الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الباب الثاني في فضله وفضل الصلاة فيه:
قال الله تعالى: {سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ} (1). (76/أ)
هذه الآية معظِّمةٌ لقدْره؛ بإسراء سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم إليه قبل عروجه إلى السماء، وإخبار الله تعالى بالبركة حوله، وفيه تأويلان:
أحدهما: بمن جُعِل حوله من الأنبياء المصطفَيْن (2) الأخيار.
والثاني: لكثرة الثمار ومجاري الأنهار.
وقد قال تعالى: {ادْخُلُوا هَذِهِ الْقَرْيَةَ فَكُلُوا مِنْهَا حَيْثُ شِئْتُمْ رَغَدًا وَادْخُلُوا الْبَابَ سُجَّدًا وَقُولُوا حِطَّةٌ نَغْفِرْ لَكُمْ خَطَايَاكُمْ} (3).
وقال تعالى: {وَنَجَّيْنَاهُ وَلُوطًا إِلَى الْأَرْضِ الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا لِلْعَالَمِينَ} (4).
وفي "الصحيحين": "لا تشد الرحال إلَّا إلى ثلاثة مساجد؛ مسجدي هذا والمسجد الحرام والمسجد الأقصى"(5).
(1)"الإسراء"(آية: 1).
(2)
في "م""المصطفى".
(3)
"البقرة"(آية: 58).
(4)
"الأنبياء"(آية: 71).
(5)
"البخاري"(1189)، و"مسلم"(1397) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.
وروى أبو المعالي المقدسي في "فضائل بيت المقدس"، عن أنس بن مالك؛ أنَّه قال: إن الجنة تحن شوقًا إلى بيت المقدس. وصخر بيت المقدس من جنة الفردوس، وهي خير الأرض".
* أما فضيلة (1) الصلاة فيه ومضاعفتها؛ فقد اختلفت الأحاديث فيها: فورد: أنها فيه (2) بخمسمائة.
وقال الشيخ تقي الدين ابن تيمية: إنه الصواب.
وقد رواه البزَّار والطبراني من حديث أبي الدرداء رفعه: "الصلاة في المسجد الحرام بمائة ألف صلاة والصلاة في مسجدي بألف صلاة، والصلاة في بيت المقدس بخمسمائة صلاة"(3). قال البزار: إسناده حسن.
* وورد: أنها بألف - كما رواه أحمد وأبو داود وابن ماجه من حديث ميمونة مولاة النبي صلى الله عليه وسلم قالت: "يا نبي الله أَفْتِنَا في بيت المقدس؟ قال: أرضُ المحشر والمنشر، إِيتُوه فصلُّوا فيه؛ فإن صلاة فيه كألف صلاة في غيره، قالت: أرأيت من لم يُطِق أن يتحمل إليه أو يأتيه؟ قال: فليَهْد له زيتًا يُسْرُج فيه؛ فإن من أهدى كان كمن صلَّى فيه"(4).
قال بعضهم: فيه نكارة من جهة أن الزيت يعز في الحجاز؛ فكيف يأمر الشرع بنقله من هناك إلى معدنه.
"المحْشَر": بكسر الميم: الموضع الذي يُحشر الناس فيه، أي:
(1)"فضيلة" سقطت من "ق".
(2)
في "ق": "أن الصلاة فيه"، وفي "م":"أن فيه".
(3)
"مجمع الزوائد"(4/ 7)، و"البزار"(1/ 212 - 213) رقم (422 كشف"، والبيهقي "الشعب" (8/ 79) رقم (3845).
(4)
"المسند"(6/ 463)، و"أبو داود"(457)، و"ابن ماجه"(1407).
يجمعوا (1)، وبالفتح المصدر.
وذكر صاحب "مختصر العين": أن "المحشر": بالكسر والفتح: الموضع الذي يحشر الناس.
و"المنشر": موضع النشور، وهو قيام الموتى (76/ ب) من قبورهم.
* وورد: أنها بخمسين ألفًا؛ لِمَا روى ابن ماجه في "سُنَنِهِ" من حديث أنس بن مالك قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "صلاة الرجل في بيته بصلاة، وصلاته في مسجد القبائل بخمس وعشرين صلاة، وصلاته في المسجد الذي يُجمَّع فيه بخمسمائة صلاة، وصلاته في المسجد الأقصى بخمسين ألف صلاة، وصلاته في مسجدي بخمسمائة ألف صلاة، وصلاته في المسجد الحرام بمائة ألف صلاة"(2).
في إسناده أبو الخطَّاب الدمشقي، وهو لا يُعرف.
وأطلق في: "عيون المسائل" و"المستوعب" و"الرعاية" وغيرها: أنها بالأقصى بخمسة وعشرين ألفًا، ولعل مُسْتندَهُ حديث أَنَس المتقدم إن كان ورد في بعض طرقه أنها بالأقصى كذلك؛ لأنه (3) فيه أنَّه مساوٍ لمسجد النبي صلى الله عليه وسلم.
* وورد ما يدلّ أنها بمائتين وخمسين كما روى الطبراني في "معجمه"، من حديث أبي ذر:"صلاة في مسجدي أفضل من أربع صلوات فيه"(4) -
(1) في "ق": "يجتمعوا".
(2)
"ابن ماجه"(1413).
(3)
في "ق": "لأن".
(4)
الطبراني "الأوسط"(7/ 103)(8/ 148).
يعني بيت المقدس - وساق بقيته، فدل أنها ببيت (1) المقدس بمائتين وخمسين.
* وروى أبو بكر الواسطي عن أنس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من صلَّى في بيت المقدس خمس صلوات نافلة، كل صلاة أربع ركعات يقرأ في الخمس عشرة آلاف {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} فقد اشترى نفسه من الله تبارك وتعالى وليس للنار عليه سلطان"(2).
* قال الشيخ تقي الدين ابن تيمية: ورُوي أن الصلاة فيه بخمسين صلاة، والنبي صلى الله عليه وسلم ليلة المعراج صلى في بيت المقدس ركعتين - كما ثبت ذلك في الحديث الصحيح (3).
* * *
(1) في "م""بيت".
(2)
"فضائل البيت المقدس"(ص: 34).
(3)
"مسلم"(162).
الباب الثالث في ذكر فتح بيت المقدس ومصلى المسلمين الذي بناه عمر (1) رضي الله عنه والصخرة وغير ذلك:
* فقد ثبت في الصحيح أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: أعدد ستًّا بين يدَىْ الساعة، فذكر منها فتح بيت المقدس (2)، ففتحه عمر رضي الله عنه صلحًا لخمسٍ خلون من ذي القعدة سنة ست عشرة من الهجرة بعد موت سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم (77/ أ) بخمس سنين وأشهُر.
* قال الشيخ تقي الدين بن تيمية: لما فتح عمر رضي الله عنه بيت المقدس، وجد النصارى قد ألقت على الصخرة زبالة عظيمة؛ لأنَّ النصارى كانوا يقصدون إهانتها مقابلة لليهود الذين يصلُّون إليها، فأزالها ونظَّفها، وقال لكعب الأحبار: أين ترى أن نبني مصلَّى المسلمين، فقال: خلف الصخرة فزجره عمر رضي الله عنه، وقال: خالطتك يهودية، بل إنما نبنيه أمامها فإن لنا صدور المجالس، فبناه في قبلي المسجد، وهو الذي يسميه كثير من العامة اليوم الأقصى.
والأقصى: اسم للمسجد الذي بناه سليمان عليه الصلاة والسلام كله في هذا المصلَّى الذي بناه عمر رضي الله عنه أفضل منها في سائر المسجد.
* وقد رُوي: أن عمر رضي الله عنه صلى في محراب داود عليه
(1) في "ق": "عمر بن الخطَّاب".
(2)
"البخاري"(3176) من حديث عوف بن مالك رضي الله عنه.
السلام، وأما الصخرة فلم يصلِّ عندها عمر رضي الله عنه ولا الصحابة رضي الله عنهم.
ولهذا؛ لما قَدِمَ الأوزاعي بيت المقدس، توضأ، ثمَّ جعل الصخرة وراء ظهره، وصلَّى ثماني ركعات وصلَّى الخمس صلوات، ثمَّ قال: هكذا فعل عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه، ولم يأتِ شيئًا من تلك الأماكن.
* وروى الإمام أحمد في "مسنده" أن عمر بن الخطَّاب رضي الله [عنه] كان بالجابية، فذكر فتح بيت المقدس، قال عُبيد بن آدم: سمعت عمر بن الخطاب رضي الله عنه يقول لكعب: أين ترى أن أصلي؟ قال: إن أخذت عني صليت خلف الصخرة؛ فكان القدس كلها بين يديك فقال عمر: ضاهيت اليهودية! ولكن أصلي حيث صلَّى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فتقدم إلى القبلة فصلَّى، ثمَّ جاء فبسط رداءه فكنَس الكناسة في ردائه، وكنَس الناس (1).
* وقد كانت الصخرة مكشوفة في خلافة: أبي بكر، وعمر، وعثمان، وعليّ، ومعاوية، ويزيد بن معاوية، ومروان، ولكن؛ لما أخذ عبد الملك بن مروان الشام ووقع بينه وبين ابن الزبير الفتنة كان الناس يحجون فيجتمعون بابن الزبير، فأراد عبد الملك أن يصرف الناس عن ابن الزبير، فبنى لهم القبة على الصخرة، وكساها في (77/ أ) الشتاء والصيف؛ ليرغب الناس في زيارة بيت المقدس، ويصّدهم بذلك عن ابن الزبير.
* وأما أهل العلم من الصحابة والتابعين؛ فلم يكونوا يعظِّمون الصخرة؛ فإنها كانت قِبْلة ثمَّ نُسخت - كما أن يوم السبت كان عيدًا في شريعة موسى عليه السلام ثمَّ نسخ في شريعة محمَّد صلى الله عليه وسلم بيوم الجمعة، فليس للمسلمين أن يخصّوا يوم السبت ويوم الأحد بعبادة - كما يفعله اليهود والنصارى، وكذلك
(1)"المسند"(1/ 38).
الصخرة؛ إنما يعظمها اليهود وبعض النصارى.
وما يذكره بعض الجهال: أن هناك أثر قدم النبي صلى الله عليه وسلم، وأثر عمامته أو غير ذلك: فكله كذب.
وكذلك المكان الذي يذكر أنَّه مهد عيسى عليه السلام: كذب؛ وإنما كان موضع معمودية النصارى.
وكذلك من زعم؛ أن هناك الصراط والميزان والسور الذي يضرب به بين الجنة والنار، هو ذلك الحائط المبني شرقي المسجد.
وكذلك تعظيم السلسلة أو موضعها: ليس مشروعًا، وليس بيت (1) المقدس مكان تفضله العبادة سوى المسجد الأقصى.
* وقد ذكر طائفة من المتأخرين: أن اليمين تغلظ عند الصخرة، وليس هذا في كلام أحمد ولا غيره من الأئمة، فليس له أصل؛ بل تغلظ هناك عند المنبر - كما في سائر المساجد.
* وليس ببيت المقدس مكان يسمى: حرمًا، ولا بقرية الخليل، ولا بغير ذلك من البقاع؛ إلا ثلاثة أماكن:
أحدها: حرم باتفاق المسلمين، وهو حرم مكة.
والثاني: حرم عند جمهور العلماء - كمالك، والشافعيُّ، وأحمد، وهو: حرم المدينة.
والثالث: وجّ: وهو واد بالطائف؛ فإن هذا رُوي فيه حديث رواه أحمد في "المُسْند"(2)، وليس في الصحاح؛ فهو حرم: عند الشافعي؛ لاعتقاده
(1) في "ق": "ببيت".
(2)
رواه أحمد (1/ 165) وأبو داود (2032) من حديث الزبير رضي الله عنه.
صحة الحديث. وليس حرمًا عند أكثر العلماء. وأحمد ضعَّف الحديث المروي فيه، ولم يأخذ به.
* * *