الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
غزوة تبوك [1]
قَالَ ابن إِسْحَاق، عَنْ عاصم بن عمر، وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي بَكْرِ بْنِ حَزْمٍ: أَنَّ رَسُول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قلّما كَانَ يخرج فِي غزوة إلّا أظهر أَنَّهُ يريد غيرها، إلّا غزوة تَبُوك فإنه قَالَ: أيها النّاس، إنّي أريد الرُّوم. فأَعْلَمَهُمْ. وذلك فِي شدّة الحرّ وَجَدْبٍ [من][2] البلاد. وحين طابت الثِّمار، والناس يحبّون المقام فِي ثمارهم.
فبينا رَسُول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم ذَاتَ يوم فِي جَهازه، إذْ قَالَ للجَدِّ بْن قَيْس:«يا جَدّ، هَلْ لَكَ فِي بنات بني الأَصْفَر؟ [3] فقال: يَا رَسُولَ اللَّهِ، لقد علم قومي أنّه ليس أحدٌ أشدّ عُجْبًا بالنِّساء منّي. وإنّي أخاف إنْ رأَيتُ نساء بني الأصْفَر أَن يَفْتِنَّنِي، فائذنْ لي يَا رَسُولَ اللَّهِ. فأعرض عنه [113 أ] رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، وَقَالَ: «قد أَذنْتُ لك» . فنزلت وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ ائْذَنْ لِي وَلا تَفْتِنِّي أَلا في 9: 49
[1] انظر عنها: المغازي لعروة 220، المغازي للواقدي 3/ 989، تاريخ خليفة 92، سيرة ابن هشام 4/ 173، طبقات ابن سعد 2/ 165، تاريخ الطبري 3/ 100، الدرر في المغازي والسير لابن عبد البر 253، جوامع السيرة لابن حزم 249، نهاية الأرب للنويري 17/ 352، عيون التواريخ للكتبي 1/ 344، عيون الأثر لابن سيّد الناس 2/ 215 وغيره.
[2]
سقطت من الأصل، وأثبتناها من نسختي (ع) و (ح) .
[3]
بنو الأصفر: هم الروم.
الْفِتْنَةِ سَقَطُوا 9: 49 [1] قَالَ: وقال رَجُل من المنافقين: لا تَنْفِرُوا في الْحَرِّ 9: 81، فنزلت: قُلْ نارُ جَهَنَّمَ أَشَدُّ حَرًّا 9: 81 [2] .
ولم يُنْفِق أحدٌ أَعْظَمَ من نَفَقة عثمان، وحَمَل عَلَى مائة [3] بعير [4] .
[رَوَى عُثْمَانُ بْنُ عطاء الخراساني، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، فِي غَزْوَةِ تَبُوكَ قَالَ: أَمَرَ النَّبِيُّ الْمُسْلِمِينَ بِالصَّدَقَةِ وَالنَّفَقَةِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، فَأَنْفَقُوا احْتِسَابًا، وَأَنْفَقَ رِجَالٌ غَيْرَ مُحْتَسِبِينَ. وَحَمَلَ رجال من فُقَرَاءَ الْمُسْلِمِينَ، وَبَقِيَ أُنَاسٌ. وَأَفْضَلُ مَا تَصَدَّقَ بِهِ يَوْمَئِذٍ أَحَدٌ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ، تَصَدَّقَ بِمِائَتَيْ أُوقِيَّةٍ، وَتَصَدَّقَ عُمَرُ بِمِائَةِ أُوقِيَّةٍ، وَتَصَدَّقَ عَاصِمٌ [5] الأَنْصَارِيُّ بِتِسْعِينَ وَسْقًا مِنْ تَمْرٍ. وَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم لِعَبْدِ الرَّحْمَنِ [6] : «هَلْ تَرَكْتَ لأَهْلِكَ شَيْئًا؟» قَالَ: نَعَمْ، أكثر مما أنفقت وأطيب. قال: كم؟ قَالَ: مَا وَدَّ اللَّهُ وَرَسُولُهُ مِنَ الرِّزْقِ والخير] [7] . قال عمرو بن مرزوق، ثَنَا السَّكَنُ بْنُ أَبِي كَرِيمَةَ، عَنِ الْوَلِيدِ بْنِ أَبِي هِشَامٍ، عَنْ فَرْقَدٍ أَبِي طَلْحَةَ [8] ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ خَبَّابٍ، قَالَ: شَهِدْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَحَثَّ عَلَى جَيْشِ الْعُسْرَةِ، قَالَ: فَقَامَ عُثْمَانُ رضي الله عنه فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، عَلَيَّ مِائَةُ بَعِيرٍ بِأَحْلَاسِهَا وَأَقْتَابِهَا [9] فِي سَبِيلِ اللَّهِ. فقال: ثم حثّ
[1] سورة التوبة، الآية 49.
[2]
سورة التوبة، الآية 81.
[3]
في نسختي (ع) و (ح) : «على مائتي بعير» .
[4]
الخبر عن تاريخ الطبري (3/ 110- 102) باختصار.
[5]
في ع: «عامر» . والتصحيح من ح. وهو عاصم بن عدي بن الجدّ العجلاني حليف الأنصار.
وانظر ترجمته في أسد الغابة (3/ 114) والإصابة (2/ 246) .
[6]
في ع، ح: وسأل النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم لِعَبْدِ الرَّحْمَنِ. ولعل الوجه ما أثبتناه.
[7]
لم يرد هذا الخبر في الأصل، وأثبتناه من ع، ح. وانظر المغازي للواقدي 3/ 991.
[8]
في الأصل: «فرقد بن طلحة» . والتصحيح من ع، ح، ومن ترجمته في تهذيب التهذيب (8/ 264) .
[9]
الأحلاس: جمع حلس وهو كل ما ولى ظهر الدابة تحت الرحل والقتب والسرج. والأقتاب:
جمع قتب وهو الإكاف أو الرحل الصغير على قدر سنام البعير.
ثَانِيَةً، فَقَامَ عُثْمَانُ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، عَلَيَّ مِائَتَا بَعِيرٍ بِأَحْلَاسِهَا وَأَقْتَابِهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ. ثُمَّ حَضَّ، أَوْ قَالَ: حَثَّ، الثَّالِثَةَ، فَقَامَ عُثْمَانُ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، عَلَيَّ ثَلَاثُمِائَةِ بَعِيرٍ بِأَحْلَاسِهَا وَأَقْتَابِهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ. قَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ:
أَنَا شَهِدْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَهُوَ يَقُولُ عَلَى الْمِنْبَرِ: «مَا عَلَى عُثْمَانَ مَا عَمِلَ بَعْدَ الْيَوْمِ» . أَوْ قَالَ: «بَعْدَهَا» [1] . رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ الطَّيَالِسِيُّ [2] وَغَيْرُهُ، عَنِ السَّكَنِ بْنِ الْمُغِيرَةِ. وَقَالَ ضَمْرَةُ، عَنِ ابْنِ شَوْذَبٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْقَاسِمِ، عَنْ كَثِيرٍ مَوْلَى عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ سَمُرَةَ، عَنْ مَوْلَاهُ، قَالَ: جَاءَ عُثْمَانُ إِلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم بِأَلْفِ دِينَارٍ حِينَ جَهَّزَ جَيْشَ الْعُسْرَةِ، فَفَرَّغَهَا فِي حِجْرِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، فَجَعَلَ يُقَلِّبُهَا وَيَقُولُ:
«مَا ضَرَّ عُثْمَانَ مَا عَمِلَ بَعْدَ الْيَوْمِ» [3] . قَالَهَا مِرَارًا. وَقَالَ بُرَيْدٌ، عَنْ أَبِي بُرْدَةَ، عَنْ أَبِي مُوسَى، قَالَ: أَرْسَلَنِي أَصْحَابِي إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَسْأَلَهُ لَهُمُ الْحُمْلَانَ [4] ، إِذْ هُمْ مَعَهُ فِي جَيْشِ الْعُسْرَةِ، وَهِيَ غَزْوَةُ تَبُوكَ. وَذَكَرَ الْحَدِيثَ. مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ [5] .
وَقَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ [6] : ثُمَّ إِنَّ رِجَالا أَتَوْا رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وهم البكّاءون،
[1] أخرجه أحمد في المسند 4/ 75 وابن عساكر في تاريخ دمشق 52 وما بعدها.
[2]
منحة المعبود. كتاب الخلافة والإمارة، أبواب خلافة أمير المؤمنين عثمان بن عفان رضي الله عنه، باب ما جاء في البيعة له وذكر شيء من مناقبه (2/ 175) . وانظر تاريخ دمشق 52 وما بعدها (ترجمة عثمان) .
[3]
رواه أحمد في المسند 5/ 63، وابن عساكر في تاريخ دمشق 57 و 58 وسيذكره المؤلّف مرّة أخرى في ترجمة عثمان بن عفّان، في الجزء الخاص بالخلفاء الراشدين، وهو من تحقيقنا- ص 462.
[4]
الحملان: ما يحمل عليه من الدّوابّ.
[5]
أخرجه البخاري في المغازي 5/ 128 باب غزوة تبوك وهي غزوة العسرة، ومسلم في كتاب الأيمان (8/ 1649) باب ندب من حلف يمينا فرأى غيرها خيرا منها أن يأتي الّذي هو خير ويكفّر عن يمينه.
[6]
في سيرة ابن هشام 4/ 174 وتاريخ الطبري 3/ 102، وطبقات ابن سعد 2/ 165.
وَهُمْ سَبْعَةٌ [1] مِنَ الأَنْصَارِ: سَالِمُ بْنُ عُمَيْرٍ، وَعُلْبَةُ بْنُ زَيْدٍ، وَأَبُو لَيْلَى عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ كَعْبٍ، وَعَمْرُو بْنُ الْحُمَامِ بْنِ الْجَمُوحِ، وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْمُغَفَّلِ، وَبَعْضُهُمْ يَقُولُ: عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَمْرٍو الْمُزَنِيُّ، وَهَرِمُ [بْنُ][2] عَبْدِ الله، والعرباض ابن سَارِيَةَ الْفَزَارِيُّ. فَاسْتَحْمَلُوا رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، وَكَانُوا أهُلَ حَاجَةٍ، فَقَالَ:
لا أَجِدُ مَا أَحْمِلُكُمْ عَلَيْهِ. تَوَلَّوْا وَأَعْيُنُهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ حَزَناً أَلَّا يَجِدُوا مَا يُنْفِقُونَ 9: 92 [3] . فَبَلَغَنِي أَنَّ يَامِينَ بْنَ عَمْرٍو، لَقِيَ أَبَا لَيْلَى وَعَبْدَ اللَّهِ بْنَ مُغَفَّلٍ وَهُمَا يَبْكِيَانِ فَقَالَ: مَا يُبْكِيكُمَا؟ فَقَالا: جِئْنَا رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لِيَحْمِلَنَا، فَلَمْ نَجِدْ عِنْدَهُ مَا يَحْمِلُنَا، وَلَيْسَ عِنْدَنَا مَا نَتَقَوَّى بِهِ عَلَى الْخُرُوجِ. فَأَعْطَاهُمَا نَاضِحًا لَهُ فَارْتَحَلاهُ وَزَوَّدَهُمَا شَيْئًا مِنْ لَبَنٍ [4] .
وَأَمَّا عُلْبَةُ بْنُ زَيْدٍ فَخَرَجَ مِنَ اللَّيْلَ فَصَلَّى مِنْ لَيْلَتِهِ مَا شَاءَ اللَّهُ، ثُمَّ بَكَى وَقَالَ:
اللَّهمّ إِنَّكَ قَدْ أَمَرْتَ بِالْجِهَادِ وَرَغَّبْتَ فِيهِ، ثُمَّ لَمْ تَجْعَلْ عِنْدِي مَا أَتَقَوَّى بِهِ، وَلَمْ [113 ب] تَجْعَلْ فِي يَدِ رَسُولِكَ مَا يَحْمِلُنِي عَلَيْهِ، وَإِنِّي أَتَصَدَّقُ عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ بِكُلِّ مَظْلِمَةٍ أَصَابَنِي بِهَا فِي مَالٍ أَوْ جَسَدٍ أَوْ عِرْضٍ [5] . ثُمَّ أَصْبَحَ مَعَ النَّاسِ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم:«أَيْنَ الْمُتَصَدِّقُ هَذِهِ اللَّيْلَةَ» ؟ فَلَمْ يَقُمْ أَحَدٌ. ثُمَّ قَالَ: أَيْنَ «الْمُتَصَدِّقُ؟ فَلْيَقُمْ» . فَقَامَ إِلَيْهِ فَأَخْبَرَهُ. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم:
«أَبْشِرْ، فو الّذي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ لَقَدْ كُتِبَتْ فِي الزَّكَاةِ المتقبّلة» [6] .
[1] في الأصل، ح:«وهم سبعة منهم من الأنصار» ، والمثبت من (ع) .
[2]
سقطت من الأصل، وأثبتناها من (ع) و (ح) . ويقال له) هرم أو هرميّ، أخو بني واقف.
[3]
سورة التوبة، الآية 92.
[4]
في السيرة لابن هشام 4/ 174 وتاريخ الطبري 3/ 102 «شيئا من تمر» بدل «لبن» .
[5]
العرض: بسكون الراء المتاع. (النهاية في غريب الحديث 3/ 84) .
[6]
أخرجه ابن حجر في الإصابة 2/ 500 وقال ورد مسندا موصولا من حديث مجمع بن حارثة، ومن حديث عمرو بن عوف وأبي عبس بن حبر، ومن حديث علبة بن زيد وقتيبة
…
وَجاءَ الْمُعَذِّرُونَ من الْأَعْرابِ لِيُؤْذَنَ لَهُمْ 9: 90 [1][2] فاعْتَذَرُوا فَلَمْ يَعْذِرْهُمُ اللَّهُ. فَذَكَرَ أَنَّهُمْ نَفَرٌ مِنْ بَنِي غِفَارٍ.
قَالَ: وَقَدْ كَانَ نَفَرٌ مِنَ الْمُسْلِمِينَ أَبْطَأَتْ بِهِمُ النِّيَّةُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، حَتَّى تَخَلَّفُوا عَنْ غَيْرِ شَكِّ وَلا ارْتِيَابٍ، مِنْهُمْ كَعْبُ بْنُ مَالِكٍ أَخُو بَنِي سَلَمَةَ، وَمُرَارَةُ بْنُ الرَّبِيعِ أَحَدُ بَنِي عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ، وَهِلالُ بْنُ أُمَيَّةَ أَخُو بَنِي وَاقِفٍ، وَأَبُو خَيْثَمَةَ أَخُو بَنِي سَالِمِ بْنِ عَوْفٍ. وَكَانُوا رَهْطَ صِدْقٍ [3] .
ثُمَّ خَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَوْمَ الْخَمِيسِ، وَاسْتَخْلَفَ عَلَى الْمَدِينَةِ محمد ابن مَسْلَمَةَ الأَنْصَارِيَّ. فَلَمَّا خَرَجَ ضَرَبَ عَسْكَرَهُ عَلَى ثَنِيَّةِ الْوَدَاعِ، وَمَعَهُ زِيَادَةٌ عَلَى ثَلاثِينَ أَلْفًا مِنَ النَّاسِ. وَضَرَبَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أُبَيِّ بْنِ سَلُولٍ عَسْكَرَهُ عَلَى ذِي حِدَّةٍ [4] أَسْفَلَ مِنْهُ، وَمَا كَانَ فِيمَا يَزْعُمُونَ بِأَقَلِّ الْعَسْكَرَيْنِ [5] .
فَلَمَّا سَارَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، تَخَلَّفَ عَنْهُ ابْنُ سَلُولٍ فِيمَنْ تَخَلَّفَ مِنَ الْمُنَافِقِينَ وَأَهْلِ الرَّيْبِ. وَخَلَّفَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ عَلَى أَهْلِهِ، وَأَمَرَهُ بِالإِقَامَةِ فِيهِمْ، فَأَرْجَفَ بِهِ الْمُنَافِقُونَ وَقَالُوا: مَا خَلَّفَهُ إِلا اسْتِثْقَالا له وتخفّفا مِنْهُ. فَلَمَّا قَالَ ذَلِكَ الْمُنَافِقُونَ، أَخَذَ عَلِيٌّ سِلاحَهُ ثُمَّ خَرَجَ حَتَّى أَتَى رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، وَهُوَ نَازِلٌ بِالْجُرْفِ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، زَعَمَ الْمُنَافِقُونَ أَنَّكَ إِنَّمَا خَلَّفْتَنِي تَسْتَثْقِلُنِي وَتَخَفَّفُ مِنِّي. قَالَ:«كَذَبُوا، وَلَكِنْ خَلَّفْتُكَ لِمَا تَرَكْتُ وَرَائِي، فَارْجِعْ فَاخْلُفْنِي فِي أَهْلِي وَأَهْلِكَ، أَلا تَرْضَى أَنْ تَكُونَ مِنِّي بِمَنْزِلَةِ هَارُونَ مِنْ مُوسَى، إِلا أَنَّهُ لا نبيّ بعدي» . فرجع إلى المدينة [6] .
[1] المعذّرون: الذين يعتذرون وهم غير محقّين في العذر.
[2]
سورة التوبة، الآية 90.
[3]
سيرة ابن هشام 4/ 175، المحبّر لابن حبيب 284، 285.
[4]
في الأصل «عسكره على حدة عسكره أسفل منه» والمثبت من (ع) و (ح) . وهو «ذو حدة» في وفاء ألوفا (2/ 309) .
[5]
سيرة ابن هشام 4/ 175.
[6]
سيرة ابن هشام 4/ 175.
وَأَخْرَجَاهُ فِي الصَّحِيحَيْنِ [1] مِنْ حَدِيثِ الْحَكَمِ بْنِ عُيَيْنَةَ، عَنْ مُصْعَبِ بْنِ سَعْدٍ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: خَلَّفَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَلِيًّا فِي غَزْوَةِ تَبُوكَ. فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَتُخَلِّفُنِي فِي النِّسَاءِ وَالصِّبْيَانِ؟ قَالَ:«أَمَا تَرْضَى أَنْ تَكُونَ مِنِّي بِمَنْزِلَةِ هَارُونَ مِنْ مُوسَى، غَيْرَ أَنَّهُ لَا نَبِيَّ بَعْدِي» . وَرَوَاهُ عَامِرٌ، وَإِبْرَاهِيمُ، ابْنَا سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ، عَنْ أَبِيهِمَا. قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: حَدَّثَنِي بُرَيْدَةُ بْنُ سُفْيَانَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ كَعْبٍ الْقُرَظِيِّ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ، قَالَ: لَمَّا سَارَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إِلَى تَبُوكَ، جَعَلَ لَا يَزَالُ يَتَخَلَّفُ الرَّجُلُ فَيَقُولُونَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، تَخَلَّفَ فُلانٌ. فَيَقُولُ:
«دَعُوهُ، إِنْ يَكُ فِيهِ خَيْرٌ فَسَيُلْحِقُهُ اللَّهُ بِكُمْ، وَإِنْ يَكُ غَيْرَ ذَلِكَ فَقَدْ أَرَاحَكُمُ اللَّهُ مِنْهُ» . حَتَّى قِيلَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، تَخَلَّفَ أَبُو ذرّ [114 أ] وَأَبْطَأَ بِهِ بَعِيرُهُ، فَقَالَ:«دَعُوهُ، إِنْ يَكُ فيه خير فسيلحقه الله بكم، وإن يكن غَيْرَ ذَلِكَ فَقَدْ أَرَاحَكُمُ اللَّهُ مِنْهُ» . فَتَلوَّمَ أَبُو ذَرٍّ بَعِيرَهُ فَلَمَّا بَطَّأَ عَلَيْهِ أَخَذَ مَتَاعَهُ فَجَعَلَهُ عَلَى ظَهْرِهِ، ثُمَّ خَرَجَ يَتْبَعُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مَاشِيًا. [ونزل رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم][2] فِي بَعْضِ مَنَازِلِهِ، وَنَظَرَ نَاظِرٌ مِنَ الْمُسْلِمِينَ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّ هَذَا الرَّجُلَ يَمْشِي عَلَى الطَّرِيقِ. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم:«كُنْ أَبَا ذَرٍّ» . فَلَمَّا تَأَمَّلَهُ الْقَوْمُ قَالُوا: هُوَ وَاللَّهِ أَبُو ذَرٍّ. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «يَرْحَمُ اللَّهُ أَبَا ذَرٍّ، يَمْشِي وَحْدَهُ، وَيَمُوتُ وَحْدَهُ، وَيُبْعَثُ وَحْدَهُ» . فَضَرَبَ الدَّهْرُ مِنْ ضَرْبِهِ، وَسُيِّرَ أَبُو ذَرٍّ إِلَى الرَّبَذَةِ [3]، فَلَمَّا حَضَرَهُ الْمَوْتُ أَوْصَى امْرَأَتَهُ وَغُلامَهُ: إِذَا مِتُّ فَاغْسِلانِي وكفّناني وضعاني
[1] صحيح البخاري: كتاب المغازي (5/ 129) باب غزوة تبوك وهي غزوة العسرة. ومسلم في فضائل الصحابة (33/ 2404) باب من فضائل عليّ بن أبي طالب، والترمذي في المناقب (3808) ، وابن سعد في الطبقات 3/ 24، 25، والكلابي في المسند وهو ملحق بكتاب مناقب أمير المؤمنين علي» لابن المغازلي- ص 276 رقم 29، 30، وابن الأثير في جامع الأصول 8/ 649، وابن جميع الصيداوي في معجم الشيوخ- ص 240، 241 رقم 196 (بتحقيقنا) - الحاشية رقم (5) .
[2]
سقطت من الأصل والمثبت من: ع، ح، وسيرة ابن هشام 4/ 177.
[3]
الزبدة: بالتحريك، قرية من قرى المدينة على ثلاثة أيام. (معجم البلدان 3/ 24) .
عَلَى قَارِعَةِ الطَّرِيقِ، فَأَوَّلُ رَكْبٍ يَمُرُّونَ بِكُمْ فَقُولُوا: هَذَا أَبُو ذَرٍّ. فَلَمَّا مَاتَ فَعَلُوا بِهِ ذَلِكَ، فَاطَّلَعَ رَكْبٌ، فَمَا عَلِمُوا بِهِ حَتَّى كَادَتْ رَكَائِبُهُمْ تَوَطَّأُ سَرِيرَهُ، فَإِذَا ابْنُ مَسْعُودٍ فِي رَهْطٍ مِنْ أَهْلِ الْكُوفَةِ. فَقَالَ: مَا هَذَا؟ فَقِيلَ: جِنَازَةُ أَبِي ذَرٍّ. فَاسْتَهَلَّ ابْنُ مَسْعُودٍ يَبْكِي، فَقَالَ: صَدَقَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: يَرْحَمُ اللَّهُ أَبَا ذَرٍّ، يَمْشِي وَحْدَهُ، وَيَمُوتُ وَحْدَهُ، وَيُبْعَثُ وَحْدَهُ. فَنَزَلَ، فَوَلِيَهُ بِنَفْسِهِ حَتَّى أَجَنَّهُ [1] .
وَقَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ [2] : حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي بكر، أنّ أبا خيثمة، أَحَدَ بَنِي سَالِمٍ، رَجَعَ- بَعْدَ مَسِيرِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَيَّامًا- إِلَى أَهْلِهِ فِي يَوْمٍ حَارٍّ، فَوَجَدَ امْرَأَتَيْنِ لَهُ فِي حَائِطٍ قَدْ رَشَّتْ كُلُّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا عَرِيشَهَا [3] ، وَبَرَّدَتْ لَهُ فِيهِ مَاءً، وَهَيَّأَتْ لَهُ فِيهِ طَعَامًا. فَلَمَّا دَخَلَ قَامَ عَلَى بَابِ الْعَرِيشَيْنِ فَقَالَ: رَسُولُ اللَّهِ فِي الضِّحِّ [4] وَالرِّيحِ والحرّ، وأنا في ظلّ بارد وماء بارد وَطَعَامٍ مُهَيَّإٍ وَامْرَأَةٍ حَسْنَاءَ، فِي مَالٍ مُقِيمٍ؟ مَا هَذَا بِالنَّصَفِ. ثُمَّ قَالَ: لا، وَاللَّهِ، لا أَدْخُلُ عَرِيشَ وَاحِدَةٍ مِنْكُمَا حَتَّى أَلْحَقَ بِرَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، فَهَيِّئَا لِي زَادًا. فَفَعَلَتَا. ثُمَّ قَدَّمَ نَاضِحَهُ فَارْتَحَلَهُ. ثُمَّ خَرَجَ فِي طَلَبِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، حَتَّى أَدْرَكَهُ بِتَبُوكَ حِينَ نَزَلَهَا. وَقَدْ كَانَ أَدْرَكَهُ عُمَيْرُ بْنُ وَهْبٍ فِي الطَّرِيقِ فَتَرَافَقَا، حَتَّى إِذَا دَنَوْا مِنْ تبوك، قال أبو خيثمة لِعُمَيْرٍ: إِنَّ لِي ذَنْبًا، تَخَلَّفْ عَنِّي حَتَّى آتِيَ رَسُولَ اللَّهِ. فَفَعَلَ. فَسَارَ حَتَّى دَنَا مِنْ رَسُولِ اللَّهِ. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ:«كُنْ أبا خيثمة» . فقالوا: هو والله أبا خيثمة، فَأَقْبَلَ وَسَلَّمَ، فَقَالَ لَهُ:«أَوْلَى لَكَ أَبَا خيثمة» . ثُمَّ أَخْبَرَ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم الخبر، فقال له خيرا.
[1] سيرة ابن هشام 4/ 177، تاريخ الطبري 3/ 107.
[2]
سيرة ابن هشام 4/ 175، تاريخ الطبري 3/ 104، المغازي للواقدي 3/ 998.
[3]
في الأصل «عرشها» ، والمثبت من (ع) و (ح) .
[4]
الضّح: الشمس. وفي نسختي: (ع) و (ح) : «في الضح والشمس.
وقال ابن لهيعة، عن أبي الأسود، عن عروة [1] . [و] قاله مُوسَى بْنُ عُقْبَةَ. فَذَكَرَ نَحْوًا مِنْ سِيَاقِ ابْنِ إِسْحَاقَ.
وقال مَعْمَر، عَنْ عَبْد اللَّه بْن مُحَمَّد بْن عُقَيْل، قَالَ: فِي قوله تعالى:
اتَّبَعُوهُ في ساعَةِ الْعُسْرَةِ 9: 117 [2]، قَالَ: خرجوا فِي غزوة تبوك، الرَّجُلان والثَّلاثة [114 ب] عَلَى بعيرٍ، وخرجوا فِي حرِّ شديدٍ، فأصابهم يوما عطش حتى جعلوا ينحرون إبلهم ليعصروا أَكْرَاشها ويشربوا مَاءها [3] .
وَقَالَ مَالِكُ بْنُ مِغْوَلٍ، عَنْ طَلْحَةَ بْنِ مُصَرِّفٍ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ: كُنَّا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِي مَسِيرٍ، فَنَفِدَتْ أَزْوَادُ الْقَوْمِ، حَتَّى هَمَّ أَحَدُهُمْ بِنَحْرِ بَعْضِ حَمَائِلِهِمْ. الْحَدِيثَ. رَوَاهُ مُسْلِمٌ [4] .
وَقَالَ الْأَعْمَشُ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَوْ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ، شَكَّ الْأَعْمَشُ، قَالَ: لَمَّا كَانَ يَوْمُ غَزْوَةِ تَبُوكَ أَصَابَ النَّاسَ مَجَاعَةٌ، فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، لَوْ أَذِنَتْ لَنَا فَنَنْحَرُ نَوَاضِحَنَا، فَأَكَلْنَا وَادَّهَنَّا. فَقَالَ:«أَفْعَلُ» . فَجَاءَ عُمَرُ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنْ فَعَلْتَ قَلَّ الظَّهْرُ، وَلَكِنْ ادْعُ بِفَضْلِ أَزْوَادِهِمْ، وَادْعُ اللَّهَ لَهُمْ فِيهَا بِالْبَرَكَةِ. فَقَالَ: نَعَمْ. فَدَعَا بنِطَعٍ فبَسَطَهُ، ثُمَّ دَعَا بِفَضْلِ أَزْوَادِهِمْ. فَجَعَلَ الرَّجُلُ يَأْتِي بِكَفِّ ذُرَةٍ، وَيَجِيءُ الْآخَرُ بِكَفِّ تَمْرٍ، وَيَجِيءُ الْآخَرُ بِكِسْرَةٍ، حَتَّى اجْتَمَعَ عَلَى النِّطَعِ مِنْ ذَلِكَ شَيْءٌ يَسِيرٌ. فَدَعَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بِالْبَرَكَةِ، ثُمَّ قَالَ لَهُمْ: خُذُوا فِي أَوْعِيَتِكُمْ. فَأَخَذُوا حَتَّى مَا تَرَكُوا فِي الْعَسْكَرِ وِعَاءً إِلَّا مَلَئُوهُ، وَأَكَلُوا حَتَّى شَبِعُوا، وَفَضِلَتْ فَضْلةٌ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «أَشْهَدُ أَنَّ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، وَأَنِّي رَسُولُ اللَّهِ، لَا يلقى الله بها عبد غير شاكّ،
[1] في المغازي- ص 220.
[2]
سورة التوبة، الآية 117.
[3]
طبقات ابن سعد 2/ 167.
[4]
في كتاب الإيمان، باب من لقي الله بالإيمان وهو غير شاكّ فيه دخل الجنة وحرّم على النّار.
فَيُحْجَبُ عَنِ الْجَنَّةِ» . أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ [1] . وَقَالَ عَمْرُو بْنُ الْحَارِثِ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي هِلالٍ، عَنْ عُتْبَةَ بْنِ أَبِي عُتْبَةَ، عَنْ نَافِعِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، أَنَّهُ قِيلَ لِعُمَرَ رضي الله عنه: حَدِّثْنَا مِنْ شَأْنِ الْعُسْرَةِ. فَقَالَ: خَرَجْنَا إِلَى تَبُوكَ فِي قَيْظٍ شَدِيدٍ، فَنَزَلْنَا مَنْزِلا أَصَابَنَا فِيهِ عَطَشٌ، حَتَّى ظَنَنَّا أَنَّ رِقَابَنَا سَتَنْقَطِعُ، حَتَّى أَنْ كَانَ الرَّجُلُ [2] لَيَنْحَرُ بَعِيرَهُ فَيَعْصِرُ فَرْثَهُ فَيَشْرَبُهُ وَيَجْعَلُ مَا بَقِيَ عَلَى كَبِدِهِ. فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّ اللَّهَ قَدْ عَوَّدَكَ فِي الدُّعَاءِ خَيْرًا فَادْعُ اللَّهَ لَنَا. قَالَ:«أَتُحِبُّ ذَلِكَ؟» قَالَ:
نَعَمْ. فَرَفَعَ يَدَيْهِ، فَلَمْ يُرْجِعْهُمَا حَتَّى قَالَتِ السَّمَاءُ فَأَطَلَّتْ ثُمَّ سَكَبَتْ، فَمَلَئُوا مَا مَعَهُمْ. ثُمَّ ذَهَبْنَا نَنَظْرُ فَلَمْ نَجِدْهَا جَاوَزَتِ الْعَسْكَرَ. حَدِيثٌ حَسَنٌ قَوِيٌّ [3] .
وَقَالَ مَالِكٌ، وَغَيْرُهُ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ: أَنّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ لِأَصْحَابِهِ: «لَا تَدْخُلُوا عَلَى هَؤُلَاءِ الْقَوْمِ الْمُعَذَّبِينَ، إِلَّا أَنْ تَكُونُوا بَاكِينَ، فَلَا تَدْخُلُوا عَلَيْهِمْ، لَا يُصِيبُكُمْ مِثْلَ مَا أَصَابَهُمْ» [4] ، يَعْنِي أَصْحَابَ الْحِجْرِ [5] . وَقَالَ سُلَيْمَانُ بْنُ بِلالٍ، أنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ دِينَارٍ، [عَنِ ابْنِ عُمَرَ][6]، قَالَ:
لَمَّا نَزَلَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم الْحِجْرَ، أَمَرَهُمْ أَنْ لا يَشْرَبُوا مِنْ بِئْرِهَا، وَلا يَسْتَقُوا مِنْهَا. فَقَالُوا: قَدْ عَجَنَّا مِنْهَا وَاسْتَقَيْنَا. فَأَمَرَهُمْ [115 أ] أن يطرحوا ذلك
[1] المصدر نفسه.
[2]
في الأصل: «حتى أن كان الرجل ليذهب يلتمس الرجل فلا يرجع حتى يظن أن رقبته سَتَنْقَطِعُ حَتَّى أَنْ كَانَ الرَّجُلُ لَيَنْحَرُ بَعِيرَهُ إلخ» ، وأظنه من أوهام النسخ، وأثبتنا نص ع، ح.
[3]
انظر تاريخ الطبري 3/ 105 وقال ابن كثير: إسناده جيد ولم يخرجوه من هذا الوجه (السيرة النبويّة 4/ 16) .
[4]
سيأتي تخريجه.
[5]
أصحاب الحجر: هم ثمود الذين كذّبوا النبيّ صالحا عليه السلام. وكانت دارهم تسمّى «الحجر» وهي بوادي القرى بين المدينة والشام. (معجم البلدان 2/ 221) .
[6]
سقطت من الأصل، والمثبت من (ع) و (ح) .
الْعَجِينَ وَيُرِيقُوا ذَلِكَ الْمَاءَ. أَخْرَجَهُمَا الْبُخَارِيُّ [1] . وَلِمُسْلِمٍ مِثْلُ الأَوَّلِ مِنْهُمَا [2] .
وَقَالَ عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ عبد الله: أن النَّاسَ نَزَلُوا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم الْحِجْرَ، فَاسْتَقَوْا مِنْ آبَارِهَا وَعَجَنُوا بِهِ. فَأَمَرَهُمْ أَنْ يُهَرِيقُوا الْمَاءَ، وَيَعْلِفُوا الإِبلَ الْعَجِينَ، وَأَمَرُهْم أَنْ يَسْتَقُوا مِنَ الْبِئْرِ الَّتِي كَانَتِ النَّاقَةُ تَرُدُّهَا [3] . أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ [4] .
وَقَالَ مَالِكٌ، عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ، عَنْ أَبِي الطُّفَيْلِ، أَنَّ مُعَاذَ بْنَ جَبَلٍ أَخْبَرَهُ أَنَّهُمْ خَرَجُوا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عام تَبُوكَ، فَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَجْمَعُ بَيْنَ الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ وَبَيْنَ الْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ. قَالَ: فَأَخَّرَ الصَّلَاةَ يَوْمًا، ثُمَّ خَرَجَ فَصَلَّى الظُّهْرَ وَالْعَصْرَ جَمِيعًا، ثُمَّ دَخَلَ [ثُمَّ خَرَجَ] [5] فَصَلَّى الْمَغْرِبَ وَالْعِشَاءِ جَمِيعًا. ثُمَّ قَالَ: أَنَّكُمْ سَتَأْتُونَ غَدًا إِنْ شَاءَ اللَّهُ عَيْنَ تَبُوكَ، وَإِنَّكُمْ لَنْ تَأْتُوهَا حَتَّى [6] يُضْحِيَ النَّهَارُ، فَمَنْ جَاءَهَا فَلَا يَمَسَّ مِنْ مَائِهَا شَيْئًا حَتَّى آتِيَ. قَالَ:
فجِئناها وَقَدْ سَبَقَ إِلَيْهَا رَجُلَانِ، وَالْعَيْنُ مِثْلُ الشِّرَاكِ تَبِضُّ [7] بِشَيْءٍ مِنْ مَاءٍ.
فَسَأَلَهُمَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «هَلْ مَسِسْتُمَا مِنْ مَائِهَا شَيْئًا؟» قَالَا: نَعَمْ. فَسَبَّهُمَا، وَقَالَ لَهُمَا مَا شَاءَ اللَّهُ أَنْ يَقُولَ. ثُمَّ غَرَفُوا مِنَ الْعَيْنِ قَلِيلًا قَلِيلًا، حَتَّى اجْتَمَعَ فِي شَنٍّ [8] ثُمَّ غَسَلَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِيهِ وجهه، ثم أعاده فيها. فجرت العين
[1] انظر للبخاريّ كتاب الصلاة (1/ 112) باب الصلاة في مواضع الخسف والعذاب، وكتاب المغازي (5/ 135) باب نزول النّبيّ صلى الله عليه وسلم الحجر، وكتاب الأنبياء، باب قول الله تعالى: وَإِلى ثَمُودَ أَخاهُمْ صالِحاً 7: 73.
[2]
في كتاب الزهد، باب لا تدخلوا مساكن الذين ظلموا أنفسهم إلّا أن تكونوا باكين. وأخرج الإمام أحمد مثله في المسند 2/ 9 و 58 و 66 و 72 و 74 و 91 و 96 و 113 و 137.
[3]
في النسخ الثلاث: ترده. والوجه ما أثبتناه. وعبارة مسلم: «التي كانت تردها الناقة» .
[4]
في كتاب الزهد، باب لا تدخلوا مساكن الذين ظلموا أنفسهم إلخ (8/ 221) .
[5]
سقطت من الأصل، وأثبتناها من ع، ح ومسلم.
[6]
في الأصل: حين. والتصحيح من ع، ح ومسلم.
[7]
تبضّ: بض الماء يبضّ بضيضا: سال قليلا قليلا. (الصحاح 1066) .
[8]
الشنّ: القربة الخلقة: (انظر شرح المواهب اللدنية 3/ 89) .
بِمَاءٍ كَثِيرٍ، فَاسْتَقَى النَّاسُ. ثُمَّ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم:«يُوشِكُ يَا مُعَاذُ، إِنْ طَالَتْ بِكَ حَيَاةٌ، أَنْ تَرَى ما [ها] [1] هنا قد مليء جِنَانًا» . أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ [2] . وَقَالَ سُلَيْمَانُ بْنُ بِلَالٍ، عَنْ عَمْرِو بْنِ يَحْيَى، عَنْ عَبَّاسِ بْنِ سَهْلٍ، عَنْ أَبِي حُمَيْدٍ، قَالَ: خَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم في غَزْوَةِ تَبُوكَ فَأَتَيْنَا وَادِي الْقُرَى، عَلَى حَدِيقَةٍ لِامْرَأَةٍ. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: اخْرُصُوهَا. فَخَرَصْنَاهَا وَخَرَصَهَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَشَرَةَ أَوْسُقٍ. وَقَالَ: أَحْصِيهَا حَتَّى نَرْجِعَ إِلَيْكِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ.
فَانْطَلَقْنَا حَتَّى قَدِمْنَا تَبُوكَ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم:«سَتَهُبُّ عَلَيْكُمُ اللَّيْلَةَ رِيحٌ شَدِيدَةٌ، فَلَا يَقُمْ فِيهَا أَحَدٌ مِنْكُمْ، فَمَنْ كَانَ لَهُ بَعِيرٌ فَلْيَشُدَّ عِقَالَهُ» . فَهَبَّتْ رِيحٌ شَدِيدَةٌ، فَقَامَ رَجُلٌ فَحَمَلَتْهُ الرِّيحُ حَتَّى أَلْقَتْهُ بجبلي طيِّئ. وَجَاءَ ابْنُ الْعَلْمَاءِ صَاحِبُ أَيْلَةَ [3] إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بِكِتَابٍ، وَأَهْدَى لَهُ بَغْلَةً بَيْضَاءَ. فَكَتَبَ إِلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، وَأَهْدَى لَهُ بُرْدًا. ثُمَّ أَقْبَلْنَا حَتَّى قَدِمْنَا وَادِيَ الْقُرَى، فَسَأَلَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم الْمَرْأَةَ عَنْ حَدِيقَتِهَا كَمْ بَلَغَ ثَمَرُهَا، فَقَالَ: بَلَغَ عَشَرَةَ أَوْسُقٍ.
فَقَالَ: «إِنِّي مُسْرِعٌ فَمَنْ شَاءَ مِنْكُمْ فَلْيُسْرِعْ» . فَخَرَجْنَا حَتَّى أَشْرَفْنَا عَلَى الْمَدِينَةِ. فَقَالَ: «هَذِهِ طَابَةٌ، وَهَذَا أُحُدٌ، وَهُوَ جَبَلٌ يُحِبُّنَا وَنُحِبُّهُ» . أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ [4] ، أَطْوَلَ مِنْهُ، وَلِلْبُخَارِيِّ نَحْوُهُ [5] . وَقَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ، عَنْ عَبَّاسِ بْنِ سَهْلٍ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم [115 ب] حين مرّ بالحجر استقوا من بئرها. فلما
[1] سقطت من الأصل، والمثبت من (ع) و (ح) ، وصحيح مسلم.
[2]
في كتاب الفضائل، باب في معجزات النبيّ صلى الله عليه وسلم. وأخرجه أحمد في المسند 2/ 308 و 323 و 5/ 238، والواقدي في المغازي 3/ 1012، 1013.
[3]
أيلة: مدينة على ساحل بحر القلزم مما يلي الشام، قيل سميت باسم أيلة بنت مدين بن إبراهيم عليه السلام. (معجم البلدان 1/ 292) .
[4]
في كتاب الفضائل، باب في معجزات النبي صلى الله عليه وسلم (7/ 61) .
[5]
صحيح البخاري: كتاب الزكاة. باب خرص التمر (2/ 155) . وأحمد في المسند 5/ 424 و 425.
رَاحُوا قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «لا تَشْرَبُوا مِنْ مَائِهَا، وَلا تَوَضَّئُوا مِنْهُ، وَمَا كَانَ مِنْ عَجِينٍ عَجَنْتُمُوهُ مِنْهُ فَاعْلِفُوهُ الإِبِلَ، وَلا يَخْرُجَنَّ أَحَدٌ مِنْكُمُ اللَّيْلَةَ إِلا وَمَعَهُ صَاحِبٌ لَهُ» . فَفَعَلَ النَّاسُ مَا أَمَرَهُمْ، إِلا رَجُلَيْنِ مِنْ بَنِي سَاعِدَةَ، خَرَجَ أَحَدُهُمَا لِحَاجَتِهِ وَالآخَرُ لِطَلَبِ بَعِيرٍ لَهُ. فَأَمَّا الَّذِي ذَهَبَ لِحَاجَتِهِ فَإِنَّهُ خُنِقَ عَلَى مَذْهَبِهِ، وَأَمَّا الآخَرُ فَاحْتَمَلَتْهُ الرِّيحُ حَتَّى طَرَحَتْهُ بِجَبَلِ طيِّئ. فأخبر بذلك رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: أَلَمْ أَنْهَكُمْ؟ ثُمَّ دَعَا لِلَّذِي أُصِيبَ عَلَى مَذْهَبِهِ فَشُفِيَ.
وَأَمَّا الآخَرُ فَإِنَّهُ وَصَلَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم حِينَ قَدِمَ مِنْ تَبُوكَ. وَهَذَا مُرْسَلٌ مُنْكَرٌ [1] . وَقَالَ ابْن وَهْبٍ: أَخْبَرَنِي مُعَاوِيَةُ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ غَزْوَانَ، عَنْ أَبِيهِ: أَنَّهُ نَزَلَ بِتَبُوكَ وَهُوَ حَاجٌّ، فَإِذَا رَجُلٌ مُقْعَدٌ، فَسَأَلْتُهُ عَنْ أَمْرِهِ، فَقَالَ: سَأُحَدِّثُكَ حَدِيثًا فَلَا تُحدِّثْ بِهِ مَا سَمِعْتَ أَنِّي حَيٌّ: إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم نَزَلَ بِتَبُوكَ إِلَى نَخْلةٍ، فَقَالَ:«هَذِهِ قِبْلَتُنَا» . ثُمَّ صَلَّى إِلَيْهَا. فَأَقْبَلْتُ، وَأَنَا غُلَامٌ، أَسْعَى حَتَّى مَرَرْتُ بَيْنَهُ وَبَيْنَهَا، فَقَالَ:«قَطَعَ صَلَاتَنَا، قَطَعَ اللَّهُ أَثَرَهُ» . قَالَ: فَمَا قُمْتُ عَلَيْهَا إِلَى يَوْمِي هَذَا. وَقَالَ سَعِيدُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ، عَنْ مَوْلًى لِيَزِيدَ بْنِ نِمْرَانَ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ نِمْرَانَ، قَالَ: رَأَيْتُ مُقْعَدًا بِتَبُوكَ. فَقَالَ: مَرَرْتُ بَيْنَ يدي النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم وَأَنَا عَلَى حِمَارٍ وَهُوَ يُصَلِّي. فَقَالَ: «اللَّهمّ اقْطَعْ أَثَرَهُ» . فَمَا مَشَيْتُ عَلَيْهِمَا بَعْدُ [2] .
أَخْرَجَهُمَا أَبُو دَاوُدَ [3] . وَقَالَ يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ، أنا الْعَلاءُ أَبُو مُحَمَّدٍ الثَّقَفِيُّ، سَمِعْتُ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ، قَالَ: كُنَّا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بِتَبُوكَ، فَطَلَعَتِ الشَّمْسُ بِضِيَاءٍ وشعاع
[1] رواه ابن هشام في السيرة 4/ 176.
[2]
في الأصل: «فما مشيت بعدها» . والمثبت من ع، ح. وفي سنن أبي داود 1/ 188 ز عليها لإ.
[3]
في كتاب الصلاة، باب ما يقطع الصلاة (705 و 707) .
وَنُورٍ لَمْ أَرَهَا طَلَعَتْ فِيمَا مَضَى. فَأَتَى جِبْرِيلُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: «يَا جِبْرِيلُ، مَا لِي أَرَى الشَّمْسَ الْيَوْمَ بِضِيَاءٍ وَنُورٍ وَشُعَاعٍ لَمْ أَرَهَا طَلَعَتْ فِيمَا مَضَى؟» فَقَالَ: ذَاكَ أَنَّ مُعَاوِيَةَ بْنَ مُعَاوِيَةَ اللَّيْثِيَّ مَاتَ بِالْمَدِينَةِ الْيَوْمَ، فَبَعَثَ اللَّهُ إِلَيْهِ سَبْعِينَ أَلْفِ مَلَكٍ يُصَلُّونَ عَلَيْهِ. قَالَ:«وَفِيمَ ذَاكَ؟» قَالَ: كَانَ يُكْثِرُ قِرَاءَةَ قُلْ هُوَ الله أَحَدٌ 112: 1 [1] ، بالليل وَالنَّهَارَ، وَفِي مَمْشَاهُ وَقِيَامِهِ وَقُعُودِهِ، فَهَلْ لَكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَنْ أَقْبِضَ لَكَ الأَرْضَ فَتُصَلِّيَ عَلَيْهِ؟ قَالَ:«نَعَمْ» قَالَ:
فَصَلَّى عَلَيْهِ، ثم رجع. العلاء منكر الحديث واه [2] . [و][3] رواه الْحَسَنُ الزَّعْفَرَانِيُّ، عَنْ يَزِيدَ. [وَقَالَ يُونُسُ بْنُ مُحَمَّدٍ، ثنا صَدَقَةُ بْنُ أَبِي سَهْلٍ، عَنْ يُونُسَ بْنِ عُبَيْدٍ، عَنِ الْحَسَنِ، أَنَّ مُعَاوِيَةَ بن مُعَاوِيَةَ الْمُزَنِيَّ تُوُفِّيَ وَالنَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم فِي غَزْوَةِ تَبُوكَ، فَأَتَاهُ جِبْرِيلُ فَقَالَ: هَلْ لَكَ فِي جِنَازَةِ مُعَاوِيَةَ الْمُزَنِيِّ؟ قَالَ: نَعَمْ. فَقَالَ:
هَكَذَا، فَفَرَّجَ لَهُ الْجِبَالَ وَالآكَامَ. فَقَامَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَمْشِي وَمَعَهُ جِبْرِيلُ فِي سَبْعِينَ أَلْفِ مَلَكٍ، فَصَلَّى عَلَيْهِ. فَقَالَ: يَا جِبْرِيلُ، بِمَ بَلَغَ؟ فَقَالَ: بِكَثْرَةِ قِرَاءَةِ قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ 112: 1، كَانَ يَقْرَؤُهَا قَائِمًا وَقَاعِدًا وَرَاكِبًا وَمَاشِيًا.
مُرْسَلٌ [4] . وَقَالَ ابْنُ جَوْصَا، وَعَلِيُّ بْنُ سَعِيدٍ الرَّازِيُّ، وَأَبُو الدَّحْدَاحِ أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ- وَاللَّفْظُ لَهُ- ثنا نُوحُ بْنُ عَمْرِو بْنِ حُوَيٍّ السَّكْسَكِيُّ، ثنا بقيّة، ثنا محمد
[1] أول سورة الإخلاص.
[2]
هو: العلاء بن زيدل الثقفي البصري. ذكره المؤلّف الذهبي في ميزان الاعتدال 3/ 99 وقال:
تالف.
قال ابن حبّان: روى عن أنس نسخة موضوعة، منها الصلاة بتبوك صلاة الغائب على معاوية بن معاوية الليثي. قال: وهذا منكر، ولا أحفظ في أَصْحَابِ رَسُول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم هَذَا، والحديث قد سرقه شيخ شامي فرواه عَنْ بَقِيَّةَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ زِيَادٍ، عَنْ أَبِي أُمَامَةَ.
[3]
سقطت من الأصل، والمثبت من:(ع) و (ح) .
[4]
رواه الطبراني في المعجم الكبير 19/ 429 رقم (1041) ، ورواه البيهقي كما قال ابن كثير (السيرة 4/ 26) .
ابن زِيَادٍ الأَلْهَانِيُّ، عَنْ أَبِي أُمَامَةَ، قَالَ: نَزَلَ جِبْرِيلُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَهُوَ بِتَبُوكَ فَقَالَ: احْضُرْ جِنَازَةَ مُعَاوِيَةَ بْنِ مُعَاوِيَةَ الْمُزَنِيِّ. فَخَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، وَهَبَطَ جِبْرِيلُ فِي سَبْعِينَ أَلْفًا مِنَ الْمَلائِكَةِ عليهم السلام، فَوَضَعَ جَنَاحَهُ عَلَى الْجِبَالِ فَتَوَاضَعَتْ حَتَّى نَظَرُوا إِلَى مَكَّةَ وَالْمَدِينَةِ. فَصَلَّى رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَجِبْرِيلُ وَالْمَلائِكَةُ. فَلَمَّا قَضَى صَلاتَهُ قَالَ:«يَا جِبْرِيلُ، بِمَ أَدْرَكَ مُعَاوِيَةُ بْنُ مُعَاوِيَةَ هَذِهِ الْمَنْزِلَةَ مِنَ اللَّهِ عز وجل؟» قَالَ: بِقِرَاءَةِ قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ 112: 1 قَائِمًا وَقَاعِدًا وراكبا وماشيا. قلت: ما علمت فِي نُوحٍ [1] جَرْحًا، وَلَكِنَّ الْحَدِيثَ مُنْكَرٌ جِدًّا، ما أعلم أحدا تَابَعَهُ عَلَيْهِ أَصْلا عَنْ بَقِيَّةَ. وَقَدْ أَوْرَدَ ابْنُ حِبَّانَ حَدِيثَ الْعَلاءِ وَقَالَ:
حَدِيثٌ مُنْكَرٌ لا يُتَابَعُ عَلَيْهِ. قَالَ: وَلا أَحْفَظُ فِي الصَّحَابَةِ مَنْ يُقَالُ لَهُ مُعَاوِيَةُ بْنُ مُعَاوِيَةَ. وَقَدْ سَرَقَ هَذَا الْحَدِيثَ شَيْخٌ مِنْ أَهْلِ الشَّامِ، وَرَوَاهُ عَنْ بَقِيَّةَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ زِيَادٍ، عَنْ أَبِي أُمَامَةَ الْبَاهِلِيِّ] [2] .
وَقَالَ عُثْمَانُ بْنُ الْهَيْثَمِ الْمُؤَذِّنُ، ثنا مَحْبُوبُ بْنُ هِلالٍ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ أَبِي مَيْمُونَةَ، عَنْ أَنَسٍ، قَالَ: جَاءَ جِبْرِيلُ فَقَالَ: يَا مُحَمَّدُ، مَاتَ مُعَاوِيَةُ بْنُ مُعَاوِيَةَ الْمُزَنِيُّ، أَفَتُحِبُّ أَنْ تُصَلِّيَ عَلَيْهِ؟ قَالَ: نَعَمْ. فَضَرَبَ بِجَنَاحِهِ فَلَمْ يَبْقَ مِنْ شَجَرَةٍ وَلا أَكَمَةٍ إِلا تَضَعْضَعَتْ لَهُ. فصلّى عليه وخلفه صفّان من الملائكة، في كل صفّ سبعون ألف ملك. قلت:«يا جبريل، بم نال [3] هذا؟» قال:
بِحُبِّهِ قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ 112: 1 يَقْرَؤُهَا قَائِمًا وقاعدا وذاهبا [116 أ] وَجَائِيًا، وَعَلَى كُلِّ حَالٍ [4] . مَحْبُوبٌ مَجْهُولٌ، لا يتابع على هذا [5] .
[1] انظر: ميزان الاعتدال للمؤلّف 4/ 278 رقم (9139) ، ولسان الميزان لابن حجر 6/ 173، 174.
[2]
ما بين الحاصرتين لم يرد في الأصل، والمثبت من:(ع) و (ح) .
[3]
في الأصل: «ما بال» . والتصحيح من ع، ح.
[4]
رواه الطبراني في المعجم الكبير 19/ 428، 429 رقم (1040) .
[5]
انظر: ميزان الاعتدال للمؤلّف 3/ 442 رقم (7085) ، ولسان الميزان 5/ 17 رقم 64.
قَالَ الْبَكَّائِيُّ: قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: فَلَمَّا أَصْبَحَ النَّاسُ، يَعْنِي مِنْ يَوْمِ الْحِجْرِ، وَلا مَاءَ مَعَهُمْ، دَعَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، فَأَرْسَلَ اللَّهُ سَحَابَةً، فَأَمْطَرَتْ حَتَّى ارْتَوَى النَّاسُ [1] .
فَحَدَّثَنِي عَاصِمٌ، قَالَ: قُلْتُ لِمَحْمُودِ بْنِ لَبِيدٍ: هَلْ كَانَ النَّاسُ يَعْرِفُونَ النِّفَاقَ فِيهِمْ؟ قَالَ: نَعَمْ وَاللَّهِ، لَقَدْ أَخْبَرَنِي رِجَالٌ مِنْ قَوْمِي، عَنْ رَجُلٍ مِنَ الْمُنَافِقِينَ، لَمَّا كَانَ مِنْ أَمْرِ الْحِجْرِ مَا كَانَ، وَدَعَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم حِينَ دَعَا فَأَرْسَلَ اللَّهُ السَّحَابَةَ، فَأَمْطَرَتْ. قَالُوا: أَقْبَلْنَا عَلَيْهِ نقول: ويحك، له بَعْدَ هَذَا شَيْءٌ؟ قَالَ: سَحَابَةٌ سَائِرَةٌ [2] .
قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: ثُمَّ إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم سَارَ، فَضَلَّتْ نَاقَتُهُ، فَخَرَجَ أَصْحَابُهُ فِي طَلَبِهَا. وَعِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم رَجُلٌ مِنْ أَصْحَابِهِ يُقَالُ لَهُ عُمَارَةُ بْنُ حَزْمٍ، وَكَانَ عَقَبِيًّا بَدْرِيًّا. وَكَانَ فِي رَحْلِهِ زَيْدُ بْنُ اللُّصَيْتِ [3] الْقَيْنُقَاعِيِّ وُكُانُ مِنُافِقًا. فَقَالَ زَيْدٌ، وَهُوَ فِي رَحْلِ عُمَارَةَ: أَلَيْسَ يَزْعُمُ مُحَمَّدٌ أَنَّهُ نَبِيٌّ، وَيُخْبِرُكُمْ عَنْ خَبَرِ السَّمَاءِ، وَهُوَ لا يَدْرِي أَيْنَ نَاقَتُهُ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، وَعُمَارَةُ عِنْدَهُ:
«إِنَّ رَجُلا قَالَ كَذَا وَكَذَا. وَإِنِّي وَاللَّهِ مَا أَعْلَمُ إِلا مَا عَلَّمَنِي اللَّهُ. وَقَدْ دَلَّنِي اللَّهُ عَلَيْهَا، وَهِيَ فِي هَذَا الْوَادِي فِي شِعْبِ كَذَا، وَقَدْ حَبَسَتْهَا شَجَرَةٌ بِزِمَامِهَا» . فَذَهَبُوا فَجَاءُوا بِهَا. فَذَهَبَ عُمَارَةُ إِلَى رَحْلِهِ فَقَالَ: وَاللَّهِ عَجَبٌ مِنْ شَيْءٍ حَدَّثَنَاهُ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم آنِفًا، عَنْ مَقَالَةِ قَائِلٍ أَخْبَرَهُ اللَّهُ عَنْهُ بِكَذَا وَكَذَا، فَقَالَ رَجُلٌ مِمَّنْ كَانَ فِي رَحْلِ عُمَارَةَ، وَلَمْ يَحْضُرْ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: زَيْدٌ، وَاللَّهِ، قَالَ هَذِهِ الْمَقَالَةُ قَبْلَ أَنْ يَأْتِيَ. فَأَقْبَلَ عُمَارَةُ عَلَى زَيْدٍ يَجَأُ فِي [4] عُنُقِهِ، وَيَقُولُ: أَيْ عِبَادَ اللَّهِ، إِنَّ فِي رَحْلِي لَدَاهِيَةً وَمَا أَشْعُرُ. اخْرُجْ أَيْ عَدُوَّ اللَّهِ مِنْ رَحْلِي.
[1] سيرة ابن هشام 4/ 176.
[2]
السيرة 4/ 176.
[3]
في الأصل «زيد بن الصليت» ، وهو تحريف، والتصحيح من نسختي:(ع) و (ح) .
[4]
في السيرة لابن هشام 4/ 177 والمثبت يتّفق مع تاريخ الطبري 3/ 106.
فَزَعَمَ بَعْضُهُمْ أَنَّ زَيْدًا تَابَ بَعْدَ ذَلِكَ.
قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: وَقَدْ كَانَ رَهْطٌ، مِنْهُمْ وَدِيعَةُ بْنُ ثَابِتٍ، وَمخشنُ [1] بْنُ حُمَيِّرٍ، يُشِيرُونَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، وَهُوَ مُنْطَلِقٌ إِلَى تَبُوكَ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ: أَتَحْسَبُونَ جِلادَ بَنِي الأَصْفَرِ كَقِتَالِ الْعَرَبِ بَعْضُهُمْ بَعْضًا؟ وَاللَّهِ لَكَأَنَّا بِكُمْ غَدًا مُقَرَّنِينَ فِي الْحِبَالِ، إِرْجَافًا وَتَرْهِيبًا لِلْمُؤْمِنِينَ. فَقَالَ مخشنُ بْنُ حُمَيِّرٍ:
وَاللَّهِ لَوَدِدْتُ أَنِّي أُقَاضَى عَلَى أَنْ يُضْرَبَ كُلٌّ مِنَّا مِائَةَ جَلْدَةً، وَأَنَّا نَنْفَلِتُ أَنْ يَنْزِلَ فِينَا قُرْآنٌ لِمَقَالَتِكُمْ هَذِهِ.
وَقَالَ رسول الله صلى الله عليه وسلم، فيما بَلَغَنِي، لِعَمَّارِ بْنِ يَاسِرٍ: أَدْرِكِ الْقَوْمَ، فَإِنَّهُمْ قَدِ اخْتَرَقُوا [2] ، فَسَلْهُمْ عَمَّا قَالُوا، فَإِنْ أَنْكَرُوا فَقُلْ: بَلَى، قُلْتُمْ كَذَا وَكَذَا. فَانْطَلَقَ إِلَيْهِمْ عَمَّارٌ، فَقَالَ ذَلِكَ لَهُمْ. فَأَتَوْا رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَعْتَذِرُونَ. فَقَالَ وَدِيعَةُ بْنُ ثَابِتٍ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ. فَنَزَلَتْ: وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّما كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ، قُلْ أَبِاللَّهِ وَآياتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِؤُنَ 9: 65 [3] . فَقَالَ مخشنُ بْنُ حُمَيِّرٍ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَعَدَ بِي اسْمِي وَاسْمُ أَبِي. فَكَانَ الَّذِي عفي عنه في هذه [116 ب] الآيَةِ مخشنٌ، يَعْنِي إِنْ نَعْفُ عَنْ طائِفَةٍ مِنْكُمْ 9: 66 [4] . فَتسَمَّى عَبْدَ الرَّحْمَنِ، فَسَأَلَ اللَّهَ أَنْ يَقْتُلَهُ شَهِيدًا لا يُعْلَمُ بِمَكَانِهِ. فَقُتِلَ يَوْمَ الْيَمَامَةِ ولم يوجد له أثر [5] .
[1] قال ابن هشام: ويقال مخشى، وهو ما ورد في النسخة (ع) .
وجاء في هامش نسخة (ح) : «وضبطه الأمير: مخشي بن حميّر الأشجعي» . والأمير هو ابن ماكولا في كتابه الإكمال 7/ 228.
[2]
في الأصل، وسيرة ابن هشام 4/ 177 «احترقوا» بالحاء المهملة، وفي تحقيق محمود محمد شاكر لإمتاع الأسماع للمقريزي 1/ 453 أثبتها بالخاء المعجمة، لأنها أجود وأبين. وقال:
الاختراق والاختلاق والافتراء والكذب، وذلك من قوله تعالى: وَخَرَقُوا لَهُ بَنِينَ وَبَناتٍ بِغَيْرِ عِلْمٍ سُبْحانَهُ 6: 100 (الأنعام- 100) أي اختلقوا كذبا وكفرا.
[3]
سورة التوبة، الآية 65.
[4]
سورة التوبة، الآية 65.
[5]
سيرة ابن هشام 4/ 177، 178، تاريخ الطبري 3/ 108.