الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
غَزْوَةُ أُحُدٍ «وَكَانَتْ فِي شَوَّالٍ»
قَالَ شَيْبَانُ، عَنْ قَتَادَةَ: وَاقَعَ نَبِيُّ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَوْمَ أُحُدٍ مِنَ الْعَامِ الْمُقْبِلِ بَعْدَ بَدْرٍ فِي شَوَّالٍ، يَوْمَ السَّبْتِ لإِحْدَى عَشْرَةَ لَيْلَةً مَضَتْ مِنْ شَوَّالٍ.
وَكَانَ أَصْحَابُهُ يَوْمَئِذٍ سَبْعَمِائَةٍ، وَالْمُشْرِكُونَ أَلْفَيْنِ أَوْ مَا شَاءَ اللَّهُ مِنْ ذَلِكَ.
وَقَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: لِلنِّصْفِ مِنْ شَوَّالٍ [1] وَقَالَ مَالِكٌ: كَانَ الْقِتَالُ يَوْمَئِذٍ فِي أَوَّلِ النَّهَارِ.
وَقَالَ بُرَيْدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، عَنْ أَبِي بُرْدَةَ، عَنْ أَبِي مُوسَى، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، قَالَ: رَأَيْتُ أَنِّي قَدْ هَزَزْتُ سَيْفًا فَانْقَطَعَ صَدْرُهُ، فَإِذَا هُوَ مَا أُصِيبَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ يَوْمَ أُحُدٍ، ثُمَّ هَزَزْتُهُ أُخْرَى فَعَادَ أَحْسَنَ مَا كَانَ، فَإِذَا هُوَ مَا جَاءَ اللَّهُ بِهِ من الفتح واجتماع [31 أ] الْمُؤْمِنِينَ، وَرَأَيْتُ فِي رُؤْيَايَ بَقَرًا، وَاللَّهُ خَيْرٌ، فَإِذَا هُمُ النَّفَرُ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ يَوْمَ أُحُدٍ، وَإِذَا الْخَيْرُ مَا جَاءَ اللَّهُ بِهِ مِنَ الخير
[1] تاريخ خليفة 67.
وَثَوَابِ الصِّدْقِ الَّذِي آتَانَا يَوْمَ بَدْرٍ. أَخْرَجَاهُ [1] . وَقَالَ وَهْبُ بْنُ مُنَبِّهٍ: أَخْبَرَنِي ابْنُ أَبِي الزّنّاد، عن أبيه، عن عبيد الله ابن عَبْدِ اللَّهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: تَنَفَّلَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم سَيْفَهُ ذَا الْفَقَارِ يَوْمَ بَدْرٍ، وَهُوَ الَّذِي رَأَى فِيهِ الرُّؤْيَا يَوْمَ أُحُدٍ. وَذَلِكَ أَنَّهُ لَمَّا جَاءَهُ الْمُشْرِكُونَ كَانَ رَأْيُ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَنْ يُقِيمَ بِالْمَدِينَةِ فَيُقَاتِلُهُمْ فِيهَا، فَقَالَ لَهُ نَاسٌ لَمْ يَكُونُوا شَهِدُوا بَدْرًا: يَخْرُجُ بِنَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إِلَيْهِمْ نُقَاتِلُهُمْ بِأُحُدٍ، وَرَجَوْا أَنْ يُصِيبُوا مِنَ الْفَضِيلَةِ مَا أَصَابَ أَهْلُ بَدْرٍ. فَمَا زَالُوا بِرَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم حَتَّى لَبِسَ أَدَاتَهُ، ثُمَّ نَدِمُوا وَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَقِمْ فَالرَّأْيُ رَأْيُكَ. فَقَالَ لهم رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: مَا يَنْبَغِي لِنَبِيٍّ أَنْ يَضَعَ أَدَاتَهُ بَعْدَ أَنْ لَبِسَهَا حَتَّى يَحْكُمَ اللَّهُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ عَدُوِّهِ. قَالُوا: وَكَانَ مَا قَالَ لَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَبْلَ أن يَلْبَسَ الْأَدَاةَ: إِنِّي رَأَيْتَ أَنِّي فِي دِرْعٍ حَصِينَةٍ فَأَوَّلْتُهَا الْمَدِينَةَ، وَأَنِّي مُرْدِفٌ كَبْشًا فَأَوَّلْتُهُ كَبْشَ الْكَتِيبَةِ، وَرَأَيْتُ أَنَّ سَيْفِي ذَا الْفَقَارِ فُلَّ فَأَوَّلْتُهُ فَلًّا فِيكُمْ، وَرَأَيْتُ بَقَرًا تُذْبَحُ، فَبَقَرٌ وَاللَّهِ خَيْرٌ، فَبَقَرٌ وَاللَّهِ خَيْرٌ. وَقَالَ يُونُسُ، عَنِ الزُّهْرِيِّ فِي خُرُوجِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم إِلَى أُحُدٍ، قَالَ: حَتَّى إِذَا كَانَ بِالشَّوْطِ بَيْنَ الْمَدِينَةِ وَأُحُدٍ [2] ، انْخَزَلَ عبد الله بن أبيّ بْنُ أُبَيٍّ بِقَرِيبٍ مِنْ ثُلُثِ الْجَيْشِ [3] . وَمَضَى النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم وَأَصْحَابُهُ وَهُمْ فِي سَبْعِمِائَةٍ. وَتَعَبَّأَتْ قُرَيْشٌ وَهُمْ ثَلَاثَةُ آلَافٍ، وَمَعَهُمْ مِائَتَا فَرَسٍ قَدْ جَنَّبُوهَا، وَجَعَلُوا عَلَى ميمنة الخيل
[1] صحيح البخاري: كتاب المناقب: باب علامات النّبوّة في الإسلام (4/ 247) ، وكتاب التعبير، باب إذا رأى بقرا تنحر (9/ 52) وباب إذا هزّ سيفا في المنام (9/ 53) .
وصحيح مسلم (2270) : كتاب الرؤيا، باب رؤيا النبي صلى الله عليه وسلم.
[2]
في الأصل: بالشوط بين الجنانة. وليس بشيء، وأثبتنا رواية ابن هشام وابن كثير. وانظر معجم البلدان والمغانم المطابة في (شوط) .
[3]
في المغازي لعروة 169 «وَرَجَعَ عَنْهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أُبَيٍّ فِي ثلاثمائة» وكذلك في تاريخ الطبري 2/ 504.
خَالِدَ بْنَ الْوَلِيدِ، وَعَلَى مَيْسَرَتِهَا عِكْرِمَةَ بْنَ أَبِي جَهْلٍ.
وَقَالَ ابْنُ لَهِيعَةَ، عَنْ أَبِي الْأَسْوَدِ، وَعَنْ عُرْوَةَ قَالَ: فَخَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَالْمُسْلِمُونَ وَهُمْ أَلْفٌ، وَالْمُشْرِكُونَ ثَلَاثَةُ آلافٍ. فَنَزَلَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أُحُدًا، وَرَجَعَ عَنْهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أُبَيٍّ فِي ثَلَاثِمَائَةٍ [1] ، فَسَقَطَ فِي أَيْدِي الطَّائِفَتَيْنِ، وَهَمَّتَا أَنْ تَفْشَلا، وَالطَّائِفَتَانِ: بَنُو سَلَمَةَ وَبَنُو حَارِثَةَ.
وَقَالَ ابْنُ عُيَيْنَةَ، عَنْ عَمْرٍو، عَنْ جَابِرٍ: إِذْ هَمَّتْ طائِفَتانِ مِنْكُمْ أَنْ تَفْشَلا 3: 122 [2] ، بَنُو سَلَمَةَ وَبَنُو حَارِثَةَ، مَا أَحَبُّ أَنَّهَا لم تنزل لقوله وَالله وَلِيُّهُما 3: 122 [3] . مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ [4] .
وَقَالَ شُعْبَةُ، عَنْ عَدِيِّ بْنِ ثَابِتٍ، سَمِعَ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ يَزِيدَ يُحَدِّثُ، عَنْ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ قَالَ: لَمَّا خَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إِلَى أُحُدٍ، رَجَعَ نَاسٌ خَرَجُوا مَعَهُ. فَكَانَ أَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِرْقَتَيْنِ، فِرْقَةً تَقُولُ: نُقَاتِلُهُمْ، وَفِرْقَةً تَقُولُ: لَا نُقَاتِلُهُمْ. فنزلت فَما لَكُمْ في الْمُنافِقِينَ فِئَتَيْنِ 4: 88 [5]، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: إِنَّهَا طَيِّبَةٌ تَنْفِي الْخَبِيثَ كَمَا تَنْفِي النَّارُ خَبَثَ الْفِضَّةِ. مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ [6] . وَقَالَ ابْنُ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ: مَا كانَ اللَّهُ لِيَذَرَ الْمُؤْمِنِينَ عَلى مَا أَنْتُمْ عَلَيْهِ حَتَّى يَمِيزَ الْخَبِيثَ من الطَّيِّبِ 3: 179 [7] ، وقال ميّزهم يوم أحد.
[1] هذه الفقرة في المغازي لعروة 169.
[2]
، (3) سورة آل عمران: من الآية 122.
[4]
صحيح البخاري: كتاب المغازي، باب إذ همّت طائفتان منكم أن تفشلا إلخ (5/ 123)، وصحيح مسلم (2505) : كتاب فضائل الصحابة، باب من فضائل الأنصار.
[5]
سورة النساء: من الآية 88.
[6]
صحيح البخاري: كتاب المغازي، باب غزوة أحد (5/ 122) وكتاب التفسير، سورة النساء، باب فما لكم في المنافقين فئتين (6/ 59)، وصحيح مسلم (1381) : كتاب الحجّ، باب المدينة تنفي شرارها.
[7]
سورة آل عمران: من الآية 179.
[31 ب] وَقَالَ الْبَكَّائِيُّ، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ قَالَ: كَانَ مِنْ حَدِيثِ أُحُدٍ، كَمَا حَدَّثَنِي الزُّهْرِيُّ، وَمُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى بْنِ حِبَّانَ، وَعَاصِمُ بْنُ عُمَرَ، وَالْحُصَيْنُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، وَغَيْرُهُمْ، كُلٌّ قَدْ حَدَّثَ بَعْضَ الْحَدِيثَ، وَقَدِ اجْتَمَعَ حَدِيثُهُمْ كُلُّهُ فِيمَا سُقْتُ فِي هَذَا الْحَدِيثِ عَنْ يَوْمِ أُحُدٍ، أَنَّ كُفَّارَ قُرَيْشٍ لَمَّا أُصِيبَ مِنْهُمْ أَصْحَابُ الْقَلِيبِ، وَرَجَعَ فَلُّهُمْ إِلَى مَكَّةَ، وَرَجَعَ أبو سفيان ابن حَرْبٍ بِالْعِيرِ، مَشَى عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي رَبِيعَةَ، وَعِكْرِمَةُ بْنُ أَبِي جَهْلٍ، وَصَفْوَانُ بْنُ أُمَيَّةَ، فِي رِجَالٍ مِنْ قُرَيْشٍ مِمَّنْ أُصِيبَ آبَاؤُهُمْ وَأَبْنَاؤُهُمْ وَإِخْوَانُهُمْ [بِبَدْرٍ][1] ، فَكَلَّمُوا أَبَا سُفْيَانَ وَمَنْ كَانَ لَهُ فِي تِلْكَ الْعِيرِ تِجَارَةٌ، فَقَالُوا: يَا مَعْشَرَ قُرَيْشٍ، إِنَّ مُحَمَّدًا قَدْ وَتَرَكُمْ [2] وَقَتَلَ خِيَارَكُمْ، فَأَعِينُونَا بِهَذَا الْمَالِ عَلَى حَرْبِهِ لَعَلَّنَا نُدْرِكُ مِنْهُ ثَأْرًا بِمَنْ أَصَابَ مِنَّا. فَاجْتَمَعُوا لِحَرْبِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم حِينَ فَعَلَ ذَلِكَ أَبُو سُفْيَانَ وَأَصْحَابُ الْعِيرِ بِأَحَابِيشِهَا [3] وَمَنْ أَطَاعَهَا [4] مِنْ قَبَائِلِ كِنَانَةَ وَأَهْلِ تِهَامَةَ.
وَكَانَ أَبُو عَزَّةَ الْجُمَحِيُّ [5] قَدْ مَنَّ عَلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، وَكَانَ ذَا عِيَالٍ وَحَاجَةٍ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنِّي فَقِيرٌ ذُو عِيَالٍ وَحَاجَةٍ، فَامْنُنْ عَلَيَّ. فَقَالَ لَهُ صَفْوَانُ: يَا أَبَا عَزَّةَ، إِنَّكَ امْرُؤٌ شَاعِرٌ، فَأَعِنَّا بِلِسَانِكَ فَاخْرُجْ مَعَنَا، فَقَالَ: إِنَّ مُحَمَّدًا قَدْ مَنَّ عَلِيَّ فَلَا أُرِيدُ أَنْ أُظَاهِرَ عَلَيْهِ. قَالَ [6] بَلَى، فَأَعِنَّا بِنَفْسِكَ، فَلَكَ اللَّهُ عَلَيَّ أَنْ رجعت أن أعينك، وإن أصبت أن
[1] إضافة عن السير والمغازي لابن إسحاق 322.
[2]
وتركم: أي أصابكم بالوتر وهو الذحل. ووترت الرجل أفزعته وأدركته بمكروه.
[3]
الأحابيش: الجماعة من الناس ليسوا من قبيلة واحدة.
[4]
في السير لابن إسحاق 323 «أطاعهم» .
[5]
هو عمرو بن عبد الله. (سيرة ابن هشام 3/ 148، الطبقات لابن سعد 2/ 43، تاريخ الطبري 2/ 500، البداية والنهاية 4/ 10، عيون الأثر 2/ 3، السيرة الحلبية 2/ 229 وفي السير والمغازي لابن إسحاق «أبو عزيز» .
[6]
في الأصل «قالوا» والتصحيح من السياق.
أَجْعَلَ بَنَاتِكَ مَعَ بَنَاتِي يُصِيبُهُنَّ مَا أَصَابَهُنَّ مِنْ عُسْرٍ وَيُسْرٍ. فَخَرَجَ أَبُو عَزَّةَ يَسِيرُ في تهامة ويدعو كنانة، ويقول:
إِيهًا بَنِي عَبْدِ مَنَاةَ الرُّزَامَ [1]
…
أَنْتُمْ حُمَاةٌ وَأَبُوكُمْ حَامْ
لَا يَعْدُونِي [2] نَصْرُكُمْ بَعْدَ الْعَامِ
…
لَا تُسْلِمُونِي لَا يَحِلُّ إِسْلَامْ [3]
وَخَرَجَ مُسَافِعُ بْنُ عَبْدِ مَنَافَ الْجُمَحِيُّ إِلَى بَنِي مَالِكِ بْنِ كِنَانَةَ يَدْعُوهُمْ إِلَى حَرْبِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، وَيَقُولُ شِعْرًا. وَدَعَا جُبَيْرُ بْنُ مُطْعِمٍ غُلَامًا لَهُ حَبَشِيًّا يُقَالُ لَهُ وَحْشِيٌّ، يَقْذِفُ بِحَرْبَةٍ لَهُ قَذْفَ الْحَبَشَةِ قَلَّمَا يُخْطِئُ بِهَا، فَقَالَ لَهُ:
اخْرُجْ مَعَ النَّاسِ فَإِنْ أَنْتَ قَتَلْتَ حَمْزَةَ بِعَمِّي طُعَيْمَةَ بْنِ عَدِيٍّ فَأَنْتَ عَتِيقٌ.
فَخَرَجَتْ قُرَيْشٌ بِحَدِّهَا وَحَدِيدِهَا وَأَحَابِيشِهَا وَمَنْ تَابَعَهَا، وَخَرَجُوا مَعَهُمْ بِالظَّعْنِ [4] الْتِمَاسَ الْحَفِيظَةِ وَأَنْ لَا يَفِرُّوا. وَخَرَجَ أَبُو سُفْيَانَ، وَهُوَ قَائِدُ النَّاسِ، بِهِنْدِ بِنْتِ عُتْبَةَ، وَخَرَجَ عِكْرِمَةُ بِأُمِّ حَكِيمٍ بِنْتُ الْحَارِثِ بْنِ هِشَامٍ [5] ، حَتَّى نَزَلُوا بِعَيْنَيْنِ [6]، بِجَبَلِ أُحُدٍ بِبَطْنِ السَّبْخَةِ مِنْ قَنَاةٍ عَلَى شَفِيرِ الْوَادِي مُقَابِلَ الْمَدِينَةِ. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: إِنْ رَأَيْتُمْ أَنْ تُقِيمُوا بِالْمَدِينَةِ وَتَدَعُوهُمْ حيث
[1] في الأصل: الدرام. وأثبتنا رواية ابن هشام وغيره. والرزام: جمع رازم وهو الّذي يثبت في مكانه لا يبرحه. يريد أنّهم يثبتون في الحرب ولا ينهزمون.
[2]
في سيرة ابن هشام 3/ 148 «تعدوني» .
[3]
وفي السير والمغازي لابن إسحاق 323:
يا بني عبد مناة الرزام
…
أنتم بنو الحرب ضرّابو الهام
أنتم حماة وأبوكم حام
…
لا تعدوني نَصْرُكُمْ بَعْدَ الْعَامِ
لَا تُسْلِمُونِي لَا يَحِلُّ إسلام.
وانظر مغازي الواقدي 1/ 201 وطبقات الشعراء لابن سلام 213.
[4]
الظعن: جمع الظعينة، وهو الهودج، أو المرأة تكون فيه، سمّيت به على حدّ تسمية الشيء باسم الشيء لقربه منه. وأكثر ما يقال الظعينة للمرأة الراكبة ثم قيل للهودج بلا امرأة وللمرأة بلا هودج.
[5]
في السير والمغازي لابن إسحاق 323 زيادة في الأسماء عما هنا. وكذلك في السيرة لابن هشام 3/ 148.
[6]
عينين، ويقال «عينان» وهو هضبة جبل أحد بالمدينة، ويقال اسم لجبلين عند أحد. ويسمّى يوم أحد يوم عينين.
نَزَلُوا، فَإِنْ أَقَامُوا بِشَرِّ مَقَامٍ، وَإِنْ دَخَلُوا عَلَيْنَا قَاتَلْنَاهُمْ فِيهَا. وَكَانَ يَكْرَهُ الْخُرُوجَ إِلَيْهِمْ. فَقَالَ رِجَالٌ مِمَّنْ فَاتَهُ يَوْمَ بَدْرٍ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، اخْرُجْ بِنَا إِلَيْهِمْ لَا يَرَوْنَ أَنَّا جَبُنَّا عَنْهُمْ. فَلَمْ يَزَالُوا بِرَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم حَتَّى دَخَلَ فَلَبِسَ لَأْمَتَهُ، وَذَلِكَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ حِينَ فَرِغَ النَّاسُ مِنَ الصَّلَاةِ. فَذَكَرَ خُرُوجَهُ وَانْخِزَالَ ابْنِ أُبَيٍّ بثلث النّاس، فاتّبعهم عبد الله [32 أ] وَالِدُ جَابِرٍ، يَقُولُ:
أُذَكِّرُكُمُ اللَّهَ أَنْ تَخْذِلُوا قَوْمَكُمْ وَنَبِيَّكُمْ. قَالُوا: لَوْ نَعْلَمُ أَنَّكُمْ تُقَاتِلُونَ لَمَا أَسْلَمْنَاكُمْ، وَلَكِنَّا لَا نَرَى أَنَّهُ يَكُونَ قتال. وقالت الأنصار: يا رسول الله، أَلَا نَسْتَعِينُ بِحُلَفَائِنَا مِنْ يَهُودَ؟ قَالَ: لَا حَاجَةَ لَنَا فِيهِمْ [1] . وَمَضَى حَتَّى نَزَلَ الشِّعْبَ مِنْ أُحُدٍ فِي عُدْوَةِ الْوَادِي إِلَى الْجَبَلِ، فَجَعَلَ ظَهْرَهُ وَعَسْكَرَهُ إِلَى أُحُدٍ، وَقَالَ: لَا يقاتلنّ أحد حتى نأمره بِالْقِتَالِ [2] . وَتَعَبَّأَ لِلْقِتَالِ وَهُوَ فِي سَبْعِمِائَةٍ، وَأَمَّرَ عَلَى الرُّمَاةِ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ جُبَيْرٍ وَهُمْ خَمْسُونَ رَجُلًا، فَقَالَ:
انْضَحُوا عَنَّا الْخَيْلَ بِالنَّبْلِ، لَا يَأْتُونَا مِنْ خَلْفِنَا، إِنْ كَانَتْ لَنَا أَوْ عَلَيْنَا، فَاثْبُتْ مَكَانَكَ لَا تُؤْتَيَنَّ مَنْ قِبَلِكَ وَظَاهِرْ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بَيْنَ دِرْعَيْنِ، وَدَفَعَ اللِّوَاءَ إِلَى مُصْعَبِ بْنِ عُمَيْرٍ، وَتَعَبَّأَتْ قُرَيْشٌ وَهُمْ ثَلَاثَةُ آلَافٍ وَمَعَهُمْ مِائَتَا فَرَسٍ قَدْ جَنَّبُوهَا فَجَعَلُوا عَلَى الْمَيْمَنَةِ خَالِدًا، وَعَلَى الْمَيْسَرَةِ عِكْرِمَةَ [3] . وَقَالَ سَلَّامُ بن مسكين، عن قتادة، عن سعيد بن الْمُسَيِّبِ قَالَ: كَانَتْ رَايَةُ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَوْمَ أُحُدٍ مِرْطًا [4] أَسْوَدَ كَانَ لِعَائِشَةَ، وَرَايَةُ الْأَنْصَارِ يُقَالُ لَهَا الْعُقَابُ، وَعَلَى مَيْمَنَتِهِ عَلِيٌّ، وَعَلَى مَيْسَرَتِهِ الْمُنْذِرُ بْنُ عَمْرٍو السَّاعِدِيُّ، وَالزُّبَيْرُ بْنُ الْعَوَّامِ كَانَ عَلَى الرِّجَالِ، وَيُقَالُ الْمِقْدَادُ بْنُ الْأَسْوَدِ، وَكَانَ حَمْزَةُ عَلَى الْقَلْبِ، وَاللِّوَاءُ مَعَ مُصْعَبٍ، فَقُتِلَ، فَأَعْطَاهُ النّبيّ صلى الله عليه وسلم
[1] في الأصل: فيكم. ولعلّ الوجه ما أثبتناه كما ورد في أكثر من مصدر.
[2]
السير والمغازي 325، تاريخ الطبري 2/ 507.
[3]
سيرة ابن هشام 3/ 150.
[4]
المرط: كساء من صوف أو خزّ أو كتّان يؤتزر به، وقيل كل ثوب غير مخيط.
عَلِيًّا: قَالَ: وَيُقَالُ كَانَتْ ثَلَاثَةَ أَلْوِيَةٍ، لِوَاءً إِلَى مُصْعَبِ بْنِ عُمَيْرٍ لِلْمُهَاجِرِينَ، وَلِوَاءً إِلَى عَلِيٍّ، وَلِوَاءً إِلَى الْمُنْذِرِ.
وَقَالَ ثَابِتٌ، عَنْ أَنَسٍ أَنّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَخَذَ سَيْفًا يَوْمَ أُحُدٍ فَقَالَ: مَنْ يَأْخُذُ مِنِّي هَذَا السَّيْفَ بِحَقِّهِ؟ فَبَسَطُوا أَيْدِيَهُمْ كُلُّ إِنْسَانٍ مِنْهُمْ يَقُولُ: أَنَا، أَنَا. فَقَالَ مَنْ يَأْخُذُهُ بِحَقِّهِ؟ فَأَحْجَمَ الْقَوْمُ، فَقَالَ لَهُ أَبُو دجانة سماك: أنا آخذه بحقّه. قال: فأخذه ففلق به هام الْمُشْرِكِينَ. أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ [1] . وَقَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: حَتَّى قَامَ إِلَيْهِ أَبُو دُجَانَةَ سِمَاكُ بْنُ خَرَشَةَ، أَخُو بَنِي سَاعِدَةَ، فَقَالَ: وَمَا حَقُّهُ؟ قَالَ: أَنْ تَضْرِبَ بِهِ فِي الْعَدُوِّ حَتَّى يَنْحَنِي.
قَالَ: فَأَنَا آخِذُهُ يَا رَسُولَ اللَّهِ. فَأَعْطَاهُ إِيَّاهُ، وَكَانَ [أَبُو دُجَانَةَ][2] رَجُلًا شُجَاعًا يَخْتَالُ عِنْدَ الْحَرْبِ، وَكَانَ إِذَا قَاتَلَ عَلَّمَ بِعِصَابَةٍ لَهُ حَمْرَاءَ فَاعْتَصَبَ بِهَا عَلَى رَأْسِهِ، ثُمَّ جَعَلَ يَتَبَخْتَرُ بَيْنَ الصَّفَّيْنِ. فَبَلَغَنَا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قال حين رَآهُ يَتَبَخْتَرُ: إِنَّهَا لَمِشْيَةٌ يَبْغَضُهَا اللَّهُ إِلَّا فِي مِثْلِ هَذَا الْمَوْطِنِ [3] . وَقَالَ عَمْرُو بْنُ عَاصِمٍ الْكِلَابِيُّ: حَدَّثَنِي عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ الْوَازِعِ، حَدَّثَنِي هِشَامُ بْنُ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ الزُّبَيْرِ بْنِ الْعَوَّامِ قَالَ: عَرَضَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم سَيْفًا يَوْمَ أُحُدٍ فَقَالَ: مَنْ يَأْخُذُهُ بِحَقِّهِ؟ فَقُمْتُ فَقُلْتُ: أَنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ.
فَأَعْرَضَ عَنِّي، ثُمَّ قَالَ: مَنْ يَأْخُذُ هَذَا السَّيْفَ بِحَقِّهِ؟ فَقَامَ أَبُو دجانة سماك ابن خَرَشَةَ فَقَالَ: أَنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ، فَمَا حقّه؟ قال: أن لا تَقْتُلْ بِهِ مُسْلِمًا وَلَا تَفِرَّ بِهِ عَنْ كَافِرٍ. قَالَ: فَدَفَعَهُ إِلَيْهِ، وَكَانَ إِذَا أَرَادَ الْقِتَالَ أَعْلَمَ بِعِصَابَةٍ، فَقُلْتُ: لَأَنْظُرَنَّ الْيَوْمَ كَيْفَ يَصْنَعُ. قَالَ: فَجَعَلَ لَا يَرْتَفِعُ لَهُ شَيْءٌ إلّا هتكه
[1] صحيح مسلم (2470) : كتاب فضائل الصحابة، باب من فضائل أبي دجانة سماك بن خرشة.
[2]
إضافة عن سيرة ابن هشام 3/ 150.
[3]
السيرة 3/ 150.
وَأَفْرَاهُ، حَتَّى انْتَهَى إِلَى نِسْوَةٍ فِي سَفْحِ جَبَلٍ مَعَهُنَّ دُفُوفٌ لَهُنَّ، فِيهُنَّ امْرَأَةٌ وَهِيَ تقول:
[32 ب] نَحْنُ بَنَاتُ طَارِقْ
…
نَمْشِي عَلَى النَّمَارِقْ
إِنْ تُقْبِلُوا نُعَانِقْ
…
أَوْ تُدْبِرُوا نُفَارِقْ
فِرَاقٌ غَيْرُ وامق [1]
قال: فأهوى بالسّيف إِلَى امْرَأَةٍ لِيَضْرِبَهَا، ثُمَّ كَفَّ عَنْهَا. فَلَمَّا انْكَشَفَ الْقِتَالُ قُلْتُ لَهُ: كُلُّ عَمَلِكَ رَأَيْتُ مَا خَلا رَفْعَكَ السَّيْفِ عَلَى الْمَرْأَةِ ثُمَّ لَمْ تَضْرِبْهَا. قَالَ أَكْرَمْتُ سَيْفَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَنْ أَقْتُلَ بِهِ امْرَأَةً [2] . وَرَوَى جَعْفَرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَسْلَمَ، مَوْلَى عُمَرَ، عَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ مَعْبَدِ ابن كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ حِينَ رَأَى أَبَا دُجَانَةَ يَتَبَخْتَرُ: إِنَّهَا لَمِشْيَةٌ يَبْغَضُهَا اللَّهُ إِلَّا فِي مِثْلِ هَذَا الْمَوْطِنِ [3] . وَقَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ، عَنِ الزُّهْرِيِّ وَغَيْرِهِ، إِنَّ رَجُلًا مِنَ الْمُشْرِكِينَ خَرَجَ يَوْمَ أُحُدٍ، فَدَعَا إِلَى الْبِرَازِ، فَأَحْجَمَ النَّاسُ عَنْهُ حَتَّى دَعَا ثَلَاثًا، وَهُوَ عَلَى جَمَلٍ لَهُ، فَقَامَ إِلَيْهِ الزُّبَيْرُ فَوَثَبَ حَتَّى اسْتَوَى مَعَهُ عَلَى بَعِيرُهُ، ثُمَّ عَانَقَهُ فَاقْتَتَلَا فَوْقَ الْبَعِيرِ جَمِيعًا، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: الَّذِي يَلِي حَضِيضَ الْأَرْضِ [4] مَقْتُولٌ. فَوَقَعَ الْمُشْرِكِ وَوَقَعَ عَلَيْهِ الزُّبَيْرُ فَذَبَحَهُ. ثُمَّ إِنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم.
[1] النّمارق: جمع النمرقة وهي الطّنفسة أو الوسادة. والوامق: المحبّ. وراجع القول في: سيرة ابن هشام 3/ 151 والسير والمغازي لابن إسحاق 327، تاريخ الطبري 2/ 510، الطبقات الكبرى 2/ 40، الروض الأنف 3/ 161، نهاية الأرب للنويري 17/ 90، عيون الأثر 2/ 25 وغيره، ففيها اختلاف ونقص.
[2]
سيرة ابن هشام 3/ 152 الطبري 2/ 511.
[3]
سيرة ابن هشام 3/ 150، الطبري 2/ 511.
[4]
حضيض الأرض: قرارها وسافلها.
قَرَّبَ الزُّبَيْرَ فَأَجْلَسَهُ عَلَى فَخْذِهِ وَقَالَ: إِنَّ لِكُلِّ نَبِيٍّ حَوَارِيًّا [1] وَالزُّبَيْرُ حَوَارِيَّ. قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ [2] : وَاقْتَتَلَ النَّاسُ حَتَّى حَمِيَتِ الْحَرْبُ، وَقَاتَلَ أَبُو دُجَانَةَ حَتَّى أَمْعَنَ فِي النَّاسِ، وَحَمْزَةُ بْنُ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ، وَعَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ، وَآخَرُونَ.
وَقَالَ زُهَيْرُ بْنُ مُعَاوِيَةَ: ثَنَا أَبُو إِسْحَاقَ، سَمِعْتُ الْبَرَاءَ يُحَدِّثُ قَالَ: جَعَلَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَلَى الرُّمَاةِ يَوْمَ أُحُدٍ، وَكَانُوا خَمْسِينَ، عَبْدَ اللَّهِ بْنَ جُبَيْرٍ، وَقَالَ: إِذَا رَأَيْتُمُونَا تَخَطَّفَنَا الطَّيْرُ فَلَا تَبْرَحُوا حَتَّى أُرْسِلَ إِلَيْكُمْ، وَإِنْ رَأَيْتُمُونَا هَزَمْنَا الْقَوْمَ وَأَوْطَأْنَاهُمْ فَلَا تَبْرَحُوا حَتَّى أُرْسِلَ إِلَيْكُمْ، قَالَ: فَهَزَمَهُمْ.
فَأَنَا وَاللَّهِ رَأَيْتُ النِّسَاءَ يَشْتَدِدْنَ عَلَى الْجَبَلِ قَدْ بَدَتْ خَلَاخِيلُهُنَّ وَسُوقُهُنَّ رَافِعَاتٍ ثِيَابَهُنَّ. فَقَالَ أَصْحَابُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ جُبَيْرٍ: الْغَنِيمَةَ، أَيْ قَوْمَ، الْغَنِيمَةَ، ظَهَرَ أَصْحَابُكُمْ فَمَا تَنْتَظِرُونَ؟ فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ لَهُمْ: أَنَسِيتُمْ مَا قَالَ لَكُمْ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم؟ فَقَالُوا: لَنَأْتِينَّ النَّاسَ فَلَنُصِيبَنَّ مِنَ الْغَنِيمَةِ: فَأَتَوْهُمْ فَصُرِفَتْ وُجُوهُهُمْ فَأَقْبَلُوا مُنْهَزِمِينَ. فَذَلِكَ [الَّذِي][3] يَدْعُوهُمُ الرَّسُولُ فِي أُخْرَاهُمْ. فَلَمْ يَبْقَ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إلّا اثْنَا عَشَرَ رَجُلًا. فَأَصَابُوا مِنَّا سَبْعِينَ [4] .
فَقَالَ أَبُو سُفْيَانُ: أَفِي الْقَوْمِ مُحَمَّدٌ؟ أَفِي الْقَوْمِ مُحَمَّدٌ؟ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ.
فَنَهَاهُمْ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَنْ يُجِيبُوهُ. ثُمَّ قَالَ: أَفِي الْقَوْمِ ابْنُ أَبِي قُحَافَةَ، أَفِي الْقَوْمِ ابْنُ أَبِي قُحَافَةَ؟ ثُمَّ قَالَ: أَفِي الْقَوْمِ ابْنُ الْخَطَّابِ؟ ثَلَاثًا. ثُمَّ رَجَعَ إِلَى أَصْحَابِهِ فَقَالَ: أَمَّا هَؤُلَاءِ فَقَدْ قُتِلُوا. فَمَا مَلَكَ عُمَرُ نَفْسَهُ أَنْ قَالَ: كَذَبْتَ يَا عَدُوَّ اللَّهِ، إِنَّ الَّذِينَ عَدَدْتَ لَأَحْيَاءٌ كُلُّهُمْ، وَقَدْ بقي لك ما يسوؤك. فقال:
[1] الحواري: الناصر المبالغ في النّصرة، والوزير والخليل، أو ناصر الأنبياء عليهم السلام خاصّة.
[2]
سيرة ابن هشام 3/ 151.
[3]
سقطت من الأصل، واستدركناها من تاريخ ابن كثير (4/ 25) وعبارة البخاري 5/ 120:
فذاك إذ يدعوهم..
[4]
تاريخ الطبري 2/ 508.
يَوْمٌ بِيَوْمِ بَدْرٍ وَالْحَرْبُ سِجَالٌ [1]، إِنَّكُمْ سَتَجِدُونَ مُثْلَةً [2] لَمْ أَمُرَّ بِهَا وَلَمْ تَسُؤْنِي. ثُمَّ أَخَذَ يَرْتَجِزُ: اعْلُ هُبَلُ، اعْلُ هُبَلُ [3] .
فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: أَلا تُجِيبُوهُ؟ قَالُوا: مَا نَقُولُ؟ قَالَ: قُولُوا: اللَّهُ أَعْلَى وَأَجَلُّ.
ثُمَّ قَالَ: لَنَا الْعُزَّى وَلَا عُزَّى لَكُمْ. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم. أَلا تجيبوه؟
قالوا: [33 أ] مَا نَقُولُ؟ قَالَ: قُولُوا: اللَّهُ مَوْلَانَا وَلَا مَوْلَى لَكُمْ.
أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ [4] . وَقَالَ يُونُسُ بْنُ بُكَيْرٍ، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ، فَحَدَّثَنِي الْحُصَيْنُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ مَحْمُودِ بْنِ عَمْرِو بْنِ يَزِيدَ بْنِ السَّكَنِ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ يَوْمَ أُحُدٍ حِينَ غَشِيَهُ الْقَوْمُ: مَنْ رَجُلٍ يَشْرِي مِنَّا نَفْسَهُ؟ فَقَامَ زِيَادُ بْنُ السَّكَنِ فِي خَمْسَةٍ مِنَ الْأَنْصَارِ، وَبَعْضُ النَّاسِ يَقُولُ: هُوَ عُمَارَةُ بْنُ زِيَادِ بْنِ السَّكَنِ، فَقَاتَلُوا دُونَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، رَجُلٌ ثُمَّ رَجُلٌ [5] يُقْتَلُونَ دُونَهُ، حَتَّى كَانَ آخِرُهُمْ زِيَادًا أَوْ عُمَارَةَ، فَقَاتَلَ حَتَّى أَثْبَتَتْهُ الْجِرَاحَةُ. ثُمَّ فَاءَتْ مِنَ الْمُسْلِمِينَ فِئَةٌ فَأَجْهَضُوهُمْ عَنْهُ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: أَدْنُوهُ مِنِّي. فَأَدْنُوهُ مِنْهُ، فَوَسَّدَهُ قَدَمَهُ، فَمَاتَ وَخَدُّهُ عَلَى قَدِمَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم [6] . وَتَرَّسَ دُونَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَبُو دُجَانَةَ بِنَفْسِهِ، يَقَعُ النَّبْلُ فِي ظهره، وهو
[1] سجال: أي مساجلة يدال فيها على هؤلاء مرّة، وعلى هؤلاء أخرى.
[2]
المثلة: التنكيل بالقتلى بقطع أطرافهم والتشويه بهم.
[3]
هبل من أصنام قريش التي كانت في جوف الكعبة وكان أعظمها عندهم. قال ابن الكلبي: كان فيما بلغني من عقيق أحمر على صورة الإنسان (الأصنام: 28) .
[4]
صحيح البخاري: كتاب المغازي، باب غزوة أحد (5/ 120) ، وهذا الحديث من أفراد البخاري دون مسلم.
[5]
في سيرة ابن هشام 3/ 157 «رجلا ثم رجلا» .
[6]
سيرة ابن هشام 3/ 157.
مُنْحَنٍ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم حَتَّى كَثُرَتْ فِيهِ النَّبْلُ [1] .
وَقَالَ حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، عَنْ ثَابِتٍ، وَغَيْرِهِ، عَنْ أَنَسٍ، أَنّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَفْرَدَ يَوْمَ أُحُدٍ فِي سَبْعَةٍ مِنَ الْأَنْصَارِ وَرَجُلَيْنِ مِنْ قُرَيْشٍ، فَلَمَّا رَهَقُوهُ قَالَ:
مَنْ يَرُدُّهُمْ عَنَّا وَلَهُ الْجَنَّةُ، أَوْ هُوَ رَفِيقِي فِي الْجَنَّةِ؟ فَتَقَدَّمَ رَجُلٌ مِنَ الْأَنْصَارِ فَقَاتَلَ حَتَّى قُتِلَ، وَتَقَدَّمَ آخَرُ حَتَّى قُتِلَ. فَلَمْ يَزَلْ كَذَلِكَ حَتَّى قُتِلَ السَّبْعَةُ، فَقَالَ لِصَاحِبَيْهِ: مَا أَنْصَفْنَا أَصْحَابَنَا.
رَوَاهُ مُسْلِمٌ [2] . وَقَالَ سُلَيْمَانُ التَّيْمِيُّ، عَنْ أَبِي عُثْمَانَ قَالَ: لَمْ يَبْقَ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، فِي بَعْضِ تِلْكَ الْأَيَّامِ الَّتِي قَاتَلَ فِيهِنَّ غَيْرُ طَلْحَةَ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ وَسَعْدٌ، عَنْ حَدِيثِهِمَا. مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ [3] .
وَقَالَ قَيْسُ بْنُ أَبِي حَازِمٍ: رَأَيْتُ يَدَ طَلْحَةَ شَلَّاءَ وَقَى بِهَا النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم، يَعْنِي يَوْمَ أُحُدٍ.
أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ [4] .
وَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ صَالِحٍ: حَدَّثَنِي يَحْيَى بْنُ أَيُّوبَ، عَنْ عُمَارَةَ بْنِ غَزِيَّةَ، عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ مَوْلَى حَكِيمِ بْنِ حِزَامٍ، عَنْ جَابِرٍ قَالَ: انْهَزَمَ النَّاسُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَوْمَ أُحُدٍ، فَبَقِيَ مَعَهُ أَحَدَ عَشَرَ رَجُلًا، وَطَلْحَةُ بْنُ عُبَيْدِ اللَّهِ، وَهُوَ يَصْعَدُ فِي الْجَبَلِ، فَلَحِقَهُمُ الْمُشْرِكُونَ. فَقَالَ أَلَا أَحَدٌ لِهَؤُلَاءِ؟ فقال طلحة:
[1] سيرة ابن هشام 3/ 157، السير والمغازي لابن إسحاق 328.
[2]
صحيح مسلم (1789) : كتاب الجهاد والسير، باب غزوة أحد.
[3]
صحيح البخاري: كتاب فضائل أصحاب النّبيّ صلى الله عليه وسلم، باب ذكر طلحة بن عبيد الله (5/ 27) ، وكتاب المغازي، باب إذ همّت طائفتان منكم إلخ (5/ 124) وصحيح مسلم (2414) : كتاب فضائل الصحابة: باب من فضائل طلحة والزبير رضي الله تعالى عنهما.
[4]
صحيح البخاري: كتاب المغازي، باب إذ همّت طائفتان منكم إلخ (5/ 125) .
أَنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ. قَالَ: كَمَا أَنْتَ يَا طَلْحَةُ. فَقَالَ رَجُلٌ مِنَ الْأَنْصَارِ: فَأَنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ. فَقَاتَلَ عَنْهُ، وَصَعِدَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَمَنْ مَعَهُ، ثُمَّ قُتِلَ الْأَنْصَارِيُّ فَلَحِقُوهُ فَقَالَ: أَلَا أَحَدٌ لِهَؤُلَاءِ؟ فَقَالَ طَلْحَةُ مِثْلَ قَوْلِهِ، وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مِثْلَ قَوْلِهِ، فَقَالَ رَجُلٌ مِنَ الْأَنْصَارِ: أَنَا يَا رَسُولَ الله، فأذن له فقاتل ورسول الله صلى الله عليه وسلم وَأَصْحَابُهُ يَصْعَدُونَ، ثُمَّ قُتِلَ فَلَحِقُوهُ. فَلَمْ يَزَلْ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ مِثْلَ قَوْلِهِ وَيَقُولُ طَلْحَةُ: أَنَا فَيَحْبِسُهُ. وَيَسْتَأْذِنُهُ رَجُلٌ مِنَ الْأَنْصَارِ فَيَأْذَنُ لَهُ، حَتَّى لَمْ يَبْقَ مَعَهُ إِلَّا طَلْحَةُ، فَغَشَوْهُمَا، فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: مَنْ لِهَؤُلَاءِ؟ فَقَالَ طَلْحَةُ: أَنَا. فَقَاتَلَ مِثْلَ قِتَالِ جَمِيعِ مَنْ كان قبله وأصيبت أنامله، فقال:
حسّ [1] . [33 ب] فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: لَوْ قُلْتَ بِسْمِ اللَّهِ أَوْ ذَكَرْتَ اسْمَ اللَّهِ لَرَفَعَتْكَ الْمَلَائِكَةُ وَالنَّاسُ يَنْظُرُونَ إِلَيْكَ حَتَّى تَلِجَ بِكَ فِي جَوِّ السَّمَاءِ. ثُمَّ صَعِدَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إِلَى أَصْحَابِهِ وَهُمْ مُجْتَمِعُونَ. وَقَالَ عَبْدُ الْوَارِثِ: ثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ، عَنْ أَنَسٍ قَالَ: لَمَّا كَانَ يَوْمُ أُحُدٍ انْهَزَمَ النَّاسُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، وَأَبُو طَلْحَةَ بَيْنَ يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم يَجُوبُ [2] عَنْهُ بِحِجْفَةٍ مَعَهُ. وَكَانَ أَبُو طَلْحَةَ رَجُلًا رَامِيًا شَدِيدَ النَّزْعِ، كَسَرَ يَوْمَئِذٍ قَوْسَيْنِ أَوْ ثَلَاثَةً. وَكَانَ الرَّجُلُ يَمُرُّ بِالْجُعْبَةِ فِيهَا النَّبْلُ فَيَنْثُرُهَا لِأَبِي طَلْحَةَ. وَيُشْرِفُ نَبِيُّ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَيَنْظُرُ إِلَى الْقَوْمِ فَيَقُولُ أَبُو طَلْحَةَ: يَا نَبِيَّ اللَّهِ، بِأَبِي أَنْتَ وَأُمِّي، لَا تُشْرِفُ يُصِبْكَ سَهْمٌ مِنْ سِهَامِ الْقَوْمِ، نَحْرِي دُونَ نَحْرِكَ.
وَلَقَدْ رَأَيْتُ عَائِشَةَ بِنْتَ أَبِي بَكْرٍ، وَأُمَّ سُلَيْمٍ وَإِنَّهُمَا مُشَمِّرَتَانِ أَرَى خَدَمَ سُوقِهِمَا، تَنْقِلَانِ الْقِرَبَ عَلَى مُتُونِهِمَا ثُمَّ تُفْرِغَانِهِ فِي أَفْوَاهِ الْقَوْمِ.
وَلَقَدْ وَقَعَ السَّيْفُ مِنْ يَدَيْ طَلْحَةَ مِنَ النُّعَاسِ إمّا مرّتين أو ثلاثا.
[1] حس: (بفتح الحاء وكسر السين وترك التنوين) كلمة تقال عند الألم.
[2]
يجوب عنه: يترس عليه. والجوبة الترس.
مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ [1] .
وَقَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ. وَقَاتَلَ مُصْعَبُ بْنُ عُمَيْرٍ دُونَ رَسُولِ اللَّهِ حَتَّى قُتِلَ قَتَلَهُ ابْنُ قَمِّيئَةَ [2] اللَّيْثِيُّ، وَهُوَ يَظُنُّهُ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم. فرجع إلى قُرَيْشٍ فَقَالَ:
قَتَلْتُ مُحَمَّدًا [3] .
وَلَمَّا قُتِلَ مُصْعَبٌ أعطى رسول الله صلى الله عليه وسلم اللِّوَاءَ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ وَرِجَالًا مِنَ الْمُسْلِمِينَ [4] .
وَقَالَ مُوسَى بْنُ عُقْبَةَ: وَاسْتَجْلَبَتْ قُرَيْشٌ مَنْ شَاءُوا مِنْ مُشْرِكِي الْعَرَبِ، وَسَارَ أَبُو سُفْيَانَ فِي جَمْعِ قُرَيْشٍ. ثُمَّ ذَكَرَ نَحْوَ مَا تَقَدَّمَ، وَفِيهِ:
فَأَصَابُوا وَجْهَهُ، يَعْنِي النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم وَقَصَمُوا [5] رَبَاعِيَتَهُ، وَخَرَقُوا شَفَتَهُ. يَزْعُمُونَ أَنَّ الَّذِي رَمَاهُ عُتْبَةُ بْنُ أَبِي وَقَّاصٍ.
وَعِنْدَهُ الْمَنَامُ، وَفِيهِ: فَأُوِّلَتِ الدِّرْعُ الْحَصِينَةُ الْمَدِينَةَ، فَامْكُثُوا وَاجْعَلُوا الذَّرَارِي فِي الْآطَامِ، فَإِنْ دَخَلُوا عَلَيْنَا فِي الْأَزِقَّةِ قَاتَلْنَاهُمْ وَرَمَوْا مِنْ فَوْقِ الْبُيُوتِ. وَكَانُوا قَدْ سَكُّوا أَزِقَّةَ المدينة بالبنيان حَتَّى كَانَتْ كَالْحِصْنِ. فَأَبَى كَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ إِلَّا الْخُرُوجَ، وَعَامَّتُهُمْ لَمْ يَشْهَدُوا بَدْرًا. قَالَ: وَلَيْسَ مَعَ الْمُسْلِمِينَ فَرَسٌ.
وَكَانَ حَامِلُ لِوَاءِ الْمُشْرِكِينَ طَلْحَةُ بْنُ عُثْمَانَ، أَخُو شَيْبَةَ الْعَبْدَرِيِّ، وَحَامِلُ لِوَاءِ الْمُسْلِمِينَ رَجُلٌ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ، فَقَالَ: أَنَا عَاصِمٌ إِنْ شَاءَ اللَّهُ لِمَا مَعِي، فَقَالَ لَهُ طَلْحَةُ بْنُ عُثْمَانَ: هَلْ لَكَ في المبارزة؟ قال: نعم فبدره
[1] صحيح البخاري: كتاب المغازي، باب إذ همّت طائفتان منكم إلخ (5/ 125) .
[2]
في السيرة لابن هشام 3/ 157 «قمئة» .
[3]
السير والمغازي لابن إسحاق 329.
[4]
سيرة ابن هشام 3/ 153.
[5]
فصمت السن: انشقت عرضا.
ذَلِكَ الرَّجُلَ فَضَرَبَ بِالسَّيْفِ عَلَى رَأْسِهِ حَتَّى وَقَعَ السَّيْفُ فِي لِحْيَتِهِ.
فَكَانَ قَتْلُ صَاحِبِ الْمُشْرِكِينَ تَصْدِيقًا لِرَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم [فِي قَوْلِهِ] أَرَى [1] أَنِّي مُرْدِفٌ كَبْشًا.
فَلَمَّا صُرِعَ انْتَشَرَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم وأصحابه، وصاروا كتائب مُتَفَرِّقَةً، فَحَاسُوا [2] الْعَدُوَّ ضَرْبًا حَتَّى أَجْهَضُوهُمْ عَنْ أَثْقَالِهِمْ. وَحَمَلَتْ خَيْلُ الْمُشْرِكِينَ عَلَى الْمُسْلِمِينَ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ، كُلُّ ذَلِكَ تَنْضَحُ بِالنَّبْلِ فَتَرْجِعُ مَفْلُولَةً. وَحَمَلَ الْمُسْلِمُونَ فَنَهَكُوهُمْ قَتْلًا، فَلَمَّا أَبْصَرَ الرُّمَاةُ الْخَمْسُونَ أَنَّ اللَّهَ قَدْ فَتَحَ، قَالُوا: وَاللَّهِ [ما] نجلس ها هنا لِشَيْءٍ. فَتَرَكُوا مَنَازِلَهُمُ الَّتِي عَهِدَ إِلَيْهِمُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم أَنْ لَا يَتْرُكُوهَا، [34 أ] وَتَنَازَعُوا وَفَشِلُوا وَعَصَوُا الرَّسُولَ، فَأَوْجَفَتِ الْخَيْلُ فِيهِمْ قَتْلًا، وَكَانَ عَامَّتُهُمْ فِي الْعَسْكَرِ. فَلَمَّا أَبْصَرَ ذَلِكَ الْمُسْلِمُونَ اجْتَمَعُوا، وَصَرَخَ صَارِخٌ: أُخْرَاكُمْ أُخْرَاكُمْ، قتل رسول الله صلى الله عليه وسلم. فَسَقَطَ فِي أَيْدِيهِمْ، فَقُتِلَ مِنْهُمْ مَنْ قُتِلَ، وَأَكْرَمَهُمُ اللَّهُ بِالشَّهَادَةِ. وَأُصْعِدَ النَّاسُ فِي الشِّعْبِ لَا يَلْوُونَ عَلَى أَحَدٍ، وَثَبَّتَ اللَّهُ نَبِيَّهُ، وَأَقْبَلَ يَدْعُو أَصْحَابَهُ مُصَعِّدًا فِي الشِّعْبِ، وَالْمُشْرِكُونَ عَلَى طَرِيقِهِ، وَمَعَهُ عِصَابَةٌ مِنْهُمْ طَلْحَةُ بْنُ عُبَيْدِ اللَّهِ وَالزُّبَيْرُ، وَجَعَلُوا يَسْتُرُونَهُ [حَتَّى][3] قُتِلُوا إِلَّا سِتَّةً أَوْ سَبْعَةً.
وَيُقَالُ: كَانَ كَعْبُ بْنُ مَالِكٍ أَوَّلَ مَنْ عَرَفَ عَيْنَيْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، حِينَ فُقِدَ، من وراء المغفر. فنادى بصورته الْأَعْلَى: اللَّهُ أَكْبَرُ، هَذَا رَسُولُ اللَّهِ، فَأَشَارَ إِلَيْهِ- زَعَمُوا- رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَنِ اسْكُتْ. وَجُرِحَ رَسُول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِي وَجْهِهِ وَكُسِرَتْ رَبَاعِيَتُهُ [4] .
[1] في الأصل: رأى. وصحّحت العبارة بما يؤدّي المعنى.
[2]
حاسوهم ضربا: بالغوا في النكاية فيهم.
[3]
ليست في الأصل، وزدناها للسياق.
[4]
سيرة ابن هشام 3/ 158.
وَكَانَ أُبَيُّ بْنُ خَلَفٍ قَالَ حِينَ افْتُدِيَ: وَاللِّه إِنَّ عِنْدِي لَفَرَسًا أَعْلِفُهَا كُلَّ يَوْمٍ فَرْقَ ذُرَةٍ، وَلَأَقْتُلَنَّ عَلَيْهَا مُحَمَّدًا. فَبَلَغَ قَوْلُهُ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: بَلْ أَنَا أَقْتُلُهُ إِنْ شَاءَ اللَّهُ. فَأَقْبَلَ أُبَيُّ مُقَنَّعًا فِي الْحَدِيدِ عَلَى فَرَسِهِ تِلْكَ يَقُولُ: لَا نَجَوْتُ إِنْ نَجَا مُحَمَّدٌ. فَحَمَلَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم [1] .
قَالَ مُوسَى: قَالَ سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ: فَاعْتَرَضَ لَهُ رِجَالٌ، فَأَمَرَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَخَلُّوا طَرِيقَهُ، وَاسْتَقْبَلَهُ مُصْعَبُ بْنُ عُمَيْرٍ يَقِي رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، فَقُتِلَ مُصْعَبٌ. وَأَبْصَرَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم تُرْقُوَةَ أُبَيٍّ مِنْ فُرْجَةٍ بَيْنَ سَابِغَةِ الْبَيْضَةِ وَالدِّرْع، فَطَعَنَهُ فِيهَا بِحَرْبَتِهِ، فَوَقَعَ أُبَيٌّ عَنْ فَرَسِهِ، وَلَمْ يَخْرُجْ مِنْ طَعْنَتِهِ دَمٌ [2] .
قَالَ سَعِيدٌ: فَكُسِرَ ضِلْعٌ مِنْ أَضْلاعِهِ، فَفِي ذَلِكَ نَزَلَتْ وَما رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلكِنَّ الله رَمى 8: 17 [3] . فَأَتَاهُ أَصْحَابُهُ وَهُوَ يَخُورُ خُوَارَ الثَّوْرِ فَقَالُوا: مَا جَزَعُكَ؟ إِنَّمَا هُوَ خَدْشٌ. فَذَكَرَ لَهُمْ قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: بَلْ أَنَا أَقْتُلُ أُبَيًّا.
ثُمَّ قَالَ: وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، لَوْ كَانَ هَذَا الَّذِي بِي بِأَهْلِ الْمَجَازِ لَمَاتُوا أَجْمَعُونَ. فَمَاتَ قَبْلَ أَنْ يَقْدَمَ مَكَّةَ [4] . وَقَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: حَدَّثَنِي حُيَيُّ بْنُ عَبَّادِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ، أَنَّ الزُّبَيْرَ قَالَ: وَاللَّهِ لَقَدْ رَأَيْتُنِي أَنْظُرُ إِلَى خَدَمِ سُوقِ هِنْدٍ وَصَوَاحِبَاتِهَا مُشَمِّرَاتٍ هَوَارِبَ، مَا دُونَ إِحْدَاهُنَّ قَلِيلٌ وَلَا كَثِيرٌ، إِذَا مَالَتِ الرُّمَاةُ إِلَى الْعَسْكَرِ حِينَ كَشَفْنَا الْقَوْمَ عَنْهُ يُرِيدُونَ النَّهْبَ، وَخَلَّوْا ظُهُورَنَا لِلْخَيْلِ، فَأَتَيْنَا مِنْ أَدْبَارِنَا، وَصَرَخَ صَارِخٌ. أَلَا إِنَّ مُحَمَّدًا قَدْ قُتِلَ، فَانْكَفَأْنَا
[1] السير والمغازي لابن إسحاق 331.
[2]
سيرة ابن هشام 3/ 166.
[3]
سورة الأنفال: من الآية 17.
[4]
سيرة ابن هشام 3/ 166.
وَانْكَفَأَ عَلَيْنَا الْقَوْمُ بَعْدَ أَنْ أَصَبْنَا أَصْحَابَ لِوَائِهِمْ، حَتَّى مَا يَدْنُو مِنْهُ أَحَدٌ مِنَ الْقَوْمِ.
قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: لَمْ يَزَلْ لِوَاؤُهُمْ صَرِيعًا حَتَّى أَخَذَتْهُ عَمْرَةُ بِنْتُ عَلْقَمَةَ الْحَارِثِيَّةُ، فَرَفَعَتْهُ لِقُرَيْشٍ فَلَاذُوا بِهِ.
وَقَالَ وَرْقَاءُ، عَنِ ابن أبي نجيح، عن مجاهد في قوله تعالى إِذْ تَحُسُّونَهُمْ بِإِذْنِهِ 3: 152 أَيْ تَقْتُلُونَهُمْ، حَتَّى إِذا فَشِلْتُمْ وَتَنازَعْتُمْ فِي الْأَمْرِ وَعَصَيْتُمْ 3: 152 يَعْنِي إِقْبَالُ مَنْ أَقْبَلَ مِنْهُمْ عَلَى الْغَنِيمَةِ، وَالرَّسُولُ يَدْعُوكُمْ في أُخْراكُمْ 3: 153، من بَعْدِ ما أَراكُمْ ما تُحِبُّونَ 3: 152 [1] يعني النصر. ثم أديل [34 ب] لِلْمُشْرِكِينَ عَلَيْهِمْ بِمَعْصِيَتِهِمُ الرَّسُولَ حَتَّى حَصَبَهُمُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم.
وَرَوَى السُّدِّيُّ، عَنْ عَبْدِ خَيْرٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: مَا كُنْتُ أَرَى أَنَّ أَحَدًا مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يُرِيدُ الدُّنْيَا حَتَّى نَزَلَتْ فِينَا مِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الدُّنْيا وَمِنْكُمْ من يُرِيدُ الْآخِرَةَ 3: 152 [2] .
وَقَالَ [3] هِشَامُ بْنُ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ: هُزِمَ الْمُشْرِكُونَ يَوْمَ أُحُدٍ هَزِيمَةً بَيِّنَةً، فَصَرَخَ إِبْلِيسُ: أَيْ عِبَادَ اللَّهِ أُخْرَاكُمْ، فَرَجَعَتْ أولاهم وَاجْتَلَدُوا هُمْ وَأُخْرَاهُمْ. فَنَظَرَ حُذَيْفَةُ فَإِذَا هُوَ بأبيه اليمان، فقال: أبي، أبي. فو الله مَا انْحَجَزُوا عَنْهُ حَتَّى قَتَلُوهُ. فَقَالَ حُذَيْفَةُ: غفر الله لكم. قال
[1] سورة آل عمران: من الآيتين 152، 153 بتقديم وتأخير في فقرها المستشهد بحسب المعنى.
وتمام الآيتين الكريمتين: وَلَقَدْ صَدَقَكُمُ اللَّهُ وَعْدَهُ إِذْ تَحُسُّونَهُمْ بِإِذْنِهِ حَتَّى إِذا فَشِلْتُمْ وَتَنازَعْتُمْ فِي الْأَمْرِ وَعَصَيْتُمْ من بَعْدِ ما أَراكُمْ ما تُحِبُّونَ، مِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الدُّنْيا وَمِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الْآخِرَةَ ثُمَّ صَرَفَكُمْ عَنْهُمْ لِيَبْتَلِيَكُمْ وَلَقَدْ عَفا عَنْكُمْ وَالله ذُو فَضْلٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ تُصْعِدُونَ وَلا تَلْوُونَ عَلى أَحَدٍ وَالرَّسُولُ يَدْعُوكُمْ في أُخْراكُمْ فَأَثابَكُمْ غَمًّا بِغَمٍّ لِكَيْلا تَحْزَنُوا عَلى ما فاتَكُمْ وَلا ما أَصابَكُمْ وَالله خَبِيرٌ بِما تَعْمَلُونَ. 3: 152- 153.
[2]
سورة آل عمران الآية 152.
[3]
آخر سقط ع.
عروة: فو الله مَا زَالَتْ فِي حُذَيْفَةَ بَقِيَّةُ خَيْرٍ حَتَّى لَقِيَ اللَّهَ. أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ [1] .
وَقَالَ ابْنُ عَوْنٍ، عَنْ عُمَيْرِ بْنِ إِسْحَاقَ، عَنْ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ قَالَ:
كَانَ حَمْزَةُ يُقَاتِلُ يَوْمَ أُحُدٍ بَيْنَ يَدَيْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بِسَيْفَيْنِ، وَيَقُولُ: أَنَا أَسَدُ اللَّهِ.
رَوَاهُ يُونُسُ بْنُ بُكَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَوْنٍ، عَنْ عُمَيْرٍ مُرْسَلًا، وَزَادَ: فَعَثُرَ فَصُرِعَ مُسْتَلْقِيًا وَانْكَشَفَتِ الدِّرْعُ عَنْ بَطْنِهِ، فَزَرَقَهُ الْعَبْدُ الْحَبَشِيُّ فَبَقَرَهُ.
وَقَالَ عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْفَضْلِ الْهَاشِمِيِّ، عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ، عَنْ جَعْفَرِ بْنِ أُمَيَّةَ الضَّمْرِيِّ قَالَ: خَرَجْتُ مَعَ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَدِيِّ بْنِ الْخِيَارِ إِلَى الشَّامِ. فَلَمَّا قَدِمْنَا حِمْصَ قَالَ عُبَيْدُ اللَّهِ: هَلْ لَكَ فِي وَحْشِيٍّ نَسْأَلَهُ عَنْ قَتْلِ حَمْزَةَ؟ قُلْتُ: نَعَمْ. وَكَانَ وَحْشِيٌّ يَسْكُنُ حِمْصَ، فَسَأَلْنَا عَنْهُ، فَقِيلَ لَنَا: هُوَ ذَاكَ فِي ظِلِّ قَصْرِهِ كَأَنَّهُ حَمِيتٌ [2] . فَجِئْنَا حَتَّى وَقَفْنَا عَلَيْهِ يَسِيرًا فَسَلَّمْنَا، فردّ علينا السلام. وكان عبيد الله معتجرا بِعِمَامَتِهِ، مَا يَرَى وَحْشِيٌّ إِلَّا عَيْنَيْهِ وَرِجْلَيْهِ. فَقَالَ عُبَيْدُ اللَّهِ: يَا وَحْشِيُّ، تَعْرِفُنِي؟ فَنَظَرَ إِلَيْهِ فَقَالَ: لَا وَاللَّهِ، إِلَّا أَنِّي أَعْلَمُ أَنَّ عَدِيَّ بْنَ الْخِيَارِ تَزَوَّجَ امْرَأَةً يُقَالُ لَهَا أُمُّ قِتَالٍ بِنْتُ أَبِي الْعَيْصِ، فَوَلَدَتْ غُلَامًا بِمَكَّةَ فَاسْتَرْضَعَتْهُ، فَحَمَلْتُ ذَلِكَ الْغُلَامَ مَعَ أُمِّهِ فَنَاوَلْتُهَا إِيَّاهُ، لَكَأَنِّي نَظَرْتُ إِلَى قَدَمَيْكَ. قَالَ: فَكَشَفَ عُبَيْدُ اللَّهِ عَنْ وَجْهِهِ، ثُمَّ قَالَ: أَلَا تُخْبِرُنَا بِقَتْلِ حَمْزَةَ؟ قَالَ: نَعَمْ. إِنَّ حَمْزَةَ قَتَلَ طُعَيْمَةَ بْنَ عَدِيِّ بْنِ الْخِيَارِ بِبَدْرٍ. فَقَالَ لِي مَوْلاي جُبَيْرُ بْنُ مطعم: إن قتلت
[1] صحيح البخاري: كتاب المغازي، باب إذ همّت طائفتان منكم إلخ (5/ 125) .
[2]
الحميت: الزّقّ (عن هامش ع) . قال الزبيدي في التاج 4/ 497: الحميت: الزّقّ الصغير، أو الزّق المشعر الّذي يجعل فيه السمن والعسل والزيت.. وفي حديث وحشيّ:«كأنّه حميت» أي زقّ. وفي حديث هند لما أخبرها أبو سفيان بدخول النبيّ صلى الله عليه وسلم مكة، قالت:«اقتلوا الحميت الأسود» تعنيه استعظاما لقوله.
حَمْزَةَ بِعَمِّي فَأَنْتَ حُرٌّ. فَلَمَّا خَرَجَ النَّاسُ عَنْ [1] عَيْنَيْنِ- وَعَيْنَيْنُ [2] جَبَلٌ تَحْتَ أُحُدٍ، بَيْنَهُ وَبَيْنَ أُحُدٍ وَادٍ- خَرَجْتُ مَعَ النَّاسِ إِلَى الْقِتَالِ. فَلَمَّا أَنِ اصْطَفُّوا لِلْقِتَالِ خَرَجَ سِبَاعٌ: فَقَالَ: هَلْ مِنْ مُبَارِزٍ؟ فَخَرَجَ إِلَيْهِ حَمْزَةُ، فَقَالَ: يَا سِبَاعُ يَا بْنَ مُقَطِّعَةِ الْبُظُورِ [3] ، تُحَادُّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ؟ ثُمَّ شَدَّ عَلَيْهِ، فَكَانَ كَأَمْسِ الذَّاهِبِ. قَالَ فَكَمَنْتُ لِحَمْزَةَ تَحْتَ صَخْرَةٍ حَتَّى مَرَّ عَلَيَّ، فَرَمَيْتُهُ بِحَرْبَتِي فَأَضَعُهَا فِي ثُنَّتِهِ [4] حَتَّى خَرَجَتْ مِنْ وَرِكِهِ، فَكَانَ ذَاكَ الْعَهْدُ بِهِ. فَلَمَّا رَجَعَ النَّاسُ رَجَعْتُ مَعَهُمْ، فَأَقَمْتُ بِمَكَّةَ حَتَّى فَشَا فِيهَا الْإِسْلَامُ، ثُمَّ خَرَجْتُ إِلَى الطَّائِفِ. قَالَ: وَأَرْسَلُوا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم رُسُلًا، وَقِيلَ إِنَّهُ لَا تَهِيجُ الرُّسُلُ، فَخَرَجْتُ مَعَهُمْ. فَلَمَّا رَآنِي قَالَ: أَنْتَ وَحْشِيٌّ؟ قُلْتُ: نَعَمْ. قَالَ: الّذي قتل حمزة؟ [35 أ] قُلْتُ: نَعَمْ، قَدْ كَانَ الْأَمْرُ الَّذِي بَلَغَكَ. قَالَ: مَا تَسْتَطِيعُ أَنْ تُغَيِّبَ عَنِّي وَجْهَكَ؟ قَالَ: فَرَجَعْتُ. فَلَمَّا تُوُفِّيَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَخَرَجَ مُسَيْلَمَةُ، قُلْتُ: لَأَخْرُجَنَّ إِلَيْهِ لَعَلِّي أَقْتُلُهُ فَأُكَافِئُ بِهِ حَمْزَةَ. فَخَرَجْتُ مَعَ النَّاسِ وَكَانَ مِنْ أَمْرِهِمْ مَا كَانَ، فَإِذَا رَجُلٌ قَائِمٌ فِي ثُلْمَةِ جِدَارٍ كَأَنَّهُ جَمَلٌ أَوْرَقُ ثَائِرٌ رَأْسُهُ. قَالَ: فَأَرْمِيهِ بِحَرْبَتِي فَأَضَعَهَا بَيْنَ ثَدْيَيْهِ حَتَّى خَرَجَتْ مِنْ بَيْنِ كَتِفَيْهِ، وَوَثَبَ إِلَيْهِ رَجُلٌ مِنَ الْأَنْصَارِ فَضَرَبَهُ بِالسَّيْفِ عَلَى هَامَتِهِ.
قَالَ سُلَيْمَانُ بْنُ يَسَارٍ: فَسَمِعْتُ ابْنَ عُمَرَ يَقُولُ: قَالَتْ جَارِيَةٌ عَلَى ظَهْرِ بَيْتٍ: وَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، قَتَلَهُ الْعَبْدُ الأسود [5] .
[1] كذا بالأصل، ورواية البخاري «عام عينين» .
[2]
في الأصل: وعينون. والمثبت عن البخاري.
[3]
البظور: بضم الباء، مفردها بظر، ما بين استي المرأة. (تاج العروس 10/ 216) .
[4]
الثنة: وسط الإنسان (عن الهامش) وهي ما بين السّرّة إلى العانة. وفي تاريخ الطبري:
2/ 517: «فوقعت في لبّته حتى خرجت من بين رجليه» . وفي تاريخ الخميس 1/ 479 «فوقعت في ثنته حتى خرجت من بين رجليه» . وانظر: السير والمغازي لابن إسحاق 329.
[5]
تاريخ الخميس 1/ 480.
أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ [1] .
قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ [2] : ذَكَرَ الزُّهْرِيُّ قَالَ: كَانَ أَوَّلَ مَنْ عَرَفَ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بَعْدَ الْهَزِيمَةِ وَقَوْلُ النَّاسِ: قَتَلَ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، كَعْبُ بْنُ مَالِكٍ. قَالَ:
عَرَفْتُ عَيْنَيْهِ تُزْهِرَانِ مِنْ تَحْتِ الْمِغْفَرِ، فَنَادَيْتُ: يَا مَعْشَرَ الْمُسْلِمِينَ.
أَبشِروا، هَذَا رَسُول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم. فَأَشَارَ إِلَيِّ أَنْ أَنْصِتْ، وَمَعَهُ جَمَاعَةٌ. فَلَمَّا أَسْنَدَ فِي الشِّعْبِ [3] أَدْرَكَهُ أُبَيُّ بْنُ خَلَفٍ وَهُوَ يَقْولُ: يَا مُحَمَّدُ [4] ، لَا نَجَوْتُ إِنْ نَجَوْتَ. الْحَدِيثَ.
وَقَالَ هَاشِمُ بْنُ هَاشِمٍ الزُّهْرِيُّ: سَمِعْتُ سَعِيدَ بْنَ الْمُسَيِّبِ، سَمِعَ سَعْدًا يَقُولُ: نَثَلَ لِي رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم كِنَانَتَهُ يَوْمَ أُحُدٍ، وَقَالَ: ارْمِ، فِدَاكَ أَبِي وَأُمِّي.
أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ [5] .
وَقَالَ ابْنِ إِسْحَاقَ [6] : حَدَّثَنِي يَحْيَى بْنُ عَبَّادِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ، عن الزُّبَيْرِ قَالَ: فَرَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَدْ ظَاهَرَ بَيْنَ دِرْعَيْنِ يَوْمَئِذٍ، فلم يستطيع أن ينهض إليها، يعني إلى صخرة في الْجَبَلِ، فَجَلَسَ تَحْتَهُ طَلْحَةُ بْنُ عُبَيْدِ اللَّهِ فَنَهَضَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم حَتَّى استوى عليها [7] . فقال رسول
[1] صحيح البخاري: كتاب المغازي: باب قتل حمزة رضي الله عنه (5/ 128) .
[2]
سيرة ابن هشام 3/ 158 و 166، الأغاني 15/ 195، 196.
[3]
أسند فيه: أي رقى فيه.
[4]
في السيرة: «أي محمد» 3/ 166 وفي تاريخ الطبري 2/ 518 «أين محمد» وكذلك في السير والمغازي لابن إسحاق 331.
[5]
صحيح البخاري: كتاب المغازي، باب إذ همّت طائفتان منكم إلخ (5/ 124) . والنظر السير والمغازي لابن إسحاق 328.
[6]
سيرة ابن هشام 3/ 167، 168.
[7]
السير والمغازي لابن إسحاق 332.
اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: أَوْجَبَ طَلْحَةُ [1] . وَقَالَ حُمَيْدٌ، عَنْ أَنَسٍ قَالَ: غَابَ أَنَسُ بْنُ النَّضْرِ، عَمُّ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، عَنْ قِتَالِ بَدْرٍ، فَقَالَ: غِبْتُ عَنْ أَوَّلِ قِتَالٍ قَاتَلَهُ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، لَئِنِ اللَّهَ أَشْهَدَنِي قِتَالًا لَيَرَيَنَّ اللَّهُ مَا أَصْنَعُ. فَلَمَّا كَانَ يَوْمُ أُحُدٍ انْكَشَفَ الْمُسْلِمُونَ فَقَالَ: اللَّهمّ إِنِّي أَبْرَأُ إِلَيْكَ مِمَّا جَاءَ بِهِ هَؤُلَاءِ؟ يَعْنِي الْمُشْرِكِينَ، وَأَعْتَذِرُ إِلَيْكَ مِمَّا صَنَعَ هَؤُلَاءِ، يَعْنِي الْمُسْلِمِينَ. ثُمَّ مَشَى بِسَيْفِهِ فَلَقِيَهُ سَعْدُ بْنُ مُعَاذٍ، فَقَالَ: أَيْ سَعْدُ، وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ إِنِّي لَأَجِدُ رِيحَ الْجَنَّةِ دُونَ أُحُدٍ، وَاهًا لِرِيحِ الْجَنَّةِ! قَالَ سَعْدٌ: فَمَا اسْتَطَعْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا صَنَعَ. قَالَ أَنَسٌ: وَجَدْنَاهُ بَيْنَ الْقَتْلَى، بِهِ بِضْعٌ وَثَمَانُونَ جِرَاحَةً مِنْ ضَرْبَةٍ بِسَيْفٍ وَطَعْنَةٍ بِرُمْحٍ وَرَمْيَةٍ بِسَهْمٍ، قَدْ مَثَّلُوا بِهِ فَمَا عَرَفْنَاهُ، حَتَّى عَرَفَتْهُ أُخْتُهُ بِبَنَانِهِ [2] . قَالَ أَنَسٌ: فَكُنَّا نَقُولُ: أُنْزِلَ فِيهِ هَذِهِ الْآيَةُ رِجالٌ صَدَقُوا ما عاهَدُوا الله عَلَيْهِ 33: 23 [3] ، أَنَّهَا فِيهِ وَفِي أَصْحَابِهِ. مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ [4] ، لَكِنَّ مسلم مِنْ حَدِيثِ ثَابِتٍ الْبُنَانِيِّ، عَنْ أَنَسٍ.
وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنَّ عَمْرَو بْنَ أُقْيَشٍ كَانَ لَهُ رَبًّا فِي الْجَاهِلِيَّةِ، فَكَرِهَ أَنْ يُسْلِمَ حَتَّى يَأْخُذَهُ. فَجَاءَ يَوْمَ أُحُدٍ فَقَالَ: أَيْنَ بَنُو عَمِّي؟ قَالُوا: بِأُحُدٍ. فَلَبِسَ لَأْمَتَهُ وَرَكِبَ فَرَسَهُ ثُمَّ تَوَجَّهَ قِبَلَهُمْ، فَلَمَّا رَآهُ الْمُسْلِمُونَ قَالُوا: إِلَيْكَ عَنَّا. قَالَ: إِنِّي قَدْ آمَنْتُ. فَقَاتَلَ حَتَّى جُرِحَ، فَحُمِلَ جَرِيحًا، فَجَاءَهُ سَعْدُ بن معاذ فقال لأخته: سليه، حميّة
[1] كذا رواه الترمذي وأورده في الرياض النضرة بتغيير يسير عن عبد الله بن الزبير عن أبيه.
وأخرجه أحمد والترمذي وقال: حسن صحيح. (انظر تاريخ الخميس 1/ 492) .
[2]
تاريخ الطبري 2/ 517، 518 السير والمغازي لابن إسحاق 330، النهاية لابن الأثير 1/ 157.
[3]
سورة الأحزاب: من الآية 23.
[4]
صحيح البخاري: كتاب المغازي، باب غزوة أحد (5/ 122) وصحيح مسلم: كتاب الإمارة، باب ثبوت الجنة للشهيد (6/ 45) . وانظر المنتقى، وتاريخ الخميس 1/ 489.
لِقَوْمِكَ أَوْ غَضَبًا للَّه؟ قَالَ: بَلْ غَضَبًا [35 ب] للَّه وَرَسُولِهِ. فَمَاتَ فَدَخَلَ الْجَنَّةَ وَمَا صَلَّى صَلَاةً.
أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ [1] .
وَقَالَ حَيَّوَيْهِ بْنُ شُرَيْحٍ الْمِصْرِيُّ: حَدَّثَنِي أَبُو صَخْرٍ حُمَيْدُ بْنُ زِيَادٍ، أَنَّ يَحْيَى بْنَ النَّضْرِ حَدَّثَهُ عَنْ أَبِي قَتَادَةَ، قَالَ: أَتَى عَمْرُو بْنُ الْجَمُوحِ [2] إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَرَأَيْتَ إِنْ قَاتَلْتُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ حَتَّى أُقْتَلَ، أَمْشِي بِرِجْلِي هَذِهِ صَحِيحَةً فِي الْجَنَّةِ؟ وَكَانَ أَعْرَجَ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: نِعْمَ. فَقُتِلَ يَوْمَ أُحُدٍ هُوَ وَابْنُ أَخِيهِ وَمَوْلًى لَهُمْ، فَمَرَّ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: كَأَنِّي أَرَاكَ تَمْشِي بِرِجْلِكَ هَذِهِ صَحِيحَةً فِي الْجَنَّةِ. وَأَمَرَ بِهِمَا وَبِمَوْلَاهِمَا فَجُعِلَا فِي قَبْرٍ وَاحِدٍ [3] . وَقَالَ ابْنُ عُيَيْنَةَ، عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ، عَنِ ابْنِ الْمُسَيِّبِ قَالَ، قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ جَحْشٍ: اللَّهمّ إِنِّي أُقْسِمُ عَلَيْكَ أَنْ أَلْقَى الْعَدُوَّ غَدًا فَيَقْتُلُونِي ثُمَّ يَبْقُرُوا بَطْنِي وَيَجْدَعُوا أَنْفِي وَأُذُنِي، ثُمَّ تَسْأَلُنِي بِمَ ذَاكَ، فَأَقُولُ: فِيكَ. قَالَ سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ: إِنِّي لَأَرْجُو أَنْ يَبَرَّ اللَّهُ آخِرَ قَسَمَهُ كَمَا أَبَرَّ أَوَّلَهُ [4] .
وَرَوَى الزُّبَيْرُ بْنُ بَكَّارٍ فِي «الْمُوَفَّقِيَّاتِ» [5] ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ جَحْشٍ، أَنَّ سَيْفَهُ انْقَطَعَ، فَأَعْطَاهُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم عُرْجُونًا فَصَارَ فِي يَدِهِ سَيْفًا. فَكَانَ يُسمَّى الْعُرْجُونُ، وَلَمْ يَزَلْ يُتَنَاوَلُ [6] حَتَّى بِيعَ مِنْ بُغَا التُّرْكِيِّ بِمِائَتَيْ دينار [7] .
[1] سنن أبي داود: كتاب الجهاد، باب فيمن يسلم ويقتل مكانه في سبيل الله تعالى (2/ 19) .
[2]
انظر عنه: المحبّر 304.
[3]
الإصابة 2/ 530.
[4]
الاستيعاب: 2/ 274 وصفة الصفوة 1/ 385، 386.
[5]
الأخبار الموفقيات، 390، 391 و 623.
[6]
كذا في الأصل، ع والموفقيات المطبوع، وعبارة ابن الملا «يتداول» . ولعلها الوجه.
[7]
الأخبار الموفقيات: ص 390، 623. وانظر الخبر أيضا في الاستيعاب لابن عبد البر
وَكَانَ عَبْدُ اللَّهِ مِنَ السَّابِقِينَ، أَسْلَمَ قَبْلَ دَارِ الْأَرْقَمِ، وَهَاجَرَ إِلَى الْحَبَشَةِ هُوَ وَإِخْوَتُهُ وَشَهِدَ بَدْرًا.
وَقَالَ مَعْمَرٌ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْجَحْشِيِّ: ثَنَا أَشْيَاخُنَا أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ جَحْشٍ جَاءَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَوْمَ أُحُدٍ وَقَدْ ذَهَبَ سَيْفُهُ، فَأَعْطَاهُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم عَسِيبًا مَنْ نَخْلٍ، فَرَجَعَ فِي يَدِ عَبْدِ اللَّهِ سَيْفًا. مُرْسَلٌ.
عَنْ خَارِجَةَ بْنِ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: بَعَثَنِي النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يَوْمَ أُحُدٍ لِطَلَبِ سَعْدِ بْنِ الرَّبِيعِ، وَقَالَ لِي: إِنْ رأيته فأقرئه مِنِّي السَّلَامَ وَقُلْ لَهُ:
يَقْولُ لَكَ رَسُولُ اللَّهِ كَيْفَ تَجِدُكَ؟ فَجَعَلْتُ أَطُوفُ بَيْنَ الْقَتْلَى، فَأَصَبْتُهُ وَهُوَ فِي آخِرِ رَمَقٍ وَبِهِ سَبْعُونَ ضَرْبَةً، فَقُلْتُ: إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقْرَأُ عَلَيْكَ السَّلَامَ وَيَقُولُ لَكَ: خَبِّرْنِي كَيْفَ تَجِدُكَ؟ قَالَ: عَلَى رَسُولِ اللَّهِ السَّلَامُ وَعَلَيْكَ، قُلْ لَهُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَجِدُ رِيحَ الْجَنَّةِ، وَقُلْ لِقَوْمِيَ الْأَنْصَارِ: لَا عُذْرَ لَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ إِنْ خَلُصَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم شُفْرٌ يَطْرِفُ [1] . قَالَ: وَفَاضَتْ نَفْسُهُ [2] .
أَخْرَجَهُ الْبَيْهَقِيُّ، ثُمَّ سَاقَهُ فِيمَا بَعْدُ مِنْ حَدِيثِ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ [3] ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْمَازِنِيِّ، مُنْقَطِعًا، فَهُوَ شَاهِدٌ لِمَا رَوَاهُ خَارِجَةُ.
وَقَالَ مُوسَى بْنُ عُقْبَةَ: ثُمَّ انْكَفَأَ الْمُشْرِكُونَ إِلَى أَثْقَالِهِمْ، لَا يَدْرِي الْمُسْلِمُونَ مَا يُرِيدُونَ. فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: إِنَّ رأيتموهم ركبوا وجعلوا الأثقال [4]
[2] / 272، 273 والإصابة لابن حجر 2/ 286، 287.
[1]
الشفر: شفر العين، وهو أصل منبت الشعر في الجفن. (تاج العروس 12/ 207) .
[2]
انظر الموطأ للإمام مالك كتاب الجهاد 310 رقم 1004، صفة الصفوة 1/ 480، 481، تاريخ الخميس 1/ 495، الأغاني 15/ 200، 201، السير والمغازي 334، 335.
[3]
سيرة ابن هشام 3/ 171.
[4]
الأثقال: جمع الثقل، محركة، وهو متاع المسافر وحشمه.
تَتْبَعُ آثَارَ الْخَيْلِ، فَهُمْ يُرِيدُونَ أَنْ يَدْنُوا مِنَ الْبُيُوتِ وَالْآطَامِ الَّتِي فِيهَا الذَّرَارِي، وَأُقْسِمُ باللَّه لَئِنْ فَعَلُوا لَأُوَاقِعَنَّهُمْ فِي جَوْفِهَا، وَإِنْ كَانُوا رَكِبُوا الْأَثْقَالَ وَجَنَّبُوا الْخَيْلَ فَهُمْ يُرِيدُونَ الْفِرَارَ [1] . فَلَمَّا أَدْبَرُوا بَعَثَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم سَعْدَ بْنَ أَبِي وَقَّاصٍ فِي آثَارِهِمْ. فَلَمَّا رَجَعَ قَالَ: رَأَيْتُهُمْ سَائِرِينَ عَلَى أَثْقَالِهِمْ وَالْخَيْلُ مَجْنُوبَةٌ. قَالَ: فَطَابَتْ أَنْفُسُ القوم، وانتشروا [36 أ] يَبْتَغُونَ قَتْلَاهُمْ. فَلَمْ يَجِدُوا قَتِيلًا إِلَّا مَثَّلُوا بِهِ، إِلَّا حَنْظَلَةَ بْنَ أَبِي عَامِرٍ [2]، وَكَانَ أَبُوهُ مَعَ الْمُشْرِكِينَ فَتُرِكَ [3] لِأَجَلِهِ. وَزَعَمُوا أَنَّ أَبَاهُ وَقَفَ عَلَيْهِ قَتِيلًا فَدَفَعَ صَدْرَهُ برِجْلِهِ ثُمَّ قَالَ:
ذَنْبَانِ أَصَبْتَهُمَا، قَدْ تَقَدَّمْتُ إِلَيْكَ فِي مَصْرَعِكَ هَذَا يَا دُبَيْسُ [4] ، وَلَعَمْرِ اللَّهِ إِنْ كُنْتَ لَوَاصِلًا لِلرَّحِم بَرًّا بِالْوَالِدِ. وَوَجَدُوا حَمْزَةَ بْنَ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ قَدْ بُقِرَ بَطْنُهُ وَحُمِلَتْ كَبِدُهُ، احْتَمَلَهَا وَحْشِيٌّ وَقَدْ قَتَلَهُ، فَذَهَبَ بكَبِدِه إِلَى هِنْدَ بِنْتِ عُتْبَةَ فِي نَذْرٍ نَذَرَتْهُ حِينَ قُتِلَ أَبَاهَا يَوْمَ بَدْرٍ. فَدُفِنَ فِي نَمِرَةٍ [5] كَانَتْ عَلَيْهِ، إِذَا رُفِعَتْ إِلَى رَأْسِهِ بَدَتْ قَدَمَاهُ، فَغَطُّوا قَدَمَيْهِ بِشَيْءٍ مِنَ الشَّجَرِ [6] .
وَقَالَ الزُّهْرِيُّ: فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: زَمِّلُوهُمْ بِدِمَائِهِمْ، فَإِنَّهُ لَيْسَ أَحَدٌ
[1] المغازي لعروة 334، سيرة ابن هشام 3/ 170، 171، تاريخ الطبري 2/ 527، الأغاني 15/ 201.
[2]
هو المعروف بغسيل الملائكة، انظر عنه: تاريخ خليفة 1/ 34، الجرح والتعديل 3/ 239، المستدرك على الصحيحين 3/ 204، حلية الأولياء 1/ 357، الطبري 2/ 521، 522، الاستيعاب 1/ 380، المعارف 343، طبقات الصوفية 403، أنساب الأشراف 1/ 320، 321 و 329، 330، تهذيب الأسماء واللغات 1/ 170، صفة الصفوة 1/ 248، الوافي بالوفيات 13/ 207، الإصابة 1/ 360، تعجيل المنفعة 108.
[3]
في الأصل: فنزل. والتصحيح من ع.
[4]
يراد بالدبيس: عسل التمر، وهو نداء حلو من الأب المشرك لابنه المسلم الشهيد. (انظر نسخة شعيرة 203 حاشية 1) .
[5]
النمرة: كل شملة مخطّطة من مآزر الأعراب. (تاج العروس 14/ 294) .
[6]
سيرة ابن هشام 3/ 172.
يُكْلَمُ فِي اللَّهِ إِلَّا وَهُوَ يَأْتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَجُرْحُهُ يُدْمِي، لَوْنُهُ لَوْنُ الدَّمِ وَرِيحُهُ ريح المسك [1] .
وقال: إنّ المشركين لَنْ يُصِيبُوا مِنَّا مِثْلَهَا. وَقَدْ كَانَ أَبُو سُفْيَانَ نَادَاهُمْ حِينَ ارْتَحَلَ الْمُشْرِكُونَ: إِنَّ مَوْعِدَكُمُ الْمَوْسِمُ، مَوْسِمُ بَدْرٍ. وَهِيَ سُوقٌ كَانَتْ تَقُومُ بِبَدْرٍ كُلَّ عَامٍ. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: قُولُوا لَهُ: نَعَمْ [2] .
قَالَ: وَدَخَلَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم، وَإِذَا النَّوْحُ فِي الدُّورِ. قَالَ: مَا هَذَا؟ قَالُوا:
نِسَاءُ الْأَنْصَارِ يَبْكِينَ قَتْلَاهُمْ. وَأَقَبْلَتِ امْرأَةٌ تَحْمِلُ ابْنَهَا وَزَوْجَهَا عَلَى بَعِيرٍ، قَدْ رَبَطَتْهُمَا بِحَبْلٍ ثُمَّ رَكِبَتْ بَيْنَهُمَا وَحُمِلَ، قِيلَ [3] : فَدُفِنُوا فِي مَقَابِرِ الْمَدِينَةِ، فَنَهَاهُمْ عَنْ ذَلِكَ وَقَالَ: وَارُوهُمْ حَيْثُ أُصِيبُوا [4] .
وَقَالَ لَمَّا سَمِعَ الْبُكَاءَ: لَكِنَّ حَمْزَةَ لَا بَوَاكِيَ لَهُ. وَاسْتَغْفَرَ لَهُ، فَسَمِعَ ذَلِكَ سَعْدُ بْنُ مُعَاذٍ وَابْنُ رَوَاحَةَ وَغَيْرُهُمَا، فَجَمَعُوا كُلَّ نَائِحَةٍ وَبَاكِيَةٍ بِالْمَدِينَةِ، فَقَالُوا: وَاللَّهِ لَا تَبْكِينَ قَتْلَى الْأَنْصَارِ حَتَّى تَبْكِينَ عَمَّ رَسُولِ اللَّهِ. فَلَمَّا سَمِعَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بِالْبُكَاءِ، قَالَ: مَا هَذَا؟ قَالَ: فَأُخْبِرَ، فَاسْتَغْفَرَ لَهُمْ وَقَالَ لَهُمْ خَيْرًا، وَقَالَ: مَا هَذَا أَرَدْتُ وَمَا أُحِبُّ الْبُكَاءَ، وَنَهَى عَنْهُ [5] . وَقَالَ يُونُسُ، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ، حَدَّثَنِي الْقَاسِمُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ رَافِعٍ [6] الْأَنْصَارِيُّ قَالَ: انْتَهَى أَنَسُ بْنُ النَّضْرِ إِلَى عُمَرَ، وَطَلْحَةَ، وَرِجَالٍ قَدْ أَلْقَوْا بِأَيْدِيهِمْ فَقَالَ: مَا يُجْلِسُكُمْ؟ فَقَالُوا: قُتِلَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم. قَالَ: فَمَا تَصْنَعُونَ بِالْحَيَاةِ بَعْدَهُ؟ فَقُومُوا فَمُوتُوا عَلَى مَا مَاتَ عَلَيْهِ رَسُولُ اللَّه صلى الله عليه وسلم، ثم
[1] المستدرك على الصحيحين 2/ 120.
[2]
انظر السيرة 3/ 170.
[3]
كذا في الأصل، ع.
[4]
انظر مثله في سيرة ابن هشام 3/ 172.
[5]
سيرة ابن هشام 3/ 172، 173، والمغازي لعروة 171.
[6]
في طبعة القدسي 168 وطبعة شعيرة 204 «نافع» والتصحيح من الجرح والتعديل 7/ 113 رقم 652 وسيرة ابن هشام.
اسْتَقْبَلَ الْقَوْمَ فَقَاتَلَ حَتَّى قُتِلَ [1] .
قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: وَقَدْ كَانَ حَنْظَلَةُ بْنُ أَبِي عَامِرٍ الْتَقَى هُوَ وَأَبُو سُفْيَانَ بْنُ حَرْبٍ، فَلَمَّا اسْتَعْلَاهُ حَنْظَلَةُ رَآهُ شَدَّادُ بْنُ الْأَسْوَدِ. فَضَرَبَ حنظلة بالسيف فقتله [2] .
وحدّثني عاصم بن عمرو بن قَتَادَةَ، إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: إِنَّ صَاحِبَكُمْ لَتَغْسِلُهُ الْمَلَائِكَةُ، يَعْنِي حَنْظَلَةَ، فَسَأَلُوا [3] أَهْلَهُ مَا شَأْنُهُ؟ فَسُئِلَتْ صَاحِبَتُهُ قَالَتْ: خَرَجَ وَهُوَ جُنُبٌ حِينَ سَمِعَ الْهَيْعَةَ [4] . فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: لِذَلِكَ غَسَّلَتْهُ الْمَلَائِكَةُ. وَقَالَ الْبَكَّائِيُّ، قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: وَخَلُصَ الْعَدُوُّ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فدُثَّ [5] بِالْحِجَارَةِ حَتَّى وَقَعَ لشقّه فأصيبت رباعيّته، وشجّ [36 ب] فِي وَجْهِهِ، وَكُلِمَتْ شَفَتُهُ. وَكَانَ الَّذِي أَصَابَهُ عُتْبَةُ بْنُ أَبِي وَقَّاصٍ. فَحَدَّثَنِي حُمَيْدٌ الطَّوِيلُ، عَنْ أَنَسٍ، قَالَ: كُسِرَتْ رَبَاعِيَةُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يَوْمَ أُحُدٍ، وَشُجَّ فِي وَجْهِهِ، فَجَعَلَ الدَّمُ يَسِيلُ عَلَى وَجْهِهِ وَهُوَ يَمْسَحُهُ وَيَقُولُ. كَيْفَ يُفْلِحُ قَوْمٌ خَضَّبُوا وَجْهَ نَبِيَّهُمْ وَهُوَ يَدْعُوهُمْ إِلَى رَبِّهِمْ؟ فَنَزَلَتْ لَيْسَ لَكَ مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ أَوْ يُعَذِّبَهُمْ فَإِنَّهُمْ ظالِمُونَ 3: 128 [6] .
وَقَالَ عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ أَبِي حَازِمٍ، عَنْ أَبِيهِ، عن سهل بن سعد، قال:
[1] سيرة ابن هشام 3/ 157، 158.
[2]
سيرة ابن هشام 3/ 154، تاريخ الطبري 2/ 522.
[3]
هكذا في الأصل، وفي سيرة ابن هشام 3/ 154، وفي تاريخ الطبري 2/ 522 «فسلوا» ، وكذلك في المختصر لابن الملا.
[4]
الهيعة: الصوت الّذي تفزع منه وتخافه من العدو.
[5]
الدّثّ: الرمي المقارب المؤلم. (تاج العروس 5/ 247) .
[6]
سورة آل عمران: الآية 128. والخبر في السيرة ابن هشام 3/ 156 والطبقات لابن سعد 2/ 44، 45.
جُرِحَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، وَكُسِرَتْ رَبَاعِيَتُهُ، وَهُشِّمَتِ الْبَيْضَةُ عَلَى رَأْسِهِ، فَكَانَتْ فَاطِمَةَ بِنْتِ رَسُول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم تَغْسِلُ الدَّمَ، وَعَلِيٌّ يَسْكُبُ الْمَاءَ عَلَيْهِ بِالْمِجَنِّ.
فَلَمَّا رَأَتْ فَاطِمَةُ أَنَّ الْمَاءَ لَا يَزِيدُ الدَّمَ إِلَّا كَثْرَةً، أَخَذَتْ قِطْعَةَ حَصِيرٍ أَحْرَقَتْهُ، حَتَّى إِذَا صَارَ رَمَادًا أَلْصَقَتْهُ بِالْجُرْحِ، فَاسْتَمْسَكَ الدَّمُ.
أَخْرَجَاهُ [1] ، وَرَوَاهُ مُسْلِمٍ مِنْ حَدِيثِ سَعِيدِ بْنِ أَبِي هِلَالٍ، عَنْ أَبِي حَازِمٍ عَنْ سَهْلٍ، قَالَ: رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَوْمَ أُحُدٍ أُصِيبَتْ رَبَاعِيَتُهُ وَهُشِّمَتْ بَيْضَتُهُ. وَذَكَرَ بَاقِي الْحَدِيثِ [2] .
وَقَالَ مَعْمَرٌ، عَنْ هَمَّامٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: اشْتَدَّ غَضَبُ اللَّهِ عَلَى قَوْمٍ فَعَلُوا بِرَسُولِ اللَّهِ، وَهُوَ يُشِيرُ إِلَى رَبَاعِيَتِهِ، اشْتَدَّ غَضَبُ اللَّهِ عَلَى رَجُلٍ يَقْتُلُهُ رَسُولُ اللَّهِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ. مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ [3] ، وَلِلْبُخَارِيِّ مِثْلُهُ مِنْ حَدِيثِ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ.
لَكِنْ فِيهِ: دَمَّوْا وَجْهَ رَسُولِ اللَّهِ، بَدَلَ ذِكْرِ رَبَاعِيَتِهِ [4] .
وَقَالَ ابْنُ الْمُبَارَكِ، عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ يَحْيَى بْنِ طَلْحَةَ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ:
أَخْبَرَنِي عِيسَى بْنُ طَلْحَةَ، عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَتْ: كَانَ أَبُو بَكْرٍ إِذَا ذُكِرَ يَوْمُ أُحُدٍ بَكَى ثُمَّ قَالَ: ذَاكَ يَوْمٌ كَانَ كُلُّهُ يَوْمَ طَلْحَةَ. ثم أنشأ يحدّث قال:
[1] صحيح البخاري: كتاب المغازي، باب حدّثنا قتيبة بن سعيد (5/ 130)، وصحيح مسلم (1790) : كتاب الجهاد والسير، باب غزوة أحد، ورواه ابن سعد في طبقاته 2/ 48.
[2]
صحيح مسلم: الموضع السابق.
[3]
صحيح البخاري: كتاب المغازي، باب ما أصاب النّبيّ صلى الله عليه وسلم من الجراح يوم أحد (5/ 129) ، وصحيح مسلم (1793) ، كتاب الجهاد والسير، باب اشتداد غضب الله على من قتله رسول الله صلى الله عليه وسلم.
[4]
صحيح البخاري: كتاب المغازي، باب ما أصاب النّبي صلى الله عليه وسلم من الجراح يوم أحد (5/ 129) .
كُنْتُ أَوَّلَ مَنْ فَاءَ [1] يَوْمَ أُحُدٍ، فَرَأَيْتُ رَجُلًا يُقَاتِلُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم دُونَهُ. وَأَرَاهُ قَالَ: يَحْمِيهِ، فَقُلْتُ: كُنْ طَلْحَةَ، حَيْثُ فَاتَنِي مَا فَاتَنِي، قُلْتُ: يكون رجلا من قومي أحبّ إليّ. وبيني وَبَيْنَ الْمُشْرِكِينَ [2] رَجُلًا لَا أَعْرِفُهُ، وَأَنَا أَقْرَبُ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مِنْهُ، وَهُوَ يَخْطِفُ الْمَشْيَ خَطْفًا لَا أَخْطِفُهُ. فَإِذَا هُوَ أَبُو عُبَيْدَةَ. فَانْتَهَيْنَا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَقَدْ كُسِرَتْ رَبَاعِيَتُهُ وَشُجَّ فِي وَجْهِهِ، وَقَدْ دَخَلَ فِي وَجْهِهِ حَلَقَتَانِ مِنْ حَلْقِ الْمِغْفَرِ. قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: عَلَيْكُمَا صَاحِبُكُمَا، يُرِيدُ طَلْحَةَ وَقَدْ نَزَفَ. فَلَمْ نَلْتَفِتْ إِلَى قَوْلِهِ، وَذَهَبْتُ لِأَنْزِعَ ذَلِكَ مِنْ وَجْهِهِ. فَقَالَ أَبُو عُبَيْدَةَ: أَقْسَمْتُ عَلَيْكَ بِحَقِّي لَمَا تَرَكْتَنِي. فَتَرَكْتُهُ. فَكَرِهَ أَنْ يَتَنَاوَلَهَا بِيَدِهِ فَيُؤْذِي النَّبِيَّ، فَأَزَمَّ عَلَيْهِمَا بِفِيهِ، فَاسْتَخْرَجَ إِحْدَى الْحَلَقَتَيْنِ. وَوَقَعَتْ ثَنِيَّتُهُ مَعَ الْحَلَقَةِ. وَذَهَبْتُ لِأَصْنَعَ مَا صَنَعَ، فَقَالَ: أَقْسَمْتُ عَلَيْكَ بِحَقِّي لَمَا تَرَكْتَنِي. فَفَعَلَ ما فعل فِي الْمَرَّةِ الْأُولَى، فَوَقَعَتْ ثَنِيَّتُهُ الْأُخْرَى مَعَ الْحَلَقَةِ. فَكَانَ أَبُو عُبَيْدَةَ مِنْ أَحْسَنِ النَّاسِ هَتْمًا، فَأَصْلَحْنَا مِنْ شَأْنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، ثُمَّ أَتَيْنَا طَلْحَةَ فِي بَعْضِ تلك الجفار [3][37 أ] ، فَإِذَا بِضْعٌ وَسَبْعُونَ، أَقَلُّ أَوْ أَكْثَرُ، مِنْ بَيْنِ طَعْنَةٍ وَرَمْيَةٍ وَضَرْبَةٍ، وَإِذَا قَدْ قُطِعَتْ إِصْبَعُهُ. فَأَصْلَحْنَا مِنْ شَأْنِهِ.
وَرَوَى الْوَاقِدِيُّ عَنِ ابن أبي سبرة، عَنْ إِسْحَاقُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي فَرْوَةَ، عَنْ أَبِي الْحُوَيْرِثِ، عَنْ نَافِعِ بْنِ جُبَيْرٍ قَالَ: سَمِعْتُ رَجُلًا مِنَ الْمُهَاجِرِينَ يَقُولُ: شَهِدْتُ أُحُدًا، فَنَظَرْتُ إِلَى النَّبْلِ يَأْتِي مِنْ كُلِّ نَاحِيَةٍ، وَرَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَسَطَهَا، كُلُّ ذَلِكَ يُصْرَفُ عَنْهُ. وَلَقَدْ رَأَيْتَ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ شهاب
[1] فاء: رجع، وفاء إلى الأمر يفيء. (تاج العروس 1/ 355) وفي نسخة شعيرة 205 «ناء» وهو تصحيف لا معنى له هنا.
[2]
في الأصل، ع:(المشرق) . وأثبتنا عبارة ابن الملا، ولعلّها الوجه.
[3]
الجفار: جمع جفر، البئر الواسعة التي لم تطو. أو هي التي طوي بعضها ولم يطو بعض (تاج العروس 10/ 448) .
الزُّهْرِيُّ يَقُولُ يَوْمَئِذٍ: دُلُّونِي عَلَى مُحَمَّدٍ، فَلَا نَجَوْتُ إِنْ نَجَا. وَرَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إِلَى جَنْبِهِ مَا مَعَهُ أَحَدٌ، [ثُمَّ][1] تَجَاوَزَهُ فَعَاتَبَهُ فِي ذَلِكَ صَفْوَانُ، فَقَالَ: وَاللَّهِ مَا رَأَيْتُهُ، أَحْلِفُ باللَّه أَنَّهُ مِنَّا مَمْنُوعٌ، خَرَجْنَا أَرْبَعَةٌ فَتَعَاهَدْنَا وَتَعَاقَدْنَا عَلَى قَتْلِهِ، فَلَمْ نَخْلُصُ إِلَى ذَلِكَ.
قَالَ الْوَاقِدِيُّ: الثَّبْتُ عِنْدَنَا أَنَّ الَّذِي رَمَى رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِي وَجْنَتَيْهِ:
ابْنُ قَمِئَةَ، وَالَّذِي رَمَى شَفَتَيْهِ وَأَصَابَ رَبَاعِيَتَهُ: عُتْبَةُ بْنُ أَبِي وَقَّاصٍ [2] .
وَقَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ [3] : حَدَّثَنِي صَالِحُ بْنُ كَيْسَانَ، عَمَّنْ حَدَّثَهُ، عَنْ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ، قَالَ: وَاللَّهِ مَا حَرَصْتُ عَلَى قَتْلِ أَحَدٍ قَطُّ مَا حَرَصْتُ عَلَى قَتْلِ عُتْبَةَ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ، وَإِنْ كَانَ مَا عَلِمْتُهُ لَسَيِّءَ الْخُلُقِ مُبْغَضًا فِي قَوْمِهِ، وَلَقَدْ كَفَانِي مِنْهُ قَوْلُ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم:«اشْتَدَّ غَضَبُ اللَّهِ عَلَى مَنْ دَمَّى وَجْهَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم» . وَقَالَ مَعْمَرٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، وَعَنْ عُثْمَانَ الْجَزَرِيِّ، عَنْ مِقْسَمٍ [4] أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم دَعَا عَلَى عُتْبَةَ حِينَ كَسَرَ رَبَاعِيَتَهُ: اللَّهمّ لَا تُحِلْ عَلَيْهِ [5] الْحَوْلَ حَتَّى يَمُوتَ كَافِرًا. فَمَا حَالَ عَلَيْهِ الْحَوْلُ حَتَّى مَاتَ كَافِرًا إِلَى النَّارِ. مُرْسَلٌ. ابْنُ وَهْبٍ: أَنْبَا عَمْرُو بْنُ الْحَارِثِ، حَدَّثَنِي عُمَرُ بْنُ السَّائِبِ، أَنَّهُ بَلَغَهُ أَنَّ وَالِدَ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ [6] لَمَّا جُرِحَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يَوْمَ أُحُدٍ، مَصَّ جُرْحَهُ حَتَّى أَنْقَاهُ وَلَاحَ [7] أَبْيَضَ، فَقِيلَ لَهُ: مُجَّهُ. فَقَالَ: لَا والله لا أمجّه أبدا. ثم
[1] زيادة من ع.
[2]
سيرة ابن هشام 3/ 156، تاريخ الطبري 2/ 515.
[3]
سيرة ابن هشام 3/ 167، تاريخ الطبري 2/ 519.
[4]
مقسم: بكسر الميم وسكون القاف وفتح السين المهملة، وهو ابن بجرة. (الإصابة 3/ 455 رقم 8185، تهذيب التهذيب 10/ 288، 289، رقم 507) .
[5]
في الأصل: عنه، والتصحيح من ع.
[6]
هو مالك بن سنان. انظر: سيرة ابن هشام 3/ 156 والإصابة 3/ 345، 346.
[7]
في الأصل: ولا أبيض. والتحرير من ع.
أَدْبَرَ فَقَاتَلَ، فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم:«مَنْ أَرَادَ أَنْ يَنْظُرَ إِلَى رَجُلٍ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ، فَلْيَنْظُرْ إِلَى هَذَا» . فَاسْتُشْهِدَ. قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: قَالَ حَسَّانُ بْنُ ثَابِتٍ [1] :
إِذَا اللَّهُ جَازَى مَعْشَرًا بِفِعَالِهِمْ
…
وَنَصَرَهُمُ الرَّحْمَنُ رَبُّ الْمَشَارِقِ
فَأَخْزَاكَ رَبِّي يَا عُتَيْبُ بْنَ مَالِكٍ
…
وَلَقَّاكَ قَبْلَ الْمَوْتِ إِحْدَى الصَّوَاعِقِ
بَسَطْتَ يَمِينًا لِلنَّبِيِّ تَعَمُّدًا
…
فَأَدْمَيْتَ فَاهُ، قُطِّعْتَ بِالْبَوَارِقِ
فَهَلَّا ذَكَرْتَ اللَّهَ وَالْمَنْزِلَ الَّذِي
…
تَصِيرُ إِلَيْهِ عِنْدَ إِحْدَى الْبَوَائِقِ
قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ [2] : وَعَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ، أَنَّ عُتْبَةَ كَسَرَ رَبَاعِيَةَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم الْيُمْنَى السُّفْلَى، وَجَرَحَ شَفَتَهُ السُّفْلَى. وَأَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ شِهَابٍ شَجَّهُ فِي جَبْهَتِهِ. وَأَنَّ ابْنَ قَمِئَةَ جَرَحَ وَجْنَتَهُ، فَدَخَلَتْ حَلَقَتَانِ مِنْ حَلْقِ الْمِغْفَرِ فِي وَجْنَتِهِ، وَوَقَعَ صلى الله عليه وسلم فِي حُفْرَةٍ مِنَ الْحُفَرِ الَّتِي عَمِلَ أَبُو عَامِرٍ لِيَقَعَ فِيهَا الْمُسْلِمُونَ، فَأَخَذَ عَلِيٌّ بِيَدِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، وَرَفَعَهُ طلحة [37 ب] حَتَّى اسْتَوَى قَائِمًا. وَمَصَّ مَالِكُ بْنُ سِنَانٍ، أبو أبي سَعِيدٍ [الْخُدْرِيُّ][3] ، الدَّمَ عَنْ وَجْهِهِ ثُمَّ ازْدَرَدَهُ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: مَنْ مَسَّ دَمُهُ دَمِي لَمْ تَمَسَّهُ النَّارُ. مُنْقَطِعٌ. قَالَ الْبَكَّائِيُّ: قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ [4] : وَحَدَّثَنِي عَاصِمُ بْنُ عُمَرَ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم رَمَى عَنْ قَوْسِهِ حَتَّى انْدَقَّتْ سِيَتُهَا [5] ، فَأَخَذَهَا قَتَادَةُ بْنُ النُّعْمَانِ، فَكَانَتْ عِنْدَهُ. وَأُصِيبَتْ يَوْمَئِذٍ عَيْنُ قَتَادَةَ، حَتَّى وَقَعَتْ على وجنته. فحدّثني
[1] ديوانه، ص 291 باختلاف في بعض الألفاظ. وهي في سيرة ابن هشام 3/ 157.
[2]
سيرة ابن هشام 3/ 156
[3]
زيادة من ع والسيرة.
[4]
سيرة ابن هشام 3/ 157.
[5]
في هامش ع: «اندقّت سيتها هو ما عطف من طرفيها» وسية القوس: طرفه.
عَاصِمُ بْنُ عُمَرَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم رَدَّهَا بِيَدِهِ، وَكَانَتْ أَحْسَنَ عينيه وأحدّهما [1] .
وَقَالَ الْوَاقِدِيُّ: ثَنَا مُوسَى بْنُ يَعْقُوبَ الزَّمْعِيُّ، عَنْ عَمَّتِهِ، عَنْ أُمِّهَا، عَنِ الْمِقْدَادِ بْنِ عَمْرٍو قَالَ: فَرُبَّمَا رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَائِمًا يَوْمَ أُحُدٍ يَرْمِي عَنْ [2] قَوْسِهِ، وَيَرْمِي بِالْحَجَرِ، حَتَّى تَحَاجَزُوا، وَثَبَتَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم كَمَا هُوَ فِي عِصَابَةٍ صَبَرُوا مَعَهُ.
هَذَانِ الْحَدِيثَانِ ضَعِيفَانِ، فِيهِمَا أَنَّهُ رَمَى بِالْقَوْسِ.
وَقَالَ سُلَيْمَانُ بْنُ أَحْمَدَ [3] نَزِيلُ وَاسِطَ: ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ شُعَيْبٍ، سَمِعْتُ إِسْحَاقَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي فَرْوَةَ، يُحَدِّثُ عَنْ عِيَاضِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَعْدِ بْنِ أَبِي سَرْحٍ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ، عَنْ قَتَادَةَ بْنِ النُّعْمَانِ، وَكَانَ أَخَا أَبِي سَعِيدٍ لِأُمِّهِ، أَنَّ عَيْنَهُ ذَهَبَتْ يَوْمَ أُحُدٍ، فَجَاءَ بِهَا إِلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَرَدَّهَا، فَاسْتَقَامَتْ.
وَقَالَ يَحْيَى الْحِمَّانِيُّ [4] ، ثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ الْغَسِيلِ، عَنْ عَاصِمِ بْنِ عُمَرَ بْنِ قَتَادَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ قَتَادَةَ بْنِ النُّعْمَانِ، أَنَّهُ أُصِيبَتْ عَيْنُهُ يَوْمَ بَدْرٍ، فَسَالَتْ حَدَقَتُهُ عَلَى وَجْنَتِهِ، فَأَرَادُوا أَنْ يَقْطَعُوهَا، فَسَأَلُوا النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ:
لَا. فَدَعَا بِهِ فَغَمَزَ حَدَقَتَهُ بِرَاحَتِهِ. فَكَانَ لَا يَدْرِي أَيَّ عَيْنَيْهِ أصيبت.
[1] في الأصل، ع: وأحدّها. والتحرير من ابن الملا والسيرة، وتاريخ الطبري 2/ 516.
[2]
في الأصل: على، والتصحيح من اللغة.
[3]
هو: سليمان بْن أحمد بْن محمد بْن سليمان بْن حبيب أبو محمد الجرشي الدمشقيّ الناظر. قال أبو حاتم الرازيّ: كتبت عنه قديما وكان حلوا وتغيّر بأخرة. (الجرح والتعديل 4/ 101، تاريخ بغداد 9/ 49، الأنساب 128 أ، تاريخ دمشق (مخطوطة التيمورية) 16/ 387، تهذيب تاريخ دمشق 4/ 244) .
[4]
لحمّاني: بكسر الحاء المهملة وتشديد الميم. وهو يحيى بن عبد الحميد بن عبد الرحمن. (اللباب 1/ 386) .
كَذَا قَالَ ابْنُ الْغَسِيلِ: يَوْمُ بَدْرٍ.
وَقَالَ مُوسَى بْنُ عُقْبَةَ: إِنَّ أَبَا حُذَيْفَةَ بْنَ الْيَمَانِ، وَاسْمُهُ حُسَيْلُ بْنُ جُبَيْرٍ حَلِيفُ الْأَنْصَارِ، أَصَابَهُ الْمُسْلِمُونَ، زَعَمُوا، فِي الْمَعْرَكَةِ لَا يَدْرُونَ مَنْ أَصَابَهُ. فَتَصَدَّقَ حُذَيْفَةُ بِدَمِهِ عَلَى مَنْ أَصَابَهُ.
قَالَ مُوسَى: وَجَمِيعُ مَنِ اسْتُشْهِدَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ تِسْعَةٌ وَأَرْبَعُونَ رَجُلًا.
وَقُتِلَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ سِتَّةَ عَشَرَ رَجُلًا.
وَقَالَ ابْنُ لَهِيعَةَ، عَنْ أَبِي الْأَسْوَدِ، عَنْ عُرْوَةَ قَالَ: حَمَلَ أُبَيُّ بْنُ خَلَفٍ عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم يُرِيدُ قَتْلَهُ، فَاسْتَقْبَلَهُ مُصْعَبُ بْنُ عُمَيْرٍ، فَقَتَلَ مُصْعَبًا. وَأَبْصَرَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم تَرْقُوَةَ أُبَيٍّ فَطَعَنَهُ بِحَرْبَتِهِ فَوَقَعَ عَنْ فَرَسِهِ، وَلَمْ يَخْرُجْ مِنْهَا دَمٌ فَأَتَاهُ أَصْحَابِهِ فَاحْتَمَلُوهُ وَهُوَ يَخُورُ.
وَرَوَى نَحْوَهُ الزُّهْرِيُّ عَنِ ابْنِ الْمُسَيِّبِ.
وَذَكَرَهُ الْوَاقِدِيُّ، عَنْ يُونُسَ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ عَاصِمِ بْنِ عُمَرَ بْنِ قَتَادَةَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ، عَنْ أَبِيهِ.
قَالَ الْوَاقِدِيُّ: وَكَانَ ابْنُ عُمَرَ يَقُولُ: مَاتَ أَبِي بِبَطْنِ رَابِغٍ [1] ، فَإِنِّي لَأَسِيرُ بِبَطْنِ رَابِغٍ بَعْدَ هَوِيٍّ [2] مِنَ اللَّيْلِ إِذَا نَارٌ تَأَجَّجُ لِي فَهِبْتُهَا، فَإِذَا رَجُلٌ يخرج منها في سلسلة يجتذبها [38 أ] يَصِيحُ: الْعَطَشَ. وَرَجُلٌ يَقُولُ: لَا تَسْقِهِ، فَإِنَّ هَذَا قَتِيلُ [3] رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، هَذَا أُبَيُّ بْنُ خَلَفٍ.
وَقَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي الزِّنَادِ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عُبَيْد الله بْن عَبْد الله بْن عُتْبَة، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: مَا نُصِرَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم فِي مَوْطِنٍ كَمَا نصر يوم
[1] رابغ: واد بين الجحفة وودّان، وقيل بين الأبواء والجحفة. (معجم البلدان 3/ 11) .
[2]
الهويّ من الليل: ساعة ممتدّة منه أو هزيع منه.
[3]
في الأصل: قتل. والتصحيح من ع.
أحد. فأنكرنا ذَلِكَ، فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: بَيْنِي وَبَيْنَ مَنْ أَنْكَرَ ذَلِكَ كِتَابُ اللَّهِ، إِنَّ اللَّهَ يَقُولُ فِي يَوْمِ أُحُدٍ وَلَقَدْ صَدَقَكُمُ اللَّهُ وَعْدَهُ إِذْ تَحُسُّونَهُمْ بِإِذْنِهِ 3: 152 وَالْحَسُّ: الْقَتْلُ حَتَّى إِذا فَشِلْتُمْ وَتَنازَعْتُمْ فِي الْأَمْرِ وَعَصَيْتُمْ مِنْ بَعْدِ مَا أَراكُمْ مَا تُحِبُّونَ 3: 152 [1] الْآيَةَ. وَإِنَّمَا عَنَى بِهَذَا الرُّمَاةَ. وَذَلِكَ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم أَقَامَهُمْ فِي مَوْضِعٍ. وَقَالَ: احْمُوا ظُهُورَنَا، فَإِنْ رَأَيْتُمُونَا نُقْتَلُ فَلا تَنْصُرُونَا، وَإِنْ رَأَيْتُمُونَا قَدْ غَنِمْنَا فَلَا تُشْرِكُونَا. فَلَمَّا غَنِمَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَانْكَفَأَ عَسْكَرُ الْمُشْرِكِينَ، نَزَلَتِ الرُّمَاةُ فدخلوا في العسكر ينتهبون، وَقَدِ الْتَفَّتْ صُفُوفُ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَهُمْ هَكَذَا، وَشَبَّكَ أَصَابِعَهُ، وَانْتَشَبُوا [2] . فَلَمَّا خَلَّى الرُّمَاةُ تِلْكَ الْخِلَّةَ [3] الَّتِي كَانُوا فِيهَا، دَخَلَ الْخَيْلُ مِنْ ذَلِكَ الْمَوْضِعِ عَلَى أَصْحَابِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، فَضَرَبَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا، وَالْتَبَسُوا [4] . وَقُتِلَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ نَاسٌ كَثِيرٌ. وَقَدْ كَانَ لِرَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَأَصْحَابِهِ أَوَّلُ النَّهَارِ، حَتَّى قُتِلَ مِنْ أَصْحَابِ لِوَاءِ الْمُشْرِكِينَ سَبْعَةٌ أَوْ تِسْعَةٌ. وَجَالَ الْمُسْلِمُونَ جَوْلَةً نَحْوَ الْجَبَلِ. وَصَاحَ الشَّيْطَانُ: قُتِلَ مُحَمَّدٌ. فَلَمْ يُشَكَّ فِيهِ أَنَّهُ حَقٌّ. وَسَاقَ الْحَدِيثَ.
وَقَالَ سَعِيدُ بْنُ أَبِي عَرُوبَةَ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَنَسٍ، عَنْ أَبِي طَلْحَةَ، قَالَ: كُنْتُ مِمَّنْ تَغَشَّاهُ النُّعَاسُ يَوْمَ أُحُدٍ، حَتَّى سَقَطَ سَيْفِي مِنْ يَدِي مِرَارًا.
أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ [5] .
وَقَالَ حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، عَنْ ثَابِتٍ، عَنْ أَنَسٍ، عَنْ أَبِي طَلْحَةَ، قَالَ:
[1] سورة آل عمران: من الآية 152.
[2]
في الأصل: التبسوا. والتصحيح من مسند أحمد (1/ 287) وتفسير ابن كثير (2/ 114) وانتشبوا أي تضامّوا وتعلّق بعضهم ببعض. (تاج العروس 4/ 269) .
[3]
الخلة: الهضبة.
[4]
في هامش الأصل: التبسوا أي اختلطوا.
[5]
صحيح البخاري: كتاب المغازي، باب «ثُمَّ أَنْزَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ بَعْدِ الْغَمِّ أَمَنَةً نعاسا» إلخ (5/ 127) .
رَفَعْتُ رَأْسِي يَوْمَ أُحُدٍ، فَجَعَلْتُ أَنْظُرُ، وَمَا مِنْهُمْ أَحَدٌ إِلَّا وَهُوَ يَمِيدُ [1] تَحْتَ حَجَفَتِهِ مِنَ النُّعَاسِ. فَذَلِكَ قَوْلُهُ: ثُمَّ أَنْزَلَ عَلَيْكُمْ من بَعْدِ الْغَمِّ أَمَنَةً نُعاساً 3: 154 [2] الآية.
وَقَالَ يَحْيَى بْنُ عَبَّادِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ، عَنِ الزُّبَيْرِ، قَالَ: وَاللَّهِ لَكَأَنِّي أَسْمَعُ قَوْلَ مُعَتِّبِ بْنِ قُشَيْرٍ [3] ، وَإِنَّ النُّعَاسَ لَيَغْشَانِي مَا أَسْمَعُهَا مِنْهُ إِلَّا كَالْحُلْمِ، وَهُوَ يَقُولُ: لَوْ كانَ لَنا من الْأَمْرِ شَيْءٌ ما قُتِلْنا هاهُنا 3: 154 [4] .
وَرَوَى الزُّهْرِيُّ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ مِسْوَرِ بْنِ مَخْرَمَةَ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: أُلْقِيَ عَلَيْنَا النَّوْمُ يَوْمَ أُحُدٍ.
وَقَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ عَنْ عَاصِمِ بْنِ عُمَرَ، وَالزُّهْرِيِّ وَجَمَاعَةٍ، قَالُوا: كَانَ يَوْمُ أُحُدٍ يَوْمَ بَلَاءٍ وَتَمْحِيصٍ، اخْتَبَرَ اللَّهُ بن الْمُؤْمِنِينَ، وَمَحَقَ بِهِ الْمُنَافِقِينَ مِمَّنْ كَانَ يُظْهِرُ إِسْلَامَهُ بِلِسَانِهِ، وَيَوْمَ أَكْرَمَ اللَّهُ فِيهِ بِالشِّهَادَةِ غَيْرَ وَاحِدٍ، وَكَانَ مِمَّا نَزَلَ مِنَ الْقُرْآنِ فِي يَوْمِ أُحُدٍ سِتُّونَ آيَةً مِنْ آلِ عِمْرَانَ [5] .
وَقَالَ الْمَدِينِيُّ، عَنْ سَلَّامِ بْنِ مِسْكِينٍ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ قَالَ: كانت [38 ب] راية رسول الله صلى الله عليه وسلم مِرْطًا أَسْوَدَ كَانَ لِعَائِشَةَ، وَرَايَةُ الْأَنْصَارِ يُقَالُ لَهَا الْعُقَابُ، وَعَلَى الْمَيْمَنَةِ عَلِيٌّ رضي الله عنه، وَعَلَى الْمَيْسَرَةِ الْمُنْذِرُ بْنُ عَمْرٍو السَّاعِدِيُّ، والزّبير بن العوّام على الرجال، ويقال
[1] أثبتها شعيرة 211 «قعيد» .
[2]
سورة آل عمران: من الآية 154.
[3]
الإصابة 3/ 443.
[4]
سورة آل عمران- الآية 154.
[5]
سيرة ابن هشام 3/ 181.
الْمِقْدَادُ بْنُ عَمْرٍو، وَحَمْزَةُ بْنُ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ عَلَى الْقَلْبِ، رضي الله عنهم أَجْمَعِينَ.
وَلِوَاءُ قُرَيْشٍ مَعَ طَلْحَةَ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ فَقَتَلَهُ عَلِيٌّ، فَأَخَذَ اللِّوَاءَ سَعْدُ بْنُ أَبِي طَلْحَةَ فَقَتَلَهُ سَعْدُ بْنُ مَالِكٍ، فَأَخَذَهُ عُثْمَانُ [1] بْنُ أَبِي طَلْحَةَ، فَقَتَلَهُ عَاصِمُ بْنُ ثَابِتِ بْنِ أَبِي الْأَقْلَحِ، فَأَخَذَهُ الْجُلَاسُ بْنُ طَلْحَةَ، فَقَتَلَهُ ابْنُ أَبِي الْأَقْلَحِ أَيْضًا [2] ، ثُمَّ كِلَابٌ وَالْحَارِثُ ابْنَا طَلْحَةَ، فَقَتَلَهُمَا قُزْمَانُ حَلِيفُ بَنِي ظَفَرٍ، وَأَرْطَاةُ بْنُ عَبْدِ شُرَحْبِيلَ الْعَبْدَرِيُّ قَتَلَهُ مُصْعَبُ بْنُ عُمَيْرٍ [3] رضي الله عنه، وَأَخَذَهُ أَبُو يَزِيدَ بْنُ عُمَيْرٍ الْعَبْدَرِيُّ، وَقِيلَ عَبْدٌ حَبَشِيٌّ لِبَنِي عَبْدِ الدَّارِ، قَتَلَهُ قُزْمَانُ.
قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: وَبَقِيَ اللِّوَاءُ مَا يَأْخُذُهُ أَحَدٌ، وَكَانَتِ الْهَزِيمَةُ عَلَى قُرَيْشٍ.
وَقَالَ مَرْوَانُ بْنُ مُعَاوِيَةَ الْفَزَارِيُّ: ثَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَيْمَنَ، ثَنَا عُبَيْدُ بْنُ رِفَاعَةَ الزُّرَقِيُّ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: لما كان يوم أحد [و] انكفأ الْمُشْرِكُونَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: اسْتَوُوا حَتَّى أُثْنِيَ عَلَى رَبِّي. فَصَارُوا خَلْفَهُ صُفُوفًا فَقَالَ:
«اللَّهمّ لَكَ الْحَمْدُ كُلُّهُ، اللَّهمّ لَا قَابِضَ لِمَا بَسَطْتَ، وَلَا مُقَرِّبَ لِمَا بَاعَدْتَ، وَلَا مُبَاعِدَ لِمَا قَرَّبْتَ، وَلَا مَانِعَ لِمَا أَعْطَيْتَ، وَلَا مُعْطِي لِمَا مَنَعْتَ.
اللَّهمّ ابْسُطْ عَلَيْنَا مِنْ بَرَكَاتِكَ، أَسْأَلُكَ النَّعِيمَ الْمُقِيمَ الَّذِي لَا يَحُولُ وَلَا يَزُولُ. اللَّهمّ عَائِذًا بِكَ مِنْ سُوءِ مَا أَعْطَيْتَنَا وَشَرَّ مَا مَنَعْتَ [مِنَّا [4]] ، اللَّهمّ حَبِّبْ إِلَيْنَا الْإِيمَانَ وَزَيِّنْهُ فِي قُلُوبِنَا، وَكَرِّهْ إِلَيْنَا الْكُفْرَ وَالْفُسُوقَ والعصيان،
[1] في مغازي الواقدي «مسافع بن طلحة بن أبي طلحة» . وفي الاستيعاب ما يؤيّد ذلك إذ قال:
«قُتِل عاصم بن ثابت بن أبي الأقلح رجلين منهم مسافعا» (3/ 92) .
[2]
الاستيعاب 3/ 92.
[3]
في مغازي الواقدي: «قتله عليّ عليه السلام» .
[4]
زيادة من ع.