الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
إِنَّما وَلِيُّكُمُ الله وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا 5: 55 [1] ، لَتَولَّى عُبَادَةُ اللَّهَ وَرَسُولَهُ [2] .
وَذَكَرَ الْوَاقِدِيُّ [3] . أَنَّ النّبيّ صلى الله عليه وسلم حَاصَرَهُمْ خَمْسَ عَشَرَةَ لَيْلَةً، إِلَى هِلَالِ ذِي الْقِعْدَةِ. وَكَانُوا أَوَّلَ مَنْ غَدَر مِنَ الْيَهُودِ. وَحَارَبُوا حَتَّى قَذَفَ اللَّهُ فِي قُلُوبِهِمُ الرُّعْبَ، وَنَزَلُوا عَلَى حُكْمِهِ، وَأَنَّ لَهُ أَمْوَالَهُمْ. فَأَمَرَ صلى الله عليه وسلم [4] فَكُتِّفُوا، وَاسْتَعْمَلَ عَلَى كِتَافِهِمُ الْمُنْذِرَ بْنَ قُدَامَةَ السَّلَمِيَّ [5] ، مِنْ بَنِي السَّلَمِ. فَكَلَّمَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أُبَيِّ [بْنِ] سَلُولٍ [6] رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، وَأَلَحَّ عَلَيْهِ. فَقَالَ:
خُذْهُمْ. وَأَمَرَ بِهِمْ أَنْ يُجْلَوْا مِنَ الْمَدِينَةِ، وَوَلِيَ إِخْرَاجَهُمْ مِنْهَا عُبَادَةُ بْنُ الصَّامِتِ. فَلَحِقُوا بِأَذرِعَاتَ [7] ، فَمَا كَانَ أَقَلَّ مِنْ بَقَائِهِمْ فِيهَا. وَتَوَلَّى قَبْضَ أَمْوَالَهُمْ مُحَمَّدُ بْنُ مَسْلَمَةَ. ثُمَّ خُمِسَتْ، وَأَخَذَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم مِنْ سِلَاحِهِمْ ثَلَاثَةَ أَسْيَافٍ، وَدِرْعَيْنِ، وَغَيْرِ ذَلِكَ.
غَزْوَةُ بَنِي النَّضِيرِ
قَالَ مَعْمَرٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عُرْوَةَ: كَانَتْ غَزْوَةُ بَنِي النَّضِيرِ، وَهُمْ طَائِفَةٌ مِنَ الْيَهُودِ، عَلَى رَأْسِ سِتَّةِ أَشْهُرٍ مِنْ وَقْعَةِ بَدْرٍ. وَكَانَتْ مَنَازِلُهُمْ وَنَخْلُهُمْ بِنَاحِيَةِ الْمَدِينَةِ. وَحَاصَرَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم حَتَّى نَزَلُوا عَلَى الْجَلَاءِ، عَلَى أَنَّ لَهُمْ مَا أَقلَّتِ الْإِبلُ إلّا السّلاح. فأنزلت
[1] سورة المائدة: 51- 55.
[2]
يعني عبادة بن الصامت. انظر الخبر بطوله في سيرة ابن هشام 3/ 137، 138 وفي تاريخ خليفة 66.
[3]
الواقدي: كتاب المغازي (1/ 176- 180) .
[4]
في ع: فأمر النّبيّ صلى الله عليه وسلم بهم.
[5]
الإصابة 3/ 461 رقم 8225.
[6]
في ع: فكلّم عبد الله بن أبيّ فيهم.
[7]
أذرعات: بالفتح، ثم السكون وكسر الراء. بلد في أطراف الشام يجاور أرض البلقاء وعمّان (معجم البلدان 1/ 130) .
هُوَ الَّذِي أَخْرَجَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ من دِيارِهِمْ، لِأَوَّلِ الْحَشْرِ 59: 2 [1] الْآيَاتِ.
فَأَجْلَاهُمْ إِلَى الشَّامِ، وَكَانُوا مِنْ سِبْطٍ لَمْ يُصِبْهُمْ جَلَاءٌ. وَكَانَ اللَّهُ قَدْ كَتَبَ عَلَيْهِمُ الْجَلَاءَ. وَلَوْلَا ذَلِكَ لَعَذَّبَهُمْ فِي الدنيا بالقتل والسّبي.
وقوله لِأَوَّلِ الْحَشْرِ 59: 2، أَيْ كَانَ [2] جَلَاؤُهُمْ ذَلِكَ أَوَّلَ حَشْرٍ فِي الدُّنْيَا إِلَى الشَّامِ.
وَيَرْوِيهِ عَقِيلٌ عَنِ الزُّهْرِيِّ قَوْلُهُ:
وأسنده زَيْدُ بْنُ الْمُبَارَكِ الصَّنْعَانِيُّ، ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ ثَوْرٍ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ عَائِشَةَ، وَذِكْرُ عَائِشَةَ فيه غير محفوظ.
وقال ابن جريج، عَنْ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ: إِنَّ يَهُودَ بَنِي النَّضِيرِ، وَقُرَيْظَةَ حَارَبُوا رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، فأجلى بني النّضير، وأقرّ قريظة ومن [27 ب] عَلَيْهِمْ، حَتَّى حَارَبُوا بَعْدَ ذَلِكَ. أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ [3] .
وَقَالَ مَعْمَرٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ، عَنْ رَجُلٍ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، أَنَّ كُفَّارَ قُرَيْشٍ كَتَبُوا إِلَى ابْنِ أُبَيٍّ وَمَنْ كَانَ يَعْبُدُ مَعَهُ الْأَوْثَانَ مِنَ الْأَوْسِ وَالْخَزْرَجِ قَبْلَ وَقْعَةِ بَدْرٍ: إِنَّكُمْ آوَيْتُمْ صَاحِبَنَا، وَإِنَّا نُقْسِمُ باللَّه لَتُقَاتِلَنَّهُ أَوْ لَتُخْرِجَنَّهُ أَوْ لَنَسِيرَنَّ إِلَيْكُمْ بِجَمْعِنَا حَتَّى نَقْتُلَ مُقَاتِلَتَكُمْ وَنَسْتَبِيحَ نِسَاءَكُمْ. فَلَمَّا بَلَغَ ذَلِكَ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ أُبَيٍّ وَأَصْحَابَهُ، اجْتَمَعُوا لِقِتَالِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، فَبَلَغَهُ ذَلِكَ فَلَقِيَهُمْ فَقَالَ: لَقَدْ بَلَغَ وَعْدُ قُرَيْشٍ مِنْكُمُ الْمَبَالِغَ، مَا كَانَتْ تَكِيدُكُمْ بِأَكْثَرَ مِمَّا تُرِيدُونَ أَنْ تَكِيدُوا بِهِ أَنْفُسَكُمْ. تُرِيدُونَ أَنْ تُقَاتِلُوا أَبْنَاءَكُمْ وَإِخْوَانَكُمْ؟ فَلَمَّا سَمِعُوا ذَلِكَ تَفَرَّقُوا. فَبَلَغَ ذَلِكَ كُفَّارَ قُرَيْشٍ فكتبوا،
[1] سورة الحشر: من الآية 2.
[2]
في الأصل: (فكان) . وأثبتنا عبارة ابن الملّا.
[3]
صحيح البخاري: كتاب المغازي، باب حديث بني النّضير (5/ 112) .
بَعْدَ بَدْرٍ، إِلَى الْيَهُودِ: إِنَّكُمْ أَهْلُ الْحَلَقَةِ [1] وَالْحِصْنِ وَإِنَّكُمْ لَتُقَاتِلُنَّ صَاحِبَنَا أَوْ لَنَفْعَلَنَّ كَذَا وَكَذَا، وَلَا يَحُولُ بَيْنَنَا وَبَيْنَ خَدَمِ نِسَائِكُمْ شَيْءٌ. وَهِيَ الْخَلَاخِيلُ.
فَلَمَّا بَلَغَ كِتَابُهُمُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم، أَجْمَعَتْ بَنُو النَّضِيرِ بِالْغَدْرِ. وَأَرْسَلُوا إِلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم: اخْرُجْ إِلَيْنَا فِي ثَلَاثِينَ رَجُلا مِنْ أَصْحَابِكَ، وَلْيَخْرُجْ مِنَّا ثَلَاثُونَ حَبْرًا، حَتَّى نَلْتَقِيَ بمكان المنصف [2] ، فيسمعوا مِنْكَ، فَإِنْ صَدَّقُوا وَآمَنُوا بِكَ آمَنَّا بِكَ. فَقَصَّ خَبَرَهُمْ.
فَلَمَّا كَانَ الْغَدُ، غَدَا عَلَيْهِمْ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بِالْكَتَائِبِ فَحَصَرَهُمْ، فَقَالَ لَهُمْ: إِنَّكُمْ وَاللَّهِ لَا تَأْمَنُونَ عِنْدِي إِلَّا بِعَهْدٍ تُعَاهِدُونِي عَلَيْهِ. فَأَبَوْا أَنْ يُعْطُوهُ عَهْدًا، فَقَاتَلَهُمْ يَوْمَهُمْ ذَلِكَ.
ثُمَّ غَدَا عَلَى بَنِي قُرَيْظَةَ بِالْكَتَائِبِ، وَتَرَكَ بَنِي النَّضِيرِ، وَدَعَاهُمْ إِلَى أَنْ يُعَاهِدُوهُ. فَعَاهَدُوهُ، فَانْصَرَفَ عَنْهُمْ. وَغَدَا إِلَى بَنِي النَّضِيرِ بِالْكَتَائِبِ، فَقَاتَلَهُمْ حَتَّى نَزَلُوا عَلَى الْجَلَاءِ.
فَجَلَتْ بَنُو النَّضِيرِ، وَاحْتَمَلُوا مَا أَقَلَّتِ الْإِبِلُ مِنْ أَمْتِعَتِهِمْ وَأَبْوَابِهِمْ وَخَشَبِهِمْ. فكان نخل بني النّضير لرسول الله صلى الله عليه وسلم خَاصَّةً، أَعْطَاهُ اللَّهُ إِيَّاهَا، فَقَالَ وَما أَفاءَ اللَّهُ عَلى رَسُولِهِ مِنْهُمْ فَما أَوْجَفْتُمْ عَلَيْهِ من خَيْلٍ وَلا رِكابٍ 59: 6 [3]، يَقُولُ [4] : بِغَيْرِ قِتَالٍ. فَأَعْطَى النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم أَكْثَرَهَا الْمُهَاجِرِينَ وَقَسَّمَهَا بَيْنَهُمْ، وَقَسَّمَ مِنْهَا لِرَجُلَيْنِ مِنَ الْأَنْصَارِ كَانَا ذَوِي حَاجَةٍ [5] . وبقي
[1] الحلقة: السلاح.
[2]
في هامش ع: المنصف بالفتح نصف الطريق.
[3]
سورة الحشر: من الآية 6، والإيجاف: سرعة السير، والركاب: الإبل التي تحمل القوم.
[4]
من أول قوله «يقول بغير قتال» يبد سقط نسخة ع. وقد نصّ عليه في هامش النسخة بقوله:
«الأصل- هنا سقط نحو ستّ ورقات فليعلم» .
[5]
سيأتي اسماهما بعد قليل في حديث عروة.
مِنْهَا صَدَقَةُ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم الَّتِي فِي أَيْدِي بَنِي فَاطِمَةَ رضي الله عنها.
وَذَهَبَ مُوسَى بْنُ عُقْبَةَ، وَابْنُ إِسْحَاقَ إِلَى أَنَّ غَزْوَةَ بَنِي النَّضِيرِ كَانَتْ بَعْدَ أُحُدٍ، وَكَذَلِكَ قَالَ غَيْرُهُمَا. وَرَوَاهُ ابْنُ لَهِيعَةَ، عَنْ أَبِي الْأَسْوَدِ، عَنْ عُرْوَةَ [1] . وَهَذَا حَدِيثُ مُوسَى وَحَدِيثُ عُرْوَةَ: إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم خَرَجَ إِلَى بَنِي النَّضِيرِ يَسْتَعِينُهُمْ فِي عَقْلِ الْكِلابِيِّينَ. وَكَانُوا- زَعَمُوا- قَدْ دَسُّوا إِلَى قُرَيْشٍ حِينَ نَزَلُوا بِأُحُدٍ لقتا [ل] رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، فَحَضُّوهُمْ عَلَى الْقِتَالِ وَدَلُّوهُمْ عَلَى الْعَوْرَةِ. فَلَمَّا كَلَّمَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِي عَقْلِ الْكِلابِيِّينَ، قَالُوا: اجْلِسْ يَا أَبَا الْقَاسِمِ حتى تطعم وترجع [28 أ] بِحَاجَتِكَ وَنَقُومُ فَنَتَشَاوَرُ. فَجَلَسَ بِأَصْحَابِهِ. فَلَمَّا خَلَوْا وَالشَّيْطَانُ مَعَهُمْ، ائْتَمِرُوا بِقَتْلِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَقَالُوا: لَنْ تَجِدُوهُ أَقْرَبَ مِنْهُ الْآنَ، فَاسْتَرِيحُوا مِنْهُ تَأْمَنُوا. فَقَالَ رَجُلٌ: إِنْ شِئْتُمْ ظَهَرْتُ فَوْقَ الْبَيْتِ الَّذِي هُوَ تَحْتَهُ فَدَلَّيْتُ عَلَيْهِ حَجَرًا فَقَتَلْتُهُ. فَأَوْحَى اللَّهُ إِلَيْهِ فَأَخْبَرَهُ بِشَأْنِهِمْ وَعَصَمَهُ، فَقَامَ كَأَنَّهُ يَقْضِي حَاجَةً. وَانْتَظَرَهُ أَعْدَاءُ اللَّهِ، فَرَاثَ عَلَيْهِمْ [2] . فَأَقْبَلَ رَجُلٌ مِنَ الْمَدِينَةِ فَسَأَلُوهُ عَنْهُ فَقَالَ: لَقِيتُهُ قَدْ دَخَلَ أَزِقَّةَ الْمَدِينَةِ. فَقَالُوا لِأَصْحَابِهِ: عَجَّلَ أَبُو الْقَاسِمِ أَنْ نُقِيمَ أَمْرَنَا فِي حَاجَتِهِ. ثُمَّ قَامَ أَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فرجعوا ونزلت يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ هَمَّ قَوْمٌ أَنْ يَبْسُطُوا إِلَيْكُمْ أَيْدِيَهُمْ 5: 11 [3] الْآيَةَ.
وَأَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بِإِجْلَائِهِمْ، وَأَنْ يَسِيرُوا حَيْثُ شَاءُوا. وَكَانَ النِّفَاقُ قَدْ كَثُرَ بِالْمَدِينَةِ. فَقَالُوا: أَيْنَ تُخْرِجُنَا؟ قال: أخرجكم إلى الحشر [4] . فلما
[1] المغازي لعروة 164.
[2]
في الأصل: (عليه) والتصحيح من ابن الملا. وراث: أبطأ.
[3]
سورة المائدة: من الآية 11.
[4]
من بداية حديث غزوة بني النضير من طريق ابن لهيعة عن أبي الأسود عن عروة، إلى هنا، في دلائل النبوّة للبيهقي (طبعة الهند) 176، 177.
سَمِعَ الْمُنَافِقُونَ مَا يُرَادُ بِأَوْلِيائِهِمْ أَرْسَلُوا إِلَيْهِمْ: إِنَّا مَعَكُمْ مَحْيَانَا وَمَمَاتَنَا، إِنْ قُوتِلْتُمْ فَلَكُمْ عَلَيْنَا النَّصْرُ، وَإِنْ أُخْرِجْتُمْ لَمْ نَتَخَلَّفْ عَنْكُمْ. وَسَيِّدُ الْيَهُودِ أَبُو صَفِيَّةَ حُيَيُّ بْنُ أَخْطَبَ. فَلَمَّا وَثِقُوا بِأَمَانِيِّ الْمُنَافِقِينَ عَظُمَتْ غِرَّتُهُمْ وَمَنَّاهُمُ الشَّيْطَانُ الظُّهُورَ، فَنَادَوُا النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم وَأَصْحَابَهُ: إِنَّا، وَاللَّهِ، لَا نَخْرُجُ وَلَئِنْ قَاتَلْتَنَا لَنُقَاتِلَنَّكَ.
فَمَضَى النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم لِأَمْرِ اللَّهِ فِيهِمْ، وَأَمَرَ أَصْحَابَهُ فَأَخَذُوا السِّلَاحَ ثُمَّ مَضَى إِلَيْهِمْ. وَتَحَصَّنَتِ الْيَهُودُ فِي دُورِهِمْ وَحُصُونِهِمْ. فَلَمَّا انْتَهَى النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم إِلَى أَزِقَّتِهِمْ وَحُصُونِهِمْ كَرِهَ أَنْ يُمَكِّنَهُمْ مِنَ الْقِتَالِ فِي دُورِهِمْ وَحُصُونِهِمْ، وَحَفِظَ اللَّهُ لَهُ أَمْرَهُ وَعَزَمَ لَهُ عَلَى رُشْدِهِ، فَأَمَرَ أَنْ يُهْدَمَ الْأَدْنَى فَالْأَدْنَى مِنْ دُورِهِمْ، وبالنّخل أن تحرّق وتقطع، [و] كفّ اللَّهُ أَيْدِيَهُمْ وَأَيْدِي الْمُنَافِقِينَ فَلَمْ يَنْصُرُوهُمْ، وَأَلْقَى فِي قُلُوبِ الْفَرِيقَيْنِ الرُّعْبَ. ثُمَّ جَعَلَتِ الْيَهُودُ كُلَّمَا خَلُصَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مِنْ هَدْمِ مَا يَلِي مَدِينَتَهُمْ. أَلْقَى اللَّهُ فِي قُلُوبِهِمُ الرُّعْبَ، فَهَدَمُوا الدُّورَ الَّتِي هُمْ فِيهَا مِنْ أَدْبَارِهَا، وَلَمْ يَسْتَطِيعُوا أَنْ يَخْرُجُوا عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، وَأَصْحَابُهُ يَهْدِمُونَ شَيْئًا فَشَيْئًا. فَلَمَّا كَادَتِ الْيَهُودُ أَنْ تَبْلُغَ آخِرَ دُورِهَا، وَهُمْ يَنْتَظِرُونَ الْمُنَافِقِينَ وَمَا كَانُوا مَنَّوْهُمْ، فَلَمَّا يَئِسُوا مِمَّا عِنْدَهُمْ، سَأَلُوا النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم الَّذِي كَانَ عَرَضَ عَلَيْهِمْ قَبْلَ ذَلِكَ، فَقَاضَاهُمْ عَلَى أَنْ يُجْلِيَهُمْ، وَلَهُمْ أَنْ يَحْمِلُوا مَا اسْتَقَلَّتْ بِهِ الْإِبِلُ إِلَّا السِّلَاحَ. وَطَارُوا كُلَّ مُطَيَّرٍ، وَذَهَبُوا كُلَّ مَذْهَبٍ. وَلَحِقَ بَنُو أَبِي الْحَقِيقِ بِخَيْبَرَ وَمَعَهُمْ آنِيَةً كَثِيرَةً مِنْ فِضَّةٍ، فَرَآهَا النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم وَالْمُسْلِمُونَ. وَعَمَدَ حُيَيُّ بْنُ أَخْطَبَ حَتَّى قَدِمَ مَكَّةَ عَلَى قُرَيْشٍ، فَاسْتَغْوَاهُمْ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم. وَبَيَّنَ اللَّهُ لِرَسُولِهِ حَدِيثَ أَهْلِ النّفاق، وما بينهم وبين اليهود، وكانوا [28 ب] قَدْ عَيَّرُوا الْمُسْلِمِينَ حِينَ قَطَعُوا النَّخْلَ وَهَدَمُوا. فَقَالُوا: مَا ذَنْبُ الشَّجَرَةِ وَأَنْتُمْ تَزْعُمُونَ أَنَّكُمْ مصلحون؟ فأنزل الله سَبَّحَ لِلَّهِ 57: 1 سورة الحشر. ثُمَّ جَعَلَهَا نَفْلًا لِرَسُولِهِ، فَقَسَّمَهَا فِيمَنْ أَرَاهُ اللَّهُ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ. وَأَعْطَى مِنْهَا أَبَا دُجَانَةَ سِمَاكَ بْنَ خَرَشَةَ، وَسَهْلَ بْنَ حُنَيْفٍ،
الْأَنْصَارِيَّيْنِ. وَأَعْطَى- زَعَمُوا- سَعْدَ بْنَ مُعَاذٍ سَيْفَ ابْنِ أَبِي الْحَقِيقِ [1] .
وَكَانَ إِجْلَاءُ بَنِي النَّضِيرِ فِي الْمُحَرَّمِ سَنَةَ ثَلَاثٍ.
وَأَقَامَتْ بَنُو قُرَيْظَةَ فِي الْمَدِينَةِ فِي مَسَاكِنِهِمْ، لَمْ يُؤْمَرِ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم بِقَتْلٍ وَلَا إِخْرَاجٍ حَتَّى فَضَحَهُمُ اللَّهُ بِحُيَيِّ بْنِ أَخْطَبَ وَبِجُمُوعِ الْأَحْزَابِ.
هَذَا لَفْظُ مُوسَى، وَحَدِيثُ عُرْوَةَ بِمَعْنَاهُ، إِلَى إِعْطَاءِ سَعْدٍ السَّيْفَ [2] .
وَقَالَ مُوسَى بْنُ عُقْبَةَ وَغَيْرُهُ، عَنْ نَافِعٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَطَعَ نَخْلِ بَنِي النَّضِيرِ وَحَرَّقَ. وَلَهَا يَقُولُ حَسَّانُ بْنُ ثَابِتٍ [3] :
وَهَانَ عَلَى سُرَاةِ بَنِي لُؤَيٍّ
…
حَرِيقٌ بِالْبُوَيْرَةِ مُسْتَطِيرٌ
وَفِي ذَلِكَ نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ مَا قَطَعْتُمْ مِنْ لِينَةٍ أَوْ تَرَكْتُمُوها قائِمَةً عَلى أُصُولِها فَبِإِذْنِ الله 59: 5 [4] . مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ [5] .
وَقَالَ عَمْرُو بْنُ دِينَارٍ، عَنِ الزّهري، عن مالك بن أوس، عَنْ عُمَرَ رضي الله عنه، أَنَّ أَمْوَالَ بَنِي النَّضِيرِ كَانَتْ مِمَّا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِمَّا لَمْ يُوجِفِ الْمُسْلِمُونَ عَلَيْهِ بِخَيْلٍ وَلَا رِكَابٍ. فَكَانَتْ لِرَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم خالصة ينفق
[1] انظر: المغازي لعروة 164- 167 وانظر عن هذه الغزوة: سيرة ابن هشام 3/ 240- 242، والطبقات الكبرى لابن سعد 2/ 57، وتاريخ الطبري 2/ 550- 555، ودلائل النبوة 2/ 446- 450، وعيون الأثر 2/ 48- 51 وتاريخ اليعقوبي 1/ 49.
[2]
العبارة في المغازي لعروة 167.
[3]
ديوانه: 194، والبويرة: موضع كان به بني النّضير.
[4]
سورة الحشر: من الآية 5، واللّينة: النّخلة الناعمة، كما في مفردات الراغب.
[5]
صحيح البخاري: كتاب المغازي، باب حديث بني النّضير (5/ 113) . وصحيح مسلم: كتاب الجهاد والسّير، باب جواز قطع أشجار الكفّار وتحريقها (5/ 145) والطبقات الكبرى لابن سعد 2/ 58 من طريق الليث بن سعد عن نافع.