الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
أبو القاسم بن أبي حرب الْجُرْجَانيّ الزّجّاجيّ.
شيخٌ نَيْسابوريّ الدّار، ثقة، صالح، حسن السّيرة، تاجر أمين.
سمع: أبا عبد الرحمن السّلَميّ، وابن مَحْمِش، والحِيريّ، وغيرهم.
روى عَنْهُ: إسماعيل بْن السَّمَرْقَنْديّ، وأحمد بْن سعْد العِجْليّ الهَمَذَانيّ، وأبو عثمان العصايديّ المروزيّ، وعمر بن أحدم الصفار، وعبد الله بن الفُرَاويّ، وأحمد بن المبارك بن قُفْرَجَل، وصَدَقَة بن محمد السّيّاف.
حدَّث ببُلْدان، وحكى عنه جيرانه كثرةَ تِلاوةٍ وبكاء.
ولد سنة خمس وأربعمائة، وتُوُفّي في رمضان.
قال ابن النّجّار: أمين صدوق، صالح، عفيف، من التّجّار، كثير الصَّدَقة.
وقيل: كان أبوه حاتم وقته.
-
حرف الميم
-
283-
مُحَمَّد بْن الْحُسَيْن بْن عَبْد الله بن إبراهيم [1] .
الوزير ظهير الدّين أبو شُجاع الرُّوذرَاوَريّ.
وَزَرَ للمقتدي باللَّه بعد عزْل عميد الدّولة منصور بن جهير سنة ستٍّ وسبعين، وصُرِف سنة أربعٍ وثمانين، وأُعيد ابن جَهِير.
ولمّا عُزِل قال:
تولّاها وليس له عدوّ
…
وفارقها وليس له صديق [2]
[1] انظر عن (محمد بن الحسين الروذراوريّ) في: المنتظم 9/ 90- 94 رقم 131 (17/ 22- 27 رقم 3652) ، وخريدة القصر وجريدة العصر (قسم شعراء العراق) 1/ 77- 87، والتدوين في أخبار قزوين للرافعي 3/ 180، وتاريخ دولة آل سلجوق 77، 78، والكامل في التاريخ 10/ 250، ووفيات الأعيان 5/ 134- 137 رقم 702، والفخري 297- 299، ومختصر التاريخ لابن الكازروني 214، وخلاصة الذهب المسبوك للإربلي 270، وسير أعلام النبلاء 19/ 27- 31 الرقم 17، والوافي بالوفيات 3/ 3، 4 رقم 853، وطبقات الشافعية الكبرى للسبكي 3/ 57، والبداية والنهاية 2/ 150، 151، وكشف الظنون 344.
[2]
خريدة القصر 1/ 77، تاريخ دولة آل سلجوق 77، الكامل في التاريخ 10/ 187، وفيات الأعيان 5/ 135، الفخري 298، سير أعلام النبلاء 19/ 30، الوافي بالوفيات 3/ 33.
ثمّ إنّه حجّ وجاوَرَ بالمدينة إلى أن مات بها كَهْلًا. وكان ديِّنًا عالمًا، من محاسن الوزراء.
قال العِماد الكاتب: [1] لم يكن في الوزراء من يحفظ أمر الدّين والشَّرع مثله. وكان عصره أحسن العصور رحمه الله.
[ذكره][2] صاحب «المرآة» [3] .
ولمّا ولي وزارةَ المقتدي كان سليمًا من الطَّمع في المال، لأنّه كان يملك حينئذ ستّمائة ألف دينار، فأنفقها في الخيرات والصَّدقات.
قال أبو جعفر الخرفيّ: كنتُ أنا واحدًا من عشرة نتولّى إخراج صَدَقَاته، فحسبْت ما خرج على يديّ، فكان مائة ألف دينار.
وكان يبيع الخطوط الحَسَنة، ويتصدَّق بها، ويقول: أنا أَحَبّ الأشياء إليَّ الدّينار والخطّ الحسن، فأنا أتصدَّق بمحبوبي للَّه.
وجاءته قَصّةٌ بأنّ امرأةً وأربعة أيتام عرايا، فبعث من يكسوهم، وقال: والله لا ألبس ثيابي حتّى ترجعَ. وتعرَّى، فعاد الغلام [4] وهو يرعد من البرد.
وكان قد ترك الاحتجاب ويكلِّم المرأة والصّبيّ، ويحضر مجالسة الفُقَهاء والعَوَامّ، ولا يمنع أحدًا. وأُسقطت المُكُوس في أيّامه، وألبسَ الذّمّة الغيار.
ومحاسنه كثيرة، وصَدَقَاته غزيرة، وتواضعه أمر عجيب [5] ، فرحمه الله تعالى.
[1] في خريدة القصر (قسم شعراء العراق) 1/ 78.
[2]
في الأصل بياض.
[3]
أي مرآة الزمان لسبط ابن الجوزي.
[4]
هكذا في الأصل، وهو وهم، وصوابه ما جاء في «الخريدة» 1/ 86:«ولم يزل يرعد (الروذراوريّ) إلى أن عاد صاحبه إليه وأخبره بذلك» .
[5]
ونقل العماد عن كتاب «المعارف» لابن الهمذاني، أنه ظهر منه من التلبّس بالدين وإظهاره، وإعزاز أهله والرأفة بهم، والأخذ على أيدي الظلمة، ما أذكر به عدل العمرين. وكان لا يخرج من بيته حتى يكتب شيئا من القرآن، ويقرأ في المصحف ما تيسّر، وكان يؤدّي زكاة أمواله الظاهرة في سائر أملاكه وضياعه وإقطاعه، ويتصدّق سرّا. (الخريدة 1/ 85، 86) .
وذكر العماد أنه لما عزل من الوزارة خرج إلى الجامع ماشيا يوم الجمعة من داره، وانثالت العامّة عليه تصافحه وتدعو له، وكان ذلك سببا لإلزامه بيته. ثم أخرج إلى روذراور، وهو
284-
محمد بن عبّاد بن محمد بن إسماعيل بن قريش [1] .
[ () ] موطنه قديما، فأقام هناك مدة، ثم خرج إلى الحج، وسافر إلى مكة في موسم سنة سبع وثمانين، فخرج العرب على الرفقة بقرب الرَّبَذَة، فلم يسلم من الحجيج سواه. وجاور بعد الحج بمدينة الرسول صلوات الله عليه- إلى أن توفي في النصف من جمادى الآخرة سنة ثمان وثمانين، ودفن بالبقيع عند القبة التي فيها قبر إبراهيم- عليه السلام ابن رسول الله صلى الله عليه وسلم.
(الخريدة 1/ 78) .
وقال ابن طباطبا: كان رجلا ديّنا خيّرا، كثير الخير والبرّ والصدقة، وقف له على ثبت خرج على وجوه البرّ والصدقات خاصّة بما قدره مائة وعشرون ألف دينار. وكان الّذي أورد هذا الثبت كاتبا من جملة عشرة كتبة يكتبون صدقاته خاصة.
ولما ولى ظهير الدين المذكور كتب إليه ابن الحريري صاحب «المقامات» :
هنيئا لك الفخر فافخر هنيّا
…
كما قد رزقت مكانا عليّا
وبتّ كآبائك الأكرمين
…
لدست الوزارة كفأ رضيّا
تحمّلت أعباءها يافعا
…
كما أوتي الحكم يحيى صبيّا
كان يصلّي الظهر، ويجلس لكشف المظالم إلى وقت العصر، وكان الحجّاب ينادون في الناس: من كانت له حاجة فليعرضها.
ومن مناقبه أنه لما وقعت الفتن بين السّنّة والشيعة بالكرخ وباب البصرة من مدينة السلام تغاضى عن إراقة الدماء غاية التغاضي، حتى قال له المقتدي: إن الأمور لا تمشي بهذا اللين الّذي تستعمله، وقد أطمعت الناس بحلمك وتجاوزك، ولا بدّ من نقض دور عشرة من كبار أهل المحال، حتى تقوم السياسة وتسكن هذه الفتن. فأرسل الوزير إلى المحتسب وقال له:
قد تقدّم الخليفة بنقض دور عشرة من كبار أهل المحالّ ولا تمكنني المراجعة فيهم، وما آمن من أن يكون فيهم أحد غير مستحقّ للمؤاخذة، أو أن يكون الملك ليس له، فأريد أن تبعث ثقاتك إلى هذه المحالّ وتشتري أملاك هؤلاء المتّهمين، فإذا صارت الأملاك لي نقضتها، وأسلم بذلك من الإثم ومن سخط الخليفة، ونقده الثمن في الحال، ففعل المحتسب ذلك، ثم بعد ذلك أرسل ونقضها.
وقد اعتزل وتزهّد ولبس ثياب القطن وتوجّه إلى الحجّ، وأقام بمدينة الرسول، صلوات الله عليه وسلامه، فكان يكنس المسجد النبويّ ويفرش الحصر ويشعل المصابيح وعليه ثوب من غليظ الخام، وبدأ بحفظ القرآن وختمه هناك.
وله شعر لا بأس به، فمنه قوله:
إنّ من شتّت الجميع من الشمل
…
قدير بأن يجمع أهلا
لست مستيئسا وإن طال هجر
…
ربّ هجر يكون عقباه وصلا
وإذا أعقب الوصال فراقا
…
كان ذاك الوصال في القلب أحلى
وأرّخ ابن طباطبا وفاته بسنة 513 هـ. (الفخري 297- 299) .
وهو صاحب «ذيل تجارب الأمم» وذيّله على «تجارب الأمم» لمسكويه، وقد نشره المستشرق آمدروز.
[1]
انظر عن (محمد بن عبّاد) في: مطمح الأنفس لابن خاقان 10- 22، والذخيرة في محاسن أهل الجزيرة لابن بسّام قسم 2 مجلّد 1/ 41- 81 وخريدة القصر وجريدة العصر للعماد (قسم
السّلطان المعتمد على الله أبو القاسم ابن السّلطان المعتضد باللَّه أبي عمرو ابن الإمام الفقيه قاضي إشبيليّة، ثمّ سلطانها الظّافر المؤيّد باللَّه أبي القاسم بن أبي الوليد اللَّخْميّ، من ولد النُّعْمان بن المنذر صاحب الحِيرة.
كان المعتمد صاحب إشبيليّة وقُرْطُبة، وأصلهم من بلاد العريش الّتي كانت في أوّل رمل مصر [1] ، فدخل أبو الوليد الأندلس.
مات المعتضد سنة إحدى وستّين وأربعمائة، فتملّك بعده المعتمد هذا.
وكان عالمًا، ذكيًّا، أديبًا، شاعرًا مُحْسِنًا، وكان أندى الملوك راحةً، وأَرْحَبَهم مساحةً، كانت حضرته مَلْقَى الرّحال، وموسم الشُّعراء، وقِبلة الآمال ومَأْلَفَ الفُضَلاء [2] .
وشِعره في غاية الحُسْن، وهو مدوَّن موجود.
قال أبو بكر محمد بن عيسى اللَّخْميّ الدّانيّ المعروف بابن اللّبّانة الشّاعر: ملك المعتمد من مسوَّرات البلاد ما بين أمصارٍ ومُدُنٍ وحصون مائتي مسوَّر وإحدى وثلاثين مسوَّرًا. وخُلِع من ملكه عن ثمانمائة سريّة، [3] ووُلِد له مائةٌ وثلاثةٌ وسبعون ولدًا.
وكان راتبه كلّ يوم ثمانمائة رِطْل لحم. وكان له ثمانية عشر كاتبًا.
[4] ج 2 شعراء الأندلس) انظر فهرس الأعلام 733، والكامل في التاريخ 10/ 248- 250، والمعجب 158، والحلّة السيراء 2/ 52- 67 رقم 120، ووفيات الأعيان 5/ 21- 39، والروض المعطار 46، 289- 292، 344، 393، 435، وبدائع البدائه (انظر: فهرس الأعلام 449) ، والبيان المغرب 3/ 257، والمختصر في أخبار البشر 2/ 207، 208، والإعلام بوفيات الأعلام 201، وسير أعلام النبلاء 19/ 58- 66 رقم 35، والعبر 321، 322، وتاريخ ابن الوردي 2/ 16، والوافي بالوفيات 3/ 183- 188، وعيون التواريخ 13/ 19- 49، وأعمال الأعلام 157، ومرآة الجنان 3/ 147، 148، وتاريخ ابن خلدون 5/ 158، ومآثر الإنافة 2/ 9، وشرح رقم الحلل 167، 173، 181، 185، 186، والنجوم الزاهرة 5/ 157، والقلائد 40، ونفح الطيب 4/ 212- 228، وشذرات الذهب 3/ 386- 391، وأخبار الدول للقرماني 2/ 405، 407، 408، وديوان الإسلام لابن الغزّي 4/ 157، 158 رقم 1875، والأعلام 6/ 181، وتاريخ بني عبّاد لدوزي، طبعة ليدن 1846.
[1]
وفيات الأعيان 5/ 21.
[2]
وفيات الأعيان 5/ 24.
[3]
الحلّة السيراء 2/ 55.
وذكر القاضي شمس الدّين ابن خَلِّكان [1]، قال: كان الأدفونش بن فرذلَنْد ملك الفرنج بالأندلس قد قوي أمُره، وكانت ملوك الطّوائف من المسلمين بجزيرة الأندلس يصالحونه، ويؤدُّون إليه ضريبة، ثمّ إنّه أخذ طُلَيْطُلَة في سنة ثمان وسبعين وأربعمائة بعد حصارٍ شديد، وكانت للقادر باللَّه بن ذي النُّون. وكان المعتمد مع كونه أكبر ملوك الجزيرة يؤدِّي الضَّريبة للأدفونش، فلمّا ملك الكلب طُلَيْطُلَة قويت نفسه، ولم يقبل ضريبة المعتمد، وأرسل إليه يتهدده ويقول: تنزل عن الحصون الّتي بيدك، ويكون لك السَّهْل.
فضربَ المعتمدُ الرسولَ، وقتلَ من كان معه. فبلغ الأدفونش الخبر وهو متوجِّهٌ لحصار قُرْطُبة، فرجع إلى طُلَيْطُلَة لأخْذ آلات الحصار، فأتى المشايخ والعلماء إلى أبي عبد الله محمد بن أدهم، وفاوضوه فيما نزل بالمسلمين، فاجتمع رأيهم أن يكتبوا إلى الأمير أبي يعقوب يوسف بن تاشَفين صاحب مرّاكش، يستنجدونه ليُعدّي بجيوشه إلى الأندلس، ويُنجد الإسلام. واجتمع القاضي بالمعتمد على الله، وأعلمه بما جرى فقال: مَصْلَحَة [2] .
[1] في وفيات الأعيان 5/ 27.
[2]
قال الحميري: إن الأدفونش نزل قبالة قصر ابن عبّاد، وفي أيام مقامه هناك كتب إلى ابن عبّاد زاريا عليه: كثر بطول مقامي في مجلسي الذبّان، واشتدّ عليّ الحرّ، فأتحفني من قصرك بمروحة أروّح بها عن نفسي وأطرد بها الذباب عني، فوقّع له ابن عبّاد بخط يده في ظهر الرقعة: قرأت كتابك وفهمت خيلاءك وإعجابك، وسأنظر لك في مراوح من الجلود اللمطية في أيدي الجيوش المرابطية تريح منك لا تروّح عليك إن شاء الله. فلما ترجم لابن فرذلند توقيع ابن عبّاد في الجواب أطرق إطراق من لم يخطر به ذلك، وفشا في بلاد الأندلس خبر توقيع ابن عبّاد وما أظهر من العزيمة على إجازة الصحراويين والاستظهار بهم على ابن فرذلند، فاستبشر الناس، وفتحت لهم أبواب الآمال.
وانفرد ابن عبّاد بتدبير ما عزم عليه من مداخلة يوسف بن تاشفين، ورأت ملوك الطوائف بالأندلس ما عزم عليه من ذلك، فمنهم من كتب إليه ومنهم من شافهه، كلهم يحذّره سوء عاقبة ذلك، وقالوا له: الملك عقيم، والسيفان لا يجتمعان في غمد، فأجابهم ابن عبّاد بكلمته السائرة مثلا: رعي الجمال خير من رعي الخنازير، أي أن كونه مأكولا لابن تاشفين أسيرا يرعى جماله في الصحراء خير من كونه ممزّقا لابن فرذلند أسيرا يرعى خنازيره في قشتالة، وكان مشهورا بوثاقة الاعتقاد. وقال لعذّاله ولوّامه: يا قوم أنا من أمري على حالين: حالة يقين وحالة شك، ولا بدّ لي من إحداهما، أما حالة الشك فإنّي إن استندت إلى ابن تاشفين أو إلى ابن فرذلند ففي الممكن أن يفي لي ويفي عليّ ويمكن ألّا يفعل، فهذه حالة شك، وأما حالة اليقين فهي أني إن استندت إلى ابن تاشفين فأنا أرضي الله، وإن استندت إلى ابن فرذلند
ثمّ، إنّ ابن تاشَفين نزل سَبْتَة، وأمر جيشه، فعبروا إلى الجزيرة الخضراء، ولمّا تكامل له جُنْدُه عبرَ هو في السّاقة. ثمّ إنّه اجتمع بالمعتمد. وقد عرض المعتمد عساكره. وأقبل المسلمون من كلّ النّواحي طَلَبًا للجهاد. وبلغ الأدفونشَ الخبرُ فخرج في أربعين ألف فارس، وكتبَ إلى ابن تاشَفين يتهدّده، فكتب ابن تاشَفين جوابه في ظهر كتابه:«الّذي يكون سَتَراه» . وردّه إليه. فلمّا وقف عليه ارتاع لذلك، وقال: هذا رجل عازم [1] .
ثمّ سارَ حزبُ الإسلام وحزبُ الصّليب والتقى [2] الْجَمْعَان بالزّلّاقة من بلد بَطَلْيُوس، فكانت مَلْحمةً كبرى، وهزم الله الأدفونش، بعد استئصال عسكره، ولم يَسْلَم معه سوى نفرٍ يسير. وذلك في يوم الجمعة من رمضان سنة تسعٍ وسبعين.
وأصاب المعتمدَ جراحاتٌ في وجهه وبدنه، وشهدوا له بالشّجاعة، وغنم المسلمون شيئًا كثيرًا [3] .
وعاد ابن تاشَفين إلى بلاده. ثمّ إنّه في العام المقبل، عدَّى إلى الأندلس، وتلقّاه المعتمد، وحاصرا بعض حصون الفرنج، فلم يقدروا عليها [4] ، فرحل ابن تاشَفين، ومرَّ بغَرْناطة، فأخرج إليه صاحبها عبد الله بن بُلُكِّين تقادُم سَنِيّه، وتلقّاه، فغدر به ابن تاشَفين، ودخل بلدَه وقصره، وأخذ منه ما لا يُحصى، ثمّ رجع إلى مَرّاكش، وقد أعجبه حَسْن الأندلس وبساتينها وبُناها ومطاعمها الّتي لا توجد بمَرّاكش، فإنّها بلاد بربر وأجْلاف العُربان. وجعل خواصُّ ابن تاشَفين يُعظِّمون عنده الأندلس، ويُحسِّنون له أخذها، ويُغْرون قلبه على المعتمد بأشياء [5] .
[ () ] أسخطت الله، فإذا كانت حالة الشك فيها عارضة فلأي شيء أدع ما يرضي الله وآتي ما يسخطه؟ وحينئذ أقصر أصحابه عن لومه. (الروض المعطار 288) .
[1]
في الأصل: «عارم» .
[2]
في الأصل: «التقا» .
[3]
انظر: الروض المعطار 289- 291.
[4]
في الأصل: «عليه» .
[5]
وفيات الأعيان 5/ 27- 30.
وقال عبد الواحد بن عليّ المَرّاكشيّ في «تاريخه» : [1] غلبَ المعتمد على قُرْطُبة في سنة إحدى وسبعين، فأخرج منها ابن عُكّاشة، ثمّ رجع إلى إشبيلية، واستخلف عليها ولده عبّادًا، ولقّبه المأمون.
وفي سنة تسعٍ وسبعين جاز المعتمد البحرَ إلى مَرّاكش مستنصرًا بيوسف بن تاشَفِين على الرُّوم، فَلَقِيه أحسن لقاء، وأسرع إجابته وقال: أنا أوّل منتَدبٍ لنِصْرة الدّين.
فرجع مسرورًا، ولم يدرِ أنّ تدميره في تدبيره، وسلَّ سيفًا عليه لا له.
فأخذ ابن تاشَفِين في أُهْبة العبور إلى الأندلس، واستنفر النّاس، وعبر في سبعة آلاف فارس، سوى الرّجّالة، ونزل الجزيرة الخضراء، وتلقّاه المعتمد، وقدَّم له تُحَفًا جليلة، وسأله أن يدخل إشبيلية، فامتنع وقال: نريد الجهاد.
ثمّ سار بجيوشه إلى شرقيّ الأندلس. وكان الأدفونش، لعنه الله يحاصر حصنًا، فرجع إلى بلاده يستنفر الفرنج، وتلقّى ابن تاشَفِين ملوك الأندلس الّذين كانوا على طريقه كصاحب غَرْناطة [2] ، وصاحب المَرِيّة، وصاحب بَلَنْسِيَة، ثمّ استعرض جُنْدَه على حصن لُورَقَة، وقال للمعتمد: هَلُمَّ ما جئنا له من الجهاد.
وجعل يصغّر قدر الأندلس ويقول: في أوقاتٍ كان أمر هذه الجزيرة عندنا عظيمًا، فلمّا رأيناها وقعت دون الوصف. وهو في ذلك كلّه يُسِّرُّ حَسْوًا في ارتقاء. فسار المعتمد بين يديه، وقصد طُلَيْطُلَة، فتكامل عدد المسلمين زُهاء عشرين ألفًا، فالتقوا هم والعدوّ بأوّل بلاد الرّوم، لعنهم الله، وجاء الأدفونش في جيشٍ عظيم بمرّة، فلمّا رآهم يوسف قال للمعتمد: ما كنت أظن هذا الخنزير يبلغ هذا الحدّ. فالتقوا في ثاني عشر رمضان، وصبر البربر، وأبلوا بلاء حَسَنًا، وهزم الله النَّصارى، وكانت ملحمة مشهودة. ونجا الأدفونش في تسعةٍ من أصحابه. وتُسمَّى هذه وقعة الزّلّاقة. ففرح أهل الأندلس بالبربر، وتيمَّنوا بهم، ودعوا لابن تاشَفِين على المنابر، فقوي طمعه في الأندلس.
وقد كانت الفرنج تأخذ الإتاوة من ملوكها قاطبة.
ثمّ جال ابن تاشَفِين في الأندلس على سبيل التَّفرُّج، وهو يُضْمر أشياءً، ويُظْهر إعظام المعتمد ويقول: إنّما نحن في ضيافته، وتحت أمره.
وكان المعتصم مَعْن بن محمد بن صُمادِح، صاحب المَرِيّة، يحسد المعتمد، فداخَلَ ابنَ تاشَفِين، وحظي عنده، فأخذ يعيب المعتمد، وقدَّم لابن تاشَفِين هدايا فاخرة، ولم يدرِ ابن صُمادِح أنّه يسقط في البئر الّذي حَفَر. وأعانه جماعةٌ على تغيير قلب ابن تاشَفِين بقول الزُّور، وبأنّه يَتَنَقَّصَك. فعبرَ إلى بلاده مُرّاكش. وفهِم المعتمد أنّه قد تغيّر عليه. ثمّ اتّفق رأي ابن تاشَفِين أن يراسل المعتمد، يستأذنه في رجالٍ صُلَحاء أصحاب ابن تاشَفِين رغِبوا في الرّباط في حصون الأندلس.
فاذِن له. وأراد ابن تاشَفِين أن يكون له بالأندلس أعوانًا لوقت الحاجة.
وقد كانت قلوب الأندلسيّين قد أُشْرِبَت حُبَّ ابن تاشَفِين، فانتخب رجالًا، وأمّر عليهم قرابته بُلَّجِين، وقرَّر معه أمورًا، فبقوا بالأندلس إلى أن ثارت الفتنة.
ومبدؤها في شوّال سنة ثلاثٍ وثمانين. فملك المرابطون جزيرة طريف، ونادوا فيها بدعوة أمير المسلمين يوسف.
ثمّ زحف المرابطون الّذين في الحصون إلى قُرْطُبة فحاصروها، وفيها المأمون بعد أن أبدى [1] عذرًا وأظهر في الدّفاع جَلَدًا وصبرًا في صَفَر سنة أربعٍ وثمانين. فزادت الإحْنة والمحنة، وعَلَت الفتنة.
قال ابن خَلِّكان: [2] وحاصروا إشبيليّة، وبها المعتمد، أشدّ المحاصرة.
وظهر من شدّة بأس المعتمد ومصابرته وتَرَاميه على الموت بنفسه، ما لم يُسْمع بمثله. فلمّا كان في رجب سنة أربعٍ هجم جيش ابن تاشَفِين البلدَ، وشنُّوا فيه الغارات. ولم يتركوا لأحدٍ شيئًا. وخرج النّاس يسترون عوراتهم بأيديهم.
وقبضوا على المعتمد.
[1] في الأصل: «إبلا» .
[2]
في وفيات الأعيان 5/ 30.
وقال عبد الواحد المذكور: وفي نصف رجب ثاروا على المعتمد، فبرز من قصْره وسيفه بيده، وغلالته ترفّ على جسده، لا درع عليه، ولا دَرَقَة معه، فلقي فارسًا مشهور النَّجْدة فرماه الفارس بحَرْبةٍ، فأصاب غِلالَتَه، وضرب هو الفارس بالسّيف على عاتقه، فخرَّ صريعًا. فانهزمت تلك الْجُموع، وظنَّ أهل إشبيليّة أن الخِناق قد تنفّس.
فلمّا كان وقت العصر، عاودهم البربر، فظهروا على البلد من واديه، وشبّت النّار في شوانيه [1] ، فعندها انقطع العمل. وكان الّذي ظهر عليها من جهة البَرّ جُدَيْر بن البربريّ، ومن الوادي الأمير أبو حمامة. والْتَوَتِ الحال أيّامًا، إلى أن قدِم سِير ابن أخي يوسف بن تاشَفِين بعساكره، والنّاسُ في تلك الأيّام يرمون أنفسهم من الأسوار. فاتَّسع الخَرْق على الرّاقع بمجيء سِير، ودُخِل البلد من واديه، وأُصيب [2] حاضره وبادِيه بعد أن جدّ الفريقان في القتال، وشُنَّت الغارة في إشبيليّة، ولم يترك البربر لأهلها سبدًا ولا لبدًا. ونُهِبت قصور المعتمد، وأُخِذ أسيرًا. ثمّ أُكْرِه على أن يكتب إلى ولديه: أن تُسلِّما الحصنَيْن، وإلّا قُتِلتُ. وإنّ دمي رَهْنٌ على ذلك. وهما الرّاضي باللَّه، والمُعْتدّ باللَّه، وكانا في رُنْدَة ومارْتلة، فنزلا بعد عهودٍ مُبْرمَة.
فأمّا المعتدّ، فعند نزوله قبض عليه القائد الواصل إليه، وأخذ كلّ أمواله، وأمّا الآخر فقتلوه غِيلَةً. وذهبوا بالمعتمد وآلِه بعد استئصال جميع أحواله، وعبروا بِهِ إِلى طنجة، فبقي بها أيامًا، ثُمَّ نقلوه إلى مِكْناسَة، فتُرِك بها أشهرًا، ثمّ نقّلوه إلى مدينة أغْمات، فبقي بها أكثر من سنتين محبوسًا. ومات. وللمعتمد مراثٍ في ولديه اللّذين قتلوهما.
وله في حاله:
تَبَدَّلْتُ من ظِلِّ عزِّ البُنُود [3]
…
بِذُلِّ الحديد وثِقْل القُيُودِ
وكان حديدي سِنانًا ذَلِيقًا
…
وعَضْبًا رَقيقًا صَقيلَ الحديد
[1] الشواني: مفردها: شانية، وهي السفينة الحربية.
[2]
في الأصل: «وأصيبت» .
[3]
في الذخيرة: «تبدلت من عز ظل البنود» .
وقد صار ذاك وذا أدْهَمًا
…
يَعَضُّ بساقيَّ عَضَّ الأسُودِ [1]
وقيل: إنّ بنات المعتمد دخلن عليه السّجنَ في يوم عيدٍ، وكُنَّ يغْزِلن للنّاس بالأُجرة في أغْمات، فرآهنّ في أطمارٍ رثَّةٍ، فَصَدَعْنَ قلبه، فقال:
فيما مضى كنتَ بالأعياد مسرورًا
…
فساءك [2] العيدُ في أَغْماتَ مأسورا
ترى بناتِك في الأطمار جائعةً
…
يغزلن للناس لا [3] يملكن قِطْميرا
بَرَزْنَ نحوك للتّسليم خاشعةً
…
أبصارهُنَّ حسيراتٍ مَكَاسيرا
يَطَأْنَ في الطِّين والأقدامُ حافيةٌ،
…
كأنّها لم تَطَأَ مِسْكًا وكافورا
من بات بعدَكَ في مُلْكٍ يُسَرُّ به
…
فإنّما بات بالأحلام مسرورا [4]
ودخل عليه ولده أبو هاشم، والقيود قد عضّت بساقيه، فقال:
قَيْدي، أما تَعْلَمُني مُسْلمًا
…
أبيتَ أن تُشْفق أو تَرْحما
دمي شرابٌ لك، واللّحم قد
…
أكلْتَه، لا تهشم الأعظُما
يُبصرني فيك أبو هاشمٍ
…
فينثني، والقلب قد هُشِّما
ارْحم طُفَيْلًا طائشًا لُبُّه
…
لم تَخشَ [5] أن يأتيك مسترحما
وارحم أُخَيّاتٍ له مثله
…
جرّعتهُنَّ السُّمّ والعَلْقَما [6]
وللمعتمد، وقد أُحيط به:
لمّا تماسكتِ الدّموعُ
…
وتَنَهْنَهَ [7] القلب الصّديع
[1] الأبيات في ديوان المعتمد بن عبّاد 94، والذخيرة، قسم 2 مجلد 1/ 75، ووفيات الأعيان 5/ 32، وسير أعلام النبلاء 19/ 64، والوافي بالوفيات 3/ 186، ونفح الطيب 4/ 214.
[2]
في المختصر في أخبار البشر 2/ 207 «فجاءك» ، ومثله في تاريخ ابن الوردي 2/ 8.
[3]
في المختصر: «ما» ، ومثله في تاريخ ابن الوردي.
[4]
في المختصر: «مغرورا» ومثله في تاريخ ابن الوردي، ووفيات الأعيان.
والأبيات في: ديوان المعتمد 100، والقلائد 25، والذخيرة ق 2 مجلد 73، والكامل في التاريخ 10/ 249، ووفيات الأعيان 5/ 35، 36، والمختصر في أخبار البشر 2/ 207، 208، وسير أعلام النبلاء 19/ 64، وتاريخ ابن الوردي 2/ 16، والوافي بالوفيات 3/ 186، ومرآة الجنان 3/ 148، بحذف بعض الأبيات.
[5]
في وفيات الأعيان: «يخشى» ، وكذا في: الوافي بالوفيات.
[6]
الأبيات في ديوان المعتمد 112، ووفيات الأعيان 5/ 36، والوافي بالوفيات 3/ 186.
[7]
في الحلّة السيراء: «تنبّه» .
قالوا: الخضوعُ سياسةٌ
…
فَلْيَبْدُ منك لهم خُضُوع
وألذُّ من طَعْم الخُضُوع
…
على فمي السّمُّ النّقِيعُ
إن تَسْتَلِبْ عنِّي الدُّنَا [1]
…
مّلْكي وتُسْلِمُني الْجُمُوعُ
فالقلبُ بين ضُلُوعِهِ
…
لم تُسّلِمِ القلبَ الضُّلُوعُ
قد رُمْتُ يوم نِزَالِهم
…
أنْ لا تحصِّنني الدُّرُوعُ
وبرزت ليس سوى قميص
…
[2] عن الحشَى شيءٌ دَفُوعُ
أجَليَ تأخّر، لم يكُنْ
…
بِهَوَايَ ذُلِّي والخُضُوعُ [3]
ما سِرتُ قطُّ إلى القتال
…
[4] وكان في [5] أملي الرجوعُ
شِيَمُ الأُولَى أنا منهمُ
…
والأصل تتْبعهُ الفروعُ [6]
ولأبي بكر محمد بن اللّبّانة الدّانيّ فيه قصائد سائرة، وكان منقطعًا إليه، من ذلك:
لكلّ شيءٍ من الأشياء ميقاتُ
…
وللمُنى من مناياهنّ غاياتُ
والدّهر في صِيغة الحِرْباء منغمسٌ
…
ألوانُ حالاته فيها استحالاتُ
ونحن من لعب الشّطرنج في يده
…
ورُبّما قُمِرت بالبَيْدق الشّاةُ [7]
أنفض يديك من الدّنيا وساكِنها
…
فالأرضُ قد أقْفرتْ والنّاسُ قد ماتوا
وقُلْ لعالَمِها الأرضيّ: قد كَتَمتْ
…
سريرةَ العالَمِ العُلْويِّ أَغْماتُ
وهي طويلة.
وله فيه قصائد طنّانة، هي:
تنشَّق رياحينَ السّلامِ فإنّما
…
أفضّ [8] بها مسكا عليك مختّما
[1] في الديوان: «إن يسلب القوم العدا» .
[2]
في الديوان، والحلّة:«القميص» .
[3]
هكذا في الأصل. وفي الديوان، والحلّة:«والخشوع» ، وهو أصحّ.
[4]
في الديوان، والحلّة:«الكماة» .
[5]
في الديوان، والحلّة:«من» .
[6]
الأبيات في الديوان، والحلّة السيراء 2/ 65، 66، وبنو عبّاد 1/ 303، 304.
[7]
في الأصل: «الشات» . والمثبت هو الصحيح، ويقصد:«الشاه» أي الملك في الشطرنج.
وحتى هنا في: المختصر في أخبار البشر 2/ 207 وفي أبيات أخرى منها لم يذكرها المؤلّف هنا، ومثله في تاريخ ابن الوردي 2/ 8، ووفيات الأعيان 5/ 32، وقلائد العقيان 19، وشرح لاميّة العجم 2/ 175، والوافي بالوفيات 3/ 187، وورد البيت الأول في: مرآة الجنان 3/ 147.
[8]
في مرآة الجنان: «افتض» .
وقل لي مَجازًا إن عَدِمْتَ حقيقةً
…
بأنّك [1] في نُعْمَى فقد كنتَ مُنْعِمَا
أفكِّرُ في عصرٍ مضى لك مُشْرقًا
…
فيرجعُ ضَوءُ الصُّبْح عندي مُظْلِما
وأعْجَبُ من أُفْقِ المجَرَّةِ إذ رأى
…
كُسُوفَكَ شمسًا كيف أطْلَعُ أنْجُمَا [2]
فتاةٌ سَعَتْ للطَّعنِ حتّى تقَصَّدَتْ [3]
…
وسيفٌ [4] أطال الضَّربَ حتّى تثلَّما
بكى آلُ عَبّادٍ ولا لَمحمَّدٍ
…
وأبنَائهِ صَوْبُ الغَمَامة إذ هُمَا
صَبَاحُهُمْ كُنَّا به نَحْمَدُ السُّرَى
…
فلمَّا عَدِمْنَاهُمْ سَرَيْنَا على عَمَى [5]
وكُنّا رَعَيْنا العزَّ حولَ حِمَاهُمُ
…
فقد أجْدَبَ المَرْعَى وقد أقفر الحِمى [6]
وقد أَلْبَسَت أيْدي اللّياليَ مَحَلَّهُم
…
منَاسِيجَ [7] سَدَّى الغَيْثُ فيها وألحَمَا
قُصُورٌ خَلَتْ من ساكنيها فما بها
…
سوى الأدم تمشي [8] حولَ وَاقِفَةِ الدُّما [9]
كأنْ لم يكنْ فيها أنيسُ [10] ولا التَقَى
…
بها الوفدُ جَمْعًا والْجَميشُ [11] عَرَمْرَمَا
حكيتَ [12] وقد فارقْتَ مُلْكَكَ مالكًا
…
ومِن وَلَهِي أبكي [13] عليك مُتمَّما
تضيقُ عليَّ الأرضُ حتّى كأنّني [14]
…
خُلِقْتُ وإيّاها سوارا ومعصما
وإنّي على رسمي مقيم فإن أَمُتْ
…
سأجْعلُ للباكِينَ رسْمي مَوْسِمَا
بَكَاكَ الحَيَا والرّيحُ شقَّتْ جُيُوبَها
…
عليكَ وناح الرَّعْدُ باسمِكَ معلما
[1] في الذخيرة: «لعلك» .
[2]
حتى هنا في: مرآة الجنان 3/ 148 مع إسقاط البيت الثاني.
[3]
في نفح الطيب: «تقسّمت» .
[4]
في الأصل: «وسيفا» .
[5]
في الأصل: «عما» .
[6]
في الأصل: «الحما» .
[7]
في الأصل: «وناسج» .
[8]
في السير: «يمشي» .
[9]
في السير: «الدمى» ، والمثبت يتفق مع (عيون التواريخ) .
[10]
في الأصل: «اليس» .
[11]
هكذا في الأصل. وفي السير: «والخميس» .
[12]
هكذا في الأصل. وفي السير: «فكنت» .
[13]
في السير: «أحكي» ، والمثبت يتفق مع المصادر.
[14]
هكذا هنا والسير. أما في المصادر «كأنما» .
ومُزِّق ثوبُ البَرْق واكتَسَتِ السّما [1]
…
حِدَادًا وقامتْ أنْجُم اللّيل مأْتَمَا
وما [2] حلَّ بدْرُ التَّمِّ بعدَك دارَةً
…
ولا أظْهَرَتْ شمس الظَّهِيرة مبسما
سينجيك من نجّى من الجبّ يوسفا
…
ويؤويك [3] من آوى المسيحَ بنَ مرْيَمَا [4]
ثمّ إنّه وفد على المعتمد وهو في السّجن وفادةَ وفاءٍ لا استجداء، وحكى أنّه لمّا عزم على الانفصال عنه، بعث إليه عشرين دينارًا، وتفصيلة، وأبياتًا يعتذر فيها، قال: فَرَدَدْتُها عليه لعلمي بحاله، وأنّه لم يترك عنده شيئًا [5] .
قال ابن خَلِّكان: [6] مولده سنة إحدى وثلاثين وأربعمائة. ومات في شوّال سنة ثمان وثمانين.
قلت: وقد سمّى ابن اللّبّانة أولاد المعتمد الّذين في الحياة بأسمائهم وألقابهم، فذكر نحوًا من ثلاثين ذكرا.
قال: وعدد بناته أربعٌ وثلاثون بنْتًا.
285-
مُحَمَّد بن عَبْد الواحد [7] .
أَبُو بَكْر الأصبهاني. عُرف بخوروسْت.
شيخ مُسِن.
قال السِّلَفيّ: لم يَمُت أحدٌ من شيوخي قبله.
روى عن: أبي منصور بن مَهْرُيَرْد [8] .
286-
محمد بن عثمان بن عليّ بن حسان [9] .
[1] في الذخيرة، وعيون التواريخ «الدجى» ، وفي السير:«الضحى» .
[2]
في المصادر: «ولا» .
[3]
في الأصل: «ويؤيك» .
[4]
القصيدة في: الذخيرة ق 2 مجلد 1/ 77، 78، والحلّة السيراء 2/ 33، 34، ووفيات الأعيان 5/ 33، 34، وسير أعلام النبلاء 19/ 65، 66، وعيون التواريخ 13/ 29- 32، والوافي بالوفيات 3/ 187، 188، وثلاثة أبيات في المرآة 3/ 148.
[5]
وفيات الأعيان 5/ 34.
[6]
في وفيات الأعيان 5/ 37.
[7]
لم أجد مصدر ترجمته.
[8]
رسمت في الأصل: «بهريرد؟» .
[9]
انظر عن (محمد بن عثمان) في: المنتخب من السياق 65 رقم 132 وفيه «صبيان» بدل
أبو سعيد البُسْتيّ الغازيّ القّوّاس، ابن الأديب النَّحْويّ أبي طاهر. سمع من أصحاب الأصمّ. وكان أحد الرُّماة المذكورين.
وتُوُفّي في ذي الحجَّة عَنْ أربعٍ وثمانين سنةٍ بنَيْسابور.
روى عنه: أبو البركات الفُرَاويّ، وأُمُّ سَلَمَة بنت عبد الغافر [1] .
287-
محمد بن علي بن الحسين بن يحيى بن حميدون [2] .
القاضي أبو عبد الله الصُّوريّ.
تُوُفّي بصُور في رمضان.
288-
محمد بن عليّ بن أبي عثمان [3] .
أبو الغنائم.
قال شُجاع الذُّهْليّ: تُوُفّي فيها. وقد مرّ سنة ثلاث [4] .
289-
مُحَمَّد بن عَليّ بن مُحَمَّد بن عَبْد الله [5] .
أبو عليّ الشّاذياخيّ [6] الصُّوفيّ.
حدَّث عن: أبي حسّان محمد بن أحمد المزكيّ، وأبي بكر بن الحارث، وأبي عبد الله محمد بن إبراهيم المزكيّ.
وُلِد سنة خمس عشرة وأربعمائة. وتُوُفّي في صَفَر.
290-
محمد بْن علي بْن أَبِي صالح البَغَويّ الدّبّاس [7] .
[ () ]«حسان» .
[1]
وقال عبد الغافر الفارسيّ: «ثقة من أستاذي الرهاء له قدم في تلك الصنعة.. كان مولده في صفر سنة أربع وأربعمائة» .
[2]
انظر عن (محمد بن علي بن الحسين) في: تاريخ دمشق (مخطوطة التيمورية) 38/ 573.
[3]
لم أجد مصدر ترجمته.
[4]
لم يذكره في وفيات تلك السنة.
[5]
انظر عن (محمد بن علي الشاذياخي) في: المنتخب من السياق 68 رقم 143.
[6]
في المنتخب تصحفت إلى «الديشاذي» ، والمثبت هو الصحيح، و «الشاذياخي» : بفتح الشين المعجمة، والذال المعجمة الساكنة، والياء المفتوحة المنقوطة باثنتين من تحتها بين الألفين، وفي آخرها الجيم. هذه النسبة إلى موضعين، أحدهما إلى باب نيسابور. مثل قرية متصلة بالبلد. (الأنساب 7/ 240، 241) وقد ضبط ياقوت الذال بالكسر.
[7]
انظر عن (محمد بن علي الدبّاس) في: الأنساب 2/ 256، 257، والتقييد لابن نقطة 92،
سمع: الجراحيّ، ومسعود بن محمد البِغِويّ، وعليّ بن أحمد الإسْتِراباذيّ [1] وغيرهم.
وهو آخر من روى «جامع» التِّرْمِذِيّ بِعُلُوّ.
روى عنه: ابنه عثمان، وأبو الفتح محمد بن عبد الله الشّيرازيّ، وأحمد بن ياسر المقرئ، وأبو الفتح محمد بن أبي عليّ، ومحمد بن عبد الرحمن الحمدوييّ [2] ، وآخرون كثرون.
وتُوُفّي ببغشُور [3] في ذي القعدة.
وكان من الفقهاء.
عاش ثمانيا وثمانين. وكنْيته أبو سعيد.
291-
محمد بن المظفّر بن بكران بن عبد الصّمد [4] .
العلّامة قاضي القُضاة أبو بكر الشّاميّ الحمويّ الفقيه الشّافعيّ. ولد
[93] رقم 95، والإعلام بوفيات الأعلام 201، وسير أعلام النبلاء 19/ 5، 6 رقم 1، والعبر 3/ 322، وعيون التواريخ 13/ 51.
[1]
الإستراباذي: بكسر الهمزة والتاء، وسكون السين. نسبة إلى بلدة أستراباذ من أعمال طبرستان. (الأنساب 1/ 214) وتابعه ابن الأثير في «اللباب» .
أما ياقوت فضبطها بفتح الألف والتاء.
[2]
في الأصل: «الحمدونيّ» . والصحيح ما أثبتناه، بفتح الحاء وسكون الميم وضم الدال، نسبة إلى حمدويه، اسم لبعض أجداد المنتسب إليه.
[3]
بغشور: بليدة بين هراة ومروالرّوذ من بلاد خراسان، والنسبة إليها بغوي على غير قياس.
(الأنساب 2/ 254، معجم البلدان 1/ 467) وانظر: شرح السّنّة للبغوي 1/ 20.
وتحرّف اسمها في (شذرات الذهب) إلى «بشفور» .
[4]
انظر عن (محمد بن المظفّر) في: الأنساب 4/ 229، والمنتظم 9/ 94- 96 رقم 132 (17/ 27- 29 رقم 3653) ، ومعجم البلدان 2/ 301، واللباب 1/ 391، والكامل في التاريخ 10/ 253، والروضتين ج 1 ق 1/ 71، وطبقات الصلاح (مخطوط) ورق 24 ب، والعبر 3/ 322، 333، ودول الإسلام 2/ 17، والإعلام بوفيات الأعلام 201، وسير أعلام النبلاء 19/ 85- 88 رقم 47، وعيون التواريخ (مخطوط) 13/ ورقة 51، وطبقات الشافعية الكبرى للسبكي 3/ 83، وطبقات الشافعية الوسطى، له (مخطوط) ورقة 120 ب، ومرآة الجنان 3/ 148، 149، والبداية والنهاية 12/ 151، وطبقات الشافعية للإسنويّ 2/ 59، 96، والوافي بالوفيات 5/ 34، 35، وتاج التراجم لابن قطلوبغا 50، وطبقات الشافعية لابن قاضي شهبة 1/ 279، 280 رقم 238، وكشف الظنون 1/ 264، وشذرات الذهب 3/ 391، 392، وهدية العارفين 2/ 76، وإيضاح المكنون 1/ 206، ومعجم المؤلفين 10/ 38.
بحماه سنة أربعمائة، ورحل إلى بغداد شابًّا، فسكنها وتفقّه بها.
وسمع الحديث من: عثمان بن دُوَسّت، وأبي القاسم بن بشْران، وأبي طالب بن غَيْلان، وأبي محمد الخلّال، وأبي الحسن العتيقيّ، وجماعة.
روى عنه: أبو القاسم بن السمرقندي، وإسماعيل بن محمد الحافظ، وهبه الله بن طاوس المقرئ.
وكان دخوله بغداد في سنة عشرين.
قال السّمعانيّ: هو أحد المتقنين لمذهب الشّافعيّ، وله اطّلاع على أسرار الفقه. وكان ورِعًا زاهدًا متَّقيا. وجَرَت أحكامه على السَّداد. ولي قضاء القُضاة ببغداد بعد موت أبي عبد الله الدّامغانيّ سنة ثمانٍ وسبعين، إلى أن تغيّر عليه المقتدي باللَّه لأمر، فمنع الشُّهُود من حضور مجلسه مدّةً، فكان يقول: ما أنعزِل ما لم يتحقَّقوا عليِّ الفِسْق.
ثمّ إنّ الخليفة خلع عليه، واستقام أمره [1] .
وسمعت الفقيه أحمد بن عبد الله بن الأبنوسيّ يقول: جاء أمير إلى قاضي القُضاة الشّاميّ، فادّعى شيئًا، فقال: بيّنتي فلان والمشطّب [2] الفَرَغانيّ الفقيه.
فقال: لا أقبل شهادة المشطّب، لأنّه يلبس الحرير.
فقال: السّلطان ملك شاه ووزيره نظام المُلْك يَلْبَسانه.
فقال: ولو شهِدا عندي ما قَبِلتُ شهادتهما أيضًا [3] .
وقال ابن النّجّار: كان رحمه الله قد تفقّه على أبي الطّيّب الطّبريّ، وكان يحْفظ تعليقته. وولي قضاء القُضاة، وأبى أن يأخذ على القضاء رِزْقًا. ولم يغيّر مأكَلَه ولا مَلْبَسه، ولا استناب أحدًا في القضاء. وكان يسوّي بين الشّريف والوضيع في الحُكْم، ويقيم جاه الشَّرْع. فكان هذا سبب انقلاب الأكابر عنه، فألصقوا به ما كان منه بريًّا من أحاديث ملفّقة، ومعاييب مزوّرة.
[1] سير أعلام النبلاء 19/ 85، 86، طبقات الشافعية الكبرى للسبكي 3/ 83.
[2]
تقدّمت ترجمته في وفيات سنة 486 هـ. برقم (2: 2) .
[3]
في المنتظم: «ولو شهدوا عندي في باقة بقل، ما قبلت شهادتهما» . وانظر: الكامل في التاريخ 10/ 253، وطبقات الشافعية الكبرى 3/ 83.
وصنَّف كتاب «البيان عن أُصول الدّين» . وكان على طريقة السَّلَف، ورِعًا نَزِهًا.
وأنبأنا أبو اليُمْن الكِنْديّ أنّ أحمد بن عبد الله بن الآبنوسيّ أخبره قال: كان لقاضي القُضاة الشّاميّ كِيسان، أحدهما يجعل فيه عمامته، وهي كتّان، وقميصًا من القطْن الحَسَن، فإذا خرج لبسهما. والكيس الآخر، فيه فتيت، فإذا أراد الأكل جعل. منه في قصْعة، وجعل فيه قليلًا من الماء، وأكل منه [1] .
وكان له كادك في الشّهر بدينار ونصف، كان يقتات منه. فلمّا ولي القضاء جاء إنسان فدفع فيه أربعة دنانير، فأبى، وقال: لا أغيّر ساكني. وقد ارتبتُ بك، لِمَ لا كانت هذه الزّيادة مِن قِبل القضاء؟ وكان يشدّ في وسَطِه مِئْزرًا، ويخلع في بيته ثيابه، ويجلس.
وكان يقول: ما دخلتُ في القضاء حتّى وجب عليّ، وأعصي إن لم أقبله [2] . وكان طُلّاب المنصب قد كثُروا، حتّى أنّ أبا محمد التّميميّ بذل فيه ذهبًا كثيرًا، فلم يُجب.
وقال [ابن][3] الجوزيّ: لمّا مات الدّامغانيّ سنة ثمانٍ وسبعين أشار الوزير أبو شجاع على الخليفة [4] أن يولّيه القضاء، فامتنع، فما زالوا به حتّى تقلَّده، وشرط أن لا يأخذ رزقًا، ولا يقبل شفاعة، ولا يغيّر ملبوسه، فأجيب إلى ذلك، فلم يتغيّر حاله، بل كان في القضاء كما كان قبله رحمه الله [5] .
[1] سير أعلام النبلاء 19/ 87، طبقات الشافعية للسبكي 3/ 83.
[2]
سير أعلام النبلاء 19/ 87، طبقات الشافعية الكبرى 3/ 83.
[3]
في الأصل: «سبط الجوزي» . والتصحيح من: المنتظم 9/ 94، 95 (17/ 27) .
[4]
هو المقتدي باللَّه.
[5]
زاد ابن الجوزي: «فلما أقام الحق نفرت عنه قلوب المبطلين، ولفّقوا له معايب لم يلصق به منها شيء، وكان غاية تأثيرها أنه سخط عليه الخليفة، ومنع الشهود من إتيان مجلسه، وأشاع عزله فقال: لم يطر عليّ فسق أستحق به العزل، فبقي كذلك سنتين وشهورا، وأذن لأبي عبد الله محمد بن عبيد الله الدامغانيّ في سماع البيّنة، فنفذ من العسكر بأن الخبر قد وصل إلينا أن الديوان قد استغنى عن ابن بكران، ونحن بنا حاجة إليه، فيسرّح إلينا، فرفع الإمساك عنه، ثم صلح رأي الخليفة فيه، وأذن للشهود في العود إلى مجلسه، فاستقامت أموره.
وحمل إليه يهودي جحد مسلما ثيابا ادّعاها عليه، فأمر ببطحه وضربه فعوقب فأقرّ، فعاقبه الوزير
وَقَالَ ابْنُ السَّمْعَانِيِّ: سَمِعْتُ عَبْدَ الْوَهَّابِ الْأَنْمَاطِيَّ يَقُولُ: كَانَ قَاضِي الْقُضَاةِ الشَّامِيُّ حَسَنَ الطَّرِيقَةِ، مَا كَانَ يَتَبَسَّمُ فِي مَجْلِسِهِ، وَيَقْعُدُ مُعْبِسًا، فَلَمَّا مُنِعَتِ الشُّهُودُ مِنْ حُضُورِ مَجْلِسِهِ، وَقَعَدَ فِي بَيْتِهِ، نَفَّدَ إِلَيْهِ الْقَاضِي أَبُو يُوسُفَ الْقَزْوِينِيُّ الْمُعْتَزَلِيُّ:[1] مَا عَزَلَكَ الْخَلِيفَةُ، إِنَّمَا عَزَلَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم.
قَالَ: كَيْفَ ذَلِكَ؟.
قَالَ: لِأَنَّهُ قَالَ: «لَا يَقْضِي الْقَاضِي بَيْنَ اثْنَيْنِ وَهُوَ غَضْبَانُ» [2] . وَأَنْتَ طُولُ عُمْرِكَ غَضْبَانُ.
وقال محمد بن عبد الملك الهَمَذَانيّ: كان حافظًا لتعليقة أبي الطّيّب، كأنّها بين عينيه، لم يقبل من سلطانٍ عطيّةً، ولا من صديقٍ هديّة. وكان يُعاب الحِدّة وسوء الخلق [3] .
[ () ] أبو شجاع على ذلك، واغتنم أعداؤه الفرصة في ذلك، فصنّف أبو بكر الشاشي كتابا في الردّ عليه سمّاه «الردّ على من حكم بالفراسة وحقّقها بالضرب والعقوبة» ، وقال إن الّذي فعله له وجه ومستند من كلام الشافعيّ» . (المنتظم) .
[1]
عبد السلام بن محمد بن يوسف القزويني الّذي تقدّمت ترجمته في وفيات هذه السنة، برقم (272) .
[2]
أخرج الترمذي في الأحكام (1349) باب ما جاء لا يقضي القاضي وهو غضبان، من طريق عبد الملك بن عمير، عن عبد الرحمن بن أبي بكرة قال: كتب أبي إلى عبيد الله بن أبي بكرة وهو قاض، أن لا تحكم بين اثنين وأنت غضبان، فإنّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يقول:«لا يحكم الحاكم بين اثنين وهو غضبان» . هذا حديث حسن صحيح. وأبو بكرة اسمه نفيع.
[3]
وقال أبو الوفاء بن عقيل: أخذ قوم يعيبون على الشامي ويقولون: كان يقضي بالفراسة ويواقعه، فضرب كرديّا حتى قرّ بمال أخذه غصبا، وكان ضربه بجريدة من نخلة داره، فقلت: أعرف دينه وأمانته، ما كان ذلك بالفراسة، لكن بأمارات، وإذا تأمّلتم الشرع وجدتم أنه يجوز التعويل على مثلها، فإنه إذا رأى صاحب كلالجات ورعونة يقال إنه رجم سطحا لأجل طائر، فكسر جرّة، وكان عنده خبر أنه يلعب بالطيور. فقال: بل هذا الشيخ رجم. وقد ذهب مالك إلى التوصل إلى الإقرار بما يراه الحاكم على ما حكاه بعض الفقهاء، وذلك يستند إلى قوله إِنْ كانَ قَمِيصُهُ قُدَّ من قُبُلٍ 12: 26 (سورة يوسف، الآية: 26) ومن حكمنا بعقد الأزج، وكثرة الخشب، ومعاقد القمط، وما يصلح للمرأة وما يصلح للرجل، والدباغ والعطار إذا تخاصما في جلد، وهل اللوث في القسامة إلى نحو هذا.
وحمل يوما إلى دار السلطان ليحكم في حادثة، فشهد عنده المشطّب بن محمد بن أسامة الفرغاني الإمام، وكان فقيها من فحول المناظرين، فردّ شهادته. فقال: ما أدري لأيّ علّة ردّ شهادتي، فقال الشامي: قولوا له: كنت أظنّ أنك عالم فاسق، والآن أنت جاهل فاسق، أما تعلم أنك تفسق باستعمال الذهب؟ (المنتظم) .
وقال أبو عليّ بن سُكَّرَة: ورِعٌ زاهِدٌ، وأمّا العِلْم فكان يقال: لو رُفِع مذهب الشّافعيّ أمكنه أن يُمْليه من صدْرِه [1] .
علّق عنه القاضي أبو الوليد الباجيّ.
قال عبد الوهّاب الأنْماطيّ: كان قاضي القُضاة الشّاميّ حسَن الطّريقة، ما كان يتبسّم في مجلس قضائه [2] .
قال السّمعانيّ: تُوُفّي في عاشر شعبان، ودُفِن في تُربةٍ له عند أبي العبّاس بن سُرَيْج. وله ثمانيةٌ وثمانون عاما.
292-
محمد بن أبي نصر فتُّوح بن عبد الله بن فتُّوح بن حُمَيْد بن يصل [3] .
الحافظ أبو عبد الله الأزْديّ الحُمَيْديّ الأندلسيّ الميورقيّ.
[1] سير أعلام النبلاء 19/ 87، طبقات الشافعية الكبرى للسبكي 3/ 83، طبقات الشافعية للإسنويّ 2/ 95، عيون التواريخ 13/ 51.
[2]
سير أعلام النبلاء 19/ 87، طبقات الشافعية الكبرى 3/ 83.
[3]
انظر عن (محمد بن أبي نصر) في: الإكمال لابن ماكولا 7/ 215، والأنساب 4/ 233، والمنتظم 9/ 96 رقم 133 (17/ 29 رقم 3654) ، وفهرسة ما رواه عن شيوخه لابن خير 226، 227، 400، 585، 511، 517، 520، 526، 535، 536، والصلة لابن بشكوال 2/ 560، 561 رقم 1230، وبغية الملتمس للضبّي 123، 124، ومعجم الأدباء 18/ 282- 286، والكامل في التاريخ 10/ 254، واللباب 1/ 392، والتقييد لابن نقطة 101، 102 رقم 107، والروضتين ج 1 ق 1/ 72، ووفيات الأعيان 4/ 282، والحلّة السيراء (انظر فهرس الأعلام) 2/ 410، ورحلة التجاني 79، والمختصر في أخبار البشر 2/ 208، والمعين في طبقات المحدّثين 142 رقم 1554، والإعلام بوفيات الأعلام 201، وسير أعلام النبلاء 19/ 120- 167 رقم 63، ودول الإسلام 2/ 18، وفيه:«محمد بن نصر» ، والعبر 3/ 323، وتذكرة الحفاظ 4/ 1218- 1222، وتاريخ ابن الوردي 2/ 8، والمستفاد من ذيل تاريخ بغداد للدمياطي 34- 36 رقم 26، ومرآة الجنان 3/ 149، والوافي بالوفيات 4/ 317، 318، والبداية والنهاية 12/ 152، والنجوم الزاهرة 5/ 156، وطبقات الحفاظ 447، ومفتاح السعادة 2/ 140، ونفح الطيب 2/ 112- 115، وكشف الظنون 252، 385، 581، وشذرات الذهب 3/ 392، وإيضاح المكنون 1/ 124، والرسالة المستطرفة 173، وشجرة النور الزكية 1/ 122 رقم 350، وديوان الإسلام 2/ 174 رقم 795، والأعلام 6/ 327، ومعجم المؤلفين 11/ 121، ومقدّمة كتابه: جذوة المقتبس لمحمد الطنجي، ومقدّمة طبعة دار إحياء التراث بمصر (هـ- 4) ، وموسوعة علماء المسلمين في تاريخ لبنان الإسلامي 4/ 325، 326 رقم 1566، ومدرسة الحديث في القيروان 2/ 752، ومعجم طبقات الحفاظ والمفسّرين 170 رقم 100.
ومَيُورقة جزيرة قريبة من الأندلس.
سمع بالأندلس، ومصر، والشّام، والحجاز، وبغداد واستوطنها.
وكان من كبار أصحاب أبي محمد بن حزْم الفقيه.
قال: ولدت قبل العشرين وأربعمائة.
سمع: ابن حزْم، وأخذ عنه أكثر كُتُبه، وأبا العبّاس أحمد بن عمر العُذْريّ، وأبا عمر بن عبد البَرّ.
ورحل سنة ثمانٍ وأربعين وأربعمائة، فسمع بإفريقيّة كثيرًا، ولقي كريمة [1] بمكّة.
وسمع بمصر: القاضي أبا عبد الله القضاعي، وعبد العزيز بن الضّرّاب، وابن بقاء الورّاق، والحافظ أبا زكريّا البخاريّ.
وبدمشق: أبا القاسم الحسين الحِنائيّ، وعبد العزيز الكتّانيّ، وأبا بكر الخطيب.
وببغداد: ابا الغنائم بن المأمون، وأبا الحسين بن المهتدي باللَّه، والطّبقة.
وبواسط: أبا غالب بن بشْران اللُّغَويّ.
ولم يزل يسمع ويُكْثِر حتّى كتب عن أصحاب الجوهريّ.
روى عنه: شيخه الخطيب في مصنَّفاته، وأبو نصر بن ماكولا، وأبو عليّ بن سُكَّرَة، وأبو الحَسَن بن سَرْحان، وأبو بكر بن طَرْخَان، وهبة الله بن الأكفانيّ، وأبو القاسم بن السَّمَرْقَنْديّ، والحافظ إسماعيل بن محمد، وصدّيق بن عثمان التِّبْريزيّ، وأبو إسحاق الغَنَويّ، وأبو الفضل محمد بن ناصر، وطائفة آخرهم أبو الفتح بن البطّيّ.
سمع الكثير ورحل وتعب. وكان من كبار الحفّاظ.
كان ثقة، متديّنا، بصيرًا بالحديث، عارفًا بفنونه، خبيرًا بالرجال، لا سيما بأهل الأندلس وأخبارها، مليح النَّظر، حَسَن النِّغْمة في قراءة الحديث، صيِّنًا ورِعًا، جيّد المشاركة في العلوم.
[1] هي كريمة المروزية، وقد لقيها في أول رحلته. (تذكرة الحفاظ 4/ 1218) .
وكان ظاهريّ المذهب، ويُسِرّ ذلك بعض الشيء [1] .
قال ابن طَرْخَان: سمعتُه يقول: كنت أحمَل للسّماع على الكتف سنة خمس وعشرين وأربعمائة، وأوّل ما سمعتُ من الفقيه أبي القاسم أَصْبَغ بن راشد. وكنتُ أفهم ما يُقرأ عليه. وكان ممّن تفقّه على أبي محمد بن أبي زيد.
وأَصْلُ أبي من قُرْطُبة، من محلَّةٍ يُقال لها الرّصافة، وسكن جزيرة ميورقة، وبها ولدت [2] .
قال يحيى بن البنّاء: كان الحُمَيْديّ مِن حِرصه واجتهاده ينسخ باللّيل في الحَرّ، فكان يجلس في إجّانة [3] ماءٍ يتبرّد به.
وقال الحسين بن محمد بن خسْرُو: جاء أبو بكر بن ميمون، فدّق على الحُمَيْديّ، وظنّ أنّه قد أُذِن له فدخل، فوجده مكشوف الفخذ، فبكى الحُمَيْديّ وقال: والله لقد نظرت إلى موضعٍ لم ينظره أحدٌ منذ عَقَلْت [4] .
وقال ابن ماكولا: لم أرَ مثل صديقنا الحُمَيْديّ في نزاهته وعفّته وورعه وتشاغله بالعلم. صنَّف تاريخًا للأندلس [5] .
وقال السِّلَفيّ: سألت أبا عامر محمد بن سعدون العبديّ، عن الحُمَيْديّ فقال: لا يُرى قطٌّ مثله، وعن مثله يسأل! جمع بين الفقه والحديث والأدب، ورأى علماء الأندلس. وكان حافظًا.
قلت: لقي حفّاظ العصر ابن عبد البَرّ، وابن حَزْم، والخطيب، والحبّال.
وقال يحيى بن إبراهيم السّلماسيّ: قال أبي: لم تَرَ عينايَ مثل الحُمَيْديّ في فضله ونُبْله وغزارة عِلْمه وحرْصه على نشر العلم.
[1] تذكرة الحفاظ 4/ 1221.
[2]
سير أعلام النبلاء 19/ 122.
[3]
الإجّانة: بكسر الألف وتشديد الجيم. وعاء يغسل فيه الثياب.
[4]
تذكرة الحفاظ 4/ 1219.
[5]
هو كتاب «جذوة المقتبس» ، وقد طبع أكثر من مرّة. والخبر في: الصلة 2/ 560. وقال أبو الفداء: «وله تاريخ كرّاسة واحدة أو كرّاستان، ختمه بخلافة المقتدي» . (المختصر في أخبار البشر 2/ 208) .
قال: وكان ورِعًا تقيًّا إمامًا في الحديث وعِلَله ورُواته، متحقّقًا في علم التّحقيق والأصول على مذهب أصحاب الحديث، بموافقة الكتاب والسُّنّة، فصيح العبارة، متبحِّرًا في علم الأدب والعربيّة والتّرسّل. وله كتاب «الجمع بين الصّحيحين» [1] ، و «تاريخ الأندلس» ، و «جمل تاريخ الإسلام» ، وكتاب «الذَّهَب المسبوك في وعظ الملوك» ، وكتاب في التَّرسُّل [2] ، وكتاب «مخاطبات الأصدقاء» [3] ، وكتاب ما جاء من الآثار في حفظ الجار» ، وكتاب «ذمّ النّميمة» [4] .
وله شِعرٌ رَصِينٌ في المواعظ والأمثال.
قلت: وقد جاء عن الحُمَيْديّ أنّه قال: صيّرني «الشّهاب» شهابًا. وكان يُسمع عليه كثيرًا، عن مصنّفه القُضَاعيّ.
وقال ابن سُكَّرَة: كان يدلّني على المشايخ، وكان متقلّلًا من الدّنيا، يموّنه ابن رئيس الرّؤساء. ثمّ جَرَت لي معه قصص أوجبت انقطاعي عنه. وكان يبيت عند ابن رئيس الرّؤساء كلّ ليلة.
وحدَّثني أبو بكر ابن الخاضبة أنّه لم يسمعه يذكر الدّنيا قطّ [5] .
وقال أبو بكر بن طرْخان: سمعت أبا عبد الله الحُمَيْديّ يقول: ثلاثة كُتُب من علوم الحديث يجب تقديم الهِمم بها: كتاب «العلل» وأحسن كتاب وضع فيه كتاب الدّار الدَّارَقُطْنيّ، وكتاب «المؤتلف والمختلف» وأحسن كتاب وُضِع فيه كتاب الأمير ابن ماكولا [6] ، وكتاب «وَفَيات الشّيوخ» وليس فيه كتاب، وقد كنت أردت أن اجمع في ذلك كتابًا، فقال لي الأمير: رتَّبه على حروف المُعْجَم، بعد أن ترتّبه على السّنين [7] .
[1] سمّاه الدمياطيّ: «تجريد الصحيحين للبخاريّ ومسلم والجمع بينهما» . (المستفاد 35) .
[2]
هو: «تسهيل السبيل إلى علم الترسيل» كما في: المستفاد من ذيل تاريخ بغداد 35.
[3]
في الوافي بالوفيات 4/ 317: «كتاب ترسّل مخاطبات الأصدقاء» .
[4]
وله أيضا: «المتشاكه في أسماء الفواكه» ، و «نوادر الأطباء» ، و «تفسير غريب ما في الصحيحين» و «بلغة المستعجل» ، و «التذكرة» ، و «الأماني الصادقة» ، و «نخبة المشتاق في ذكر صوفية العراق» ، و «وفيات الشيوخ» و «ديوان شعره» ، وله كتب أخرى تعتبر مفقودة.
[5]
الصلة 2/ 560.
[6]
كتاب الإكمال.
[7]
الصلة لابن بشكوال 2/ 561، معجم الأدباء 18/ 284.
قال ابن طرْخان: فشغله عنه الصّحيحان، إلى أن مات [1] .
قلت: قد فتح الله بكتابنا هذا، يسّر الله إتمامه، ونفع به، وجعله خالصًا من الرّياء والرّئاسة [2] .
وقد قال الحُمَيْديّ في «تاريخ الأندلس» : أنا [3] عمر بن عبد البَرّ، أنا أبو محمد عبد الله بن محمد الْجُهَنيّ، بمصنّف أبي عبد الرحمن أحمد بن شعيب النَّسَائيّ، قراءةً عليه، عن حمزة بن محمد الكنَانيّ، عن النَّسَائيّ.
وللحُمَيْديْ رحمه الله تعالى:
كتابُ الله عز وجل قَولي
…
وما صحَّتْ به الآثارُ دِيني
وما اتّفق الجميعُ عليه بَدْءًا
…
وعَودًا فهو عن حقٍّ مُبينِ
فَدَعْ ما صَدَّ عن هذا وخُذْها
…
تكُنْ منها على عين اليقينِ [4]
وقال القاضي عياض: محمد بْن أَبِي نصر أبو عَبْد الله الأزْديّ الأندلسيّ، سمع بمَيُورْقَة من أبي محمد بن حَزْم قديمًا. وكان يتعصَّب له، ويميل إلى قوله.
وكانت قد أصابته فيه فتنة، ولمّا شُدِّد على ابن حَزْم وأصحابه خرج الحُمَيْديّ إلى المشرق [5] .
ومن شِعْره:
طريقُ الزُّهْد أفضلُ ما طريق
…
وتَقْوَى الله تأديةُ الحقوقِ
فثِقْ باللَّه يكْفِكَ واسْتَعِنْهُ
…
يُعِنْكَ ودَعْ [6] بنيّات الطّريق [7]
وله:
[1] الصلة 2/ 561.
[2]
ويقول طالب العلم وخادمه محقّق هذا الكتاب «عمر عبد السلام تدمري» : قد فتح الله عليّ بتحقيق ما تقدّم من هذا الكتاب الجليل إلى هنا، وأسأله تعالى أن ييسّر لي إنجازه والانتفاع به، ويجعل عملي فيه خالصا من الرياء والسّمعة.
[3]
اختصار: «أخبرنا» .
[4]
الأبيات في: معجم الأدباء 18/ 285، وسير أعلام النبلاء 19/ 127، وتذكرة الحفاظ 4/ 1222، ونفح الطيب 2/ 115.
[5]
تذكرة الحفاظ 4/ 1220.
[6]
في السير ونفح الطيب: «وذر» .
[7]
البيتان في: سير أعلام النبلاء 19/ 127، وتذكرة الحفاظ 4/ 1222، ونفح الطيب 2/ 115.
لقاء النّاس ليس يُفيدُ شيئًا
…
سوى الهَذَيان من قيلٍ وقالِ
فاقْللْ من لقاءِ النّاس إلّا
…
لأخْذِ العلمِ أو إصلاح حالِ [1]
قال السّمعانيّ: روى لنا عنه: يوسف بن أيّوب الهَمَذَانيّ، وإسماعيل الحافظ، ومحمد بن عليّ الحلابيّ، والحسين بن الحسن المقدسيّ، وغيرهم.
وتُوُفّي في سابع عشر ذي الحجّة، ودُفِن بمقبرة باب أبْرَز بالقرب من قبر الشّيخ أبي إسحاق الشّيرازيّ، وصلّى عليه الفقيه أبو بكر الشّاشيّ بجامع القصر. ثمّ نُقِل في سنة إحدى وتسعين وأربعمائة إلى مقبرة باب حرب، ودُفِن عند قبر بِشْر الحافي.
ونقل ابن عساكر في «تاريخه» إنّ الحُمَيْديّ أوصى إلى الأجلّ مظفّر ابن رئيس الرّؤساء أن يُدْفن عند بِشْر بن الحارث، فخالف وصيّته، فلمّا كان بعد مدّة رآه في النّوم يُعاتبه على ذلك، فنقله في صَفَر سنة إحدى وتسعين [2] ، وكان كَفَنَه جديدًا، وبدنه طَرِيًّا، يفُوح منه رائحة الطِّيب.
ووقفَ كُتُبَه رحمه الله [3] .
وقع لنا «تذكرة الحميديّ» بعلوّ [4] .
[1] البيتان في: الصلة 2/ 561، ومعجم الأدباء 18/ 286، ووفيات الأعيان 4/ 283، وتذكرة الحفاظ 4/ 1222، وسير أعلام النبلاء 19/ 127، ومرآة الجنان 3/ 149، والوافي بالوفيات 4/ 318 وفيه «الصلاح» ، ونفح الطيب 2/ 114.
[2]
التقييد لابن نقطة 102.
[3]
المنتظم 9/ 96 (17/ 29) ، معجم الأدباء 18/ 284.
[4]
ومن شعره:
كل من قال في الصحابة سوءا
…
فاتّهمه في نفسه وأبيه
وأحقّ الأنام بالعدل من لم
…
ينتقصهم بمنطق من فيه
وإذا القلب كان بالودّ فيهم
…
دلّ أنّ الهدى تكامل فيه
وقال:
من لم يكن للعلم عند فنائه
…
أرج فإنّ بقاءه كفنائه
بالعلم يحيى المرء طول حياته
…
وإذا انقضى أحياه حسن ثنائه
(الوافي بالوفيات 4/ 318) .
و «أقول» : نزل الحميدي صيدا فسمع بها من أبي الحسين عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَلِيِّ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بن المخ الوكيل الصيداوي. (الإكمال 7/ 215) .