الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
قصة غزوة الحديبية وهي عَلَى تسعة أميال من مكة
خرج إليها رَسُول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِي ذي القعدة سنة ستٍ. قاله نافع، وقَتَادة، والزُّهري، وابن إِسْحَاق، وغيرهم. وعُرْوة [1] فِي مغازية [2] ، رواية أَبِي الأسود.
وَتَفَرَّدَ عَلِيُّ بْنُ مُسْهَرٍ، عَنْ هِشَامٍ، عَنْ أَبِيهِ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم خَرَجَ إِلَى الْحُدَيْبِيَةِ فِي رَمَضَانَ.
وَكَانَتِ الْحُدَيْبِيَةُ فِي شَوَّالٍ.
وَفِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ هُدْبَةَ، عَنْ هَمَّامٍ، ثَنَا قَتَادَةُ، أَنَّ أَنَسًا أَخْبَرَهُ أَنَّ نَبِيَّ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم اعتمر أربع عمر كلهن في ذي القعدة، إِلَّا الْعُمْرَةَ الَّتِي مَعَ حَجَّتِهِ: عُمَرَةَ الْحُدَيْبِيَةِ فِي ذِي الْقِعْدَةِ، وَعُمْرَةً مِنَ الْعَامِ الْمُقْبِلِ، وعمرة من الجعرانة، حيث قسم غنائم حنين في ذي القعدة، وعمرة مع حجّته [3] .
[1] في طبعة القدسي 334 «عروبة» وهو تصحيف.
[2]
المغازي 192.
[3]
صحيح البخاري: كتاب الحجّ، أبواب العمرة، باب كم اعتمر النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم 2/ 198، 199
وَقَالَ الزُّهْرِيُّ، عَنْ عُرْوَةَ، عَنِ الْمِسْوَرِ بْنِ مَخْرَمَةَ إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم خَرَجَ عَامَ الْحُدَيْبِيَةِ فِي بِضْعَ عَشْرَةِ [57 ب] مِائَةٍ مِنْ أَصْحَابِهِ، فَلَمَّا كَانَ بِذِي الْحُلَيْفَةِ [1] قَلَّدَ الْهَدْيَ وَأَشْعَرَهُ وَأَحْرَمَ مِنْهَا. أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيّ [2] . وَقَالَ شُعْبَةُ، عَنْ عَمْرِو بْنِ مُرَّةَ [حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ] [3] بْنُ أَبِي أَوْفَى- وَكَانَ قَدْ شَهِدَ بَيْعَةَ الرِّضْوَانِ- قَالَ: كُنَّا يَوْمَئِذٍ أَلْفًا وَثَلاثَمِائَةٍ. وَكَانَتْ أَسْلَمُ يَوْمَئِذٍ ثُمْنَ الْمُهَاجِرِينَ. أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ [4] . وَعَلَّقَهُ الْبُخَارِيُّ فِي صَحِيحِهِ [5] .
وَقَالَ حُصَيْنُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ سَالِمِ بْنِ أَبِي الْجَعْدِ، عَنْ جَابِرٍ قَالَ: لَوْ كُنَّا مِائَةَ أَلْفٍ لَكَفَانَا، كُنَّا خَمْسَ عَشْرَةَ مِائَةً. مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ [6] .
وَخَالَفَهُ الأَعْمَشُ، عَنْ سَالِمٍ عَنْ جَابِرٍ، قَالَ: كُنَّا أَرْبَعَ عَشْرَةَ مِائَةً، أَصْحَابَ الشَّجَرَةِ. اتَّفَقَا أَيْضًا عَلَيْهِ [7] .
وَكَأَنَّ جَابِرًا قَالَ ذَلِكَ عَلَى التَّقْرِيبِ. وَلَعَلَّهُمْ كَانُوا أَرْبَعَ عَشْرَةَ مِائَةً كَامِلَةً تَزِيدُ عَدَدًا لَمْ يَعْتَبِرْهُ، أَوْ خَمْسَ عشرة مائة تنقض عددا لم يعتبره. والعرب
[ () ] وكتاب المغازي، باب غزوة الحديبيّة 5/ 61، 62. وصحيح مسلم (1253) ، كتاب الحج، باب بيان عدد عمر النّبيّ صلى الله عليه وسلم.
[1]
ذو الحليفة: قرية بينها وبين المدينة ستّة أميال أو سبعة، وهي ميقات أهل المدينة. (معجم البلدان 2/ 295) .
[2]
صحيح البخاري: كتاب المغازي، باب غزوة الحديبيّة. (5/ 61، 62) .
[3]
سقطت من الأصل ع، واستدركناها من الصحيحين وكتب الرجال.
[4]
صحيح مسلم (1857) كتاب الإمارة باب استحباب مبايعة الإمام الجيش وبيان بيعة الرضوان تحت الشجرة 3/ 1485.
[5]
صحيح البخاري: كتاب المغازي، باب غزوة الحديبيّة 5/ 63.
[6]
صحيح البخاري: كتاب المغازي، باب غزوة الحديبيّة 5/ 63 وصحيح مسلم (1856) كتاب الإمارة، باب استحباب مبايعة الإمام إلخ. (3/ 1484) .
[7]
صحيح البخاري وصحيح مسلم في الموضعين السابقين.
تَفْعَلُ هَذَا كَثِيرًا، كَمَا تَرَاهُمْ قَدِ اخْتَلَفُوا فِي سِنِّ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، فاعتبروا تَارَةً السَّنَةَ الَّتِي وُلِدَ فِيهَا وَالَّتِي تُوُفِّيَ فِيهَا فَأَدْخَلُوهُمَا فِي الْعَدَدِ. وَاعْتَبَرُوا تَارَةً السِّنِينَ الْكَامِلَةَ وَسَكَتُوا عَنِ الشُّهُورِ الْفَاضِلَةِ.
وَيُبَيِّنُ هَذَا أَنَّ قَتَادَةَ قَالَ: قُلْتُ لِسَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ: كَمْ كَانَ الَّذِينَ شَهِدُوا بَيْعَةَ الرِّضْوَانِ؟ قَالَ: خَمْسَ عَشْرَةَ مِائَةً. قُلْتُ: إِنَّ جَابِرًا قَالَ: كَانُوا أَرْبَعَ عَشْرَةَ مِائَةً. قَالَ: يَرْحَمُهُ اللَّهُ، وَهِمَ. هُوَ حَدَّثَنِي أَنَّهُمْ كَانُوا خَمْسَ عَشْرَةَ مِائَةً. أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ [1] .
وَقَالَ عَمْرُو بْنُ دِينَارٍ: سَمِعْتُ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ يَقْولُ: كُنَّا يَوْمَ الْحُدَيْبِيَةِ أَلْفًا وَأَرْبَعَمِائَةٍ. فَقَالَ لَنَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: أَنْتُمْ خَيْرُ أهل الأرض. اتّفقا عَلَيْهِ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عُيَيْنَةَ [2] . وَقَالَ اللَّيْثُ، عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ، عَنْ جَابِرٍ: كُنَّا يَوْمَ الْحُدَيْبِيَةِ أَلْفًا وَأَرْبَعَمِائَةٍ. صَحِيحٌ [3] .
وَقَالَ الأَعْمَشُ، عَنْ أَبِي سُفْيَانَ، عَنْ جَابِرٍ: نَحَرْنَا عَامَ الْحُدَيْبِيَةِ سَبْعِينَ بَدَنَةً، الْبَدَنَةُ عَنْ سَبْعَةٍ. قُلْنَا لِجَابِرٍ: كَمْ كُنْتُمْ يَوْمَئِذٍ؟ قَالَ: أَلْفًا وَأَرْبَعَمِائَةٍ بِخَيْلِنَا وَرَجِلِنَا [4] .
وَكَذَلِكَ قَالَهُ الْبَرَاءُ بْنُ عَازِبٍ، وَمَعْقِلُ بْنُ يَسَارٍ، وَسَلَمَةُ بْنُ الأَكْوَعِ، فِي أَصَحِّ الرِّوَايَتَيْنِ، وَالْمُسَيَّبُ بْنُ حَزْمٍ، مِن رِوَايَةِ قَتَادَةَ، عن سعيد، عن أبيه.
[1] صحيح البخاري: كتاب المغازي، باب غزوة الحديبيّة (5/ 63) .
[2]
صحيح البخاري: كتاب المغازي، باب غزوة الحديبيّة 5/ 63، وصحيح مسلم (1856) كتاب الإمارة، باب استحباب مبايعة الإمام الجيش 3/ 1884.
[3]
صحيح مسلم (1856) كتاب الإمارة، باب استحباب مبايعة الإمام الجيش 3/ 1483.
[4]
في الأصل: ورجالنا. والتصحيح من ع.
وقال معمر، عن الزهري، عن عروة، عن الْمِسْوَرِ، وَمَرْوَانُ بْنُ الْحَكَمِ، يُصَدِّقُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا حَدِيثَ صَاحِبِهِ، قَالَا: خَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم زَمَنَ الْحُدَيْبِيَةِ فِي بِضْعَ عَشْرَةِ مِائَةٍ مِنْ أَصْحَابِهِ. حَتَّى إِذَا كَانُوا بِذِي الْحُلَيْفَةِ قَلَّدَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم الْهَدْيَ وَأَشْعَرَهُ، وَأَحْرَمَ بِالْعُمْرَةِ. وَبَعَثَ بَيْنَ يَدَيْهِ عَيْنًا لَهُ مِنْ خُزَاعَةَ يُخْبِرُهُ عَنْ قُرْيَشٍ. وَسَارَ حَتَّى إِذَا كَانَ بِغَدِيرِ الْأَشْطَاطِ [1] قَرِيبًا مِنْ عُسْفَانَ أَتَاهُ عَيْنُه الْخُزَاعِيُّ فَقَالَ: إِنِّي تَرَكْتُ كَعْبَ بْنَ لُؤَيٍّ وَعَامِرَ بْنَ لُؤَيٍّ قَدْ جَمَعُوا لَكَ جُمُوعًا، وَهُمْ مُقَاتِلُوكَ وَصَادُّوكَ عَنِ الْبَيْتِ. فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم:
أَشِيرُوا عَلَيَّ. أَتَرَوْنَ أَنْ نَمِيلَ إِلَى ذَرَارِي هَؤُلَاءِ الَّذِينَ أَعَانُوهُمْ فَنُصِيبَهُمْ؟
فَإِنْ قَعَدُوا قَعَدُوا مَوتُورِينَ وَإِنْ لَجُّوا تكن عنقا [2] قطعها [58 أ] اللَّهُ. أَمْ تَرَوْنَ أَنْ نَؤُمَّ الْبَيْتَ فَمَنْ صَدَّنَا عَنْهُ قَاتَلْنَاهُ؟ قَالَ: أَبُو بَكْرٍ: اللَّهُ ورسوله أعلم، إنّما جئنا معتمرين ولم نجيء لِقِتَالِ أَحَدٍ، وَلَكِنْ مَنْ حَالَ بَيْنَنَا وَبَيْنَ الْبَيْتَ قَاتَلْنَاهُ. قَالَ: فَرُوحُوا إِذًا [3] . قَالَ الزُّهري في الحديث: فراحوا، حتى إذا كانوا ببعض الطريق، قَالَ النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم: إن خَالِد بْن الوليد بالغميم فِي خيلٍ لقُرَيْش طليعةً فخذوا ذات اليمين. فو الله ما شعر بهم خَالِد حتى إذا هُمْ بقترة الجيش [4]، فانطلق يركض نذيرًا [5] لقريش. وسار النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم حتى إذا كَانَ بالثنية [6] التي يهبط عليهم منها بركتْ راحلتُه فقال النّاس: حَلْ حَلْ، فألحت، فقالوا: خلأت
[1] غدير الأشطاط على ثلاثة أميال من عسفان مما يلي مكة (وفاء ألوفا 2/ 352) .
[2]
العنق: الجماعة من النّاس، أو الكبراء والاشراف منهم. وعبارة البخاري 5/ 67:«فإن يأتونا كان الله عز وجل قد قطع عينا من المشركين وإلّا تركناهم محروبين» . والعين الجاسوس، قال في التاج: أي كفى الله منهم من كان يرصدنا ويتجسّس أخبارنا.
[3]
انظر صحيح البخاري 5/ 67 كتاب المغازي باب غزوة الحديبيّة، ونهاية الأرب 17/ 220.
[4]
في الأصل: حتى إذا هو بصره الجيش. وأثبتنا نصّ البخاري. وقترة الجيش: غباره.
[5]
في الأصل: تدبرا، تصحيف.
[6]
هي ثنيّة المرار كما في سيرة ابن هشام 4/ 25.
القصواء خلأت القصواء [1] . قال: فرحوا إذًا [2] قَالَ الزُّهري: قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: ما رَأَيْت أحدًا كَانَ أكثر مشاورة لأصحابه من رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم.
قَالَ المِسْوَر ومروان فِي حديثهما: فراحوا، حتى إذا كانوا ببعض الطريق قَالَ النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم: إن خَالِد بْن الوليد بالغميم في خيل لقريش- رجع الحديث إلى موضعه- قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: «مَا خَلأت القصواء وما ذاك لَهَا بخُلُق، ولكن حبسها حابس الفيل [3] » . ثُمَّ قَالَ: «والذي نفسي بيده لا يسألوني خطّة يعظّمون فيها حُرُمات الله إلّا أعطيتهم إيّاها» . ثُمَّ زجرها فوَثَبَتْ بِهِ. قَالَ: فَعَدل حتى نزل بأقصى الحُدَيْبية عَلَى ثمد [4] قليل الماء، إنّما يتبرّضه النّاس تبرُّضًا [5] ، فلم يُلَبِّثْه النّاس أنْ نَزَحُوه، فشكوا إِلَى رَسُول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم العطش. فانتزع سهمًا من كِنانته ثُمَّ أمرهم [أن يجعلوه فيه، فو الله ما زال يجيش لهم بالرّيّ حتى صدروا][6] عَنْهُ.
فبينما هُمْ كذلك إذ جاءه بُدَيْل بْن وَرْقاء الخُزَاعي فِي نفرٍ من خُزاعة، وكانوا عَيْبَة نُصْحٍ [7] لرَسُول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم من أهل تِهَامة. فقال: إنّي تركت كعب ابن لُؤَيّ وعامر بْن لُؤَيّ نزلوا أعداد [8] مياهِ الحديبيّة، معهم العوذ
[1] حل حل: كلمة زجر لإناث الإبل. وألحت: حرنت. وخلأت النّاقة: إذا بركت وحرنت من غير علّة فلم تبرح مكانها. والقصواء: لقب ناقة الرسول صلى الله عليه وسلم.
[2]
نهاية الأرب 17/ 221.
[3]
حابس الفيل: أي حبسها الله عن دخول مكة كما حبس الفيل عن دخولها.
[4]
الثمد: الماء القليل، أو الحفرة في الأرض يكون فيها الماء القليل. (شرح المواهب 2/ 185) .
[5]
يتبرّضه الناس تبرّضا: أي يأخذونه قليلا قليلا. من البرض وهو الماء القليل: ضد الغمر.
[6]
سقطت من الأصل، ع واستدركناها من صحيح البخاري 3/ 178، 179، ونهاية الأرب 17/ 222، وشرح المواهب 2/ 185 وتاريخ الطبري 2/ 625.
[7]
عيبة نصح رسول الله، أي خاصته وأصحاب سرّه.
[8]
الأعداد: جمع عد وهو الماء الجاري الّذي له مادة لا تنقطع كماء العين والبئر.
المطافيل [1] ، وهم مُقاتلوك وصادُّوك عَنِ البيت، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: أنا لم نجيء لقتال أحدٍ ولكّنا جئنا معتمرين، وإنّ قُريشًا قد نهكتهم الحرب وأضرَّتْ بهم فإنْ شاءوا مادَدْتُهُم مدَّةً ويُخَلُّوا بيني وبين النّاس [2] ، وإن شاءوا أن يدخلوا فيما دخل فِيهِ النّاس فعلوا، وإلّا فقد جَمُّوا [3]، وإنْ هم أبوا فو الّذي نفسي بيده لأقاتلّنهم عَلَى أمري هذا حتى تنفرد سالفتي [4] أو ليُنْفِذَنَّ الله أمْرَه. فقال بُدَيْلٌ: سأبلّغهم ما تَقُولُ. فانطلق حتى أتى قُرَيْشًا فقال: إنّا قد جئناكم من عند هذا الرجل وسمعناه يَقْولُ قولًا، فإنْ شئتم نعرضه عليكم فعلْنا، فقال سفهاؤهم: لا حاجة لنا فِي أن تحدّثنا عَنْهُ بشيء. وقال ذَوُو الرأي منهم: هاتِ ما سَمِعْتُهُ. قَالَ: سَمِعْتُهُ يَقْولُ كذا وكذا. فحدّثهم بما قَالَ النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم. فقام عُرْوة بْن مَسْعُود الثَّقَفي فقال: أي قوم أَلَسْتُم بالوالد؟ قالوا:
بلى. قال: ألست بالولد؟ قَالُوا: بلى. قَالَ: هَلْ تتّهموني؟ قَالُوا: لا.
قَالَ: ألستم تعلمون أنّي استنفرت أهل عُكاظ فلما بلّحوا عليّ [5][57 ب] جئتكم بأهلي وولدي ومن أطاعني؟ قَالُوا: بلى. قَالَ: فإنّ هذا قد عرض عليكم خطّة رشد، فاقبلوها ودعوني آته. قالوا: ائته. فأتاه فجعل يكلّم النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم، فقال نحوًا من قوله لبُدَيْلٍ. فقال: أي مُحَمَّد أرأيت إنْ استأصلت قومَك هَلْ سَمِعْتُ بأحدٍ من العرب اجتاح أصله قبلك؟ وإن تكن الأخرى
[1] العوذ: الناقة ذات اللبن، والمطافيل: الأمهات اللاتي معها أطفالها، والمراد أنهم خرجوا بنسائهم وأولادهم لإرادة طول المقام ليكون أدعى إلى عدم الفرار. (شرح المواهب 2/ 187) .
[2]
في نهاية الأرب 17/ 223 إضافة «فإن أظهر» وفي شرح المواهب اللدنيّة 2/ 187، 188 «إن شاءوا فإن أظهر» .
[3]
جمّوا: استراحوا من جهد الحرب.
[4]
السالفة: صفحة العنق، وكنّي بانفرادها عن الموت لأنّها لا تنفرد عمّا يليها إلّا بالموت، وقيل أراد حتى يفرّق بين رأسي وجسدي (التاج) .
[5]
بلّحوا عليّ: أبوا وامتنعوا.
فو الله إني لأرى وجوهًا وأرى أَوْباشا [1] من النّاس خلقا أن يفرّوا وَيَدعوك.
فقال لَهُ أَبُو بَكْر رضي الله عنه: أَمْصَصْ بَظْرَ الّلات [2] . أنحن نفرّ عَنْهُ ونَدَعُهُ؟ قَالَ: من ذا؟ قَالَ أَبُو بَكْر. قَالَ: والذي نفسي بيده لولا يد كانت لك عندي لم أَجْزِك بِهَا لأجَبْتُك. قَالَ: وجعل يكلّم النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم، كلّما كلّمه أخذ بلحيته، والمُغيرة بْن شُعبة قائمٌ عَلَى رَأْسِ رَسُول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَمَعَهُ السيف وعليه المغفر، فكلّما أهوى عُرْوة إلى لحية النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم، ضرب يده بنَعْل السّيف وقال: أخِّرْ يدك. فرفع رأسه فقال: من هذا؟ قَالُوا: المغيره بْن شُعبة. فقال: أي غدر، أوَ لست أسعى فِي غدرتك؟ قَالَ: وكان المغيرة صحب قومًا فِي الجاهلية فقتلهم وأخذ أموالهم، ثُمَّ جاء فَأَسْلَمَ فَقَالَ النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم: أمّا الإِسلام فأقْبَل، وأما المال فلستُ منه فِي شيء [3] . ثُمَّ إنّ عُرْوة جعل يَرْمُق صحابة النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم، فو الله ما تَنَخَّم رَسُول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم نُخامةً إلّا وقعت فِي كفّ رجلٍ منهم يدلك بِهَا وجهه وجلده، وإذا أمرهم بأمر ابتدروه، وإذا توضأ ثاروا يقتتلون عَلَى وضوئه، وإذا تكلّم خفضوا أصواتهم عنده، وما يُحِدُّون [4] إِلَيْهِ النَّظَرَ تعظيمًا لَهُ. فرجع عُرْوة إلى أصحابه فقال: أي قوم، والله لقد وفدت على الملوك، وَفَدتُ عَلَى قَيْصر وكِسْرى والنَّجاشيّ، والله إنْ رَأَيْت ملكًا قطّ يعظّمه أصحابُه ما يعظّم أصحابُ محمدٍ محمدًا [5] . والله إنْ تنخّم نُخامةً إلّا وقعت فِي كفّ رجلٍ منهم فدلك بِهَا وجهه وجلده. وإذا أمرهم ابتدروا أمره، وإذا توضّأ كادوا يقتتلون على
[1] الأوباش: الاخلاط والسّفلة. ومثلها الأوشاب والأشواب، وهما نصّ البخاري 3/ 179.
[2]
جاء في شرح نهاية الأرب 17/ 224 (5) أقام أبو بكر رضي الله عنه معبود عروة، وهو صنمه اللات مقام أمه لأن عادة العرب الشتم بلفظ الأم، فأبدله الصدّيق باللات، فنزّله منزلة امرأة تحقيرا لمعبوده.
[3]
انظر سيرة ابن هشام 4/ 26، 27، والبداية والنهاية 4/ 166، 167.
[4]
يحدّون: يحدّقون.
[5]
انظر سيرة ابن هشام 4/ 27، ونهاية الأرب 17/ 225، 226.
وضوئه، وإذا تكلّم خفضوا أصواتهم عنده، ولا يحدُّون إِلَيْهِ النّظر تعظيمًا له، وإنّه قد عرض عليكم خطّة رُشدٍ فاقبلوها [1] . فقال رَجُل من بني كِنانة:
دعوني آتِه. فقالوا: ائتِه. فلمّا أشرف عَلَى النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم وأصحابه، قَالَ رَسُول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: هذا فلان وهو من قومٍ يعظِّمون البُدْن [2]، فابعثوها لَهُ. فبُعِثَت لَهُ. واستقبله القوم يلبُّون. فلما رَأَى ذَلِكَ قَالَ: سبحان الله ما ينبغي لهؤلاء أن يُصَدُّوا عَنِ البيت [3]، فلما رجع إلى أصحابه قَالَ: رَأَيْت البُدْنَ قد قُلِّدت وأشْعِرَت، فما أرى أن يُصَدُّوا عَنِ البيت. فقام رَجُل منهم يقال لَهُ مِكْرَز بْن حفص فقال: دعوني آته. فقالوا: ائته. فلما أشرف عليهم قَالَ النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم الله [49 أ] عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: هذا مِكْرَز وهو رجلٌ فاجر. فجعل يكلّم النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم. فبينا هُوَ يكلّمه إذ جاء سُهَيْل بْن عَمْرو. قَالَ مَعمَر: وَأَخْبَرَنِي أَيُّوبُ، عَنْ عِكْرِمَةَ أَنَّهُ قَالَ: لَمَّا جَاءَ سُهَيْلٌ قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: سَهُلَ لَكُمْ مِنْ أَمْرِكُمْ [4] . قَالَ الزُّهري فِي حديثه: فجاء سُهَيْلُ بْن عَمْرو فقال: هات اكتب بيننا وبينك كتابًا. فدعا الكاتبَ فَقَالَ رَسُول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «أكتُبْ بسم الله الرَّحْمَن الرحيم» . فقال سهيل: أمّا الرحمن فو الله ما أدرى ما هُوَ، ولكن اكتب [باسمك اللَّهمّ] [5] كما كنت تكتب. فقال المسلمون: والله لا نكتبها إلّا بسم الله الرَّحْمَن الرحيم. فقال النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم: «اكتب باسمك الّلهمّ» ثُمَّ قَالَ:
«هَذَا مَا قَاضَى عَلَيْهِ محمدٌ رَسُول اللَّهِ» . فقال سُهَيْل: والله لو كنّا نعلم أنّك رَسُول اللَّهِ ما صدَدْناك عَنِ البيت ولا قاتَلْناك، ولكنْ أكتب محمد بن
[1] انظر نهاية الأرب 17/ 226.
[2]
البدنة تقع على الجمل والناقة والبقرة، وهي بالإبل أشبه.
[3]
حتى هنا انظر تاريخ الطبري 2/ 626، 627.
[4]
تاريخ الطبري 2/ 629.
[5]
الإضافة من البداية والنهاية 4/ 168 وسيرة ابن هشام 4/ 28.
عَبْد الله. فقال النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم: إنّي لَرَسُولُ اللَّهِ وإنْ كذَّبْتُموني، أكتب مُحَمَّد بْن عَبْد الله.
قَالَ الزُّهري: وذلك لقوله لا يسألوني خطّة يعظّمون فيها حُرُمات الله إلّا أعطيتهم إيّاها.
فَقَالَ لَهُ النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم: عَلَى أنْ تُخَلُّوا بيننا وبين البيت فنطوف. فقال:
والله لا تتحدث العرب أنّا أُخِذْنا ضغطة [1] ، ولكن ذَلِكَ من العام المقبل.
فكتب. فقال سُهَيْل: عَلَى أنّه لا يأتيك منّا رَجُل وإنْ كَانَ عَلَى دينك إلّا رَدَدْتَه إلينا. فقال المسلمون: سبحان الله كيف يردّ إلى المشركين وقد جاء مسلمًا؟ فبينما هُمْ كذلك إذ جاء أبو جندل بن سهيل بن عمرو [يوسف][2] فِي قيوده قد خرج من أسفل مكة حتى رمى بنفسه بين أظْهُر المسلمين. فقال سُهَيْل: وهذا أول ما أقاضيك عَلَيْهِ أن تردّه. فقال النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم: إنّا لم نقض الكتاب بعد. قال: فو الله إذا لا نصالحك على شيء أبدا. قال النّبيّ صلى الله عليه وسلم:
فأجره لي. قَالَ: ما أَنَا بمُجِيره لك. قَالَ: بلى، فافعل قَالَ: ما انا بفاعل.
قَالَ مِكْرَز: بلى قد أجرناه. قال أبو جندل: معاشر المسلمين أردُّ إلى المشركين وقد جئت مُسلِمًا، ألا تَرَوْن ما قد لقيت؟ وكان قد عُذِّب عذابًا شديدًا فِي الله.
فقال عُمَر: والله ما شَكَكْتُ منذ أسلمتُ إلّا يومئذٍ [3] ، فأتيت النَّبِيّ، صلى الله عليه وسلم فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، ألستَ نبيَّ الله؟ قَالَ:«بلى» قلت: ألسنا على الحق وعدونا على الباطل؟ قَالَ: «بلى» قلت: فلم نُعْطي الدَّنِيَّة فِي ديننا إذًا؟ قَالَ: «إنّي رَسُول اللَّهِ ولست أعصيه وهو ناصري» . قلت: أو لست
[1] الضغطة: الضّيق والإكراه والشدّة.
[2]
ليست في الأصل: وأثبتناها من ع. والبداية والنهاية 4/ 169.
[3]
في المغازي للواقدي 2/ 607 «ارتبت ارتيابا لم أرتبه منذ أسلمت» .
كنت تحدّثنا أنّا سنأتي البيتَ فنطوف حقًّا؟ قال: «بلى، أفأخبرتك [1] أنّك تأتيه العام؟ قلت: لا. قَالَ: فإنّك آتيه ومُطَوِّف بِهِ. قَالَ: فأتيت أَبَا بَكْر فقلت: يا أَبَا بَكْر أليس هذا نبيّ الله حقًا؟ قَالَ: بلى. قلت: أَلَسنا عَلَى الحقّ وعدوّنا عَلَى الباطل؟ قَالَ: بلى. قلت: فلم نعطي الدنية في ديننا إذا؟ قال: أيّها الرجل إنّه رَسُول اللَّهِ وليس يعصي الله [59 ب] وهو ناصره، فاستمسك بغرزه [2] حتى تموت. فو الله إنّه لَعَلَى الحقّ. قلت: أَوَ لَيْسَ كَانَ يحدّثنا أنّا سنأتي البيت ونطوف به؟ قَالَ: بلى فأخبرك أنّك تأتيه العام؟ قلت: لا. قَالَ: فإنّك آتيه ومُطَوِّف بِهِ [3] .
قَالَ: الزّهري. قال عمر: فعملت ملك أعمالًا.
فلما فرغ من قضيّة الكتاب قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: قوموا فانحروا ثم احلقوا. قال: فو الله ما قام منهم رجلٌ حتى قَالَ ثلاث مرّات. فلما لم يقم منهم [أحد][4]، قام فدخل عَلَى أَم سَلَمَةَ فذكر لَهَا ما لقي من النّاس. فقالت: يا نبيّ الله أتحبّ ذَلِكَ؟ خرج ثُمَّ لا تكلّم أحدًا كلمةً حتى تنحر بُدْنك، ثُمَّ تدعو بحالقك فيحلقك. فقام فخرج فلم يكلّم أحدًا حتى فعل ذَلِكَ. فلما رأوا ذَلِكَ قاموا فنحروا وجعل بعضُهم يحلق بعضًا، حتى كاد بعضهم يقتل بعضًا غَمًّا. ثُمَّ جاء نسوةٌ مؤمنات، وأنزل الله: إِذا جاءَكُمُ الْمُؤْمِناتُ مُهاجِراتٍ فَامْتَحِنُوهُنَّ 60: 10 حتى بلغ وَلا تُمْسِكُوا بِعِصَمِ 60: 10
[1] في الأصل، ع: أنا أخبرتك. ولعلّ الوجه ما أثبتناه هو عبارة البخاري في بعض الأصول وفي نهاية الأرب 17/ 230 «هل أخبرتك» .
[2]
الغرز: الركاب. واستمسك بغرزة أي اعتلق به واتّبعه ولا تخالفه.
[3]
صحيح البخاري 3/ 182.
[4]
سقطت من الأصل، وزدناها من ع والبخاري 3/ 182 والبداية والنهاية 4/ 176 ونهاية الأرب 17/ 233.
الْكَوافِرِ 60: 10 [1] . فطلّق عمر يومئذ امرأتين كانت لَهُ فِي الشِّرْك، فتزوّج إحداهما معاويةُ، والأخرى صَفْوان بْن أُمّية [2] .
ثُمَّ رجع رَسُول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إِلَى المدينة، فجاءه أَبُو بصير [3] ، رجلٌ من قريش، وهو مُسْلِم، فأرسلوا فِي طلبه رجلين فقالوا: العهد الَّذِي جعلت لنا. فدفعه إلى الرجلين، فخرجا بِهِ حتى بلغا بِهِ ذا الحُلَيْفة، فنزلوا يأكلون من تمرٍ لهم. فقال أَبُو بصير لأحد الرَّجلين. والله إنّي لأرَى سيفك هذا جيّدًا حَدًّا. فاسْتَلَّه الآخر فقال: أجل [4] ، والله إنّه لجيّد، لقد جرَّبتُ بِهِ ثُمَّ جرَّبت. فقال أَبُو بصير: أرني إِلَيْهِ. فأمكنه منه فضربه حتى بَرَد. وفرّ الآخر حتى بلغ المدينة فدخل المسجد يعدو، فقال للنّبيّ صلى الله عليه وسلم: قُتل والله صاحبي وإنّي لَمَقْتُول. قَالَ: فجاء أَبُو بَصِير فقال: يا نبيّ الله قد أوفى [الله][5] ذمَّتك، والله قد رَدَدْتني إليهم ثُمَّ أنجاني الله بسيفهم. فقال النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم:
«ويْلُ أُمِّهِ مِسْعَرُ حَرْبٍ [6] لو كَانَ لَهُ أحد» . فلما سَمِعَ ذَلِكَ عرف أَنَّهُ سيردّه إليهم. فخرج حتى أتى سيف البحر. وينفلت [7] منهم أَبُو جَنْدَل بْن سُهَيْل فلحق بابي بصير، فلا يخرج من قريش رَجُل قد أسلم إلّا لحِق بأبي بصير، حتى اجتمعت منهم عصابة.
[1] سورة الممتحنة: من الآية 10.
[2]
صحيح البخاري 3/ 182.
[3]
قال النويري في نهاية الأرب 17/ 244: اختلف في اسمه، فقيل عبيد بن أسيد بن جارية، وقال ابن إسحاق: عتبة بن أسيد بن جارية، وعن أبي معشر قال: اسمه عتبة بن أسيد بن جارية بن أسيد.
[4]
في الأصل، ع: الرجل وأثبتنا نصّ البخاري 3/ 183.
[5]
زيادة من البخاري 3/ 183 يقتضيها السياق.
[6]
المسعر: موقد نار الحرب. يقال هو مسعر حرب إذا كان يؤرثها، أي تحمى به الحرب. أما عبارة ابن هشام 4/ 31 فهي «محش حرب» وتاريخ الطبري 2/ 639.
[7]
في طبعة القدسي 344 «ينفتل» والتصويب من صحيح البخاري 3/ 183.
قال: فو الله لا يسمعون بعيرٍ لقريش خرجت [1] إلى الشام إلّا اعترضوا لَهَا فقتلوهم وأخذوا أموالهم. فأرسلت قريش إلى النبي صلى الله عليه وسلم تناشدُه الله [2] والرَّحِم لما أرسل إليهم، فمن أتاه منهم فهو آمن. فأرسل النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم إليهم فأنزل: وَهُوَ الَّذِي كَفَّ أَيْدِيَهُمْ عَنْكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ عَنْهُمْ 48: 24 حتى بلغ حَمِيَّةَ الْجاهِلِيَّةِ 48: 26 [3] . وكانت حَمِيَّتُهم أنَّهم لم يُقرُّوا بنبيّ الله ولم يُقِرُّوا ببسم الله الرَّحْمَن الرحيم، وحالوا بينهم وبين الموت. أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيّ، عَنِ الْمُسْنِدِي، عَنْ عَبْد الرزّاق، عَنْ مَعْمَر، بطُوله [4] .
وَقَالَ قُرَّةُ، عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ، عَنْ جَابِرٍ، عَنِ النَّبِيِّ صلّى الله [60 أ] عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: مَنْ يَصْعَدِ الثَّنِيَّةَ، ثِنَّيةَ الْمُرَارِ [5] ، فَإِنَّهُ يُحَطُّ عَنْهُ مَا حُطَّ عَنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ. فَكَانَ أَوَّلَ مَنْ صَعِدَ خَيْلُ بَنِي الْخَزْرَجِ. ثُمَّ تَبَادَرَ النَّاسُ بَعْدُ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: كلُّكُمْ مَغْفُورٌ لَهُ إِلَّا صَاحِبَ الْجَمَلِ الْأَحْمَرِ. فَقُلْنَا:
تعالى يَسْتَغْفِرْ لَكَ رَسُولُ اللَّهِ. قَالَ: وَاللَّهِ لَأَنْ أَجِدَ ضَالَّتِي أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ أَنْ يَسْتَغْفِرَ لِي صَاحِبُكُمْ. وَإِذَا هُوَ رَجُلٌ يَنْشُدُ ضَالَّةً.
أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ [6] . وَقَالَ [7] عُبَيْدُ [8] اللَّهِ بْنُ مُوسَى، عَنْ إِسْرَائِيلَ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنِ الْبَرَاءِ قَالَ: تَعُدُّونَ أَنْتُمُ الْفَتْحَ فَتْحَ مَكَّةَ، وَقَدْ كان فتح مكة فتحا، ونحن نعدّ
[1] العبارة عند البخاري «بعير خرجت لقريش إلى الشام» .
[2]
هكذا في الأصل، وعند البخاري «باللَّه» .
[3]
سورة الفتح: الآيات 24- 26.
[4]
صحيح البخاري: كتاب الشروط، باب الشروط في الجهاد والمصالحة مع أهل الحرب وكتابة الشروط 3/ 178- 183.
[5]
ثنيّة المرار: من نواحي مكة وهي مهبط الحديبيّة (المغانم المطابة: 85) .
[6]
صحيح مسلم: كتاب صفات المنافقين وأحكامهم. رقم (2880) 4/ 2144، 2145.
[7]
في الأصل: وقال خ. وأحسبها مقحمة فليس هنا مكانها.
[8]
في الأصل، ع: عبد الله والتصحيح من صحيح البخاري 5/ 62 وتهذيب التهذيب (7/ 50) .
الْفَتْحَ بَيْعَةَ الرِّضْوَانِ يَوْمَ الْحُدَيْبِيَةِ. كُنَّا مَعَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَرْبَعَ عَشْرَةَ مِائَةً، وَالْحُدَيْبِيَةُ، بِئْرٌ، فَنَزَحْنَاهَا فَمَا تَرَكْنَا [1] فِيهَا قَطْرةً. فَبَلَغَ ذَلِكَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم فَأَتَاهَا فَجَلَسَ عَلَى شَفِيرِهَا ثُمَّ دَعَا بِإِنَاءٍ مِنْ مَاءٍ مِنْهَا فَتَوَضَّأَ ثُمَّ تَمَضْمَضَ وَدَعَا ثُمَّ صَبَّهُ فِيهَا فَتَرَكَهَا [2] غَيْرَ بَعِيدٍ، ثُمَّ إِنَّهَا أَصْدَرَتْنَا [3] نَحْنُ وَرِكَابَنَا. أَخْرَجَهُ خ [4] .
وَقَالَ عِكْرِمَةُ بْنُ عَمَّارٍ، عَنْ إِيَاسِ بْنِ سلمة بن الأكوع، عن أبيه قال:
قدمنا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم الْحُدَيْبِيَةَ، وَنَحْنُ أَرْبَعَ عَشْرَةَ مِائَةً، وَعَلَيْهَا خَمْسُونَ شَاةً مَا تَرْوِيهَا. فَقَعَدَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَلَى جَبَاهَا [5] ، فَإِمَّا دَعَا وَإِمّا بَزَقَ فِيهَا فَجَاشَتْ فَسَقَتْنَا وَأُسْقِينَا. أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ [6] .
وَقَالَ الْبَكَّائِيُّ: قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ [7] : حَدَّثَنِي الزُّهْرِيُّ، عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ مِسْوَرٍ، وَمَرْوَانُ بْنُ الْحَكَمِ أَنَّهُمَا قَالا: خَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَامَ الْحُدَيْبِيَةِ يُرِيدُ زِيَارَةَ الْبَيْتِ، لا يُرِيدُ قِتَالا. وَسَاقَ مَعَهُ لِلْهَدْيِ سَبْعِينَ بَدَنَةً، وَكَانَ النَّاسُ سَبْعَمِائَةِ رَجُلٍ، فَكَانَتْ كُلُّ بَدَنَةٍ عَنْ عَشَرَةِ نَفَرٍ.
قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ [8] : وَكَانَ جَابِرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ فِيمَا بَلَغَنِي يَقُولُ: كُنَّا أَصْحَابَ الْحُدَيْبِيَةِ أَرْبَعَ عَشْرَةَ مِائَةً.
قلت: قد ذكرنا عَنْ جماعةٍ من الصّحابة كقول جابر.
[1] عبارة البخاري «فلم نترك» .
[2]
عند البخاري «فتركناها» .
[3]
عند البخاري «أصدرنا ما شئنا» .
[4]
صحيح البخاري: كتاب المغازي، باب غزوة الحديبيّة 5/ 62.
[5]
الجبا: ما حول البئر، أو الحوض الّذي يجيء فيه الماء، وقيل ما حول الحوض. ولفظ مسلم «جبا الركيّة» 3/ 1433.
[6]
صحيح مسلم: كتاب الجهاد والسير، باب غزوة قرد وغيرها. لفظه:«فسقينا واستقينا» .
(1807)
- ج 3/ 1433.
[7]
سيرة ابن هشام 4/ 25.
[8]
السيرة 4/ 25.
ثُمَّ ساق ابن إِسْحَاق، حديث الزُّهري بطُوله، وفيه ألفاظٌ غريبة، منها، وجعل عُرْوَة بن مَسْعُود يكلّم النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم، والمُغيرَةُ واقفٌ عَلَى رَأْسِ رَسُول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِي الحديد. قَالَ: فجعَلَ يقرع يد عُرْوَةَ إذا تناول لحيَةَ رَسُول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم ويقول: أكفُفْ يدك عَنْ لحية [1] رَسُول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم [قَبْلَ][2] أن لَا تصل إليك. فيقول عُرْوَة: وَيْحك ما أفَظَّكَ وأغلظَكَ. قال: فَتَبَسَّمَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم. فَقَالَ عُرْوَة: من هذا يا مُحَمَّد؟ قَالَ: هذا ابن أخيك المُغِيرة بْن شُعبة. قال: أي غدر، وهل غسلت سوأتك إلّا بالأمس؟ قَالَ ابن هشام [3] : أراد عُرْوَة بقوله هذا أنّ المُغيرة قبْل إسلامه قتل ثلاثة عشر رجلًا من بني مالك من [4] ثقيف، فتهايج [5] الحيّان من ثقيف [بنو مالك][6] المقتولين، والأحلاف رَهط المقتولين، والأحلاف رَهط المُغيرة [60 ب] ، فَوَدَى عُرْوَة المقتولين ثلاث عشرة دِيَة، وأصلح الأمر.
وَقَالَ ابْنُ لَهِيعَةَ: ثنا أَبُو الأَسْوَدِ، قال عروة:[و][7] خرجت قُرَيْشٌ مِنْ مَكَّةَ، فَسَبَقُوا النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم إِلَى بَلْدَحٍ [8] وَإِلَى الْمَاءِ، فَنَزَلُوا عَلَيْهِ، فَلَمَّا رَأَى رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَدْ سُبِقَ نَزَلَ عَلَى الْحُدَيْبِيَةِ، وَذَلِكَ فِي حَرِّ شَدِيدٍ وَلَيْسَ بِهَا إِلا بِئْرٌ وَاحِدَةٌ، فَأَشْفَقَ الْقَوْمُ مِنَ الظَّمَإِ وَهُمْ كَثِيرٌ، فَنَزَلَ فِيهَا رِجَالٌ يَمْتَحُونَهَا، وَدَعَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بِدَلْوٍ مِنْ مَاءٍ فَتَوَضَّأَ فِي الدَّلْوِ وَمَضْمَضَ فَاهُ ثم
[1] في السيرة «وجه» بدل «لحية» .
[2]
ليست في الأصل، ع، وزدناها من سيرة ابن هشام.
[3]
السيرة 4/ 27.
[4]
في الأصل، ع: بن والتصحيح من سيرة ابن هشام (4/ 27) .
[5]
في طبعة القدسي 347 «فمتهايج» .
[6]
زيادة من السيرة.
[7]
زيادة من ع.
[8]
بلدح: واد قبل مكة من جهة المغرب (معجم البلدان 1/ 480) .
مَجَّ فِيهِ، وَأَمَرَ أَنْ يُصَبَّ فِي الْبِئْرِ، وَنَزَعَ سَهْمًا مِنْ كِنَانَتِهِ فَأَلْقَاهُ فِي الْبِئْرِ وَدَعَا اللَّهَ تَعَالَى، فَفَارَتْ بِالْمَاءِ حَتَّى جَعَلُوا يَغْتَرِفُونَ بِأَيْدِيهِمْ مِنْهَا، وَهُمْ جُلُوسٌ عَلَى شَفَتِهَا. وَقَدْ كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم سَلَكَ عَلَى غَيْرِ الطَّرِيقِ الَّتِي بَلَغَهُ أَنَّ قُرَيْشًا بِهَا.
قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ [1] : فَحَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ، أَنَّ رَجُلا مِنْ أَسْلَمَ قَالَ: أَتَانَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: فَسَلَكَ بِهِمْ طَرِيقًا وَعْرًا «أرجل [2] بَيْنَ [3] شِعَابٍ، فَلَمَّا خَرَجُوا مِنْهُ وَقَدْ شَقَّ ذَلِكَ عَلَى الْمُسْلِمِينَ، وَأَفْضَوْا إِلَى أَرْضٍ سَهْلَةٍ عِنْدَ مُنْقَطَعِ الْوَادِي، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: قولوا «أستغفر اللَّهَ وَنَتُوبُ إِلَيْهِ» فَقَالُوا: ذَلِكَ. فَقَالَ: «وَاللَّهِ إِنَّهَا لَلْحِطَّةُ [4] الَّتِي عُرِضَتْ عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ فَلَمْ يَقُولُوهَا» . قَالَ عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ هِشَامٍ [5] : فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم النَّاسَ فَقَالَ:
«اسْلُكُوا ذَاتَ الْيَمِينِ بَيْنَ ظَهْرَيِ المحمص [6] فِي طَرِيقٍ تُخْرِجُهُ عَلَى ثَنِيَّةِ الْمُرَارِ، مَهْبِطِ الْحُدَيْبِيَةِ مِنْ أَسْفَلِ مَكَّةَ» فَلَمَّا رَأَتْ قُرَيْشٌ قَتَرَةَ الْجَيْشِ قَدْ خَالَفُوا عَنْ طَرِيقِهِمْ رَكَضُوا رَاجِعِينَ إِلَى قُرَيْشٍ. وَقَالَ شُعْبَةُ، وَغَيْرُهُ، عَنْ حُصَيْنٍ، عَنْ سَالِمِ بْنِ أَبِي الْجَعْدِ قَالَ: قُلْتُ لِجَابِرٍ: كَمْ كُنْتُمْ يَوْمَ الشَّجَرَةِ؟ قَالَ: كنّا ألفا وخمس مائة: وذكر عطشا
[1] سيرة ابن هشام 4/ 25.
[2]
في الأصل: أحزل. تصحيف والتصحيح من السيرة. وأجرل: صلب غليظ. يقال: أرض جرلة أي فيها حجارة وغلظ. والجرول الأرض ذات الحجارة، أو هي الحجارة ذاتها.
[3]
في الأصل: من. والتصحيح من سيرة ابن هشام (4/ 25) .
[4]
الحطّة: من قوله تعالى لبني إسرائيل وَقُولُوا حِطَّةٌ 2: 58 أي احطط عنّا خطايانا.
[5]
السيرة 4/ 25.
[6]
هكذا في الأصل، ع، ورواية ابن هشام في السيرة، الحمش 4/ 25.
أَصَابَهُمْ، فَأَتَى رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بِمَاءٍ فِي تَوْرٍ [1] فَوَضَعَ يَدَهُ فِيهِ، فَجَعَلَ الْمَاءَ يَخْرُجُ مِنْ بَيْنِ أَصَابِعِهِ كَأَنَّهُ الْعُيُونُ، فَشَرِبْنَا وَوَسِعَنَا وَكَفَانَا [2] ، وَلَوْ كُنَّا مِائَةَ أَلْفٍ لَكَفَانَا.
وَقَدْ أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ عَنْ حُصَيْنٍ [3] .
وَقَالَ أَبُو عَوَانَةَ، عَنِ الأَسْوَدِ بْنِ قَيْسٍ، عَنْ نُبَيْحٍ الْعَنَزِيِّ قَالَ: قال جابر ابن عَبْدِ اللَّهِ: غَزَوْنَا أَوْ سَافَرْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، وَنَحْنُ يَوْمَئِذٍ أَرْبَعَ عَشْرَةَ مِائَةً، فَحَضَرَتِ الصَّلاةُ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: هَلْ فِي الْقَوْمِ مِنْ طَهُورٍ؟
فَجَاءَ رَجُلٌ يَسْعَى بِإِدَاوَةٍ فِيهَا شَيْءٌ مِنْ مَاءٍ لَيْسَ فِي الْقَوْمِ مَاءٌ غَيْرُهُ، فَصَبَّهُ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِي قَدَحٍ ثُمَّ تَوَضَّأَ، ثُمَّ انْصَرَفَ وَتَرَكَ الْقَدَحَ. قَالَ: فَرَكِبَ النَّاسُ ذَلِكَ الْقَدَح وَقَالُوا: تَمَسَّحُوا تَمَسَّحُوا. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «عَلَى رِسْلِكْمُ» ، حِينَ سَمِعَهُمْ يَقُولُونَ ذَلِكَ. قَالَ: فَوَضَعَ كَفَّهُ فِي الْمَاءِ وَالْقَدَحِ وَقَالَ: «سُبْحَانَ اللَّهِ» . ثُمَّ قَالَ: «أسبغوا الوضوء» . فو الّذي ابتلاني ببصري لقد رأيت العيون [61 ب] عُيُونَ الْمَاءِ تَخْرُجُ مِنْ بَيْنِ أَصَابِعِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، وَلَمْ يَرْفَعْهَا حَتَّى تَوَضَّئُوا أَجْمَعُونَ. رَوَاهُ مُسَدَّدٌ عَنْهُ. وَقَالَ عِكْرِمَةُ بْنُ عَمَّارٍ الْعِجْلِيُّ، ثَنَا إِيَاسُ بْنُ سَلَمَةَ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ: خَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم في غزوة، فَأَصَابَنَا جَهْدٌ، حَتَّى هَمَمْنَا أَنْ نَنْحَرَ بَعْضَ ظَهْرِنَا. فَأَمَرَ نَبِيُّ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَجَمَعْنَا مَزَاوِدَنَا [4] فَبَسَطْنَا لَهُ نِطَعًا [5] ، فَاجْتَمَعَ زاد القوم على النّطع. فتطاولت لأحرزكم هو؟ فحزرته كربضة العنز [6] ونحن
[1] التور: إناء تشرب فيه العرب (لسان العرب- مادة تور) .
[2]
في طبقات ابن سعد 2/ 98 زيادة «قال: قلت كم كنتم؟ قال:» .
[3]
صحيح البخاري: كتاب المغازي، باب غزوة الحديبة 5/ 63 وانظر الطبقات الكبرى 2/ 98.
[4]
المزاود: جمع مزود وهو الوعاء الّذي يجعل فيه الزاد.
[5]
النّطع: البساط أو السّفرة من الأديم.
[6]
ربضة العنز (بفتح الراء وكسرها) : أي قدر جسمها إذا ربضت.
أَرْبَعَ عَشْرَةَ مِائَةً. قَالَ: فَأَكَلْنَا حَتَّى شَبِعْنَا جَمِيعًا ثُمَّ حَشَوْنَا جُرُبَنَا. ثُمَّ قَالَ نَبِيُّ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: هَلْ مِنْ وَضُوءٍ؟ فَجَاءَ رَجُلٌ بِإِدَاوَةٍ لَهُ، فِيهَا نُطْفةٌ فأفرغها في قدح. فتوضّأنا كلّنا، ندغفقه [1] دغفقة، أَرْبَعَ عَشْرَةَ مِائَةً. قَالَ: ثُمَّ جَاءَ بَعْدَ ذَلِكَ ثَمَانِيَةٌ فَقَالُوا: هَلْ مِنْ طَهُورٍ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «فَرِغَ الْوُضُوءُ» .
أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ [2] . وَقَالَ مُوسَى بْنُ عُقْبَةَ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ قَالَ: قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: لما رجع رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مِنَ الْحُدَيْبِيَةِ كَلَّمَهُ بَعْضُ أَصْحَابِهِ فَقَالُوا: جَهَدْنَا وَفِي النَّاسِ ظَهْرٌ [3] فَانْحَرْهُ. فَقَالَ عُمَرُ: لا تَفْعَلْ يَا رَسُولَ اللَّهِ فَإِنَّ النَّاسَ إِنْ يَكُنْ مَعَهُمْ بَقِيَّةُ ظَهْرٍ أَمْثَلَ. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: ابْسُطُوا أَنْطَاعَكُمْ وَعَبَاءَكُمْ. فَفَعَلُوا.
ثُمَّ قَالَ: مَنْ كَانَ عِنْدَهُ بَقِيَّةٌ مِنْ زَادٍ وَطَعَامٍ فَلْيَنْثُرْهُ. وَدَعَا لَهُمْ ثُمَّ قَالَ: قَرِّبُوا أَوْعِيَتَكُمْ. فَأَخَذُوا مَا شَاءَ اللَّهُ. يُحَدِّثُهُ نَافِعُ بْنُ جُبَيْرٍ. وَقَالَ يَحْيَى بْنُ سُلَيْمٍ الطَّائِفِيُّ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُثْمَانَ بْنِ خُثَيْمٍ، عَنْ أَبِي الطُّفَيْلِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، أَنّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لَمَّا نَزَلَ مَرَّ [الظَّهْرَانِ] [4] فِي صُلْحِ قُرَيْشٍ قَالَ أَصْحَابُهُ: لَوِ انْتَحَرْنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ مِنْ ظُهُورِنَا فَأَكَلْنَا مِنْ لُحُومِهَا وَشُحُومِهَا وَحَسَوْنَا مِنَ الْمَرَقِ أَصْبَحْنَا غَدًا إِذَا عَدَوْنَا عَلَيْهِمْ وَبِنَا جُمَامٌ [5] . قَالَ: [لا][6] ، وَلَكِنِ ائْتُونِي بِمَا فَضَلَ مِنْ أَزْوَادِكُمْ. فَبَسَطُوا أَنْطَاعًا ثُمَّ صَبُّوا عَلَيْهَا فُضُولَ أَزْوَادِهِمْ. فَدَعَا لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم بِالْبَرَكَةِ، فَأَكَلُوا حَتَّى تَضَلَّعُوا شِبَعًا، ثُمَّ لَفَّفُوا فُضُولَ مَا فَضَلَ مِنْ أَزْوَادِهِمْ فِي جُرُبِهِمْ.
[1] دغفق الماء: إذا صبّه كثيرا. (لسان العرب- دغفق) .
[2]
صحيح مسلم (1729) : كتاب اللّقطة، باب استحباب خلط الأزواد إذا قلّت والمؤاساة فيها.
[3]
الظهر: الإبل التي يحمل عليها وتركب. (لسان العرب- ظهر) .
[4]
سقطت من الأصل وأثبتناها من ع.
[5]
الجمام: الراحة.
[6]
سقطت من الأصل.
[وَقَالَ][1] ، مَالِكٌ، عَنْ إِسْحَاقَ [بْنِ عَبْدِ اللَّهِ][2] بْنِ أَبِي طَلْحَةَ، عَنْ أَنَسٍ قَالَ: رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَحَانَتْ صَلاةُ الْعَصْرِ وَالْتَمَسُوا الْوُضُوءَ، فَلَمْ يَجِدُوهُ. فَأُتِيَ بِوَضُوءٍ، فَوَضَعَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَدَهُ فِي ذَلِكَ الإِنَاءِ وَأَمَرَ النَّاسَ أَنْ يَتَوَضَّئُوا مِنْهُ. قَالَ: فَرَأَيْتُ الْمَاءَ يَنْبُعُ مِنْ تَحْتِ أَصَابِعِهِ. فَتَوَضَّأَ النَّاسُ حَتَّى تَوَضَّئُوا مِنْ عِنْدِ آخِرِهِمْ. مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ [3] .
وَقَالَ حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ: ثَنَا ثَابِتٌ، عَنْ أَنَسٍ، أَنّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم دَعَا بِمَاءٍ فَأُتِيَ بِقَدَحٍ رَحْرَاحٍ [4] فَجَعَلَ الْقَوْمُ يَتَوَضَّئُونَ. فَحَزَرْتُ مَا بَيْنَ السَّبْعِينَ [5] إِلَى الثَّمَانِينَ مَنْ تَوَضَّأَ مِنْهُ، فَجَعَلْتُ أَنْظُرُ إِلَى الْمَاءِ يَنْبُعُ مِنْ بَيْنِ أَصَابِعِهِ. مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ [6] .
وَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ بَكْرٍ: نَا حُمَيْدٌ عَنْ أَنَسٍ قَالَ: حَضَرَتْ الصَّلَاةُ، فَقَامَ مَنْ كَانَ قَرِيبَ الدَّارِ إلى أهله يتوضّأ [61 ب] وَبَقِيَ قَوْمٌ. فَأُتِيَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم بِمِخْضَبٍ [7] مِنْ حِجَارَةٍ فِيهِ مَاءٌ، فَصَغُرَ الْمِخْضَبُ أَنْ يَبْسُطَ فِيهِ كَفَّهُ فَتَوَضَّأَ الْقَوْمُ. قُلْنَا: كَمْ هُمْ؟ قَالَ: ثَمَانُونَ وَزِيَادَةٌ، أَخْرَجَهُ البخاري [8] . وجاء أنّهم كانوا بقباء.
[1] ليست في الأصل، وزدناها من ع.
[2]
زيادة في اسمه من البخاري ومن ترجمته في تهذيب التهذيب (1/ 239) .
[3]
صحيح البخاري: كتاب المناقب، باب علامات النبوّة في الإسلام، وصحيح مسلم (2279) كتاب الفضائل، باب في معجزات النّبيّ صلى الله عليه وسلم.
[4]
رحراح: ويقال له رحرح، وهو الواسع القصير الجدار.
[5]
عند مسلم «الستين» .
[6]
صحيح البخاري: كتاب الوضوء، باب الوضوء من التور 1/ 57، 58 وصحيح مسلم (2279) كتاب الفضائل، باب في معجزات النّبيّ صلى الله عليه وسلم.
[7]
المخضب: إناء يشبه الإجّانة التي تغسل فيها الثياب.
[8]
صحيح البخاري: كتاب الوضوء، باب الغسل والوضوء في المخضب والقدح والخشب والحجارة (1/ 57) .
وَقَالَ ابْنُ أَبِي عَرُوبَةَ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَنَسٍ، أَنّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم كَانَ بِالزَّوْرَاءِ [1][مَعَ أَصْحَابِهِ][2] يَتَوَضَّئُونَ. فَوَضَعَ كَفَّهُ فِي الْمَاءِ، فَجَعَلَ الْمَاءَ يَنْبُعُ مِنْ بَيْنِ أَصَابِعِهِ حَتَّى تَوَضَّئُوا. فَقُلْنَا لِأَنَسٍ: كَمْ كُنْتُمْ؟ قَالَ: زُهَاءُ ثَلَاثِ مِائَةٍ.
أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ [3] ، وَالْبُخَارِيُّ أَيْضًا بِمَعْنَاهُ [4] ، وَالزَّوْرَاءُ بِالْمَدِينَةِ عِنْدَ السُّوقِ وَالْمَسْجِدِ.
وَقَالَ أَبُو عُبَيْدِ الرَّحْمَنِ المُقْرِيُّ: ثنا عَبْدُ الرحمن بن زياد، حدّثني زياد ابن نُعَيْمٍ الْحَضْرَمِيُّ، سَمِعْتُ زِيَادَ بْنَ الْحَارِثِ الصُّدَائِيَّ [5] قَالَ: بَايَعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، فذكر حديثا فَذَكَرَ حَدِيثًا طَوِيلا مِنْهُ: فَوَضَعَ كَفَّهُ صلى الله عليه وسلم فِي الْمَاءِ فَرَأَيْتُ بَيْنَ أُصْبُعَيْنِ مِنْ أَصَابِعِهِ عَيْنًا تَفُورُ. فَقَالَ لِي رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: لَوْلا أَنْ أَسْتَحْيِيَ مِنْ رَبِّي لَسَقَيْنَا وَاسْتَقَيْنَا. عَبْدُ الرَّحْمَنِ ضَعِيفٌ [6] .
وَهَذِهِ الأَحَادِيثُ تَدُلُّ عَلَى الْبَرَكَةِ فِي الْمَاءِ غَيْرَ مَرَّةٍ.
وَقَالَ إِسْرَائِيلُ: عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ عَلْقَمَةَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ
[1] الزوراء: موضع عند سوق المدينة قرب المسجد (معجم البلدان 2/ 156) .
[2]
زيادة يقتضيها السياق، ونص عبارة صحيح مسلم:«أَنَّ نَبِيَّ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وأصحابه بالزّوراء» .
[3]
صحيح مسلم (2279) كتاب الفضائل، باب في معجزات النّبيّ صلى الله عليه وسلم.
[4]
صحيح البخاري: كتاب المناقب، باب علامات النّبوّة في الإسلام.
[5]
الصّدائي: بضم الصاد وفتح الدال المهملتين. نسبة إلى صدا، وهو من مذحج، وهي قبيلة من اليمن. اللباب 2/ 236.
[6]
يعني عبد الرحمن بن زياد الوارد في السند. وهو عَبْد الرحمن بْن زياد بْن أنعم الإفريقي القاضي.
قال عنه ابن حجر: «الحقّ فيه أنّه ضعيف لكثرة روايته المنكرات وهو أمر يعتري الصالحين» (تهذيب التهذيب 6/ 173)، وانظر المغني في الضعفاء للذهبي حيث قال عنه:«مشهور جليل» (2/ 280) والضعفاء الكبير للعقيليّ 2/ 332 رقم 927، وأحوال الرجال للجوزجانيّ 153 رقم 270، والضعفاء والمتروكين للدار للدّارقطنيّ 119 رقم 337.
قَالَ: كُنَّا نَأْكُلُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَنَحْنُ نَسْمَعُ تَسْبِيحَ الطَّعَامِ.
وَأُتِيَ بِإِنَاءٍ فَجَعَلَ الْمَاءُ يَنْبُعُ مِنْ بَيْنِ أَصَابِعِهِ صلى الله عليه وسلم. فَقَالَ: حَيَّ عَلَى الطَّهُورِ الْمُبَارَكِ وَالْبَرَكَةُ مِنَ اللَّهِ. حَتَّى تَوَضَّأْنَا كُلُّنَا. أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ [1] . وَقَالَ أَبُو كُدَيْنَةَ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ السَّائِبِ، عَنْ أَبِي الضُّحَى، [عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ] [2] قَالَ: أُتِيَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بِإِنَاءٍ مِنْ مَاءٍ، فجعل أصابعه فِي فَمِ الإِنَاءِ وَفَتَحَ أَصَابِعَهُ، فَرَأَيْتُ الْعُيُونَ تَنْبُعُ مِنْ بَيْنِ أَصَابِعِهِ. وَذَكَرَ الْحَدِيثَ.
إِسْنَادُهُ جَيِّدٌ.
وَقَالَ ابْنُ لَهِيعَةَ: ثنا أَبُو الأَسْوَدِ قَالَ: قَالَ عُرْوَةُ [3] فِي نُزُولِهِ صلى الله عليه وسلم بِالْحُدَيْبِيَةِ: فَزِعَتْ قُرَيْشٌ لِنُزُولِهِ عَلَيْهِمْ، فَأَحَبَّ أَنْ يَبْعَثَ إِلَيْهِمْ رَجُلا. فَدَعَا عُمَرَ لِيَبْعَثَهُ فَقَالَ: إِنِّي لا آمَنُهُمْ، وَلَيْسَ بِمَكَّةَ أَحَدٌ مِنْ بَنِي كَعْبٍ يَغْضَبُ لِي، فَأَرْسِلْ عُثْمَانَ فَإِنَّ عَشِيرَتَهُ بِهَا. فَدَعَا عُثْمَانَ فَأَرْسَلَهُ وَقَالَ: أَخْبِرْهُمْ أَنَّا لَمْ نَأْتِ لِقِتَالٍ، وَادْعُهُمْ إِلَى الإِسْلامِ. وَأَمَرَهُ أَنْ يَأْتِيَ رِجَالا بِمَكَّةَ مُؤْمِنِينَ وَنِسَاءً مُؤْمِنَاتٍ فَيَدْخُلُ عَلَيْهِمْ وَيُبَشِّرُهُمْ بِالْفَتْحِ. فَانْطَلَقَ عُثْمَانُ فَمَرَّ عَلَى قُرَيْشٍ بِبَلْدَحٍ. فَقَالَتْ قُرَيْشٌ: إِلَى أَيْنَ؟ فَقَالَ: بَعَثَنِي رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إِلَيْكُمْ لأَدْعُوَكُمْ إِلَى الإِسْلامِ، وَيُخْبِرُكُمْ أَنَّا لَمْ نَأْتِ لِقِتَالٍ وَإِنَّمَا جِئْنَا عَمَّارًا.
فَدَعَاهُمْ عُثْمَانُ كَمَا أَمَرَهُ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم. قَالُوا: قَدْ سَمِعْنَا مَا تَقُولُ فَانْفُذْ لِحَاجَتِكَ. وَقَامَ إِلَيْهِ أبان بن سعيد بن العاص فرحّب بن وَأَسْرَجَ فَرَسَهُ، فَحَمَلَ عَلَيْهِ عُثْمَانَ فَأَجَارَهُ، وَرَدَفَهُ أَبَانٌ حَتَّى جَاءَ مَكَّةَ. ثُمَّ إِنَّ قُرَيْشًا بَعَثُوا بُدَيْلَ بْنَ وَرْقَاءَ، فَذَكَرَ الْحَدِيثَ وَالصُّلْحَ. وَذَكَرَ أَنَّهُمْ أَمِنَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا وَتَزَاوَرُوا.
فَبَيْنَا هُمْ كَذَلِكَ، وَطَوَائِفُ مِنَ الْمُسْلِمِينَ فِي الْمُشْرِكِينَ، إذ رمى رجل رجلا
[1] صحيح البخاري: كتاب المناقب، باب علامات النّبوّة في الإسلام.
[2]
زيادة من ع.
[3]
المغازي 192، 193.
من الفريق [62 أ] الآخَرِ. فَكَانَتْ مُعَارَكَةٌ، وَتَرَامَوْا بِالنَّبْلِ وَالْحِجَارَةِ.
وَصَاحَ الْفَرِيقَانِ وَارْتَهَنَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنَ الْفَرِيقَيْنِ مِنْ فِيهِمْ، فَارْتَهَنَ الْمُسْلِمُونَ سُهَيْلُ بْنُ عَمْرٍو وَغَيْرُهُ، وَارْتَهَنَ الْمُشْرِكُونَ عُثْمَانُ وَغَيْرُهُ [1] .
وَدَعَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إِلَى الْبَيْعَةِ. وَنَادَى مُنَادِي رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: أَلا إِنَّ الْقُدُسَ قَدْ نَزَلَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَأَمَرَ بِالْبَيْعَةِ، فَاخْرُجُوا عَلَى اسْمِ اللَّهِ فَبَايِعُوا. فَثَارَ الْمُسْلِمُونَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَهُوَ تَحْتِ الشَّجْرَةِ، فَبَايَعُوهُ عَلَى أَنْ لا يَفِرُّوا أَبَدًا [2] .
فَذَكَرَ الْقِصَّةَ بِطُولِهَا، وَفِيهَا: فَقَالَ الْمُسْلِمُونَ وَهُمْ بِالْحُدَيْبِيَةِ قَبْلَ أَنْ يَرْجِعَ عُثْمَانُ بْنُ عَفَّانَ: خَلَصَ عُثْمَانُ مِنْ بَيْنِنَا إِلَى الْبَيْتِ فَطَافَ بِهِ. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «مَا أَظُنُّهُ طَافَ بِالْبَيْتِ وَنَحْنُ مَحْصُورُونَ» . قَالُوا: وَمَا يَمْنَعُهُ يَا رَسُولَ اللَّهِ وَقَدْ خَلَصَ؟ قَالَ: «ذَلِكَ ظَنِّي بِهِ أَنْ لا يَطُوفَ بِالْكَعْبَةِ حَتَّى يَطُوفَ مَعَنَا» . فَرَجَعَ إِلَيْهِمْ عُثْمَانُ، فَقَالَ الْمُسْلِمُونَ: اشْتَفَيْتَ يَا أَبَا عَبْدِ اللَّهِ مِنَ الطَّوَافِ بِالْبَيْتِ؟ فَقَالَ: بئس ما ظننتم بي، فو الّذي نَفْسِي بِيَدِهِ لَوْ مَكَثْتُ بِهَا مُقِيمًا سَنَةً وَرَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مُقِيمٌ بِالْحُدَيْبِيَةِ مَا طُفْتُ بِهَا حَتَّى يَطُوفَ بِهَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، وَلَقْد دَعَتْنِي قُرَيْشٌ إِلَى الطَّوَافِ بِالْبَيْتِ فَأَبَيْتُ. وَقَالَ الْبَكَّائِيُّ، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ [3] : فَحَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ حِينَ بَلَغَهُ أَنَّ عُثْمَانَ قَدْ قُتِلَ: لا نَبْرَحُ حَتَّى نُنَاجِزَ الْقَوْمَ. فَدَعَا النَّاسَ إِلَى الْبَيْعَةِ. فَكَانَتْ بَيْعَةُ الرِّضْوَانِ تَحْتَ الشَّجَرَةِ. فَكَانَ النَّاسُ يَقُولُونَ: بَايَعَهُمْ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَلَى الْمَوْتِ، وَكَانَ جَابِرٌ يَقُولُ: لَمْ يُبَايِعْنَا عَلَى الْمَوْتِ وَلَكِنْ بَايَعَنَا عَلَى أَنْ لا نَفِرَّ.
[1] انظر سيرة ابن هشام 4/ 27.
[2]
السيرة 4/ 28.
[3]
السيرة 4/ 28.
وَقَالَ يُونُسُ، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ [1] : حَدَّثَنِي بَعْضُ آلِ عُثْمَانَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم ضَرَبَ بِإِحْدَى يَدَيْهِ عَلَى الأُخْرَى وَقَالَ: هَذِهِ لِي وَهَذِهِ لِعُثْمَانَ إِنْ كَانَ حَيًّا: ثُمَّ بَلَغَهُمْ أَنَّ ذَلِكَ بَاطِلٌ، وَرَجَعَ عُثْمَانُ: وَلَمْ يَتَخَلَّفْ عَنْ بَيْعَةِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَحَدٌ إِلا الْجَدِّ بْنِ قَيْسٍ أَخُو بَنِي سَلَمَةَ. قَالَ جَابِرٌ: وَاللَّهِ لَكَأَنِّي أَنْظُرُ إِلَيْهِ لاصِقًا بِإِبْطِ نَاقَةِ رَسُول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، قد ضَبَأَ [2] إِلَيْهَا يَسْتَتِرُ بِهَا مِنَ النَّاسِ.
وَقَالَ الْحَسَنُ بْنُ بِشْرٍ الْبَجَلِيُّ: ثنا الْحَكَمُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ- وَلَيْسَ بِالْقَوِيِّ قَالَهُ النَّسَائِيُّ [3]- عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَنَسٍ قَالَ: لَمَّا أُمِرَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بِبَيْعَةِ الرِّضْوَانِ كَانَ عُثْمَانُ قَدْ بَعَثَهُ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إِلَى مَكَّةَ. فَبَايَعَ النَّاسُ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: إِنَّ عُثْمَانَ فِي حَاجَةِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ. فَضَرَبَ بِإِحْدَى يَدَيْهِ عَلَى الأُخْرَى فَكَانَتْ يَدُ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لِعُثْمَانَ خَيْرًا مِنْ أَيْدِيهِمْ لأَنْفُسِهِمْ. وَقَالَ ابْنُ عُيَيْنَةَ: ثنا الزّبير، سمع جابرا [62 ب] يَقُولُ: لَمَّا دَعَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم النَّاسَ إِلَى الْبَيْعَةِ وَجَدْنَا رَجُلا مِنَّا يُقَالُ لَهُ الْجَدُّ بْنُ قَيْسٍ مُخْتَبِئًا تَحْتَ إِبْطِ بَعِيرٍ. أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ مِنْ حَدِيثِ ابن جريج، عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ، وَبِهِ:
قَالَ لَمْ نُبَايِعِ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم عَلَى الْمَوْتِ، وَلَكِنْ بَايَعْنَاهُ عَلَى أَنْ لا نَفِرَّ. أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ عَنْ أَبِي شَيْبَةَ، عَنِ ابْنِ عُيَيْنَةَ [4] . وَأَخْرَجَهُ مِنْ حَدِيثِ اللَّيْثِ، عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ، وَقَالَ: فَبَايَعْنَاهُ وَعُمَرَ رضي الله عنه آخِذٌ بيده تحت الشجرة، وهي سمرة [5] .
[1] سيرة ابن هشام 4/ 28 وانظر نهاية الأرب 17/ 227.
[2]
ضبأ: لجأ واختبأ (تاج العروس 1/ 351) .
[3]
الضعفاء والمتروكين 388 رقم 123 وانظر الضعفاء الكبير للعقيليّ 1/ 257 رقم 314، وميزان الاعتدال 1/ 576 رقم 2187، والمغني في الضعفاء 1/ 184 رقم 1664.
[4]
صحيح مسلم (1856) كتاب الإمارة، باب استحباب مبايعة الإمام الجيش عند إرادة القتال.
[5]
صحيح مسلم (1856) كتاب الإمارة، باب استحباب مبايعة الإمام الجيش عند إرادة القتال.
وَقَالَ خَالِدٌ الْحَذَّاءُ، عَنِ الْحَكَمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الأَعْرَجِ، عَنْ مَعْقِلِ بْنِ يَسَارٍ قَالَ: لَقَدْ رَأَيْتُنِي يَوْمَ الشَّجَرَةِ وَالنَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يُبَايِعُ النَّاسَ وَأَنَا رَافِعٌ غُصْنًا مِنْ أَغْصَانِهَا عَنْ رَأْسِهِ، وَنَحْنُ أَرْبَعَ عَشْرَةَ مِائَةً. وَلَمْ نُبَايِعْهُ عَلَى الْمَوْتِ وَلَكِنْ بَايَعْنَاهُ عَلَى أَنْ لا نَفِرَّ. أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ [1] .
وَقَالَ ابْنُ عُيَيْنَةَ: ثنا ابْنُ أَبِي خَالِدٍ، عَنِ الشَّعْبِيِّ قَالَ: لَمَّا دَعَا النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم النَّاسَ إِلَى الْبَيْعَةِ كَانَ أَوَّلَ مَنِ انْتَهَى إِلَيْهِ أَبُو سِنَانٍ الأَسْدِيُّ فَقَالَ: أَبْسِطْ يَدَكَ أُبَايِعْكَ. فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: عَلامَ تُبَايِعُنِي؟ قَالَ: [عَلَى][2] مَا فِي نَفْسِكَ. وَقَالَ مَكِّيُّ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، وَأَبُو عَاصِمٍ- وَاللَّفْظُ لَهُ- عَنْ زَيْدِ بْنِ أَبِي عُبَيْدٍ، عَنْ سَلَمَةَ بْنِ الْأَكْوَعِ قَالَ: بَايَعْتُ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَوْمَ الْحُدَيْبِيَةِ، ثُمَّ عَدَلْتُ إِلَى ظِلِّ شَجَرَةٍ. فَلَمَّا خَفَّ النَّاسُ قَالَ: يَا بْنَ الْأَكْوَعِ أَلَا تُبَايِعُ؟ قُلْتُ [قَدْ بَايَعْتُ][3] يَا رَسُولَ اللَّهِ. قَالَ: وَأَيْضًا. فَبَايَعْتُهُ الثَّانِيَةَ. فَقُلْتُ لِسَلَمَةَ:
يَا أبا مسلم على أيّ شيء كنتم تُبَايِعُونَ يَوْمَئِذٍ؟ قَالَ: عَلَى الْمَوْتِ. مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ [4] . وَقَالَ عِكْرِمَةُ بْنُ عَمَّارٍ، عَنْ إِيَاسِ بْنِ سَلَمَةَ، عَنْ أَبِيهِ فَذَكَرَ الْحَدِيثَ وَقَالَ: ثُمَّ إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم دعا إلى البيعة في الأصل الشجرة، فبايعته أول
[1] صحيح مسلم (1858) كتاب الإمارة وأخرجه النسائي من طريق جابر في كتاب البيعة، باب البيعة على أن لا نفر. (7/ 140، 141) وانظر الطبقات الكبرى لابن سعد 2/ 100.
[2]
ليست في الأصل، وزدناها من ع.
[3]
سقطت من الأصل، وزدناها من ع وصحيح البخاري.
[4]
صحيح البخاري: كتاب الجهاد، باب البيعة في الحرب أن لا يفرّوا إلخ. وصحيح مسلم (1860) كتاب الإمارة، باب استحباب مبايعة الإمام الجيش عند إرادة القتال. وأخرجه النسائي في كتاب البيعة باب البيعة على الموت 7/ 141.
النّاس وبايع [وبايع][1] حتى إذا فِي وَسَطِ النَّاسِ قَالَ: «بَايِعْنِي يَا سَلَمَةُ» . فَقُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ قَدْ بَايَعْتُكَ. قَالَ: «وَأَيْضًا» . قَالَ: وَرَآنِي عَزِلًا [2] فَأَعْطَانِي حَجَفَةً أَوْ دَرَقَةً [3] . ثُمَّ بَايَعَ، حَتَّى إِذَا كَانَ فِي آخِرِ النَّاسِ قَالَ:«أَلَا تُبَايِعْ» ؟ قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ قَدْ بَايَعْتُكَ فِي أَوَّلِ النَّاسِ وَأَوْسَطِهِمْ. قَالَ: «وَأَيْضًا» . فَبَايَعْتُ الثَّالِثَةَ. فَقَالَ: «يَا سَلَمَةُ أَيْنَ حَجَفَتُكَ أَوْ دَرَقَتُكَ الَّتِي أَعْطَيْتُكَ» ؟ قُلْتُ: لَقِيَنِي عَامِرٌ فَأَعْطَيْتُهَا إِيَّاهُ [4] .
فَضَحِكَ ثُمَّ قَالَ: «أنَّكَ كَالَّذِي قَالَ الْأَوَّلُ: اللَّهمّ أَبْغِنِي حَبِيبًا هُوَ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ نَفْسِي» . ثُمَّ إِنَّ مُشْرِكِي مَكَّةَ رَاسَلُونَا بِالصُّلْحِ حَتَّى مَشَى بَعْضُنَا إِلَى بَعْضٍ فَاصْطَلَحْنَا. وَكُنْتُ خَادِمًا لِطَلْحَةَ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ أَسْقِي فَرَسَهُ وَأَحُسُّهُ [5] وَآكُلُ مِنْ طَعَامِهِ. وَتَرَكْتُ أَهْلِي وَمَالِي مُهَاجِرًا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ. فَلَمَّا اصْطَلَحْنَا وَاخْتَلَطَ بَعْضُنَا بِبَعْضٍ أَتَيْتُ شَجَرَةً فَكَسَحْتُ شَوْكَهَا [6] فَاضَّطَجَعْتُ فِي ظِلِّهَا. فَأَتَانِي أَرْبَعةٌ مِنْ أَهْلِ مَكَّةَ، فَجَعَلُوا يَقَعُونَ في رسول الله صلى الله عليه وسلم فَأَبْغَضْتُهُمْ، فَتَحَوَّلَتْ إِلَى شَجَرَةٍ أُخْرَى، فَعَلَّقُوا سِلَاحَهُمْ وَاضْطَجَعُوا. فَبَيْنَا هُمْ كَذَلِكَ إِذْ نَادَى مُنادٍ من أسفل الوادي:(63 أ) يَا لِلْمُهَاجِرِينَ، قُتِلَ ابْنُ زُنَيْمٍ. فَاخْتَرَطْتُ سَيْفِي فَشَدَدْتُ عَلَى أُولَئِكَ الْأَرْبَعَةِ وَهُمْ رُقُودٌ، فَأَخَذْتُ سِلَاحَهُمْ فَجَعَلْتُهُ ضِغْثًا [7] فِي يَدِي، ثُمَّ قُلْتُ، والّذي كرّم وجه محمد صلى الله عليه وسلم لا يرفع أحد منكم رأسه إلّا ضربت الّذي فيه عيناه [8] . ثم جئت بهم أَسُوقُهُمْ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم. وجاء
[1] زيادة من صحيح مسلم لتوضيح المعنى.
[2]
عزلا: أعزل ليس معه سلاح.
[3]
الجحفة والدرقة: شبيهتان بالترس.
[4]
كذا في الأصل و (ع) ، وعبارة مسلم «فأعطيته إياها» ولعلّها أصحّ.
[5]
الحسّ: نفض التراب عن الدّابّة بالمحسّة وهي الفرجون (الفرشاة) .
[6]
كسحت شوكها: كنست ما تحتها من الشوك.
[7]
الضغث: الحزمة.
[8]
يريد رأسه.
عَمِّي عَامِرٌ بِرَجُلٍ مِنَ الْعَبَلَاتِ [1] يُقَالُ لَهُ مِكْرَزٌ يَقُودُهُ [مُجَفَّفًا][2] حَتَّى وَقَفْنَا بِهِمْ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم في سَبْعِينَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ، فَنَظَرَ إِلَيْهِمْ. وَقَالَ:
«دَعُوهُمْ، يَكُونُ لَهُمْ بَدْءُ الْفُجُورِ وَثِنَاهُ» [3] . فَعَفَا عَنْهُمْ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، وَأُنْزِلَتْ: وَهُوَ الَّذِي كَفَّ أَيْدِيَهُمْ عَنْكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ عَنْهُمْ 48: 24 [4] الآية.
أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ [5] وَقَالَ حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، عَنْ أَنَسٍ، أَنَّ رِجَالا مِنْ أَهْلِ مَكَّةَ هَبَطُوا إِلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم مِنْ قِبَلِ جَبَلِ التَّنْعِيمِ [6] لِيُقَاتِلُوهُ. قَالَ: فَأَخَذَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أخْذًا، فَأَعْتَقَهُمْ. فَأَنْزَلَ اللَّهُ: وَهُوَ الَّذِي كَفَّ أَيْدِيَهُمْ عَنْكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ عَنْهُمْ 48: 24 الآية، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ [7] .
وَقَالَ الْوَلِيدُ بْنُ مُسْلِمٍ: ثنا عَمْرُو بْنُ مُحَمَّدٍ الْعُمَرِيُّ، أَخْبَرَنِي نَافِعٌ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ أَنَّ النَّاسَ كَانُوا مَعَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم يَوْمَ الْحُدَيْبِيَةِ، قَدْ تَفَرَّقُوا فِي ظِلالِ الشَّجَرِ. فَإِذَا النَّاسُ مُحْدِقُونَ بِرَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، فَقَالَ- يعني عمر-: يا
[1] العبلات: بطن من أميّة الصّغرى من قريش، نسبوا إلى أمّهم عبلة بنت عبيد من بني تميم.
[2]
إضافة من تاريخ الطبري 2/ 630 والمعنى: لابسا الجفاف، وهو آلة الحرب يلبسه الفرس والإنسان ليقي في الحرب.
[3]
في الأصل، ع: بدؤ الفجور وثناؤه. والتصحيح من صحيح مسلم. والثني: الأمر يعاد مرّتين. وفي بعض الروايات ثنياه. والمقصود أول الأمر وآخره.
[4]
سورة الفتح: من الآية 24.
[5]
صحيح مسلم (1807) ، كتاب الجهاد والسير، باب غزوة ذي قرد وغيرها، وتاريخ الطبري 2/ 629، 630.
[6]
التنعيم: موضع بمكة في الحلّ بين مكة وسرف. سمّي بذلك لأنّ جبلا عن يمينه يقال له نعيم وآخر عن شماله يقال له ناعم والوادي نعمان ومنه إحرام المكّيّين بالعمرة (معجم البلدان 472) .
[7]
صحيح مسلم (1808) كتاب الجهاد والسير، باب قول الله تعالى «وَهُوَ الَّذِي كَفَّ أَيْدِيَهُمْ عَنْكُمْ 48: 24» الآية.
عَبْدَ اللَّهِ انْظُرْ مَا شَأْنُ النَّاسِ؟ فَوَجَدَهُمْ يُبَايِعُونَ، فَبَايَعَ ثُمَّ رَجَعَ إِلَى عُمَرَ، فَخَرَجَ فَبَايَعَ.
أَخْرَجَهُ خ فَقَالَ: وَقَالَ هِشَامُ بْنُ عَمَّارٍ: ثنا الْوَلِيدُ [1] . قُلْتُ: وَرَوَاهُ دُحَيْمٌ، عَنِ الْوَلِيدِ.
قُلْتُ: وَسُمِّيَتْ بَيْعَةَ الرِّضْوَانِ مِنْ قَوْلِهِ تَعَالَى: لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ فَعَلِمَ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَنْزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ وَأَثابَهُمْ فَتْحاً قَرِيباً 48: 18 [2] .
قَالَ أَبُو عَوَانة، عَنْ طارق بْن عَبْد الرَّحْمَن، عَنْ سَعِيد بْن المسيّب قَالَ: كَانَ أَبِي ممّن بايع رَسُول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عِنْدَ الشجرة، قَالَ: فانطلقنا فِي قابلٍ حاجّين، فخفي علينا مكانُها، فإنْ كانت تبيَّنتْ لكم فأنتم أعلم.
مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ [3] .
وَقَالَ ابن جريج: أَخْبَرَنِي أَبُو الزُّبَيْرِ الْمَكِّيُّ أَنَّهُ سَمِعَ جَابِرًا يَقُولُ:
أَخْبَرَتْنِي أُمُّ مُبَشِّرٍ أَنَّهَا سَمِعَتْ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ عِنْدَ حَفْصَةَ: «لَا يَدْخُلُ النَّارَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ مِنْ أَصْحَابِ الشَّجَرَةِ الَّذِينَ بَايَعُوا تَحْتَهَا أَحَدٌ» . قالت: بلى يا رسول الله، فانتهرها، فقالت: وَإِنْ مِنْكُمْ إِلَّا وارِدُها 19: 71 [4]، فقال: قد
[1] صحيح البخاري 5/ 69: كتاب المغازي، باب غزوة الحديبيّة، وقول الله تَعَالَى: لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبايِعُونَكَ 48: 18 إلخ.
[2]
سورة الفتح، الآية 18.
[3]
صحيح البخاري 5/ 65 كتاب المغازي، باب غزوة الحديبيّة إلخ. وصحيح مسلم (1859) كتاب الإمارة، باب استحباب مبايعة الإمام الجيش عند إرادة القتال. إلخ. واللفظ له. وانظر الطبقات الكبرى لابن سعد 2/ 99.
[4]
سورة مريم، من الآية 71.
قَالَ تَعَالَى: ثُمَّ نُنَجِّي الَّذِينَ اتَّقَوْا وَنَذَرُ الظَّالِمِينَ فِيها جِثِيًّا 19: 72 [1] . أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ [2] . قَرَأْتُ عَلَى عَبْدِ الْحَافِظِ بْنِ بَدْرَانَ، أَخْبَرَكُمْ مُوسَى بْنُ عَبْدِ الْقَادِرِ، وَالْحُسَيْنُ بْنُ أَبِي بَكْرٍ قَالا: أَنَا عَبْدُ الأَوَّلِ بْنُ عِيسَى، أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي مَسْعُودٍ، نا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي شُرَيْحٍ، ثنا أَبُو الْقَاسِمِ الْبَغَوِيُّ، نا الْعَلاءُ بْنُ مُوسَى إِمْلاءً، سَنَةَ سَبْعٍ وَعِشْرِينَ وَمِائَتَيْنِ، أنا اللَّيْثُ بْنُ سَعْدٍ، عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ الَمكِّيِّ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: قَالَ رَسُولُ [63 ب] اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «لا يَدْخُلُ أَحَدٌ مِمَّنْ بَايَعَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ النَّارَ» . أَخْرَجَهُ النَّسَائِيُّ [3] . وَقَالَ قُتَيْبَةُ: نَا اللَّيْثُ، عَنْ أَبِي الزّبير، عن جابر، أنّ عبدا لحاطب ابن أَبِي بَلْتَعَةَ جَاءَ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَشْكُو حَاطِبًا، قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ لَيَدْخُلَنَّ حَاطِبٌ النَّارَ. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «كَذَبْتَ لَا يَدْخُلُهَا، فَإنَّهُ شَهِدَ بَدْرًا وَالْحُدَيْبِيَةَ [4] » . وَقَالَ يُونُسُ بْن بُكَيْرٍ، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ [5] ، حدثني الزهري، عن عُرْوَة، عَنِ المِسْوَر بْن مَخْرَمَة، ومروان في قصة الحديبية، قالا: فدعت قريش سُهَيْل بْن عَمْرو، قَالُوا: اذهب إلى هذا الرجل فصالحه ولا يكوننّ فِي صُلْحه إلّا أنْ يرجع عنّا عامَهُ هذا، لا تحدّث العربُ أنّه دخلها علينا عَنْوَةً.
فخرج سُهَيْل من عندهم، فلما رآه رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مُقْبِلا قال: «قد أراد القوم
[1] سورة مريم، من الآية 72.
[2]
صحيح مسلم (2496) كتاب فضائل الصحابة، باب من فضائل أصحاب الشجرة أهل بيعة الرضوان. وأخرجه ابن سعد في الطبقات الكبرى 2/ 100، 101 البداية والنهاية 4/ 171.
[3]
لم أجده في كتاب البيعة عنده.
[4]
صحيح مسلم (2495) كتاب فضائل الصحابة، باب من فضائل أهل بدر وقصة حاطب بن أبي بلتعة.
[5]
سيرة ابن هشام 4/ 28.
الصُّلْحَ حين بعثوا هذا الرجل» . فوقع الصلح عَلَى أن توضع الحرب بينهما عشر سنين، وأن يخلُّوا بينه وبين مكة من العام المقبل، فيقيم بِهَا ثلاثًا، وأنه لا يدخلها إلّا بسلاح الراكب والسيوف فِي القِرَب، وإنّه من أتانا من أصحابك بغير إذْن ولِيِّه لم نردّه عليك، ومن أتاك منّا بغير إذن وليّه رددته علينا، وأنّ بيننا وبينك عَيْبَةٌ مكفوفة [1] ، وأنه لا إسلال ولا إغلال. وذكر الحديث.
الإِسلال: الخفية، وقيل الغارة، وقيل سلّ السيوف [2] والإِغلال:
الغارة.
وَقَالَ شُعْبَةُ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنِ الْبَرَاءِ قَالَ: لَمَّا صَالَحَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مُشْرِكِي مَكَّةَ كَتَبَ كِتَابًا: «هَذَا مَا صَالَحَ عَلَيْهِ مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ» .
قَالُوا: لَو عَلِمْنَا أَنَّكَ رَسُولُ اللَّهِ لَمْ نُقَاتِلْكَ. قَالَ لِعَلِيٍّ: «امْحُهُ» . فَأَبَى، فَمَحَاهُ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بِيَدِهِ، وَكَتَبَ: هَذَا مَا صَالَحَ عَلَيْهِ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ. وَاشْتَرَطُوا عَلَيْهِ أَنْ يُقِيمُوا ثَلَاثًا، وَأَنْ لَا يَدْخُلُوا مَكَّةَ بِسِلَاحٍ إِلَّا جُلُبَّانَ السِّلَاحِ، يَعْنِي السَّيْفَ بِقِرَابِهِ. مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ [3] .
وَقَالَ حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ عَنْ ثَابِتٍ، عَنْ أَنَسٍ نَحْوَهُ أو قريبا منه.
أخرجه مسلم [4] .
[1] عيبة مكفوفة: أي مشرحة معقودة، ويكنى بالعيبة عن الصدور والقلوب. يريد أنّ الشرّ بيننا مكفوف كما تكلّف العيبة إذا أشرجت.
[2]
قال السهيليّ: الإسلال: السرقة والخلسة ونحوها، وهي السلة، قالوا في المثل: الخلة تدعو إلى السلّة. الروض الأنف 4/ 36.
[3]
صحيح البخاري: كتاب الصلح، باب كيف يكتب هذا ما صالح فلان إلخ. وصحيح مسلم (1783) . كتاب الجهاد والسير، باب صلح الحديبيّة في الحديبيّة. وانظر سيرة ابن هشام 4/ 28، 29، والطبقات لابن سعد 2/ 101 و 103.
[4]
صحيح مسلم (1783) ، كتاب الجهاد والسير، باب صلح الحديبيّة في الحديبيّة.
وَقَالَ يُونُسُ بْنُ بُكَيْرٍ، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ [1] ، حَدَّثَنِي يَزِيدُ بْنُ سُفْيَانَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ كَعْبٍ أَنَّ كَاتِبَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم كَانَ عَلِيًّا رضي الله عنه. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم اكْتُبْ:«هَذَا مَا صَالَحَ عَلَيْهِ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ سُهَيْلَ بْنَ عَمْرٍو» . فَجَعَلَ عَلِيُّ يَتَلَكَّأُ وَيَأْبَى إِلَّا أَنْ يَكْتُبَ: مُحَمَّدٌ رَسُولُ الله. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «اكْتُبْ، فَإِنَّ لَكَ مِثْلَهَا تُعْطِيهَا وَأَنْتَ مُضْطَهَدٌ» ، فَكَتَبَ:
هَذَا مَا صَالَحَ عَلَيْهِ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ. وَقَالَ عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ سِيَاهٍ: نَا حَبِيبُ بْنُ أَبِي ثَابِتٍ، عَنْ أَبِي وَائِلٍ قَالَ: قَامَ سَهْلُ [2] بْنُ حُنَيْفٍ يَوْمَ صِفِّينَ فَقَالَ: أَيُّهَا النَّاسُ اتَّهِمُوا أَنْفُسَكُمْ، لَقَدْ كُنَّا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَوْمَ الْحُدَيْبِيَةِ، وَلَوْ نَرَى قِتَالًا لَقَاتَلْنَا. فَأَتَى عُمَرُ فَقَالَ:
أَلَسْنَا عَلَى الْحَقِّ وَهُمْ عَلَى الْبَاطِلِ؟ قَالَ: بَلَى. قَالَ: (أَلَيْسَ)[3] قَتْلَانَا فِي الْجَنَّةِ وَقَتْلَاهُمْ فِي النَّارِ؟ قَالَ: بلى. قال: ففيم نعطي [64 أ] الدَّنِيَّةَ فِي أَنْفُسِنَا وَنَرْجِعُ وَلَمَّا يَحْكُمُ اللَّهُ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمْ؟ قَالَ: يَا بْنَ الْخَطَّابِ، إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ وَلَنْ يُضَيِّعَنِي اللَّهُ، فَانْطَلَقَ مُتَغَيِّظًا إِلَى أَبِي بَكْرٍ، فَقَالَ لَهُ كَمَا قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، وَنَزَلَ الْقُرْآنَ، فَأَرْسَلَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم إِلَى عُمَرَ فَأَقْرَأَهُ إِيَّاهُ. فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَوَ فَتْحٌ هُوَ؟ قَالَ: نَعَمْ، فَطَابَتْ نَفْسُهُ وَرَجَعَ. مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ [4] .
وَقَالَ يُونُسُ، عَنِ ابن إسحاق [5] ، عن الزهري، عن عروة عن
[1] سيرة ابن هشام 4/ 28.
[2]
في الأصل، ع: سهيل. والتصحيح من صحيح مسلم والإصابة وتهذيب التهذيب.
[3]
سقطت من الأصل، وزدناها من ع وصحيح مسلم.
[4]
صحيح البخاري: كتاب الجزية، باب لم يسم بعد باب إثم من عاهد ثم غدر. وكتاب التفسير، سورة الفتح. وصحيح مسلم (1785) كتاب الجهاد والسير، باب صلح الحديبيّة في الحديبيّة.
[5]
سيرة ابن هشام 4/ 29 نهاية الأرب 17/ 233.
الْمِسْوَرِ، وَمَرْوَانَ قَالَا: فَخَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مِنْ عِنْدَ أُمِّ سَلَمَةَ فَلَمْ يُكَلِّمْ أَحَدًا حَتَّى أَتَى هَدْيَهُ فَنَحَرَ وَحَلَقَ. فَلَمَّا رَأَى النَّاسُ ذَلِكَ قَامُوا فَنَحَرُوا وَحَلَقَ بَعْضٌ وَقَصَّرَ بَعْضٌ. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: اللَّهمّ اغْفِرْ لِلْمُحَلِّقِينَ. فَقِيلَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ وَالْمُقَصِّرِينَ؟ فَقَالَ: اغْفِرْ لِلْمُحَلِّقِينَ، ثَلَاثًا. قِيلَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ وَلِلْمُقَصِّرِينَ؟ قَالَ: وَلِلْمُقَصِّرِينَ. وَقَالَ يُونُسُ، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ [1] حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: قِيلَ لَهُ لِمَ ظَاهَرَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لِلْمُحَلِّقِينَ ثَلاثًا وَلِلْمُقَصِّرِينَ وَاحِدَةً؟ فَقَالَ: إِنَّهُمْ لَمْ يَشُكُّوا [2] .
وَقَالَ يُونُسُ- هُوَ ابْنُ بُكَيْرٍ-، عَنْ هِشَامٍ الدَّسْتُوَائِيِّ، عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ، عَنْ أَبِي إِبْرَاهِيمَ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ قَالَ: حَلَقَ أَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَوْمَ الْحُدَيْبِيَةِ كُلُّهُمْ غَيْرَ رَجُلَيْنِ، قَصَّرَا وَلَمْ يَحْلِقَا.
أَبُو إِبْرَاهِيمَ مَجْهُولٌ.
وَقَالَ ابْنُ عُيَيْنَةَ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ مَيْسَرَةَ، عَنْ وَهْبِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ قَارِبٍ قَالَ: كُنْتُ مَعَ أَبِي، فَرَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: يَرْحَمُ اللَّهُ الْمُحَلِّقِينَ. قَالَ رَجُلٌ: وَالْمُقَصِّرِينَ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ فَلَمَّا كَانَتِ الثَّالِثَةُ قَالَ:
وَالْمُقَصِّرِينَ. وَقَالَ يَحْيَى بْنُ أَبِي بُكَيْرٍ: ثنا زُهَيْرُ بْنُ مُحَمَّدٍ، نا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنِ الْحَكَمِ، عَنْ مِقْسَمٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: نَحَرَ يَوْمَ الْحُدَيْبِيَةِ سَبْعُونَ بَدَنَةً فِيهَا جَمَلُ أَبِي جَهْلٍ، فَلَمَّا صُدَّتْ عَنِ الْبَيْتِ حَنَّتْ كَمَا تَحِنُّ إلى أولادها.
[1] السيرة 4/ 29، الطبقات لابن سعد 2/ 104.
[2]
أي لم يشكّوا في الفتح.
وَيُرْوَى عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم أَهْدَى فِي عُمْرَةِ الْحُدَيْبِيَةِ جَمَلا كَانَ لأَبِي جَهْلٍ، فِي أَنْفِهِ [1] بُرَةٌ مِنْ ذَهَبٍ [2] أَهْدَاهُ لِيَغِيظَ بِهِ قُرَيْشًا [3] .
وَقَالَ فُلَيْحُ بْنُ سُلَيْمَانَ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ أَنّ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم خَرَجَ مُعْتَمِرًا، فَحَالَ كُفَّارُ قُرَيْشٍ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْبَيْتِ. فَنَحَرَ هَدْيَهُ وَحَلَقَ رَأْسَهُ بِالْحُدَيْبِيَةِ، وَقَاضَاهُمْ عَلَى أَنْ يَعْتَمِرَ الْعَامَ الْمُقْبِلَ، وَلا يَحْمِلَ سِلاحًا عَلَيْهَا إِلا سُيُوفًا، وَلا يُقِيمَ بِهَا إِلا مَا أَحَبُّوا، فَاعْتَمَرَ مِنَ الْعَامِ الْمُقْبِلِ، فَدَخَلَهَا كَمَا صَالَحَهُمْ. فَلَمَّا أَنْ أَقَامَ بِهَا ثَلاثًا، أَمَرُوهُ أَنْ يَخْرُجَ فَخَرَجَ.
أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ [4] .
وَقَالَ مَالِكٌ عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ، عَنْ جابر: نحرنا بالحديبية الْبَدَنَةَ عَنْ سَبْعَةٍ، وَالْبَقَرَةَ عَنْ سَبْعَةٍ. رَوَاهُ مسلم [5] .
[1] عند ابن هشام 4/ 29 «في رأسه» .
[2]
البرة: حلقة تكون في أنف البعير.
[3]
السيرة 4/ 29.
[4]
صحيح البخاري: كتاب الصلح، باب الصلح مع المشركين (3/ 169) .
[5]
صحيح مسلم (1318) كتاب الحجّ، باب الاشتراك في الهدي وإجزاء البقرة والبدنة، كلّ منهما عن سبعة.