْأَمْرُ بِالشَّيْءِ وَالنَّهْيُ عَنْ ضِدِّهِ مِثْلَيْنِ وَلَا ضِدَّيْنِ.
وَلَوْ كَانَا خَلِافَيْنِ لَجَازَ وُجُودُ أَحَدِهِمَا مَعَ ضِدِّ الْآخَرِ، وَمَعَ خِلَافِ الْآخَرِ، لِأَنَّ حُكْمَ الْخِلَافَيْنِ جَوَازُ اجْتِمَاعِ كُلٍّ مِنْهُمَا مَعَ ضِدِّ الْآخَرِ وَمَعَ خِلَافِ الْآخَرِ؛ كَالْعِلْمِ وَالْإِرَادَةِ، فَإِنَّهُمَا خِلَافَانِ، وَجَازَ وُجُودُ الْعِلْمِ مَعَ الْكَرَاهَةِ الَّتِي هِيَ ضِدُّ الْإِرَادَةِ وَالْمَحَبَّةِ الَّتِي هِيَ خِلَافُهَا.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
[الشرح]
وَجَازَ وُجُودُ الْإِرَادَةِ مَعَ الْجَهْلِ الَّذِي هُوَ ضِدُّ الْعِلْمِ، وَمَعَ السَّخَاوَةِ الَّتِي هِيَ خِلَافُ الْعِلْمِ.
لَكِنْ يَسْتَحِيلُ اجْتِمَاعُ الْأَمْرِ بِالشَّيْءِ مَعَ ضِدِّ النَّهْيِ عَنِ الضِّدِّ ; لِأَنَّ الْأَمْرَ بِالضِّدِّ ضِدَّ النَّهْيِ عَنِ الضِّدِّ، وَيَمْتَنِعُ اجْتِمَاعُ الْأَمْرِ بِالشَّيْءِ مَعَ الْأَمْرِ بِضِدِّهِ، وَإِلَّا لَزِمَ الْأَمْرُ بِالنَّقِيضَيْنِ؛ إِنْ كَانَ الضِّدَّانِ نَقِيضَيْنِ، أَوِ الْأَمْرُ بِالْمُتَنَافِيَيْنِ؛ إِنْ لَمْ يَكُنِ الضِّدَّانِ نَقِيضَيْنِ.
وَهَذَا تَكْلِيفُ مَا لَا يُطَاقُ.
فَلَا يَكُونُ الْأَمْرُ بِالشَّيْءِ وَالنَّهْيُ عَنْ ضِدِّهِ خَلِافَيْنِ.
وَإِذَا بَطَلَ الْأَقْسَامُ الثَّلَاثَةُ بَطَلَ التَّالِي.
أَجَابَ الْمُصَنِّفُ بِأَنَّهُ إِنْ أَرَادَ الْقَاضِي بِطَلَبِ تَرْكِ الضِّدِّ الَّذِي هُوَ مَعْنَى النَّهْيِ عَنِ الضِّدِّ - طَلَبَ الْكَفِّ عَنِ الضِّدِّ (يَخْتَارُ) أَنَّهُمَا خِلَافَانِ.
وَيُمْنَعُ عِنْدَ ذَلِكَ التَّقْدِيرِ مَا جَعَلَ الْقَاضِي لَازِمَ الْخِلَافَيْنِ؛ وَهُوَ جَوَازُ اجْتِمَاعِ الْخِلَافِ مَعَ ضِدِّ الْخِلَافِ وَمَعَ خِلَافِ الْخِلَافِ.
وَذَلِكَ لِأَنَّهُ قَدْ يَتَلَازَمُ الْخِلَافَانِ، كَالْعِلَّةِ وَمَعْلُولِهَا الْمُسَاوِي لَهَا فَيَسْتَحِيلُ جَوَازُ اجْتِمَاعِ أَحَدِهِمَا مَعَ ضِدِّ الْآخَرِ، وَإِلَّا يَلْزَمُ اجْتِمَاعُ
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
[الشرح]
الضِّدَّيْنِ؛ لِأَنَّ أَحَدَهُمَا لَا يَنْفَكُّ عَنِ الْآخَرِ. فَكُلَّمَا يَصْدُقُ أَحَدُهُمَا يَصْدُقُ الْآخَرُ.
وَأَيْضًا: قَدْ يَكُونُ ضِدُّ أَحَدِ الْخِلَافَيْنِ ضِدَّ الْخِلَافِ الْآخَرِ، كَالظَّنِّ وَالشَّكِّ فَإِنَّهُمَا خِلَافَانِ، وَكُلٌّ مِنْهُمَا ضِدٌّ لِلْعِلْمِ، فَيَكُونُ كُلٌّ مِنْهُمَا ضِدَّ الْآخَرِ.
وَهَذَا الْمِثَالُ غَيْرُ صَحِيحٍ ; لِأَنَّ الظَّنَّ وَالشَّكَّ ضِدَّانِ عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي فَسَّرَ بِهِ الْمُصَنِّفُ الضِّدَّيْنِ.
وَالْمِثَالُ الصَّحِيحُ: هُوَ الضَّاحِكُ وَالْكَاتِبُ ; فَإِنَّهُمَا خَلِافَانِ عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي فَسَّرَ، وَكُلٌّ مِنْهُمَا ضِدٌّ لِلصَّاهِلِ.
وَإِنْ أَرَادَ بِطَلَبِ تَرْكِ ضِدِّهِ طَلَبَ عَيْنِ الْفِعْلِ الْمَأْمُورِ بِهِ - كَانَ النَّهْيُ عَنِ الضِّدِّ عَيْنَ الْأَمْرِ بِالشَّيْءِ، فَلَا يَبْقَى نِزَاعٌ فِي الْمَعْنَى، بَلْ رَجَعَ التَّنَازُعُ لَفْظِيًّا فِي تَسْمِيَةِ الْفِعْلِ بِتَرْكِ الضِّدِّ، ثُمَّ فِي تَسْمِيَةِ طَلَبِ ذَلِكَ الْفِعْلِ نَهْيًا.
قِيلَ: لِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ: أَرَادَ بِهِ الْمَنْعَ مِنْ تَرْكِ الْفِعْلِ الْمَأْمُورِ بِهِ، وَهُوَ جُزْءُ الطَّلَبِ الْجَازِمِ.
وَيُمْكِنُ أَنْ يُجَابَ بِأَنَّ مُدَّعَى الْقَاضِي فِي هَذَا الْمَقَامِ أَنَّ النَّهْيَ عَنِ الضِّدِّ هُوَ عَيْنُ الْأَمْرِ بِالشَّيْءِ، لَا جُزْؤُهُ.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
[الشرح]
الْوَجْهُ الثَّانِي: أَنَّ السُّكُونَ عَيْنُ تَرْكِ الْحَرَكَةِ ; فَطَلَبُ السُّكُونِ الَّذِي هُوَ الْأَمْرُ بِالسُّكُونِ هُوَ بِعَيْنِهِ طَلَبُ تَرْكِ الْحَرَكَةِ الَّذِي هُوَ النَّهْيُ عَنْ ضِدِّ السُّكُونِ.
أَجَابَ بِمَا تَقَدَّمَ؛ وَهُوَ أَنْ يَكُونَ النِّزَاعُ حِينَئِذٍ لَفْظِيًّا.
ش - الْقَائِلُونَ بِأَنَّ الْأَمْرَ بِالشَّيْءِ يَتَضَمَّنُ النَّهْيَ عَنْ ضِدِّهِ احْتَجُّوا بِوَجْهَيْنِ:
الْأَوَّلِ - أَنَّ أَمْرَ الْإِيجَابِ هُوَ طَلَبُ فِعْلٍ يُلَامُ عَلَى تَرْكِهِ اتِّفَاقًا.
وَلَا يُذَمُّ إِلَّا عَلَى فِعْلٍ، لِأَنَّ الْعَدَمَ الْمُسْتَمِرَّ غَيْرُ مَقْدُورٍ، وَغَيْرُ الْمَقْدُورِ لَا يُذَمُّ عَلَيْهِ.
فَالْفِعْلُ الَّذِي يُذَمُّ عَلَيْهِ فِي أَمْرِ الْإِيجَابِ هُوَ الْكَفُّ أَوْ فِعْلُ ضِدِّ الْمَأْمُورِ بِهِ ; فَيَكُونُ الْكَفُّ أَوْ فِعْلُ ضِدِّ الْمَأْمُورِ بِهِ مَنْهِيًّا عَنْهُ. فَيَكُونُ أَمْرُ الْإِيجَابِ مُسْتَلْزِمًا لِلنَّهْيِ عَنِ الْكَفِّ أَوْ فِعْلِ ضِدِّ الْمَأْمُورِ بِهِ.
أَجَابَ بِأَنَّ هَذَا الدَّلِيلَ مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّ الذَّمَّ عَلَى تَرْكِ فِعْلِ الْمَأْمُورِ بِهِ مِنْ مَعْقُولِ الْأَمْرِ عَلَى مَعْنَى أَنَّ الْأَمْرَ يَدُلُّ عَلَى الذَّمِّ عَقْلًا، لَا أَنَّهُ يَعْلَمُ الذَّمَّ عَلَى تَرْكِ فِعْلِ الْمَأْمُورِ بِهِ بِدَلِيلٍ خَارِجِيٍّ.
وَهُوَ مَمْنُوعٌ ; إِذِ الْعِلْمُ بِالذَّمِّ عَلَى التَّرْكِ مُسْتَفَادٌ مِنْ دَلِيلٍ خَارِجِيٍّ. وَلِهَذَا جَوَّزَ بَعْضُ الْأُصُولِيِّينَ الْإِيجَابَ بِدُونِ الذَّمِّ. وَلَوْ كَانَ الذَّمُّ مِنْ مَعْقُولِ الْإِيجَابِ لَمَا تَمَكَّنَ مِنْ تَجْوِيزِهِ.
وَلَئِنْ سُلِّمَ أَنَّ الذَّمَّ عَلَى التَّرْكِ مِنْ مَعْقُولِ الْأَمْرِ، لَكِنْ لَا نُسَلِّمُ أَنَّ الذَّمَّ إِنَّمَا يَكُونُ عَلَى الْفِعْلِ ; فَإِنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الذَّمُّ عَلَى أَنَّهُ لَمْ يَفْعَلْ، لَا عَلَى فِعْلٍ.
ص - الطَّارِدُونَ: مُتَمَسَّكَا الْقَاضِي الْمُتَقَدِّمَانِ.
وَأَيْضًا - النَّهْيُ: طَلَبُ تَرْكِ الْفِعْلَ، وَالتَّرْكُ فِعْلُ الضِّدِّ فَيَكُونُ أَمْرًا بِالضِّدِّ.
قُلْنَا: فَيَكُونُ الزِّنَا وَاجِبًا مِنْ حَيْثُ هُوَ تَرْكُ لِوَاطٍ، وَبِالْعَكْسِ.
ــ
[الشرح]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
[الشرح]
قَوْلُهُ: الْعَدَمُ غَيْرُ مَقْدُورٍ.
قُلْنَا: مَمْنُوعٌ.
وَلَئِنْ سُلِّمَ أَنَّ الذَّمَّ عَلَى الْفِعْلِ، فَلَا يَكُونُ الْكَفُّ مَنْهِيًّا عَنْهُ ; لِأَنَّ النَّهْيَ هُوَ طَلَبُ كَفٍّ عَنْ فِعْلٍ، لَا طَلَبُ كَفٍّ عَنْ كَفٍّ، وَإِلَّا أَدَّى إِلَى وُجُوبِ تَصَوُّرِ الْكَفِّ عَنِ الْكَفِّ لِكُلِّ آمِرٍ، لِأَنَّ الْأَمْرَ بِالشَّيْءِ يَسْتَلْزِمُ تَصَوُّرَ النَّهْيِ عَنِ الْكَفِّ الَّذِي هُوَ طَلَبُ الْكَفِّ عَنِ الْكَفِّ.
وَهُوَ بَاطِلٌ قَطْعًا ; لِأَنَّا نَعْلَمُ أَنَّ الْآمِرَ لَا يَتَصَوَّرُ الْكَفَّ عَنِ الْكَفِّ حِينَ يَأْمُرُ.
وَإِذَا لَمْ يَكُنِ النَّهْيُ طَلَبَ كَفٍّ عَنْ كَفٍّ لَمْ يَكُنِ الْكَفُّ الَّذِي ذُمَّ عَلَيْهِ مَنْهِيًّا عَنْهُ، فَلَا يَسْتَلْزِمُ الْأَمْرُ بِالشَّيْءِ النَّهْيَ عَنِ الْكَفِّ وَلَا عَنِ الضِّدِّ.
الثَّانِي - أَنَّ الْأَمْرَ بِالشَّيْءِ يَسْتَلْزِمُ كَوْنَ الْمَأْمُورِ بِهِ وَاجِبًا، وَالْوَاجِبُ لَا يَتِمُّ إِلَّا بِتَرْكِ الضِّدِّ.
وَمَا لَا يَتِمُّ الْوَاجِبُ إِلَّا بِهِ فَهُوَ وَاجِبٌ: فَتَرْكُ الضِّدِّ وَاجِبٌ
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
[الشرح]
وَتَرْكُ الضِّدِّ الْكَفُّ عَنْهُ أَوْ نَفْيُهُ. فَيَكُونُ الْكَفُّ عَنْ ضِدِّ الْمَأْمُورِ بِهِ أَوْ نَفْيِهِ مَطْلُوبًا فَيَكُونُ ضِدُّ الْمَأْمُورِ بِهِ مَنْهِيًّا عَنْهُ ; لِأَنَّ مَعْنَى النَّهْيِ طَلَبُ الْكَفِّ عَنِ الضِّدِّ أَوْ طَلَبُ نَفْيِهِ. فَيَكُونُ الْأَمْرُ بِالشَّيْءِ مُسْتَلْزِمًا لِلنَّهْيِ عَنْ ضِدِّهِ.
وَقَدْ تَقَدَّمَ جَوَابُهُ ; وَهُوَ أَنَّهُ لَيْسَ كُلُّ مَا لَا يَتِمُّ الْوَاجِبُ إِلَّا بِهِ فَهُوَ وَاجِبٌ، بَلْ مَا لَا يَتِمُّ الْوَاجِبُ إِلَّا بِهِ إِذَا كَانَ شَرْطًا شَرْعِيًّا كَانَ وَاجِبًا. وَتَرْكُ الضِّدِّ لَا يَكُونُ شَرْطًا شَرْعِيًّا. فَلَا يَلْزَمُ مِنْ وُجُوبِ الشَّيْءِ وُجُوبُهُ.
ش - الطَّارِدُونَ: أَعْنِي الْقَائِلِينَ بِأَنَّ النَّهْيَ عَنِ الشَّيْءِ هُوَ بِعَيْنِهِ أَمْرٌ بِضِدِّهِ، كَمَا أَنَّ الْأَمْرَ بِالشَّيْءِ هُوَ عَيْنُ النَّهْيِ عَنْ ضِدِّهِ، احْتَجُّوا بِثَلَاثَةِ وُجُوهٍ:
الْأَوَّلُ وَالثَّانِي مِنْهُمَا مُتَمَسَّكَا الْقَاضِي، أَعْنِي الدَّلِيلَيْنِ الدَّالَّيْنِ عَلَى عَدَمِ الْمُغَايَرَةِ.
أَحَدُهُمَا أَنَّهُ لَوْ لَمْ يَكُنِ النَّهْيُ عَنِ الشَّيْءِ أَمْرًا بِضِدِّهِ، لَكَانَ إِمَّا مِثْلَهُ أَوْ ضِدَّهُ أَوْ خِلَافَهُ إِلَى آخِرِهِ.
وَالْآخَرُ الدَّلِيلُ الْمَأْخُوذُ مِنَ الْحَرَكَةِ وَالسُّكُونِ، وَهُوَ أَنَّ تَرْكَ الْحَرَكَةِ عَيْنُ السُّكُونِ. فَالنَّهْيُ عَنِ الْحَرَكَةِ هُوَ عَيْنُ الْأَمْرِ بِالسُّكُونِ.
وَتَقْرِيرُ جَوَابِهِمَا قَدْ مَرَّ.
وَهُوَ بَاطِلٌ قَطْعًا.
وَبِأَنْ لَا مُبَاحَ.
وَبِأَنَّ النَّهْيَ طَلَبُ الْكَفِّ لَا الضِّدِّ الْمُرَادِ.
فَإِنْ قُلْتُمْ: فَالْكَفُّ فِعْلٌ فَيَكُونُ أَمْرًا (بِضِدِّهِ) رَجَعَ النِّزَاعُ لَفْظِيًّا، وَلَزِمَ أَنْ يَكُونَ النَّهْيُ نَوْعًا مِنَ الْأَمْرِ.
وَمِنْ ثَمَّةَ قِيلَ: الْأَمْرُ طَلَبُ فِعْلٍ لَا كَفٍّ.
ص - الطَّارِدُونَ فِي التَّضَمُّنِ: لَا يَتِمُّ الْمَطْلُوبُ بِالنَّهْيِ إِلَّا بِأَحَدِ أَضْدَادِهِ، كَالْأَمْرِ.
وَأُجِيبَ بِالْإِلْزَامِ الْفَظِيعِ، وَبِأَنْ لَا مُبَاحَ.
ص - وَالْفَارُّ مِنَ الطَّرْدِ إِمَّا لِأَنَّ النَّهْيَ طَلَبُ نَفْيٍ، وَإِمَّا لِلْإِلْزَامِ الْفَظِيعِ.
وَإِمَّا لِأَنَّ أَمْرَ الْإِيجَابِ يَسْتَلْزِمُ الذَّمَّ عَلَى التَّرْكِ، وَهُوَ فِعْلٌ فَاسْتُلْزِمَ كَمَا تَقَدَّمَ.
وَالنَّهْيُ طَلَبُ كَفٍّ عَنْ فِعْلٍ فَلَمْ يَسْتَلْزِمِ الْأَمْرَ، لِأَنَّهُ طَلَبُ فِعْلٍ، لَا كَفٍّ.
وَإِمَّا لِإِبْطَالِ الْمُبَاحِ.
ص - وَالْمُخَصَّصُ: الْوُجُوبُ لِلْأَمْرَيْنِ الْأَخِيرَيْنِ.
ص - (مَسْأَلَةٌ) الْإِجْزَاءُ: الِامْتِثَالُ. فَالْإِتْيَانُ بِالْمَأْمُورِ بِهِ عَلَى وَجْهِهِ يُحَقِّقُهُ اتِّفَاقًا.
وَقِيلَ: الْإِجْزَاءُ: إِسْقَاطُ الْقَضَاءِ، فَيَسْتَلْزِمُهُ.
وَقَالَ عَبْدُ الْجَبَّارِ: لَا يَسْتَلْزِمُهُ.
لَنَا: لَوْ لَمْ يَسْتَلْزِمْهُ لَمْ يُعْلَمِ امْتِثَالٌ.
وَأَيْضًا: فَإِنَّ الْقَضَاءَ اسْتِدْرَاكٌ لِمَا فَاتَ مِنَ الْأَدَاءِ. فَيَكُونُ تَحْصِيلًا لِلْحَاصِلِ.
ص - قَالُوا: لَوْ كَانَ لَكَانَ الْمُصَلِّي بِظَنِّ الطَّهَارَةِ آثِمًا أَوْ سَاقِطًا عَنْهُ الْقَضَاءُ، إِذَا تَبَيَّنَ الْحَدَثَ.
وَأُجِيبُ بِالسُّقُوطِ لِلْخِلَافِ.
وَبِأَنَّ الْوَاجِبَ مِثْلُهُ بِأَمْرٍ آخَرَ عِنْدَ التَّبَيُّنِ.
وَإِتْمَامُ الْحَجِّ الْفَاسِدِ وَاضِحٌ.
ص - (مَسْأَلَةٌ) صِيغَةُ الْأَمْرِ بَعْدَ الْحَظْرِ لِلْإِبَاحَةِ عَلَى الْأَكْثَرِ لَنَا غَلَبَتُهَا شَرْعًا ; {وَإِذَا حَلَلْتُمْ فَاصْطَادُوا} [المائدة: 2]، {فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلَاةُ} [الجمعة: 10] .
قَالُوا: لَوْ كَانَ مَانِعًا لَمَنَعَ مِنَ التَّصْرِيحِ.
وَأُجِيبَ بِأَنَّ التَّصْرِيحَ قَدْ يَكُونُ بِخِلَافِ الظَّاهِرِ.
ص - (مَسْأَلَةٌ) الْقَضَاءُ بِأَمْرٍ جَدِيدٍ.
ــ
[الشرح]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
[الشرح]
الثَّالِثُ - أَنَّ النَّهْيَ طَلَبُ تَرْكِ فِعْلٍ، وَتَرْكُ الْفِعْلِ هُوَ بِعَيْنِهِ فِعْلُ الضِّدِّ ; فَالنَّهْيُ طَلَبُ فِعْلِ الضِّدِّ، وَكُلُّ مَا هُوَ طَلَبُ فِعْلٍ فَهُوَ أَمْرٌ، فَالنَّهْيُ عَنِ الشَّيْءِ هُوَ بِعَيْنِهِ أَمْرٌ بِضِدِّهِ.
أَجَابَ عَنْهُ مِنْ ثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ:
الْأَوَّلُ - لَوْ كَانَ تَرْكُ فِعْلٍ هُوَ بِعَيْنِهِ فِعْلٌ بِالضِّدِّ، لَكَانَ الزِّنَا وَاجِبًا مِنْ حَيْثُ هُوَ تَرْكُ اللِّوَاطِ، وَلَكَانَ اللِّوَاطُ وَاجِبًا مِنْ حَيْثُ هُوَ تَرْكُ الزِّنَا، وَالتَّالِي بَاطِلٌ.
بَيَانُ الْمُلَازَمَةِ: أَنَّ تَرْكَ الزِّنَا حِينَئِذٍ يَكُونُ فِعْلَ اللِّوَاطِ الَّذِي هُوَ ضِدُّهُ. وَتَرْكُ اللِّوَاطِ أَيْضًا فِعْلُ الزِّنَا. وَكُلٌّ مِنْ تَرْكِ اللِّوَاطِ وَتَرْكِ الزِّنَا وَاجِبٌ. فَيَكُونُ فِعْلُ كُلٍّ مِنَ الزِّنَا وَاللِّوَاطِ الَّذِي هُوَ بِعَيْنِهِ تَرْكُ الْآخَرِ وَاجِبًا.
الثَّانِي أَنَّهُ لَوْ كَانَ تَرْكُ فِعْلٍ هُوَ بِعَيْنِهِ فِعْلُ ضِدِّهِ يَلْزَمُ أَنْ لَا يَكُونَ الْمُبَاحُ مُتَحَقِّقًا فِي الشَّرْعِ ; لِأَنَّ كُلَّ مُبَاحٍ ضِدُّ الْحَرَامِ، وَضِدُّ الْحَرَامِ بِعَيْنِهِ تَرْكُ الْحَرَامِ، وَتَرْكُ الْحَرَامِ وَاجِبٌ. فَيَكُونُ كُلُّ مُبَاحٍ وَاجِبًا. فَلَا يَكُونُ الْمُبَاحُ مُتَحَقِّقًا.
الثَّالِثُ - أَنَّ النَّهْيَ طَلَبُ الْكَفِّ عَنِ الْفِعْلِ. فَيَكُونُ الْكَفُّ عَنِ الْفِعْلِ مَطْلُوبًا، لَا فِعْلُ الضِّدِّ الْمُرَادِ.
فَإِنْ قِيلَ: لَوْ سُلِّمَ أَنَّ النَّهْيَ طَلَبُ كَفٍّ عَنِ الْفِعْلِ،
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
[الشرح]
فَالْكَفُّ فِعْلٌ، فَيَكُونُ طَلَبُهُ أَمْرًا، لِأَنَّ طَلَبَ الْفِعْلِ أَمْرٌ.
أُجِيبُ بِأَنَّهُ حِينَئِذٍ رَجَعَ النِّزَاعُ لَفْظِيًّا، لِأَنَّا لَا نُسَمِّي طَلَبَ الْكَفِّ أَمْرًا، وَأَنْتُمْ تُسَمُّونَهُ أَمْرًا.
وَيَلْزَمُكُمْ أَنْ يَكُونَ النَّهْيُ نَوْعًا مِنَ الْأَمْرِ ; لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ يَكُونُ طَلَبُ الْفِعْلِ - سَوَاءٌ كَانَ كَفًّا أَوْ غَيْرَهُ - أَمْرًا.
ثُمَّ إِنْ كَانَ ذَلِكَ الْفِعْلُ كَفًّا سُمِّيَ نَهْيًا أَيْضًا.
فَالْقَوْلُ بِأَنَّ النَّهْيَ نَوْعٌ مِنَ الْأَمْرِ بَاطِلٌ.
(وَمِنْ ثَمَّ؛ أَيْ وَمِنْ أَجْلِ أَنَّ الْقَوْلَ بِأَنَّ النَّهْيَ نَوْعٌ مِنَ الْأَمْرِ، بَاطِلٌ) قِيلَ فِي تَعْرِيفِ الْأَمْرِ: إِنَّهُ طَلَبُ فِعْلٍ غَيْرِ كَفٍّ.
ش - الطَّارِدُونَ فِي التَّضَمُّنِ؛ أَيِ الْقَائِلُونَ بِأَنَّ النَّهْيَ عَنِ الشَّيْءِ يَسْتَلْزِمُ الْأَمْرَ بِضِدِّهِ، كَمَا أَنَّ الْأَمْرَ بِالشَّيْءِ يَسْتَلْزِمُ النَّهْيَ عَنْ ضِدِّهِ، احْتَجُّوا بِأَنَّ الْمَطْلُوبَ بِالنَّهْيِ الَّذِي هُوَ التَّرْكُ - سَوَاءٌ كَانَ كَفًّا، أَوْ أَنْ لَا يَفْعَلَ - لَا يَتِمُّ وَلَا يَحْصُلُ إِلَّا بِفِعْلِ أَحَدِ أَضْدَادِهِ كَالْأَمْرِ فَإِنَّ الْمَطْلُوبَ بِهِ لَا يَحْصُلُ وَلَا يَتِمُّ إِلَّا بِتَرْكِ أَحَدِ أَضْدَادِهِ.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
[الشرح]
وَمَا لَا يَتِمُّ الْمَطْلُوبُ إِلَّا بِهِ فَهُوَ مَطْلُوبٌ. فَالنَّهْيُ عَنِ الشَّيْءِ يَسْتَلْزِمُ طَلَبَ فِعْلِ الضِّدِّ، وَطَلَبُ فِعْلِ الضِّدِّ أَمْرٌ، فَيَكُونُ النَّهْيُ مُسْتَلْزِمًا لِلْأَمْرِ.
أُجِيبُ عَنْهُ بِالْإِلْزَامِ الْفَظِيعِ؛ وَهُوَ أَنَّهُ يَلْزَمُ أَنْ يَكُونَ طَلَبُ تَرْكِ الزِّنَا مُسْتَلْزِمًا لِطَلَبِ فِعْلِ اللِّوَاطِ، وَبِالْعَكْسِ.
وَأَيْضًا يَلْزَمُ أَنْ لَا مُبَاحَ فِي الشَّرْعِ كَمَا ذَكَرَ.
ش - الْفَارُّ مِنَ الطَّرْدِ، أَعْنِي الْقَائِلَ بِأَنَّ الْأَمْرَ بِالشَّيْءِ هُوَ بِعَيْنِهِ النَّهْيُ عَنِ الضِّدِّ أَوْ يَسْتَلْزِمُهُ، وَالنَّهْيُ عَنِ الشَّيْءِ لَا يَكُونُ بِعَيْنِهِ
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
[الشرح]
أَمْرًا بِالشَّيْءِ وَلَا يَسْتَلْزِمُهُ، إِنَّمَا يَفِرُّ مِنَ الطَّرْدِ.
إِمَّا لِأَنَّ النَّهْيَ طَلَبُ نَفْيِ فِعْلٍ، أَيْ طَلَبُ أَنْ لَا يَفْعَلَ، وَهُوَ عَدَمٌ. وَالْأَمْرُ طَلَبُ وُجُودِ فِعْلٍ، وَطَلَبُ الْعَدَمِ لَا يَكُونُ طَلَبَ الْوُجُودِ وَلَا مُتَضَمِّنًا لَهُ.
وَهَذَا الدَّلِيلُ يُوجِبُ أَنْ لَا يَكُونَ الْأَمْرُ بِالشَّيْءِ نَهْيًا عَنْ ضِدِّهِ، وَلَا مُسْتَلْزِمًا لَهُ ; لِأَنَّ طَلَبَ الْوُجُودِ لَا يَكُونُ بِعَيْنِهِ طَلَبَ الْعَدَمِ، وَلَا مُتَضَمِّنًا لَهُ.
وَأَمَّا الْإِلْزَامُ الْمَذْكُورُ، وَهُوَ لُزُومُ كَوْنِ الزِّنَا وَاجِبًا، وَهَذَا أَيْضًا بَاطِلٌ، لِأَنَّ الْأَمْرَ بِالشَّيْءِ لَوْ كَانَ عَيْنَ النَّهْيِ عَنْ ضِدِّهِ، أَوْ مُسْتَلْزِمًا لَهُ، يَلْزَمُ أَنْ يَكُونَ الْأَمْرُ بِالصَّلَاةِ بِعَيْنِهِ نَهْيًا عَنِ الْحَجِّ أَوْ مُسْتَلْزِمًا لَهُ ; فَإِنَّ الصَّلَاةَ ضِدُّ الْحَجِّ.
وَإِمَّا لِأَنَّ أَمْرَ الْإِيجَابِ يَسْتَلْزِمُ الذَّمَّ عَلَى التَّرْكِ، وَالتَّرْكُ فِعْلٌ، لِمَا تَقَدَّمَ مِنْ أَنَّ الذَّمَّ لَا يَكُونُ إِلَّا عَلَى الْفِعْلِ، فَاسْتَلْزَمَ الْأَمْرُ النَّهْيَ ; لِأَنَّ التَّرْكَ الَّذِي هُوَ فِعْلٌ يُذَمُّ عَلَيْهِ، مَنْهِيٌّ عَنْهُ، وَالنَّهْيُ عَنِ الشَّيْءِ لَا يَسْتَلْزِمُ الْأَمْرَ بِالضِّدِّ؛ لِأَنَّ النَّهْيَ طَلَبُ كَفٍّ عَنْ فِعْلٍ، وَالْأَمْرَ طَلَبُ فِعْلٍ غَيْرِ كَفٍّ.
فَلَوْ كَانَ النَّهْيُ مُسْتَلْزِمًا لِلْأَمْرِ لَزِمَ أَنْ يَكُونَ طَلَبُ الْكَفِّ مُسْتَلْزِمًا لِطَلَبٍ غَيْرِ الْكَفِّ، وَهُوَ مُسْتَحِيلٌ.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
[الشرح]
وَهَذَا الدَّلِيلُ أَيْضًا يُوجِبُ أَنْ يَكُونَ الْأَمْرُ بِالشَّيْءِ لَا يَكُونُ مُسْتَلْزِمًا لِلنَّهْيِ عَنِ الضِّدِّ ; لِأَنَّهُ كَمَا لَا يُمْكِنُ اسْتِلْزَامُ طَلَبِ الْكَفِّ لِطَلَبِ غَيْرِ الْكَفِّ لَا يُمْكِنُ اسْتِلْزَامُ طَلَبِ غَيْرِ الْكَفِّ لِلْكَفِّ.
وَإِمَّا لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ النَّهْيُ مُسْتَلْزِمًا لِلْأَمْرِ، لَزِمَ نَفْيُ الْمُبَاحِ؛ لِأَنَّهُ يَلْزَمُ مِنَ النَّهْيِ الْأَمْرُ بِالْمُبَاحِ الَّذِي هُوَ ضِدُّ الْمَنْهِيِّ عَنْهُ فَانْتَفَى الْمُبَاحُ لِكَوْنِهِ مَأْمُورًا بِهِ، وَالْمَأْمُورُ بِهِ وَاجِبٌ.
وَهُوَ أَيْضًا بَاطِلٌ ; لِأَنَّ الْأَمْرَ بِالشَّيْءِ لَوْ كَانَ مُسْتَلْزِمًا لِلنَّهْيِ عَنِ الضِّدِّ يَلْزَمُ أَيْضًا نَفْيُ الْمُبَاحِ.
ش - أَيِ الْقَائِلُ بِأَنَّ أَمْرَ الْإِيجَابِ يَسْتَلْزِمُ النَّهْيَ عَنْ ضِدِّهِ، دُونَ أَمْرِ النَّدْبِ، إِنَّمَا خَصَّصَ أَمْرَ الْإِيجَابِ نَظَرًا إِلَى الْأَمْرَيْنِ الْأَخِيرَيْنِ.
أَمَّا إِلَى الْأَوَّلِ مِنَ الْأَخِيرَيْنِ ; فَلِأَنَّهُ إِنَّمَا اسْتَلْزَمَ الْأَمْرُ النَّهْيَ بِسَبَبِ الذَّمِّ عَلَى التَّرْكِ، وَلَا ذَمَّ عَلَى التَّرْكِ فِي النَّدْبِ، فَلَا يَلْزَمُ مِنْ أَمْرِ النَّدْبِ النَّهْيُ عَنْ ضِدِّهِ.
وَأَمَّا إِلَى الثَّانِي، فَلِأَنَّ اسْتِلْزَامَ الْأَمْرِ لِلنَّهْيِ يُوجِبُ نَفْيَ الْمُبَاحِ، وَنَفْيُ الْمُبَاحِ خِلَافُ الْأَصْلِ، فَخُصِّصَ أَمْرُ الْإِيجَابِ بِاسْتِلْزَامِهِ النَّهْيَ دُونَ أَمْرِ النَّدْبِ ; لِأَنَّ خِلَافَ الْأَصْلِ كُلَّمَا كَانَ أَكْثَرَ كَانَ أَشَدَّ مَحْذُورًا.
وَلِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ عَلَى الْأَوَّلِ: إِنَّهُ لَا يَلْزَمُ مِنَ انْتِفَاءِ الذَّمِّ عَلَى