المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ذكر رسل النبي صلى الله عليه وسلم - تاريخ الإسلام - ت تدمري - جـ ٢

[شمس الدين الذهبي]

فهرس الكتاب

- ‌[المجلد الثاني (المغازى) ]

- ‌[مقدمة المؤلف]

- ‌السَّنَةُ الْأُولَى مِنَ الْهِجْرَةِ

- ‌قِصَّةُ إِسْلَامِ ابْنِ سَلامٍ

- ‌قِصَّةُ بِنَاءِ الْمَسْجِدِ

- ‌سَنَةُ اثْنَتَيْنِ فِي صَفَرِهَا:

- ‌(غَزْوَةُ الْأَبْوَاءِ) [1]

- ‌[بَعْثُ حَمْزَةَ [4]]

- ‌[بَعْثُ عُبَيْدَةَ بْنِ الْحَارِثِ]

- ‌[غَزْوَةُ بُوَاطٍ [1]]

- ‌[غَزْوَةُ الْعُشَيْرَةِ]

- ‌[غَزْوَةُ بَدْرٍ الْأُولَى]

- ‌[سَرِيَّةُ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ]

- ‌[بَعْثُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ جَحْشٍ]

- ‌[غَزْوَةُ بَدْرٍ الْكُبْرَى]

- ‌بَقِيَّةُ أَحَادِيثِ غَزْوَةِ بَدْرٍ

- ‌رُؤْيَا عَاتِكَةَ

- ‌ذِكْرُ غَزْوَةِ بَدْرٍ

- ‌فَصْلٌ فِي غَنَائِمِ بَدْرٍ وَالْأَسْرَى

- ‌أَسْمَاءُ مَنْ شَهِدَ بَدْرًا

- ‌ذِكْرُ طَائِفَةٍ مِنْ أَعْيَانِ الْبَدْرِيِّينَ

- ‌قِصَّةُ النَّجَاشِيُّ

- ‌سَرِيَّةُ عُمَيْرِ بْنِ عَدِيٍّ الْخَطْمِيِّ [5]

- ‌غَزْوَةُ بَنِي سُلَيْمٍ [1]

- ‌سَرِيَّةُ سَالِمِ بْنِ عُمَيْرٍ [1] لِقَتْلِ أَبِي عَفَكٍ

- ‌غَزْوَةُ السَّوِيقِ فِي ذِي الْحِجَّةِ

- ‌ثُمَّ دَخَلَتْ سَنَةُ ثَلَاثٍ

- ‌«غَزْوَةُ ذِي أَمَرٍ»

- ‌غَزْوَةُ بُحْرَانَ

- ‌غزة بَنِي قَيْنُقَاعَ

- ‌غَزْوَةُ بَنِي النَّضِيرِ

- ‌سَرِيَّةُ زَيْدِ بْنِ حَارِثَةَ إِلَى الْقَرَدَةِ [3]

- ‌غَزْوَةُ قَرْقَرَةِ الْكُدْرِ

- ‌مَقْتَلُ كَعْبِ بْنِ الْأَشْرَفِ [1]

- ‌غَزْوَةُ أُحُدٍ «وَكَانَتْ فِي شَوَّالٍ»

- ‌عَدَدُ الشُّهَدَاءِ

- ‌غزوَة حمَراء الأسَد [1]

- ‌السَّنة الرابعَة

- ‌«سريّة أبي سلمَة إلى قطن في أوّلها»

- ‌غزوة الرَّجيع [2]

- ‌غزوة بئر مَعُوَنة [3]

- ‌ذَكَرَ الخلاف فِي غَزْوَةِ بَنِي النَّضِيرِ

- ‌غزوة بني لحيان

- ‌غزوة ذاتِ الرِّقاع [3]

- ‌غزوة بدر المَوْعِد

- ‌غزوة الخندق

- ‌السَّنَةُ الْخَامِسَةُ

- ‌«غزوة ذات الرقاع»

- ‌غزوة دُومَة الْجَنْدَل وهي بضمّ الدَّال

- ‌غزوة المُرَيْسِيع

- ‌تزويج رَسُول اللَّه صلى الله عليه وسلم بجويرية «رضي الله عنها»

- ‌الأفك «وكان في هذه الغزوة»

- ‌غزوَةُ الخَنَدق

- ‌غزوة بني قريظة [1]

- ‌وفاة سعد بن مُعَاذ

- ‌إسلام ابني سَعْيَة وأسد بْن عُبَيْد

- ‌سَنَة ستٍّ مِنَ الهجَرة

- ‌غزوة الغابة أو غزوة ذي قرد [4]

- ‌مقتل ابن أبي الحُقَيْق

- ‌قتل ابن نُبَيْح الهُذْليّ

- ‌غزوة بني المصطلق وهي غزوة المريسيع

- ‌سرية نَجْد [1]

- ‌سرية عُكّاشة بْن مِحْصَن إلى الغَمْر

- ‌[سرية أَبِي عبيدة إلى ذي القَصَّة] [5]

- ‌[سَرِيَّةُ مُحَمَّد بْن مَسْلَمَة إلى ذي القَصَّة] [1]

- ‌[سَرِيَّةُ زيدِ بْن حارثة إلى بني سُلَيْم بالجَمُوم] [3]

- ‌[سَرِيَّةُ زيد بْن حارثة إلى الطَّرف] [6]

- ‌[سرية زيد بْن حارثة إلى العِيص] [2]

- ‌[سَرِيَّةُ زيدِ بْن حارثة إلى حِسْمَى] [5]

- ‌[سَرِيَّةُ زيد إلى وادي القُرَى] [1]

- ‌[سَرِيَّةُ عليّ بْن أَبِي طَالِب إلى بني سعد بْن بَكْر بَفَدَكَ] [4]

- ‌[سَرِيَّةُ عَبْد الرَّحْمَن بْن عَوْف إلى دُومة الجَنْدَل] [7]

- ‌[سَرِيَّةُ كُرْز بْن جَابِر الفِهْرِي إلى العُرَنيّين] [3]

- ‌إسلام أبي العاص مبسوطًا

- ‌سَرِيَّةٌ عبدِ الله بْن رَوَاحة إلى أُسَيْر بْن زارم فِي شوّال

- ‌قصة غزوة الحديبية وهي عَلَى تسعة أميال من مكة

- ‌نزُولُ سُورة الفتح

- ‌السنة السابعة

- ‌«غزوة خيبر»

- ‌فصل فيمن ذكر أن مرحبا قتله مُحَمَّد بْن مسلمة [1]

- ‌ذكر صفية

- ‌ذِكْرُ من استشهد عَلَى خيبر

- ‌قدوم جَعْفَر بْن أَبِي طَالِب ومَن معه

- ‌شَأْنُ الشَّاةِ الْمَسْمُومَةِ

- ‌[حديث الحجَّاج بْن عِلاط السُّلَمي] [1]

- ‌غزوة وادي القرى

- ‌سَرِيّة أبي بَكْر إلى نجد

- ‌سرِيّة عُمَر إلى عَجُزِ هَوَازِن

- ‌سرية بشير بْن سعد

- ‌سَرِيَّةُ غالب بْن عَبْد الله الليثي

- ‌سَرِيَّةُ الجِناب [5]

- ‌سَرِيَّةُ أَبِي حَدْرَد إلى الغابة

- ‌سَرِيَّةُ مُحَلِّم بْن جَثَّامة

- ‌سَرِيَّةُ عَبْد الله بْن حُذَافَة بْن قيس (ابن عديّ السّهميّ) [1]

- ‌عُمْرَةُ القَضيَّة [1]

- ‌تَزْوِيجُهُ صلى الله عليه وسلم بِمَيْمُونَةَ

- ‌ثمّ دخلت سنة ثمان من الهجرة

- ‌[مسير ابن أبي العجواء إلى بني سليم]

- ‌إسلام عَمْرو بْن العاص وخالد بْن الوليد

- ‌سَرِيَّةُ شجاع بْن وهْب الأسديّ

- ‌سَرِيَّةُ نَجْدٍ

- ‌سرية كعب بْن عُمَيْر

- ‌غزوة مؤته

- ‌ذِكْرُ رُسُلِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم

- ‌غزوة ذات السلاسل

- ‌غزوة سيف البحر [5]

- ‌سَرِيَّةُ أَبِي قَتَادَة إلى خَضِرَة [5]

- ‌وَفَاةُ زَيْنَبَ بِنْتِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم

- ‌فتح مكة [1] «زادها اللَّه شرفًا» [2]

- ‌غزوة بني حُذيَمة [1]

- ‌غزوَة حُنَين [1]

- ‌غزوَة أوطَاس [1]

- ‌غزوة الطائف [1]

- ‌قِسْمُ غنَائِمِ حُنَيْنٍ وَغَيْر ذَلِك

- ‌عمرة الجعرانة

- ‌قصة كعب بْن زُهَيْر

- ‌السنة التاسعة

- ‌[سريّة الضَّحَّاك بْن سُفْيَان الكِلابيّ إلى القُرَطَاء] [1]

- ‌[سَرِيّة عَلْقَمَة بْن مُجَزِّز المُدْلِجِيّ] [5]

- ‌[سرية علي بن أبي طالب إلى الفلس] [3]

- ‌[سريّة عُكَّاشة بْن مِحْصَن إلى أَرْضِ عُذْرَة] [7]

- ‌غزوة تبوك [1]

- ‌[فائدة]

- ‌بَعث خَالِد بْن الوليد إلى أكيدر دُومَة [1]

- ‌[فائدة]

- ‌أمرُ الذين خلفوا [1]

- ‌مَوت عَبْد اللَّه بْن أَبِيّ

- ‌ذكر قدُوم وُفوُدِ العرب

- ‌[قُدُومُ عُرْوَةُ بْن مَسْعُود الثَّقَفِيّ]

- ‌وَفْدُ ثَقِيف [2]

- ‌السنة العاشرة

- ‌[وفد بني تَمِيم]

- ‌وفد بني عامر]

- ‌[وَافِدُ بني سَعْدٍ]

- ‌[الجَارُود بْن عَمْرو]

- ‌[وفدُ بَني حَنِيفَة]

- ‌[وفد طيِّئ]

- ‌[قدوم عديّ بْن حاتم]

- ‌[قدوم فَرْوَةَ بْن مُسَيْك المُرَادِيّ]

- ‌[وفد كِنْدة]

- ‌[وفد الأَزْد]

- ‌[كِتَابُ مُلُوكِ حِمْيَر]

- ‌[بعث خَالِد ثمّ عليَّ إلى اليمن]

- ‌[بعث أَبِي مُوسَى ومُعاذ إلى اليمن]

- ‌[وفد نَجْران]

- ‌حجَّةُ الودَاع [1]

- ‌سنة احدى عشر

- ‌سَرِيّة أُسَامَةَ

الفصل: ‌ذكر رسل النبي صلى الله عليه وسلم

‌ذِكْرُ رُسُلِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم

وَفِي هَذِهِ السنة كتب النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم إلى ملوك النَّواحي يدعوهم إلى الله تعالى.

قَالَ سَعِيدُ بْنُ أَبِي عَرُوبَةَ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَنَسٍ، أَنّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم كَتَبَ قَبْلَ مَوْتِهِ: إِلَى كِسْرَى، وَإِلَى قَيْصَرَ، وَكَتَبَ إِلَى النَّجَاشِيِّ، يَعْنِي الَّذِي مَلَكَ الْحَبَشَةِ بَعْدَ النَّجَاشِيِّ الْمُسْلِمِ، وَإِلَى كُلِّ جَبَّارٍ يَدْعُوهُمْ إِلَى اللَّهِ.

رَوَاهُ مُسْلِمٌ [1] .

وَلَيْسَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم كَتَبَ إِلَى النَّجَاشِيِّ الثَّانِي يَدْعُوهُ إِلَى اللَّهِ فِي هَذِهِ السَّنَةِ. بَلْ ذَلِكَ مَسْكُوتٌ عَنْهُ، وَإِنَّمَا كَانَ ذَلِكَ بَعْدَ مَوْتِ النَّجَاشِيِّ الأَوَّلِ الْمُسْلِمِ. وَمَوْتُهُ كَمَا سَيَأْتِي فِي سَنَةِ تِسْعٍ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

وَقَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ سَعْدٍ، عَنْ صَالِحِ بْنِ كَيْسَانَ، عن ابن شهاب، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ أَخْبَرَهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم كَتَبَ إِلَى قَيْصَرَ يَدْعُوهُ إِلَى الْإِسْلَامِ. وَبَعَثَ بكتابه إليه مع دحية الكلبيّ [2] ، وأمره

[1] صحيح مسلم (1774) كتاب الجهاد والسير، باب كتب النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم إلى ملوك الكفّار إلخ.

[2]

سيرة ابن هشام 4/ 232.

ص: 501

رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَنْ يَدْفَعَهُ إِلَى عَظِيمِ بُصْرَى لِيَدْفَعَهُ إِلَى قيصر. فدفعه عظيم بصرى إلى قيصر، [وكان قَيْصَرَ][1] لَمَّا كَشَفَ اللَّهُ عَنْهُ جُنُودَ فَارِسَ، مَشَى مِنْ حِمْصَ إِلَى إِيلِيَاءَ [2] شُكْرًا لِمَا أَبْلاهُ اللَّهُ. فَلَمَّا أَنْ جَاءَ قَيْصَرَ كِتَابُ رَسُولِ اللَّه صلى الله عليه وسلم، قَالَ حِينَ قَرَأَهُ: الْتَمِسُوا لِي هَاهُنَا أَحَدًا مِنْ قَوْمِهِ.

قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: فَأَخْبَرَنِي أَبُو سُفْيَانَ أَنَّهُ كَانَ بِالشَّامِ فِي رِجَالٍ مِنْ قُرَيْشٍ قَدِمُوا لِلتِّجَارَةِ، فِي الْمُدَّةِ الَّتِي كَانَتْ بَيْنَ رسول الله صلى الله عليه وسلم وبين كُفَّارِ قُرَيْشٍ.

قَالَ أَبُو سُفْيَانَ: فَوَجَدَنَا رَسُولَ قَيْصَرَ بِبَعْضِ الشَّامِ، فَانْطَلَقَ بِنَا حَتَّى قَدِمْنَا إيليا عليه، فَأُدْخِلْنَا عَلَيْهِ، فَإِذَا هُوَ جَالِسٌ فِي مَجْلِسِهِ وَعَلَيْهِ التَّاجُ، وَحَوْلَهُ عُظَمَاءُ الرُّومِ، فَقَالَ لِتَرْجُمَانِهِ: سَلْهُم أَيُّهُمْ أَقْرَبُ نَسَبًا مِنْ هَذَا [3] الرَّجُل الَّذِي يَزْعُمُ أَنَّهُ نَبِيٌّ؟ قُلْتُ: أَنَا أَقْرَبُهُمْ إِلَيْهِ نَسَبًا. قَالَ: مَا قَرَابَةُ مَا بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ؟ قُلْتُ: هُوَ ابْنُ عَمِّي. وَلَيْسَ فِي الرَّكْبِ يَوْمَئِذٍ أَحَدٌ مِنْ بَنِي عَبْدِ مَنَافَ غَيْرِي، قَالَ: أَدْنُوهُ. ثُمَّ أَمَرَ بِأَصْحَابِي فَجَعَلَهُمْ خَلَفَ ظَهْرِي، عِنْدَ كَتِفِي، ثُمَّ قَالَ لِتَرْجُمَانِهِ: قُلْ لِأَصْحَابِهِ إِنِّي سَائِلُهُ عَنْ هَذَا الَّذِي يَزْعُمُ أَنَّهُ نَبِيٌّ، فَإِنْ كَذَبَ فَكَذِّبُوهُ.

قَالَ أَبُو سُفْيَانَ: وَاللَّهِ لَوْلَا الْحَيَاءُ يَوْمَئِذٍ أَنْ يَأْثُرَ عَنِّي أَصْحَابِي الْكَذِبَ لَكَذَّبْتُهُ [4] عَنْهُ. ثُمَّ قَالَ لِتَرْجُمَانِهِ: قُلْ لَهُ كَيْفَ نَسَبُ هَذَا الرَّجُلُ فِيكُمْ؟

قُلْتُ: هُوَ فِينَا ذُو نَسَبٍ: قَالَ: فَهَلْ قَالَ هَذَا الْقَوْلَ أَحَدٌ مِنْكُمْ قَبْلَهُ؟ قُلْتُ:

لَا. قَالَ: فَهَلْ كُنْتُمْ تَتَّهِمُونَهُ بِالْكَذِبِ قَبْلَ أَنْ يَقُولَ مَا قَالَ؟ قُلْتُ: لَا.

قَالَ: فَهَلْ مِنْ آبَائِهِ مِنْ مَلِكٍ؟ قُلْتُ: لَا. قَالَ: فَأَشْرَافُ النَّاسِ يَتَّبِعُونَهُ أَمْ

[1] سقطت من الأصل، ع وأثبتناها من ح.

[2]

إيلياء: اسم مدينة بيت المقدس، وقيل معناه بيت الله.

[3]

في الأصل: بهذا. وأثبتنا لفظ البخاري ومسلم.

[4]

في البداية والنهاية 4/ 264 «لكذبت» .

ص: 502

ضعفاؤهم؟ قلت بل ضعفاؤهم. قال: [86 ب] فَيَزِيدُونَ أَوْ يَنْقُصُونَ؟

قُلْتُ: بَلْ يَزِيدُونَ. قَالَ: فَهَلْ يَرْتَدَّ أَحَدٌ سُخَطَةً لِدِينِهِ بَعْدَ أَنْ يَدْخُلَ فِيهِ، قُلْتُ: لَا قَالَ: فَهَلْ يَغْدُرُ؟ قُلْتُ: لَا، وَنَحْنُ الْآنَ مِنْهُ فِي مَدَّةٍ- يُشِيرُ إِلَى الْمُدَّةِ الَّتِي قَاضَاهُمُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم عَلَيْهَا يَوْمَ الْحُدَيْبِيَةِ وَآخِرُهَا يَوْمُ الْفَتْحِ- وَنَحْنُ نَخَافُ مِنْهُ أَنْ يَغْدُرَ، وَلَمْ يُمَكِّنِّي كَلِمَةً أُدْخِلُ فِيهَا شَيْئًا أَنْتَقِصُهُ بِهَا، لَا أَخَافُ أَنْ تُؤْثِرَ عَنِّي غَيْرَهَا. قَالَ: فَهَلْ قَاتَلْتُمُوهُ وَقَاتَلَكُمْ؟ قَلْتُ: نَعَمْ. قَالَ:

فَكَيْفَ حَرْبُكُمْ وَحَرْبُهُ؟ قُلْتُ: كَانَتْ دُوَلًا وَسِجَالًا، يُدَالُ عَلَيْنَا الْمَرَّةَ وَيُدَالُ عَلَيْهِ الْأُخْرَى قَالَ: فَمَاذَا يَأْمُرُكُمْ بِهِ؟ قُلْتُ: يَأْمُرُنَا أَنْ نَعْبُدَ اللَّهَ، وَلَا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا، وَيَنْهَانَا عَمَّا كان يعبد آباؤنا، ويأمرنا بِالصَّلَاةِ وَالصِّدْقِ وَالْعَفَافِ وَالْوَفَاءِ بِالْعَهْدِ وَأَدَاءِ الْأَمَانَةِ.

قَالَ: فَقَالَ لِتَرْجُمَانِهِ قُلْ لَهُ: إِنِّي سَأَلْتُكَ عَنْ نَسَبِهِ فِيكُمْ، فَزَعَمْتُ أَنَّهُ ذُو نَسَبٍ، وَكَذَلِكَ الرُّسُلُ تُبْعَثُ فِي نَسَبِ قَوْمِهَا. وَسَأَلْتُكَ: هَلْ قَالَ هَذَا الْقَوْلَ أَحَدٌ قَبْلَهُ، فَزَعَمْتَ أَنْ لَا، فَقُلْتُ: لَوْ كَانَ أَحَدٌ مِنْكُمُ قَالَ هَذَا الْقَوْلَ قَبْلَهُ لَقُلْتُ: رَجُلٌ يَأَتَمُّ بِقَوْلٍ قَدْ قِيلَ قَبْلَهُ. وَسَأَلْتُكَ: هَلْ كُنْتُمْ تَتَّهِمُونَهُ بِالْكَذِبِ قَبْلَ أَنْ يَقُولَ مَا قَالَ، فزعمت أن لا، فعرفت أنّه لم يكن ليدع الكذب عَلَى النَّاسِ وَيَكْذِبُ عَلَى اللَّهِ. وَسَأَلْتُكَ: هَلْ كَانَ مِنْ آبَائِهِ مِنْ مَلِكٍ، فَزَعَمْتُ أَنْ لَا، فَقُلْتُ: لَوْ كَانَ مِنْ آبَائِهِ مَلِكٌ قُلْتُ رَجُلٌ يَطْلُبُ مُلْكَ آبَائِهِ. وَسَأَلْتُكَ أَشْرَافُ النَّاسِ يَتَّبِعُونَهُ أَوْ ضُعَفَاؤُهُمْ، فَزَعَمْتَ أَنَّ ضُعَفَاءَهُمْ اتَّبَعُوهُ، وَهُمْ أَتْبَاعُ الرُّسُلِ.

وَسَأَلْتُكَ: هَلْ يَزِيدُونَ أَوْ يَنْقُصُونَ، فَزَعَمْتَ أَنَّهُمْ يَزِيدُونَ، وَكَذَلِكَ الْإِيمَانُ حَتَّى يَتِمَّ. وَسَأَلْتُكَ: هَلْ يَرْتَدُّ أَحَدٌ سُخْطَةً [1] لِدِينِهِ بَعْدَ أَنْ يَدْخُلَ فِيهِ، فَزَعَمْتَ أَنْ لَا، وَكَذَلِكَ الْإِيمَانُ حِينَ تُخَالِطُ بَشَاشَتُهُ الْقُلُوبَ لا يسخطه

[1] سخطة لدينه: كراهة له وعدم الرضا به.

ص: 503

أَحَدٌ. وَسَأَلْتُكَ: هَلْ يَغْدُرُ، فَزَعَمْتَ أَنْ لَا، وَكَذَلِكَ الرُّسُلُ لَا يَغْدُرُونَ.

وَسَأَلْتُكَ: هَلْ قَاتَلْتُمُوهُ وَقَاتَلَكُمْ، فَزَعَمْتَ أَنْ قَدْ فَعَلَ، وَأَنَّ حَرْبَكُمْ وَحَرْبَهُ يَكُونُ دُوَلًا، وَكَذَلِكَ الرُّسُلُ تُبْتَلَى وَتَكُونُ لَهَا الْعَاقِبَةُ. وَسَأَلْتُكَ: مَاذَا يَأْمُرُكُمْ بِهِ، فَزَعَمْتَ أَنَّهُ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تَعْبُدُوا اللَّهَ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَيَنْهَاكُمْ عَمَّا كَانَ يَعْبُدُ آبَاؤُكُمْ، وَيَأْمُرُكُمْ بِالصَّلَاةِ وَالصِّدْقِ وَالْعَفَافِ وَالْوَفَاءِ بِالْعَهْدِ وَأَدَاءِ الْأَمَانَةِ.

وَهَذِهِ صِفَةُ نَبِيٍّ، قَدْ كُنْتُ أَعْلَمَ أَنَّهُ خَارِجٌ، وَلَكِنْ لَمْ أَظُنَّ أَنَّهُ مِنْكُمْ، وَإِنْ يَكُنْ مَا قُلْتَ حَقًّا فَيُوشِكُ أَنْ يَمْلِكَ مَوْضِعَ قَدَمَيَّ هَاتَيْنِ، وَلَوْ أَرْجُو أَنْ أَخْلُصَ إِلَيْهِ لَتَجَشَّمْتُ لُقْيَهُ [1]، وَلَوْ كُنْتُ عِنْدَهُ لَغَسَلْتُ قَدَمَيْهِ. قَالَ: ثُمَّ دَعَا بِكِتَابِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَأَمَرَ فَقُرِئَ فَإِذَا فِيهِ [2] :

«بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ. مِنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ إِلَى هِرَقْلَ عظيم الروم:

سلام عَلَى من اتَّبع الْهُدَى. أما بعدُ، [87 أ] فَإِنِّي أَدْعُوكَ بِدِعَايَةِ الإِسْلامِ، أَسْلِمْ تَسْلَمْ، وَأَسْلِمْ يُؤْتِكَ اللَّهُ أَجْرَكَ مَرَّتَيْنِ. وَإِنْ تَوَلَّيْتَ فَعَلَيْكَ إثم الأريسيّين [3] . [و] يا أَهْلَ الْكِتابِ تَعالَوْا إِلى كَلِمَةٍ سَواءٍ بَيْنَنا وَبَيْنَكُمْ، أَلَّا نَعْبُدَ إِلَّا اللَّهَ، وَلا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئاً، وَلا يَتَّخِذَ بَعْضُنا بَعْضاً أَرْباباً مِنْ دُونِ 3: 64

[1] لقيه: (بالضم والكسر) لقاءه. وهي في البدآية والنهاية 4/ 265 «لقاءه» .

[2]

في مراجع هذا الكتاب الشريف واختلاف روآياته انظر: مجموعة الوثائق السياسية للعهد النبوي والخلافة الراشدة للدكتور محمد حميد الله (ص 80- 82) وانظر أيضا في إعلام السائلين عن كتب سيد المرسلين (ص 10 وما بعدها) .

[3]

الأريسيون: الأكارون، ويراد بهم فلاحو السواد، وهي لغة شامية، مفردة أريس وإريس (كجليس وسكيت) . وقد ذكرت فيهم أقوال شتى، فقيل هم قوم من المجوس لا يعبدون النار ويزعمون أنهم على دين إبراهيم عليه السلام. وقيل إنه كان في رهط هرقل تعرف بالأورسية نسبوا إليها. وقيل أنهم أتباع عبد الله بن أريس رجل كان في الزمن الأول قتلوا نبيا بعثه الله إليهم. وقيل غير ذلك. (انظر لسان العرب ج 7/ 300 مصورة بولاق) .

ص: 504

اللَّهِ. فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُولُوا اشْهَدُوا بِأَنَّا مُسْلِمُونَ 3: 64 [1] . قَالَ أَبُو سُفْيَانَ: فَلَمَّا أَنْ قَضَى مَقَالَتَهُ عَلَتْ أَصْوَاتُ الَّذِينَ حَوْلَهُ مِنْ عُظَمَاءِ الرُّومِ وَكَثُرَ لَغَطهُمْ، فَلَا أَدْرِي مَا قَالُوا وَأَمَرَ بِنَا فَأُخْرِجْنَا. فَلَمَّا أَنْ خَرَجْتُ مَعَ أَصْحَابِي وَخَلَوْتُ بِهِمْ قُلْتُ لَهُمْ: لَقَدْ أَمَرَ ابْنُ أبي كبشة [2] ، هذا ملك بني الأصغر يَخَافُهُ.

قَالَ أَبُو سُفْيَانَ: وَاللَّهِ مَا زِلْتُ ذليلا، مستيقنا بأنّ أمره سيظهره حَتَّى أَدْخَلَ اللَّهُ قَلْبِي الْإِسْلَامَ وَأَنَا كَارِهٌ. أَخْرَجَاهُ [3] مِنْ حَدِيثِ إِبْرَاهِيمَ.

وَأَخْرَجَاهُ مِنْ حَدِيثِ مَعْمَرٍ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ، [عَنِ] [4] ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ أَبَا سُفْيَانَ حَدَّثَهُ قَالَ: انْطَلَقْتُ فِي الْمُدَّةِ الَّتِي كَانَتْ بَيْنِي وَبَيْنَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، فَبَيْنَا أَنَا بِالشَّامِ. فَذَكَرَ كَحَدِيثِ إِبْرَاهِيمَ [5] .

وَرَوَاهُ يُونُسُ بن بكير، عن ابن إِسْحَاقَ، عَنِ الزُّهْرِيِّ بِسَنَدِهِ. وَفِيهِ قَالَ أَبُو سُفْيَانَ: فَلَمَّا كَانَتْ هُدْنَةُ الْحُدَيْبِيَةِ بَيْنَنَا وَبَيْنَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم خَرَجْتُ تَاجِرًا إلى الشام. فو الله مَا عَلِمْتُ بِمَكَّةَ امْرَأَةً وَلا رَجُلا إِلا قَدْ حَمَّلَنِي بِضَاعَةً. فَقَدِمْتُ غَزَّةَ، وَذَلِكَ حِينَ ظَهَرَ قَيْصَرُ عَلَى مَنْ كَانَ بِبِلادِهِ مِنَ الفرس، فأخرجهم

[1] سورة آل عمران- الآية 64.

[2]

أمر أمره: عظم شأنه وكبر. وابن أبي كبشة أراد به النّبيّ صلى الله عليه وسلم، وذكر النوويّ أنّ أبا كبشة رجل من خزاعة خالف قريشا في عبادة الأوثان فعبد الشّعرى فنسبوه إليه للاشتراك في مطلق المخالفة في دينهم.

[3]

صحيح البخاري: كتاب الجهاد والسّير، باب دعاء النّبيّ صلى الله عليه وسلم إلى الإسلام والنّبوّة إلخ 4/ 2- 5 وصحيح مسلم (1773) كتاب الجهاد والسير، باب كِتَابَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم إِلَى هرقل يدعوه إلى الإسلام.

[4]

في الأصل: عن عبد الله بن عبّاس. والتصحيح من ح وصحيح البخاري. (4/ 2) .

[5]

صحيح البخاري: كتاب التفسير، سورة آل عمران باب قل يا أهل الكتاب تعالوا إلى كلمة سواء 5/ 167 وصحيح مسلم (1773) كتاب الجهاد والسير، باب كِتَابَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم إِلَى هرقل يدعوه إلى الإسلام.

ص: 505

مِنْهَا. وَرَدَّ عَلَيْهِ صَلِيبَهُ الأَعْظَمَ، وَكَانَ مَنْزِلُهُ بِحِمْصَ فَخَرَجَ مِنْهَا مُتَنَكِّرًا إِلَى بَيْتِ الْمَقْدِسِ، تُبْسَطُ لَهُ الْبُسُطُ وَيُطْرَحُ لَهُ عَلَيْهَا الرَّيَاحِينُ. حَتَّى انْتَهَى إِلَى إِيلِيَاءَ، فَصَلَّى بِهَا. فَأَصْبَحَ ذات غداة مهموما يقلّب طرفه إلى السماء، فقالت له بطارقته: أيّها الملك، لقد أصبحت مَهْمُومًا. فَقَالَ: أَجَلْ.

قَالُوا: وَمَا ذَاكَ؟ قَالَ: أُرِيتُ فِي هَذِهِ اللَّيْلَةِ أَنَّ مَلَكَ الْخِتَانِ ظَاهِرٌ. فَقَالُوا:

وَاللَّهِ مَا نَعْلَمُ أُمَّةً مِنَ الأُمَمِ تَخْتَتِنُ إِلا يَهُودَ، وَهُمْ تَحْتَ يَدِكِ وَفِي سُلْطَانِكَ، فَإِنْ كَانَ قَدْ وَقَعَ هَذَا فِي نَفْسِكَ مِنْهُمْ، فَابْعَثْ فِي مَمْلَكَتِكَ كُلِّهَا فَلا يَبْقَى يَهُودِيٌّ إِلا ضُرِبَتْ عُنُقُهُ فَتَسْتَرِيحُ مِنْ هَذَا الْهَمِّ.

فَبَيْنَمَا هُمْ فِي ذَلِكَ، إِذْ أَتَاهُمْ رَسُولُ صَاحِبِ بُصْرَى بِرَجُلٍ مِنَ الْعَرَبِ قَدْ وَقَعَ إِلَيْهِمْ. فَقَالَ: أَيُّهَا الْمَلِكُ هَذَا رَجُلٌ مِنَ الْعَرَبِ مِنْ أَهْلِ الشَّاءِ وَالإِبِلِ، يُحَدِّثُكَ عَنْ حَدَثٍ كَانَ بِبِلادِهِ، فَسَلْهُ عَنْهُ. فَلَمَّا انْتَهَى إِلَيْهِ قَالَ لِتَرْجُمَانِهِ: سَلْهُ مَا هَذَا الْخَبَرُ الَّذِي كَانَ فِي بِلادِهِ؟ فَسَأَلَهُ فَقَالَ: هُوَ رَجُلٌ مِنْ قُرَيْشٍ خَرَجَ يَزْعُمُ أَنَّهُ نَبِيٌّ، وَقَدْ تَبِعَهُ أَقْوَامٌ وَخَالَفَهُ آخَرُونَ، فَكَانَتْ بَيْنَهُمْ مَلاحِمُ فَقَالَ: جَرِّدُوهُ. فَإِذَا هُوَ مَخْتُونٌ فَقَالَ: هَذَا وَاللَّهِ الَّذِي أُرِيتُ، لا مَا تَقُولُونَ. ثُمَّ دَعَا صَاحِبَ شُرْطَتِهِ فَقَالَ لَهُ: قَلِّبْ لِي الشَّامَ ظَهْرًا وَبَطْنًا حَتَّى تَأْتِيَ بِرَجُلٍ مِنْ قَوْمِ هَذَا أَسْأَلُهُ عن شأنه. فو الله أنّي وأصحابي [87 ب] لَبِغَزَّةَ [1] إِذْ هَجَمَ عَلَيْنَا فَسَأَلَنَا: مِمَّنْ أَنْتُمْ؟ فأخبرناه. فساقنا إليه جميعا.

فلما انتهى إليه- قال أبو سفيان: فو الله مَا رَأَيْتُ مِنْ رَجُلٍ [قَطُّ][2] أَزْعُمُ أَنَّهُ كَانَ أَدْهَى مِنْ ذَلِكَ الأَغْلَفِ [3]- يَعْنِي هِرَقْلَ- فلما انتهينا إلى قَالَ: أَيُّكُمْ أَمَسُّ بِهِ رَحِمًا؟ فَقُلْتُ: أَنَا. قَالَ: أَدْنُوهُ. وَسَاقَ الْحَدِيثَ، وَلَمْ يَذْكُرْ فِيهِ

[1] غزّة: المدينة المعروفة على ساحل فلسطين.

[2]

زيادة من (ح) ، والبداية والنهاية 4/ 363.

[3]

الأغلف: الّذي لم يختن، ومثله الأقلف.

ص: 506

كِتَابًا. وَفِيهِ كَمَا تَرَى أَشْيَاءَ عَجِيبَةً تَفَرَّدَ بِهَا ابْنُ إِسْحَاقَ دُونَ مَعْمَرٍ وَصَالِحٍ.

وَقَالَ يُونُسُ، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ، حَدَّثَنِي الزُّهْرِيُّ، حَدَّثَنِي أُسْقُفٌّ مِنَ النَّصَارَى قَدْ أَدْرَكَ ذَلِكَ الزَّمَانَ، قَالَ: لَمَّا قَدِمَ دِحيَةُ بْنُ خَلِيفَةَ عَلَى هِرقْلَ بِالْكِتَابِ، وَفِيهِ:

«بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ، مِنْ مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ إِلَى هِرَقْلَ عَظِيمِ الروم: سلام عَلَى من اتَّبع الْهُدَى. أما بعدُ، فأسلم تسلم، وَأَسْلِمْ يُؤْتِكَ اللَّهُ أَجْرَكَ مَرَّتَيْنِ، فَإِنْ أَبَيْتَ فَإِنَّ إِثْمَ الأَكَّارِينَ [1] عَلَيْكَ» . فَلَمَّا قَرَأَهُ وَضَعَهُ بَيْنَ فَخْذِهِ وَخَاصِرَتِهِ، ثُمَّ كَتَبَ إِلَى رَجُلٍ مِنْ أَهْلِ رُومِيَّةَ [2] ، كَانَ يَقْرَأُ مِنَ الْعَبْرَانِيَّةِ مَا يَقْرَأُ، يُخْبِرُهُ عَمَّا جَاءَهُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَكَتَبَ إِلَيْهِ أَنَّهُ النَّبِيُّ الَّذِي يُنْتَظَرُ لا شَكَّ فِيهِ فَاتَّبَعَهُ. فَأَمَرَ بِعُظَمَاءِ الرُّومِ فَجُمِعُوا لَهُ فِي دَسْكَرَةِ مُلْكِهِ، ثُمَّ أَمَرَ بِهَا فأُشْرِجَتْ [3] عَلَيْهِمْ، وَاطَّلَعَ عَلَيْهِمْ مِنْ عِلِّيَّةٍ لَهُ، وَهُوَ مِنْهُمْ خَائِفٌ فَقَالَ: يَا مَعْشَرَ الرُّومِ إِنَّهُ قَدْ جَاءَنِي كِتَابُ أَحْمَدَ، وَإِنَّهُ وَاللَّهِ لَلنَّبِيُّ الَّذِي كُنَّا نَنْتَظِرُ وَنَجِدُ ذِكْرَهُ فِي كِتَابِنَا، نَعْرِفُهُ بِعَلامَاتِهِ وَزَمَانِهِ.

فَأَسْلِمُوا وَاتَّبِعُوهُ تَسْلَمْ لَكُمْ دُنْيَاكُمْ وَآخِرَتُكُمْ. فَنَخَرُوا نَخْرَةَ رَجُلٍ وَاحِدٍ، وَابْتَدَرُوا أَبْوَابَ الدَّسْكَرَةِ، فَوَجَدُوهَا مُغْلَقَةً عَلَيْهِمْ. فَخَافَهُمْ، فَقَالَ: رُدُّوهُمْ عَلَيَّ. فَكَرُّوهُمْ عَلَيْهِ، فَقَالَ: إِنَّمَا قُلْتُ لَكُمْ هَذِهِ الْمَقَالَةَ أَغْمِزُكُمْ بِهَا لأَنْظُرَ كَيْفَ صَلابَتُكُمْ فِي دِينِكُمْ، فَقَدْ رَأَيْت مِنْكُمْ مَا سَرَّنِي. فوقعوا له سجّدا، ثم

[1] الأكارون: جمع أكار، وهو الريفي الّذي يحرث الأرض ويزرعها. وفي رواية اليعقوبي: فإنّ عليك إثم الريفيين (انظر الوثائق السياسية 82) .

[2]

رومية: بتخفيف الياء: مدينة رياسة الروم وعلمهم، واسمها بالرومية رومانس وتقع شمال وغربي القسطنطينية بينهما مسيرة خمسين يوما أو أكثر. (معجم البلدان 2/ 100) وهي مدينة روما المعروفة.

[3]

في هامش ح: أغلقت.

ص: 507

فُتِحَتْ لَهُمُ الأَبْوَابُ فَخَرَجُوا [1] .

وَقَالَ ابْنُ لَهِيعَةَ: ثنا أَبُو الأَسْوَدِ، عَنْ عُرْوَةَ [2] قَالَ: خَرَجَ أَبُو سُفْيَانَ تَاجِرًا وَبَلَغَ هِرَقْلَ شَأْنُ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم. قَالَ: فَأُدْخِلَ عَلَيْهِ أبو سُفْيَانُ فِي ثَلاثِينَ رَجُلا، وَهُوَ فِي كَنِيسَةِ إِيلِيَاءَ. فَسَأَلَهُمْ فَقَالُوا: سَاحِرٌ كَذَّابٌ. فَقَالَ:

أَخْبِرُونِي بأعلمكم بِهِ وَأَقْرَبِكُمْ مِنْهُ. قَالُوا: هَذَا ابْنُ عَمِّهِ. وَذَكَرَ شَبِيهًا بِحَدِيثِ الزُّهْرِيِّ.

وَقَالَ خ [3] : ثَنَا يَحْيَى بْنُ أَبِي بُكَيْرٍ، نَا اللَّيْثُ، عَنْ يُونُسَ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، حَدَّثَنِي عُبَيْدُ اللَّهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، أَنّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بَعَثَ بِكِتَابِهِ إِلَى كِسْرَى، وَأَمَرَهُ أَنْ يَدْفَعَهُ إِلَى عَظِيمِ الْبَحْرَيْنِ لِيَدْفَعَهُ إِلَى كِسْرَى. فَلَمَّا قَرَأَهُ كِسْرَى مَزَّقَهُ. فَحَسِبْتُ ابْنُ الْمُسَيِّبِ قَالَ: فَدَعَا عَلَيْهِمْ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَنْ يُمَزَّقُوا كلَّ مُمَزَّقٍ [4] .

وَقَالَ الذُّهْلِيُّ مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى: ثَنَا أَحْمَدُ بْنُ صَالِحٍ، ثَنَا ابْنُ وَهْبٍ، أَخْبَرَنِي يُونُسُ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، أَخْبَرَنِي عَبْدُ الرَّحْمَنِ بن عبد القاري، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَامَ ذَاتَ يَوْمٍ عَلَى الْمِنْبَرِ خَطِيبًا، فَحَمِدَ اللَّهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ وَتَشَهَّدَ، ثم قال:«أما بعد، فإنّي [88 أ] أُرِيدُ أَنْ أَبْعَثَ بَعْضُكُمْ إِلَى مُلُوكِ الْأَعَاجِمِ، فَلَا تَخْتَلِفُوا عَلَيَّ كَمَا اخْتَلَفَتْ بَنُو إِسْرَائِيلَ عَلَى عِيسَى» . فَقَالَ الْمُهَاجِرُونَ: وَاللَّهِ لَا نَخْتَلِفُ عَلَيْكَ فِي شَيْءٍ، فَمُرْنَا وَابْعَثْنَا. فَبَعَثَ شُجَاعَ

[1] حديث هرقل مع أبي سفيان أخرجه البخاري في صحيحه، بدء الوحي 6 من طريق عبد الله بن عباس عن أبي سفيان بن حرب مطوّلا. وانظر الطبقات الكبرى لابن سعد 1/ 259 ومسند أحمد 3/ 441، 442، و 4/ 74.

[2]

المغازي لعروة 196، 197، فتح الباري لابن حجر 1/ 36.

[3]

صحيح البخاري: كتاب الجهاد والسير، باب دعوة اليهوديّ والنّصرانيّ

وما كتب النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم إلى كسرى وقيصر. (3/ 235) .

[4]

انظر الطبقات الكبرى لابن سعد 1/ 260، وقد أخرجه أحمد في مسندة 1/ 243 وفيه:«قال ابن شهاب: فحسبت ابن المسيّب قال....» وانظر 1/ 305.

ص: 508

ابن وَهْبٍ إِلَى كِسْرَى. فَخَرَجَ حَتَّى قَدِمَ عَلَى كِسْرَى، وَهُوَ بِالْمَدَائِنِ، وَاسْتَأْذَنَ عَلَيْهِ. فَأَمَرَ كِسْرَى بِإِيوَانِهِ أَنْ يُزَيَّنَ، ثُمَّ أَذِنَ لِعُظَمَاءِ فَارِسَ، ثُمَّ أَذِنَ لِشُجَاعِ بْنِ وَهْبٍ. فَلَمَّا دَخَلَ عَلَيْهِ أَمَرَ بِكِتَابِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَنْ يُقْبَضَ مِنْهُ.

قَالَ شُجَاعٌ: لَا، حَتَّى أَدْفَعَهُ أَنَا كَمَا أَمَرَنِي رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم. فَقَالَ كِسْرَى:

ادْنُهُ، فَدَنَا فَنَاوَلَهُ الْكِتَابَ ثُمَّ دَعَا كَاتِبًا لَهُ مِنْ أَهْلِ الْحِيرَةِ فَقَرَأَهُ، فَإِذَا فِيهِ:

«مِنْ مُحَمَّدٍ عَبْدِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ إِلَى كِسْرَى عَظِيمِ فَارِسَ» .

فَأَغْضَبَهُ حِينَ بَدَأَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بِنَفْسِهِ، وَصَاحَ وَغَضِبَ وَمَزَّقَ الْكِتَابَ قَبْلَ أَنْ يَعْلَمَ مَا فِيهِ، وأمر بشجاع فأخرج، فركب رَاحِلَتَهُ وَذَهَبَ، فَلَمَّا سَكَنَ غَضَبُ كِسْرَى، طَلَبَ شُجَاعًا فَلَمْ يَجِدْهُ. وَأَتَى شُجَاعٌ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم فَأَخْبَرَهُ، فَقَالَ:«اللَّهمّ مَزِّقْ مُلْكَهُ» [1] . وَقَالَ أَبُو عَوَانَةَ، عَنْ سِمَاكٍ، عَنْ جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: لَتَفْتَحَنَّ عِصَابَةٌ مِنَ الْمُسْلِمِينَ كُنُوزَ كِسْرَى الَّتِي فِي الْقَصْرِ الْأَبْيَضِ.

أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ [2] . رَوَاهُ أَسْبَاطُ بْنُ نَصْرٍ، عَنْ سِمَاكٍ، عَنْ جَابِرٍ فَزَادَ قَالَ: فَكُنْتُ [3] أَنَا وَأَبِي فِيهِمْ، فَأَصَابَنَا مِنْ ذَلِكَ أَلْفُ دِرْهَمٍ. وَقَالَ أَحْمَدُ بْنُ الْوَلِيدِ الْفَحَّامُ: ثَنَا أَسْوَدُ بْنُ عَامِرٍ، أَنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، عَنْ حُمَيْدٍ، عَنِ الْحَسَنِ، عَنْ أَبِي بَكْرَةَ، أَنَّ رَجُلًا مِنْ أَهْلِ فَارِسَ أَتَى النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: إِنَّ رَبِّي قد قتل ربّك، يعني كسرى.

[1] انظر مسند أحمد 3/ 442.

[2]

صحيح مسلم (2919) كتاب الفتن وأشراط الساعة، باب لا تقوم الساعة حتى يمرّ الرجل بقبر الرجل فيتمنّى أن يكون مكان الميت من البلاء. وفيه: «

من المسلمين أو من المؤمنين كنز آل كسرى

» .

[3]

في الأصل: كنت. وأثبتنا عبارة ع، ح.

ص: 509

قَالَ: وَقِيلَ لِلنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم إِنَّهُ قَدِ اسْتَخْلَفَ بِنْتَهُ فَقَالَ: «لَا يُفْلِحُ قَوْمٌ تَمْلِكُهُمُ [1] امْرَأَةٌ» [2] . وَيُرْوَى أَنَّ كِسْرَى كَتَبَ إِلَى بَاذَامَ عَامِلِهِ بِالْيَمَنِ يَتَوَعَّدُهُ وَيَقُولُ: أَلَا تَكْفِينِي رَجُلًا خَرَجَ بِأَرْضِكَ يَدْعُونِي إِلَى دينه؟ لتكفينه أَوْ لَأَفْعَلَنَّ بِكَ. فَبَعَثَ الْعَامِلُ إِلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم رُسُلًا وَكِتَابًا، فَتَرَكَهُمُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم خَمْسَ عَشْرَةَ لَيْلَةً، ثُمَّ قَالَ:«اذْهَبُوا إِلَى صَاحِبِكُمْ فَقُولُوا: إِنَّ رَبِّي قَدْ قَتَلَ رَبَّكَ اللَّيْلَةَ» [3] . وَرَوَى أَبُو بَكْرِ بْنُ عَيَّاشٍ، عَنْ دَاوُدَ بْنِ أَبِي هِنْدَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: أَقْبَلَ سَعْدُ إِلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: هَلَكَ- أَوْ قَالَ: قُتِلَ- كِسْرَى. فَقَالَ: «لَعَنَ اللَّهُ كِسْرَى، أَوَّلُ النَّاسِ هَلاكًا فَارِسٌ ثُمَّ الْعَرَبُ» [4] . وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى: ثنا يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ صَالِحٍ قَالَ: قَالَ ابْنُ شِهَابٍ. وَقَدْ رَوَاهُ اللَّيْثُ، عَنْ يُونُسَ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، كِلاهُمَا يَقُولُ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، وَاللَّفْظُ لِصَالِحٍ قَالَ: بَلَغَنِي أَنَّ كِسْرَى بَيْنَمَا هُوَ فِي دَسْكَرَةِ مُلْكِهِ، بُعِثَ لَهُ- أَوْ قُيِّضَ لَهُ- أو قيّض له- عارض فعرض عَلَيْهِ الْحَقُّ، فَلَمْ يَفْجَأْ كِسْرَى إِلا الرَّجُلُ يَمْشِي وَفِي يَدِهِ عَصًا فَقَالَ: يَا كِسْرَى هَلْ لَكَ فِي الإِسْلامِ قَبْلَ أَنْ أَكْسِرَ هَذِهِ الْعَصَا؟ قَالَ كِسْرَى: نَعَمْ؟ فَلا تَكْسِرْهَا. فولّى الرجل. فلما ذهب [88 ب] أُرْسِلَ كِسْرَى إِلَى حُجَّابِهِ فَقَالَ: مَنْ أَذِنَ لِهَذَا؟ قَالُوا: مَا دَخَلَ عَلَيْكَ أَحَدٌ. قَالَ: كَذَبْتُمْ. وَغَضِبَ عَلَيْهِمْ وَعَنَّفَهُمْ، ثُمَّ تَرَكَهُمْ. فَلَمَّا كَانَ رَأْسُ الْحَوْلِ أَتَاهُ ذَلِكَ الرَّجُلُ بِالْعَصَا فَقَالَ كَمَقَالَتِهِ.

فَدَعَا كِسْرَى الْحُجَّابَ وَعَنَّفَهُمْ. فَلَمَّا كان الحول المستقبل، أتاه ومعه العصا

[1] في طبعة القدسي أثبتها «تملكتهم»

وما أثبتناه عن مسند أحمد.

[2]

أخرجه أحمد في مسندة 5/ 43.

[3]

أخرجه أحمد في مسندة 5/ 43 وهو في الحديث الّذي قبله، وانظر طبقات ابن سعد 1/ 260 و.

[4]

أخرجه أحمد في مسندة 2/ 513 من طريق عبد الله عن أبيه عن الأسود بن عامر عن أبي بكر بن عياش، عن داود، عن أبيه، عن أبي هريرة، وفيه قدّم هلاك العرب على الفرس.

ص: 510

فَقَالَ: هَلْ لَكَ يَا كِسْرَى فِي الإِسْلامِ قَبْلَ أَنْ أَكْسِرَ الْعَصَا؟ قَالَ: لا تَكْسِرْهَا.

فَكَسَرَهَا فَأَهْلَكَ اللَّهُ كِسْرَى عِنْدَ ذَلِكَ.

وَقَالَ الزُّهْرِيِّ، عَنِ ابْنِ الْمُسَيِّبِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «إِذَا هَلَكَ كِسْرَى فَلَا كِسْرَى بَعْدَهُ. وَإِذَا هَلَكَ قَيْصَرُ فَلَا قَيْصَرَ بَعْدَهُ.

وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَتُنْفَقَنَّ كُنُوزُهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ» . أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ [1] . وَرَوَى يُونُسُ بْنُ بُكَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَوْنٍ، عَنْ عُمَيْرِ بْنِ إِسْحَاقَ قَالَ: كَتَبَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إِلَى كِسْرَى وَقَيْصَرَ. فَأَمَّا قَيْصَرُ فَوَضَعَهُ، وَأَمَّا كِسْرَى فَمَزَّقَهُ، فَبَلَغَ ذَلِكَ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ:«أَمَّا هَؤُلاءِ فَيُمَزَّقُونَ، وَأَمَّا هَؤُلاءِ فسيكون لهم بَقِيَّةٌ» . وَقَالَ الرَّبِيعِ: أنا الشَّافِعِيُّ قَالَ: حَفِظْنَا أَنَّ قَيْصَرَ أَكْرَمَ كِتَابَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، وَوَضَعَهُ فِي مَسْكٍ [2] . فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم:«ثُبِّتَ مُلْكُهُ» . قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَقَطَعَ اللَّهُ الأَكَاسِرَةَ عَنِ الْعِرَاقِ وَفَارِسَ، وَقَطَعَ قَيْصَرُ وَمَنْ قَامَ بِالأَمْرِ بَعْدَهُ عَنِ الشَّامِ. وَقَالَ فِي كِسْرَى، «مُزِّقَ مُلْكُهُ» ، فَلَمْ يَبْقَ لِلأَكَاسِرَةِ مُلْكٌ، وَقَالَ فِي قَيْصَرَ «ثُبِّتَ مُلْكُهُ» فَثُبِّتَ لَهُ مُلْكُ بِلادِ الرُّومِ إِلَى الْيَوْمِ.

وَقَالَ يُونُسُ، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ: ثنا الزُّهْرِيُّ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَبْدِ (الْقَارِيِّ)[3] أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بَعَثَ حَاطِبَ بْنَ أَبِي بَلْتَعَةَ إِلَى الْمُقَوْقِسِ صاحب الإسكندرية، فمضى بِكِتَابِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَقَبَّلَ الْكِتَابَ وَأَكْرَمَ حَاطِبًا وَأَحْسَنَ نُزُلَهُ، وَأَهْدَى مَعَهُ إِلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم بغلة وكسوة وجاريتين، إحداهما أمّ

[1] صحيح مسلم (2918) كتاب الفتن وأشراط الساعة، باب لا تقوم الساعة حتى يمر الرجل بقبر الرجل إلخ. وأوّله:«قد مات كسرى..» .

[2]

مسك: بفتح الميم. أي جلد.

[3]

سقطت من النسخ الثلاث. وأثبتناه من السند نفسه في موضع سابق.

ص: 511

إِبْرَاهِيمَ، وَالأُخْرَى وَهَبَهَا النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم لِجَهْمِ بْنِ قُثَمَ [1] الْعَبْدِيِّ، فَهِيَ أُمُّ زكريا ابن جَهْمٍ، خَلِيفَةِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ عَلَى مِصْرَ [2] .

وَقَالَ أَبُو بِشْرٍ الدَّوْلابِيُّ: ثنا أَبُو الْحَارِثِ أَحْمَدُ بْنُ سَعِيدٍ الْفِهْرِيُّ، ثنا هَارُونُ بْنُ يَحْيَى الْحَاطِبِيُّ، ثنا إِبْرَاهِيمُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، حَدَّثَنِي عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ، عَنْ أَبِيهِ، يَحْيَى بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ حَاطِبٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ حَاطِبِ بْنِ أَبِي بَلْتَعَةَ قَالَ: بَعَثَنِي النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم إِلَى الْمُقَوْقِسِ مَلِكِ الإِسْكَنْدَرِيَّةِ، فَجِئْتُهُ بِكِتَابِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، فَأَنْزَلَنِي فِي مَنْزِلِهِ، وَأَقَمْتُ عِنْدَهُ. ثُمَّ بَعَثَ إِلَيَّ وَقَدْ جَمَعَ بَطَارِقَتَهُ فَقَالَ: إِنِّي سَأُكَلِّمُكَ بِكَلامٍ وَأُحِبُّ أَنْ تَفْهَمَهُ مِنِّي. قُلْتُ: نَعَمْ، هَلُمَّ. قَالَ: أَخْبِرْنِي عَنْ صَاحِبِكَ، أَلَيْسَ هُوَ نَبِيٌّ؟ قُلْتُ: بَلَى، هُوَ رَسُولُ اللَّهِ. قَالَ: فَمَا لَهُ حَيْثُ كَانَ هَكَذَا لَمْ يَدْعُ عَلَى قَوْمِهِ حَيْثُ أَخْرَجُوهُ. قُلْتُ: عِيسَى، أَلَيْسَ تَشْهَدُ أَنَّهُ رَسُولُ اللَّهِ، فَمَا لَهُ حَيْثُ أَخَذَهُ قَوْمُهُ فَأَرَادُوا أَنْ يَصْلِبُوهُ أَنَّ لا يَكُونَ دَعَا عَلَيْهِمْ بِأَنْ يُهْلِكَهُمُ اللَّهُ حَتَّى رَفَعَهُ اللَّهُ إِلَيْهِ إِلَى السَّمَاءِ (الدُّنْيَا) [3] قَالَ: أنت [89 أ] حَكِيمٌ جَاءَ مِنْ عِنْدِ حَكِيمٍ. هَذِهِ هَدَايَا أَبْعَثُ مَعَكَ إِلَيْهِ. فَأَهْدَى ثَلاثَ جَوَارٍ، مِنْهُنَّ أُمُّ إِبْرَاهِيمَ وَوَاحِدَةٌ وَهَبَهَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لأَبِي جَهْمِ بْنِ حُذَيْفَةَ الْعَدَوِيِّ [4] ، وَوَاحِدَةٌ وَهَبَهَا لِحَسَّانِ بْنِ ثَابِتٍ. وَأَرْسَلَ بطرف من طرفهم.

[1] في طبعة القدسي 474 «قيس» والتصحيح من الإصابة. أما جهم بن قيس فهو ابن عبد شرحبيل بن هشام.. العبدري أبو خزيمة. وقد ذكره ابن حجر في الإصابة أيضا. وابن قثم ذكره ابن عبد البر في الإستيعاب 1/ 245 مختصرا، وقد تحرّف في البداية والنهاية 4/ 272 إلى محمد بن قيس.

[2]

رواه ابن حجر في الإصابة 1/ 254 في ترجمة «جهم بن قثم العبديّ» رقم 1247، وانظر طبقات ابن سعد 1/ 260.

[3]

زيادة من ح.

[4]

ترجمته في الإصابة 4/ 35 رقم 207 وليس فيها هذا الخبر، ولا في أسد الغابة 5/ 162، 163 وقد سبق في الخبر الّذي قبله أن الّذي وهبه الرسول صلى الله عليه وسلم هو: الجهم بن قثم العبديّ. كما لم يذكر الحافظ الذهبي الخبر في ترجمة أبي الجهم بن حذيفة في سير أعلام النبلاء 1/ 556.

ص: 512