المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌فتح مكة [1] «زادها الله شرفا» [2] - تاريخ الإسلام - ت تدمري - جـ ٢

[شمس الدين الذهبي]

فهرس الكتاب

- ‌[المجلد الثاني (المغازى) ]

- ‌[مقدمة المؤلف]

- ‌السَّنَةُ الْأُولَى مِنَ الْهِجْرَةِ

- ‌قِصَّةُ إِسْلَامِ ابْنِ سَلامٍ

- ‌قِصَّةُ بِنَاءِ الْمَسْجِدِ

- ‌سَنَةُ اثْنَتَيْنِ فِي صَفَرِهَا:

- ‌(غَزْوَةُ الْأَبْوَاءِ) [1]

- ‌[بَعْثُ حَمْزَةَ [4]]

- ‌[بَعْثُ عُبَيْدَةَ بْنِ الْحَارِثِ]

- ‌[غَزْوَةُ بُوَاطٍ [1]]

- ‌[غَزْوَةُ الْعُشَيْرَةِ]

- ‌[غَزْوَةُ بَدْرٍ الْأُولَى]

- ‌[سَرِيَّةُ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ]

- ‌[بَعْثُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ جَحْشٍ]

- ‌[غَزْوَةُ بَدْرٍ الْكُبْرَى]

- ‌بَقِيَّةُ أَحَادِيثِ غَزْوَةِ بَدْرٍ

- ‌رُؤْيَا عَاتِكَةَ

- ‌ذِكْرُ غَزْوَةِ بَدْرٍ

- ‌فَصْلٌ فِي غَنَائِمِ بَدْرٍ وَالْأَسْرَى

- ‌أَسْمَاءُ مَنْ شَهِدَ بَدْرًا

- ‌ذِكْرُ طَائِفَةٍ مِنْ أَعْيَانِ الْبَدْرِيِّينَ

- ‌قِصَّةُ النَّجَاشِيُّ

- ‌سَرِيَّةُ عُمَيْرِ بْنِ عَدِيٍّ الْخَطْمِيِّ [5]

- ‌غَزْوَةُ بَنِي سُلَيْمٍ [1]

- ‌سَرِيَّةُ سَالِمِ بْنِ عُمَيْرٍ [1] لِقَتْلِ أَبِي عَفَكٍ

- ‌غَزْوَةُ السَّوِيقِ فِي ذِي الْحِجَّةِ

- ‌ثُمَّ دَخَلَتْ سَنَةُ ثَلَاثٍ

- ‌«غَزْوَةُ ذِي أَمَرٍ»

- ‌غَزْوَةُ بُحْرَانَ

- ‌غزة بَنِي قَيْنُقَاعَ

- ‌غَزْوَةُ بَنِي النَّضِيرِ

- ‌سَرِيَّةُ زَيْدِ بْنِ حَارِثَةَ إِلَى الْقَرَدَةِ [3]

- ‌غَزْوَةُ قَرْقَرَةِ الْكُدْرِ

- ‌مَقْتَلُ كَعْبِ بْنِ الْأَشْرَفِ [1]

- ‌غَزْوَةُ أُحُدٍ «وَكَانَتْ فِي شَوَّالٍ»

- ‌عَدَدُ الشُّهَدَاءِ

- ‌غزوَة حمَراء الأسَد [1]

- ‌السَّنة الرابعَة

- ‌«سريّة أبي سلمَة إلى قطن في أوّلها»

- ‌غزوة الرَّجيع [2]

- ‌غزوة بئر مَعُوَنة [3]

- ‌ذَكَرَ الخلاف فِي غَزْوَةِ بَنِي النَّضِيرِ

- ‌غزوة بني لحيان

- ‌غزوة ذاتِ الرِّقاع [3]

- ‌غزوة بدر المَوْعِد

- ‌غزوة الخندق

- ‌السَّنَةُ الْخَامِسَةُ

- ‌«غزوة ذات الرقاع»

- ‌غزوة دُومَة الْجَنْدَل وهي بضمّ الدَّال

- ‌غزوة المُرَيْسِيع

- ‌تزويج رَسُول اللَّه صلى الله عليه وسلم بجويرية «رضي الله عنها»

- ‌الأفك «وكان في هذه الغزوة»

- ‌غزوَةُ الخَنَدق

- ‌غزوة بني قريظة [1]

- ‌وفاة سعد بن مُعَاذ

- ‌إسلام ابني سَعْيَة وأسد بْن عُبَيْد

- ‌سَنَة ستٍّ مِنَ الهجَرة

- ‌غزوة الغابة أو غزوة ذي قرد [4]

- ‌مقتل ابن أبي الحُقَيْق

- ‌قتل ابن نُبَيْح الهُذْليّ

- ‌غزوة بني المصطلق وهي غزوة المريسيع

- ‌سرية نَجْد [1]

- ‌سرية عُكّاشة بْن مِحْصَن إلى الغَمْر

- ‌[سرية أَبِي عبيدة إلى ذي القَصَّة] [5]

- ‌[سَرِيَّةُ مُحَمَّد بْن مَسْلَمَة إلى ذي القَصَّة] [1]

- ‌[سَرِيَّةُ زيدِ بْن حارثة إلى بني سُلَيْم بالجَمُوم] [3]

- ‌[سَرِيَّةُ زيد بْن حارثة إلى الطَّرف] [6]

- ‌[سرية زيد بْن حارثة إلى العِيص] [2]

- ‌[سَرِيَّةُ زيدِ بْن حارثة إلى حِسْمَى] [5]

- ‌[سَرِيَّةُ زيد إلى وادي القُرَى] [1]

- ‌[سَرِيَّةُ عليّ بْن أَبِي طَالِب إلى بني سعد بْن بَكْر بَفَدَكَ] [4]

- ‌[سَرِيَّةُ عَبْد الرَّحْمَن بْن عَوْف إلى دُومة الجَنْدَل] [7]

- ‌[سَرِيَّةُ كُرْز بْن جَابِر الفِهْرِي إلى العُرَنيّين] [3]

- ‌إسلام أبي العاص مبسوطًا

- ‌سَرِيَّةٌ عبدِ الله بْن رَوَاحة إلى أُسَيْر بْن زارم فِي شوّال

- ‌قصة غزوة الحديبية وهي عَلَى تسعة أميال من مكة

- ‌نزُولُ سُورة الفتح

- ‌السنة السابعة

- ‌«غزوة خيبر»

- ‌فصل فيمن ذكر أن مرحبا قتله مُحَمَّد بْن مسلمة [1]

- ‌ذكر صفية

- ‌ذِكْرُ من استشهد عَلَى خيبر

- ‌قدوم جَعْفَر بْن أَبِي طَالِب ومَن معه

- ‌شَأْنُ الشَّاةِ الْمَسْمُومَةِ

- ‌[حديث الحجَّاج بْن عِلاط السُّلَمي] [1]

- ‌غزوة وادي القرى

- ‌سَرِيّة أبي بَكْر إلى نجد

- ‌سرِيّة عُمَر إلى عَجُزِ هَوَازِن

- ‌سرية بشير بْن سعد

- ‌سَرِيَّةُ غالب بْن عَبْد الله الليثي

- ‌سَرِيَّةُ الجِناب [5]

- ‌سَرِيَّةُ أَبِي حَدْرَد إلى الغابة

- ‌سَرِيَّةُ مُحَلِّم بْن جَثَّامة

- ‌سَرِيَّةُ عَبْد الله بْن حُذَافَة بْن قيس (ابن عديّ السّهميّ) [1]

- ‌عُمْرَةُ القَضيَّة [1]

- ‌تَزْوِيجُهُ صلى الله عليه وسلم بِمَيْمُونَةَ

- ‌ثمّ دخلت سنة ثمان من الهجرة

- ‌[مسير ابن أبي العجواء إلى بني سليم]

- ‌إسلام عَمْرو بْن العاص وخالد بْن الوليد

- ‌سَرِيَّةُ شجاع بْن وهْب الأسديّ

- ‌سَرِيَّةُ نَجْدٍ

- ‌سرية كعب بْن عُمَيْر

- ‌غزوة مؤته

- ‌ذِكْرُ رُسُلِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم

- ‌غزوة ذات السلاسل

- ‌غزوة سيف البحر [5]

- ‌سَرِيَّةُ أَبِي قَتَادَة إلى خَضِرَة [5]

- ‌وَفَاةُ زَيْنَبَ بِنْتِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم

- ‌فتح مكة [1] «زادها اللَّه شرفًا» [2]

- ‌غزوة بني حُذيَمة [1]

- ‌غزوَة حُنَين [1]

- ‌غزوَة أوطَاس [1]

- ‌غزوة الطائف [1]

- ‌قِسْمُ غنَائِمِ حُنَيْنٍ وَغَيْر ذَلِك

- ‌عمرة الجعرانة

- ‌قصة كعب بْن زُهَيْر

- ‌السنة التاسعة

- ‌[سريّة الضَّحَّاك بْن سُفْيَان الكِلابيّ إلى القُرَطَاء] [1]

- ‌[سَرِيّة عَلْقَمَة بْن مُجَزِّز المُدْلِجِيّ] [5]

- ‌[سرية علي بن أبي طالب إلى الفلس] [3]

- ‌[سريّة عُكَّاشة بْن مِحْصَن إلى أَرْضِ عُذْرَة] [7]

- ‌غزوة تبوك [1]

- ‌[فائدة]

- ‌بَعث خَالِد بْن الوليد إلى أكيدر دُومَة [1]

- ‌[فائدة]

- ‌أمرُ الذين خلفوا [1]

- ‌مَوت عَبْد اللَّه بْن أَبِيّ

- ‌ذكر قدُوم وُفوُدِ العرب

- ‌[قُدُومُ عُرْوَةُ بْن مَسْعُود الثَّقَفِيّ]

- ‌وَفْدُ ثَقِيف [2]

- ‌السنة العاشرة

- ‌[وفد بني تَمِيم]

- ‌وفد بني عامر]

- ‌[وَافِدُ بني سَعْدٍ]

- ‌[الجَارُود بْن عَمْرو]

- ‌[وفدُ بَني حَنِيفَة]

- ‌[وفد طيِّئ]

- ‌[قدوم عديّ بْن حاتم]

- ‌[قدوم فَرْوَةَ بْن مُسَيْك المُرَادِيّ]

- ‌[وفد كِنْدة]

- ‌[وفد الأَزْد]

- ‌[كِتَابُ مُلُوكِ حِمْيَر]

- ‌[بعث خَالِد ثمّ عليَّ إلى اليمن]

- ‌[بعث أَبِي مُوسَى ومُعاذ إلى اليمن]

- ‌[وفد نَجْران]

- ‌حجَّةُ الودَاع [1]

- ‌سنة احدى عشر

- ‌سَرِيّة أُسَامَةَ

الفصل: ‌فتح مكة [1] «زادها الله شرفا» [2]

‌فتح مكة [1]«زادها اللَّه شرفًا» [2]

قَالَ البكّائي، عَنِ ابن إِسْحَاق [3] : ثمّ إنّ بني بَكْر بْن عَبْد مَنَاة بْن كِنانة عدت عَلَى خُزَاعَة [4] ، وهم عَلَى ماءٍ بأَسفل مكة يقال لَهُ الوَتير [5] . وكان الَّذِي هاج ما بين بَكْر وخُزَاعة رجلًا من بني الحَضْرَميّ [6] خرج تاجرًا، فلمّا توسّط أرضَ خُزاعة عَدَوا عَلَيْهِ فقتلوه وأخذوا ماله. فَعَدَت بنو بكرٍ عَلَى رجلٍ من خُزاعةَ فقتلوه، فَعَدَتْ خُزَاعة قُبَيْل الإسلام على سلمى وكلثوم وذؤيب

[1] انظر عن الفتح: سيرة ابن هشام 4/ 84، طبقات ابن سعد 2/ 134، تاريخ اليعقوبي 2/ 58، تاريخ خليفة 87، المغازي لعروة 208، المغازي للواقدي 2/ 780، فتوح البلدان 1/ 41، تاريخ الطبري 3/ 42، الروض الأنف 4/ 95، عيون الأثر 2/ 163، البداية والنهاية 4/ 278، نهاية الأرب 17/ 287، عيون التواريخ 1/ 288، الدرر في المغازي والسير لابن عبد البرّ 224، جوامع السيرة لابن حزم 223، السنن الكبرى للبيهقي 9/ 120، فتح الباري لابن حجر 8/ 4، صحيح البخاري 5/ 89، صحيح مسلم 3/ 1405 (1780) جامع الأصول لابن الأثير 8/ 358.

[2]

هذا الدعاء من زيادات الأصل ولم يرد في ع، ح.

[3]

سيرة ابن هشام 4/ 84.

[4]

بنو بكر: بطن من كنانة بن خزيمة من العدنانية. وخزاعة: قبيلة من الأزد من القحطانية، اختلف في نسبهم بين المعديّة واليمانيّة.

[5]

الوتير ماء لخزاعة بأسفل مكة، قيل إنه ما بين عرفة إلى أدام.

[6]

هو فيما يرويه ابن هشام: مالك بن عبّاد الحضرميّ، وكذا عند الطبري 3/ 43.

ص: 521

بني الأسود بْن رَزْن الدّيليّ، وهم مَنْخَر [1] بني كنانة وأشرافهم، فقتلوهم بعرفة.

فبينا [90 ب] بنو بَكْر وخُزاعة عَلَى ذَلِكَ حَجَز بينهم الْإِسْلَام، وتشاغل النّاس بِهِ. فلمّا كَانَ صُلح الحُدَيْبية بين رَسُول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وبين قريش، كَانَ فيما شرطوا لرَسُول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَشَرَطَ لهم أنّه مَن أحبَّ أنَّ يدخل فِي عقد رسول الله وعهده فليدخل فيه [2] ومن أحبَّ أنَّ يدخل فِي عقد قريش وعهدهم فلْيدْخل فِيهِ. فدخلت بنو بَكْر فِي عقد قريش، ودخلت خُزاعة فِي عقد رَسُول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مؤمنُها وكافرُها.

فلمّا كانت الهدنةُ اغتنمها بنو الدّيْل، أحد بني بَكْر من خُزاعة، وأرادوا أنَّ يصيبوا منهم ثأرًا بأولئك الإِخوة. فخرج نوفل بْن معاوية الدِّيليّ فِي قومه حتّى بيت خُزاعة عَلَى الوَتِير، فاقتتلوا. ورَدَفَتْ قريشٌ بني الديل بالسلاح، وقومٌ من قريش أعانت خُزاعة بأنفسهم، مُسْتَخفين بذلك، حتّى حازوا [3] خُزاعة إلى الحَرَم. فقال قومُ نوفل، اتقِ إلهك ولا تَسْتَحِلّ الحَرَم. فقال: لا إله لي اليوم، والله يا بني كِنانة إنّكم لَتَسْرِقون فِي الحَرَم، أفلا تصيبون فِيهِ ثأركم؟ فقتلوا رجلًا من خُزاعة. ولجأت خُزاعة إلى دار بُدَيْل بْن وَرقاء الخُزَاعي، ودار رافع مولى خُزاعة.

فلمّا تظاهر [4] بنو بَكْر وقريش عَلَى خُزاعة، كَانَ ذَلِكَ نقْضًا للهُدنة التي بينهم وبين رَسُول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم. وخرج عَمْرو بْن سالم الخزاعيّ فقدم على النّبيّ

[1] في طبعة القدسي 485 «مفخر» والتصحيح من سيرة ابن هشام، وتاريخ الطبري. والمنخر هم المتقدّمون، لأن الأنف هو المقدّم من الوجه.

[2]

في النسخ الثلاث (معه) وما أثبتناه عن السيرة، وتاريخ الطبري.

[3]

في الأصل: جازوا. وحازوهم: ساقوهم.

[4]

في السيرة 4/ 86 وتاريخ الطبري 3/ 44 «تظاهرت» .

ص: 522

صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي طائفةٍ مستغيثين بِهِ، فوقف عَمْرو عَلَيْهِ، وهو جالس فِي المسجد بين ظَهْرَيِ [1] النّاس فقال:

يا ربّ إنّي ناشدٌ محمَّدا

حلف أبينا وأبيه الأْتلَدا

قد كنتُمُ ولدًا وكنّا والدا

ثمت أَسْلَمنا فلم ننزعْ يَدَا

فانصُرْ هَدَاك اللَّه نَصْرًا أعْتَدَا

وادع عبادَ اللَّه يأتُوا مَدَدا

فيهم رَسُول اللَّهِ قد تجرَّدا

إنْ سِيمَ خسفًا وجهه تَرَبّدَا

فِي فيلق كالبحر يجري مُزْبدا

إنّ قُريشًا أَخْلفوك المَوْعِدا

ونقضوا ميثاقَكَ المُؤَكَّدا

وجعلوا لي فِي كَدَاءَ رَصَدا

وزعموا أنْ لستُ أدعو أحدَا

وهم أذَلُّ وأقَلُّ عَدَدا

هم بَيَّتُونا بالوَتِير هُجَّدا

وقتلونا رُكَّعًا وسجدا

فانصُرْ، هداكَ اللَّه، نصرًا أيّدا [2]

فَقَالَ رَسُول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «نُصِرْتَ يا عَمْرو بْن سالم» .

ثمّ عُرِضَ لرَسُول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عنان [3] من السّماء، فقال: إنّ هذه السحابة لتستهلّ [4] بنصر بني كعب، يعني خُزاعة. ثمّ قدم بُدَيل بْن وَرْقاء فِي نفرٍ من خُزاعة عَلَى النّبيّ صلى الله عليه وسلم فأخبروه. وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: كأنّكم بأبي سُفْيَان قد جاءكم ليشدّ العقْد ويزيد فِي الْمُدَّةِ. ومضى بُدَيْل وأصحابه فلقوا أَبَا سُفْيَان ابن حرب بعُسْفان، قد جاء ليشدّ العقد ويزيد في المدّة، وقد رهبوا الّذي

[1] يقال هو بين ظهريهم وظهرانيهم أي وسطهم وفي معظمهم.

[2]

انظر الأبيات في السيرة، والمغازي للواقدي 2/ 789، تاريخ الطبري 3/ 45، نهاية الأرب 17/ 287، 288، عيون التواريخ 1/ 288، عيون الأثر 2/ 164 البداية والنهاية 4/ 278، وشفاء الغرام بتحقيقنا 2/ 175.

[3]

العنان: السحاب، واحدته عنانة.

[4]

استهلّ المطر، واستهلّ السّحاب بالمطر: اشتدّ انصبابه وارتفع صوت وقعه.

ص: 523

صنعوا. فلمّا لقى بُدَيْل بْن وَرْقَاء قَالَ: من أَيْنَ أقبلت يا بُدَيْل؟ وظنّ إِنَّهُ أَتَى النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم، فقال: سرتُ فِي خُزاعة على الساحل. قَالَ: أَوَ ما جئتَ محمّدًا؟ قَالَ: لا. فلمّا راح بُدَيْل إلى مكة قَالَ أَبُو سُفْيَان: لئن كَانَ جاء إلى المدينة لقد علف بها النَّوى. فأتى مَبْرَكَ راحلته ففتَّه فرأى فِيهِ النَّوى فقال: أحلِفُ باللَّه لقد أتى محمَّدًا.

ثمّ قدِم أبو سُفْيَان المدينةَ فدخل عَلَى ابنته أمّ حبيبة أمّ المؤمنين. فلمّا ذهب ليجلس عَلَى فراش رَسُول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم طوَتْه عَنْهُ، فقال: ما أدري أَرَغِبْتِ بي عَنْ هذا الفراش أم رغبت بِهِ عنّي؟ قالت: بل هو فراش رَسُول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، وَأَنْتَ رجلٌ مُشْرِكٌ، نجس. قَالَ: والله لقد أصابك يا بُنَيَّةُ بعدي شَرٌّ.

ثمّ خرج حتّى أَتَى رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فلم يردّ عَلَيْهِ شيئًا. فذهب إلى أَبِي بَكْر فكلّمه أنَّ يكلّم لَهُ رَسُول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: ما أنا بفاعل. ثمّ أتى إلى عُمَر فكلّمه فقال: أنا أشفع لكم إِلَى رَسُول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم! فو الله لو لم أجد إلّا الذر لجالَدْتُكُم عَلَيْهِ. ثمّ خرج حتّى أتى عليًّا وعنده فاطمة وابنها الحَسَن وهو غلام يَدبّ، فقال: يا عليّ إنّك أَمَسُّ القوم بي رَحِمًا، وإنّي قد جئت فِي حاجةٍ فلا أرجعنّ كما جئت خائبا، فاشفع لي إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: ويْحَك يا أَبَا سُفْيَان، لقد عزم رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَلَى أمرٍ ما نستطيع أنَّ نكلّمه فِيهِ.

فالتفت إلى فاطمة فقال: يا ابْنَة مُحَمَّد، هَلْ لك أنَّ تأمري بُنَيَّكِ هذا فيجير بين النّاس فيكون سيّد العرب إلى آخر الدَّهر؟ قالت: والله ما بلغ بُنيَّ ذَلِكَ، وما يجير أحدٌ عَلَى رَسُول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم.

قَالَ: يا أَبَا حَسَن، إنّي أرى الأمور قد اشتدّت عليّ فانصحني. قَالَ:

والله ما أعلم شيئًا يغني عنك، ولكنك سيّد بني كِنانة، فقُم فأَجِرْ بين النّاس ثمّ الحقْ بأرضك. قَالَ: أو ترى ذَلِكَ مُغْنِيًا عنّي؟ قَالَ: لا والله ما أظنّه،

ص: 524

ولكنْ لا أجد لك غيرَ [ذَلِكَ][1] . فقام أَبُو سُفْيَان فِي المسجد فقال: أيّها النّاس إنّي قد أجَرتْ بين النّاس. ثمّ ركب بعيره وانطلق. فلمّا قدِم عَلَى قريش، قالوا: ما وراءك؟ فقصّ شأنَه، وأنّه أجار بين النّاس. قالوا: فهل أجاز ذَلِكَ مُحَمَّد؟ قَالَ: لا. قالوا: والله إنْ زاد الرجلُ عَلَى أنْ لَعِبَ بك.

ثمّ أَمْرُ رَسُول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بالجهاز، وأمر أهله أن يجهّزوه. ثم أعلى النّاس بأنّه يريد مكة، وقال: اللَّهمّ خُذْ العيونَ والأخبارَ عَنْ قريش حتّى نَبْغَتَهُم فِي بلادهم. فعن عُرْوة وغيره قالوا: لما أجمع رَسُول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم السَّيْرَ إلى مكة، كتب حاطب بْن أَبِي بلتعة إلى قريش بذلك مَعَ امْرَأَة، فجعلته فِي رأسها ثم فَتَلَتْ عَلَيْهِ قُرُونها ثم خرجت بِهِ. وأتى النّبيّ صلى الله عليه وسلم الوحيُ بفعْله. فأرسل فِي طلبها عليًّا والزُّبير. وذكر الحديث [2] .

أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي الْحَرَمِ القرشيّ [91 ب] وَجَمَاعَةٌ، قَالُوا: ثَنَا الْحَسَنُ بْنُ يَحْيَى الْمَخْزُومِيُّ، ثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رِفَاعَةَ، أَنَا عَلِيُّ بْنُ الحسن الشافعي، أنا عبد الرحمن بن عمر بْنِ النَّحَّاسِ، أَنْبَأَ عُثْمَانُ بْنُ مُحَمَّدٍ السَّمَرْقَنْدِيُّ، ثَنَا أَحْمَدُ بْنُ شَعْبَانَ، ثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ، عَنْ حَسَنِ بْنِ مُحَمَّدٍ، أَخْبَرَنِي عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي رَافِعٍ- وَهُوَ كَاتِبُ عَلِيٍّ- قَالَ:

سَمِعْتُ عَلِيًّا يَقُولُ: بَعَثَنِي النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم أَنَا وَالزُّبَيْرَ وَالْمِقْدَادَ، قَالَ: انْطَلِقُوا حَتَّى تَأْتُوا رَوْضَةَ خَاخٍ [3] ، فَإِنَّ بِهَا ظَعِينَةً مَعَهَا كِتَابٌ فَخُذُوهُ مِنْهَا.

[1] سقطت من الأصل وأثبتناها من ع، ح، ومن السيرة لابن هشام 4/ 87، وتاريخ الطبري 3/ 47.

[2]

انظر سيرة ابن هشام 4/ 84- 88، تاريخ الطبري 3/ 42- 49، المغازي للواقدي 2/ 780- 798، نهاية الأرب 17/ 287- 291، عيون الأثر 2/ 163- 167، البداية والنهاية 4/ 278- 283، عيون التواريخ 1/ 288- 291، شفاء الغرام 2/ 176- 178.

[3]

روضة خاخ: موضع بين الحرمين بقرب حمراء الأسد من المدينة. ذكرها ياقوت ولم يعرّف بموقعها (معجم البلدان 2/ 88) .

ص: 525

فَانْطَلَقْنَا تَعَادَى بِنَا خَيْلُنَا حَتَّى انْتَهَيْنَا إِلَى الرَّوْضَةِ. قُلْنَا: أَخْرِجِي الْكِتَابَ قَالَتْ: مَا مَعِي كِتَابٌ، قُلْنَا: لَتُخْرِجِنَّ الْكِتَابَ أَوْ لَنَقْلَعَنَّ الثِّيَابَ. فَأَخْرَجَتْهُ مِنْ عِقَاصِهَا [1] فَأَتَيْنَا بِهِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَإِذَا فِيهِ: مِنْ حَاطِبِ بْنِ أَبِي بَلْتَعَةَ إِلَى نَاسٍ مِنَ الْمُشْرِكِينَ يُخْبِرُهُمْ بِبَعْضِ أَمْرِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: «يَا حَاطِبُ مَا هَذَا» ؟ قَالَ: يَا رَسُولَ الله لا تعجل، إنّي كنت امرأ مُلْصَقًا [2] فِي قُرَيْشٍ وَلَمْ أَكُنْ مِنْ أَنْفُسِهَا، وَكَانَ مَنْ كَانَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ مَعَكَ لَهُمْ قَرَابَاتٌ يَحْمُونَ بِهَا أَهْلِيهِمْ بِمَكَّةَ، وَلَمْ يَكُنْ لِي قَرَابَةٌ، فَأَحْبَبْتُ أَنْ أَتَّخِذَ فِيهِمْ يَدًا- إِذْ فَاتَنِي ذَلِكَ- يَحْمُونَ بِهَا قَرَابَتِي، وَمَا فَعَلْتُهُ كُفْرًا وَلَا ارْتِدَادًا وَلَا رِضًا بِالْكُفْرِ بَعْدَ الْإِسْلامِ. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم:«إِنَّهُ قَدْ صَدَقَكُمْ» . فَقَالَ عُمَرُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ دَعْني أَضْرِبُ عُنُقَ هَذَا الْمُنَافِقِ. قَالَ: «إِنَّهُ قَدْ شَهِدَ بَدْرًا، وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّ اللَّهَ تَعَالَى اطَّلَعَ عَلَى أَهْلِ بَدْرٍ فَقَالَ: اعْمَلُوا مَا شِئْتُمْ فَقَدْ غَفَرْتُ لَكُمْ» .

أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ عَنْ قُتَيْبَةَ [3] وَمُسْلِمٌ عَنِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ [4] وَأبَوُ دَاوُدَ عَنْ مُسَدَّدٍ [5] كلّهم عن سفيان [6] .

[1] العقاص: جمع عقيصة، وهي ضفيرة الشعير.

[2]

عند السهيليّ في الروض الأنف 4/ 98 «كنت عريرا» ثم فسّر العرير وقال: هو الغريب.

[3]

صحيح البخاري: كتاب المغازي، باب غزوة الفتح. (5/ 89) وهو عن قتيبة عن سفيان بالسند المذكور. وباب فضل من شهد بدرا، وفي كتاب الجهاد، باب الجاسوس، وباب إذا اضطر الرجل إلى النظر في شعور أهل الذمّة والمؤمنات إذا عصين الله وتجريدهنّ، وفي تفسير سورة الممتحنة في فاتحتها، وفي الاستئذان، باب من نظر في كتاب من يحذر من المسلمين ليستبين أمره، وفي استتابة المرتدّين، باب ما جاء في المتأولين. (جامع الأصول 8/ 360، 361) .

[4]

صحيح مسلم (2494) كتاب فضائل الصحابة. باب من فضائل أهل بدر وقصة حاطب بن أبي بلتعة.

[5]

سنن أبي داود: كتاب الجهاد. باب في حكم الجاسوس إذا كان مسلما (2/ 44) .

[6]

وأخرجه الترمذي رقم (3302) في تفسير القرآن، باب ومن سورة الممتحنة. وانظر سيرة ابن هشام 4/ 88.

ص: 526

أَبُو حُذَيْفَةَ النَّهْدِيُّ [1] : ثنا عِكْرِمَةُ بْنُ عَمَّارٍ، عَنْ أَبِي زُمَيْلٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: قال عمر: كَتَبَ حَاطِبٌ إِلَى الْمُشْرِكِينَ بِكِتَابٍ فَجِيءَ بِهِ إِلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: «يَا حَاطِبُ مَا دَعَاكَ إِلَى هَذَا؟ قَالَ: كَانَ أَهْلِي فِيهِمْ وَخَشِيتُ أَنْ يَصْرِمُوا عَلَيْهِمْ، فَقُلْتُ أَكْتُبُ كِتَابًا لا يَضُرُّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ.

فَاخْتَرَطْتُ [2] السَّيْفَ فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَضْرِبُ عُنُقَهُ فَقَدْ كَفَرَ. فَقَالَ:

«وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّ اللَّهُ اطَّلَعَ إِلَى أَهْلِ بَدْرٍ فَقَالَ: اعْمَلُوا مَا شِئْتُمْ فَقَدْ غَفَرْتُ لَكُمْ» . هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ [3] .

وَعَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ نَحْوَهُ [4]، وَزَادَ: فَنَزَلَتْ: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِياءَ 60: 1 [5] . وعن ابن إِسْحَاق [6]، قَالَ: عَنِ ابن عبّاس قَالَ: ثمّ مضى رَسُول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لسَفَره، واستعمل عَلَى المدينة أَبَا رُهْم الغِفَاريّ. وخرج لعشْرٍ مضين من رمضان. فصام وصام النّاس معه، حتّى إذا كَانَ بالكُدَيْد، بين عُسْفان وأمَج أفطر. اسم أبي رُهْم: كُلْثوم بْن حُصَيْن.

وقال سَعِيد بْن بشير، عَنْ قَتَادَة: إنّ خُزاعة أسلمت فِي دارهم، فقبل رسولا اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إسلامَها، وجعل إسلامها فِي دارها.

وقال سَعِيد بْن عَبْد العزيز، وَغَيْرُهُ: إِنَّ رَسُول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أدخل فِي عهده يوم الحُدّيبية خزاعة.

[1] في الأصل: الزيدي. والتصحيح من ع، ح ومن ترجمته في تهذيب التهذيب (10/ 370) .

[2]

في الأصل: فاختطفت. وأثبتنا عبارة ع، ح.

[3]

قال ابن كثير في البداية والنهاية 4/ 284: أخرجه بقية الجماعة إلا ابن ماجة من حديث سفيان ابن عيينة، وقال الترمذي: حسن صحيح. وانظر الطبري 3/ 49.

[4]

سيرة ابن هشام 4/ 88.

[5]

سورة الممتحنة: من الآية الأولى.

[6]

سيرة ابن هشام 4/ 88، تاريخ الطبري 3/ 50، شفاء الغرام 2/ 180.

ص: 527

وقال [92 أ] الْوَلِيدُ بْنُ مُسْلِمٍ: أَخْبَرَنِي مَنْ سَمِعَ عَمْرَو بْنَ دِينَارٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: كَانَتْ خُزَاعَةُ حِلْفَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، وَنُفَاثَةُ [1] حِلْفَ أَبِي سُفْيَانَ. فَعَدَتْ نُفَاثَةُ على خزاعة، فأمدّتها قريش. فلم يغز رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قُرَيْشًا حَتَّى بَعَثَ إِلَيْهِمْ ضَمْرَةَ، فَخَيَّرَهُمْ بَيْنَ إِحْدَى ثَلاثٍ: أَنْ يَدُوا قَتْلَى خُزَاعَةَ، وَبَيْنَ أَنْ يَبْرَءُوا مِنْ حِلْفِ نُفَاثَةَ، أَوْ يَنْبِذَ إِلَيْهِمْ على سواء. قالوا:

ننبذ عَلَى سَوَاءٍ. فَلَمَّا سَارَ نَدَمَتْ قُرَيْشٌ، وَأَرْسَلَتْ أَبَا سُفْيَانَ يَسْأَلُ تَجْدِيدَ الْعَهْدِ.

وَقَالَ: ابْنُ لهيعة، عن أبي الأسود، عن عروة قال [2] : كَانَتْ بَيْنَ نُفَاثَةَ مِنْ بَنِي الدِّيلِ، وَبَيْنَ بَنِي كَعْبٍ، حَرْبٌ. فَأَعَانَتْ قُرَيْشٌ وَبَنُو كِنَانَةَ بَنِي نُفَاثَةَ عَلَى بَنِي كَعْبٍ. فَنَكَثُوا الْعَهْدَ إِلَّا بَنُو مُدْلِجٍ، فَإِنَّهُمْ وَفَوْا بِعَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم. فَذَكَرَ الْقِصَّةَ، وَشِعْرَ عَمْرِو بْنِ سَالِمٍ. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم:«لَا نُصِرْتُ إِنْ لَمْ أَنْصُرْ بَنِي كَعْبٍ مِمَّا أَنْصُرُ مِنْهُ نَفْسِي» . فَأَنْشَأَتْ سَحَابَةٌ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم:«إِنَّ هَذِهِ السَّحَابَةَ تَسْتَهِلُّ بِنَصْرِ بَنِي كَعْبٍ، أَبْصِرُوا أَبَا سُفْيَانَ فَإِنَّهُ قَادِمٌ عَلَيْكُمْ يَلْتَمِسُ تَجْدِيدَ الْعَهْدِ وَالزِّيَادَةَ فِي الْمُدَّةِ» [3] .

فَأَقْبَلَ أَبُو سُفْيَانَ فَقَالَ: يَا مُحَمَّدُ جدّد العهد وَزِدْنَا فِي الْمُدَّةِ. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «أَوَ لِذَلِكَ قَدِمْتَ؟ هَلْ كان من حَدَثَ قَبْلَكُمْ؟» قَالَ:

مَعَاذَ اللَّهِ. قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «فَنَحْنُ عَلَى عَهْدِنَا وَصُلْحِنَا» . ثُمَّ ذَكَرَ ذَهَابَهُ إِلَى أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ وَعُثْمَانَ وَعَلِيٍّ، وَأَنَّهُ قَالَ لَهُ: أَنْتَ أَكْبَرُ قُرَيْشٍ فَأَجِرْ بَيْنَهَا.

قَالَ: صَدَقْتَ إِنِّي كَذَلِكَ فَصَاحَ: أَلا إِنِّي قَدْ أَجَرْتُ بين النّاس، وما أظنّ أن يردّ جِوَارِي وَلا يَحْقِرَ بِي. قَالَ: أَنْتَ تَقُولُ ذاك يا أبا حنظلة؟ ثم خرج.

[1] نفاثة: بطن من كنانة من بني الدئل بن بكر بن عبد مناة.

[2]

المغازي لعروة 208.

[3]

انظر الطبقات الكبرى لابن سعد 2/ 134 والمغازي للواقدي 2/ 791.

ص: 528

فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم حِينَ أَدْبَرَ: «اللَّهمّ سُدَّ عَلَى أَبْصَارِهِمْ وَأَسْمَاعِهِمْ فَلا يَرَوْنِي إِلا بَغْتَةً» . فَانْطَلَقَ أَبُو سُفْيَانَ حَتَّى قَدِمَ مَكَّةَ فَحَدَّثَ قَوْمَهُ، فَقَالُوا: أَرَضِيتَ بِالْبَاطِلِ وَجِئْتَنَا بِمَا لا يُغْنِي عَنَّا شَيْئًا، وَإِنَّمَا لَعِبَ بِكَ عَلَيَّ.

وَأَغْبَرَ [1] رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِي الْجِهَازِ، مُخْفِيًا لِذَلِكَ. فَدَخَلَ أَبُو بَكْرٍ عَلَى ابْنَتِهِ، فَرَأَى شَيْئًا مِنْ جِهَازِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، فأنكر وقال: أين يريد رَسُول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم؟ فَقَالَتْ عَائِشَةُ: تَجَهَّزَ [2] ، فَإِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم غَازٍ قَوْمَكَ، قَدْ غَضِبَ لِبَنِي كعب. فدخل رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَأَشْفَقَتْ عَائِشَةُ أَنْ يَسْقُطَ أَبُوهَا بِمَا أَخْبَرَتْهُ قَبْلَ أَنْ يَذْكُرَهُ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، فأشارت إلى أبيها بعينها، فسكت. فمكث رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم سَاعَةً يَتَحَدَّثُ مَعَ أَبِي بَكْرٍ ثُمَّ قَالَ:«هَلْ تَجَهَّزْتَ يَا أَبَا بَكْرٍ» ؟ قَالَ: لِمَاذَا يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: «لِغَزْوِ قُرَيْشٍ، فَإِنَّهُمْ قَدْ غَدَرُوا وَنَقَضُوا الْعَهْدَ، وَإِنَّا غَازُونَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ» .

وَأَذَّنَ فِي النَّاسِ بِالْغَزْوِ، فَكَتَبَ حَاطِبٌ إِلَى قُرَيْشٍ فَذَكَرَ حَدِيثَهُ. وَقَالَ:

ثُمَّ [3] خَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِي اثني عشر ألفا من المهاجرين، [92 ب] وَالأَنْصَارِ، وَأَسْلَمَ، وَغِفَارٍ، وَمُزَيْنَةَ، وَجُهَيْنَةَ، وَبَنِي سُلَيْمٍ. وَقَادُوا الْخُيُولَ حَتَّى نَزَلُوا بِمَرِّ الظَّهْرَانِ، وَلَمْ تَعْلَمْ بِهِمْ قُرَيْشٌ. قَالَ، فَبَعَثُوا حَكِيمَ بْنَ حِزَامٍ وَأَبَا سُفْيَانَ وَقَالُوا: خُذُوا لَنَا جِوَارًا أَوِ آذِنُوا [4] بِالْحَرْبِ. فَخَرَجَا فَلَقِيَا بُدَيْلَ بْنَ وَرْقَاءَ فَاسْتَصْحَبَاهُ، فَخَرَجَ مَعَهُمَا حَتَّى إِذَا كَانُوا بِالأَرَاكِ [5] بِمَكَّةَ، وَذَلِكَ عِشَاءً، رَأَوُا الْفَسَاطِيطَ وَالْعَسْكَرَ، وسمعوا صهيل الخيل ففزعوا. فقال:

[1] أغبر في الأمر: جدّ في طلبه.

[2]

في الأصل: نجهزه والتصحيح من ح.

[3]

من هنا يبدأ الحديث في المطبوع من المغازي لعروة 209.

[4]

في مغازي عروة «آذنوه» .

[5]

الأراك: فرع من دون ثافل (جبل) قرب مكة، وقيل موضع من نمرة في موضع من عرفة.

(معجم البلدان 1/ 135) .

ص: 529

هَؤُلاءِ بَنُو كَعْبٍ جَاشَتْ بِهِمُ الْحَرْبُ. قَالَ بديل: هؤلاء أكثر من بني كعب، ما بلغ تأليبها هَذَا [1] .

وَكَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم قَدْ بَعَثَ بَيْنَ يَدَيْهِ خَيْلا [2] لا يَتْرُكُونَ أَحَدًا يَمْضِي. فَلَمَّا دَخَلَ أَبُو سُفْيَانَ وَأَصْحَابُهُ عَسْكَرَ الْمُسْلِمِينَ أَخَذَتْهُمُ الْخَيلُ تَحْتَ اللَّيْلِ وَأَتَوْا بِهِمْ. فَقَامَ عُمَرُ إِلَى أَبِي سُفْيَانَ فَوَجَأَ عُنُقَهُ، وَالْتَزَمَهُ الْقَوْمُ وَخَرَجُوا بِهِ لِيَدْخُلُوا عَلَى النّبيّ صلى الله عليه وسلم به، فحسبه الْحَرَسُ أَنْ يَخْلُصَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، وَخَافَ الْقَتْلَ، وَكَانَ الْعَبَّاسُ بْنُ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ خَالِصَةً لَهُ فِي الْجَاهِلِيَّةِ، فَنَادَى بِأَعْلَى صَوْتِهِ: أَلا تَأْمُرُ بِي [3] عَبَّاسُ؟ فَأَتَاهُ فَدَفَعَ عَنْهُ، وَسَأَلَ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم أَنْ يَقْبِضَهُ إِلَيْهِ. فَرَكِبَ بِهِ تَحْتَ اللَّيْلِ، فَسَارَ بِهِ فِي عَسْكَرِ الْقَوْمِ حَتَّى أَبْصَرَهُ [4] أَجْمَعَ.

وَكَانَ عُمَرُ قَالَ لَهُ حِينَ وَجَأَهُ: لا تَدْنُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم حَتَّى تَمُوتَ.

فَاسْتَغَاثَ بِالْعَبَّاسِ وَقَالَ: إِنِّي مَقْتُولٌ. فَمَنَعَهُ مِنَ النَّاسِ. فَلَمَّا رَأَى كَثْرَةَ الْجَيْشِ قَالَ: لَمْ أَرَ كَاللَّيْلَةِ جَمْعًا لِقَوْمٍ. فَخَلَّصَهُ [5] عَبَّاسٌ مِنْ أَيْدِيهِمْ، وَقَالَ: إِنَّكَ مَقْتُولٌ إِنْ لَمْ تُسْلِمْ وَتَشْهَدْ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ. فَجَعَلَ يُرِيدُ أَنْ يقول الّذي يأمره عبّاس، ولا ينطلق بِهِ لِسَانُهُ وَبَاتَ مَعَهُ.

وَأَمَّا حَكِيمٌ وَبُدَيْلٌ فَدَخَلا عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَأَسْلَمَا. وَجَعَلَ يَسْتَخْبِرُهُمَا عَنْ أَهْلِ مَكَّةَ.

فَلَمَّا نُودِيَ بِالْفَجْرِ تَجَسَّسَ الْقَوْمُ، فَفَزِعَ أَبُو سفيان وقال:[يا][6]

[1] في المغازي لعروة زيادة بعدها: «أفتنتجع هوازن أرضنا؟ والله ما نعرف هذا أيضا إن هذا لمثل حاج النّاس» .

[2]

في المغازي لعروة 209 «بين يديه خيلا تقبض العيون وخزاعة على الطريق لا يتركون أحدا يمضي» . وانظر فتح الباري لابن حجر 8/ 7.

[3]

في المغازي لعروة 209 «لي» .

[4]

في المغازي لعروة 209 «أبصروه» .

[5]

في الأصل: فجعله. والتصحيح من ح. ومغازي عروة 210.

[6]

سقطت من الأصل، وأثبتناها من ح. ومن مغازي عروة.

ص: 530

عَبَّاسُ، مَا يُرِيدُونَ؟ قَالَ: سَمِعُوا النِّدَاءَ بِالصَّلاةِ فَتَبَشَّرُوا [1] بِحُضُورِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَلَمَّا أَبْصَرَهُمْ أَبُو سُفْيَانَ يَمُرُّونَ إِلَى الصَّلاةِ، وَأَبْصَرَهُمْ يَرْكَعُونَ وَيَسْجُدُونَ إِذَا سَجَدَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم، قَالَ: يَا عَبَّاسُ، مَا يَأْمُرُهُمْ بِشَيْءٍ إِلا فَعَلُوهُ؟! فَقَالَ:

لَوْ نَهَاهُمْ عَنِ الطَّعَامِ وَالشَّرَابِ لأَطَاعُوهُ، فَقَالَ، يَا عَبَّاسُ، فَكَلِّمْهُ فِي قَوْمِكَ، هَلْ عِنْدَهُ مِنْ عَفْوٍ عَنْهُمْ؟ فَانْطَلَقَ عَبَّاسٌ بِأَبِي سُفْيَانَ حَتَّى أَدْخَلَهُ على النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، هَذَا أَبُو سُفْيَانَ. فَقَالَ أَبُو سُفْيَانَ: يَا مُحَمَّدُ قَدِ اسْتَنْصَرْتَ بِإِلَهِي واستنصرت بإلهك، فو الله مَا لَقِيتُكَ مِنْ مَرَّةٍ إِلا ظَهَرْتَ عَلَيَّ، فَلَوْ كَانَ إِلَهِي مُحِقًّا وَإِلَهُكَ بَاطِلا ظَهَرْتُ عَلَيْكَ، فَأَشْهَدُ أَن لَا إِلَهَ إِلا اللَّهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولَ اللَّهِ.

وَقَالَ عَبَّاسٌ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنِّي أُحِبُّ أَنْ تَأْذَنَ لِي إلى قومك فأنذرهم مَا نَزَلَ بِهِمْ، وَأَدْعُوهُمْ إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ. فَأَذِنَ لَهُ. قَالَ: كَيْفَ أَقُولُ لَهُمْ؟ قَالَ: «من قال لا إله إلّا الله [93 أ] وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ، وَشَهِدَ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، وَكَفَّ يَدَهُ، فَهُوَ آمِنٌ. وَمَنْ جَلَسَ عِنْدَ الْكَعْبَةِ وَوَضَعَ سِلاحَهُ فَهُوَ آمِنٌ. وَمَنْ أَغْلَقَ عَلَيْهِ بَابَهُ فَهُوَ آمِنٌ» . قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَبُو سُفْيَانَ ابْنُ عَمِّنَا، فَأُحِبُّ أَنْ يَرْجِعَ مَعِي، وَقَدْ خَصَصْتَهُ [2] بِمَعْرُوفٍ. فَقَالَ:

مَنْ دَخَلَ دَارَ أَبِي سُفْيَانَ فَهُوَ آمِنٌ. فَجَعَلَ أَبُو سُفْيَانَ يَسْتَفْهِمُهُ [3] . وَدَارَ أَبِي سُفْيَانَ بِأَعْلَى مَكَّةَ. وَقَالَ: مَنْ دَخَلَ دَارَكَ يَا حَكِيمُ فَهُوَ آمِنٌ. وَدَارُ حَكِيمٍ فِي أَسْفَلِ مَكَّةَ.

وَحَمَلَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم الْعَبَّاسَ عَلَى بَغْلَتِهِ الْبَيْضَاءِ الَّتِي أَهْدَاهَا إِلَيْهِ دِحْيةُ الْكَلْبِيُّ، فَانْطَلَقَ الْعَبَّاسُ وَأَبُو سُفْيَانَ قَدْ أَرْدَفَهُ. ثُمَّ بَعَثَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم فِي إِثْرِهِ، فَقَالَ: أَدْرِكُوا الْعَبَّاسَ فَرُدُّوهُ عَلَيَّ. وَحَدَّثَهُمْ بِالَّذِي خَافَ عَلَيْهِ. فَأَدْرَكَهُ

[1] في المغازي لعروة «يتيّسرون لحضور» .

[2]

في المغازي لعروة: 21 «فلو اختصصته بمعروف» .

[3]

في المغازي لعروة «يستفقهه» .

ص: 531

الرَّسُولُ، فَكَرِهَ عَبَّاسٌ الرُّجُوعَ، وَقَالَ: أَتَرْهَبُ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَنْ يَرْجِعَ أَبُو سُفْيَانَ رَاغِبًا فِي قِلَّةِ النَّاسِ فَيَكْفُرَ بَعْدَ إِسْلامِهِ؟ فَقَالَ: احْبِسْهُ فَحَبَسَهُ. فَقَالَ أَبُو سُفْيَانَ: غَدْرًا يَا بَنِي هَاشِمٍ؟ فَقَالَ عَبَّاسٌ: إِنَّا لَسْنَا نَغْدِرُ، وَلَكِنْ بِي إِلَيْكَ بَعْضُ الْحَاجَةِ. فَقَالَ: وَمَا هِيَ، فَأَقْضِيهَا لَكَ؟ قَالَ: إِنَّمَا نَفَاذُهَا حِينَ يَقْدَمُ عَلَيْكَ خَالِدُ بْنُ الْوَلِيدِ وَالزُّبَيْرُ بْنُ الْعَوَّامِ. فَوَقَفَ عَبَّاسٌ بِالْمَضِيقِ دُونَ الأَرَاكِ، وَقَدْ وَعَى مِنْهُ أَبُو سُفْيَانَ حَدِيثَهُ.

ثُمَّ بَعَثَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم الْخَيْلَ بَعْضَهَا عَلَى إِثْرِ بَعْضٍ، وَقَسَمَ الْخَيْلَ شَطْرَيْنِ، فَبَعَثَ الزُّبَيْرَ فِي خَيْلٍ عَظِيمَةٍ. فَلَمَّا مَرُّوا بأبي سفيان قال للعبّاس:

مَنْ هَذَا؟ قَالَ: الزُّبَيْرُ. وَرِدْفُهُ خَالِدُ بْنُ الْوَلِيدِ بِالْجَيْشِ مِنْ أَسْلَمَ وَغِفَارٍ وَقُضَاعَةَ، فَقَالَ أَبُو سُفْيَانَ: إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم هَذَا يَا عَبَّاسُ؟ قَالَ: لا، وَلَكِنْ هَذَا خَالِدُ بْنُ الْوَلِيدِ. وَبَعَثَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم سَعْدَ بْنَ عُبَادَةَ بَيْنَ يَدَيْهِ فِي كَتِيبَةِ الأَنْصَارِ، فَقَالَ: الْيَوْمَ يَوْمَ الْمَلْحَمَةِ، الْيَوْمَ تُسْتَحَلُّ الْحُرْمَةُ. ثُمَّ دَخَلَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِي كَتِيبَةِ الإِيمَانِ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالأَنْصَارِ.

فَلَمَّا رَأَى أَبُو سُفْيَانَ وُجُوهًا كَثِيرَةً لا يَعْرِفُهَا قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، اخْتَرْتَ هَذِهِ الْوُجُوهَ عَلَى قَوْمِكَ؟ قَالَ: أَنْتَ فَعَلْتَ ذَلِكَ وَقَوْمُكَ. إِنَّ هَؤُلاءِ صَدَّقُونِي إِذْ كَذَّبْتُمُونِي، وَنَصَرُونِي إِذْ أَخَّرْتُمُونِي، وَمَعَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم يَوْمَئِذٍ الأَقْرَعُ بْنُ حَابِسٍ، وَعَبَّاسُ بْنُ مِرْدَاسٍ السُّلَمِيُّ، وَعُيَيْنَةُ بْنُ بَدْرٍ، فَلَمَّا أَبْصَرَهُمْ حَوْلَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: مَنْ هؤلاء يا عبّاس؟ قال: هذه كتيبة النّبيّ صلى الله عليه وسلم، ومع هذه الموت الأحمر، هَؤُلاءِ الْمُهَاجِرُونَ وَالأَنْصَارُ، قَالَ: امْضِ يَا عَبَّاسُ، فَلَمْ أَرَ كَالْيَوْمِ جُنُودًا قَطُّ وَلا جَمَاعَةً، وَسَارَ الزُّبَيْرُ بِالنَّاسِ حَتَّى إِذَا وَقَفَ بِالْحَجُونِ [1] ، وَانْدَفَعَ خَالِدٌ حَتَّى دَخَلَ مِنْ أَسْفَلِ مَكَّةَ. فلقيته بنو بكر فقاتلهم

[1] الحجون: جبل بأعلى مكة عنده مدافن أهلها. وهو بالفتح ثم الضم. (معجم البلدان 2/ 225) .

ص: 532

فَهَزَمَهُمْ، وَقَتَلَ مِنْهُمْ قَرِيبًا مِنْ عِشْرِينَ، وَمِنْ هذيل ثلاثة [93 ب] أَوْ أَرْبَعَةً، وَهُزِمُوا وَقُتِلُوا بِالْحَزْوَرَةَ [1] ، حَتَّى دَخَلُوا الدُّورَ، وَارْتَفَعَتْ طَائِفَةٌ مِنْهُ عَلَى الْجَبَلِ عَلَى الْخَنْدَمَةِ، وَاتَّبَعَهُمُ الْمُسْلِمُونَ بِالسُّيُوفِ.

وَدَخَلَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِي أُخْرَيَاتِ النَّاسِ، وَنَادَى مُنَادٍ: مَنْ أَغْلَقَ عَلَيْهِ دَارَهُ وَكَفَّ يَدَهُ فَهُو آمِنٌ [2] . وَكَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم نَازِلا بِذِي طُوًى، فَقَالَ:«كَيْفَ قَالَ حَسَّانٌ» ؟ فَقَالَ رَجُلٌ مِنْ أَصْحَابِهِ: قَالَ:

عدمت بنيّتي [3] إن لم تروها

تثير النّفع مِنْ كَتِفَيْ كُدَاءِ [4]

فَأَمَرَهُمْ فَأَدْخَلُوا الَخْيَل مِنْ حَيْثُ قَالَ حَسَّانٌ. فَأُدْخِلَتْ مِنْ ذِي طُوًى مِنْ أَسْفَلِ مَكَّةَ. وَاسْتَحَرَّ الْقَتلُ بِبَنِي بَكْرٍ. فَأَحَلَّ اللَّهُ لَهُ مَكَّةَ سَاعَةً مِنْ نَهَارٍ، وَذَلِكَ قَوْلُهُ تَعَالَى لا أُقْسِمُ بِهذَا الْبَلَدِ وَأَنْتَ حِلٌّ بِهذَا الْبَلَدِ 90: 1- 2 [5] فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: مَا أُحِلَّتِ الْحُرْمَةُ لأَحَدٍ قَبْلِي وَلا بَعْدِي، وَلا أُحِلَّتْ لِي إِلا سَاعَةً مِنْ نَهَارٍ.

وَنَادَى أَبُو سُفْيَانَ بِمَكَّةَ: أَسْلِمُوا تَسْلَمُوا [6] . وَكَفَّهُمُ اللَّهُ عَنْ عَبَّاسٍ.

فَأَقْبَلَتْ هِنْدٌ فَأَخَذَتْ بِلِحْيَةِ أَبِي سُفْيَانَ، ثُمَّ نَادَتْ: يَا آلَ غَالِبٍ اقْتُلُوا الشَّيْخَ الأَحْمَقَ. قَالَ: أَرْسِلِي لِحْيَتِي، فأقسم لئن أنت لم تسلمي ليضربنّ

[1] الحزورة: بالفتح ثم السكون وفتح الواو والراء. وهو في اللغة: الرابية الصغيرة وجمعها حزاور. سوق مكة وقد دخلت في المسجد لما زيد فيه. (معجم البلدان 2/ 255) .

[2]

حتى هنا رواية عروة في المغازي 211.

[3]

وفي رواية «ثنيّتي» ، والبيت من جملة أبيات ستأتي بعد قليل.

[4]

كداء: (بالفتح والمد) بأعلى مكة عند المحصب، دار النبي صلى الله عليه وسلم، من ذي طوى إليها. وقيل هي العقبة الصغرى التي بأعلى مكة وهي التي تهبط منها إلى الأبطح والمقبرة منها عن يسارك، وأما العقبة الوسطى التي بأسفل مكة فهي كدي (بالضمّ والقصر) . وقد اختلف في ذلك، (انظر معجم البلدان 4/ 439- 441) .

[5]

سورة البلد. الآيتان 1، 2.

[6]

في الأصل: أسلموا أسلموا. وأثبتنا عبارة ع، ح. ومغازي عروة 211.

ص: 533

عُنُقُكِ، وَيْلَكِ، جَاءَنَا بِالْحَقِّ ادْخُلِي بَيْتَكِ وَاسْكُنِي.

وَدَخَلَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَطَافَ سَبْعًا عَلَى رَاحِلَتِهِ [1] .

وَفَرَّ صَفْوَانُ بْنُ أُمَيَّةَ عَامِدًا لِلْبَحْرِ، وَفَرَّ عِكْرِمَةُ عَامِدًا لِلْيَمَنِ. وَأَقْبَلَ عُمَيْرُ بْنُ وَهْبٍ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: يَا نَبِيَّ اللَّهِ أَمِّنْ صَفْوَانَ فَقَدْ هَرَبَ، وَقَدْ خَشِيتُ أَنْ تَهْلِكَ نَفْسُهُ فَأَرْسِلْنِي إِلَيْهِ بِأَمَانٍ قَدْ أمّنت الأحمر والأسود، وفقال:

أَدْرِكْهُ فَهُوَ آمِنٌ. فَطَلَبَهُ عُمَيْرٌ فَأَدْرَكَهُ وَدَعَاهُ فَقَالَ: قَدْ أمَّنَكَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم.

فَقَالَ صَفْوَانُ: وَاللَّهِ لا أُوقِنُ لَكَ حَتَّى أَرَى عَلامَةً بِأَمَانِي أَعْرِفُهَا. فَرَجَعَ فَأَعْطَاهُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم بُرْدَ حَبْرَةٍ كَانَ مُعْتَجِرًا بِهِ حِينَ دَخَلَ مَكَّةَ، فَأَقْبَلَ عُمَيْرٌ، فَقَالَ صَفْوَانُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَعْطَيْتَنِي مَا يَقُولُ هَذَا مِنَ الأَمَانِ؟ قَالَ: نعم.

قَالَ: اجْعَلْ لِي شَهْرًا قَالَ: لَكَ شَهْرَانِ، لَعَلَّ اللَّهُ أَنْ يَهْدِيَكِ [2] . وَاسْتَأْذَنَتْ أُمُّ حَكِيمٍ بِنْتُ الْحَارِثِ بْنِ هِشَامٍ وَهِيَ يَوْمَئِذٍ مُسْلِمَةٌ، وَهِيَ تَحْتَ عِكْرِمَةَ بْنِ أَبِي جَهْلٍ. فَاسْتَأْذَنَتْ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِي طَلَبِ زَوْجِهَا، فَأَذِنَ لَهَا وَأَمَّنَهُ، فَخَرَجَتْ بِعَبْدٍ لَهَا رُومِيٍّ فَأَرَادَهَا عَنْ نَفْسِهَا، فَلَمْ تَزَلْ تُمَنِّيهِ وَتُقَرِّبُ لَهُ حَتَّى قَدِمَتْ عَلَى نَاسٍ مِنْ عَكٍّ [3] فَاسْتَغَاثَتْهُمْ عَلَيْهِ فَأَوْثَقُوهُ، فَأَدْرَكَتْ زَوْجَهَا بِبَعْضِ تِهَامَةَ وَقَدْ رَكِبَ فِي السَّفِينَةِ، فَلَمَّا جَلَسَ فِيهَا نَادَى بِاللاتِ وَالْعُزَّى.

فَقَالَ أَصْحَابُ السفينة: لا يجوز هاهنا مِنْ دُعَاءٍ بِشَيْءٍ إِلا اللَّهَ وَحْدَهُ مُخْلِصًا، فقال عكرمة: والله لئن كان في الْبَحْرُ، إِنَّهُ لَفِي الْبَرِّ وَحْدَهُ [4] ، أُقْسِمُ باللَّه،

[1] المغازي لعروة 211 وقال: رواه الطبراني مرسلا وفيه ابن لهيعة، وحديثه حسن وفيه ضعف.

وأورده الهيثمي في مجمع الزوائد 6/ 170- 173.

[2]

وفي سيرة هشام 4/ 105 «قال: أنت بالخيار فيه أربعة أشهر» .

[3]

عك قبيلة من قبائل اليمن.

[4]

في ح: لئن كان في البحر إنه لفي البر وحده. وما أثبتناه عن الأصل وع، وعن المغازي لعروة 212.

ص: 534

لأَرْجِعَنَّ إِلَى مُحَمَّدٍ، فَرَجَعَ عِكْرِمَةُ مَعَ امْرَأَتِهِ، فدخل عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فبايعه، وقبل منه.

ودخل [94 أ] رَجُلٌ مِنْ هُذَيْلٍ عَلَى امْرَأَتِهِ، فَلامَتْهُ وَعَيَّرَتْهُ بِالْفِرَارِ، فَقَالَ:

وَأَنْتِ لَوْ رَأَيْتِنَا بِالْخَنْدَمَهْ

إِذْ فَرَّ صَفْوَانُ وَفَرَّ عِكْرِمَهْ

قَدْ لَحِقَتْهُمُ السُّيُوفُ الْمُسلِمَهْ

يَقْطَعْنَ كُلَّ سَاعِدٍ وَجُمْجُمَهْ

لَمْ تَنْطِقِي فِي اللَّوْمِ أَدْنَى كَلِمَهْ [1]

وَكَانَ دُخُولُ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم مَكَّةَ فِي رَمَضَانَ. وَاسْتَعَارَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم مِنْ صَفْوَانَ فِيمَا زَعَمُوا مِائَةَ دِرْعٍ وَأَدَاتِهَا، وَكَانَ أَكْثَرَ شَيْءٍ سِلاحًا.

وَأَقَامَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم بِمَكَّةَ بِضْعَ عَشْرَةَ لَيْلَةً.

وَقَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ [2] : مَضَى النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم حَتَّى نَزَلَ مَرَّ الظَّهْرَانِ فِي عَشَرَةِ آلافٍ. فَسَبَّعَتْ سُلَيْمٌ، وَبَعْضُهُمْ يَقُولُ: أَلَّفَتْ سُلَيْمٌ، وَأَلَّفَتْ مُزَيْنَةُ [3] . وَلَمْ يَتَخَلَّفْ أَحَدٌ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالأَنْصَارِ.

وَقَدْ كَانَ الْعَبَّاسُ لَقِيَ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بِبَعْضِ الطَّرِيقِ. قَالَ عبد الملك ابن هشام: لقيه بالجحفة [4] مهاجرا بعياله.

[1] الخبر والشعر في المغازي لعروة 212 وانظر سيرة ابن هشام 4/ 92، وتاريخ الطبري 3/ 58، ونهاية الأرب 17/ 306، وعيون الأثر 2/ 173، وعيون التواريخ 1/ 300 والبداية والنهاية 4/ 297 وقال عروة: رواه الطبراني، وهو مرسل، وفيه ابن لهيعة، وحديثه حسن، وفيه ضعف. وأورده الهيثمي في مجمع الزوائد 6/ 174، 175، والحاكم في المستدرك 3/ 241، 242، والقاضي المكيّ الفاسي في شفاء الغرام 2/ 222.

[2]

سيرة ابن هشام 4/ 106.

[3]

سبّعت سليم، يعني كانوا سبعمائة، وألّفت: كانوا ألفا.

[4]

الجحفة: قرية على طريق المدينة من مكة على أربع مراحل، وهي أحد المواقيت وكانت تسمّى مهيعة، فاجتحفها السيل في بعض الأعوام فسمّيت الجحفة. (معجم البلدان 2/ 111) .

ص: 535

وَقَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ [1] : وَقَدْ كَانَ أَبُو سُفْيَانَ بْنُ الْحَارِثِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ، وَعَبْدُ اللَّهِ بن أبي أُمَيَّةَ بْنِ الْمُغِيرَةِ، قَدْ لَقِيَا رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بِنَبْقِ الْعُقَابِ [2]- فِيمَا بَيْنَ مَكَّةَ وَالْمَدِينَةِ- فَالْتَمَسَا الدُّخُولَ عَلَيْهِ، فَكَلَّمَتْهُ أُمُّ سَلَمَةَ فِيهِمَا، فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ ابْنُ عَمِّكَ وَابْنُ عَمَّتِكَ وَصِهْرُكَ. قَالَ: لا حاجة لي بهما، أمّا ابن عمّي فهتك عِرْضِي، وَأَمَّا ابْنُ عَمَّتِي فَهُوَ الَّذِي قَالَ لِي بِمَكَّةَ مَا قَالَ. فَلَمَّا بَلَغَهُمَا قَوْلُهُ قَالَ أَبُو سُفْيَانَ: وَاللَّهِ لَتَأْذَنَنَّ لِي أَوْ لآخُذَنَّ بِيَدِ بُنَيَّ هَذَا ثُمَّ لَنَذْهَبَنَّ فِي الأَرْضِ حَتَّى نَمُوتَ عَطَشًا وَجُوعًا. فَلَمَّا بَلَغَ ذَلِكَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم رَقَّ لَهُمَا، وَأَذِنَ لَهُمَا فَدَخَلا وَأَسْلَمَا وَقَالَ أَبُو سُفْيَانَ:

لَعَمْرُكَ إِنِّي يَوْمَ أَحْمِلُ رَايَةً

لِتَغْلِبَ خَيْلُ اللاتِ خَيْلَ مُحَمَّدِ

لَكَالْمُدْلِجِ [3] الْحَيْرَانِ أَظْلَمَ لَيْلُهُ

فَهَذَا أَوَانِي حِينَ أُهْدِي وَأَهْتَدِي

هَدَانِي هَادٍ غَيْرُ نَفْسِي وَنَالَنِي

إِلَى اللَّهِ مَنْ طَرَّدْتُ [4] كُلَّ مُطَرَّدِ

أَصُدُّ وَأَنْأَى جَاهِدًا عَنْ مُحَمَّدٍ

وَأُدْعَى وَإِنْ لَمْ أَنْتَسِبْ مِن مُحَمَّدِ [5]

فَذَكَرُوا أَنَّهُ حِينَ أَنْشَدَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم هَذِهِ ضَرَبَ فِي صَدْرِهِ وقال: أنت طردتني كلّ مطرد [6] . وقال سعيد بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ، عَنْ عَطِيَّةَ بْنِ قَيْسٍ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ قَالَ: خَرَجْنَا لِغَزْوَةِ فَتْحِ مَكَّةَ لِلَيْلَتَيْنِ خَلَتَا مِنْ شَهْرِ رَمَضَانَ صُوَّامًا.

فَلَمَّا كُنَّا بِالْكَدِيدِ، أَمَرَنَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بالفطر.

[1] سيرة ابن هشام 4/ 88، 89.

[2]

نبق العقاب: موضع بين مكة والمدينة قرب الجحفة. (معجم ما استعجم 595) .

[3]

المدلج: الّذي يسير ليلا.

[4]

في طبعة القدسي 500 «طرده» والتصحيح من السيرة وغيرها.

[5]

الأبيات في سيرة ابن هشام 4/ 89، ونهاية الأرب 17/ 307، والبداية والنهاية 4/ 287، وعيون التواريخ 1/ 292 مع اختلاف بعض الألفاظ في بعضها.

[6]

سيرة ابن هشام 4/ 89.

ص: 536

وَقَالَ الزُّهْرِيُّ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، أَنّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم صَامَ فِي مَخْرَجِهِ ذَلِكَ حَتَّى بَلَغَ الْكَدِيدَ فَأَفْطَرَ وَأَفْطَرَ النَّاسُ. أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ [1] . وَقَالَ الْأَوْزَاعِيُّ: ثَنَا يَحْيَى بْنُ أَبِي كَثِيرٍ حَدَّثَنِي أَبُو سَلَمَةَ قَالَ: دَخَلَ أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بمرّ الظّهران، وهو يتغدّى فَقَالَ:«الْغَدَاءُ» فَقَالَا: إِنَّا صَائِمَانِ، فَقَالَ:«اعْمَلُوا لصاحبيكم، ارحلوا لصاحبيكم، كلا، كلا» . مرسل [94 ب] وَقَوْلُهُ: هَذَا مُقَدَّرٌ بِالْقَوْلِ يَعْنِي يُقَالُ هَذَا لِكَوْنِكُمَا صَائِمَيْنِ [2] . وَقَالَ مَعْمَرٌ: سَمِعْتُ الزُّهْرِيَّ يَقُولُ: أَخْبَرَنِي عُبَيْدُ اللَّهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، أَنّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم خَرَجَ فِي رَمَضَانَ مِنَ الْمَدِينَةِ وَمَعَهُ عَشَرَةُ آلَافٍ، وَذَلِكَ عَلَى رَأْسِ ثَمَانِ سِنِينَ وَنِصْفٍ مِنْ مَقْدَمِهِ الْمَدِينَةِ، فَسَارَ بِمَنْ مَعَهُ مِنَ الْمُسْلِمِينَ إِلَى مَكَّةَ، يَصُومُ وَيَصُومُونَ. حَتَّى بَلَغَ الْكَدِيدَ، وَهُوَ بَيْنَ عُسْفَانَ وَقُدَيْدٍ، فَأَفْطَرَ، وَأَفْطَرَ النَّاسُ. قَالَ الزُّهْرِيّ: وَكَانَ الْفِطْرُ آخِرَ الأَمْرَيْنِ. وَإِنَّمَا يُؤْخَذُ بالآخر فالآخر مِنْ أَمْرِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم.

قَالَ الزُّهْرِيُّ: فَصَبَّحَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مَكَّةَ لِثَلاثَ عَشْرَةَ لَيْلَةً خلت من رمضان. أخرجه (خ) و (م) دُونَ قَوْلِ الزُّهْرِيِّ [3] . وَكَذَا وَرَّخَهُ يُونُسُ عَنِ الزّهريّ [4] .

[1] صحيح البخاري: كتاب المغازي، باب غزوة الفتح في رمضان (5/ 90) .

[2]

أخرجه النسائي في كتاب الصيام، ما يكره من الصيام في السفر، باب ذكر اسم الرجل (4/ 177) .

[3]

صحيح البخاري: كتاب المغازي، باب غزوة الفتح في رمضان 5/ 90 وفي الصوم، باب إذا صام أياما من رمضان ثم سافر، وفي الجهاد، باب الخروج في رمضان، وصحيح مسلم (113) كتاب الصيام، باب جواز الصوم والفطر في شهر رمضان للمسافر في غير معصية إلخ.

[4]

صحيح مسلم 2/ 785.

ص: 537

وقال عَبْد اللَّه بْن إدريس، عَنِ ابن إسحاق، عن ابن شهاب، ومحمد ابن عليّ بن الحسين، وعمرو بْن شُعَيْب، وعاصم بْن عُمَر وغيرهم قَالُوا:

كان فتح مكة في شعر بقين من رمضان.

وقال الواقديّ [1] : خَرَجَ رَسُول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَوْمَ الأربعاء لعشر خَلَوْن من رمضان بعد العصر. فما حلّ عقْده حتى انتهى إلى الصُلْصُل [2] . وخرج المسلمون وقادوا الخيلَ وامتَطُوا الإِبل، وكانوا عشرة آلاف [3] .

وذكر عُرْوَةُ وموسى بْن عُقْبة أنّه صلى الله عليه وسلم خرج فِي اثني عشر ألفًا [4] .

وَقَالَ ابْنُ إِدْرِيسَ، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم جَاءَهُ الْعَبَّاسُ بِأَبِي سُفْيَانَ فَأَسْلَمَ بِمَرِّ الظَّهْرَانِ. فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّ سُفْيَانَ رَجُلٌ يُحِبُّ الْفَخْرَ، فَلَوْ جَعَلْتَ لَهُ شَيْئًا؟ قَالَ: نَعَمْ، مَنْ دَخَلَ دَارَ أَبِي سُفْيَانَ فَهُوَ آمِنٌ، مَنْ أَغْلَقَ بَابَهُ فَهُوَ آمِنٌ [5] .

زَادَ فِيهِ الثِّقَةُ، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ بِإِسْنَادِهِ: فَقَالَ أَبُو سُفْيَانَ: وَمَا تَسَعُ دَارِي؟ قَالَ: مَنْ دَخَلَ الْكَعْبَةَ فَهُوَ آمِنٌ قَالَ: وَمَا تَسَعُ الْكَعْبَةُ؟ قَالَ: مَنْ دَخَلَ الْمَسْجِدَ فَهُوَ آمِنٌ. قَالَ: وَمَا يَسَعُ الْمَسْجِدُ؟ قَالَ: مَنْ أَغْلَقَ بَابَهُ فَهُوَ آمِنٌ. فَقَالَ: هَذِهِ وَاسِعَةٌ [6] . وَقَالَ حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ، عَنْ أَيُّوبَ، عَنْ عِكْرِمَةَ قَالَ: فَلَمَّا نَزَلَ رَسُولُ اللَّهِ

[1] انظر: المغازي للواقدي (2/ 801) .

[2]

الصلصل: موضع بنواحي المدينة على سبعة أميال منها. (معجم البلدان 3/ 421) .

[3]

وهذا الرقم يؤيّده ابن هشام في السيرة 4/ 106.

[4]

هذا الخبر ليس موجودا في المطبوع من المغازي لعروة. وانظر: شفاء الغرام 2/ 248.

[5]

سيرة ابن هشام 4/ 90.

[6]

سيرة ابن هشام 4/ 91.

ص: 538

صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمَرِّ الظَّهْرَانِ، قَالَ الْعَبَّاسُ وَقَدْ خَرَجَ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مِنَ الْمَدِينَةِ: يَا صَبَاحَ قُرَيْشٍ، وَاللَّهِ لَئِنْ بَغَتَهَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَدَخَلَ عَنْوَةً، إِنَّهُ لَهَلاكُ قُرَيْشٍ آخِرَ الدَّهْرِ. فَجَلَسَ عَلَى بَغْلَةِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم الْبَيْضَاءِ، وَقَالَ أَخْرُجُ إِلَى الأَرَاكِ لَعَلِّي أَرَى حُطَّابًا أَوْ صَاحِبَ لَبَنٍ، أَوْ دَاخِلا يَدْخُلُ مَكَّةَ. فَيُخْبِرُهُمْ بِمَكَانِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم ليأتوه فيستأمنوه، فخرجت فو الله إِنِّي لأَطُوفُ بِالأَرَاكِ إِذْ سَمِعْتُ صَوْتَ أَبِي سُفْيَانَ وَحَكِيمِ بْنِ حِزَامٍ وَبُدَيْلِ بْنِ وَرْقَاءَ وَقَدْ خَرَجُوا يَتَجَسَّسُونَ الْخَبَرَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، فَسَمِعْتُ صَوْتَ أَبِي سُفْيَانَ وَهُوَ يَقُولُ: مَا رَأَيْتُ كَالْيَوْمِ قَطُّ نِيرَانًا، فَقَالَ بُدَيْلٌ: هَذِهِ نِيرَانُ خُزَاعَةَ حَمَشَتْهَا [1] الحرب، فقال [95 أ] أَبُو سُفْيَانَ: خُزَاعَةُ أَلأَمُ مِنْ ذَلِكَ وَأَذَلُّ. فَعَرَفْتُ صَوْتَهُ فَقُلْتُ: يَا أَبَا حَنْظَلَةَ، فَقَالَ: أَبُو الْفَضْلِ؟ قُلْتُ: نَعَمْ. فَقَالَ: لَبَّيْكَ، فِدَاكَ أَبِي وَأُمِّي، مَا وَرَاءَكَ؟ قُلْتُ: هَذَا رَسُولُ اللَّهِ فِي النَّاسِ قَدْ دَلَفَ إِلَيْكُمْ بِمَا لا قِبَلَ لَكُمْ بِهِ فِي عَشَرَةِ آلافٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ. قَالَ: فَكَيْفَ الْحِيلَةُ؟ فِدَاك أَبِي وَأُمِّي.

فَقُلْتُ: تَرْكَبُ فِي عَجُزِ هَذِهِ الْبَغْلَةِ، فَأَسْتَأْمِنُ لَكَ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، فَإِنَّهُ وَاللَّهِ لَئِنْ ظَفِرَ بِكَ لَيَضْرِبَنَّ عُنُقَكَ. فَرَدَفَنِي فَخَرَجْتُ أَرْكُضُ بِهِ نَحْوَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، فَكُلَّمَا مَرَرْتُ بِنَارٍ مِنْ نِيرَانِ الْمُسْلِمِينَ نَظَرُوا إِلَيَّ وَقَالُوا: عَمُّ رَسُولِ اللَّهِ عَلَى بَغْلَةِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم. حَتَّى مَرَرْتُ بِنَارِ عُمَرَ فَقَالَ لأَبِي سُفْيَانَ: الْحَمْدُ للَّه الَّذِي أَمْكَنَ مِنْكَ بِغَيْرِ عَهْدٍ وَلا عَقْدٍ. ثُمَّ اشْتَدَّ نَحْوَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم. وَرَكَضَتِ الْبَغْلَةُ حَتَّى اقْتَحَمَتْ بَابَ الْقُبَّةِ وَسَبَقَتْ عُمَرَ بِمَا تَسْبِقُ بِهِ الدَّابَّةُ الْبَطِيئَةُ الرَّجُلَ الْبَطِيءَ [2] .

وَدَخَلَ عُمَرُ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ هَذَا أَبُو سُفْيَانَ عَدُوُّ اللَّهِ، قَدْ أَمْكَنَ اللَّهُ مِنْهُ بِغَيْرِ عَهْدٍ وَلا عَقْدٍ، فَدَعْنِي أَضْرِبْ عُنُقَهُ فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إنّي قد

[1] حمشتها الحرب: أي جمعتها وأثارتها.

[2]

انظر سيرة ابن هشام 4/ 89، 90.

ص: 539

أمَّنْتُهُ. ثُمَّ جَلَسْتُ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَأَخَذْتُ بِرَأْسِهِ وَقُلْتُ: وَاللَّهِ لا يُنَاجِيهِ اللَّيْلَةَ أَحَدٌ دُونِي. فَلَمَّا أَكْثَرَ فيه عمر، قلت: مهلا يا عمر، فو الله مَا تَصْنَعُ هَذَا إِلا لأَنَّهُ رَجُلٌ مِنْ بَنِي عَبْدِ مَنَافٍ. وَلَوْ كَانَ مِنْ بَنِي عَدِيِّ بْنِ كَعْبٍ مَا قُلْتَ هَذَا. فَقَالَ: مهلا يا عبّاس، فو الله لإسلامك يوم أسلمت كان أحبّ إليّ من إسلام الخطّاب لو أسلم. وما ذاك إلّا لأنّي قد عرفت أنّ إسلامك كَانَ أَحَبَّ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مِنْ إِسْلامِ الْخَطَّابِ لَوْ أَسْلَمَ. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: اذْهَبْ بِهِ فَقَدْ آمَنَّاهُ، حَتَّى تَغْدُوَ بِهِ عَلَيَّ الْغَدَاةَ، فَرَجَعَ بِهِ الْعَبَّاسُ إِلَى مَنْزِلِهِ [1] .

فَلَمَّا أَصْبَحَ غَدَا بِهِ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، فَلَمَّا رَآهُ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ:

وَيْحَكَ يَا أَبَا سُفْيَانَ، أَلَمْ يَأْنِ لَكَ أَنْ تَعْلَمَ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ؟ فَقَالَ: بِأَبِي وَأُمِّي مَا أَوْصَلَكَ وَأَكْرَمَكَ، وَاللَّهِ ظَنَنْتُ أَنْ لَوْ كَانَ مَعَ اللَّهِ غَيْرُهُ لَقَدْ أَغْنَى شَيْئًا بَعْدُ. فَقَالَ: وَيْحَكَ أَوَ لَمْ يَأْنِ أَنْ تَعْلَمَ أَنِّي رَسُولُ اللَّهِ؟ قَالَ: بِأَبِي وَأُمِّي مَا أَوْصَلَكَ وَأَكْرَمَكَ، أَمَّا هَذِهِ فَإِنَّ فِي النَّفْسِ مِنْهَا شَيْئًا. فَقَالَ الْعَبَّاسُ فَقُلْتُ:

وَيْلَكَ تَشَهَّدْ شَهَادَةَ الْحَقِّ قَبْلَ، وَاللَّهِ، أَنْ تُضْرَبَ عُنُقُكَ. فَتَشَهَّدَ. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم حِينَ تَشَهَّدَ:«انْصَرِفْ بِهِ يَا عَبَّاسُ فَاحْبِسْهُ عِنْدَ حَطْمِ الْجَبَلِ [2] بِمَضِيقِ الْوَادِي، حَتَّى تَمُرَّ عَلَيْهِ جُنُودُ اللَّهِ» .

فَقُلْتُ لَهُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ أَبَا سُفْيَانَ رَجُلٌ يُحِبُّ الْفَخْرَ، فَاجْعَلْ لَهُ شَيْئًا يَكُونُ لَهُ فِي قَوْمِكَ فَقَالَ:«نَعَمْ، مَنْ دَخَلَ دَارَ أَبِي سُفْيَانَ فَهُوَ آمِنٌ، وَمَنْ دَخَلَ الْمَسْجِدَ فَهُوَ آمِنٌ، وَمَنْ أَغْلَقَ بَابَهُ فَهُوَ آمِنٌ» . فَخَرَجْتُ بِهِ حَتَّى حبسته عند حطم الْجَبَلِ بِمَضِيقِ الْوَادِي. فَمَرَّتْ عَلَيْهِ الْقَبَائِلُ، فَيَقُولُ: من

[1] سيرة ابن هشام 4/ 90.

[2]

حطم الجبل: الموضع الّذي حطم منه أي ثلم فبقي منقطعا، أو هو مضيق الجبل حيث يزحم بعضه بعضا. وفي رواية: خطم الجبل أي أنفه البادر منه. وفي البخاري: حطم الخيل، رواية أخرى. (انظر صحيح البخاري- المغازي، باب أين ركّز النّبي صلى الله عليه وسلم الراية يوم الفتح- 5/ 91) .

ص: 540

هَؤُلاءِ يَا عَبَّاسُ؟ فَأَقُولُ: سُلَيْمٌ. فَيَقُولُ: مَا لي ولسليم. وتمرّ به [95 ب] القبيلة فيقول: من هذه؟ فأقول: أَسْلَمُ. فَيَقُولُ مَا لِي وَلأَسْلَمَ. وَتَمُرُّ جُهَيْنَةُ. حَتَّى مَرَّ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِي كَتِيبَتِهِ الْخَضْرَاءِ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالأَنْصَارِ، فِي الْحَدِيدِ، لا يُرَى مِنْهُمْ إِلا الْحَدَقُ. فَقَالَ يَا أَبَا الْفَضْلِ، مَنْ هَؤُلاءِ؟

فَقُلْتُ: هَذَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِي الْمُهَاجِرِينَ وَالأَنْصَارِ. فَقَالَ: يَا أَبَا الْفَضْلِ، لَقَدْ أَصْبَحَ مُلْكُ ابْنِ أَخِيكَ عَظِيمًا. فَقُلْتُ: وَيْحَكَ، إِنَّهَا النُّبُوَّةُ، قَالَ:

فَنَعَمْ إِذَنْ. قُلْتُ: الْحَقِ الآنَ بِقَوْمِكَ فَحَذِّرْهُمْ. فَخَرَجَ سَرِيعًا حَتَّى جَاءَ مَكَّةَ، فَصَرَخَ فِي الْمَسْجِدِ: يَا مَعْشَرَ قُرَيْشٍ، هَذَا مُحَمَّدٌ قَدْ جَاءَكُمْ بِمَا لا قِبَلَ لَكُمْ بِهِ. فَقَالُوا: فَمَهْ؟ قَالَ: مَنْ دَخَلَ دَارِي فَهُوَ آمِنٌ. فَقَالُوا: وَمَا دَارُكَ، وَمَا تُغْنِي عَنَّا؟ قَالَ: مَنْ دَخَلَ الْمَسْجِدَ فَهُوَ آمِنٌ، وَمَنْ أَغْلَقَ دَارَهُ عَلَيْهِ فَهُوَ آمِنٌ.

هَكَذَا رَوَاهُ بِهَذَا اللَّفْظِ ابْنُ إِسْحَاقَ [1] ، عَنْ حُسَيْنِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ مَوْصُولا، وَأَمَّا أَبُو أَيُّوبَ السَّخْتِيَانِيُّ فَأَرْسَلَهُ. وقد رواه ابْنُ إِدْرِيسَ، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ بِمَعْنَاهُ.

وَقَالَ عُرْوَةُ: أَخْبَرَنِي نَافِعُ بْنُ جُبَيْرِ بْنِ مُطْعِمٍ، قَالَ: سَمِعْتُ الْعَبَّاسَ يَقُولُ لِلزُّبَيْرِ: يَا أبا عبد الله، هاهنا أَمَرَكَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَنْ تُرَكِّزَ الرَّايَةَ.

قَالَ: وَأَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم خَالِدَ بْنَ الْوَلِيدِ أَنْ يَدْخُلَ مَكَّةَ مِنْ كَدَاءٍ. وَدَخَلَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم مِنْ كُدًى، فَقُتِلَ مِنْ خَيْلِ خَالِدٍ يَوْمَئِذٍ رَجُلانِ: حُبَيْشُ بْنُ الأشعر، وكرز بن جابر الفهريّ [2] .

[1] سيرة ابن هشام 4/ 89، 90 تاريخ الطبري 3/ 52- 54، الأغاني 6/ 352- 354، نهاية الأرب 17/ 299- 302.

[2]

أخرجه البخاري في المغازي، باب أين ركّز النّبيّ صلى الله عليه وسلم الراية يوم الفتح (5/ 91، 92) .

ص: 541

وَقَالَ الزُّهْرِيُّ، وَغَيْرُهُ: أَخْفَى اللَّهُ تَعَالَى مَسِيرَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم عَنْ أَهْلِ مَكَّةَ، حَتَّى نَزَلَ بِمَرِّ الظَّهْرَانِ.

وَفِي مَغَازِي مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ لِخَالِدِ بْنِ الْوَلِيدِ: «لِمَ قَاتَلْتَ، وَقَدْ نَهَيْتُكَ عَنِ الْقِتَالِ» ؟ قَالَ: هُمْ بَدَءُونَا بِالْقِتَالِ وَوَضَعُوا فِينَا السِّلَاحَ وَأَشْعَرُونَا بِالنَّبْلِ، وَقَدْ كَفَفْتُ يَدَيْ مَا اسْتَطَعْتُ. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم:«قَضَاءُ اللَّهِ خَيْرٌ» [1] . ويقال: قَالَ أَبُو بَكْر يومئذٍ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أراني فِي المنام وأراك دَنَوْنا من مكة، فخرجتْ إلينا كلْبةٌ تهرّ [2] . فلمّا دنونا منها استلْقَتْ عَلَى ظهرها، فإذا هِيَ تشخبُ لَبَنًا [3] . فقال: ذهبَ كلْبُهم وأقبل درُّهُم، وهم سائلوكم بأرحامكم وإنّكم لاقون بعضَهم، فإنْ لقيتم أَبَا سُفْيَان فلا تقتلوه» . فلقوا أَبَا سُفْيَان وحكيمًا بمرّ [الظَّهْران] [4] . وقال حسّان:[5]

عدِمْتُ بُنَيَّتي إنْ لم تروها

تُثِير النقع موعِدُها كداء

ينازعن الأعنّة مصحبات

يلطمهنّ بالخُمُرِ النّساءُ

فإنْ أعرضْتُم عنّا اعْتَمْرنا

وكان الفتح وانكشف الغطاء

[1] المغازي لعروة 121 وأورده البيهقي في السنن الكبرى 9/ 121 بإسناده عن ابن لهيعة عن أبي الأسود، عن عروة، وعن طريق موسى بن عقبة واللفظ له.

[2]

هرّ الكلب إليه يهرّ، بالكسر، هريرا وهرّة، أي هرير الكلب، صوته. وهو دون نباحه من قلّة صبره على البرد. (تاج العروس 14/ 420) .

[3]

شخبت اللّبن: حلبته.

[4]

سقطت من الأصل، وأثبتناها من ع.

[5]

ديوانه: ص 4- 10 باختلاف كبير في الألفاظ وانظر: عيون الأثر 2/ 181، 182، شفاء الغرام 2/ 221، سيرة ابن هشام 4/ 106، 107 البداية والنهاية 4/ 310 عيون التواريخ 1/ 310، 312.

ص: 542

وإلّا فاصْبِروا لجلاد يومٍ

يُعِزّ اللَّه فِيهِ مَن يشاءُ

وجبريلُ رَسُول اللَّهِ فينا

وَرُوحُ القدُسِ ليس لَهُ كفاءُ

هجوتَ محمَّدًا فأجبتُ عنهُ

وعندَ الله في ذاك الجزاء

[96 أ] فمن يهجو رَسُول اللَّهِ منكم

ويمدحهُ وينصرُهُ سَوَاءُ

لساني صارمٌ لا عيبَ فِيهِ

وبحري ما تُكَدِّرُهُ الدِّلاءُ

فذكروا أَنَّ رَسُول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم تبسّم إلى أَبِي بَكْر حين رَأَى النّساء يلطمن الخيل بالخُمُر، أي ينفضن الغُبار عَنِ الخيل.

وَقَالَ اللَّيْثُ: حَدَّثَنِي خَالِدُ بْنُ يَزِيدَ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي هِلَالٍ، عَنْ عُمَارَةَ بْنِ غَزِيَّةَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ عَائِشَةَ أَنّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قال:«اهجو قُرَيْشًا فَإِنَّهُ أَشَدُّ عَلَيْهَا مِنْ رَشْقِ النَّبْلِ» . وأرسل إلى ابن رواحة فقال: «اهجم» . فهجاهم فلم يرض، فأرسل إلى كعب ابن مَالِكٍ، ثُمَّ أُرْسِلَ إِلَى حَسَّانَ بْنِ ثَابِتٍ. فَلَمَّا دَخَلَ قَالَ: قَدْ آنَ لَكُمْ أَنْ تُرْسِلُوا إِلَى هَذَا الْأَسَدِ الضَّارِبِ بِذَنَبِهِ [1] . ثُمَّ أَدْلَعَ [2] لِسَانَهُ فَجَعَلَ يُحَرِّكُهُ، فَقَالَ: وَالَّذِي بَعَثَكَ بِالْحَقِّ لَأَفْرِيَنَّهُمْ فَرْيَ الْأَدِيمِ [3] . فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم:

«لَا تَعْجَلْ فَإِنَّ أَبَا بَكْرٍ أَعْلَمُ قُرَيْشٍ بِأَنْسَابِهَا وَإِنَّ لِي فِيهِمْ نَسَبًا، حَتَّى يُخَلِّصَ [4] لِي نَسَبِي» . فَأَتَاهُ حَسَّانُ ثُمَّ رَجَعَ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ قد أخلص [4] لي نسبك، فو الّذي بَعَثَكَ بِالْحَقِّ لَأَسُلَّنَّكَ مِنْهُمْ كَمَا تُسَلُّ [5] الشَّعْرةُ من العجين.

[1] الضارب بذنبه: المراد بذنبه: لسانه.

[2]

أدلع لسانه: أخرجه عن الشفتين.

[3]

أي لأمزّقنّ أعراضهم تمزيق الجلد.

[4]

في صحيح مسلم «يلخّص» و «لخّص» .

[5]

في الأصل: لأنسلنّك منهم نسل الشعرة، والتصحيح من ح وصحيح مسلم.

ص: 543

قَالَتْ عَائِشَةُ: فَسَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: يَقُولُ لِحَسَّانَ: «إِنَّ رُوحَ الْقُدُسِ لا يزال يؤيّدك ما نافحت عَنِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ» . وَقَالَتْ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: هَجَاهُمْ حَسَّانُ فَشَفَى وَاشْتَفَى [1] . وَذَكَرَ الْأَبْيَاتَ، وَزَادَ فِيهَا [2] :

هَجَوْتَ مُحَمَّدًا بَرًّا حَنِيفًا [3]

رَسُولَ اللَّهِ شِيمتُهُ الْوَفَاءُ

فَإِنَّ أَبِي وَوَالِدَه وَعِرْضِي

لِعِرْضِ مُحمَّدٍ مِنْكُمْ وِقَاءُ

فإنْ أَعْرَضْتُمُ عَنَّا اعْتَمَرْنا

وَكَانَ الْفَتْحُ وانْكَشَفَ الغِطاءُ

وَقَالَ اللَّهُ: قَدِ أَرْسَلْتُ عَبْدًا

يَقُولُ الْحَقَّ لَيْسَ بِهِ خَفَاءُ

وَقَال اللَّهُ: قَدْ سَيَّرْتُ [4] جُنْدًا

هُمُ الْأَنْصَارُ عُرْضَتُهَا [5] اللِّقَاءُ

لَنَا فِي كُلِّ يَوْمٍ مِنْ مَعَدٍّ

سِبابٌ أَوْ قِتَالٌ أَوْ هِجَاءُ

أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ [6] .

وَقَالَ سليمان بن المغيرة وغيره: ناثابت الْبُنَانِيُّ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ رَبَاحٍ قَالَ: وَفَدْنا إِلَى مُعَاوِيَةَ وَمَعَنَا أَبُو هُرَيْرَةَ، وَكَانَ بَعْضُنَا يَصْنَعُ لِبَعْضٍ الطَّعَامَ.

وَكَانَ أَبُو هُرَيْرَةَ مِمَّنْ يَصْنَعُ لَنَا فَيُكْثِرُ، فَيَدْعُو إِلَى رَحْلِهِ. قُلْتُ: لَوْ أَمَرْتُ بِطَعَامٍ فَصُنِعَ وَدَعَوْتُهُمْ إِلَى رَحْلِي، فَفَعَلْتُ. وَلَقِيتُ أَبَا هُرَيْرَةَ بِالْعَشِيِّ فَقُلْتُ:

الدَّعْوَةُ عِنْدِي اللَّيْلَةَ. فَقَالَ: سَبَقْتَنِي يَا أَخَا الْأَنْصَارِ. قَالَ: فَإِنَّهُمْ لَعِنْدِي إِذْ قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: أَلا أُعْلِمُكُمْ بِحَدِيثٍ مِنْ حَدِيثِكُمْ يَا معشر الأنصار؟ فذكر فتح

[1] في الأصل: وأشفى. وأثبتنا عبارة مسلم.

[2]

ديوانه: ص 5- 8 باختلاف في بعض الألفاظ وفي ترتيب الأبيات.

[3]

وفي صحيح مسلم «تقيّا» .

[4]

في صحيح مسلم «يسّرت» .

[5]

في طبعة القدسي 508 «عرصتها» ، والتصحيح من صحيح مسلم.

[6]

صحيح مسلم (2490) كتاب فضائل الصحابة. باب فضائل حسّان بن ثابت رضي الله عنه.

ص: 544

مَكَّةَ. وَقَالَ: بَعَثَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم خَالِدَ بْنَ الْوَلِيدِ عَلَى إِحْدَى الْمُجَنِّبَتَيْنِ [1] ، وَبَعَثَ الزُّبَيْرَ عَلَى الْمُجَنِّبَةِ الْأُخْرَى، وَبَعَثَ أبا عبيدة على الحسر. ثم رآني [96 ب] فَقَالَ: يَا أَبَا هُرَيْرَةَ. قُلْتُ: لَبَّيْكَ وَسَعْدَيْكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ. قَالَ:

اهْتِفْ لِي بِالْأَنْصَارِ وَلَا تَأْتِنِي إِلَّا بِأَنْصَارِيٍّ. قَالَ: فَفَعَلْتُهُ. ثُمَّ قَالَ: انْظُرُوا قُرَيْشًا وَأَوْبَاشَهُمْ فَاحْصُدُوهْم حَصْدًا.

فَانْطَلَقْنَا فما أحد منهم يُوَجِّهُ إِلَيْنَا شَيْئًا، وَمَا مِنَّا أَحَدٌ يُرِيدُ أَحَدًا مِنْهُمْ إِلَّا أَخَذَهُ. وَجَاءَ أَبُو سُفْيَانَ. فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ: أُبِيدَتْ [2] خَضْرَاءُ قُرَيْشٍ [3] لَا قُرَيْشَ بَعْدَ الْيَوْمِ. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «مَنْ دَخَلَ دَارَ أَبِي سُفْيَانَ فَهُوَ آمِنٌ، وَمَنْ أَلْقَى السِّلَاحَ فَهُوَ آمِنٌ» فَأَلْقَوْا سِلَاحَهُمْ.

وَدَخَلَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَبَدَأَ بِالْحَجَرِ فَاسْتَلَمَهُ، ثُمَّ طَافَ سَبْعًا وَصَلَّى خَلْفَ الْمَقَامِ رَكْعَتَيْنِ. ثُمَّ جَاءَ وَمَعَهُ الْقَوْسُ [وَهُوَ][4] آخِذٌ بِسِيَتِهَا [5] ، فَجَعَلَ يَطْعَنُ بِهَا فِي عَيْنِ صَنَمٍ مِنْ أَصْنَامِهِمْ، وَهُوَ يَقُولُ: جاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْباطِلُ إِنَّ الْباطِلَ كانَ زَهُوقاً 17: 81 [6] . ثُمَّ انْطَلَقَ حَتَّى أَتَى الصَّفَا [7] ، فَعَلَا مِنْهُ حَتَّى يَرَى الْبَيْتَ، وَجَعَلَ يَحْمَدُ اللَّهَ وَيَدْعُوهُ، وَالْأَنْصَارُ عِنْدَهُ يَقُولُونَ: أَمَّا الرَّجُلُ فَأَدْرَكَتْهُ رَغْبَةٌ فِي قَرْيَتِهِ وَرَأْفَةٌ بِعَشِيرَتِهِ. وَجَاءَ الْوَحْيُ، وَكَانَ الْوَحْيُ إِذَا جَاءَ لَمْ يَخْفَ عَلَيْنَا. فَلَمَّا أَنْ رَفَعَ الْوَحْيُ قَالَ: يَا مَعْشَرَ الْأَنْصَارِ قُلْتُمْ كَذَا وَكَذَا، كَلَّا فَمَا اسْمِي إِذًا؟ كَلَّا، إِنِّي عَبْدُ اللَّهِ وَرَسُولُهُ. الْمَحْيَا مَحْيَاكُمْ

[1] المجنبتين: هما الميمنة والمسيرة، والقلب بينهما.

[2]

وفي رواية «أبيحت» .

[3]

خضراء قريش: أي جماعتهم.

[4]

زيادة من صحيح مسلم تقتضيها صحة العبارة.

[5]

سيتها: أي بطرفها، وهي خفيفة الياء.

[6]

سورة الإسراء: من الآية 81.

[7]

الصّفا: مكان مرتفع من جبل أبي قبيس بينه وبين المسجد الحرام عرض الوادي ومنه يبدأ السعي بين الصّفا والمروة من مناسك الحجّ. (معجم البلدان 3/ 411) .

ص: 545

وَالْمَمَاتُ مَمَاتُكُمْ. فَأَقْبَلُوا يَبْكُونَ وَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا قُلْنَا إِلَّا الضِّنَّ باللَّه وَبِرَسُولِهِ. فَقَالَ: إِنَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ يُصَدِّقَانِكُمْ وَيُعْذِرَانِكُمْ.

أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ [1] . وَعِنْدَهُ: كَلَّا إِنِّي عَبْدُ اللَّهِ وَرَسُولُهُ، هَاجَرْتُ إِلَى اللَّهِ وَإِلَيْكُمْ. وَفِي الْحَدِيثِ دَلَالَةٌ عَلَى الْإِذْنِ بِالْقَتْلِ قَبْلَ عَقْدِ الْأَمَانِ.

وَقَالَ سَلَّامُ بْنُ مِسْكِينٍ: حَدَّثَنِي ثَابِتُ الْبُنَانِيُّ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ رَبَاحٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: مَا قُتِلَ يَوْمَ الْفَتْحِ إِلَّا أَرْبَعَةٌ. ثُمَّ دَخَلَ صَنَادِيدُ قُرَيْشٍ الْكَعْبَةَ وَهُمْ يَظُنُّونَ أَنَّ السَّيْفَ لَا يُرْفَعُ عَنْهُمْ. ثُمَّ طَافَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَصَلَّى ثُمَّ أَتَى الْكَعْبَةَ فَأَخَذَ بِعُضَادَتَيِ الْبَابِ فَقَالَ: «مَا تَقُولُونَ وَمَا تَصْنَعُونَ» ؟ قَالُوا:

نَقُولُ ابْنُ أَخٍ وَابْنُ عَمٍّ حَلِيمٌ رَحِيمٌ. فَقَالَ: «أَقُولُ كَمَا قَالَ يُوسُفَ: لا تَثْرِيبَ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ، يَغْفِرُ اللَّهُ لَكُمْ 12: 92 [2] » . قَالَ: فَخَرَجُوا كَمَا نُشِرُوا مِنَ الْقُبُورِ. فَدَخَلُوا فِي الْإِسْلَامِ. وقال عُرْوَةُ عَنْ عَائِشَةَ: دَخَلَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يوم الفتح من كَداء من أعلى مكَّة [3] .

وقال عَبْد اللَّه بْن عُمَر [4] ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَر قَالَ: لما دَخَلَ رَسُول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَامَ الفتح رَأَى النّساء يَلْطُمْنَ وجوهَ الخيل بالخُمُر، فَتَبَسَّمَ رَسُول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إلى أبي بكر وقال:«كيف قال حسّان» ؟ فأنشده أبو بكر:

[1] صحيح مسلم (1780) كتاب الجهاد والسير: باب فتح مكة. وفي رواية له: «ألا فما اسمي إذا! «ثلاث مرات» أنا محمد عبد الله ورسوله» . وانظر: سيرة ابن هشام 4/ 95، ورواه أبو داود، رقم (3024) في الخراج والإمارة، باب ما جاء في خبر مكة.

[2]

سورة يوسف: من الآية 92.

[3]

صحيح البخاري، كتاب المغازي، باب دخول النّبيّ صلى الله عليه وسلم على مكة 5/ 93 طبقات ابن سعد 2/ 140، شفاء الغرام 2/ 222.

[4]

هو عبد الله بن عمر بن حفص بن عاصم بن عمر، كما في (تهذيب التهذيب 5/ 326) .

ص: 546

عدمت بنيتي إن لم تروها

تثير النقع من كنفي كداء

ينازعني الأعنَّةَ مُسْرجات

يَلْطمُهُنّ بالخُمُر النّساء

فقال: «ادخلوها من حيث قَالَ حسّان» [1] . وَقَالَ الزُّهْرِيُّ، عَنْ أَنَسٍ، دَخَلَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم [97 أ] عَامَ الْفَتْحِ مَكَّةَ وَعَلَى رَأْسِهِ الْمِغْفَرُ، فَلَمَّا وَضَعَهُ جَاءَ رَجُلٌ فَقَالَ: هَذَا ابْنُ خَطَلَ مُتَعَلِّقٌ بِأَسْتَارِ الْكَعْبَةِ. فَقَالَ: اقْتُلُوهُ. مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ [2] .

وكأن رَسُول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قد أهدر دم ابن خَطَلَ وثلاثة غيره [3] .

وَقَالَ مَنْصُورُ بْنُ أَبِي مُزَاحِمٍ: ثَنَا أَبُو مَعْشَرٍ، عَنْ يُوسُفَ بْنِ يَعْقُوبَ، عَنِ السَّائِبِ بْنِ يَزِيدَ. قَالَ: رَأَيْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَتَلَ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ خَطَلٍ يَوْمَ أَخْرَجُوهُ مِنْ تَحْتَ الْأَسْتَارِ. فَضَرَبَ عُنُقَهُ بَيْنَ زَمْزَمَ وَالْمَقَامِ. ثُمَّ قَالَ: «لَا يُقْتَلُ قُرَشِيٌّ بَعْدَهَا صَبْرًا» . وَقَالَ مُعَاوِيَةُ بْنُ عَمَّارٍ الدُّهْنِيُّ، عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ، عَنْ جَابِرٍ أَنّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم دخل مَكَّةَ يَوْمَ الْفَتْحِ وَعَلَيْهِ عِمَامَةٌ سَوْدَاءُ بِغَيْرِ إِحْرَامٍ. أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ [4] .

وَفِي مُسْنَدِ الطيَّالِسيِّ [5] حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ، عَنْ

[1] رواه الفاكهي في تاريخ مكة، شفاء الغرام 2/ 221.

[2]

صحيح البخاري: كتاب المغازي، باب أين ركّز النّبيّ صلى الله عليه وسلم الراية يوم الفتح 5/ 92، وصحيح مسلم (1375) كتاب الحجّ، باب جواز دخول مكة بغير إحرام، والموطّإ 1/ 423 في الحج، باب جامع الحج، وأبو داود (2685) في الجهاد، باب قتل الأسير ولا يعرض عليه الإسلام، والترمذي (1693) في الجهاد، باب ما جاء في المغفر، والنسائي 5/ 210، في الحج، باب دخول مكة بغير إحرام، مسند الحميدي 2/ 509 رقم 1212، طبقات ابن سعد 2/ 139، الفوائد العوالي تخريج الصوري 9 أ، مخطوطة الظاهرية (الجزء الخامس) شفاء الغرام 2/ 215. معجم الشيوخ لابن جميع الصيداوي (بتحقيقنا) ص 72.

[3]

انظر شفاء الغرام (بتحقيقنا) ج 2/ 224.

[4]

صحيح مسلم (1358) كتاب الحج، باب جواز دخول مكة بغير إحرام.

[5]

منحة المعبود: كتاب اللباس والزينة، ما جاء في العمامة إلخ (1/ 351) . ورواه ابن سعد في الطبقات الكبرى 2/ 140 من طريق الفضل بن دكين، عن شريك، عن عمّار الدهني عن أبي

ص: 547

جَابِرٍ أَنّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم دَخَلَ يَوْمَ الْفَتْحِ وَعَلَيْهِ عِمَامَةٌ سَوْدَاءُ.

وَقَالَ مُسَاوِرٌ الْوَرَّاقُ: سَمِعْتُ جَعْفَرَ بْنَ عَمْرِو بْنِ حُرَيْثٍ عَنْ أَبِيهِ.

قَالَ: كَأَنِّي أَنْظُرُ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَوْمَ فَتْحِ مَكَّةَ، وَعَلَيْهِ عِمَامَةٌ سَوْدَاءُ خُرْقَانِيَّةٌ [1] ، قَدْ أَرْخَى طَرَفَهَا بَيْنَ كَتِفَيْهِ. أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ [2] .

وَقَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ، أَنَّ عَائِشَةَ قَالَتْ: كَانَ لِوَاءُ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَوْمَ الْفَتْحِ أَبْيَضَ، وَرَايَتُهُ سَوْدَاءَ، قِطْعَةٌ مِنْ مِرْطٍ لِي مُرَجَّلٌ، وَكَانَتِ الرَّايَةُ تُسَمَّى الْعُقَابُ.

قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ: لَمَّا نَزَلَ رَسُول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بذي طَوَى وَرَأَى مَا أكرمه اللَّه بِهِ من الفتح جعل يتواضع للَّه حتّى إنّك لتَقُول قد كاد عُثْنُونُه أنَّ يُصيب واسطةَ الرَّحْلِ.

وَقَالَ ثَابِتٌ، عَنْ أَنَسٍ: دَخَلَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَوْمَ الْفَتْحِ وَذَقْنُهُ عَلَى رَحْلِهِ مُتَخَشِّعًا. حَدِيثٌ صَحِيحٌ.

وَقَالَ شُعْبَةُ، عَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ قُرَّةَ، سَمِعَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُغَفَّلٍ، قَالَ: قَرَأَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَوْمَ الْفَتْحِ سُورَةَ الْفَتْحِ وَهُوَ عَلَى بَعِيرٍ، فَرَجَّعَ فِيهَا. ثُمَّ قَرَأَ مُعَاوِيَةُ يَحْكِي قِرَاءَةَ ابْنِ مُغَفَّلٍ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم. متّفق عليه، ولفظه للبخاريّ [3] .

[ () ] الزبير، عن جابر. ورواه عن عفان بن مسلم وكثير بن هشام، عَنْ حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ، عَنْ جابر، به.

[1]

خرقانية: أي مكوّرة كعمامة أهل الرساتيق. ويروى: حرقانية أي التي على لون ما أحرقته النّار.

[2]

صحيح مسلم (1359) كتاب الحج، باب جواز دخول مكة بغير إحرام.

[3]

صحيح البخاري: كتاب المغازي، باب أين ركّز النّبيّ صلى الله عليه وسلم الراية يوم الفتح 5/ 92. وصحيح مسلم (794) كتاب صلاة المسافرين وقصرها، باب ذكر قراءة النبي صلى الله عليه وسلم سورة الفتح يوم فتح مكّة.

ص: 548

وَقَالَ ابْنُ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، عَنْ أَبِي مَعْمَرٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ، قَالَ: دَخَلَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم مَكَّةَ يَوْمَ الْفَتْحِ، وَحَوْلَ الْكَعْبَةِ ثَلَاثُمِائَةٍ وَسِتُّونَ نُصُبًا، فَجَعَلَ يَطْعَنُهَا بِعُودٍ فِي يَدِهِ وَيَقُولُ: جاءَ الْحَقُّ وَما يُبْدِئُ الْباطِلُ وَما يُعِيدُ 34: 49 [1] . جاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْباطِلُ إِنَّ الْباطِلَ كانَ زَهُوقاً 17: 81 [2] . مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ [3] .

وَقَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: ثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: دَخَلَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَوْمَ الْفَتْحِ، وَعَلَى الْكَعْبَةِ ثَلَاثُمِائَةِ صَنَمٍ، فَأَخَذَ قَضِيبَهُ [4] فَجَعَلَ يَهْوِي بِهِ إِلَى صَنَمٍ صَنَمٍ، وَهُوَ يَهْوِي حَتَّى مَرَّ عَلَيْهَا كُلِّهَا. حَدِيثٌ حَسَنٌ.

وَقَالَ الْقَاسِمُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْعُمَرِيُّ- وهو ضعيف [5]- عن عبد الله بن

[1] سورة سبإ: الآية 49.

[2]

سورة الإسراء: من الآية 81.

[3]

صحيح البخاري: كتاب المظالم والغصب، باب هل تكسر الدّنان التي فيها الخمر إلخ.

3/ 108 وفي كتاب المغازي، باب أين ركّز النّبيّ صلى الله عليه وسلم الراية يوم الفتح، وفي تفسير سورة بني إسرائيل، باب وقل جاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْباطِلُ إِنَّ الْباطِلَ كانَ زَهُوقاً 17:81. وصحيح مسلم (1781) كتاب الجهاد والسير، باب إزالة الأصنام من حول الكعبة، والترمذي (3137) في التفسير، باب ومن سورة بني إسرائيل.

[4]

في الأصل: قصبة، وأثبتنا لفظ ع، ح.

[5]

قال أحمد: ليس بشيء كان يكذب، ويضع الحديث، وقال يحيى بن مَعِينٍ: لَيْسَ بِشَيْءٍ.

وَقَالَ مَرَّةً: كَذَّابٌ. وَقَالَ أبو حاتم والنسائي: متروك، وقال الدار الدّارقطنيّ: ضعيف. وقال البخاري: سكتوا عنه.

انظر عنه في: التاريخ لابن معين 2/ 481 رقم 686، التاريخ الصغير للبخاريّ 181، الضعفاء الصغير له 273 رقم 302، الضعفاء الكبير للعقيليّ 3/ 472- 474 رقم 1529، التاريخ الكبير للبخاريّ 4/ 173، المجروحين لابن حبّان 2/ 212، الجرح والتعديل لابن أبي حاتم 7/ 111، 112، رقم 643، أحوال الرجال للجوزجانيّ 133 رقم 224، الضعفاء والمتروكين للدار للدّارقطنيّ 143 رقم 439، الكامل في الضعفاء لابن عديّ 6/ 2058، 2059، المغني في الضعفاء للذهبي 2/ 519 رقم 4992. ميزان الاعتدال له 3/ 371، 372 رقم 6812، الكاشف له: 2/ 336 رقم 4585، الكشف الحثيث لبرهان الدين الحلبي 337 رقم 592، تهذيب التهذيب لابن حجر 8/ 320، تقريب التهذيب له 2/ 118.

ص: 549

دِينَارٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، أَنّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم لَمَّا دَخَلَ مَكَّةَ وَجَدَ بها ثلاثمائة [97 ب] وَسِتِّينَ صَنَمًا. فَأَشَارَ إِلَى كُلِّ صَنَمٍ بِعَصًا مِنْ غَيْرَ أَنْ يَمَسَّهَا. وَقَالَ: جاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْباطِلُ إِنَّ الْباطِلَ كانَ زَهُوقاً 17: 81 [1] ، فَكَانَ لَا يُشِيرُ إِلَى صَنَمٍ إِلَّا سَقَطَ [2] . وَقَالَ عَبْدُ الْوَارِثِ، عَنْ أَيُّوبَ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: أَنّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم لَمَّا قَدِمَ مَكَّةَ، أَبَى أَنْ يَدْخُلَ الْبَيْتَ وَفِيهِ الْآلِهَةُ، فَأَمَرَ بِهَا فَأُخْرِجَتْ.

فَأَخْرَجَ صُورَةَ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَفِي أَيْدِيهِمَا الْأَزْلَامُ، فَقَالَ:«قاتَلَهُمُ اللَّهُ، أَمَا وَاللَّهِ لَقَدْ علِموا أَنَّهُمَا لَمْ يَسْتَقسِما بِهَا قَطُّ» . وَدَخَلَ الْبَيْتَ وَكَبَّرَ فِي نَوَاحِيهِ.

أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ [3] . وَقَالَ مَعْمَرٌ، عَنْ أَيُّوبَ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: أَنّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم لَمَّا رَأَى الصُّوَرَ فِي الْبَيْتِ لَمْ يَدْخُلْهُ حَتَّى أُمِرَ بِهَا فَمُحِيَتْ. وَرَأَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ بِأَيْدِيهِمَا الْأَزْلَامُ، فَقَالَ:«قَاتَلَهُمُ اللَّهُ، وَاللَّهِ مَا اسْتَقْسَما بها قطّ» .

صحيح [4] . وقال أبو الزُّبَيْرِ، عَنْ جَابِرٍ: أَنّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لَمْ يَدْخُلْ الْبَيْتَ حَتَّى محيت الصّور. صحيح.

[1] سورة الإسراء، الآية 81.

[2]

الحديث على ضعفه لضعف القاسم بن عبد الله العمري، يقوّيه الحديث الّذي أخرجه البخاري، في كتاب المغازي، باب أين ركّز النّبيّ صلى الله عليه وسلم الراية يوم الفتح (5/ 92) من طريق مُجَاهِدٍ، عَنْ أَبِي مَعْمَرٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ، قَالَ: دَخَلَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم مكة يوم الفتح وحول البيت ستون وثلاثمائة نصب، فَجَعَلَ يَطْعَنُهَا بِعُودٍ فِي يَدِهِ وَيَقُولُ: جاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْباطِلُ 17: 81 جاءَ الْحَقُّ وَما يُبْدِئُ الْباطِلُ وَما يُعِيدُ 34: 49. وأخرجه مسلم في كتاب الجهاد والسير، باب إزالة الأصنام من حول الكعبة (1781) ، وابن سعد في الطبقات 2/ 136.

[3]

في كتاب المغازي، باب أين ركّز النّبيّ صلى الله عليه وسلم الراية يوم الفتح (5/ 93) وانظر السيرة لابن هشام 4/ 94 و 104.

[4]

رواه أحمد في المسند 1/ 365، والبخاري في كتاب المغازي، باب أين ركّز النبيّ صلى الله عليه وسلم الراية يوم الفتح (5/ 93) ، وأخرجه في كتاب الحج، باب من كبّر في نواحي الكعبة (2/ 160) ، وانظر السيرة لابن هشام 4/ 94.

ص: 550

[وَقَالَ هَوْذَةُ: ثنا عَوْفٌ الأَعْرَابِيُّ، عَنْ رَجُلٍ، قال: دعار رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَامَ الْفَتْحِ، شَيْبَةَ بْنَ عُثْمَانَ فَأَعْطَاهُ الْمِفْتَاحَ، وَقَالَ لَهُ: دُونَكَ هَذَا، فَأَنْتَ أَمِينُ اللَّهِ عَلَى بَيْتِهِ. قَالَ الْوَاقِدِيُّ: هَذَا غَلَطٌ، إِنَّمَا أَعْطَى الْمِفْتَاحَ عُثْمَانَ بْنَ طَلْحَةَ، ابْنَ عَمِّ شَيْبَةَ، يَوْمَ الْفَتْحِ، وَشَيْبَةُ يَوْمَئِذٍ كَافِرٌ. وَلَمْ يَزَلْ عُثْمَانُ عَلَى الْبَيْتِ حَتَّى مَاتَ ثُمَّ وُلِّيَ شيبة.

قلت: قول الواقديّ لمن يَزَلْ عُثْمَانُ عَلَى الْبَيْتِ حَتَّى مَاتَ، فِيهِ نَظَرٌ.

فَإِنْ أَرَادَ لَمْ يَزَلْ مُنْفَرِدًا بِالْحِجَابَةِ، فَلا نُسَلِّمُ. وَإِنْ أَرَادَ مُشَارِكًا لِشَيْبَةَ، فَقَرِيبٌ.

فَإِنَّ شَيْبَةَ كَانَ حَاجِبًا فِي خِلافَةِ عُمَرَ. وَيُحْتَمَلُ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم وَفَّى الْحِجَابَةِ لِشَيْبَةَ لَمَّا أَسْلَمَ. وَكَانَ إِسْلامُهُ عَامَ الْفَتْحِ، لا يَوْمَ الْفَتْحِ.

وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ حُمْرَانَ، أنا أَبُو بِشْرٍ، عَنْ مُسَافِعِ بْنِ شَيْبَةَ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: دَخَلَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم الْكَعْبَةَ فَصلَّى، فَإِذَا فِيهَا تَصَاوِيرُ، فَقَالَ: يَا شَيْبَةُ، اكْفِنِي هَذِهِ. فَاشْتَدَّ ذَلِكَ عَلَيْهِ. فَقَالَ لَهُ رَجُلٌ: طَيِّنْهَا ثُمَّ الْطَخْهَا بِزَعْفَرَانَ. فَفَعَلَ [1] .

تَفَرَّدَ بِهِ مُحَمَّدٌ، وَهُوَ مُقَارِبٌ لِلأَمْرِ] [2] . وَقَالَ يُونُسُ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ: أَنّ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم أَقْبَلَ يَوْمَ الْفَتْحِ مِنْ أَعْلَى مَكَّةَ عَلَى رَاحِلَتِهِ مُرْدِفًا أُسَامَةَ، وَمَعَهُ بِلَالٌ وَعُثْمَانُ بْنُ طَلْحَةَ، مِنَ الْحَجَبَةِ، حَتَّى أَنَاخَ فِي الْمَسْجِدِ. فَأَمَرَ عُثْمَانَ أَنْ يَأْتِي بِمِفْتَاحِ الْبَيْتِ، فَفَتَحَ وَدَخَلَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مَعَ أُسَامَةَ وَبِلَالٍ وَعُثْمَانَ. فَمَكَثَ فِيهَا نَهَارًا طَوِيلًا. ثُمَّ خَرَجَ فَاسْتَبَقَ النَّاسُ، وَكَانَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ أَوَّلَ مَنْ دَخَلَ، فَوَجَدَ بِلَالًا وَرَاءَ الْبَابِ، فَسَأَلَهُ: أَيْنَ صَلَّى رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم؟ فَأَشَارَ إِلَى الْمَكَانِ الَّذِي صَلَّى فِيهِ.

[1] رواه ابن قانع في معجمه، وانظر «شفاء الغرام» بتحقيقنا 1/ 230.

[2]

ما بين الحاصرتين انفردت به النسخة (ح) .

ص: 551

قَالَ ابْنُ عُمَرَ: فَنَسِيتُ أَنْ أَسْأَلَهُ: كَمْ صَلَّى مِنْ سَجْدَةٍ؟. صَحِيحٌ. عَلَّقَهُ الْبُخَارِيُّ مُحْتَجًّا بِهِ [1] .

وَقَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرِ بْنِ الزُّبَيْرِ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي ثَوْرٍ، عَنْ صَفِيَّةَ بِنْتِ شَيْبَةَ قَالَتْ: لَمَّا اطْمَأَنَّ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بِمَكَّةَ، طَافَ عَلَى بَعِيرِهِ، يَسْتَلِمُ الْحَجَرَ بِالْمِحْجَنِ [2] . ثُمَّ دَخَلَ الْكَعْبَةَ فَوَجَدَ فِيهَا حَمَامَةً [مِنْ] عِيدَانٍ [3] فَاكْتَسَرَهَا، ثُمَّ قام بها على الباب الْكَعْبَةِ- وَأَنَا أَنْظُرُ- فَرَمَى بِهَا.

وَذَكَرَ أَسْبَاطٌ، عَنِ السُّدِّيِّ، عَنْ مُصْعَبِ بْنِ سَعْدٍ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: لَمَّا كَانَ يَوْمُ فَتْحِ مَكَّةَ، أَمَّنَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم النَّاسَ، إِلا أَرْبَعَةَ نَفَرٍ وَامْرَأَتَيْنِ، وَقَالَ:

اقْتُلُوهُمْ، وَإِنْ وَجَدْتُمُوهُمْ مُتَعلِّقِينَ بِأَسْتَارِ الْكَعْبَةِ: عِكْرِمَةُ بْنُ أَبِي جَهْلٍ، وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ خَطَلٍ، وَمِقْيَسُ بْنُ صُبَابَةَ [4] ، وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَعْدِ بْنِ أَبِي سَرْحٍ. فَأَمَّا ابْنُ خَطَلٍ فَأُدْرِكَ وَهُوَ مُتَعَلِّقٌ بِالأَسْتَارِ، فَاسْتَبَقَ إِلَيْهِ سَعِيدُ بْنُ حُرَيْثٍ وَعَمَّارُ بْنُ يَاسِرٍ، فَسَبَقَ سَعِيدٌ عَمَّارًا، فَقَتَلَهُ. وَأَمَّا مِقْيَسٌ فَقَتَلُوهُ فِي السُّوقِ. وَأَمَّا عِكْرِمَةُ فَرَكِبَ الْبَحْرَ، وَذَكَرَ قِصَّتَهُ، ثُمَّ أَسْلَمَ. وَأَمَّا ابْنُ أَبِي سَرْحٍ فَاخْتَبَأَ عِنْدَ عُثْمَانَ، فَلَمَّا دَعَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم النَّاسَ إِلَى الْبَيْعَةِ، جَاءَ بِهِ عُثْمَانُ حَتَّى أَوْقَفَهُ عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، بَايِعْ عَبْدَ اللَّهِ. فرفع [98 أ] رأسه فنظر إليه

[1] صحيح البخاري: كتاب المغازي، باب دخول النبي صلى الله عليه وسلم من أعلى مكة (5/ 93)، وانظر:

المسند لأحمد 6/ 15، وشرح معاني الآثار للطحاوي 1/ 391، وشفاء الغرام (بتحقيقنا) 1/ 228.

[2]

في الأصل (ح)«يستلم المحجن» ، والتصحيح من (ع) .

[3]

في الأصل «جماعة عيدان» ، وفي نسختي: ع، ح:«جماعة عيدان» ، والمثبت يتفق مع رواية ابن هشام في السيرة 4/ 93.

[4]

ورد «مقيس بن حبابة» بالحاء بدل الصاد، في سيرة ابن هشام 2/ 93 وأضاف إلى الأربعة:

«الحويرث بن نقيد بن وهب بن عبد قصيّ» ، وقينتي عبد الله بن خطل:«فرتنى وصاحبتها» وهي سارة مولاة لبعض بني عبد المطّلب. وانظر: شفاء الغرام (بتحقيقنا 1/ 56) .

ص: 552

ثَلاثًا، كُلُّ ذَلِكَ يَأْبَى، فَبَايَعَهُ بَعْدَ ثَلاثٍ. ثُمَّ أَقْبَلَ عَلَى أَصْحَابِهِ فَقَالَ:«أَمَا كَانَ فِيكُمْ رَجُلٌ رَشِيدٌ يَقُومُ إِلَى هَذَا، حَيْثُ رَآنِي كَفَفْتُ، فَيَقْتُلُهُ؟» .

قَالُوا: مَا يُدْرِينَا، يَا رَسُولَ اللَّهِ، مَا فِي نَفْسِكَ، هَلا أَوْمَأْتَ إِلَيْنَا بِعَيْنِكَ؟

قَالَ: «إِنَّهُ لَا يَنْبغي أَنْ يَكُونَ لنَبِيٍ خَائِنَة الأَعْيُن» [1] . وَقَالَ ابْنُ إِسْحَاق: حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي بكر، قال: قدِم مِقْيس بْن صُبابة عَلَى رَسُول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم المدينة، وقد أظهر الإِسلامَ، يطلُب بِدَمِ أخيه هِشام. [وكان قتله رجلٌ من المسلمين يَوْم بني المُصْطَلِق ولا يحسبه إلّا مُشْرِكًا] [2] . فَقَالَ رَسُول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: إنّما قُتِل أخوك خطأ. وأمرَ لَهُ بديَته، فأخذها، فمَكَث مَعَ المسلمين شيئًا، ثمّ عَدَا عَلَى قاتل أخيه فقتله، ولحِق بمكة كافرًا. فأمر رَسُول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عامَ الفتح- بقَتْله، فقتله رجلٌ من قومه يقال لَهُ نُمَيْلَة بْن عَبْد اللَّه، بين الصَّفَا والمَرْوَة [3] . وحدّثني عَبْد اللَّه بْن أَبِي بَكْر، وأبو عُبَيْدة بْن مُحَمَّد بْن عمّار: أَنّ رَسُول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إنّما أمر بقتل ابن أَبِي سَرْح لأنه كَانَ قد أسلم، وكتب لرَسُول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم الوَحْيَ. فرجع مُشْرِكًا ولَحِق بمكة [4] .

قَالَ ابن إِسْحَاق: وإنّما أمر بقتل عَبْد اللَّه بْن خَطَلَ، أحد بني تَيْم بْن غَالب، لأنه كَانَ مسلمًا، فبعثه، رَسُول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مصدّقا [5] ، وبعث معه رجلا من

[1] قال ابن الأثير في (النهاية في غريب الحديث 2/ 6) : أي يفسّر في نفسه غير ما يظهر، فإذا كفّ لسانه وأومأ بعينه فقد خان، وإذا كان ظهور تلك الحالة من قبل العين سمّيت خائنة الأعين. وانظر: المغازي للواقدي 2/ 856، وسيرة ابن هشام 4/ 92، وعيون الأثر لابن سيّد الناس 2/ 175، وشفاء الغرام 2/ 187.

[2]

ما بين الحاصرتين من نسخة (ح) .

[3]

انظر سيرة ابن هشام 4/ 93، وعيون الأثر 2/ 176، والمغازي للواقدي 2/ 860، 861، شفاء الغرام 2/ 228.

[4]

انظر: السيرة لابن هشام 4/ 92، والمغازي للواقدي 2/ 855، وعيون الأثر 2/ 175، وشفاء الغرام 2/ 225.

[5]

مصدّقا: أي جابيا للصدقات.

ص: 553

الأنصار، وكان معه مَوْلًى يخدمه وكان مسلمًا. فنزل منزلًا، فأمر الموْلى أنَّ يذبح تَيْسًا ويصنع لَهُ طعامًا، ونام فاستيقظ ولم يصنع لَهُ شيئًا فقتله وَارْتَدَّ.

وكان لَهُ قَيْنَة وصاحبتُها تغنّيان بهجاء رَسُول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، فأمر بقتلهما معه. وكان ممّن يؤذي رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم [1] .

وَقَالَ يَعْقُوبُ الْقُمِّيُّ: ثنا جَعْفَرُ بْنُ أَبِي الْمُغِيرَةِ، عَنِ ابْنِ أَبْزَى، قَالَ: لَمَّا افْتَتَحَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مَكَّةَ، جَاءَتْ عَجُوزٌ حَبَشِيَّةٌ شَمْطَاءُ تَخْمِشُ وَجْهَهَا وَتَدْعُو بِالْوَيْلِ. فَقِيلَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، رَأَيْنا كَذَا وَكَذَا. فَقَالَ:«تِلْكَ نَائِلَةُ [2] أَيِست أَنْ تُعبد بِبَلَدِكُمْ هَذَا أَبَدًا» . كَأَنَّهُ مُنْقَطِعٌ [3] . وَقَالَ يُونُسُ بْنُ بُكَيْرٍ، عَنْ زَكَرِيَّا، عَنِ الشَّعْبِيِّ، عَنِ الْحَارِثِ بْنِ مَالِكٍ، هُوَ ابْنُ بَرْصَاءَ، قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَوْمَ الْفَتْحِ يَقُولُ: «لَا تُغْزَى مَكَّةَ بَعْدَ الْيَوْمِ أَبَدًا إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ» [4] . وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ فُضَيْلٍ: ثنا الْوَلِيدُ بْنُ جُمَيْعٍ، عَنْ أَبِي الطُّفَيْلِ، قَالَ: لَمَّا فَتَحَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مَكَّةَ، بَعَثَ خَالِدَ بْنَ الْوَلِيدِ إِلَى نَخْلَةٍ، وَكَانَتْ بِهَا الْعُزَّى.

فَأَتَاهَا خَالِدٌ وَكَانَتْ عَلَى ثَلاثِ سَمُرَاتٍ. فَقَطَعَ السَّمُرَاتِ وَهَدَمَ الْبَيْتَ الَّذِي كَانَ عَلَيْهَا. ثُمَّ أَتَى النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم فَأَخْبَرَهُ. فَقَالَ: «ارْجِعْ، فَإِنَّكَ لَمْ تَصْنَعْ شَيْئًا» .

فَرَجَعَ خَالِدٌ. فَلَمَّا نَظَرَتْ إِلَيْهِ السَّدَنَةُ، وَهُمْ حُجَّابُهَا، أمعنوا في الجبل وهم

[1] السيرة لابن هشام 4/ 92، 93، والمغازي للواقدي 2/ 859، 860، وعيون الأثر 2/ 176، والسيرة لابن كثير 3/ 564، وشفاء الغرام 2/ 226 و 227.

[2]

هي نائلة بنت زيد، من جرهم، دخلت مع إساف بن يعلى الكعبة، فوجدا غفلة من الناس، ففجر بها. فمسخا حجرين، فعبدتهما خزاعة وقريش. (الأصنام لابن الكلبي ص 9 و 29) .

[3]

روى مثله الأزرقي في (أخبار مكة 1/ 122) عن جدّه، عن محمد بن إدريس، عن الواقدي، عن أشياخه. وانظر، شفاء الغرام 2/ 447.

[4]

الطبقات الكبرى لابن سعد 2/ 137 وقال أيضا: «لا تغزى قريش بعد هذا اليوم إلى يوم القيامة» ، ومثله في المغازي للواقدي 2/ 862 من طريق: يزيد بن فراس، عن عراك بن مالك، عن الحارث بن البرصاء. وفي آخره:«يعني على الكفر» .

ص: 554

يَقُولُونَ: يَا عُزَّى خَبِّلِيهِ، يَا عُزَّى عَوِّرِيهِ [1] ، وإلّا فموتي برغم. فأتاها [98 ب] خَالِدٌ، فَإِذَا امْرَأَةٌ عُرْيَانَةٌ نَاشِرَةٌ شَعْرَهَا تَحْثُو التُّرَابَ عَلَى رَأْسِهَا.

فَعَمَّمَهَا بِالسَّيْفِ حَتَّى قَتَلَهَا. ثُمَّ رَجَعَ إِلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَأَخْبَرَهُ. فَقَالَ: «تِلْكَ الْعُزَّى» [2] . أَبُو الطُّفَيْلِ لَهُ رُؤْيَةٌ.

وَقَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: حَدَّثَنِي أَبِي قَالَ: حَدَّثَنِي بَعْضُ آلِ جُبَيْرِ بْنِ مُطْعِمٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لَمَّا دَخَلَ مَكَّةَ، أَمَرَ بِلالا فَعَلا عَلَى ظَهْرِ الْكَعْبَةِ، فَأَذَّنَ عَلَيْهَا. فَقَالَ بَعْضُ بَنِي سَعِيدِ بْنِ الْعَاصِ: لَقَدْ أَكْرَمَ اللَّهُ سَعِيدًا إِذْ قَبَضَهُ قَبْلَ أَنْ يَرَى هَذَا الأَسْوَدَ عَلَى ظَهْرِ الْكَعْبَةِ.

وَقَالَ عُرْوَةُ: أَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم [بِلالا][3] يَوْمَ الْفَتْحِ فَأَذَّنَ عَلَى الْكَعْبَةِ [4] .

وَقَالَ اللَّيْثُ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي حَبِيبِ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي هِنْدَ [5] : أَنَّ أَبَا مُرَّةَ مَوْلَى عَقِيلٍ حَدَّثَهُ، أَنَّ أُمَّ هَانِئٍ بِنْتَ أَبِي طَالِبٍ حَدَّثَتْهُ، لَمَّا كَانَ عَامَ الْفَتْحِ فَرَّ إِلَيْهَا رَجُلَانِ مِنْ بَنِي مَخْزُومٍ، فَأَجَارَتْهُمَا. قَالَتْ: فَدَخَلَ عَلَيَّ عَلِيٌّ فَقَالَ: أَقْتُلُهُمَا. فَأَتَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، وَهُوَ بِأَعْلَى مَكَّةَ، فَلَمَّا رَآنِي رَحَّبَ فَقَالَ:«مَا جَاءَ بِكِ يَا أُمِّ هَانِئٍ؟ قَالَتْ: يَا نَبِيَّ اللَّهِ، كُنْتُ قَدْ أَمَّنْتُ رَجُلَيْنِ مِنْ أَحْمَائِي فَأَرَادَ عليّ قتلهما. فقال: «قد أجرنا من أجزت» . ثم قام إلى غسله،

[1] خبّليه: دعاء عليه بالخيل، وهو الفالج أو قطع اليد أو المنع أو الحبس أو الجنون. وكلّها من معانيه. وعوّريه: ردّيه. يقال: عورته عن حاجته رددته عنها.

[2]

سيرة ابن هشام 4/ 113، الطبقات الكبرى لابن سعد 2/ 145، 146، المغازي للواقدي 3/ 873، 874، تاريخ الرسل والملوك للطبري 3/ 65، عيون الأثر لابن سيّد الناس 2/ 184، السيرة النبويّة لابن كثير 3/ 597، 598، نهاية الأرب للنويري 17/ 314، 315، عيون التواريخ 1/ 319، 320.

[3]

سقطت من الأصل، وأثبتناها من ع، ح.

[4]

الحديث مرسل. وأخرجه ابن سعد في الطبقات 3/ 167 من طريق: عارم بن الفضل، عن حمّاد بن زيد، عن أيوب، عن ابن أبي مليكة وغيره. ورجاله ثقات، لكنه مرسل أيضا.

[5]

في الأصل «سعيد بن أبي بلال» وصحّحه في هامش (ح) : سعيد بن أبي هلال. والتصويب من صحيح مسلم 1/ 182، وتهذيب التهذيب لابن حجر 4/ 93.

ص: 555

فَسَتَرَتْ عَلَيْهِ فَاطِمَةُ. ثُمَّ أَخَذَ ثَوْبًا فَالْتَحَفَ بِهِ ثُمَّ صَلَّى ثَمَانِي رَكَعَاتٍ، سُبْحَةَ الضُّحَى. أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ [1] . وَقَالَ اللَّيْثُ، عَنِ الْمَقْبُرِيِّ، عَنْ أَبِي شُرَيْحٍ الْعَدَوِيِّ، أَنَّهُ قَالَ لِعَمْرِو بْنِ سَعِيدٍ، وَهُوَ يَبْعَث الْبُعُوثَ إِلَى مَكَّةَ: ائْذَنْ لِي أَيُّهَا الْأَمِيرُ، أُحَدِّثُ قَوْلًا قَامَ بِهِ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم الْغَدَ مِنْ يَوْمِ الْفَتْحِ؟ سَمِعَتْهُ أُذُنَايَ وَوَعَاهُ قَلْبِي وَأَبْصَرَتْهُ عَيْنَايَ حِينَ تَكَلَّمَ بِهِ، [أَنَّهُ][2] حَمِدَ اللَّهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ، ثُمَّ قَالَ:«إِنَّ اللَّهَ حَرَّمَ مَكَّةَ وَلَمْ يُحَرِّمْهَا النَّاسُ، وَلَا يَحِلُّ لامْرِئٍ يُؤْمِنُ باللَّه وَالْيَوْمِ الْآخِرِ أَنْ يَسْفِكَ بِهَا دَمًا، وَلَا يَعْضِدُ بِهَا شَجَرَةً، فَإِنْ أَحَدٌ تَرَخَّصَ بِقِتَالِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِيهَا، فَقُولُوا لَهُ إِنَّ اللَّهَ قَدْ أَذِنَ لِرَسُولِهِ وَلَمْ يَأْذَنْ لَكُمْ، وَإِنَّمَا أَذِنَ لِي فِيهَا سَاعَةً مِنْ نَهَارٍ. وَقَدْ عَادَتْ حُرْمَتُهَا الْيَوْمَ كَحُرْمَتِهَا بِالْأَمْسِ. فَلْيُبَلِّغْ الشَّاهِدُ الْغَائِبَ» . فَقِيلَ لِأَبِي شُرَيْحٍ: مَاذَا قَالَ لَكَ عَمْرٌو؟ قَالَ: قَالَ أَنَا أَعْلَمُ بِذَاكَ مِنْكَ يَا أَبَا شُرَيْحٍ، إِنَّ الْحَرَمَ لَا يُعِيذُ عَاصِيًا وَلَا فَارًّا بِدَمٍ وَلَا فَارًّا بِخَرْبَةٍ [3] مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ [4] .

وَقَالَ ابْنُ عُيَيْنَةَ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ زَيْدٍ، عَمَّنْ حَدَّثَهُ عَنِ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يَوْمَ فَتْحِ مَكَّةَ وَهُوَ عَلَى دَرَجَةِ الْكَعْبَةِ: «الحمد للَّه الذي صدق وعده، ونصر عبده، وَهَزَمَ الْأَحْزَابَ وَحْدَهُ. أَلا إِنَّ قَتِيلَ الْعَمْدِ الْخَطَإِ بِالسَّوْطِ أَوِ الْعَصَا فِيهِ مِائَةٌ مِنَ الْإِبِلِ، مِنْهَا أَرْبَعُونَ خِلْفَةً فِي بُطُونِهَا أَوْلَادُهَا. أَلَا إِنَّ كُلَّ مَأَثُرةٍ فِي الْجَاهِلِيَّةِ وَدَمٍ وَمَالٍ تَحْتَ قَدَمَيَّ هَاتَيْنِ إِلَّا مَا كَانَ من سدانة البيت

[1] صحيح مسلم، كتاب الحيض، باب تستّر المغتسل بثوب ونحوه (1/ 182- 183) ، وكتاب صلاة المسافرين وقصرها، باب استحباب صلاة الضحى وأنّ أقلّها ركعتان وأكملها ثمان ركعات (2/ 157- 158) .

[2]

زيادة من النسختين: ع، ح. وصحيح مسلم.

[3]

الخربة: البلية.

[4]

أخرجه البخاري في كتاب العلم (6/ 176 و 177) باب: ليبلّغ الشاهد الغائب، وفي الحج، باب: لا يعضد شجر الحرم، وفي المغازي (5/ 98) ، باب منزل النبي صلى الله عليه وسلم يوم الفتح، ومسلم (1354) في الحج، باب تحريم مكة وصيدها وخلاها وشجرها

، وانظر: شفاء الغرام (بتحقيقنا) 1/ 107.

ص: 556

وَسِقَايَةِ الْحَاجِّ، فَقَدْ أَمْضَيْتُهَا لِأَهْلِهَا» [1] . ضَعِيفُ الْإِسْنَادِ.

وقال ابن إسحاق [99 أ] حَدَّثَنِي عَمْرُو بْنُ شُعَيْبٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ، قَالَ: خَطَبَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم النَّاسَ عَامَ الْفَتْحِ، ثُمَّ قَالَ:«أَيُّهَا النَّاسُ، أَلَا إِنَّهُ لَا حِلْفَ فِي الْإِسْلَامِ، وَمَا كَانَ مِنْ حِلْفٍ فِي الْجَاهِلِيَّةِ فَإِنَّ الْإِسْلَامَ لَا يَزِيدُهُ إِلَّا شِدَّةً. وَالْمُؤْمِنُونَ يَدٌ عَلَى مَنْ سِوَاهُمْ، يُجِيرُ عَلَيْهِمْ أَدْنَاهُمْ، وَيَرُدُّ عَلَيْهِمْ أَقْصَاهُمْ، يَرُدُّ سَرَايَاهُمْ عَلَى قَعِيدَتِهِمْ. لَا يُقْتَلُ مُؤْمِنٌ بِكَافرٍ. دِيَةُ الْكَافِرِ نِصْفُ دِيَةِ الْمُسْلِمِ. لَا جَلَبَ وَلَا جَنَبَ. وَلَا تُؤْخَذُ صَدَقَاتُهُمْ إِلَّا فِي دُورِهِمْ» [2] . وَقَالَ أَبُو الزِّنَادِ، عَنِ الْأَعْرَجِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم:«مَنْزِلُنَا، إِنْ شَاءَ اللَّهُ إِذَا فَتَحَ اللَّهُ، الْخَيْفُ، حَيْثُ تَقَاسَمُوا عَلَى الْكُفْرِ» . أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ [3] . وَقَالَ أَبُو الأَزْهَرِ النَّيْسَابُورِيُّ، ثنا مُحَمَّدُ بْنُ شُرَحْبِيلَ الأَنْبارِيُّ، أنا ابن جريج، وأخبرنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُثْمَانَ، أَنَّ مُحَمَّدَ بْنَ الأَسْوَدِ بْنِ خَلَفٍ، أَخْبَرَهُ أَنَّ أَبَاهُ الأَسْوَدَ حَضَرَ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم يُبَايِعُ الناس يوم الفتح، وجلس عند قرن

[1] أخرجه الإمام أحمد في المسند 2/ 11 من طريق: سفيان، عن ابن جدعان، عن القاسم بن ربيعة، عن ابن عمر، و 3/ 410 من طريق هشام، عن خالد، عن القاسم بن ربيعة بن جوشن، عن عقبة بن أوس، عَنْ رَجُلٍ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم.

[2]

أخرج أوّله الإمام مسلم في فضائل الصحابة (204/ 2529) و (206/ 2530) ، باب مؤاخاة النبيّ صلى الله عليه وسلم بين أصحابه رضي الله عنهم، من طريق: عبد الله بن نمير، وأبي أسامة، عن زكريا، عن سعد بن إبراهيم، عن أبيه، عن جبير بن مطعم. وأخرج أبو داود أوّله أيضا في الفرائض (2925 و 2926) ، وأحمد في المسند 1/ 190 و 317 و 329، ورواه أحمد كاملا في مسندة 2/ 180، وانظر 2/ 205 و 207 و 213 و 215، و 3/ 162 و 281، و 4/ 83 و 5/ 61.

[3]

في كتاب المغازي (5/ 92) باب أين ركّز النبيّ صلى الله عليه وسلم الراية يوم الفتح، وأخرجه أبو داود في الفرائض (2910) باب هل يرث المسلم الكافر؟ وفيه إن الخيف هو خيف بني كنانة حيث تقاسمت قريش على الكفر، يعني المحصّب، وذاك أنّ بني كنانة حالفت قريشا على بني هاشم: أن لا يناكحوهم ولا يبايعوهم، ولا يؤوهم. قال الزهري: والخيف الوادي. وانظر معجم مع استعجم 2/ 526.

ص: 557

مَسْقَلَةَ [1] ، فَجَاءَهُ الصِّغَارُ وَالْكِبَارُ وَالرِّجَالُ وَالنِّسَاءُ فَبَايَعُوهُ عَلَى الإِسْلامِ وَالشَّهَادَةِ [2] .

وَقَالَ يُونُسُ، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ: حَدَّثَنِي يَحْيَى بْنُ عَبَّادِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَسْمَاءَ بِنْتِ أَبِي بَكْرٍ، قَالَتْ: لَمَّا كَانَ عَامُ الْفَتْحِ وَنَزَلَ رسول الله صلى الله عليه وسلم ذا طُوًى، قَالَ أَبُو قُحَافَةَ لابْنَةٍ لَهُ كَانَتْ مِنْ أَصْغَرِ وَلَدِهِ: أَيْ بُنَيَّةُ: أَشْرِفِي بِي عَلَى أَبِي قُبَيْسٍ، وَقَدْ كُفَّ بَصَرُهُ. فَأَشَرَفَتْ بِهِ عَلَيْهِ. فَقَالَ: مَاذَا تَرَيْنَ؟ قَالَتْ:

أَرَى سَوَادًا مُجْتَمِعًا، وَأَرَى رَجُلا يَشْتَدُّ بَيْنَ ذَلِكَ السَّوَادِ مُقْبِلا وَمُدْبِرًا. فَقَالَ:

تِلْكَ الْخَيْلُ يَا بُنَيَّةُ، وَذَلِكَ الرَّجُلُ الْوَازِعُ [3] . ثُمَّ قَالَ: مَاذَا تَرَيْنَ؟ قَالَتْ: أَرَى السَّوَادَ انْتَشَرَ. فَقَالَ: فَقَدْ وَاللَّهِ إِذَنْ دُفِعَتِ الْخَيْلُ، فَأَسْرِعِي بِي إِلَى بَيْتِي.

فَخَرَجَتْ سَرِيعًا، حَتَّى إِذَا هَبَطَتْ بِهِ الأَبْطَحَ، لَقِيَتْهَا الْخَيْلُ، وَفِي عُنُقِهَا طَوْقٌ لَهَا مِنْ وَرِقٍ، فَاقْتَطَعَهُ إِنْسَانٌ مِنْ عُنُقِهَا. فَلَمَّا دَخَلَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم المسجد، خرج أبو بكر حتى جاء بأبيه يقوده. فلما رآه رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ:«هَلا تَرَكْتَ الشَّيْخَ فِي بَيْتِهِ حَتَّى أَجِيئَهُ» ؟ فَقَالَ: يَمْشِي هُوَ إِلَيْكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَحَقَّ مِنْ أَنْ تَمْشِيَ إِلَيْهِ. فَأَجْلَسَهُ بَيْنَ يَدَيْهِ ثُمَّ مَسَحَ صَدْرَهُ وَقَالَ: «أَسْلِمْ تَسْلَمْ» . فَأَسْلَمَ.

ثُمَّ قَامَ أَبُو بَكْرٍ فَأَخَذَ بِيَدِ أُخْتِهِ فَقَالَ: أَنْشُدُ باللَّه وَالإِسْلامِ طوق أختي. فو الله مَا أَجَابَهُ أَحَدٌ. ثُمَّ قَالَ الثَّانِيَةَ، فَمَا أَجَابَهُ أَحَدٌ. فَقَالَ: يَا أُخَيَّةُ، احْتَسِبِي طَوْقَكِ،

[1] قرن مسقلة: قال الأزرقي: هو قرن قد بقيت منه بقية بأعلى مكة في دبر دار سمرة عند موقف الغنم بين شعب ابن عامر وحرف دار رابغة في أصله، ومسقلة: رجل كان يسكنه في الجاهلية. (أخبار مكة 2/ 270)

[2]

يبايعونه بأعلى مكة عند سوق الغنم، قال محقّق كتاب «أخبار مكة» السيد رشدي الصالح ملحس: يقع سوق الغنم قديما في الوادي الواقع شرقي جبل الرقمتين، ويسمّى هذا السوق اليوم (سوق الجودرية) ويوجد ثمة مسجد صغير يسمّى (مسجد الغنم) ولا يبعد أن يكون هذا المسجد هو الّذي أشار إليه الأزرقي في بحث المساجد. (أخبار مكة 2/ 271) حاشية رقم (1) .

[3]

في الأصل (ح) : الوادع. والتصحيح من النسخة (ع) . والوازع في الحرب من يدير أمور الجيش والموكل بالصفوف يردّ من شدّ منهم ويزع من تقدّم أو تأخّر بغير أمره.

ص: 558

فو الله إِنَّ الأَمَانَةَ الْيَوْمَ فِي النَّاسِ لَقَلِيلٌ [1] . وَقَالَ أَبُو الزُّبَيْرِ، عَنْ جَابِرٍ: أَنَّ عُمَرَ أَخَذَ بِيَدِ أَبِي قُحَافَةَ فَأَتَى بِهِ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم، فَقَالَ:«غَيِّرُوا هَذَا الشَّيْبَ وَلَا تُقَرِّبُوهُ سَوَادًا» [2] . وَقَالَ زَيْدُ بْنُ أَسْلَمَ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم هَنَّأَ أَبَا بَكْرٍ بِإِسْلامِ أَبِيهِ.

مُرْسَلٌ.

وقال مالك، عَنِ ابن شهاب: أَنَّهُ بلغه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم كان عَلَى عهده نساء يُسْلِمْن بأَرْضِهنّ، منهنّ ابْنَة الوليد بْن المُغِيرة، وكانت تحت صَفْوان بْن أميّة، فأسلمت يوم الفتح [99 ب] وهرب صفوان. فبعث إِلَيْهِ رَسُول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم ابْنَ عمّه عُمَيْر بْن وهب برداء رَسُول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أمانًا لصفوان، ودعاه إلى الإسلام، وأن يَقْدَم عَلَيْهِ، فإنْ رَضِي أمرًا قَبِله، وإلا سيّره شهرين.

فقدم فنادى على رءوس النّاس: يا مُحَمَّد، هذا عُمير بن وهب جاءني بردائك وزعم أنّك دعوتني إلى [3] القدوم عليك، فإنّ رضيتُ أمرًا قبلته، وإلّا سيَّرتَني شهرين. فَقَالَ رَسُول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: انزِلْ أَبَا وهب. فقال: لا والله، لا أنزل حتّى تبيّن لي. فقال: بل لك تَسْيِير أربعة أشهر. فَخَرَجَ رَسُول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قِبَل هَوازِن، فأرسل إلى صفوان يستعيره أداةً وسلاحًا. فقال صفوان: أَطَوْعًا أو كَرْهًا؟

فقال: بلْ طوعًا. فأعاره الأداة والسلاح. وخرج مَعَ رَسُول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وهو كافر، فشهد حنينا والطائف، وهو كافر وامرأته مسلمة. فلم يفرّق رسول الله صلى الله عليه وسلم بينهما حتّى أسلم، واستقرّت عنده بذلك النِّكاح. وكان بين إسلامهما نحو من شهر [4] .

[1] السيرة النبويّة لابن هشام 4/ 91.

[2]

أخرجه أحمد في المسند 3/ 338.

[3]

في الأصل «على» والتصحيح من (ع) و (ح) .

[4]

أخرجه الإمام مالك (الموطّأ 2/ 75، 76) في النكاح، باب نكاح المشرك إذا أسلمت زوجته قبله، وهو من بلاغات مالك التي لا يعلم اتصاله من وجه صحيح. قال ابن عبد البرّ: وهو

ص: 559

وكانت أمّ حكيم بِنْت الحارث بْن هشام تحت عِكْرِمة بْن أَبِي جهل، فأسلمت يوم الفتح، وهرب عكرمة حتى قدم اليمن. فارتحلت أم حكيم حتى قدمت عليه باليمن ودعته إلى الإسلام فأسلم، وقدِم عَلَى رَسُول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، فلمّا رآه وثب فرحًا بِهِ، ورمى عَلَيْهِ رداءه حتّى بايعه. فثبتا عَلَى نكاحهما ذَلِكَ [1] .

وَقَالَ الْوَاقِدِيُّ: حَدَّثَنِي عَبْد اللَّه بْن يزيد الهُذَليّ، عَنْ أَبِي حُصَيْن الهُذليّ قَالَ: اسْتَقْرَض رَسُول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مَنْ صفوان بْن أمية خمسين ألف درهم، ومن عَبْد اللَّه بْن أَبِي ربيعة أربعين ألفًا، ومن حُوَيْطِب بْن عَبْد العُزَّى أربعين ألفًا، فقسمها بين أصحابه من أهُل الضَّعْف. ومن ذلك المال بعث إلى جذيمة [2] .

وَقَالَ يُونُسُ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، حَدَّثَنِي عُرْوَةُ، قَالَتْ عَائِشَةُ: إِنَّ هِنْدًا بِنْتَ عُتْبةَ بْنِ رَبِيعَةَ، قَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، مَا كَانَ مِمَّا عَلَى ظَهْرِ الْأَرْضِ [أَهْلُ][3] أَخْباءٍ، أَوْ خباء [4] أحبّ إليّ أن يَذِلُّوا مِنْ أَهْلِ خِبَائِكَ، ثُمَّ مَا أَصْبَحَ الْيَوْمَ عَلَى ظَهْرِ الْأَرْضِ أَهْلُ خِبَاءٍ أَحَبَّ إِلَيَّ أَنْ يَعِزُّوا مِنْ أَهْلِ خِبَائِكَ. قَالَ رَسُول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم:«وَأَيْضًا، وَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ» . قَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّ أَبَا سُفْيَانَ رَجُلٌ مُمْسِكٌ- أَوْ قَالَتْ: مِسِّيكٌ- فَهَلْ عَلِيَّ مِنْ حَرَجٍ أَنْ أُطْعِمَ مِنَ الَّذِي لَهُ؟ قَالَ: «لَا، بِالْمَعْروُفِ» . أخرجه البخاري [5] .

[ () ] حديث مشهور معلوم عند أهل السير، وابن شهاب إمام أهل السير، وكذلك الشعبي. انظر:

سير أعلام النبلاء 2/ 565، والسيرة النبويّة لابن هشام 4/ 105.

[1]

أخرجه مالك في الموطّأ، كتاب النكاح 46، وابن عساكر في تاريخ دمشق (تراجم النساء) بتحقيق سكينة الشهابي 502.

[2]

المغازي (2/ 863) .

[3]

سقطت من الأصل وبقية النسخ، وأثبتناها من صحيح البخاري.

[4]

أخباء: جمع خباء وهو بيت صغير من وبر أو صوف.

[5]

صحيح البخاري: كتاب مناقب الأنصار، باب ذكر هند بنت عتبة بن ربيعة رضي الله عنها

ص: 560

وَأَخْرَجَاهُ [1] ، مِنْ حَدِيثِ شُعَيْبِ بْنِ أَبِي حَمْزَةَ، عَنِ الزُّهْرِيِّ. وَعِنْدَهُ:

فَهَلْ عَلَيَّ حَرَجٌ أَنْ أُطْعِمَ مِنَ الَّذِي لَهُ عِيَالُنَا. قَالَ: لَا عَلَيْكَ أَنْ تُطْعِمِيهِمْ بِالْمَعْرُوفِ.

وَقَالَ الْفِرْيَابِيُّ: ثنا يُونُسُ، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ، عَنْ أَبِي السَّفَرِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: رَأَى أَبُو سُفْيَانَ رسول الله صلى الله عليه وسلم يمشي وَالنَّاسُ يَطَئُونَ عَقِبَهُ. فَقَالَ فِي نَفْسِهِ: لَوْ عَاوَدت هَذَا الرَّجُل القتالَ. فَجَاءَهُ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم حَتَّى ضَرَبَ بِيَدِهِ في صدره، فقال: إذا [100 أ] يُخْزِيكَ اللَّهُ. قَالَ: أَتُوبُ إِلَى اللَّهِ وَأَسْتَغْفِرُ اللَّهَ.

وَرَوَى نَحْوَهُ، مُرْسلا، أَبُو إِسْحَاقَ السَّبِيعِيُّ، وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي بَكْرِ بْنِ حَزْمٍ. وَقَالَ مُوسَى بْنُ أَعْيَنَ، عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ رَاشِدٍ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنِ ابْنِ الْمُسَيِّبِ، قَالَ: لَمَّا كَانَ لَيْلَةُ دَخَلَ النَّاسُ مَكَّةَ، لَمْ يَزَالُوا فِي تَكْبِيرٍ وَتَهْلِيلٍ وَطَوَافٍ بِالْبَيْتِ حَتَّى أَصْبَحُوا. فَقَالَ أَبُو سُفْيَانَ لِهِنْدٍ: أَتَرِي هَذَا مِنَ اللَّهِ؟ ثُمَّ أَصْبَحَ فَغَدا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، فَقَالَ له:«قلت لهند أترين هَذَا مِنَ اللَّهِ، نَعَمْ، هَذَا مِنَ اللَّهِ» . فَقَالَ: أَشْهَدُ أَنَّكَ عَبْدُ اللَّهِ وَرَسُولُهُ. وَالَّذِي يَحْلِفُ بِهِ أَبُو سُفْيَانَ، مَا سَمِعَ قَوْلِي هَذَا أَحَدٌ مِنَ النَّاسِ إِلا اللَّهُ وَهِنْدٌ. وقال ابن المبارك، أخبرنا عَاصِمٌ الْأَحْوَلُ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ:

[ () ](4/ 232) وكتاب المظالم (3/ 101، 102) باب قصاص المظلوم إذا وجد مال ظالمه، وكتاب النفقات (6/ 192) باب نفقة المرأة إذا غاب عنها زوجها ونفقة الولد، وكتاب الأحكام (8/ 109) باب من رأى للقاضي أن يحكم بعلمه في أمر الناس إذا لم يخف الظنون والتهمة، ومسلم (ص 1339) كتاب الأقضية (1714/ 9) باب قضيّة هند.

[1]

انظر ما قبله.

ص: 561

أقام رسول الله صلى الله عليه وسلم بِمَكَّةَ تِسْعَةَ عَشَرَ يَوْمًا، يُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ. أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ [1] .

وَقَالَ حَفْصُ بْنُ غِيَاثٍ، عَنْ عَاصِمٍ الْأَحْوَلِ: سَبْعَةَ عَشَرَ يَوْمًا.

صَحِيحٌ [2] .

وَقَالَ ابْنُ عُلَيَّةَ، أَنَا عَلِيُّ بْنُ زَيْدٍ، عَنْ أَبِي نَضْرَةَ، عَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ: غَزَوْتُ مَعَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، فَأَقَامَ بِمَكَّةَ ثَمَانِيَ عَشْرَةَ لَيْلَةً لَا يُصَلِّي إِلَّا رَكْعَتَيْنِ، يَقُولُ: يَا أَهْلَ الْبَلَدِ صَلُّوا أَرْبَعَةً، فَإِنَّا سَفْرٌ [3] . أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ [4] . عَلَيٌّ ضَعِيفٌ [5] .

وَقَالَ ابن إسحاق، عَنِ الزُّهْرِيّ، عَنْ عُبَيْد اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ: أَقَامَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَامَ الْفَتْحِ خَمْسَ عَشْرَةَ يَقْصُرُ الصَّلَاةَ [6] .

ثُمَّ رَوَى ابْنُ إِسْحَاقَ، عَنْ جَمَاعَةٍ، مِثْلَ هَذَا. قَالَ الْبَيْهَقِيُّ: الأَصَحُّ رِوَايَةً ابن المبارك التي اعتمدها البخاري.

[1] صحيح البخاري: كتاب المغازي، باب مقام النبي صلى الله عليه وسلم بمكة زمن الفتح (5/ 95) وأحمد في المسند 1/ 223.

[2]

أخرجه أبو داود في كتاب الصلاة (1232) باب: متى يتمّ المسافر. وأحمد في المسند 1/ 303 و 315.

[3]

السفر: بسكون الفاء. المسافرون.

[4]

في كتاب الصلاة (1229) باب: متى يتمّ المسافر؟

[5]

انظر عنه: أحوال الرجال للجوزجانيّ 114 رقم 185، الجرح والتعديل لابن أبي حاتم 6/ 186 رقم 1021، التاريخ الكبير للبخاريّ 6/ 275 رقم 2389، التاريخ لابن معين 2/ 417 رقم 352، تهذيب التهذيب لابن حجر 8/ 322 رقم 544، تقريب التهذيب له 2/ 37، الكامل في ضعفاء الرجال لابن عديّ 5/ 1840- 1845، المجروحين لابن حبّان 2/ 103، الضعفاء الكبير للعقيليّ 3/ 229- 231 رقم 1231، ترتيب الثقات للعجلي 346 رقم 1186، تهذيب الكمال للمزّي 2/ 967، ميزان الاعتدال للذهبي 3/ 127 رقم 5844، المغني في الضعفاء له 2/ 447 رقم 4265، الكاشف له 2/ 248 رقم 3975.

[6]

أخرجه النسائي في كتاب تقصير الصلاة في السفر 3/ 121 باب المقام الّذي يقصر بمثله الصلاة، وانظر السيرة لابن هشام 4/ 113، والمغازي للواقدي 2/ 871.

ص: 562

وَقَالَ الْوَاقِدِيُّ [1] : وَفِي رَمَضَانَ بُعِثَ [2] خَالِدُ بْنُ الْوَلِيدِ إِلَى الْعُزَّى، فَهَدَمَهَا [3] . وَبُعِثَ عَمْرُو بْنُ الْعَاصِ إِلَى سُوَاعٍ [4] فِي رَمَضَانَ، وَهُوَ صَنَمُ هُذَيْلٍ، فَهَدَمَهُ. وَقَالَ قُلْتُ لِلسَّادِن: كَيْفَ رَأَيْتَ؟ قَالَ: أَسْلَمْتُ للَّه [5] .

[قَالَ][6] : وَفِي رَمَضَانَ بُعِثَ سَعْدُ بْنُ زَيْدٍ الأَشْهَلِيُّ إِلَى مَنَاةَ، وَكَانَتْ بِالْمُشَلَّلِ، لِلأَوْسِ وَالْخَزْرَجِ وَغَسَّانَ. فَلَمَّا كَانَ يَوْمُ الْفَتْحِ بَعَثَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم سَعْدَ بْنَ زَيْدٍ الأَشْهَلِيَّ فِي عِشْرِينَ فَارِسًا حَتَّى انْتَهَى إِلَيْهَا. وَتَخْرُجُ إِلَى سَعْدٍ امْرَأَةٌ سَوْدَاءُ عُرْيَانَةٌ ثَائِرَةُ الرَّأْسِ تَدْعُو بِالْوَيْلِ، فَقَالَ لَهَا السَّادِنُ: مَناةُ، دُونَكِ بَعْضَ غَضَبَاتِكَ. وَسَعْدٌ يَضْرِبُهَا، فَقَتَلَهَا. وَأَقْبَلَ إِلَى الصَّنَمِ، فَهَدَمُوهُ لِسِتٍّ بَقِينَ مِنْ رَمَضَانَ [7] .

وَقَالَ مَنْصُورٌ، عَنْ مُجَاهِدٍ، [عَنْ طَاوُسٍ][8]، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «لا هِجْرَةَ بَعْدَ الْفَتْحِ، وَلَكِنْ جِهَادٌ وَنِيَّةٌ، وَإِنِ اسْتُنْفِرْتُمْ فَانْفِرُوا» .

قَالَهُ يَوْمَ الْفَتْحِ. مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ [9] .

[1] في المغازي 2/ 870.

[2]

في الأصل «بعثة» ، والتصحيح من نسخة (ح) .

[3]

سيرة ابن هشام 4/ 113، الطبقات الكبرى لابن سعد 2/ 145، تاريخ الرسل والملوك للطبري 3/ 65، عيون الأثر لابن سيد الناس 2/ 184، نهاية الأرب 17/ 314، 315.

[4]

انظر عنه كتاب الأصنام للكلبي 9 و 10.

[5]

الطبقات الكبرى لابن سعد 2/ 146، تاريخ الطبري 3/ 66، نهاية الأرب 17/ 315، عيون الأثر 2/ 185، عيون التواريخ 1/ 321، المغازي للواقدي 2/ 870.

[6]

ليست في الأصل. وأثبتناها من نسختي: ع، ح.

[7]

المغازي للواقدي 2/ 870، الطبقات لابن سعد 2/ 146، 147، تاريخ الطبري 3/ 66، عيون التواريخ 1/ 321، عيون الأثر 2/ 185.

قال الكلبي إنّ مناة أقدم الأصنام كلها، وكان منصوبا على ساحل البحر من ناحية المشلّل بقديد، بين المدينة ومكة. (الأصنام 13) .

[8]

الاستدراك على الأصل من صحيحي البخاري ومسلم.

[9]

أخرجه البخاري في كتاب الجهاد والسير (3/ 200) باب فضل الجهاد والسير، ومسلم في كتاب الإمارة (1353/ 85) باب المبايعة بعد فتح مكة على الإسلام والجهاد، والخير، وأبو داود في كتاب الجهاد (2480) باب في الهجرة هل انقطعت، والترمذي في كتاب السير

ص: 563

وَقَالَ عَمْرُو بْنُ مُرَّةَ: سَمِعْتُ أَبَا الْبَخْتَرِيِّ يُحَدِّثُ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ قَالَ: لَمَّا نزلت إِذا جاءَ نَصْرُ الله وَالْفَتْحُ 110: 1 [1] قَرَأَهَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم ثُمَّ قَالَ:

«إِنِّي وَأَصْحَابِي حَيِّزٌ، وَالنَّاسُ حَيِّزٌ، لا هِجْرَةَ بَعْدَ الْفَتْحِ» . فَحَدَّثْتُ بِهِ مَرْوَانَ ابن الْحَكَمِ- وَكَانَ عَلَى الْمَدِينَةِ- فَقَالَ: كَذَبَتْ. وَعِنْدَهُ زيد بن ثابت، ورافع ابن خديج، وكانا [100 ب] مَعَهُ عَلَى السَّرِيرِ. فَقُلْتُ: إِنَّ هَذَيْنِ لَوْ شَاءَا لَحَدَّثَاكَ، وَلَكِنَّ هَذَا، يَعْنِي زَيْدًا، يَخَافُ أَنْ تَنْزِعَهُ عَنِ الصَّدَقَةِ، وَالْآخَرُ يَخَافُ أَنْ تَنْزِعَهُ عَنْ عَرَافَةِ قَوْمِهِ. قَالَ: فَشَدَّ عَلَيْهِ بِالدِّرَّةِ، فَلَمَّا رَأَيَا ذَلِكَ قَالَا:

صَدَقَ [2] .

وَقَالَ حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ، عَنْ أَيُّوبَ، حَدَّثَنِي أَبُو قِلابَةَ، عَنْ عَمْرِو بْنِ سَلَمَةَ، ثُمَّ قَالَ: هُوَ حَيٌّ، أَلا تَلْقَاهُ فَتَسْمَعُ مِنْهُ؟ فَلَقِيتُ عَمْرًا فَحَدَّثَنِي بِالْحَدِيثِ، قَالَ: كُنَّا بِمَمَرِّ النَّاسِ، فَتَمُرُّ بِنَا الرُّكْبَانُ فَنَسْأَلُهُمْ: مَا هَذَا الأَمْرُ؟ وَمَا لِلنَّاسِ؟

فَيَقُولُونَ: نَبِيٌّ يَزْعُمُ أَنَّ اللَّهَ قَدْ أَرْسَلَهُ، وَأَنَّ اللَّهَ أَوْحَى إِلَيْهِ كَذَا وَكَذَا. وَكَانَتِ الْعَرَبُ تَلَوَّمُ [3] بِإِسْلامِهَا الْفَتْحَ، وَيَقُولُونَ: أَنْظِرُوهُ، فَإِنْ ظَهَرَ فَهُوَ نَبِيٌّ فَصَدِّقُوهُ.

فَلَمَّا كَانَ وَقْعَةُ الْفَتْحِ، بَادَرَ [4] كُلُّ قَوْمٍ بِإِسْلامِهِمْ. فَانْطَلَقَ أَبِي بِإِسْلامِ حِوَائِنَا [5] إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، فَقَدِمَ فَأَقَامَ عِنْدَهُ كَذَا وَكَذَا. ثُمَّ جَاءَنَا فَتَلَقَّيْنَاهُ، فَقَالَ:

جِئْتُكُمْ مِنْ عِنْدِ رَسُولِ اللَّهِ حَقًّا، وَإِنَّهُ يَأْمُرُكُمْ بِكَذَا، وَصَلاةِ كَذَا وَكَذَا. وَإِذَا حَضَرَتِ الصَّلاةُ فليؤذّن أَحَدُكُمْ، وَلَيَؤُمَّكُمْ أَكْثَرُكُمْ قُرْآنًا. فَنَظَرُوا فِي أَهْلِ حوائنا فلم يجدوا أَكْثَرَ قُرْآنًا مِنِّي فَقَدَّمُونِي، وَأَنَا ابْنُ سَبْعِ سنين، أو ستّ سنين.

[ () ](1638) باب ما جاء في الهجرة، وأحمد في المسند 1/ 226 و 316 و 355، و 3/ 22 و 401، و 5/ 187، و 6/ 466.

[1]

أول سورة النصر.

[2]

رواه أحمد في المسند 3/ 22 و 5/ 187.

[3]

تلوّم: أصلها تتلوّم. وتلوّم في الأمر تمكّث وانتظر.

[4]

في الأصل: بادى. والتصحيح من ح وصحيح البخاري.

[5]

الحواء: جماعة البيوت المتدانية.

ص: 564

فَكُنْتُ أُصَلِّي بِهِمْ، فَإِذَا سَجَدْتُ تَقَلَّصَتْ بُرْدَةٌ عَلَيَّ. تَقُولُ امْرَأَةٌ مِنَ الْحَيِّ:

غَطُّوا عَنَّا اسْتَ قَارِئِكُمْ هَذَا. قَالَ: فَكُسِيتُ معقدةً مِنْ معقدِ [1] الْبَحْرَيْنِ بِسِتَّةِ دَرَاهِمَ أَوْ سَبْعَةٍ، فَمَا فَرِحْتُ بِشَيْءٍ كَفَرَحِي بِذَلِكَ.

أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ [2] ، عَنْ سليمان بن حرب، عنه.

[1] المعقد: ضرب من برود هجر.

[2]

صحيح البخاري: كتاب المغازي، باب: وقال الليث، بعد باب مقام النبي صلى الله عليه وسلم بمكة زمن الفتح (5/ 95، 96) ، والنسائي في كتاب الأذان (2/ 9، 10) باب اجتزاء المرء بأذان غيره في الحضر، وأحمد في المسند 3/ 475 و 5/ 30 و 71.

ص: 565