المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌قصة بناء المسجد - تاريخ الإسلام - ت تدمري - جـ ٢

[شمس الدين الذهبي]

فهرس الكتاب

- ‌[المجلد الثاني (المغازى) ]

- ‌[مقدمة المؤلف]

- ‌السَّنَةُ الْأُولَى مِنَ الْهِجْرَةِ

- ‌قِصَّةُ إِسْلَامِ ابْنِ سَلامٍ

- ‌قِصَّةُ بِنَاءِ الْمَسْجِدِ

- ‌سَنَةُ اثْنَتَيْنِ فِي صَفَرِهَا:

- ‌(غَزْوَةُ الْأَبْوَاءِ) [1]

- ‌[بَعْثُ حَمْزَةَ [4]]

- ‌[بَعْثُ عُبَيْدَةَ بْنِ الْحَارِثِ]

- ‌[غَزْوَةُ بُوَاطٍ [1]]

- ‌[غَزْوَةُ الْعُشَيْرَةِ]

- ‌[غَزْوَةُ بَدْرٍ الْأُولَى]

- ‌[سَرِيَّةُ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ]

- ‌[بَعْثُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ جَحْشٍ]

- ‌[غَزْوَةُ بَدْرٍ الْكُبْرَى]

- ‌بَقِيَّةُ أَحَادِيثِ غَزْوَةِ بَدْرٍ

- ‌رُؤْيَا عَاتِكَةَ

- ‌ذِكْرُ غَزْوَةِ بَدْرٍ

- ‌فَصْلٌ فِي غَنَائِمِ بَدْرٍ وَالْأَسْرَى

- ‌أَسْمَاءُ مَنْ شَهِدَ بَدْرًا

- ‌ذِكْرُ طَائِفَةٍ مِنْ أَعْيَانِ الْبَدْرِيِّينَ

- ‌قِصَّةُ النَّجَاشِيُّ

- ‌سَرِيَّةُ عُمَيْرِ بْنِ عَدِيٍّ الْخَطْمِيِّ [5]

- ‌غَزْوَةُ بَنِي سُلَيْمٍ [1]

- ‌سَرِيَّةُ سَالِمِ بْنِ عُمَيْرٍ [1] لِقَتْلِ أَبِي عَفَكٍ

- ‌غَزْوَةُ السَّوِيقِ فِي ذِي الْحِجَّةِ

- ‌ثُمَّ دَخَلَتْ سَنَةُ ثَلَاثٍ

- ‌«غَزْوَةُ ذِي أَمَرٍ»

- ‌غَزْوَةُ بُحْرَانَ

- ‌غزة بَنِي قَيْنُقَاعَ

- ‌غَزْوَةُ بَنِي النَّضِيرِ

- ‌سَرِيَّةُ زَيْدِ بْنِ حَارِثَةَ إِلَى الْقَرَدَةِ [3]

- ‌غَزْوَةُ قَرْقَرَةِ الْكُدْرِ

- ‌مَقْتَلُ كَعْبِ بْنِ الْأَشْرَفِ [1]

- ‌غَزْوَةُ أُحُدٍ «وَكَانَتْ فِي شَوَّالٍ»

- ‌عَدَدُ الشُّهَدَاءِ

- ‌غزوَة حمَراء الأسَد [1]

- ‌السَّنة الرابعَة

- ‌«سريّة أبي سلمَة إلى قطن في أوّلها»

- ‌غزوة الرَّجيع [2]

- ‌غزوة بئر مَعُوَنة [3]

- ‌ذَكَرَ الخلاف فِي غَزْوَةِ بَنِي النَّضِيرِ

- ‌غزوة بني لحيان

- ‌غزوة ذاتِ الرِّقاع [3]

- ‌غزوة بدر المَوْعِد

- ‌غزوة الخندق

- ‌السَّنَةُ الْخَامِسَةُ

- ‌«غزوة ذات الرقاع»

- ‌غزوة دُومَة الْجَنْدَل وهي بضمّ الدَّال

- ‌غزوة المُرَيْسِيع

- ‌تزويج رَسُول اللَّه صلى الله عليه وسلم بجويرية «رضي الله عنها»

- ‌الأفك «وكان في هذه الغزوة»

- ‌غزوَةُ الخَنَدق

- ‌غزوة بني قريظة [1]

- ‌وفاة سعد بن مُعَاذ

- ‌إسلام ابني سَعْيَة وأسد بْن عُبَيْد

- ‌سَنَة ستٍّ مِنَ الهجَرة

- ‌غزوة الغابة أو غزوة ذي قرد [4]

- ‌مقتل ابن أبي الحُقَيْق

- ‌قتل ابن نُبَيْح الهُذْليّ

- ‌غزوة بني المصطلق وهي غزوة المريسيع

- ‌سرية نَجْد [1]

- ‌سرية عُكّاشة بْن مِحْصَن إلى الغَمْر

- ‌[سرية أَبِي عبيدة إلى ذي القَصَّة] [5]

- ‌[سَرِيَّةُ مُحَمَّد بْن مَسْلَمَة إلى ذي القَصَّة] [1]

- ‌[سَرِيَّةُ زيدِ بْن حارثة إلى بني سُلَيْم بالجَمُوم] [3]

- ‌[سَرِيَّةُ زيد بْن حارثة إلى الطَّرف] [6]

- ‌[سرية زيد بْن حارثة إلى العِيص] [2]

- ‌[سَرِيَّةُ زيدِ بْن حارثة إلى حِسْمَى] [5]

- ‌[سَرِيَّةُ زيد إلى وادي القُرَى] [1]

- ‌[سَرِيَّةُ عليّ بْن أَبِي طَالِب إلى بني سعد بْن بَكْر بَفَدَكَ] [4]

- ‌[سَرِيَّةُ عَبْد الرَّحْمَن بْن عَوْف إلى دُومة الجَنْدَل] [7]

- ‌[سَرِيَّةُ كُرْز بْن جَابِر الفِهْرِي إلى العُرَنيّين] [3]

- ‌إسلام أبي العاص مبسوطًا

- ‌سَرِيَّةٌ عبدِ الله بْن رَوَاحة إلى أُسَيْر بْن زارم فِي شوّال

- ‌قصة غزوة الحديبية وهي عَلَى تسعة أميال من مكة

- ‌نزُولُ سُورة الفتح

- ‌السنة السابعة

- ‌«غزوة خيبر»

- ‌فصل فيمن ذكر أن مرحبا قتله مُحَمَّد بْن مسلمة [1]

- ‌ذكر صفية

- ‌ذِكْرُ من استشهد عَلَى خيبر

- ‌قدوم جَعْفَر بْن أَبِي طَالِب ومَن معه

- ‌شَأْنُ الشَّاةِ الْمَسْمُومَةِ

- ‌[حديث الحجَّاج بْن عِلاط السُّلَمي] [1]

- ‌غزوة وادي القرى

- ‌سَرِيّة أبي بَكْر إلى نجد

- ‌سرِيّة عُمَر إلى عَجُزِ هَوَازِن

- ‌سرية بشير بْن سعد

- ‌سَرِيَّةُ غالب بْن عَبْد الله الليثي

- ‌سَرِيَّةُ الجِناب [5]

- ‌سَرِيَّةُ أَبِي حَدْرَد إلى الغابة

- ‌سَرِيَّةُ مُحَلِّم بْن جَثَّامة

- ‌سَرِيَّةُ عَبْد الله بْن حُذَافَة بْن قيس (ابن عديّ السّهميّ) [1]

- ‌عُمْرَةُ القَضيَّة [1]

- ‌تَزْوِيجُهُ صلى الله عليه وسلم بِمَيْمُونَةَ

- ‌ثمّ دخلت سنة ثمان من الهجرة

- ‌[مسير ابن أبي العجواء إلى بني سليم]

- ‌إسلام عَمْرو بْن العاص وخالد بْن الوليد

- ‌سَرِيَّةُ شجاع بْن وهْب الأسديّ

- ‌سَرِيَّةُ نَجْدٍ

- ‌سرية كعب بْن عُمَيْر

- ‌غزوة مؤته

- ‌ذِكْرُ رُسُلِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم

- ‌غزوة ذات السلاسل

- ‌غزوة سيف البحر [5]

- ‌سَرِيَّةُ أَبِي قَتَادَة إلى خَضِرَة [5]

- ‌وَفَاةُ زَيْنَبَ بِنْتِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم

- ‌فتح مكة [1] «زادها اللَّه شرفًا» [2]

- ‌غزوة بني حُذيَمة [1]

- ‌غزوَة حُنَين [1]

- ‌غزوَة أوطَاس [1]

- ‌غزوة الطائف [1]

- ‌قِسْمُ غنَائِمِ حُنَيْنٍ وَغَيْر ذَلِك

- ‌عمرة الجعرانة

- ‌قصة كعب بْن زُهَيْر

- ‌السنة التاسعة

- ‌[سريّة الضَّحَّاك بْن سُفْيَان الكِلابيّ إلى القُرَطَاء] [1]

- ‌[سَرِيّة عَلْقَمَة بْن مُجَزِّز المُدْلِجِيّ] [5]

- ‌[سرية علي بن أبي طالب إلى الفلس] [3]

- ‌[سريّة عُكَّاشة بْن مِحْصَن إلى أَرْضِ عُذْرَة] [7]

- ‌غزوة تبوك [1]

- ‌[فائدة]

- ‌بَعث خَالِد بْن الوليد إلى أكيدر دُومَة [1]

- ‌[فائدة]

- ‌أمرُ الذين خلفوا [1]

- ‌مَوت عَبْد اللَّه بْن أَبِيّ

- ‌ذكر قدُوم وُفوُدِ العرب

- ‌[قُدُومُ عُرْوَةُ بْن مَسْعُود الثَّقَفِيّ]

- ‌وَفْدُ ثَقِيف [2]

- ‌السنة العاشرة

- ‌[وفد بني تَمِيم]

- ‌وفد بني عامر]

- ‌[وَافِدُ بني سَعْدٍ]

- ‌[الجَارُود بْن عَمْرو]

- ‌[وفدُ بَني حَنِيفَة]

- ‌[وفد طيِّئ]

- ‌[قدوم عديّ بْن حاتم]

- ‌[قدوم فَرْوَةَ بْن مُسَيْك المُرَادِيّ]

- ‌[وفد كِنْدة]

- ‌[وفد الأَزْد]

- ‌[كِتَابُ مُلُوكِ حِمْيَر]

- ‌[بعث خَالِد ثمّ عليَّ إلى اليمن]

- ‌[بعث أَبِي مُوسَى ومُعاذ إلى اليمن]

- ‌[وفد نَجْران]

- ‌حجَّةُ الودَاع [1]

- ‌سنة احدى عشر

- ‌سَرِيّة أُسَامَةَ

الفصل: ‌قصة بناء المسجد

فَيَسْأَلُونَ اللَّهَ أَنْ يَبْعَثَهُ فَيُقَاتِلُونَ مَعَهُ الْعَرَبَ. فَلَمَّا جَاءَهُمْ مَا عَرَفُوا كَفَرُوا بِهِ حِينَ لَمْ يَكُنْ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ.

‌قِصَّةُ بِنَاءِ الْمَسْجِدِ

قَالَ أَبُو التَّيَّاحِ [1] ، عَنْ أَنَسٍ رضي الله عنه، فَأَرْسَلَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إِلَى مَلَإِ بَنِي النَّجَّارِ فَجَاءُوا، فَقَالَ: يَا بَنِي النَّجَّارِ، ثَامِنُونِي بِحَائِطِكُمْ هَذَا [2] .

قَالُوا: لَا وَاللَّهِ، لَا نَطْلُبُ ثَمَنَهُ إِلَّا إِلَى اللَّهِ. فَكَانَ فِيهِ مَا أَقُولُ لَكُمْ: كَانَ [3] فِيهِ قُبُورُ الْمُشْرِكِينَ، وَكَانَ فِيهِ خِرَبٌ وَنَخْلٌ [4] . فَأَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بِقُبُورِ الْمُشْرِكِينَ فَنُبِشَتْ، وَبِالْخِرَبِ فَسُوِّيَتْ، وَبِالنَّخْلِ فَقُطِعَ. فَصَفُّوا النَّخْلَ قِبْلَةَ [الْمَسْجِدِ][5] ، وَجَعَلُوا عِضَادَتَيْهِ حِجَارَةً، وَجَعَلُوا يَنْقُلُونَ [ذَاكَ][6] الصَّخْرَ، وَهُمْ يَرْتَجِزُونَ، وَرَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مَعَهُمْ، وَيَقُولُونَ:

اللَّهمّ [إِنَّهُ][7] لَا خَيْرَ إِلَّا خَيْرُ الآخرة فانصر [5 ب] الْأَنْصَارَ وَالْمُهَاجِرَهْ.

مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ [8] . وَفِي رِوَايَةٍ: فَاغْفِرْ للأنصار.

[1] هو يزيد بن حميد الضّبعي.

[2]

ثامنوني بحائطكم، وقد وردت في موضع آخر من «صحيح البخاري» 4/ 266:«ثامنوني حائطكم» ، أي اجعلوا له ثمنا. أو سوموني، كما في شرح البخاري.

[3]

في صحيح البخاري «كانت» .

[4]

في صحيح البخاري: «وكان فيه نخل» .

[5]

زيادة من صحيح البخاري.

[6]

زيادة من صحيح البخاري.

[7]

زيادة من صحيح البخاري.

[8]

البخاري 4/ 266 كتاب الفضائل، باب مقدم النّبيّ صلى الله عليه وسلم وأصحابه المدينة، ومسلم (524) كتاب المساجد ومواضع الصلاة، باب ابتناء مسجد النبيّ صلى الله عليه وسلم.

ص: 35

وقال موسى بن عقبة، عن ابن شهاب، فِي قِصَّةِ بِنَاءِ الْمَسْجِدِ: فَطَفِقَ هُوَ وَأَصْحَابُهُ يَنْقِلُونَ اللَّبِنَ، وَيَقُولُ وَهُوَ يَنْقِلُ اللَّبِنَ مَعَهُمْ:

هَذَا الْحِمَالُ، لَا حِمَالَ خَيْبَرْ

هَذَا أَبَرُّ- ربّنا- وأطهر

ويقول:

اللَّهمّ لا خَيْرُ الْآخِرَه [1]

فَارْحَمِ الْأَنْصَارَ وَالْمُهَاجِرَهْ

قَالَ ابْنُ شِهَابٍ: فَتَمَثَّلَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بعَشْر رَجُلٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ لَمْ يُسَمَّ فِي الْحَدِيثِ. وَلَمْ يَبْلُغْنِي فِي الْحَدِيثِ أَنّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم تَمَثَّلَ بِبَيْتِ شِعْرٍ غير هذه الأبيات.

ذكره الْبُخَارِيُّ فِي صَحِيحِهِ [2] .

وَقَالَ صَالِحُ بْنُ كَيْسَانَ: ثَنَا نَافِعٌ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ أَخْبَرَهُ أَنَّ الْمَسْجِدَ كَانَ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مَبْنِيًّا بِاللَّبِنِ، وَسَقْفُهُ الْجَرِيدُ، وَعُمُدُهُ خَشَبُ النَّخْلِ. فَلَمْ يَزِدْ فِيهِ أَبُو بَكْرٍ شَيْئًا. وَزَادَ فِيهِ عُمَرُ، وَبَنَاهُ عَلَى بُنْيَانِهِ فِي عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بِاللَّبِنِ وَالْجَرِيدِ، وَأَعَادَ عُمُدَهُ خَشَبًا. وَغَيَّرَهُ عُثْمَانُ، فَزَادَ فِيهِ زِيَادَةً كَبِيرَةً، وَبَنَى جِدَارَهُ بِالْحِجَارَةِ الْمَنْقُوشَةِ وَالْقَصَّةِ [3] ، وَجَعَلَ عُمُدَهُ مِنْ حِجَارَةٍ مَنْقُوشَةٍ، وَسَقْفَهُ بِالسَّاجِ [4] . أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ [5] .

وَقَالَ حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، عَنْ أَبِي سِنَانٍ، عَنْ يعلى بن شدّاد، عن عبادة

[1] في السيرة لابن كثير 2/ 304

«لا همّ إنّ الأجر أجر الآخرة» .

[2]

صحيح البخاري 4/ 266: كتاب الفضائل: باب هجرة النّبيّ صلى الله عليه وسلم وأصحابه إلى المدينة.

[3]

القصّة: الجصّة، وقيل: الحجارة من الجصّ. كما في النهاية لابن الأثير.

[4]

السّاج: ضرب عظيم من الشجر، وخشب أسود يشبه الأبنوس، لا ينبت إلّا بالهند (تاج العروس 6/ 49، 50) .

[5]

صحيح البخاري: كتاب الصلاة، باب بنيان المسجد.

ص: 36

رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، أَنَّ الْأَنْصَارَ جَمَعُوا مَالًا، فَأَتَوْا بِهِ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم فَقَالُوا: ابْنِ بِهَذَا الْمَسْجِدَ وَزَيِّنْهُ، إِلَى مَتَى نُصَلِّي تَحْتَ هَذَا الْجَرِيدِ؟ فَقَالَ: مَا بِي رغبة من أَخِي مُوسَى، عَرِيشٌ كَعَرِيشِ مُوسَى [1] .

وَرُوِيَ عَنِ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ فِي قَوْلِهِ «كَعَرِيشِ مُوسَى» ، قَالَ: إِذَا رَفَعَ يَدَهُ بَلَغَ الْعَرِيشَ، يَعْنِي السَّقْفَ.

وَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ بَدْرٍ، عَنْ قَيْسِ بْنِ طَلْقِ بْنِ عَلِيٍّ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ: بَنَيْتُ مَعَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم مَسْجِدَ الْمَدِينَةِ، فَكَانَ يَقُولُ: قَرِّبُوا الْيَمَامِيَّ [2] مِنَ الطِّينِ، فَإِنَّهُ مِنْ أَحْسَنِكُمْ لَهُ بِنَاءً. وَقَالَ أَبُو سَعِيدٍ الْخُدْرِيُّ رضي الله عنه: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: الْمَسْجِدُ الَّذِي أُسِّسَ عَلَى التَّقْوَى مَسْجِدِي هَذَا. أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ بِأَطْوَلَ مِنْهُ [3] .

وَقَالَ صلى الله عليه وسلم: صَلَاةٌ فِي مَسْجِدِي هَذَا أَفْضَلُ مِنْ أَلْفِ صَلَاةٍ فِيمَا سِوَاهُ مِنَ الْمَسَاجِدَ إِلَّا مَسْجِدَ الْكَعْبَةِ. صَحِيحٌ [4] .

وَقَالَ أَبُو سَعِيدٍ رضي الله عنه: كُنَّا نَحْمِلُ لَبِنَةً لَبِنَةً، وَعَمَّارٌ يَحْمِلُ لَبِنَتَيْنِ لَبِنَتَيْنِ، يَعْنِي فِي بِنَاءِ الْمَسْجِدِ. فَرَآهُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم، فَجَعَلَ ينف عنه

[1] انظر: دلائل النبوّة للبيهقي (2/ 262)، والبداية والنهاية لابن كثير:(3/ 215)، ووفاء ألوفا بأخبار دار المصطفى للمسهودي (1/ 242) قال ابن كثير: وهذا حديث غريب من هذا الوجه: (انظر السيرة النبويّة له 2/ 304) .

[2]

اليماميّ: نسبة إلى اليمامة. وهو طلق بن عليّ السّحيمي، ويقال طلق بن ثمامة. كان من الوفد الذين قدموا عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم من اليمامة فأسلموا. مشهور له صحبة وفائدة ورواية.

ترجمته في طبقات ابن سعد (5/ 552) . أسد الغابة (3/ 92) . الإصابة في تمييز الصّحابة (2/ 232، تهذيب التهذيب (5/ 33) .

[3]

صحيح مسلم 1398: كتاب الحجّ، باب بيان أنّ المسجد الّذي أسّس على التّقوى هو مسجد النّبيّ صلى الله عليه وسلم بالمدينة.

[4]

صحيح البخاري 2/ 56: كتاب الصلاة، أبواب التطوّع، باب فضل الصلاة في مسجد مكة والمدينة. وصحيح مسلم 1354: كتاب الحجّ، باب فضل الصلاة بمسجدي مكة والمدينة.

ص: 37

التُّرَابَ وَيَقُولُ: «وَيْحَ عَمَّارٍ، تَقْتُلُهُ الْفِئَةُ الْبَاغِيَةُ، يَدْعُوهُمْ إِلَى الْجَنَّةِ وَيَدْعُونَهُ إِلَى النَّارِ» . أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيّ دُونَ قَوْلِهِ «تَقْتُلُهُ الْفِئَةُ الْبَاغِيَةُ» ، وَهِيَ زِيَادَةٌ ثَابِتَةُ الْإِسْنَادِ [1] .

وَنَافَقَ طَائِفَةٌ مِنَ الْأَوْسِ وَالْخَزْرَجِ، فَأَظْهَرُوا الْإِسْلَامَ مُدَارَاةً لِقَوْمِهِمْ.

فَمِمَّنْ ذُكِرَ مِنْهُمْ: مِنْ أَهْلِ قُبَاءَ: الْحَارِثُ بْنُ سُوَيْدِ بن الصّامت.

[1] صحيح البخاري: كتاب الصلاة، باب التعاون في بناء المسجد. ولم ترد جملة «تقتله الفئة الباغية» في روايتي أبي ذرّ والأصيلي عن البخاري.

وقول الذهبي «زيادة ثابتة الإسناد» يفسّره قول ابن حجر العسقلاني في (فتح الباري 1/ 451) : «واعلم أنّ هذه الزيادة لم يذكرها الحميدي في الجمع» وقال: إنّ البخاري لم يذكرها أصلا، وكذا قال أبو مسعود. قال الحميديّ: ولعلّها لم تقع للبخاريّ، أو وقعت فحذفها عمدا. قال: وقد أخرجها الإسماعيليّ والبرقاني في هذا الحديث. قلت: ويظهر لي أنّ البخاري حذفها عمدا، وذلك لنكتة خفيّة، وهي أنّ أبا سعيد الخدريّ اعترف أنّه لم يسمع هذه الزيادة من النّبيّ صلى الله عليه وسلم. فدلّ على أنّها في هذه الرواية مدرجة. والرواية الأولى التي بيّنت ذلك ليست على شرط البخاري. وقد أخرجها البزّار من طريق داود بن أبي هند، عن أبي ندرة، عن أبي سعيد، فذكر الحديث في بناء المسجد وحملهم لبنة لبنة، وفيه: فقال أبو سعيد: فحدّثني أصحابي ولم أسمع من رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: يا بن سميّة، تقتلك الفئة الباغية» . وأخرج الحديث: مسلم (2916) في الفتن، باب: لا تقوم الساعة حتى يمرّ الرجل بقبر الرجل فيتمنّى أن يكون مكان الميت من البلاء. وعن أمّ سلمة قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لعمّار: «تقتلك الفئة الباغية» . وعن أبي هريرة أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لعمّار: «أبشر عمّار تقتلك الفئة الباغية» .

(رواه التّرمذي 3802) في المناقب، باب، مناقب عمّار بن ياسر، وهو حديث صحيح.

وقال: هذا حديث حسن صحيح غريب. وفي الباب: عن أمّ سلمة، وعبد الله بن عمر، وأبي اليسر، وحذيفة. وقال ابن حجر: روى حديث «تقتل عمّارا الفئة الباغية» جماعة من الصحابة، منهم: قتادة بن النعمان، وأمّ سلمة عند مسلم. وأبو هريرة عند الترمذي، وعبد الله بن عمرو بن العاص عند النسائي، وعثمان بن عفان، وحذيفة، وأبو أيوب، وأبو رافع، وخزيمة بن ثابت، ومعاوية، وعمرو بن العاص، وأبو اليسر، وعمّار نفسه، وكلها عند الطبراني وغيره، وغالب طرقها صحيحة، أو حسنة، وفيه عن جماعة آخرين يطول عددهم.

(جامع الأصول 9/ 43) ورواه الطبراني في المعجم الكبير 4/ 98 رقم 3720 و 4/ 200 رقم (4030 و 1/ 300 رقم 954) و (المعجم الصغير 1/ 187) وابن جميع الصّيداوي في (معجم الشيوخ 284 بتحقيقنا) وابن عساكر في (تاريخ دمشق 9/ 355) و (تهذيب تاريخ دمشق 4/ 150) .

ص: 38

وَكَانَ أَخُوهُ خَلَّادُ رَجُلًا صَالِحًا، وَأَخُوهُ الْجَلَّاسُ [1] . دُونَ خَلَّادٍ فِي الصَّلَاحِ.

وَمِنَ الْمُنَافِقِينَ: نَبْتَلُ بْنُ الْحَارِثِ [2] . وَبِجَادُ [3] بْنُ عُثْمَانَ. وَأَبُو حَبِيبَةَ ابن الْأَزْعَرِ أَحَدُ مَنْ بَنَى مَسْجِدَ الضِّرَارِ [4] . وَجَارِيَةُ بْنُ عَامِرٍ، وَابْنَاهُ: زَيْدٌ وَمُجَمِّعٌ. وَقِيلَ لَمْ يَصِحَّ عَنْ مُجَمِّعٍ النفاق، وَإِنَّمَا ذُكِرَ فِيهِمْ لِأَنَّ قَوْمَهُ جَعَلُوهُ إِمَامَ مَسْجِدِ الضِّرَارِ [5] . وَعَبَّادُ بْنُ حُنَيْفٍ. وَأَخَوَاهُ سَهْلٌ وَعُثْمَانُ مِنْ فُضَلَاءِ الصَّحَابَةِ.

وَمِنْهُمْ:

بِشْرٌ، وَرَافِعٌ، ابْنَا زَيْدٍ. وَمِرْبَعٌ، وَأَوْسٌ، ابْنَا قَيْظِيٍّ [6] . وَحَاطِبُ بْنُ أُمَيَّةَ، وَرَافِعُ [6 أ] بْنُ وَدِيعةَ، وَزَيْدُ بْنُ عَمْرٍو، وَعَمْرُو بْنُ قَيْسٍ، ثَلَاثَتُهُمْ مِنْ بَنِي النَّجَارِ، وَالْجَدُّ بْنُ قَيْسٍ الْخَزْرَجِيُّ، مِنْ بَنِي جُشَمٍ، وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ أُبَيِّ بْنُ سَلُولٍ، مِنْ بَنِي عَوْفٍ بْنُ الْخَزْرَجِ، وَكَانَ رَئِيسَ الْقَوْمِ.

وَمِمَّنْ أَظْهَرَ الإيمان من اليهود ونافق بعد:

[1] الجلابس: بالجيم، في: المحبّر لابن حبيب 467، والمعارف لابن قتيبة 343، وأنساب الاشراف للبلاذري 1/ 275، والاستيعاب لابن عبد البرّ 264، والإكمال لابن ماكولا 3/ 170، وأسد الغابة لابن الأثير 1/ 291، ومشتبه النسبة للذهبي 1/ 196، والوافي بالوفيات للصفدي 11/ 178 رقم 262، وإمتاع الأسماع للمقريزي 453، والإصابة لابن حجر 15/ 509 وانظر عنه: سيرة ابن هشام 2/ 258 و 261 وأثبته محقّقا: جوامع السيرة لابن حزم (الخلاس) بالخاء، وكذا محقّق: الدرر لابن عبد البرّ.

[2]

من بني لوذان بن عمرو بن عوف: وَهُوَ الَّذِي قَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «مَنْ أحبّ أن ينظر إلى الشيطان فلينظر إلى نبتل بن الحارث» . (سيرة ابن هشام 2/ 259)

[3]

في الأصل وسائر النسخ: نجاد بالنون، والتصحيح من ابن هشام (2/ 259) ، والمحبّر (467) وأنساب الأشراف (1/ 275) وتاريخ الطبري (3/ 111) . وأثبته شعيرة- ص 80 «نجاب» وهو ترجيح خاطئ.

[4]

سيرة ابن هشام 2/ 259.

[5]

السيرة.

[6]

السيرة 2/ 261.

ص: 39

أَسْعَدُ [1] بْنُ حُنَيْفٍ، وَزَيْدُ بْنُ اللُّصَيْتِ، وَرَافِعُ بن حرملة [2] ، ورفاعة ابن زَيْدِ بْنُ التَّابُوتِ [3] ، وَكِنَانَةُ بْنُ صُورِيَا [4] .

وَمَاتَ فِيهَا:

الْبَرَاءُ بْنُ مَعْرُورٍ السُّلَمِيُّ [5] أَحَدُ نُقَبَاءِ الْعَقَبَةِ رضي الله عنه. وَهُوَ أَوَّلُ مَنْ بَايَعَ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم لَيْلَةَ الْعَقَبَةِ، وَكَانَ كَبِيرَ الشَّأْنِ.

وَتَلَاحَقَ الْمُهَاجِرُونَ الَّذِينَ تَأَخَّرُوا بِمَكَّةَ بِالنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم. فَلَمْ يَبْقَ إِلَّا مَحْبُوسٌ أَوْ مَفْتُونٌ. وَلَمْ يَبْقَ دَارٌ مِنْ دُورِ الْأَنْصَارِ إِلَّا أَسْلَمَ أَهْلُهَا. إِلَّا أَوْسُ [اللَّهِ][6] ، وَهُمْ حَيٌّ مِنَ الْأَوْسِ، فَإِنَّهُمْ أَقَامُوا عَلَى شِرْكِهِمْ.

وَمَاتَ فِيهَا: الْوَلِيدُ بْنُ الْمُغِيرَةِ الْمَخْزُومِيُّ وَالِدُ خَالِدٍ، وَالْعَاصُ بْنُ وَائِلِ السَّهْميُّ وَالِدُ عَمْرٍو بِمَكَّةَ عَلَى الْكُفْرِ.

وَكَذَلِكَ: أَبُو أُحَيْحةَ سَعِيدُ بْنُ الْعَاصِ الْأُمَوِيُّ تُوُفِّيَ بِمَالِهِ بِالطَّائِفِ.

وَفِيهَا: أُرِيَ الْأَذَانَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ زَيْدٍ، وَعُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ، فشرع الأذان على ما رأيا [7] .

[1] في الأصول، وطبعة القدسي وطبعة شعيرة «سعد» والتصويب من سيرة ابن هشام 2/ 261.

[2]

ويقال «ابن حريملة» بالتصغير. انظر: المحبّر 470 وأنساب الأشراف 1/ 285 والدرر لابن عبد البر 102 وعيون الأثر 1/ 218 وسيرة ابن هشام 2/ 261 وقال: «وهو الّذي قال له الرسول صلى الله عليه وسلم حين مات-: «قد مات اليوم عظيم من عظماء المنافقين» .

[3]

المحبّر 470.

[4]

سيرة ابن هشام 2/ 262 وفي المحبّر 470 «صويراء» .

[5]

السّلمي: نسبة إلى سلمة (بكسر اللّام) بطن من الأنصار. والنّسبة إليها عند النّحويين بفتح اللّام، والمحدّثون يكسرونها. (اللباب في تهذيب الأنساب: 2/ 129) . انظر عنه: المحبّر 270 و 271 و 273 و 416.

[6]

سقطت من الأصل، وزدناها من ع، ح.

[7]

في الأصل وفي طبعة شعيرة 82، (رأينا) والتصحيح من ع. ح، وانظر حول ذلك: الطبقات الكبرى 1/ 246 وما بعدها، وسيرة ابن هشام 2/ 253، وعيون الأثر 1/ 203، والسيرة لابن كثير 2/ 334.

ص: 40

وَفِي شَهْرِ رَمَضَانَ عَقَدَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم لِوَاءً لِحَمْزَةَ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ يَعْتَرِضُ عِيرًا لِقُرَيْشٍ. وَهُوَ أَوَّلُ لِوَاءٍ عُقِدَ فِي الْإِسْلَامِ [1] .

وَفِيهَا: بَعَثَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم زَيْدَ بْنَ حَارِثَةَ وَأَبَا رَافِعٍ إِلَى مَكَّةِ لِيَنْقُلَا بَنَاتَهُ وَسَوْدَةَ أُمَّ الْمُؤْمِنِينَ.

وَفِي ذِي الْقِعْدَةِ عَقَدَ لِوَاءً لِسَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ، لِيُغِيرَ عَلَى حَيٍّ مِنْ بَنِي كِنَانَةَ أَوْ بَنِي جُهَيْنَةَ. ذَكَرَهُ الْوَاقِدِيُّ.

وَقَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي الزِّنَادِ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ رُومَانَ، عَنْ عُرْوَةَ قَالَ: قَدِمَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم الْمَدِينَةَ، فَكَانَ أَوَّلُ رَايَةٍ عَقَدَهَا رَايَةَ عُبَيْدَةَ بْنِ الْحَارِثِ [2] .

وَفِيهَا: آخَى النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم بين المهاجرين والأنصار، عَلَى الْمُوَاسَاةِ وَالْحَقِّ.

وَقَدْ رَوَى أَبُو دَاوُدَ الطَّيَالِسِيُّ، عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ مُعَاذٍ، عَنْ سِمَاكٍ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما قَالَ: آخَى رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بَيْنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ، وَوَرَّثَ بَعْضَهُمْ من بعض، حتى نزلت: وَأُولُوا الْأَرْحامِ بَعْضُهُمْ أَوْلى بِبَعْضٍ 8: 75 [3] .

وَالسَّبَبُ فِي قِلَّةِ مَنْ تُوُفِّيَ فِي هَذَا الْعَامِ وَمَا بَعْدَهُ مِنَ السِّنِينَ، أَنَّ الْمُسْلِمِينَ كَانُوا قَلِيلِينَ بِالنِّسْبَةِ إِلَى مَنْ بَعْدَهُمْ. فَإِنَّ الْإِسْلَامَ لَمْ يَكُنْ إِلَّا بِبَعْضِ الْحِجَازِ، أَوْ مَنْ هَاجَرَ إِلَى الْحَبَشَةِ، وَفِي خِلَافَةِ عُمَرَ- بل وقبلها-

[1] سيرة ابن هشام 3/ 20.

[2]

المحبّر 116 وانظر سيرة ابن هشام 3/ 18.

[3]

سورة الأنفال: من الآية 75، وانظر ترتيب مسند الطّيالسي، كتاب فضائل القرآن، باب ما جاء في سورة الأنفال (2/ 19) .

ص: 41

انْتَشَرَ الْإِسْلَامُ فِي الْأَقَالِيمِ. فَبِهَذَا يَظْهَرُ لَكَ سَبَبُ قِلَّةِ مَنْ تُوُفِّيَ فِي صَدْرِ الْإِسْلَامِ، وَسَبَبُ كَثْرَةِ مَنْ تُوُفِّيَ فِي زَمَانِ التَّابِعِينَ فَمَنْ بَعْدَهُمْ.

وَكَانَ فِي هَذَا الْقُرْبِ [1] أَبُو قَيْسِ بْنُ الْأَسْلَتِ [2] بْنُ جُشَمِ بْنُ وَائِلٍ الْأَوْسِيُّ الشَّاعِرُ. وَكَانَ يُعْدَلُ بِقَيْسِ بْنِ الْخَطِيمِ [3] فِي الشَّجَاعَةِ وَالشِّعْرِ.

وَكَانَ يَحُضُّ الْأَوْسَ عَلَى الْإِسْلَامِ. وَكَانَ قَبْلَ الْهِجْرَةِ يَتَأَلَّهُ [4] وَيَدَّعِي الْحَنِيفِيَّةَ، وَيَحُضُّ قُرَيْشًا عَلَى الْإِسْلَامِ، فَقَالَ قَصِيدَتَهُ الْمَشْهُورَةَ الَّتِي أَوَّلُهَا [5] :

أَيَا رَاكِبًا إِمَّا عَرَضْتَ فَبَلِّغَنْ

مُغَلْغَلَةً عَنِّي لُؤَيَّ بْنَ غَالِبِ

أَقِيمُوا لَنَا دِينًا حَنِيفًا، فَأَنْتُمُو

لَنَا قَادَةٌ، قَدْ يُقْتَدَى بالذّوائب

(6 ب) رَوَى الْوَاقِدِيُّ عَنْ رِجَالِهِ قَالُوا: خَرَجَ ابْنُ الْأَسْلَتِ إِلَى الشَّامِ، فَتَعَرَّضَ آلَ جَفْنَةَ [6] فَوَصَلُوهُ. وسأل الرّهبان فدعوه إلى دينهم فلم

[1] هكذا في جميع النّسخ، ولعلّها بمعنى كان قريبا من ذلك الوقت. وجعلها ابن الملّا «وكان شاهد العرب» وهو قول لا معنى له.

[2]

في الأصل (الأسلم) تصحيف. وهو أبو قيس صيفي بن الأسلت الشاعر. ترجمته في الأغاني (17/ 117) وطبقات فحول الشعراء (189) والإصابة (3/ 251 و 4/ 161) والاستيعاب على هامش الإصابة (2/ 193 و 4/ 160) ، والمحبّر 420، وشرح المفضّليات 75، وخزانة الأدب 3/ 409- 413 ومعجم الشعراء في لسان العرب 335 رقم 864. للدكتور ياسين الأيوبي.

[3]

قيس بن الخطيم: شاعر مشهور من بني ظفر من الأوس، أدرك الإسلام، ولقي النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم بِمَكَّةَ قَبْلَ الهجرة، فدعاه إلى الإسلام وحرص عليه، ولكنّه قتل قبل أن يسلم. ترجمته في الأغاني (3/ 1) وطبقات فحول الشعراء (190) ومعجم الشعراء للمرزباني (196) ، وطبقات الشعراء لابن سلام 52 و 65، ومعجم الشعراء في لسان العرب 336، 337 رقم 867 وقد طبع ديوانه في ليبزغ سنة 1914

[4]

يتألّه: يتنسّك.

[5]

انظر القصيدة بتمامها في ديوانه (64- 70) وابن هشام (1/ 283- 286) والبداية والنهاية (3/ 154- 155) والروض الأنف (3/ 72- 74) .

[6]

آل جفنة: ملوك غسّان بالشّام، ترجع نسبتهم إلى جفنة بن عمرو مزيقياء بن عامر، وغسّان اسم ماء نزلوه فسمّوا به، ليس بأب ولا أمّ. (الاشتقاق لابن دريد 1/ 435) .

ص: 42

يُرِدْهُ. فَقَالَ لَهُ رَاهِبٌ: أَنْتَ تُرِيدُ دِينَ الْحَنِيفِيَّةِ، وَهَذَا وَرَاءَكَ مِنْ حَيْثُ خَرَجْتَ. ثُمَّ إِنَّهُ قَدِمَ مَكَّةَ مُعْتَمِرًا، فَلَقِي زَيْدَ بْنَ عَمْرِو بْنِ نُفَيْلٍ [1]، فَقَصَّ عَلَيْهِ أَمْرَهُ. فَكَانَ أَبُو قَيْسٍ بَعْدُ يَقُولُ: لَيْسَ أَحَدٌ عَلَى دِينِ إِبْرَاهِيمَ إِلَّا أَنَا وَزَيْدٌ. فَلَمَّا قَدِمَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم الْمَدِينَةَ، وَقَدْ أَسْلَمَتِ الْخَزْرَجُ وَالْأَوْسُ، إِلَّا مَا كَانَ مِنْ أَوْسِ اللَّهِ فَإِنَّهَا وَقَفَتْ مَعَ ابْنِ الْأَسْلَتِ، وَكَانَ فَارِسُهَا وَخَطِيبُهَا، وَشَهِدَ يَوْمَ بُعَاثٍ، فَقِيلَ لَهُ: يَا أَبَا قَيْسٍ، هَذَا صَاحِبُكَ الَّذِي كُنْتَ تَصِفُ.

قَالَ: رَجُلٌ قَدْ بُعِثَ بِالْحَقِّ. ثُمَّ جَاءَ إِلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَعَرَضَ عَلَيْهِ شَرَائِعَ الْإِسْلَامِ، فَقَالَ: مَا أَحْسَنَ هَذَا وَأَجْمَلَهُ، أَنْظُرُ فِي أَمْرِي. وَكَادَ أَنْ يُسْلِمَ.

فَلَقِيَهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أُبَيٍّ، فَأَخْبَرَهُ بِشَأْنِهِ فَقَالَ: كَرِهْتَ وَاللَّهِ حَرْبَ الْخَزْرَجِ.

فَغَضِبَ وَقَالَ: وَاللَّهِ لَا أُسْلِمُ سَنَةً. فَمَاتَ قَبْلَ السَّنَةِ.

فَرَوَى الْوَاقِدِيُّ عَنِ ابْنِ أَبِي حَبِيبَةَ، عَنْ دَاوُدَ بْنِ الْحُصَيْنِ، عَنْ أَشْيَاخِهِ أَنَّهُمْ كَانُوا يَقُولُونَ: لَقَدْ سُمِعَ يُوَحِّدُ عند الموت [2] .

[1] زيد بن عمرو بن نفيل: ابن عمّ عمر بن الخطّاب رضي الله عنه: أحد المتفرّقين في طلب الأديان كما يقول ابن هشام. وكان يقول: أنا أنتظر نبيا من ولد إسماعيل، ثم من بني عبد المطّلب، ولا أراني أدركه، وأنا أو من به وأصدّقه وأشهد أنه نبيّ وكان يستقبل الكعبة في المسجد ويقول: لبّيك حقّا حقا، تعبّدا ورقّا. وقال النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم إِنَّهُ يُبْعَثُ أمّة وحده، وأنه رآه في الجنّة يسحب ذيولا. وخرّج البخاري في كتاب الفضائل من صحيحه حديثا مطوّلا عنه، وفيه عن ابن عمر أنّ زيدا خَرَجَ إِلَى الشَّامِ يَسْأَلُ عَنِ الدِّينِ وَيَتَّبِعُهُ، فدلّ على الحنيفيّة دين إبراهيم، وأنه لَمْ يَكُنْ يَهُودِيًّا وَلَا نَصْرَانِيًّا، وَلَا يَعْبُدُ إلّا الله، فرفع يديه إلى السماء فقال: اللَّهمّ إنّي أشهد أنّي على دين إبراهيم.

ترجمته في ابن هشام (1/ 222) والطبقات الكبرى (1/ 161 و 4/ 384) والمحبّر 170 و 171 و 175 وتاريخ الطبري (2/ 295) وانظر صحيح البخاري: كتاب فضائل أصحاب النّبيّ صلى الله عليه وسلم، باب حديث: زيد بن عمرو بن نفيل.

[2]

انظر هذه القصة في ترجمة محصن بن أبي قيس بن الأسلت في الطبقات الكبرى (4/ 385) .

ص: 43