الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
عُمْرَةُ القَضيَّة [1]
روى نافع [بْن عَبْد الرَّحْمَن][2] بْن أَبِي نُعيم، عَنْ نافع مولى ابن عُمَر قَالَ: كانت عُمْرة القضيّة فِي ذي القِعدة سنة سبعٍ.
وَقَالَ مُعْتَمر بْن سُلَيْمَان، عَنْ أَبِيهِ قَالَ: لما رجع رَسُول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مَنْ خيبر، بعث سرايا وأقام بالمدينة حتى [استهلّ][3] ذو القعدة. ثُمَّ نادى فِي النّاس أنْ تجهّزوا العُمْرة [78 أ] فتجهَّزُوا، وخرجوا معه إلى مكة.
وقال ابن شهاب: ثُمَّ خَرَجَ رَسُول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِي ذي القِعدة حتى بلغ يَأْجَجَ [4] وضع الأداة كلها: الحَجَف والمَجَانّ [5] والرماح والنّبْل. ودخلوا بسلاح الراكب: السيوف. وبعث رَسُول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم جَعْفَرًا بين يديه إلى ميمونة بنت الحارث بن بنت حَزْن العامريّة فخطبها عَلَيْهِ، فجعلت أمرَها إلى العبّاس،
[1] وتسمّى: عمرة القضاء، ويقال لها عمرة القصاص. (عيون الأثر 2/ 148) .
[2]
زيادة في اسمه من ترجمته في تهذيب التهذيب (10/ 407) وقد ينسب كذلك إلى جدّه.
[3]
سقطت من الأصل، وأثبتناها من ع.
[4]
يأجج: بالهمزة والفتح، مكان من مكة على ثمانية أميال، وكان من منازل عبد الله بن الزبير، (معجم البلدان 5/ 424) .
[5]
في الأصل: المجنّ. وأثبتنا لفظ ع وهو صيغة الجمع من المجنّ أي الترس.
وكانت أختها تحته وهي أمّ الفضل فزوّجها العبّاس رَسُول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم.
فَلَمَّا قدم أمر أصحابه فقال: اكشفوا عَنِ المناكب واسعوا فِي الطَّواف، ليرى المشركون جَلَدَهم وقوَّتهم، وكان يكايدهم بكلّ ما استطاع. فاستكفّ أهل مكة- الرجال والنّساء والصّبيان- ينظرون إِلَى رَسُول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَأَصْحَابُهُ وهم يطوفون بالبيت. وعبد الله بْن رواحة يرتجز بين يدي رَسُول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم متوشّحًا بالسيف يَقْولُ [1] :
خَلُّوا بني الكُفَّار عَنْ سبيله
…
أَنَا الشهيد أنّه رسولهْ
قد أنزل الرَّحْمَن فِي تنزيلهْ
…
فِي صحف تُتْلى عَلَى رسولهْ
فاليوم نضربكم عَلَى تأويلِهْ
…
كما ضَربْناكم عَلَى تنزيلهْ
ضرْبًا يُزيل الهامَ عَنْ مَقِيلَهْ
…
وَيُذْهِلُ الخليلَ عَنْ خليلهْ
وتغيّب رجال من أشرافهم أن ينظروا إِلَى رَسُول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم غَيْظًا وحنقًا، ونفاسة وحَسَدًا، خرجوا إلى الخَنْدَمَة [2] . فَقَامَ رَسُول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بمكة، وأقام ثلاث ليالٍ، وكان ذَلِكَ آخر الشرط. فلما أصبح من اليوم الرابع أتاه سُهَيْلُ بْن عَمْرو وغيره، فصاح حُوَيْطِب بْن عَبْد العُزَّى: نناشدك الله والعقد لما خرجتَ من أرضنا فقد مضت الثلاث. فقال سعد بْن عُبَادة: كذبتَ لا أُمّ لك لَيْسَ بأرضك ولا بأرض آبائك، [والله][3] لا نخرج. ثُمَّ نادى رَسُول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم سُهَيلًا وحُوَيْطبًا، فقال:«إنّي قد نكحت فيكم امرأةً فما يضرّكم أن أمكث حتى أدخل بِهَا، ونصنع الطعام فنأكل وتأكلون معنا» . قَالُوا: نناشدك الله والعقد، إلّا خرجت عنّا. فأمر رَسُول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أبا رافع فأذّن بالرحيل. وركب
[1] ديوانه: ص 100- 101 باختلاف في الألفاظ وفي ترتيب الأبيات، وكذلك في سيرة ابن هشام 4/ 69، والطبقات لابن سعد 2/ 121، وتاريخ الطبري 3/ 24 والمغازي لعروة 202.
[2]
الخندمة: جبل من جبال مكة. (معجم البلدان 2/ 392) .
[3]
ليست في الأصل، وأثبتناه من ع.
رَسُول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم حَتَّى نزل بطن سَرِف [1] وأقام المسلمون، وخلَّف رَسُول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَبَا رافع ليحمل ميمونة إِلَيْهِ حين يُمسي. فأقام بسرِف حتى قدِمت عَلَيْهِ، وقد لقيت عناءً وأذى من سُفهاء قريش، فبنى بِهَا. ثُمَّ أدلج فسار حتى قدِم المدينة. وقدّر الله أن يكون موتُ ميمونة بسَرِف بعد حين [2] .
وَقَالَ فُلَيْحٌ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم خَرَجَ مُعْتَمِرًا، فَحَالَ كُفَّارُ قُرَيْشٍ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْبَيْتِ. فَنَحَرَ هَدْيَهُ وَحَلَقَ رَأْسَهُ بِالْحُدَيْبِيَةِ.
وَقَاضَاهُمْ عَلَى أَنْ يَعْتَمِرَ الْعَامَ الْمُقْبِلَ، وَلا يَحْمِلَ سِلاحًا إِلا سُيُوفًا، وَلا يُقِيمَ بِهَا إِلا مَا أَحَبُّوا. فَاعْتَمَرَ مِنَ الْعَامِ الْمُقْبِلِ فَدَخَلَهَا كَمَا صَالَحَهُمْ. فَلَمَّا أَنْ أَقَامَ بِهَا ثَلاثًا أَمَرُوهُ أَنْ يَخْرُجَ، فَخَرَجَ. أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ [3] .
وَقَالَ الْوَاقِدِيُّ [4] : [78 ب] ثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ نَافِعٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: لَمْ تَكُنْ هَذِهِ الْعُمْرَةُ قَضَاءً وَلَكِنْ شَرْطًا عَلَى الْمُسْلِمِينَ أَنْ يعتمروا قابل فِي الشَّهْرِ الَّذِي صَدَّهُمُ الْمُشْرِكُونَ.
وقال مُحَمَّد بْن سلمة، عَنِ ابن إِسْحَاق، عَنْ عَمْرو بْن ميمون، سَمِعْتُ أَبَا حاضر الحَضْرَميّ أنّ ميمون بْن مِهْران قَالَ: خرجت معتمِرًا سنة حُوصِر ابن الزُّبير. وبعث معي رجال من قومي بهَدْي. فلما انتهينا إلى أهل الشام منعونا أن ندخل الْحَرَمَ فنحرت الهدي مكاني، ثُمَّ أحللتُ ثُمَّ رجعتُ.
فلما كَانَ من العام المقبل، خرجت لأقضي عُمْرَتي، فأتيت ابن عبّاس
[1] سرف: موضع على أميال من مكة، وهو الّذي فيه مسجد ميمونة أمّ المؤمنين. (معجم البلدان 3/ 212) .
[2]
سيرة ابن هشام 4/ 69، 70، الطبقات الكبرى لابن سعد 2/ 120- 122، تاريخ الطبري 3/ 23- 25، تسمية أزواج النّبيّ لأبي عبيدة 67، عيون الأثر 2/ 148، 149، البداية والنهاية 4/ 226- 230، عيون التواريخ 1/ 272، 273، المغازي لعروة 201- 203.
[3]
صحيح البخاري: كتاب المغازي، باب عمرة القضاء. (5/ 85) .
[4]
المغازي 2/ 731.
فسألته، فقال: أبدل الهدْي الَّذِي نحروا عام الحُدَيبية فِي عُمْرة القضاء. زاد فِيهِ يونس عَنِ ابن إِسْحَاق قَالَ: فَعَزَّت الإِبل عليهم، فرخَّص لهم رَسُول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِي البقر [1] .
وَقَالَ الْوَاقِدِيُّ [2] : حَدَّثَنِي غَانِمُ بْنُ أَبِي غَانِمٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: قَدْ سَاقَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم، فِي الْقَضِيَّةِ سِتِّينَ بَدَنَةً.
قَالَ: وَنَزَلَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم مَرَّ الظَّهْرَانِ، وَقَدَّمَ السِّلاحَ إِلَى بَطْنِ يَأْجَجَ، حَيْثُ يَنْظُرُ إِلَى أَنْصَابِ الْحَرَمِ. وَتَخَوَّفَتْ قُرَيْشٌ، فَذَهَبَتْ فِي رُءُوسِ الْجِبَالِ وَخَلَّوْا مَكَّةَ.
وَقَالَ مَعْمَرٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ أَنَسٍ قَالَ: لَمَّا دَخَلَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم. مَكَّةَ فِي عُمْرَةِ الْقَضَاءِ، مَشَى ابْنُ رَوَاحَةَ بَيْنَ يَدَيْهِ وَهُوَ يَقُولُ:
خَلُّوا بَنِي الْكُفَّارِ عَنْ سَبِيلِهِ
…
قَدْ أَنْزَلَ الرَّحْمَنُ فِي تَنْزِيلِهِ
بِأَنَّ خَيْرَ الْقتْلِ فِي سَبِيلِهِ
…
نَحْنُ قَتَلْنَاكُمْ عَلَى تَأْوِيلِهِ
كَمَا قَتَلْنَاكُمْ عَلَى تَنْزِيلِهِ
…
يَا رَبِّ إِنِّي مُؤْمِنٌ بِقِيلِهِ [3]
وَقَالَ أَيُّوبُ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، حَدَّثَهُ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: قَدِمَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مَكَّةَ، وَقَدْ وَهَنَتْهُمْ حُمَّى يَثْرِبَ. فَقَالَ الْمُشْرِكُونَ: إِنَّهُ يَقْدَمُ عَلَيْكُمْ قَوْمٌ قَدْ وَهَنَتْهُمُ الْحُمَّى، وَلَقُوا مِنْهَا شَرًّا. فَأَطْلَعَ اللَّهُ نَبِيَّهُ عَلَى مَا قَالُوهُ، فَأَمَرَهُمْ أَنْ يَرْمُلُوا الأَشْوَاطَ الثلاثة، وأن يمشوا بين المشركين. فَلَمَّا رَأَوْهُمْ رَمَلُوا، قَالُوا:
هَؤُلاءِ الَّذِينَ ذَكَرْتُمْ أَنَّ الْحُمَّى وَهَنَتْهُمْ؟ هَؤُلاءِ أَجْلَدُ مِنَّا. قَالَ ابن عبّاس: ولم
[1] تفرّد به أبو داود من حديث أبي حاضر عثمان بن حاضر الحميري عن ابن عباس فذكره. وانظر الطبري 3/ 25.
[2]
المغازي 2/ 732، البداية والنهاية 4/ 231.
[3]
قارن الأبيات بالأبيات التي مرت قبل قليل.
[يَمْنَعْهُ أَنْ][1] يَأْمُرَهُمْ أَنْ يَرْمُلُوا الأَشْوَاطَ كُلَّهَا إِلا الإِبْقَاءُ عَلَيْهِمْ. أَخْرَجَاهُ [2] .
وَقَالَ يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ: أنا الْجُرَيْرِيُّ عَنْ أَبِي الطُّفَيْلِ قَالَ: قُلْتُ لابْنِ عَبَّاسٍ إِنَّ قَوْمَكَ يَزْعُمُونَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قد رَمَلَ وَأَنَّهَا سُنَّةٌ. قَالَ: صَدَقُوا وَكَذَبُوا، إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قدم مَكَّةَ وَالْمُشْرِكُونَ عَلَى قُعَيْقِعَانَ [3] ، وَكَانَ أَهْلُ مَكَّةَ قوما حسّدا، فجعلوا يتحدّثون بَيْنَهُمْ أَنَّ أَصْحَابَ مُحَمَّدٍ ضُعَفَاءُ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: أَرُوهُمْ مَا يَكْرَهُونَ مِنْكُمْ. فَرَمَلَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لِيُرِيَهُمْ قُوَّتَهُ وَقُوَّةَ أَصْحَابِهِ، وَلَيْسَتْ بِسُنَّةٍ. أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ [4] . وَقَدْ بَقِيَ الرَّمَلُ سُنَّةً فِي طَوَافِ الْقُدُومِ، وَإِنْ كَانَ قَدْ زَالَتْ عِلَّتُهُ فَإِنَّ جَابِرًا قَدْ حَكَى فِي حَجَّةِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم [أَنَّهُ][5] رَمَلَ ورَمَلُوا فِي عُمْرَةِ الْجِعْرَّانَةِ.
وقال إِسْمَاعِيل بْن أَبِي خَالِد، عَنِ ابْنِ أَبِي أَوْفَى سمعه يَقْولُ: اعتمرنا مَعَ رَسُول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، فكنّا [79 أ] نستره- حين طاف- من صبيان مكة لا يُؤْذونه. وأرانا ابن أَبِي أوفى ضربةً أصابته مع النبي صلى الله عليه وسلم يوم خيبر. خ [6] .
[1] زيادة من الصحيحين تستقيم بها العبارة.
[2]
صحيح البخاري: كتاب الحجّ، باب كيف بدأ الرمل 2/ 161. وكتاب المغازي، باب عمرة القضاء 5/ 86، وصحيح مسلم (1264) كتاب الحجّ، باب استحباب الرمل في الطواف والعمرة. وانظر الطبقات الكبرى 2/ 123.
[3]
قعيقعان: جبل بأسفل مكة. وهو بالضم ثم الفتح. (معجم البلدان 4/ 379) .
[4]
صحيح مسلم (1266) ، كتاب الحج، باب استحباب الرمل في الطواف والعمرة.
[5]
سقطت من الأصل، وحرفت (رمل) بعدها إلى رملة. وأثبتنا عبارة ع.
[6]
صحيح البخاري: كتاب المغازي، باب عمرة القضاء (5/ 86) .