الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فضل
(1)
كانت أمها من مولّدات اليمامة، وكانت هى من مولّدات البصرة، نشأت فى دار رجل من قبيلة عبد القيس أدّبها وثقفها ثم باعها، ووقعت لرجل من النخّاسين فى الكرخ ببغداد يقال له حسنويه، فاشتراها منه محمد بن الفرج الرّخّجى، وأهداها إلى المتوكل سنة 233 للهجرة. ولم يكن بين الجوارى فى زمانها أفصح منها ولا أشعر، ويقول فيها بعض النخاسين: كانت فى نهاية الجمال والكمال. ولما دخلت على المتوكل سألها أشاعرة أنت؟ فقالت: كذلك زعم من باعنى واشترانى، فضحك، وقال لها: أنشدينا شيئا من شعرك، فأنشدته تمدحه:
استقبل الملك إمام الهدى
…
عام ثلاث وثلاثينا
إنا لنرجو يا إمام الهدى
…
أن تملك الناس ثمانينا
لا قدّس الله امرءا لم يقل
…
عند دعائى لك آمينا
فاستحسن الأبيات، وأمر لها بجائزة وأمر عريب أن تغنيه بها، فغنت وطرب طربا شديدا. وكانت حاضرة البديهة فكان الشعراء من حاشية المتوكل ومن غيرها يتعرضون لها ببعض أبيات يلقونها عليها، فتجيزها فى سرعة شديدة، وكان المتوكل نفسه يلقى عليها أحيانا بعض الأبيات فتسرع فى إجازتها ببديهتها الحاضرة، من ذلك قول بعض الشعراء:
تعلمت أسباب الرّضا خوف عتبها
…
وعلّمها حبّى لها كيف تغضب
ولم يكد يلفظ بالبيت حتى قالت:
تصدّ وأدنو بالمودّة جاهدا
…
وتبعد عنى بالوصال وأقرب
(1) انظر فى فضل وأخبارها وأشعارها الأغانى (طبعة الساسى) 21/ 114، 17/ 2 وفوات الوفيات للكتبى وطبقات الشعراء لابن المعتز ص 426 والنجوم الزاهرة 3/ 28 وزهر الآداب للحصرى 4/ 165
وكما كان لها مديح كان لها هجاء خصّت به معاصرتها الخنساء، ولكن جمهور أشعارها كان فى الغزل، وهو غزل رقيق رقة شديدة من مثل قولها:
علم الجمال تركتنى
…
فى الحب أشهر من علم
ونصبتنى يا منيتى
…
غرض المظنة والتّهم
فارقتنى بعد الدن
…
وّ فضرت عندى كالحلم
ما كان ضرّك لو وصل
…
ت فخفّ عن قلبى الألم
وهى تقول لصاحبها إنك وصلتنى وشهرتنى بحبك ثم هجرتنى وأنزلتنى هذه المنزلة المخزية من القطيعة، حتى صرت وصارت أيام وصلك كأنها حلم وخيال، وهى تود لو ظفرت بحبه ثانية وظفرت بوصله، فخرجت من آلامها المبرّحة. وأكثر غزلها فى معشوقها سعيد بن حميد رئيس ديوان الرسائل لعصر المستعين، وله فيها بدوره غزل كثير، وبينهما محاورات ومكاتبات شعرية طريفة، من ذلك أنه عتب عليها يوما أنها لا تقبل عليه فى مجلسها ولا تذكره باسمه فى غزلها، فكتبت إليه:
وعيشك لو صرّحت باسمك فى الهوى
…
لأقصرت عن أشياء فى الهزل والجدّ
ولكننى أبدى لهذا مودتى
…
وذاك وأخلو فيك بالبثّ والوجد
فكتب إليها سعيد:
تنامين عن ليلى وأسهره وحدى
…
وأنهى جفونى أن تبثّك ما عندى
فإن كنت لا تدرين ما قد فعلته
…
بنا فانظرى ماذا على قاتل العمد
وكان لا يقلّ عنها كلفا ولا غراما، وكانا كثيرا ما يتغاضبان ويتعاتبان ويعودان إلى الرضا بعد أن يصف كل منهما هيامه بصاحبه ودموعه المتحدرة، وكانت لاتنى الرقاع والرسائل بينهما ذاهبة راجعة، ومما كتبته له فى إحدى الرقاع:
الصّبر ينقص والسّقام يزيد
…
والدار دانية وأنت بعيد
أشكوك أم أشكو إليك فإنه
…
لا يستطيع سواهما المجهود