المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌الباب الرابع في ذكر أحكام تتعلق بسائر المساجد: - تحفة الراكع والساجد بأحكام المساجد

[الجراعي]

فهرس الكتاب

- ‌نقد ورد

- ‌عملنا في الكتاب

- ‌ترجمة المصنف

- ‌مولده:

- ‌نسبه:

- ‌نشأته ورحلاله في طلب العلم:

- ‌شيوخه:

- ‌تلاميذه:

- ‌مصنفاته:

- ‌وفاته:

- ‌‌‌اسم الكتابونسبته إلى مؤلفه

- ‌اسم الكتاب

- ‌صحة نسبة الكتاب للمؤلف:

- ‌وصف النسخ الخطية المعتمدة

- ‌ النسخة الأولى *

- ‌ النسخة الثانية *

- ‌ النسخة الثالثة *

- ‌الفصل الأول من المقدمة في فضل المساجد

- ‌الفصل الثاني في فضل بنائها

- ‌الفصل الثالث في فضل حبها

- ‌الفصل الرابع في فضل السعي إليها

- ‌الفصل السادس في ذهاب الأرض كلها يوم القيامة إلا المساجد

- ‌ الكتاب الأول * في ذكر الكعبة زادها الله تعالى شرفًا وما يتعلق بها

- ‌الباب الأول في ذكر أسمائها

- ‌ الأول: الكعبة *

- ‌ الثاني: البيت العتيق *

- ‌ الثالث: البيت الحرام *

- ‌ الخامس: من أسمائها: بكَّة *

- ‌ السادس: قادس *

- ‌ السابع: بادر *

- ‌ الثامن: قبلة أهل الإسلام *

- ‌ التاسع: القربة القديمة *

- ‌ العاشر: الدُّوَّار *

- ‌ الحادي عشر: البنيَّة *

- ‌الباب الثاني في ذكر بنائها:

- ‌الباب الثالث في كيفية بناء المسجد الحرام:

- ‌الباب الرابع في فضل المسجد الحرام:

- ‌ فائدة

- ‌الباب الخامس في ذكر كسوة الكعبة، زادَها الله شرفًا:

- ‌الباب السادس في سدانة البيت:

- ‌الباب السابع في فضل الحجر الأسود وذكر أخذه وردَّه:

- ‌فصل

- ‌الباب الثامن فيما جاء في رفع الحجر الأسود:

- ‌الباب التاسع في ذكر الركن اليماني:

- ‌الباب العاشر في ذكر الحِجْر:

- ‌الباب الحادي عشر في ذكر الميزاب:

- ‌الباب الثاني عشر في ذكر الحطيم:

- ‌الباب الثالث عشر في فضل النظر إلى البيت ونزول الرحمة عليه:

- ‌الباب الرابع عشر في ذكر المواضع التي يُستجاب فيها الدعاء:

- ‌الباب الخامس عشر في ذكر طواف الحشرات بالبيت:

- ‌الباب السادس عشر في ذرع الكعبة من جهاتها الأربع وارتفاعها في السماء وذِكْر الشاذروان

- ‌تنبيه:

- ‌الباب السابع عشر في ذكر المقام:

- ‌الباب الثامن عشر في ذكر ابتداء زمزم وتجديدها بعد دثورها:

- ‌الباب التاسع عشر في ذكر الشرب من ماء زمزم والوضوء والغُسل وإزالة النجاسة به:

- ‌الباب العشرون في أسماء زمزم:

- ‌الباب الحادي والعشرون في غور الماء قبل يوم القيامة إلَّا زمزم وذكر ذرعها وغور مائها وفوره:

- ‌الباب الثاني والعشرون في حدِّ المسجد الحرام ومن هو حاضره:

- ‌الباب الثالث والعشرون في ذكر حال انتهاء البيت:

- ‌الباب الرابع والعشرون في أسماء مكة:

- ‌الباب الخامس والعشرون في فضل مكة:

- ‌الباب السادس والعشرون في فضل صوم رمضان بمكة:

- ‌الباب السابع والعشرون في أن الحسنات كلها تضاعف بمكة كالصلاة:

- ‌الباب الثامن والعشرون في أن السيئات تضاعَف فيها كما تضاعَف الحسنات وأنه يعاقَب عليها قبل فِعلها:

- ‌الباب التاسع والعشرون في بيان أن أهل مكة أهل الله تعالى:

- ‌الباب الثلاثون في ذكر حدود الحرم:

- ‌الباب الحادي والثلاثون في ذكر نُصُب حدود الحرم وأول مَن نصَبَها:

- ‌الباب الثاني والثلاثون في ذكر تعظيم حُرمة الحرَم:

- ‌الباب الثالث والثلاثون في ذرْع المسجد الحرام وعدد اسطواناته:

- ‌الباب الخامس والثلاثون في صفة أبواب المسجد وعددها وذرْعها:

- ‌الباب السادس والثلاثون في ذرع جدرات المسجد وعدد شرفاته:

- ‌الباب السابع والثلاثون في حكم بيع مكة وإجارتها:

- ‌الباب الثامن والثلاثون في ذكر مِنى:

- ‌الباب التاسع والثلاثون في ذكر مسجد الخيْف:

- ‌الباب الأربعون في ذكر آيات عظام بِمنى:

- ‌الباب الحادي والأربعون في ذكر المزدلفة:

- ‌ تنبيه:

- ‌الباب الثاني والأربعون في الطريق من المزدلفة إلى عرفة:

- ‌الباب الثالث والأربعون في ذكر عرَفة وحدودها:

- ‌الباب الرابع والأربعون في ذكر المجاورة بمكة شرَّفها اللَّه تعالى:

- ‌الباب الخامس والأربعون في كراهة نقل تراب الحرم وحجارته إلى الحلّ وعكسه

- ‌الباب السادس والأربعون في بيان الحجاز:

- ‌الباب السابع والأربعون في ذكر جزيرة العرب:

- ‌الباب الثامن والأربعون في ذكر خصائص البيت والمسجد الحرام وأحكامهما:

- ‌ تنبيه:

- ‌ الكتاب الثاني * في المسجد النبوي على صاحبه أفضل الصلاة والسلام وما يتعلق به

- ‌الباب الأول في ذكر بنائه

- ‌الباب الثاني في فضله:

- ‌الباب الثالث في فضل الصلاة فيه:

- ‌الباب الرابع في ذكر منبر النبي صلى الله عليه وسلم

- ‌الباب الخامس في ذكر الروضة:

- ‌الباب السادس في حنين الجذع الَّذي كان في مسجد النبي صلى الله عليه وسلم

- ‌الباب السابع في ذكر بناء الجدار الَّذي سقط في زمن الوليد بن عبد الملك:

- ‌الباب الثامن في ذكر آثار حسنة في المسجد الشريف:

- ‌الباب التاسع في فضل المدينة:

- ‌الباب العاشر في ذكر حدود الحرم:

- ‌الباب الحادي عشر فى أسماء مدينة النبي صلى الله عليه وسلم

- ‌الباب الثاني عشر في ذكر خراب المدينة:

- ‌ الباب الثالث عشر في ذكر خروج النار التي أخبر عنها المختار:

- ‌الباب الرابع عشر فيما جاء أن المدينة أقل الأرض مطرًا:

- ‌الباب الخامس عشر هل المدينة حجازية أم شامية أم يمانية

- ‌الباب السادس عشر في ذكر جملة من الخصائص والأحكام والفضائل:

- ‌الباب السابع عشر في صفة قبر النبيُّ وقبر صاحبيه رضي الله عنهما:

- ‌الباب الثامن عشر في ذكر مسجد قباء وأهله:

- ‌ الكتاب الثالث * في ذكر المسجد الأقصى وما يتعلق به

- ‌الباب الأول في معنى اسمه وابتداء بنائه

- ‌الباب الثاني في فضله وفضل الصلاة فيه:

- ‌الباب الرابع في أسمائها:

- ‌الباب الخامس في ذكر جملة من خصائصه وأحكامه:

- ‌ الكتاب الرابع * في ذكر بقية المساجد وذكر طرف من أخبار المدارس

- ‌الباب الأول في ذكر أول مسجد بنُي في الإِسلام:

- ‌الباب الثاني في ذكر طرف من أخبار المدارس

- ‌الباب الثالث في ذكر أول مسجد وضع بالقاهرة:

- ‌الباب الرابع في ذكر أحكام تتعلق بسائر المساجد:

الفصل: ‌الباب الرابع في ذكر أحكام تتعلق بسائر المساجد:

‌الباب الرابع في ذكر أحكام تتعلق بسائر المساجد:

الأول: يجوز للمحدِث الحدث الأصغر: الجلوس في المسجد؛ وادَّعى بعضهم فيه الإجماع؛ ودليله: أن أهل الصُّفَّة كانوا ينامون في مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ والمراد: إذا لم يكن به علة غير الحدث الأصغر على ما يأتي.

الثاني: يُمنع السكران من دخوله؛ لأنَّ الله تعالى قال: {لَا تَقْرَبُوا الصَّلَاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى} (1)، والنهي عن قُربان الصلاة: نهى عن قُربان مواضعها.

الثالث: يُمنع نجس البدن من الَّلبث فيه بلا تيمُّم، ذكره ابن تميم وغيره.

وقال بعض الشافعية: إنْ خاف تلويث المسجد: لم يجِز الدخول، وإن أمِن ذلك: جاز.

الرابع: يُستحب لزوم المساجد والجلوس فيها لطاعة الله تعالى، لما في ذلك من إحياء البقعة وانتظار الصلاة؛ وقد (82/ ب) صحَّ عن النبي صلى الله عليه وسلم أنَّه قال:"ألا أخبركم بما يمحو الله به الخطايا ويرفع به الدرجات! ! قالوا بلى يا رسول الله! ! قال: كثرة الخُطى إلى المساجد، وانتظار الصلاة بعد الصلاة، فذلكم الرباط فذلكم الرباط"(2).

(1)"النساء"[آية: 43].

(2)

مسلم (251) من حديث أبي هريرة.

ص: 331

* وقال سعيد بن المسّيب: "إن للمساجد عبادًا لله أوتادًا، جلساؤهم الملائكة، فإذا فقدوهم سألوا عنهم، فإن كانوا مرضى عادوهم، وإن كانوا في حاجة أعانوهم": رواه الإمام أحمد، عن أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم، ولفظه: "إن للمسجد أوتادًا؛ الملائكة جلساؤهم، إن غابوا: يفتقدونهم (1)، وإن مرضوا: عادوهم، وإن كانوا في حاجة: أعانوهم.

* وقال: جليس المسجد على ثلاث خصال:

أخ مستفاد.

أو كلمة مُحْكَمة.

أو رحمة منتَظرة" (2).

الخامس: يجوز عمارة المساجد كلها وكسوتها وإشعالها بمال كافر وأن يبنيه بيده. ذكره في "الرعاية" وغيرها، فظاهره: إن لم يكن صريحًا، لا فرق بين المسجد الحرام وغيره، فعلى هذا المراد (3)؛ العمارة في الآية: دخوله وجلوسه فيه؛ يدل عليه: خبر أبي سعيد المرفوع: "إذا رأيتم الرجل يعتاد المسجد فاشهدوا له بالإيمان، فإن الله تعالى يقول:{إِنَّمَا يَعْمُرُ مَسَاجِدَ اللَّهِ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ} - الآية (4) -، رواه أحمد، وابن ماجه، والترمذي وحسَّنه (5) من رواية دراج أبي السمح وهو ضعيف.

(1) في "ق": "يفقدونهم".

(2)

"المسند"(2/ 418) بلفظ: "إن للمساجد".

(3)

"المراد" سقطت من "ق".

(4)

"التوبة"[آية: 18].

(5)

أحمد (3/ 68 - 76) وابن ماجه (802) والترمذي (2617) وقال: حديث حسن غريب.

ص: 332

أو معنى الآية: "مَا كَانَ لَهُمْ أَنْ يُتْرَكُوا فَيَكُونُوا أَهْلَ المَسْجِدِ الحَرَامِ".

وذكر في "الفنون": أن الآية واردة على سبب؛ وهو عمارة المسجد الحرام، فظاهره: المنع منه فقط لشرفه، فلا يُلحق به غيره.

* وفي تفسير ابن الجوزي في بنائه وإصلاحه ودخوله وجلوسه فيه: كلاها محظور على الكافر، يجب منعهم من ذلك ولم يخص به مسجدًا - كما قاله جماعة من العلماء.

السادس: يُسَنّ صوْنه عن نوم، وعنه: إن اتخذه مبيتًا ومَقيلًا: كُره مطلقًا؛ وإلا فلا يُكرَه مطلقًا.

واستثنى في "الغنية": نوم المعتكف والغريب.

وذكر في "الشرح" في أواخر باب الأذان: أنَّه يباح النوم في المسجد؛ ولم يفصل.

وقال الحارثي من علمائنا: لا خلاف في جوازه للمعتكف، وكذا ما لا يستدام كبيوتة الضيف المريض والمسافر، وقيلولة المجتاز ونحو ذلك، نُصّ عليه من رواية غير (83/ أ) واحد.

وما يُستَدام من النوم؛ كنوم المقيم به؛ فعن أحمد: المنع منه - كما مرّ من رواية صالح، وابن منصُور، وأبي داود. وحكى القاضي رواية بالجواز، وهو قول الشافعي، وجماعة، قال: وبهذا أقول.

وعن ابن عمر: أنَّه كان ينام وهو شاب عَزَب لا أهل له في مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم. رواه البخاري، وأبو داود، والنَّسائي، وأحمد. ولفظه:"كنا في زمن رسول الله صلى الله عليه وسلم ننام في المسجد ونَقيل فيه"(1).

(1) البخاري (440). وأبو داود (382) والنسائي (722) والمسند (2/ 12).

ص: 333

وللترمذي - وصححه -، ولفظه:"كنا ننام في المسجد على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم ونحن شباب"(1): قال ابن عباس: لا نتخذه مقيلًا ومَبيتًا.

السابع: إذا بدره بصاق، وهو البزاق، والبساق من الفم أو مخاط من الأنف أو نخامة، وهي النخاعة من الصدر: أزاله في ثوبه.

واختار صاحب "المحرر": يجوز فيه في بقعة تندفن فيها.

وعند المالكية: إن كان المسجد محصبًا: جاز فيه ولو أمامه وعن يمينه ويدفنه لا تحت حصير، خلافًا لمالك.

قال أحمد: البزاق فيه خطيئة، وكفارته: دفنه؛ للخبر (2)؛ وفاقًا لأبي حنيفة والشافعي.

قال صاحب "النظم" وكيف يجوز فعل الخطيئة اعتمادًا على أنَّه يكفِّرها (3). ثمَّ احتجَّ بما يوجب الحد وقد يُعاجل أو يُنسى.

قال القاضي: إذا دفنها، كأنه لم يتنخَّم وإن لم يُزلها لزم غيره إزالتها؛ لخبر أبي ذَرّ: وجدت في مساوى أعمالها النخاعة تكون في المسجد لا تدفن". رواه مسلم (4).

ويستحب تخليق موضعها؛ لفعله عليه الصلاة والسلام.

قال القفال من الشافعية في "فتاويه": حديث النخاعة؛ محمول على ما نزل من الرأس، أما إذا كان من صدره: فإنَّه نجس لا يجوز دفنه في

(1) الترمذي (320) من حديث ابن عمر رضي الله عنهما.

(2)

البخاري (415)، ومسلم (552) من حديث أنس رضي الله عنه.

(3)

في "ق""يكفر".

(4)

مسلم (553) من حديث أبي ذر رضي الله عنه.

ص: 334

المسجد، وكذا جزم ابن الجوزي بنجاسته.

الثامن: قال ابن عقيل: يحتمل أن يُباح الفصد في المسجد في طست؛ لحديث المعتكفة المستحاضة. انتهى.

قال في "الآداب": وعلى قياسه؛ إخراج كل نجاسة في إناء في المسجد.

وفي "شرح المهذَّب" للشافعية: إنْ قطَر دمه في إناء: فمكروه، والأولى: تركه، وجزم البندنيجي - منهم -: بأنَّه حرام.

التاسع: يحرم البول فيه والقيء ونحوه، وظاهر كلامهم: ولو في (83/ ب) وعاء.

وصرَّح به أبو العباس ابن تيمية في "الفتاوى المصرية"؛ فإنَّه سُئل عن رجل مجاور في مسجد وليس به ضرر والسقاية بالقُرب منه، فهل له أن يبول في وعاء في المسجد؟ فقال: ليس له أن يبول في وعاء في المسجد؛ والحال هذه، وفيه احتمالان لابن الصباغ من الشافعية، أصحهما في "الروضة": التحريم.

العاشر: يُكره التمسح بحائطه والبول عليه. نُصَّ عليه في رواية إسحاق ابن إبراهيم.

وذكر ابن عقيل في آخر الإجارة من "الفصول": أن أحمد قال: أكره لمن بال أن يمسح ذكَره بجدار المسجد. قال: والمرادُ به الحظْر وإن بال خارجًا عنه وجسده فيه دون ذكَرِهِ: كُرِهَ، وعنه يحْرم.

الحادي عشر: إذا كان في مسجد بركة: يغلق عليها باب المسجد، لكن يمشي حولها دون أن يُصلَّى حولها: هل يحرم البول عندها والاستنجاء بالماء بغير الاستنجاء بالحجر؟

ص: 335

أجاب أبو العباس في "الفتاوى المصرية": بأن هذا يشبه البول في المسجد في القارورة. ومن الفقهاء من نهى عنه؛ لأنَّ هواء المسجد كَقَرَارِهِ في الحرمة. ومنهم من يرخص للحاجة، والأشبه: أن هذا إذا فعل للحاجة فقريب. وأما اتخاذ ذلك مبالًا ومستنجًا؛ فلا، والله أعلم.

الثاني عشر: يُسَّن أن يُصان عن حائضٍ ونُفَسَاء مطلقًا.

قال في "الآداب": والأوْلى أن يُقال: يجب صونه عن جلوسهما فيه، ويسن عن المرور، وكذا الجُنب بلا وضوء.

وفي جواز مبيت الجُنب مطلقًا فيه بلا ضرورة: روايتان: هل يجوز إن كان مسافرًا أو مجتازًا وإلا فلا، كذا في "الرعاية"، فإن توضأ الجنُب: جاز له الَّلبث عند أحمد خلافًا لأبي حنيفة والشافعي.

وقال أبو العباس في "الفتاوى المصرية": لبث الحائض في المسجد لضرورة: جائز، كما لو خافت من يقتلها إن لم تدخل المسجد أو كان البرد شديدًا، أو ليس لها مأوى إلا المسجد.

وقد ثبت في "الصحيح": أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لعائشة ناوليني الخُمرة من المسجد، فقالت: إني حائض! فقال: إن حيضتك ليست في يدك (1)! !

الثالث عشر: في كراهة الوضوء فيه والغسل: روايتان عن الإمام أحمد، وحكى بعضهم: أنَّه لا يجوز؛ فإن حُمل على رواية أن المستعمل في رفع الحدث (84/ أ) نجس؛ فواضح، وإلا فلا. قال المروزي؛ قلتُ لأحمد: يتوضأ الرجل في المسجد؟ قال: لا يعجبني أن يتوضأ في المسجد.

وقد اختلفت أصحابه في قوله "لا يعجبني": هل هو للكراهة أو للتحريم؟

(1) رواه مسلم (298) من حديث عائشة رضي الله عنها.

ص: 336

قال القاضي: يكره تجديد الطهارة في المسجد - كما يكره غسل اليد؛ لأنه يتمضمض ويستنشق فربما تنخَّع فيه.

وقال أبو العباس في "الفتاوى المصرية": أما الوضوء في المسجد فلا بأس به عند أكثر العلماء، وقد كرهه بعضهم.

وقال ابن المنذر: أباح كل من يحفظ عنه العلم الوضوء في المسجد إلَّا أن يتوضأ في مكان يبلُّه ويتأذى الناس به، ويشترط أن لا يحصل تمخّط بالاستنشاق ولا بصاق بالمضمضة ونحو ذلك من التنخّع؛ وإلَّا فينتهي إلى التحريم. وحكى المازري عن بعضهم الجواز مع ذلك؛ لأنَّ البصاق إذا خالطه الماء صار في حكم المستهلَك.

الرابع عشر: يُباح قتل البراغيث والقمل فيه، نُصَّ عليه.

قال في "الآدب"(1): وهذا ينبغي أن يقال: إنه مَبنىٌّ على طهارته كما هو ظاهر المذهب. وينبغي أن يقيَّد بإخراجه؛ لأنَّ إلقاء ذلك في المسجد وبقاءه لا يجوز.

وكره مالك قتل القمل والبراغيث في المسجد.

الخامس عشر: يُسَنّ أن يصان عن رائحة كرجهة؛ من بصل، وثوم، وكرَّاث، ونحوها، ويكره حضوره لمن أكله حتى يذهب ريحه. وعنه: يحرم.

وقيل: فيه وجهان حتى لو خلا من آدمي؛ لتأذي الملائكة بذلك، فإن دخل: أُخرج. ذكره غير واحد. وهل يُخرَج وجوبًا أو استحبابًا، مبنىً على ما تقدم.

(1) في "م""الأداب".

ص: 337

السادس عشر: إخراج الريح من الدُّبر في المسجد: قاسه بعض علمائنا على التي قبلها، وعند الشافعية؛ لا يحرم لكن الأوْلَى اجتنابه. وعند الحنفية هو مكروه.

السابع عشر: السواك في المسجد؛ هل هو جائز أم لا؟

أجاب أبو العباس في " الفتاوى المصرية": أما السِّواك في المسجد، فما علمت أحدًا من العلماء كرهه؛ بل الآثار تدل على أن السلف كانوا يستاكون في المسجد.

ويجوز أن يبصق الرجل في ثيابه في المسجد ويتمخَّط (84/ ب) في ثيابه باتفاق الأئمة وبسنَّة رسول الله صلى الله عليه وسلم الثابتة عنه، بل يجوز التوضي في المسجد بلا كراهة عند جمهور العلماء؛ فإذا جاز الوضوء فيه مع أن الوضوء يكون فيه السواك ويجوز الصلاة فيه، والصلاة يُسْتاك عندها، فكيف يكره السواك؟ ! وإذا جاز الامتخاط والبصاق فيه فكيف يكره السواك؟ ! انتهى.

* وذكر بعضهم: أن مذهب مالك كراهة الاستياك في المسجد؛ خشية أن يخرج من فيه دم ونحوه مما ينزه المسجد عنه.

قال القرطبي في "المفهم": لم يثبت قط أنَّه صلى الله عليه وسلم استاك في المسجد؛ فلا يُشرع لما فيه من زوال الأقذار فيه، والمسجد منزّه عنها. وأهل الهيئات والمروءات يمنعون من زوال الأقذار في المحافل والجماعات.

قال: ومعنى قوله: "لولا أن أشقَّ على أمتي لأمرتهم بالسِّواك عند كل صلاة"(1)، أي: عند كل وضوء. انتهى.

* قال بعضهم: وهذا عجيب منه؛ فإنَّه قد صح: أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يستاك

(1) البخاري (887)، ومسلم (252) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.

ص: 338

عند كل صلاة، وأكثر صلاته بالمسجد، وأعجب منه: تأويل الصلاة بالوضوء. انتهى.

قلت: أما الثاني؛ فمسلم، وأما الأول (1): فلا.

الثامن عشر: تسريح اللحية في المسجد: هل هو جائز أم لا؟

* أجاب أبو العباس في "الفتاوى المصرية"، فقال: أما التسريح فإنما كرهه بعض الناس بناء على أن شعر الإنسان المنفصل عنه طاهر كمذهب مالك وأبي حنيفة وأحمد في ظاهر مذهبه وأحد الوجهين في مذهب الشافعي وهو الصحيح، فإن النبي صلى الله عليه وسلم لما حلق رأسه أعطى نصفه لأبي طلحة ونصفه قسمه بين الناس، وباب الطهارة والنجاسة يشارك النبي صلى الله عليه وسلم فيه أمته، بل الأصل أنَّه أسوة لهم في جميع الأحكام، إلا ما قام فيه دليل يوجب اختصاصه، وأيضًا؛ فالصحيح الذي عليه الجمهور: أن شعور الميتة طاهرة بل في أحد قولي العلماء ومذهب مالك وأحمد في إحدى الروايتين؛ لأنَّ جميع الشعور طاهرة حتى شعر الخنزير.

وعلى القولين؛ إذا سرح (85/ أ) شعره وجمع الشعر فلم يترك في المسجد، فلا بأس بذلك، أما إذا ترك شعرة في المسجد: هذا يكره؛ وإن لم يكن نجسًا؛ فإن المسجد يصان عن القذاة التي تقع في العين.

التاسع عشر: كره مالك أخذ شعره وأظفاره في المسجد ولو جمعه وألقاه؛ لحرمة المسجد.

وكره ابن عقيل إزالة ذلك في المسجد مطلقًا؛ صيانة له، وذكر غيره: يسنُّ ذلك.

(1) في "ق""أما الأول فمسلم وأما الثاني فلا".

ص: 339

قال صاحب "الفروع": وظاهره مطلقًا فلا يحرم إلقاؤه فيه.

قال الشيخ مجد الدين: قياس مذهبنا أنه لا بأس به - كما في غسل يده في الطسْت وترْجيل شعره - كما جاء عنه صلى الله عليه وسلم: أن عائشة رضي الله عنها كانت ترجّله وهو في المسجد (1)، مع كون الترجيل غالبًا لا يخلو من سقوط شيء من الشعر.

العشرون: قال ابن تميم وغيره: ويجنب المسجد الصبيان والمجانين.

وقال بعض علمائنا: يُسَنُّ أن يُصان عن صغير.

قال صاحب "الفروع": أَطْلَقُوا العبارة، والمراد والله أعلم: إذا كان صغيرًا لا يميِّز، لغير مصلحة ولا فائدة. وعن مجنونٍ حال جنونه.

وقال بعض الشافعية: يكره إدخال البهائم والمجانين والصبيان الذين لا يُميِّزون المسجد من غير حاجة مقصودة؛ لأنه لا يؤمَن تنجيسهم المسجد.

في "المعجم الكبير" للطبراني من حديث أبي أمامة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "جنِّبوا مساجدكم صبيانكم ومجانينكم وخصوماتكم وأصواتكم وسلَّ سيوفكم وإقامة حدودكم وجمّروها في سبع، واتخذوا على أبواب مساجدكم المطاهر"(2).

وأطلق النَّووي في "الرَّوضة" المنع من دخول الصبيان والمجانين المسجد.

(1) البخاري (296).

(2)

المعجم الكبير (8/ 156)(7601) من حديث أبي الدرداء وأبي أمامة وواثلة، رواه ابن ماجه (750) من حديث واثلة قال ابن الجوزي في العلل (1/ 404) هذا حديث لا يصح، وقال في الزوائد (2/ 25) إسناده ضعيف. وضعفه البوصيري.

ص: 340

قال في "إعلام الساجد": وهو في المجانين ظاهر؛ إذا خيف منه تلويثُهُ، أما مع الأمن والتمييز؛ فلا، لأنَّ غير المميَّز كالبهيمة. وُيحمل؛ على أن يمنع وليه من إدخاله المسجد إذا خيف حدثُهُ فيه.

وقال في "شرح مسلم": يجوز إدخال الصبي المسجد؛ وإن كان الأولى تنزيه المسجد عن من لا يؤمن منه حدَث. انتهى.

الحادي والعشرون: لو أجنب وهو خارج المسجد ولم يجد إلا عينًا في مسجد لا قدرة له على مائها إلَّا أن يدخل المسجد؛ (85/ ب) ماذا يفعل؟

قال ابن عقيل في "المنثور": هذه المسألة سأل عنها أبو يوسف مالك بن أنس بمكة؛ فقال مالك: يدخل فيغتسل في المسجد. قال له أبو يوسف: أخطأت! فقال مالك: فما يفعل أيها الشيخ؟ قال: يتيمم للدخول، ويدخل فيغتسل، فسكت مالك على ما حكى.

قال ابن عقيل: وقلت مذْهبنا فيه جواب يخالف هذا؛ وهو: أنه يجوز له الدخول من غير إطالة؛ لقوله تعالى: {إِلَّا عَابِرِي سَبِيلٍ} (1)، فإذا دخل؛ فهل يغتسل فيه؟ على روايتين: إحداهما: يُكره ذلك، والأخرى: لا يُكره، فعلى هذا: يجوز له التيمم بعد الدخول فيه لأجل الَّلبث للاغتسال. انتهى.

وقال القاضي حسين وغيره من الشافعية: ليس له أن يدخل ويغتسل فيه؛ لأنَّه يلبث في المسجد لحظة مع الجنابة.

قال في "التهذيب" للشافعية: إن كان معه إناء: تيمم ثمَّ دخل وأخرج الماء للغُسل، وإن لم يكن معه إناء: صلَّى بالتيمم.

قال النووي: وهذا الذي قاله؛ فيه نظر، وينبغي أن يجوز الاغتسال منه

(1) النساء الآية: 43.

ص: 341

إذا لم يجد غيره ولم يجد إناءً، ولا يباح له التيمم، فإن جوَّزْنا المرور في المسجد الطويل لغير حاجة فكيف نمنعه بمكث لحظة لسبب الضرورة التي لا مندوحة عنها؟

الثاني والعشرون: نقل ابن عقيل في "المنثور"، عن شيخه القاضي أبو (1) يعلى؛ أنه سئل عن قوم ينامون في المساجد وتصيبهم الجنابة وُيحدِثون، فقال: نقل إبراهيم ابن هانئ عن أحمد في الرجل ينام في المسجد فتصيبه الجنابة، إن قدر أن يخرج فيغتسل: خرج، وإلَّا بات في المسجد؛ لعله إن خرج يصيبه البرد. واستدل؛ بأن وفدًا قدموا على النبي صلى الله عليه وسلم فأنزلهم المسجد (2).

وكذا قال الشافعية: ينام في المسجد للضرورة لكنه يتيمم.

قال في "الروضة": وجوبًا إن وجد غير تراب المسجد ولا يتيمم بترابه.

وقال الرافعي: ويَحْسن أن يتيمم.

وقال الروياني في "البحر": يتيمم بغير تراب المسجد، فإن لم يجد إلَّا تراب المسجد لا يتيمم، كما لو وجد ترابًا مملوكًا للغير. ولكنه لو تيمم به جاز.

قال النووي: وأيُّ مانع يمنع من غبار يسير (86/ أ) للضرورة؟ والفرق بينه وبين المملوك ظاهر.

الثالث والعشرون: قال في "الفصول" و"المستوعب": عمارة المساجد ومراعاة أبنيتها: مستحبة، قال ابن تميم: بناء المسجد مندوب إليه.

(1) في "ق""أبي".

(2)

مصنف عبد الرزاق (1/ 414).

ص: 342

وقال الشيخ وجيه الدين ابن منجا في "شرح الهداية": بناء المسجد مستحب وردت الأخبار بالحث عليه.

وقال في "الرعاية": إصلاح الطرق والمساجد والجوامع من فروض الكفايات.

الرابع والعشرون: في جواز دخول الكافر مساجد الحِلِّ بإذن مسلم لمصلحة؛ روايتان:

* قال في "الرعاية الكبرى": والمنع مطلقًا أظهر، فإن جاز ففي جواز جلوسه جُنُبًا وجهان، وحكى بعضهم رواية الجواز من غير اشتراط إذن.

وفي "المستوعب": هل يجوز لأهل الذمة دخول مساجد الحلّ؟ على روايتين.

وفي "الشرح" وغيره؛ هل يجوز دخولها بإذن مسلم؟ على روايتين وإن الصحيح من المذهب: الجواز.

فظهر من هذا الخلاف: هل هو في كل كافر أم في أهل الذمة؟ فقط طريقان، وهل محلّ الخلاف مع إذن المسلم لمصلحة أو لا يُعتبران أو يعتبر إذن المسلم؟ فقط ثلاث طرق.

ومذهب أبي حنيفة: يجوز للكتابي دون غيره.

ومذهب مالك وغير واحد: لا يجوز مطلقًا.

ومذهب الشافعي: جواز دخوله بإذن مسلم. هكذا أطلقه الرافعي والنَّووي.

* وذكر بعضهم قيودًا:

أحدها: إذا لم يكن شُرط عليه في عقد الذمَّة عدم الدخول، فإن كان قد

ص: 343

شُرِط عليه ذلك، لم يؤذن له.

الثاني: يشترط في الإذن التكليف، فلا عبرة بإذن الصبي والمجنون.

وقيل: لا بد أن يكون الإمام.

وقيل: إذنه في الجامع بخلاف مساجد المحال والقبائل.

وقيل: إن كان المقام أكثر من ثلاثة أيام: لم يصح إلَّا مِن الإمام، وأن يجتمع عليه أهل تلك الناحية؛ بشرط أن لا يتضرر أحد من المصلين وإن كان لاجتياز أو شيء يسير، وكان من الجوامع التي لا يترتب فيها الأئمة إلا بإذن السلطان، فلا بدَّ من إذنه ونحوه.

وإن كان مساجد القبائل: فوجهان، أظهرهما: يكفي إذْنُ مَن يصح أمانُهُ. والثاني: لا يصحُّ إلَّا ممن (1) كان من أهل الجهاد.

الثالث: هذا إذا استأذن (86/ ب) لسماع قرآن أو علم و (2) رُجِىَ إسلامه أو دخل لإصلاح بنيان ونحوه. فإذا استأذن لنوم أو أكل ونحوه؛ ففي "الروضة": ينبغي أن لا يؤذَن له في الدخول.

وقال غيره: لا (3) يجوز لنا أن نأذن له في ذلك.

واستثنى بعضهم من الإطلاق الأول مسألتين:

إحداهما: ما لو جلس فيه الحاكم للحكم فلا بد من دخوله للمحاكمة بغير إذن ويَنْزِلُ جلوسُه منزلة إذنه، نقله في "الرَّوضة"، عن البغوي.

(1) في "ق""من".

(2)

في "ق""أو".

(3)

في "ق""ولا".

ص: 344

الثاني: دخوله لحاجة إلى مسلم أو حاجة مسلم إليه. ذكره الروياني.

الخامس والعشرون: يسَنَّ صون المسجد عن: إنشاد شعر قبيح ومحرم وغناء وعمل سماع.

قال في "الغُنْيَة": لا بأس بإنشاد شعر خال من سخف وهجاء المسلمين، والأولى: صيانتها إلَّا أن يكون من الزهديات فيجوز الإكثار؛ لأنَّ المساجد وضعت لذكر الله تعالى فينبغي أن تجل عن ذلك.

وفي "الرعاية": يباح إنشاد شعر مباح فيه.

وعند الشافعية: ينبغي أن لا ينشد في المسجد شعرًا ليس فيه مدح للإسلام ولا حث على مكارم الأخلاق ونحوه، فإن كان لغير ذلك: حَرُم. قاله النَّووي في "شرح المهذَّب".

* وعن ثوبان قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من رأيتموه يُنشد شعرًا في المسجد فقولوا فضَّ الله فاك ثلاث مرات" رواه ابن السُّنِّي (1).

وحمله بعضهم؛ على ما فيه هجو ومدح بغير حق.

وفي "الصحيح": أن حسَّان كان ينشد في المسجد بحضرة النبي صلى الله عليه وسلم (2)،

وكذلك كعبُ بن زُهَيْر.

قلت: الذي يتعيَّن؛ ما رواه الإمام أحمد في "مسنده": "الشعر كالكلام، حسنه كحسنه وقبيحه كقبيحه"(3).

(1) في عمل اليوم والليلة (153).

(2)

البخاري (453)، ومسلم (2485) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.

(3)

البخاري في الأدب المفرد (865)، والدارقطني (4/ 156) والطبراني في الأوسط (7696) من حديث عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما. والحدث ليس بالمسند.

ص: 345

السادس والعشرون: يسنُّ صونه عن إنشاد ضالَّة، وهو: تعريفها ونُشدانها وهو طلبها، ويقول له سامعه:"لا وجدتهَا ولا ردها الله عليك".

ذكر في "الرعاية" في "الشرح": يكره إنشاد الضالَّة في المسجد.

وفي "صحيح مسلم"، عن أبي هريرة: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "من سمع رجلًا يَنشد ضالَّة في المسجد فليقُل: "لا ردَّها الله عليك فإن المساجد لم تُبْنَ لهذا" (1).

ووجَّه بعضهم التحريم من البيع على ما يأتي.

السابع والعشرون: لا يجوز البيع والشراء في (87/ أ) المسجد للمعتكف وغيره: نُصَّ عليه في رواية حنبل، وجزم به القاضي، وابنه أبو الحسين، وصاحب "الوسيلة" و"الإيضاح" وغيرهم؛ لما روى أحمد: من حديث عمرو ابن شعيب، عن أبيه، عن جده، قال:"نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن البيع والشراء في المسجد وأن يُنشد فيه الأشعار وأن يَنشد فيه الضالَّة وعن الحِلَق يوم الجمعة قبل الصلاة"، رواه أبو داود، والترمذي وحسَّنه، والنسائي ولم يذكر إنشاد الضالَّة (2).

وعن أبي هريرة مرفوعًا: "إذا رأيتم من يبيع أو يبتاع في المسجد فقولوا: لا أربح الله تجارتك"، إسناده جيد، رواه الترمذي، وقال حسن غريب (3).

قال ابن هُبيرة: منع صحته وجوازه أحمد.

وقيل: إن حرم؛ ففي صحته وجهان، وجزم في "الفصول" و"المستوعب"

(1) مسلم (568) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.

(2)

أبو داود (1079)، والترمذي (321) وقال: حديث حسن، والنسائي (714).

(3)

الترمذي (1336) وقال: حديث أبي هريرة حديث حسن غريب.

ص: 346

بأنَّه يكره وفاقًا لمالك، والشافعيُّ في الصحيح عنده، وله قول: لا يكره.

وقال أبو حنيفة: يجوز ويكره إحضار السلع في المسجد (1) وقت البيع وينعقد البيع مع ذلك.

وقال ابن بطَّال: أجمع العلماء على أن ما عُقد من البيع في المسجد لا يجوز نقْضُه. انتهى.

وقد تقدم عن الإمام أحمد رواية بعدم صحته.

الثامن والعشرون: يباح عقد النكاح فيه، ذكره في "الرعاية" وغيرها.

وقال أبو عمرو بن الصلاح من الشافعية: يستحب عقده فيه، واحتجَّ بحديث:"أعلنوا النكاح في المسجد"، رواه الترمذي (2).

التاسع والعشرون: يسنُّ أن يصان عن عمل صنعة: نص عليه.

قال السامري: سواءً كان الصانع يراعي المسجد بكنس ورشّ ونحوه أو لم يكن.

وقال في روايته الأثرم: ما يعجبني مثل الخياط والإسكاف وما أشبهه، وسهّل في الكتابة فيه، وقال: وإن كان من غدوة إلى الليل فليس هو كل يوم.

قال القاضي سعد الدين الحارثي من علمائنا: خصّ الكتابة؛ لأنها نوع تحصيل للعلم، فهي في معنى الدراسة، وهذا يوجب التقيُّد بما لا يكون تكسُّبًا؛ وإليه أشار بقوله: فليس ذلك كل يوم.

(1)"في المسجد" سقطت من "ق".

(2)

رواه الترمذي (1095) من حديث عائشة رضي الله عنها.

ص: 347

وقال صالح: لأبيه تكره الخياطين في المساجد؟ قال: لعمري شديدًا! وهذا يقتضي التحريم.

وسأل في رواية حرب؛ عن العمل في المسجد نحو الخياط وغيره يعمل؟ فكأنه كرهه ليس بذلك الشديد. فظاهره الكراهة.

وقال ابن بطة: الارتفاق (87/ ب) بالمسجد واتخاذه للصنعة والتجارة كالحانوت: مكروه.

وذكر ابن عقيل: أنه يكره في المساجد العمل والصنائع كالخياطة والخرز والحلْج والتجارة وما شاكل ذلك إذا كثر. ولا يكره ذلك إذا قلّ مثل رقع ثوبه أو خصف نعله.

* وبالمنع قال الشافعي، وإسحاق، ويقتضيه مذهب مالك. هكذا رأيته منقولًا في "الآداب" للعلَّامة شمس الدين ابن مفلح. والذي رأيته في كتب أصحاب الشافعية: الكراهة إلا أن يخيط ثوبه فلا يكره. هكذا قال ابن الصباغ.

قال في "الروضة": يكره عمل الصنائع فيه، أي: المداومة. أما لو دخل لصلاة أو اعتكاف فَخَاطَ ثوبه: لم يكره.

وحكى القاضي عياض عن بعض مشايخه: إنما يمنع في المسجد من عمل الصنائع التي يختص بنفعها آحاد الناس ويكتسب فيه ولا يتخذ المسجد متجرًا. فأما الصنايع التي يشمل نفعها المسلمين في دينهم ممَّا لا امتهان للمسجد في عمله فلا بأس به.

الثلاثون: يُسَنّ أن يصان عن لغط وكثرة حديث لاغٍ ورفع صوت بمكروه.

ص: 348

قال صاحب "الفروع": وظاهر هذا أنه لا يكره ذلك إذا كان مباحًا أو مستحبًا. وهذا مذهب أبي حنيفة والشافعي.

وفي "الغنية": يكره أن لا يذكر الله تعالى.

ومذهب مالك: كراهة ذلك؛ قال أشهب: سئل مالك عن رفع الصوت في المسجد في العلْم وغيره؟ قال: لا خير في ذلك في العلم ولا في غيره. ولقد أدركت الناس قديمًا يعِيبون ذلك على مَن يكون ذلك في مجلسه. ومَن كان يكون ذلك في مجلسه كان يعتذر منه. وأنا أكره ذلك ولا أرى فيه خيرًا.

وقال عياض: قال مالك وجماعة من العلماء يُكره رفع الصوت في المسجد بالعلْم وغيره.

وأجاز أبو حنيفة ومحمد بن مسلمة من أصحاب مالك رفع الصوت فيه في العلم والخصومة وغير ذلك مما يحتاج إليه الناس؛ لأنه مجمعهم ولابد لهم منه.

وقال ابن عقيل في "الفصول" في آخر باب الجمعة: ولا بأس بالمناظرة في مسائل الفقه والاجتهاد في المساجد إذا كان القصد طلب الحق. فإن كان مغالبة ومنافرة: دخل في حيِّز المُلاحَّة والجدال فيما لا (88/أ) يغني ولم يجزْ في المساجد فأما الملاحة في غير العلوم، فلا يجوز في المسجد، وقال أيضًا: يكره كثرة الحديث واللغط في المساجد.

وقال ابن بطة: ومن السنَّة ذكر الله تعالى وذكر العلم في المسجد، وترك الخوض والفضول وحديث الدنيا فيه. فإن ذلك مكروه.

وفي "الرعاية": تباح المناظرة في الفقه وما يتعلق به (1).

(1) في "ق""فيه".

ص: 349

الحادي والثلاثون: تعليم الصبيان في المسجد.

قال ابن الصيْرفي في "النوادر": لا يجوز التعليم في المساجد.

وقال أبو العباس في "الفتاوى المصرية": لا يجوز - وقد سئل عنها -: يُصان المسجد عما يؤذيه ويؤذي المصلين؛ حتى رفع الصبيان أصواتهم فيه. وكذلك توسيخهم لحصره ونحو ذلك لا سيما إن كان ذلك وقت الصلوات فإنَّه من عظيم (1) المنكرات.

وقال في موضع آخر - منها -: وأما تعليم الصبيان في المسجد بحيث (2) يؤذون المسجد فيلوثونه ويرفعون أصواتهم ويشغلون المصلي فيه ويضيِّقون عليه، فهذا مما يجب النهي عنه والمنع منه، والله أعلم.

* وقال صاحب "الفروع" في "آدابه"، عقيب كلام القاضي سعد الدين الحارثي المتقدم قبل هذه: وينبغي أن يخرج على هذا تعليم الصبيان للكتابة في المسجد بالأجرة. وتعليمهم تبرعًا جائز - كتلقين القرآن وتعليم العلم، وهذا كله بشرط: أن لا يحصل ضرر بحبر وما أشبه ذلك.

وقال القاضي عياض: وقد منع بعض العلماء من تعليم الصبيان في المسجد، قال: وحكى بعضهم خلافًا في تعليم الصبيان فيها.

وقال القرطبي: منع بعض العلماء من تعليم الصبيان فيه، ورأوا أنه من باب البيع، وهذا إذا كان بأجرة، فلو كان تبرعًا: فهو ممنوع أيضًا؛ لعدم تحرُّز الصبيان عن القذر والوسخ فيؤدي ذلك إلى عدم تنظيف المساجد. وقد ورد الأمر بتنظيفها وفي الحديث "جنِّبوا مساجدكم صبيانكم"(3). وقد تقدم.

(1) في "ق""أعظم".

(2)

في "ق""بحديث" وفي "س""الحديث".

(3)

تقدم.

ص: 350

وسئل القفال عن تعليم الصبيان في المسجد؛ فقال: الأغلب من الصبيان الضَّرر بالمسجد؛ فيجوز منعهم.

وعند الظاهرية؛ تعليمهم فيه مباح.

الثاني والثلاثون: قال في "الرعاية"(88/ ب) وغيرها: يباح تعليم القرآن في المسجد.

قال القاضي أبو يعلى في "الأحكام السلطانية": أما جلوس العلماء والفقهاء في الجوامع والمساجد والتصدي للتدريس والفتوى، فعلى كل واحد منهم زاجرٌ من نفسه ألا يتصدى لما ليس بأهل، إلى أن قال: وللسلطان فيهم من النظر ما يوجبه الاحتياط من إنكار وإقرار. وإذا أراد من هو لذلك أقول: هل يترتب في أحد المساجد لتدريس أو فتيا؟ نظر حال المسجد، فإن كان من مساجد المحال التي لا يترتب الأئمة فيها من جهة السلطان: لمِ يلزم من يترتب فيها لذلك استئذان السلطان في جلوس- كما لا يلزم أن يستأذن فيها من يُرتَّب للإمامة، كان كان من الجوامع وكبار المساجد التي يترتب الأئمة فيها بتقليد السلطان: روعي في ذلك عُرف البلد وعادته في جلوس أمثاله. فإن كان للسلطان في جلوس مثله نظر: لم يكن له أن يترتب للجلوس فيه إلا عن إذنه؛ لأنه افتئات عليه في ولايته، وإن لم يكن للسلطان في مثله نظر معهود: لم يلزم استئذانه في ذلك وكان كغيره من المساجد.

قال القاضي سعد الدين الحارثي: والصحيح عدم اعتبار الإذن؛ لأن الطاعات لا تتوقف على ذلك؛ لأنه ربما أدّى إلى التعطيل ولفعل السلف، وما ذكر من الافتئات فغير مُسَلَّم.

وقال النووي: يستحبّ عند حِلَق العلم والمساجد وذكر الوعظ والرَّقائق ونحوها، من الأحاديث الصحيحة في ذلك كثيرة مشهورة. ونقَل ابن بطَّال

ص: 351

فيه الإجماع.

الثالث والثلاثون: يُكره الجلوس للحلَق يوم الجمعة قبل الصلاة للحديث المتقدم في مسألة البيع الذي رواه الإمام أحمد وغيره (1).

وقال الغزالي في "الإحياء": قال الخطَّابي: وكان بعضهم يرويه الحَلْق بإسكان اللام؛ أخبرني أنه بقي أربعين سنة لا يحلق رأسه قبل الصلاة. قال: فقلت له إنما هو الحلَق بفتح ما جمع حلْقة. وإنما كره الاجتماع قبل الصلاة للعلم، وأمر بأن يشتغل بالصلاة وينصت للخطبة.

الرابع والثلاثون: قال القاضي أبو يعلى: يمنع الناس في الجوامع والمساجد من استطراق (89/ أ) حلَق الفقهاء والقراء؛ صيانة لحرمتها. وقاله الشافعية؛ وقد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "لا حِمى إلا في ثلاثة: البير وطول الفَرَس وحلَقة القوم" فأما البير فهو منتهى حريمها وأما طول الفرس فهو ما دار فيه بمقوده إذا كان مربوطًا، وأما حلقة القوم فهو استدارتهم في الجلوس للتشاور. والحديث وهذا الخبر الذي ذكره القاضي: إسناده جيّد. رواه البيهقي من حديث سعد الكاتب عن بلال العبسي عن النبي صلى الله عليه وسلم مرسلًا (2).

الخامس والثلاثون: يُسَن أن يشتغل في المسجد بالصلاة والقرآن والذكر، ويجلس مستقبل القِبلة.

السادس والثلاثون: يكره أن يسند ظهره إلى القبلة. قال أحمد: هذا مكروه. وصرح القاضي بالكراهة. قال إبراهيم: كانوا يكرهون أن يتساندوا إلى القبلة قبل صلاة الفجر، رواه أبو بكر النجار.

(1) تقدم.

(2)

السنن الكبرى (6/ 151 - 156).

ص: 352

قال في "الفروع": اقتصر أكثر الأصحاب على استحباب استقبالها، فتركه؛ يعني: ترك الاستناد أولى. ولعل هذا أولى.

وفي "الصحيحين": من حديث الإسراء، فإذا أنا بإبراهيم مسْنِدًا ظهره إلى البيت المعمور (1). ولأحمد بإسناد صحيح، عن عبد الله بن الزبير: أنه قال- وهو مستند إلى الكعبة-: "ورب هذه الكعبة لقد لَعَنَ (2) رسول الله صلى الله عليه وسلم فلانًا وما ولد من صلبه"(3) ولأحمد، عن كعب بن عجرة، قال: بينما نحن في مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم مُسندي ظهورنا إلى القِبلة إذ خرج علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم وذكر الحديث (4).

السابع والثلاثون: قال محمد بن إبراهيم البوشنجي (5): ما رأيت أحمد ابن حنبل جالسًا إلا القرفصاء، إلا أن يكون في الصلاة.

قال ابن الجوزي في "المناقب": وهذه الجلسة التي تحكيها قَيْلَةُ في حديثها: "إني رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم جالسًا جدسة التخشُّع القرفصاء"، وكان أحمد يقيم (6) في جلوسه هذه الجلسة، وهي أَوْلى الجلسات بالخشوع.

والقرفصاء: أن يجلس الرجل على إليتيه رافعًا ركبتيه إلى صدره مُفضِيًا بأخمص قدميه إلى الأرض، وربما احتبى بيديه وحديث قيْلة: رواه أبو داود (7).

(1) صحيح مسلم (162) من حديث أنس بن مالك.

(2)

في "م، ق""أمن" بدل "لعن" والصواب كما في "س ع".

(3)

"المسند"(4/ 5).

(4)

المسند (4/ 244).

(5)

المناقب (ص: 210) وفي "م، ق، س""أحمد بدل محمد".

(6)

في هامش "م، ق"(ظ: يديم) وفي المناقب (ص: 210) و"ع""يتيمم".

(7)

أبو داود (4847) من حديث قيلة بنت مخرمة رضي الله عنها.

ص: 353

الثامن والثلاثون: قال (89/ ب) في "الشرح" في آخر باب الأذان: لا بأس بالاجتماع في المسجد والأكل فيه، وذكر فيه أيضًا وفي الرعاية وغيرهما أن للمعتكف الأكل في المسجد] (1) وغسل يده في طسْت. وقد قال أبو بكر رضي الله عنه لرسول الله صلى الله عليه وسلم:"دخلت المسجد فإذا بسائل سأل، فوجدت كسْرة خبز بين يدي عبد الرحمن فأخذتها فدفعتها إليه"، رواه أبو داود من رواية مبارك بن فَضالة، وفيه كلام، وباقيه ثقات (2).

وعن عبد الله بن الحارث قال: كنا نأكل على عهد النبي صلى الله عليه وسلم في المسجد الخبز واللحم" رواه ابن ماجه (3).

وقال ابن تميم وابن حمدان: إنه لا يجوز دخول المسجد للأكل ونحوه. وعند الشافعية: يجوز.

وقال مالك: يُكره الأكل في المسجد إلَّا اللقمة واللقمتين. ولا يعجبني الأكل في رِحابِهِ؛ لأنها من المسجد.

وقال في "إعلام الساجد": "وينبغي أن يبسط شيئًا ويحترز خوفًا من التلويث ولئلا يتناثر شيء من الطعام فيجتمع عليه الهوام، هذا إذا لم يكن له رائحة كريهة كالثوم ونحوه، وإلا كُره أكْلُهُ فيه ويمنع آكله من المسجد حتى يذهب ريحه.

التاسع والثلاثون: قال المروذي: "سألت أبا عبد الله عن الرجل يستلقي ويضع إحدى رجليه على الأخرى: قال ليس به بأس، قد روي.

(1) ما بين المعقوفتين سقط من "م، ق، س".

(2)

أبو داود (1670) من حديث عبد الرحمن بن أبي بكر.

(3)

ابن ماجه (3300) من حديث عبد الله بن الحارث بن جزء الزبيدي رضي الله عنه.

ص: 354

قال ابن الجوزي: لا بأس به إلا أن لا يكون (1) له سراويل ووجه تخريج رواية يكره، كشربه قائمًا ونهيه عنه ونحو ذلك.

فعلى هذا؛ لو وضع إحداهما على الأخرى من غير استلقاء احتمل وجهين؛ نظرًا إلى أن النَّهْي إنما هو مع الاستلقاء. والأصل: اعتبار الوصف وأن المقصود وضع إحداهما (2) على الأخرى، والاستلقاء ذكر؛ لأنه الغالب. وهو معتبر في الحكم. والأول: أظهر؛ لأن الأصل عدم الكراهة خولف للخبر وهو في أمر مخصوص فَيُقتَصَرُ عليه.

* قاله (3) في "الآداب" عن جابر: "إن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى أن يرفع إحدى رجليه على الأخرى، وهو مستلق على ظهره"، إسناده ثقات، رواه أحمد، وأبو داود، والترمذي وصحّحه (4)، وعن (5) عبَّاد بن تميم، عن عمّه: أنه رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم مستلقيًا في المسجد واضعًا إحدى رجليه على الأخرى (90/ أ). رواه البخاري ومسلم (6).

ولمالك، عن ابن شهاب، عن سعيد بن المسيب: أن عمر وعثمان كانا يفعلان ذلك (7).

قال ابن منصور لأبي عبد الله: يكره للمرأة أن تستدقى على قفاها! ! قال

(1) في "م""أن يكون".

(2)

في (م)"م""إحديها".

(3)

في (ق)"قال".

(4)

المسند (3/ 297) أبو داود (4865) والترمذي (2915) وقال: هذا حديث حسن صحيح.

(5)

في "م""عن عباد".

(6)

البخاري (475)، ومسلم (2100) من حديث عباد بن تميم عن عمه عبد الله بن زيد المازني.

(7)

البخاري (475).

ص: 355

أي والله، يروى عن عمر بن عبد العزيز أنه كرهه. رواه البخاري عن ابن سيرين. وعند الشافعية يجوز ذلك.

قال ابن بطَّال- عن حديث جابر المتقدم-: كان البخاري يراه منسوخًا بحديث عبَّاد.

الأربعون: قال القاضي أبو يعلى في "الجامع الكبير": روى أبو بكر الفريابي في "كتاب الصلاة" وإسناده عن أبي النعمان، قال: حججت في خلافة عمر رضي الله عنه، فقدِمت المدينة فدخلت مسجد النبي صلى الله عليه وسلم، فتقدمت إلى مقدَّم المسجد أُصلِّي إذ دخل عمر رضي الله عنه فرآني فأخذ برأسي فجعل يضرب به الحائط ويقول: ألم أنهكُم أن تقدموا في مقدِّم المسجد بالسَّحَر، إن له عوامر".

وبإسناده عن عبد الله ابن عامر قال: دخل جابر بن سعْد الطائي المسجد من السَّحَر وكانت له صحبة فإذا ناس في صدر المسجد يصلون، فقال: أرغبوهم، فمن أرغَبَهُم فقد أطاع الله ورسوله.

قال حريز بن عثمان (1) كنا نسمع أن الملائكة تكون قبل الصبح في الصف الأول.

قال القاضي: وهذا يدل على كراهة التقدم في المسجد وقت السَّحَر.

ورواه الإمام أحمد في "مسنده": ولفظه: قال: دخل المسجد حابس (2) ابن سعْدٍ الطائي من السّحَر- وقد أدرك النبي صلى الله عليه وسلم، فرأى الناس يصلون مقدَّم (3) المسجد، فقال مروان: وربّ الكعبة أرغبوهم، فمن أرغبهم فقد

(1)"ابن عثمان" سقطت من "ق".

(2)

جميع النسخ "جابر".

(3)

في "ق""في مقدم".

ص: 356

أطاع الله ورسوله، فأتاهم الناس فأخرجوهم. فقال: إن الملائكة تصلَّي من المسجد في مقدَّم المسجد (1).

الحادي والأريعون: قال الشيخ تقي الدين في "الفتاوى المصرية": يجوز تعليم القرآن في المسجد إذا لم يكن فيه ضرر على المسجد وأهله، بل يستحب. انتهى.

الثاني والأربعون: يسنُّ كنس المسجد يوم الخميس وإخراج كناسته وتنظيفه وتطييبه فيه.

وقد روى أبو داود والترمذي (90/ ب)، عن أنس:"عرضت علىَّ أجور أمتي حتى القذاة يخرجها الرجل من المسجد"(2).

وعن عائشة: أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم ببناء المساجد في الدُّور وأن تنظف وتطيّب خرَّجه أحمد، وأبو داود، وابن ماجه، وابن خزيمة، وابن حبان في صحيحيهما (3)(4)، وخرَّجه الترمذي مُرسلًا من غير ذكر عائشة، وقال: هو أصح (5). وكذلك أنكر الإمام أحمد وصله.

واختُلف في تفسير الدّور هنا: فقال الخطابي وغيره: المراد بها البيوت، وقال أكثر المتقدمين: المراد بها هنا القبائل- كقوله صلى الله عليه وسلم: "خير دُور الأنصار دار بني عبد الأشهل، ثم دار بني الحارث" الحديث (6)، وعن يعقوب بن

(1)"المسند"(5/ 105، 109) قال الحافظ في الاصابة (1/ 271) هذا موقوف صحيح الاسناد.

(2)

أبو داود (461)، و"الترمذي" (2916) وقال: هذا حديث غريب لا نعرفه إلا من هذا الوجه.

(3)

في "ق""صحيحه".

(4)

أحمد (6/ 280)، وأبو داود (455)، وابن ماجه (759) وابن خزيمة (1294) وابن حبان (1634).

(5)

الترمذي (591).

(6)

البخاري (3790)، ومسلم (2511) من حديث أبي أسيد رضي الله عنه.

ص: 357

زيد: أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يتبع غبار المسجد بجريدة (1).

الثالث والأربعون: في تجصيص المساجد.

قال المروذي: قلت لأبي عبد الله إن قومًا يحتجون في الجصّ أنه لا بأس به: أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن تجصيص القبور (2) فقال: لا بأس أن تجصص الحيطان، قال: وأي شيء في هذا من الحجة، وأنكره. وذكر له المروذي؛ أن ابن أسلم الطوسي كان لا يجصص مسجده، وأنه كان لا يدع بطرسوس مسجدًا مجصصًا إلا قلعه، فقال أبو عبد الله: هو من زينة الدنيا. وسأله المروذي عن الجص والآجر يفضل من المسجد فقال: يصرف في مثله.

وقال أبو عبد الله: قيل للنبي صلى الله عليه وسلم عن تكحيل المسجد فقال: لا، عريشٌ كعريش موسى، وإنما هو شيء يطلى (3) به كالكحل، أي: فلم يرخص فيه النبي صلى الله عليه وسلم (4).

وقال في "الغنية": لا بأس بتجصيص المساجد وتطيينها.

الرابع والأربعون: يكره زخرفة المساجد بنقش أو صبغ أو كتابة ونحو ذلك مما يلهي المصلي عن صلاته.

وفي البخاري: عن ابن عباس أنه قال: "لتزخرفُنَّها كما زخرفت اليهود والنصارى"(5).

(1) ابن أبي شيبة في المصنف (4019).

(2)

مسلم (970) من حديث جابر رضي الله عنه.

(3)

في "ق""تطلى".

(4)

رواه الدارمي (1/ 18) في المقدمة.

(5)

ذكره البخاري تعليقًا 446.

ص: 358

وفي "سنن أبي داود": عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "ما أُمرت بتشييد المساجد"(1).

وعن أنس: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "لا تقوم الساعة حتى يتباهى الناس في المساجد"، إسناده (91/ أ) ثقات. رواه أحمد وأبو داود (2).

وعن عمر مرفوعًا: "ما ساء عمل قوم قط إلا زخرفوا مساجدهم"، رواه ابن ماجه (3).

وبالكراهة؛ قال بعض الشافعية. وجوّزه بعض العلماء، وقال: لا بأس به؛ لقوله تعالى: {إِنَّمَا يَعْمُرُ مَسَاجِدَ اللَّهِ} الآية (4) .. ولما ذكر (5) من فعل عثمان ذلك بمسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم. ولم ينكر ذلك.

وروى البخاري في "صحيحه": أن عمر (6) رضي الله عنه أمر ببناء المسجد، وقال:"أكِنَّ الناسَ من المطر، وإياك أن تحمَّر أو تصفِّر فتفتن الناس"(7).

وقال رضي الله عنه: "إن القوم إذا زيَّنوا مساجدهم قلَّت أعمالهم"(8).

الخامس والأربعون: يكره تحليته بذهب أو فضة.

(1) أبو داود (488).

(2)

المسند (3/ 134) أبو داود (449).

(3)

ابن ماجه (741).

(4)

"التوبة"[آية 18].

(5)

في إعلام الساجد (ص: 337)"ولما روى من فعل عثمان".

(6)

في "م، س""ابن عمر".

(7)

ذكره البخاري تعليقًا (446).

(8)

أخرجه عبد الرزاق في المصنف (3/ 154) من حديث علي رضي الله عنه بلفظ مقارب.

ص: 359

قال في "الآداب": وينبغي أن يقال: إن كان (1) ذلك من مال الوقف: حرم ووجب الضمان.

وذكر في "الرعاية" في موضع: أنه هل يحرم تحلية المسجد بذهب وفضة، وتجب إزالته وزكاته، بشرطها (2) أو يكره؟ على قولين، وقدّم الأول، وعند الحنفية: "لا بأس بتحلية المسجد بذهب ونحوه؛ لأنه تعظيم له. ومنهم من استحبه (3) لذلك.

وعند المالكية: يكره ذلك، ويصان المسجد عنه، وهو قول بعض الحنفية. ذكره صاحب "المفيد" منهم. وللشافعية في تحريمه وجهان.

* وأول من ذهَّب الكعبة في الإسلام وزخرف المساجد: الوليد بن عبد الملك لما بعث إلى خالد بن عبد الله القسْري والي مكة. وحينئذٍ؛ فيضعف قول بعض الحنفية عمن قال بالكراهة، هم محجوجون بإجماع المسلمين في الكعبة.

والعجب؛ أن الشيخ تقي الدين السبكي حكى هذا الإجماع عن صاحب "الطراز"(4) من المالكية وأقرّه.

قال الحنفية: والمتوَلي على المسجد إذا فعل ما يرجع إلى التنقيش والزينة من مال الوقف: ضمن. انتهى كلام صاحب "الآداب" فيها، مع أنه صدَّر المسألة بالكراهة، ومع أنه جزم في كتابه "الفروع" بالتحريم. قال في باب زكاة الذهب والفضة:"ويحرم تحلية مسجد ومحراب".

(1) في "ق""إن ذلك إن كان".

(2)

"بشرطها" سقطت من "ق".

(3)

في "م""استحب".

(4)

في "م""الطران".

ص: 360

السادس والأربعون: تصان عن تعليق مصحف أو غيره في قِبلته دون وضعه بالأرض.

قال جعفر بن محمد أبو عبد الله الكوفي: سمعت أحمد يقول: يُكره أن يعلق (91/ ب) في القبلة شيء يَحُول بينه وبين القبلة، ولم يُكره إنْ وُضِع في المسجد المصحف أو نحوه.

السابع والأربعون: قال بعض الشافعية: يستحب تجمير المسجد، وكان عبد الله المجمر يجمر المسجد.

قلت: وهو ظاهر كلام علمائنا؛ لأنهم ذكروا تطييبه، وهذا منه.

ويؤيده: ما رواه واثلة بن الأسقع: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: جنِّبوا مساجدنا صبيانكم ومجانينكم وشراءكم وخصوماتكم ورفع أصواتكم وإقامة حدودكم وسل سيوفكم واتخِذوا على أبوابها المطاهر وجمروها في الجُمَع".

رواه ابن ماجه والطبراني في "الكبير" عن أبي الدرداء وأبي أمامة وواثلة (1)، وأنكر مالك تجمير المسجد.

الثامن والأربعون: قال بعض الشافعية: يستحب فرش المسجد.

قال الدمياطي: أول من فرش الحُصُر في المساجد: عمر رضي الله عنه.

وفي "الصحيح": أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصلي على الخُمرة (2): وهي شيء يصنع من خُوص على قدر الوجه واليدين.

(1) تقدم.

(2)

البخاري (379) من حديث ميمونة رضي الله عنها.

ص: 361

التاسع والأربعون: قال في "الفصول" وغيره: يكره أن يُكتب على حيطان المسجد ذِكْرًا وغيره؛ لأن ذلك يلهي المصلي.

الخمسون: يسَنّ شغل القناديل في كل ليلة. وقاله الشافعية.

قال الدمياطي: أول من علّق القناديل في المسجد: عمر رضي الله عنه.

قيل: فعل ذلك لما جمع الناس على أُبىّ بن كعب (1) في صلاة التراويح. ولما رأى علي رضي الله عنه اجتماع الناس في المسجد على الصلاة والقناديل تزهر وكتاب الله يُتلى، قال: نورت مساجدنا نور الله تعالى قبرك (2).

وذكر القرطبي عن ابن ماجه بسنده إلى أبي سعيد الخدري أنه قال: أول من أسرج المساجد: تميم الداري (3).

وذكر القرطبي أيضًا؛ أن تميمًا الداري، حمل من الشام إلى المدينة قناديل وزيتًا، فلما انتهى إلى المدينة وافق ذلك ليلة الجمعة، فأمر غلامًا يُقال له أبو البراد، فقام فشط المقطّ وعلَّق القناديل وصبّ فيها الماء والزيت وجعل فيها الفتيل، فلما غربت الشمس أمر أبا البراد فأسرجها. وخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المسجد فإذا هو بها تزهر، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"مَن فعل هذا؟ قالوا: تميم (92/ أ) الداري يا رسول الله! فقال: نوّرت الإسلام نور الله عليك في الدنيا والآخرة. أما إنه لو كانت في ابنة لزوجتكها! "(4).

(1)"ابن كعب" سقطت من "ق".

(2)

في "ق""قبرك يا عمر".

(3)

ابن ماجه (760).

(4)

الإصابة لابن حجر (4/ 18) وقال: سنده ضعيف.

ص: 362

الحادي والخمسون: يباح غلق أبوابه؛ لئلا يدخله من يُكره دخوله إليه، نصًا.

وفي "المفيد" من كتب الحنفية: "يُكره إغلاق باب المسجد؛ لأن فيه منعًا عن الصلاة، وإنه لا يجوز للآية (1).

وقال مشايخنا: لا بأس به في زماننا في غير الصلاة؛ لأنه يُخاف على ما فيه من السرقة. انتهى كلامه.

وقال الشافعية: لا بأس بإغلاقه في غير وقت الصلاة. ونقل الصيمري (2) الشافعي، عن أبي حنيفة: أنه منع غلقها بحال.

الثاني والخمسون: يكره إخراج حصاه وترابه للتبرُّك وغيره.

قال (3) في "الآداب": ويتوجه أن يُقال: إمَّا مرادهم بالكراهة التحريم، وإما مرادهم إخراج الشيء اليسير لا الكثير.

روى (4) أبو داود، عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن الحصا ليناشد (5) الله الذي يخرجها من المسجد ليدعها"(6).

وعند الشافعية: يحرم. وكلام صاحب "الروضة" منهم على حديث المزدلفة: يقتضي الكراهة.

(1)"البقرة"[آية: 114].

(2)

في "م""الصميري".

(3)

في "ق""وقال".

(4)

في "ق""وروى".

(5)

في "ق""إن الحصاة لتناشد" وفي سنن أبي داود "إن الحصاة لتناشد الذي يخرجها من المسجد".

(6)

أبو داود (460).

ص: 363

الثالث والخمسون: في وضع الحصى في المسجد.

روى أبو داود، عن أبي الوليد، قال: سألت ابن عمر عن الحصى الذي في المسجد، فقال: مُطِرنا ذات ليلة فأصبحت الأرض مبتلة، فجعل الرجل يجيء بالحصى في ثوبه فيبسطه تحته، فلما قضى صلى الله عليه وسلم الصلاة، قال:"ما أحسن هذا"(1).

وذكر ابن أبي شيْبة: أن أول من حصب المسجد: عمر رضي الله عنه. حصبه؛ من الوادي المبارك من (2)"العقيق"(3).

الرابع والخمسون: قال في "المستوعب" وغيره: لا يجوز أن يغرس في المسجد شيء. وللإمام؛ قلع ما غرس فيه بعد إيقافه، وهذا كله معنى كلام أحمد من رواية الفرج بن الصباح. وقطع في "التلخيص" و"المحرر" بأنها تقلع. وذكر ابن أبي موسى وأبو الفرج في "المبهج": أنه يكره غَرسها. ولفظ أحمد في رواية الفرج ابن الصباح هذه غرست بغير حق والذي غَرسها ظالم، غرس فيما لا يملك. وفي "الرعاية": يُسَن أن يُصان عن الزرع (92/ ب) فيه والغرس وأكل ثمره مجانًا في الأَشهر. وللشافعية (4) وجهان في الكراهة والتحريم، والصحيح: التحريم.

الخامس والخمسون: هل للإنسان إذا دخل المسجد والناس في الصلاة أن يجهر بالسلام خشية أن يرد عليه مَن هو جاهل، بالسلام، أم لا؟

أجاب أبو العباس في "الفتاوى المصرية": إن كان المصلي يحسن الرد

(1) أبو داود (458) من حديث ابن عمر رضي الله عنهما.

(2)

"من" سقطت من "ق".

(3)

ابن أبي شيبة (35851).

(4)

في "م""والشافعية".

ص: 364

بالإشارة، فإذا سلم عليه فلا بأس، كما كان الصحابة رضي الله عنهم يسلمون على النبي صلى الله عليه وسلم، وهو يردّ عليهم بالإشارة. كان لم يحسن الردّ بالإشارة بل قد يتكلم، فلا ينبغي إدخاله فيما يقطع صلاته أو يترك به الرد الواجب عليه. انتهى.

وفي "الفروع" له: السلام على المصلّي وفاقًا لمالك، وعنه: يُكره وفاقًا للشافعي. ويتوجه إن تأذى به، وإلا لم يُكْره، وعنه: يكره في فرض، وقيل: لا يكره إن عرف كيفية الرد.

السادس والخمسون: ثبت في الخبر ضرب الخِباء في المسجد واحتجار الحصير فيه.

وعن أحمد في "مسائل صالح وابن منصور" تقييد الإباحة بوجود البرد.

قال القاضي سعد الدين الحارثي: والصواب: عدم اعتبار هذا القيد.

السابع والخمسون: قال حرب: قلت لأحمد: رجل بني مسجدًا فأُذَّن فيه، ثم قلعوا هذا المسجد وبنوا مسجدًا آخر في مكان آخر، ونقلوا خشب هذا المسجد العتيق إلى ذلك المسجد، قال يرمّوا هذا المسجد الآخر العتيق ولا يعطلوه. قلت: فإذا خرب هذا المسجد يبنى مكانه بيت أوْ خان للسبيل، قال لا ولكن يرمُّ ويُتَعاهدُ إذا كان قد أُذِّن فيه قبل وصُلِّي. وسئل أحمد مرة أخرى: قيل: مسجد عتيق، اشتراه رجل فأدخله في مزرعة فقال: لا، وكرهه جدًّا. وذكر في رواية ابنه عبد الله في المسجد. إذا ضاق عن أهله أو خربت محلتَه: أنه يُباع.

وعند الشافعية؛ لا يجوز أن يصير مملوكًا، كالعبد إذا عُتق وزَمِن: لا يجوز أن يعود في الرق.

الثامن والخمسون: رحبة المسجد إن كانت محوطة فلها حكمُهُ وإلَّا

ص: 365

فلا. قدَّمه في "الرعاية الكبرى" و"المستوعب"، وذكر أن هذا رواية واحدة، وأنه الصحيح. وفيه: ليست من المسجد (93/ أ) مطلقًا وهو ظاهر كلام الخرقي، وعنه: لها حكمه مطلقًا، وعند الشافعية: هي من المسجد، حكاه الرافعي عن الأكثرين، وكذا عند مالك.

التاسع والخمسون: قال حرب: قلت لأحمد: المسجد يبنى على القنطرة؟ فكرهه، وذكر أُراه عن ابن مسعود كراهيته.

الستون: قال أحمد: لا يبنى مسجد إلى جنب مسجد آخر إلا لحاجة، كضيق الأول ونحوه.

وقال صالح: قلت لأبي: كم تستحبّ أن يكون ما بين المسجدين إذا (1) أرادوا أن يبنوا إلى جانبه مسجدًا؟ قال لا يبنى مسجد يراد به الضرر لمسجد إلى جنبه، فإن أكثر الناس حتى يضيق عليهم، فلا بأس أن يُبنى وإن قرب من ذلك.

وقال في رواية محمد بن موسى، وقد سئل: يبنى مسجد إلى جنب مسجد؟ قال: لا يبني المساجد ليَعدي بعضها بعضًا؛ فاتفقت الرواية: على أنه لا يُبنى لقصد الضرر، كان لم يقصد ولا حاجة، فرواية محمد بن موسى: لا يبنى، واختارها أبو العباس، وإنه (2) يجب هدمها، وقال- فيما بني جوار جامع بني أمية-: وزعم بعضهم: أن ظاهر رواية صالح يُبنى مع عدم الحاجة إذا لم يقصد الضرر، وليس بظاهر؛ فإن الإمام أحمد قال: فإن كثُر الناسُ حتى يضيق عليهم فلا بأس، والله أعلم.

(1) في "م""قال إذا".

(2)

في "م" و "أن".

ص: 366

الحادي والستون: يجوز للإمام أن يأذن في بناء مسجد في طريق واسع، وعنه: ما لم يضرّ بالناس، وعنه: المنع مطلقًا سواءً بُني على ساباط أو قنطرة. وقال أيضًا: حكم المساجد أعظم جرمًا: يخرجون المسجد ثم يخرجون على أثره. وعنه: يجوز البناء بلا إذنه وحيث جاز صحت الصلاة فيه وإلا فوجهان؛ ويصح فيما بُني على درب مشترك بإذن أهله، وفيه وجه لا يصح، وإن جُدِّد الطريق ونحوه بعدما بُني المسجد فقد يتوجه كراهة الصلاة فيه، وفيه في "الرعاية" وجهان.

وسأل الكحَّال الإمام أحمد عن مسجد يزاد فيه من الطريق؟ قال: لا تصلّ فيه.

قلت: هذا جارٍ على رواية المنع، وأما على رواية الجواز فتوسعته في الطريق من باب أوْلى.

الثاني والستون: من جعل عُلْو بيته أو أسفله مسجدًا صحّ وانتفع بالآخر، قدَّمه في "الرعاية الكبرى"، وقال في "المستوعب": إن جعل سفل بيته مسجدًا لم ينتفع بسطحه، وإن جعل سطحه مسجدًا انتفع بسفله، نُصَّ عليه، قال أحمد: لأن السطح لا يحتاج إلى سفل.

الثالث والستون: لا يجوز أن يهدم المسجد ويبنى تحته حوانيت تنفعه أو سقاية خاصة أو عامة، فإن انهدم المسجد فكذلك. وقيل: يجوز ذلك في الحالين، أومأ إليه أحمد، قال بعضهم: وهو بعيد. وقيل: ينظر إلى قول أكثر أهله.

الرابع والستون: قال حرب: سألت أحمد، قلت: الرجل يكون على باب داره مسجد وهو يؤذّن فيه فلا يحضر جماعتَهُ إلا رجل أو نحو ذلك؟

ص: 367

قال: إذا كان مسجد عتيق (1) لم يزل، فلا أرى بأسا وإن كان محدثًا فكأنه أحب إلىّ أن يأتي غيره.

الخامس والستون: قال حرب: قلت لأحمد: القوم نحو العشرة يكونون في الدار فيجتمعون وعلى باب الدار مسجد؟ قال: يخرجون إلى المسجد ولا يصلُّون في الدار، وكأنه قال: إلا أن يكون في الدار مسجد يؤذَّن فيه وُيقام.

السادس والستون: ذكر أحمد؛ أن أبا الجوزاء بلِيَ مصحف له، فحفر له في مسجده فدفنه (2).

وذكر القاضي؛ أن أبا بكر بن أبي داود روى (3) بإسناده، عن طلحة ابن مصرف، قال: دفن عثمان المصاحف بين القبر والمنبر.

السابع والستون: قال القاضي أبو يعلى: وأما حريم الجوامع والمساجد؛ فإن كان الارتفاق بها مضرًا بأهل الجوامع والمساجد: منعوا منه ولم يَجِز للسلطان أن يُأذن فيه؛ لأن المصلِّين بها أحق، وإن لم يكن مضرًّا جاز: الارتفاق بحريمها، وهل يعتبر فيه إذن السلطان على الوجهين في حريم الأملاك؟

الثامن والستون: كره الإمام أحمد اتخاذ المسجد طريقًا وقال في رواية إسحاق بن إبراهيم؛ وسُئِل عن المشي في (4) المسجد؟ فقال: لا تتخذوا المسجد (5) طريقًا فإن كانت عليه فلا بأس. وكذا يُكْره عند الشافعية.

(1) في "ق""عتيقا".

(2)

في "ق""فدفنه فيه".

(3)

"روى" سقطت من "م، س".

(4)

"المشي فيه" سقطت من "ق".

(5)

في "ق""المساجد".

ص: 368

وفي "المعجم الأوسط" للطبراني، عن سالم، عن أبيه: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "لا تتخذوا المساجد طرقًا إلا لِذكر الله أو صلاة"(1).

التاسع والستون: سُئل الإمام أحمد في النسخ (95/ أ) في المسجد دون وضع النَّقْش فيه. وقال أيضًا في رواية أبي داود؛ وسُئل عن النَّقْش يوضع في المسجد؟ قال: من الناس مَن يتوقَّاه.

السبعون: يجوز نقض المسجد للإصلاح.

قال في "الفروع" في باب النية: وإن أحرم به يعني الفرض في وقته ثم قلبه نفلًا لفرض صحيح: صَحّ على الأصح، خلافًا لأحد قَوْليْ الشافعي؛ لأنه إكمال في المعنى، كنقض المسجد للإصلاح. ذكره صاحب "المحرر" وغيره وكذا قال الحنفية: إكمال معنى كنقض المسجد للبناء والعمارة والتوسعة، وذكر في "الفروع" أيضًا، في الوقت، إن هدمه وتجديد بنائه لمصلحة. نصّ أحمد.

الحادي والسبعون: قال أحمد في مسجد له حائط قصير غير حصين ولا منارة: لا بأس بها أن تهدم وتجعل في الحائط؛ لِئلا يدخله الكلاب.

الثانن والسبعون: قال أبو الوفاء ابن عقيل: أنا أبرأ إلى الله تعالى من جموع أهل وقتنا في المساجد والمشاهد ليالي يسمونها "إحياء" لعمري إنها لإحياء أهوائهم وإيقاظ شهواتهم؛ جموع الرجال والنساء، مخارج الأموال فيها من أفسد المقاصد وهو الرياء والسِّمعة، وما في خلال كل واحد من اللعب والكذب والغفلة، ما كان أحوج للجوامع أن تكون مظلمة من سُرُجهم منزهة عن معاصيهم وفِسْقِهِم، مُرْدانُ ونسوة وفسقة.

(1) برقم (31) 1/ 14.

ص: 369

الرجل عندي؛ من وزَن في نفسه ثمن الشمعة فأخرج به ذهبًا وحطبًا إلى بيوت الفقراء ووقف في زاوية بيت بعد إرضاء عائلته بالحقوق فكُتب في المجتهدين على ركعتين بِحُزْن ودعاءٍ لنفسه وأهله وجماعة من المسلمين وبكر إلى معاشه، لا إلى المقابر، فَتَرك المقابر في ذلك عبادة.

الثالث والسبعون: يستحب لداخل المسجد أن يقدّم رجله اليمنى في الدخول واليسرى في الخروج؛ لحديث أنس، قال: من الستة إذا دخلت المسجد أن تبدأ برجلك اليمنى، وإذا خرجت أن تبدأ برجلك اليسرى (1)، رواه الحاكم في المستدرك، وقال: صحيح على شرط مسلم (2).

قال البخاري: وكان ابن عمر يفعله ويقول ما ورد (3). (95/ ب).

ومنه ما رواه أحمد، ومسلم، وأبو داود، والنسائي: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم (4) قال: "إذا دخَل أحدكم المسجد فليقل: الَّلهم افتح لي أبواب رحمتك، وإذا خرج فليقل اللهم إني أسألك من فضلك"(5).

وعن فاطمة الزهراء: أنها (6) قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا دخل المسجد قال: "بسم الله والسلام على رسول الله اللهم اغفر لي ذنوبي وافتح في أبواب رحمتك، وإذا خرج قال: بسم الله والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم اللَّهم

(1) العبارة "اليمنى وإذا خرجت أن تبدأ برجلك" سقطت من "ق".

(2)

(1/ 218).

(3)

البخاري تعليقًا في ترجمة الحديث رقم (426).

(4)

"أن رسول الله صلى الله عليه وسلم" سقطت من سق".

(5)

أحمد (3/ 497)، ومسلم (713)، وأبو داود (465)، و"النسائي"(729) من حديث أبي حميد وأبي أسيد.

(6)

في "ق" بدل "أنها""رضي الله عنهما".

ص: 370

اغفر لي ذنوبي وافتح في أبواب فضلك" رواه أحمد وابن ماجه، وفي إسناده ضعف (1). وروى ابن ماجه، ورجاله ثقات، من حديث أبي هريرة نحوه، إلا أنه قال إذا خرج فليسلِّم على النبي صلى الله عليه وسلم، وليَقل: اللهم اعصمني من الشيطان (2).

الرابع والسبعون: يسن أن يبدأ بخلع نعله اليسرى أولا وأن يلبس اليمنى أولا. وإذا أراد الدخول وكان المسجد لا يدخل إليه بالنعل، فإن دخل باليمنى أولًا فيكون قد نزع النعل منها قبل اليسرى (3) وهو خلاف السُّنّة. وإن دخل باليسرى لأجل نزعها يكون قد خالف السنة لكونِه أدخَل اليسرى المسجد أولًا. فالذي يتعين فعله هنا: أن يخلع اليسرى أولًا ويضعها على النعل من غير لُبس خارج المسجد ثم ينزع اليمنى ويدخلها أولًا. وإذا أراد الخروج يخرج باليسرى أولًا ويضعها على النعل من غير لُبس ثم يخرج اليمنى ويلبس فيها قبل اليسرى لأجل (4) حتى تكون اليمنى أولهما تنعُّلًا وآخرهما تنزع وأولهما (5) دخولًا المسجد وآخرهما خروجًا.

الخامس والسبعون: الصلاة في نعله أو تركه أمامه، وعنه: بل عن يساره؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم لما خلع نعليه وهو في الصلاة جعلهما عن يساره.

رواه أحمد، وأبو داود (6).

(1) أحمد (6/ 282)، وابن ماجه (771).

(2)

ابن ماجه (773) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه

(3)

في "م، س""السنة" وفي هامش "م""ظ اليسرى".

(4)

"لأجل" سقطت من "ق".

(5)

في "م، س""أولهما".

(6)

رواه أحمد (3/ 410)، وأبو داود (648) من حديث عبد الله بن السائب رضي الله عنه.

ص: 371

ولأبي داود من حديث أبي هريرة: "إذا صلى أحدكم فخلع نعليه فلا يؤذ بهما أحدًا ليجعلهما بين رجليه أو ليُصل (96/ أ) فيهما"(1).

وفي خبر أبي هريرة وأُبي بكرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم:"ليجعلهما بين رجليه".

رواه أبو محمد الخلَّال حكاه القاضي، قال: وقيل إن كان مأمومًا جعلهما بين رجليه؛ لِئلا يؤذي مَنْ عن يمينه أو شماله. وإن كان إمامًا أو منفردًا جعلهما عن يساره لِئلا يؤذي أحدًا.

قال القاضي: وإنما اخترنا جانب اليسار؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم فعل ذلك في حديث أبي سعيد (2)، رواه أبو حفص ورواه أبو محمد الخلَّال، من حديث عبد الله بن السائب، ولأن اليسار جعلت للأشياء المستقذرة من الأفعال. قال القاضي فأما موضعها من غير المصلِّي فإلي جنبه. كذا رواه أبو بكر الآجرِّي في كتاب "اللباس" بإسناده عن ابن عباس، قال: من السنَّة إذا جلس الرجل أن يخلع نعليه فيضعهما بجنبه.

السادس والسبعون: عن أبي سعيد: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إذا جاء أحدكم المسجد فليقلب نعليه فلينظر فيهما، فإن رأى خَبَثًا فليمسحْه بالأرض ثم ليُصَلِّ فيهما"، إسناده جيد، رواه أحمد، وأبو داود (3).

قال في "الآداب": ومراده أن يمسح الخبث بغير أرض المسجد. وإن لم يُصَلِّ في نعليه وضعهما في المسجد، فلا يرم بهما فيه. فإن رمى بهما، فإن كان على وجه الكبر والتعاظم أو كان ذلك سببًا لإتلاف شيء من أرض المسجد أو في أذى أحد، فلا خفاء بأن ذلك لا يجوز ويضمن ما أُتلف

(1) رواه أبو داود (655).

(2)

رواه أبو داود (650) من حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه.

(3)

رواه أحمد (3/ 20)، وأبو داود (650).

ص: 372

بسببه، وإلا فالأدب: أن لا يفعل ذلك؛ لأنه خلاف التعظيم المأمور به في بيوت الله تعالى، وأحبّ البقاع إلى الله عز وجل. ويشبه هذا رميُ الكتاب بالأرض. وقد فعله رجل عند أحمد؛ فغضب، وقال: هكذا (1) يفعل بكلام الأبرار؟ ! .

وفي "المحيط"(2) من كتب الحنفية: لو مشى بالطين كُره له أن يمسحه بحائط المسجد، وإن مسَحه بتراب المسجد وكان مجموعًا فلا بأس به، وإن كان منبسطًا يُكرَهُ.

السابع والسبعون: ينبغي لمن قَصَد المسجد للصلاة أو غيرها أن ينوي الاعتكاف مدة لبثه فيه؛ لا سيّما إن كان صائمًا. ذكره ابن الجوزي في "المنهاج"، ومعناه في، "الغنية"، وفاقًا للشافعية (3)، (96/ ب) ولم يَرَهُ أبو العباس.

الثامن والسبعون: يكره للزوج منع زوجته من المسجد ليلًا ونهارًا. وفي، "المغني": ظاهر الخبر منعه من منعها.

قال ابن الجوزي: فإن خيف فتنة، نهيت عن الخروج. واحتج بخبر عائشة المشهور:"لو أدرك رسول الله صلى الله عليه وسلم ما أحدث النساء لمنعهنّ المسجد كما مُنعَت نساء بني إسرائيل"(4).

قال القاضي: مما ينكر خروجهن على وجه يُخافَ منه الفتنة. والسيد كالزَّوج وأوْلى.

(1) في "ق""هذا".

(2)

"المحيط" كذا في "ق، س" وفي "م""المحوط".

(3)

"للشافعية" سقطت من "ق".

(4)

البخاري (869).

ص: 373

التاسع والسبعون: قال في "الرعاية": يُسَنّ أن يُصان عن الجماع فيه أو فوقه.

وقال ابن تميم: يُكره الجماع فوق المسجد، وذكر في "الفروع" في باب الرجعة: حصولها بالوطء. وتحلّ محرَّمة الوطء لمرض وضيق وقت الصلاة ومسجد. انتهى. فجزم بتحريم الوطء في المسجد.

الثمانون: قال أبو داود: سمعت أحمد يسأل: يجيء الرجل بزكاته، يعني: صدقة الفطر، إلى المسجد أو يطعمه؟ قال يطعمه. قال سمعت أحمد سُئِل عن زكاة الفطر تجمع في المسجد؟ قال: أرجو أن لا يكون به بأس.

الحادي والثمانون: قال المروذي: سألت أبا عبد الله عن حفر البئر في المسجد؟ قال لا، قلت: فإن حفرت بئر ترى أن يؤخذ المَغْتَسَل فيغطا به البئر، قال لا إنما ذلك للموتى.

وفي "الرعاية" في إحياء الموات: أن أحمد لم يكره حفرها فيه وقال ابن حمدان كره الوضوء فيه، كره حفرها فيه، وإلا فلا.

الثاني والثمانون: قال ابن الجوزي: من كتب اسمه على المسجد الذي يبنيه كان بعيدًا من الإخلاص.

الثالث والثمانون: يجوز أن يقال مسجد بني فلان؛ لِما روى البخاري عن ابن عمر في حديث المسابقة، وفيه: إلى مسجد بني زريق (1). ولكن البخاري قال: "باب، هل يُقال مسجد بني فلان".

قال ابن حجر: وإنما أورده بلفظ الاستفهام؛ لينبه على أن فيه احتمالا،

(1) البخاري (420).

ص: 374

إذ يحتمل أن يكون (1) ذلك قد علمه النبي صلى الله عليه وسلم بأن تكون هذه الإضافة وقعت في زمنه. ويحتمل أن يكون مما حدث بعده، والأول: أظهر. والجمهور على الجواز.

والمخالف في ذلك إبراهيم النخعي، فيما رواه (97/ أ) ابن أبي شيْبَة عنه: أنه يُكْره أن يقول مسجد بني فلان، ويقول: مصلّى بني فلان؛ لقوله تعالى: {وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ} (2)، وجوابه: أن الإضافة في هذا إضافة تمييز لا مِلك.

الرابع والثمانون: قال في "الآداب": وممَّا ينبغي أن يُتَفَطَّن له ما يفعله بعض الناس من أخذ شيء ملقىً في المسجد يُصان عنه ثم يضعه فيه، فإنه يتوجه القول بأنَّه يُلْزَم بالأَخْذ؛ لأنه خلا المسجد منه، فإذا ألقي فيه: فهو كنُخامة ونحوها أُلْقِيَتْ فيه.

وقد قال أصحابنا في اللُّقَطة: تلزم (3) بأخذها، وهذا بخلاف ما لو كان المأخوذ مقصودًا وضعه في المسجد كالحصى أو لم يقصدوا وضعه لكنه أرض المسجد، ولمّا أرسل ابنُ عمر إلى عائشة يسألها عن رواية أبي هريرة في قيراطى الجنازة، أخذ قبضة من حصباء (4) المسجد يقلبها في يده حتى رجع إليه الرسول، فقال: قالت عائشة: صدق أبو هريرة، فضرب ابن عمر بالحصى الذي كان في يده الأرض، ثم قال: لقد فرَّطنا في قراريط كثيرة. رواه مسلم (5).

(1) في "ق""تكون".

(2)

"الجن"[الآية: 18].

(3)

في "ق""يلزم".

(4)

في "ق""حصا".

(5)

مسلم (945).

ص: 375

الخامس والثمانون: ذكر غير واحد من الحنفية: أنه يكره مدّ الرجلين إلى القبلة في النوم وغيره.

قال في "الآداب": وهذا إن أرادوا به مطلقًا كما هو ظاهر. فالكراهة تستدعي دليلًا شرعيًّا، وقد ثبت في الجملة استحبابه أو جوازه- كما في حق الميت.

قال في "المفيد" من كتبهم: ولا يمدّ رجليه يعني في المسجد؛ لأن في ذلك إهانة له (1). ولم أجد أصحابنا ذكروا هذا، ولعل تركه أوْلى. ولعل ما ذكره الحنفية من حكم هاتين المسألتين؛ كراهة الإمام أحمد الاستناد إلى القبلة كما سبق، فإن هاتين المسألتين في معنى ذلك وأولى؛ انتهى كلامه في "الأداب".

السادس والثمانون: قال بعض علمائنا: يُكره السؤال والتصدُّق في المساجد.

قال في "الآداب": ومرادهم- والله أعلم-: التصدق على السؤال لا مطلقًا، وقطع به ابن عقيل وأكثرهم لم يذكر الكراهة.

وقد نصَّ أحمد: أن من سأل قبل خطبة الجمعة ثم جلس لها: تجوز الصدقة عليه، وكذلك إن تصدَّق على مَن لم يسأل أو سأل الخاطب الصدقة لإنسان: جاز.

وروى البيهقي في "المناقب" عن علي بن محمد بن بدر، قال: صليت يوم الجمعة فإذا أحمد بن حنبل (97/ ب) يقرب (2) مني، فقام سائل فسأل،

(1)"م""به".

(2)

في "ق""فقرب".

ص: 376

فأعطاه أحمد قطعة، فلما فرغوا من الصلاة قام رجل إلى ذلك السائل فقال أعطني تلك القطعة؛ فأبى، قال: أعطني وأعطيك درهمًا، فلم يفعل، فما زال يزيده حتى بلغ خمسين درهمًا، فقال: لا أفعل فإني أرجو من بركة هذه القطعة ما ترجوه أنت. وقال أبو مطيع البلخي الحنفي: لا يحلّ للرجل أن يعطي سؤَّال المسجد، قال خلف بن أيوب: لو كنت قاضيًا لم أقبل شهادة من تصدق عليه.

واختار صاحب "المحيط" منهم: أنه إن سأل لأمر لابد منه ولا ضرر فلا باس بذلك وإلا كرها (1).

وقال الشيخ تقي الدين (2) في "الفتاوى المصرية": أصل السؤال محرَّم في المسجد وخارج المسجد إلا لضرورة فإن كان ضرورة وسأل في المسجد ولم يُؤْذِ أحدًا لتخطِّيه رقاب الناس ولا غير تخطِّيه ولم يكذب فيما يرويه (3) ويذكر من حاله، ولم يجهر جهرًا يضر الناس، مثل أن يسأل والخطيب يخطب أو وهم يستمعون علمًا يشغلهم به ونحو ذلك جاز (4).

وقال حرب: قلت لأحمد هؤلاء السؤَّال الذين يسألون يوم الجمعة، فكره ذلك كراهية شديدة.

السابع والثمانون: فرش المصلَّى في المسجد. قال أبو العباس ليس له فرشه.

وقال علماؤنا: ومَن فَرَش مصلّيً ففي جواز رفعه لغيره وجهان. وقيل:

(1) في "ق""كره".

(2)

"تقي الدين" سقطت من "ق".

(3)

في هامش "م""يُريه".

(4)

"جاز" سقطت من "م، س".

ص: 377

إن تخطّى رفعه لا يصلي عليه.

وقدَّم في "الرعاية": يكره جلوسه عليه، وجزم صاحب "المحرر" وغيره بتحريمه.

قال صاحب "الفروع": يتوجَّهُ إن حرم رفعه فله فرشه وإلا كُرِة. فإن أقيمت الصلاة ولم يحضر رفع.

قال في "إعلام الساجد": لو بعث شيئًا يُفرش له حتى إذا جاء جلس عليه وصلى، قال في "الأم" - يعني: الشافعي-: ليس لغيره أن يجلس عليه؛ لأنه مِلْكٌ لغيره.

قال الشيخ أبو حامد: ولكن له أن ينحَّيه ويجلس في ذلك المكان؛ لأن الحرمة للإنسان دون فرشه (1).

الثامن والثمانون: قال أبو العباس في "الفتاوى المصرية": لم يكن النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه يصلُّون على سجادة، لكن صلى على خُمرة وهي شيء يُعمل من الخُوص يتقي به حر (2)(98/ أ) الأرض وأذاها. وكان يصلي على التراب والحصير (3).

وروى مالك: أن بعض العلماء قدِم وفرش في مسجد النبي صلى الله عليه وسلم، فأمر مالك بحبسه، وقال: أما (4) علمت أن هذا في مسجدنا بدعة؟ ! انتهى.

(1) في "ق""فراشه".

(2)

في "م، س""خرص" و"ق" ومختصر الفتاوى المصرية (ص: 63)"حر الأرض".

(3)

في مختصر الفتاوي المصرية (ص: 63)"وكان يصلي على الحصير والتراب" وفي "م، س""على التراب والتراب".

(4)

في "ق""ما".

ص: 378

وذكر غير الشيخ: أن عبد الرحمن بن مهدي دخل مسجد رسول الله وقد أقيمت الصلاة فوضع رداءه بين يديه وصلى مع الناس، فجعل الناس يرمقونه، فلما فرغ أمَر مالك بحبسه، ثم عرف أنه عبد الرحمن بن مهدي فأمَر بإحضاره، وقال له: أما خفتَ الله تعالى شغلت الناس عن الصلاة وأحدثت في مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم ما لم يكن، وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"من أحدث في مسجدنا حدثًا فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين"(1) فبكى عبد الرحمن وحلَف أن لا يضع بعده (2) رداءه بين يديه في مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا في مسجد غيره.

وفي "الفروع": يُكره أن يخص جبهته بما يسجد عليه؛ لأنه (3) شعار الرافضة. ذكره ابن عقيل وغيره.

التاسع والثمانون: ذكر القاضي أبو يعلى في "آدابه": يستحب صلاة القادم. وقاله الشافعية، وأنها تكون في المسجد أول قدومه من السفر. وهذه الصلاة مقصودة للقدوم من السفر لا أنها تحية المسجد، لكن تحصل التحية بها كما لو صلى فريضة.

وفي "الصحيح": أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا قدم من سفر بدأ بالمسجد فصلى

فيه ركعتين (4).

ونقل حرب، عن إسحاق، قال: هو حسن جميل. قال: وإن صليتهما في بيتك حين تدخل بيتك فإن ذلك يستحب.

(1) البخاري (1870)، ومسلم (1366) بلفظ: من أحدث فيها حدثًا .. أي المدينة.

(2)

"بعده" سقطت من "ق".

(3)

في "ق""من شعار".

(4)

البخاري (3088)، ومسلم (716) من حديث كعب بن مالك رضي الله عنه.

ص: 379

التسعون: من قام من موضعه لعذر ثم عاد إليه فهو أحق به، ذكره جماعة وإن كان لغير عذر سقط حقه بقيامه إلا أن يُخلِّف مصلى أو وِطاءً ففيه وجهان. ذكره ابن عقيل وغيره. والأخبار في ذلك مشهورة.

وقال في "الرعاية" في باب إحياء الموات: ومن جلس في مسجد أو جامع لفتوى أو لإقراء الناس فهو أحق به مادام فيه أو غاب لعذر ثم عاد قريبًا. كان جلس فيه لصلاة (98/ ب) فهو أحق به فيها فقط (1). وإن غاب لعذر ثم عاد قريبًا فوجهان. انتهى كلامه.

قال في "الآداب": وهو غريب بعيد.

الحادي والتسعون: يكره اتخاذ غير إمام مكانًا بالمسجد لا يصلي فرضه إلا به، وُيباح ذلك في النَّفْل؛ جمعًا بين الخبرين.

واختار صاحب "الرعاية": يُكره دوامه بموضع منه.

وقال المروذي: كان أحمد لا يوطن الأماكن، ويكره إيطانها؛ فظاهره؛ ولو كانت فاضلة، خلافًا للشافعي ووجه احتمال يعني (2) بموافقة الشافعي وظاهر كلام أحمد أيضًا ولو كان لحاجة كاستماع حديث وتدريس وإفتاء ونحوه، ووجه لا، ذكره بعضهم اتفاقًا؛ لأنه يقصد.

الثاني والتسعون: يستحب لِمَن دخل المسجد أن يصلي ركعتين قبل أن يجلس، ولا يجب وفاقًا خلافا لداود وأصحابه- فيما نقله عنهم ابن بطَّال وتابعه على ذلك جماعة والذي صرح به ابن حزم عدم الوجوب.

(1)"فقط" سقطت من "ق".

(2)

"يعني" سقطت من "ق".

ص: 380

وفي "الصحيحين": "إذا دخل أحدكم المسجد فلا يجلس حتى يركع ركعتين"(1).

الثالث والتسعون: ظاهر ما ذكَروه: يستحب التحية لكل (2) داخل قصد الجلوس أوْ لا: قاله في "الفروع"، ثم قال: ويؤيده ما يأتي في البُداءة بالطواف.

وقال في صفة الحج والعمرة عن "الفصول" و"المستوعب" و"الترغيب" وغيرها: أنه يقدم تحية المسجد على الطواف. انتهى.

فظاهر ما نقله عن ابن عقيل ومن وافقه: أنه يصلي تحية المسجد مع أنه لم يقصد الجلوس.

قلت: يستثنى من ذلك الخطيب يوم الجمعة على ما يأتي؛ اللَّهم إلا أن نقول إن التحية في حقه الخطبة- كما قاله بعض الشافعية، وقد تقدّم في الثامن عشر من الخصائص في "الباب الثامن والأربعين".

الرابع والتسعون: لو دخل المسجد في خطبة الجمعة لم يَمنَع من التحية، خلافًا لأبي حنيفة ومالك.

ولا تجوز الزيادة عليهما؛ وفاقًا، بل يركعهما ويوجز، أطلقه أحمد والأكثر. قال صاحب "المغني" و"التلخيص" و"المحرر": إن لم تفته معه تكبيرة الإحرام. وإن جلس قام فأتى بها، أطلقه علماؤنا. ووجه احتمال سقوطها من عالم ومن جاهل لم يعمل عن قرب. وأطلق الشافعية سقوطها (3)

(1) البخاري (444)، ومسلم (714) من حديث أبي قتادة رضي الله عنه.

(2)

في "ق""لكل راكع داخل".

(3)

في "ق""سقوطهما".

ص: 381

به وحمله بعضهم على العالم. وعند الحنفية: لا تسقط بالجلوس، وإن (98/ أ) العالم يخيّر بين صلاته أولا وعند انصرافه.

الخامس والتسعون (1): لا تستحب التحية للإمام؛ لأنه لم ينقل، ذكره أبو المعالي وغيره.

السادس والتسعون: لو دخل الإنسان المسجد وقت نهي؛ فعن الإمام أحمد رواية يجوز، وفاقًا للشافعية، اختارها ابن عقيل وابن الجوزي والسامري وأبو العباس وغيرهم، وعنه: المنع، اختاره الأكثر، قاله ابن الزاغوني وغيره، وفي "الفروع": هو أشهر، وفاقًا لأبي حنيفة ومالك.

السابع والتسعون: لو تكرر دخوله المسجد، هل تتكرر التحية. ذكروا لو قرأ سجدة فسجد ثم أعادها. كان فيها وجهين. ووجهت هذه المسألة عليها وقيَّدها ابن نصر الله في "حواشيه"؛ بقرب الزمن، ولا شك أنه مراد أحدهما تتكرر لتكرر سببها والثاني لا، دفعًا للحرج والمشقة.

الثامن والتسعون: لو صلى السنَّة وقت دخوله كَفَتهُ عن التحية.

التاسع والتسعون: لو نوى التحية والفرض، قال في "الفروع": ظاهر كلامهم: حصولهما له (2)، وفاقًا للشافعي، وقد ذكر جماعة: لو نوى غُسل الجنابة وغُسْل الجمعة: أجزأ عنهما، وفاقًا لمالك والشافعي؛ لقوله صلى الله عليه وسلم:"وإنما لامرئٍ ما نوى"(3)؛ ولأنه لا تَنافي، كما لو أحرم بصلاة ينوي بها الفرض وتحية المسجد.

(1)"الخامس والتسعون" والفقرة التي بعده سقطت من "ق".

(2)

"له" سقطت من "ق".

(3)

البخاري (1)، ومسلم (1907) من حديث عمر بن الخطاب رضي الله عنه.

ص: 382

وفي "الرعاية": احتمال وجهين: أحدهما: هذا، ولم يبيِّن الثاني.

قال في "الفروع": فيحتمل أن مراده: لا يحصل واحد منهما- كما لو نوى بصلاته الفرض والسنَّة، ويحتمل أن مراده: لا يحصل غسل الجمعة خاصة، لعدم صحته قبل غُسْل الجنابة في وجه؛ لأَن القصد به: حضور الجمعة، والجنابة: تمنعه، والأشهر: تجُزئ نية غُسل الجنابة عن الجمعة- كالفرض عن تحية المسجد، فظاهرٌ؛ حصول ثوابها. وقيل: لا يجزئ للخبر المذكور، وكالفرض عن السنة. انتهى.

المائة: قال حرب في "مسائله": سُئِل أحمد عن الرجل يدخل المسجد ولم يركع ركعتي الفجر وقد أقيمت الصلاة؟ قال: يدخل في الصلاة، يعني: ولا يشرع في سنة الفجر خلافا لأبي حنيفة يركعهما بباب المسجد إن أدرك ركعة، فلو شرع فيها بعد الإقامة؛ ففي الصحة عندنا وجهان.

الأول بعد المائة: (98/ ب) لو (1) دخل المسجد فرأى جماعة تُشرع له التحية قبل السلام أم لا؟

قال في "الفروع" في أول باب صفة الحج والعمرة: نقل حنبل: يرى (2) لمن قدم مكة أن يطوف؛ لأنه صلاة والطواف أفضل من الصلاة، والصلاة (3) بعد ذلك.

وعن ابن عباس: الطواف لأهل العراق، والصلاة لأهل مكة، وكذا عطاء.

وذكره القرافي المالكي وغيره اتفاقًا بخلاف السلام على النبي صلى الله عليه وسلم (4)؛ لتقديم

(1) في "ق""إن".

(2)

في "ق""ترى".

(3)

"والصلاة" سقطت من "ق".

(4)

قوله: "بخلاف السلام على النبي صلى الله عليه وسلم": مكرر في "ق".

ص: 383

حق الله تعالى على حق الأنبياء، وهو ظاهر كلام أصحابنا وغيرهم. انتهى.

قلت: ظاهر هذا تقديم التحية على السلام؛ لأنه قال في دخول مسجد النبي صلى الله عليه وسلم تقديم التحية قبل السلام على النبي صلى الله عليه وسلم. وحرمة النبي صلى الله عليه وسلم بعد مماته كحرمته في حياته؛ وعلَّل: بتقديم (1) حق صلى الله عليه وسلم تعالى على حق الأنبياء، فإذا قدّم حق الله تعالى على الأنبياء، فتقديمه على حق غير الأنبياء من باب أوْلى.

ويؤيده: حديث المسيء في صلاته- كما ثبت في "الصحيحين" أنه (2) دخل المسجد فصلى ثم جاء فسلَّم على النبي صلى الله عليه وسلم، فردّ عليه وأنكر عليه في الصلاة، ولم ينكر عليه تأخير السلام عن الصلاة (3).

الثاني بعد المائة: قال في "الفتاوى المصرية": المسجد المبني على قبر لا يصلَّى فيه فرض ولا نفل، فإن كان المسجد قبل القبر غُيِّر، إما بتسوية القبر أو نبشه إن كان جديدًا، كان كان القبر قَبْلَهُ فإما أن يُزال المسجد وإما أن تُزال سورة القبر. انتهى.

وقال في "الفروع": والمسجد إن حدث بمقبرة كهي وإن حدثت حوله أو في (4) قبلته كرهت كالصلاة (5) إليها. ويتوجه احتمال: يصحُّ حوله. وهو ظاهر كلام جماعة.

وقال الآمدي: لا فرق بين المسجد القديم والحديث.

(1) في "ق""تقديم".

(2)

في "ق""أن رجلًا".

(3)

"البخاري"(757)، ومسلم (397) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.

(4)

"في" سقطت من "ق".

(5)

في "ق""الصلاة".

ص: 384

وقال في "الفصول": إن بُنِىَ فيها مسجد بعد أن انقلبت أرضها بالدفن: لم تجز الصلاة؛ لأنه بني في أرضٍ الظاهر نجاستها كالبقعة النجسة. وإن بني في ساحة طاهرة وجُعلت الساحة مقبرة: جاز؛ لأنه في جوار مقبرة.

الثالث بعد المائة: لا تكره صلاة الجنازة في المسجد خلافًا لأبي حنيفة ومالك في إحدى الروايتين، وقيل: هو أفضل، وقيل: عكسه (99/ أ)، وخيره أحمد.

وقال الآجرّي: السنة أن يصلَّى عليها فيه، وإنه قول الشافعي وأحمد، وإن لم يؤمَن تلويثه: لم يجز، ذكره أبو المعالي وغيره، وأجاب في الخلاف وغيره عن قول المخالف يحتمل انفجاره؛ لأنه نادر، ثم هو عاده بعلامة فمتى ظهرت: كره إدخاله المسجد وإلا فلا، كما تدخل المرأة المسجد وإن جاز أن يطرقها الحيض.

زاد صاحب "المحرر": ثم (1) لو صلى الإمام فيه والجنازة خارجه: كرهت عند المخالف، وللحنفية خلاف فيما ذكره عنهم حتى كرهه بعضهم لكل مصلٍ في المسجد؛ بناء (2) على أن المسجد للمكتوبات إلا لعذر مطر ونحوه، وللحنفية خلاف: هل الكراهة للتحريم أو (3) للتنزيه؟

الرابع بعد المائة: لا تسقط تحية المسجد بصلاة الجنازة فيه وفاقًا.

الخامس بعد المائة: اتخاذ المحراب مباح. نُصَّ عليه ونقله أبو طالب: لا أحب أن يُصلَّى في الطاق. وقد كرهه علي وابن مسعود وابن عمر وأبو ذَرّ.

(1)"ثم" سقطت من "ق".

(2)

في "م، س""بناه" وفي الفروع (2/ 257) ونسخة "ق""بناء".

(3)

في "م، س""أم" والمثبت كما في "ق" والفروع (2/ 257).

ص: 385

وقال الحسن: الطاق في المسجد أحدثه الناس. وكان يكره كل مُحدث.

وعن سالم ابن أبي الجعد: لا تزال هذه الأمة بخير ما لم يتخذوا في (1) مساجدهم مذابح كمذابح النصارى.

وكان ابن عمر أيضًا يكره أن يصلي في مسجد يشرف.

وعن علي: أنه كان إذا مرَّ بمسجد يشرف؛ قال: هذه بيعة.

قال صاحب "الفروع": فهذا من أحمد يتوجه منه كراهة المحراب. واقتصر ابْنِ البنَّاء عليه؛ فدل: على أنه قال به.

وعنه: يستحب، اختاره الآجرِّي وابن عقيل وابن الجوزي وابن تميم؛ ليستدل (2) به الجاهل، وكالمسجد والجامع. وفيهما في آخر (3) "الرعاية": أنهما فرض كفاية.

* وأول مَن اتخذ المحراب: عمر بن العزيز- كما تقدم في باب ذكر مسجد النبي صلى الله عليه وسلم.

السادس بعد المائة: يكره وقوف الإمام في المحراب بلا حاجة، وفاقًا لأبي حنيفة- كضيق المسجد، وعنه: لا؛ كسجوده فيه، وعنه: يستحب.

السابع بعد المائة: يكره تطوع الإمام موضع المكتوبة بلا حاجة، نُصَّ عليه، وفاقًا لأبي حنيفة ومالك، وقيل: تركه أولى لمأموم.

الثامن بعد المائة: يكره للمأموم (99/ ب) الوقوف بين السواري.

قال الإمام أحمد: لأنه يقطع الصف.

(1)"في" سقطت من "ق".

(2)

في "ق""يستدل".

(3)

"آخر"سقطت من "ق".

ص: 386

وكرهه أنس؛ وقال: كنا نتَّقيه على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم (1)، وفي لفظ: كنا نُنْهي عن الصلاة بين السواري ونُطرد عنها، صحَّحه الحاكم في "المستدرك".

قال ابن مسعود: "لا تصفوا بين الأساطين"، وكرهه حذيفة وإبراهيم.

قال القرطبي: إنما كرهت الصلاة يين الأساطين؛ لأنه رُوي في الحديث؛ أنها مصلَّى الجن المؤمنين (2).

وأجازه الجمهور، منهم: الحسن، ومحمد بن سيرين، وكان ابن جبير، وإبراهيم التيمي، وسويد بن غفلة: يؤمون قومهم بين الأساطين، وهو قول أبي حنيفة وقال مالك: لا بأس بذلك، لضيق (3) المسجد.

التاسع بعد المائة: لا يجوز الخروج من مسجد بعد أذان بلا عذر أو (4) نية رجوع.

وكرهه أبو الوفاء وأبو المعالي وفاقًا لأبي حنيفة والشافعي.

ونقل ابن الحكم: أحب أن لا يخرج.

ونقل صالح: لا يخرج. ونقل أبو طالب: لا ينبغي، واحتج يقول أبي هريرة:"أما هذا فقد عصى أبا القاسم"(5) ووجه: يُخرَج لبدعة (6). قال ابن

(1) أبو داود (673) والترمذي (229)، والنسائي (821) قال الترمذي: حديث أنس حديث حسن.

(2)

انظر "فتح الباري"(1/ 760)، "تحفة الأحوذي"(2/ 19).

(3)

في "ق""كضيق".

(4)

في "ق""ونية".

(5)

سلم (655) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.

(6)

في "ق""لبدعته".

ص: 387

عمر: خرج للتثويب (1) في الظُهر أو (2) العصر، وقال: فإن هذه بدعة، رواه أبو داود (3).

وأن تحرم البدعة فوجه - كالخروج من وليمة. ولمن كان صلى: الخروج، وعند الحنفية: إلا بعد الأخذ في الإقامة لظهر وعشاء؛ لأنه يُتهم.

العاشر بعد المائة: لا يركع داخل المسجد التحية قبل فراغ الأذان.

وعنه: لا بأس، واختار صاحب "النظم" غير آذان الجمعة؛ لأن سماع الخطبة أهم، ولعله مراد غيره، قاله صاحب "الفروع".

الحادي عشر بعد المائة (4): السنة لمن دخل المسجد ومعه سهام أن يمسك بنصالها أو رمح أن يمسكه بسنانه؛ لما روى البخاري عن جابر: أن رجلًا مرّ بسهام في المسجد، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم:"أمْسِك بِنِصالها"(5).

وفي "الصحيحين" من حديث أبي موسى (6)، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال:"من مرَّ في شيء من مساجدنا أو أسواقنا بنَبْل فليأخذ على نصالها، لا يعقِر بكفه مسلمًا"(7).

الثاني عشر بعد المائة: قال ابن عقيل في "الفصول": لا تجوز إقامة الحدود في المساجد (8).

(1) في "ق""في التثويب".

(2)

في "ق""والعصر".

(3)

أبو داود (538).

(4)

"بعد المائة" سقطت من "ق".

(5)

البخاري (451)، ومسلم (2614) من حديث جابر رضي الله عنه.

(6)

في "ق""وأسواقنا".

(7)

البخاري (452)، ومسلم (2615) من حديث أبي موسى رضي الله عنه.

(8)

في "ق""إقامة الحد في وجهان".

ص: 388

وقد قال أحمد في رواية ابن منصور: لا تقام الحدود في المساجد. وفي "الفروع" في تحريم إقامة الحد: فيه وجهان (1).

وعن حكيم بن حزام، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"لا تُقام الحدود في المساجد ولا يُستقاد فيها".

رواه أحمد وأبو داود (2) وإسناده ثِقات، وفيه انقطاع.

الثالث عشر بعد المائة: إذا كان المسجد تقام فيه الجمعة: سن (3) اتخاذ المنبر فيه.

قال في "شرح مسلم": اتخاذ المنبر سنَّة مجمع عليها، ويكون عن يمين مستقبلي القبلة، كذا كان منبره عليه السلام.

وسُمِي منبرًا؛ لارتفاعه من النَّبْر: وهو الارتفاع.

الرابع عشر بعد المائة: إذا لم يكن في الجامع الذي تقام فيه الجمعة منبر ولا شيء عالٍ يُصعد عليه ووقف على الأرض، فإنه يقف عن يسار مستقبلي القبلة، قاله أبو المعالي.

الخامس عشر بعد المائة: إذا قلنا بجواز الاستصباح بالدهن النجس على إحدى الروايتين عندنا، وهو الأصحّ من قولَى الشافعي، فينبغي أن يُستثنى من ذلك الاستصباح (4) به في المساجد. وقاله بعض الشافعية.

السادس عشر بعد المائة: فعل الجماعة في المسجد سنَّة؛ وفاقًا

(1)"وفي الفروع .. وجهان" ساقط من "ق".

(2)

أحمد (3/ 434)، وأبو داود (4490) من حديث حكيم بن حزام رضي الله عنه.

(3)

في "ق""يسن".

(4)

"به" سقطت من "ق".

ص: 389

لأبي حنيفة ومالك، وعنه: فرض كفاية؛ وفاقًا لأحد قولَى الشافعي. وعنه: واجبة مع قربه، وقيل: شرط.

قال أبو العباس: ولو لم يُمكنْه إلا بمشيه في ملك غيره: فعل، وإن كان على طريقه منكر كغناء: لم يدع المسجد، وينكره، نقله يعقوب.

السابع عشر بعد المائة: الأفضل لأهل الثغر الاجتماع بمسجد واحد؛ لأنه أبلغ في إرهاب العدو.

الثامن عشر بعد المائة: الأفضل لغيرهم: العتيق، ثم الأكثر جمعًا، وقيل: تقديم الأبعد، وعنه: الأقرب؛ وفاقًا لأبي حنيفة والشافعي- كما لو تعلقت الجماعة بحضوره؛ وفاقًا، وقيل: يقدمان على الأكثر جمعًا. وذكر بعض الحنفية مذهبهم: تقديم الأقرب على العتيق. قالوا ومع التساوي يذهب الفقيه إلى أقلهما جماعة ليكثروا به.

التاسع عشر بعد المائة: تحرم الإمامة بمسجد له إمام راتب إلا بإذنه. (100/ ب) قال الإمام: وليس لهم ذلك.

وقال في الخلاف: فقد كره ذلك في "الكافي" إلا مع غيبته.

قال في "الفروع": والأشهر إلا مع تأخره وضيق الوقت، وُيراسل إن تأخر عن وقته المعتاد مع قربه وعدم المشقة كان بعُد أو لم يُظن حضوره أو ظُنَّ ولا يكره ذلك: صلُّوا وحيث حرم، قال في "الفروع": فظاهره: لا (1) يصح. وفي "الرعاية": لا (2) يؤم، فإن فَعَل: صحّ ويُكره. ويحتمل البُطْلان للنهي.

العشرون بعد المائة: تُكره إعادة الجماعة بمكة والمدينة؛ علَّله أحمد:

(1) في "ق""ولا".

(2)

في "ق""ولا".

ص: 390

بأنه أرغب في توفير الجماعة، وعنه: والأقصى، وعنه: يستحب، اختاره في "المغني"، وعنه: مع ثلاثة فأقل.

الحادي والعشرون بعد المائة: لا تكره إعادة الجماعة في غيرها فيما له إمام راتب كغيره وفاقًا، وقيل: تكره وفاقًا لأبي حنيفة ومالك، ووجه احتمال في غير مساجد الأسواق وفاقًا للشافعي. وقيل: بالمساجد العظام. وقيل: لا يجوز.

الثاني والعشرون بعد المائة: يباح القضاء والحكم في المسجد، نُص عليه، وعند الشافعي في كراهته (1) وجهان: أصحهما: نعم، فإن اتفق جلوسه فيه وحضر خصمان لم يكره أن يحكم بينهما.

وقال مالك: جلوس القاضي في المسجد للقضاء من الأمر القديم المعمول به، وكان شريح وابن أبي ليلى يقضيان في المسجد.

وعن سعيد بن المسيب كراهته.

وقال الروياني في "البحر": لا يكره القضاء في المسجد في حالتين:

أحدهما: لو كان في المسجد معتكفًا أو منتظرًا (2) لصلاة فتحاكم إليه اثنان: لا يكره له (3) الحكم بينهما؛ لأن الحضور في المسجد لم يكن مقصورًا على القضاء فيه.

الثانية: إذا لزمه تغليظ الأيْمان بالمكان.

الثالث والعشرون بعد المائة: يستحب انتظاره الصلاة (4) بعد الصلاة،

(1) في "ق""كراهيته".

(2)

في "ق""منتظر".

(3)

"له" سقطت من "ق".

(4)

في "ق""للصلاة".

ص: 391

ذكره جماعة، منهم: صاحب "المغني" و"المحرر"، وجلوسه بعد فجر وعصر إلى طلوعها وغروبها لا في بقية الأوقات: نُصّ عليه، واقتصر صاحب "المغني" و"المحرر" على الفجر؛ لأنه عليه السلام كان لا يقوم من مصلاه الذي صلى فيه الصبح حتى تطلع الشمس حَسنًا (1)، رواه مسلم (2). (101/ أ)

وإن جلس بمكان فيه: فلا بأس- كقول الأصحاب: لا يجوز الخروج من معتكفه وصرحوا بالمسجد، والأول: أفضل وأوْلى.

وفي "الصحيحين": "فإذا صلى لم تزل الملائكة تصلى عليه ما دام في مصلاه، اللَّهم صلّ عليه، اللَّهم ارحمه، ولا يزال في صلاة ما انتظر الصلاة"(3).

وفي "الصحيح": "لا يزال في الصلاة ما كان في المسجد ينتظر الصلاة؛ ما لم يُحدِث"(4).

الرابع والعشرون بعد المائة: تكره الصلاة في مقصورة تحُمَى، وقيل: أولا إن قطعت الصفوف، كذلك قال الإمام أحمد: أكره الصلاة في المقصورة.

وقال ابن عقيل: إنما كرهها؛ لأنها كانت (5) تختص بالظَّلَمة وأبناء الدنيا؛ فكره الاجتماع بهم. وقيل: كرهها لقصْرها على أتباع السلطان ومنع غيرهم فيصير الموضع كالغصب.

(1)"حسنا" سقطت من "ق".

(2)

مسلم (670) من حديث جابر بن سمرة رضي الله عنه.

(3)

البخاري (647)، ومسلم (661) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.

(4)

مسلم (661) من حديث أبي هريرة.

(5)

"كانت" سقطت من "ق".

ص: 392

* وقال القرطبي في "شرح مسلم": "لا يجوز اتخاذها ولا يُصَلَّى فيها لتفريقها الصفوف في حيلولتها مع التمكن من المشاهدة.

ورُوي أن الحَسَنَ، وبكر المزني؛ كانا لا يصليان فيها؛ لأنها أُحدثت بعد النبي صلى الله عليه وسلم. والمسجد مطلق لجميع الناس.

وذكر في "إعلام الساجد" عن بعض من صنَّف في الأوائل: أن أول من اتخذها معاوية بجامع دمشق.

* وقد ذكر أبو بكر بن الحسين في كتاب "تحقيق النصرة بتلخيص معالم دار الهجرة"، عن ابن النجار أن عثمان رضي الله عنه لما زاد في مسجد الرسول صلى الله عليه وسلم بنى المقصورة بلَبِنٍ، وجعل فيها كوة ينظر الناس إلى الإمام وكان يصلي فيها خوفًا من الذي أصاب عمر رضي الله عنه. وكانت صغيرة.

قيل: واستعمل عليها السَّائب بن خبَّاب كما نقله ابن زبالة وغيره، وكان يرزقه دينارين في كل شهر.

وفي كتاب يحيى: أن عمر بن عبد العزيز جعلها من ساج حين بنى المسجد، قال: وكانت قبله من حجارة.

ويقال: إن أول من جعل المقصورة: مروان بن الحَكَم حين طعنه اليماني، فجعل مقصورة من طين وجعل لها تشبيكًا، هذا نص مالك في "العتبيَّة"، وفي كتاب يحيى: بناها بالحجارة. انتهى كلامه في "تحقيق النصرة".

الخامس والعشرون بعد المائة: اختلف العلماء في السنن الرواتب، (101/ ب) هل فِعْلها في البيت أفضل أو في المسجد؟

ص: 393

فمذهب (1) أحمد والشافعي والنخعي: أن فِعلها في البيت أفضل؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: "أفضل (2) صلاة المرء في بيته إلا المكتوبة"(3).

وحكى عياض عن قوم: أن فِعلها في المسجد أجمع للخاطر، وحكى عياض أيضًا عن مالك والثوري: أن النهار: المسجد أفضل، والبيت: الليل أفضل، وعن أحمد: الفجر، والمغرب زاد في "المغني": والعشاء في بيته. وهذا موافق لمذهب مالك، وعنه: التسوية.

وفي "آداب عيون المسائل": صلاة النافلة في البيوت أفضل منها في المساجد إلا الرواتب.

قال عبد الله لأبيه: إن محمد بن عبد الرحمن قال في "سننه": المغرب لا يجزئه إلا ببيته؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال هي من صلاة البيوت (4). قال: ما أحسن ما قال.

السادس والعشرون بعد المائة: قال بعض الشافعية: يجوز نبش قبور المشركين، وبناء المسجد موضعها؛ لما في "الصحيحين" من حديث أنس: أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بقبور المشركين فنبشت (5) عند بناء المسجد، فقيل (6): لأنها لا حرمة لها؛ لأنهم ليسوا أهل كتاب، وقيل: لأنها دثرت ولم يظهر لها أثر، والحاجة داعية إلى الانتفاع بأماكنها، وكرهه مالك.

(1) في "ق""فذهب".

(2)

في "ق""أفضل الصلاة صلاة".

(3)

"البخاري"(731)، ومسلم (781) من حديث زيد بن ثابت رضي الله عنه.

(4)

رواه ابن ماجه (1156).

(5)

البخاري (428)، ومسلم (524) من حديث أنس رضي الله عنه.

(6)

"فقيل" سقطت من "ق".

ص: 394

وذكر في "الفروع" عن بعضهم: إنْ غلب المسلمون على أرض الحرب، لم تُنبش قبورهم، نُصَّ عليه.

ونقل المزوزي؛ فيمن أوصى ببناء داره مسجدًا (1) فخرجت مقبرة فإن كانوا مسلمين لم يُخرجوا وإلا أخرجت عظامهم.

السابع والعشرون بعد المائة: هل يجوز فتح باب أو خوخة أو كوَّة في المسجد؟

بوَّب البخاري على فتح الخوخة والممرّ في المسجد، وأدخل فيه حديث أبي سعيد: أنه صلى الله عليه وسلم خطب، وقال:"لا يبقينّ في المسجد باب إلا سدّ إلا باب أبي بكر"(2).

قال بعض علمائنا: يجوز الفتح لِمَن حاله كحال أبي بكر رضي الله عنه، كالإمام لأجل مصالح المسلمين.

وقال في "إعلام الساجد" للشافعية: يجوز فتح الخوخة والممر (3) في المسجد.

الثامن والعشرون بعد المائة: قال بعض الشافعية يجوز بناء المطاهر بالقرب من المساجد والتوضئ منها، وفي كتاب "الطهور" لأبي عيد (102/ أ)، عن إبراهيم النخعي، قال: كانوا يتطهرون من مطاهر المساجد.

ورُوي فِعْل ذلك عن علي وأبي (4) هريرة رضي الله عنهما (5).

(1) في "ق""مسجد".

(2)

"البخاري"(3654).

(3)

و "الممر" سقطت من "ق".

(4)

في "ق""روى أبو هريرة".

(5)

الطهور لابن عبيد (ص: 304، 305).

ص: 395

قلت: قد تقدَّم في "السابع والأربعين": أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "واتخذوا على أبوابها المطاهر"(1).

التاسع والعشرون بعد المائة: قال أبو العباس: إذا قال واحد أو جماعة: قد جعلنا هذا المكان مسجدًا أو وقفًا صار مسجدًا أو وقفًا بذلك؛ وإن لم تكمل عمارته.

الثلاثون بعد المائة: قال ابن عقيل: فإن تغلَّب متغلَّب على مسجد ومنع دخول (2) الناس إليه؛ نظرتَ فإن أزال الآلة (3) الدالة على كونه مسجدًا أو ادعاه (4) ملكًا، كان كسائر الغصوب في صحة الصلاة: فيه روايتان، فإن منع الناس عنه وانفرد به دونهم من غير تخريب لم يصح غصبه حكمًا؛ بمعنى: أنه لو تلف المسجد في مدة منعه لم يلزمه ضمانه كالحر إذا غصبه غاصب، فيحتمل أنه إذا لم يصح غصبه أن تصح الصلاة فيه، ويحتمل أن لا يصح، ولأنه تغلَّب على أرض لا يملكها على سبيل التعدي أشْبه إذا تغلَّب على أملاك الناس، ولأنه ليس إذا لم يملك لم يمنع صحة الصلاة غصبه، كما لو غصب ستارة الكعبة وصلى فيها مستترًا بها انتهى.

فقد اعتبر المسألة بغصب (5) الحر، وفيه خلاف، وفي ضمانه بالغصب. ويؤخذ منه: أنه إن اتخذه مسكنًا أو مخزنًا، ونحو ذلك: أنه يضمن أجرته- كما تقول في الحر إذا استعمله كُرهًا.

(1) تقدم.

(2)

"دخول" سقطت من "ق".

(3)

في "ق""الأدلة".

(4)

في "ق""أعاده".

(5)

في "ق""في عصب".

ص: 396

وذكر ابن منجا في "شرح الهداية" أنه لو غصبه واتخذه مسكنًا وانهدم لا ضمان عليه كالحر.

واختار الشيخ تقي الدين (1) في "شرح العمدة": القول بعدم صحة صلاته.

قالوا: وأما قول ابن عقيل إن المسجد لو تلف في مدة منعه لم يلزمه ضمانه؛ فليس الأمر كذلك، بل المسجد عقار من العقار يُضمن بالغصب، وهو المشهور في المذهب (2). ومَن لم يضمنه بالغصب: لم يفرق بين المسجد وغيره، ولا خلاف أنه متقوَّم بقيم الأموال بخلاف الحر؛ لأنه ليس بمال. نعم؛ يشبه العبدُ الموقوف على خدمة الكعبة، فإنه ليس له مالك مُعَيَّن، ومع هذا؛ فهو مضمون بالغصب بلا تردد. انتهى.

* وقال الغزالى في "فتاويه": (102/ ب) إذا طرح في مسجد غلة أو غيرها: لزمه أجرة البقعة، فإن أغلق باب المسجد: لزمه أجرة جميع المسجد، كما لو طرح ذلك في بيت أو دهليز وأغلق الباب، فإنه يلزمه أجرة جميع الدار- كما يضمن أجزاء المسجد بالإتلاف. يضمن منفعته بالإتلاف (3) كمنفعة (4) الأملاك.

قال النَّووي: وهذا صحيح معتبر.

وفي "الفروع": ولا يضمنه بمنعه، كجزء.

(1)"تقي الدين" سقطت من "ق".

(2)

في "م""بالمذهب".

(3)

في "ق""بإتلاف".

(4)

"كمنفعة" سقطت من "ق".

ص: 397

وقال شيخنا: قياس المذهب يضمنه.

الحادي والثلاثون بعد المائة: إذا غصب مالًا وبنى به رباطًا ومسجدًا أو قنطرة، فهل ينفعه أو يكون الثواب للمغصوب منه؟

قال ابن عقيل: لا ثواب على ذلك لواحد منهما، أما الغاصب؛ فعليه العقوبة وجميع تصرفاته في مال الغير آثام متكررة.

وأما صاحب المال؛ فلا وجه لثوابه؛ لأن ذلك البناء لم يكن له (1) فيه نية ولا حِسبة وما لم يكن للمكلف فيه حسبة ولا نية: فلا يثاب عليه، وإنما يطالب غاصبه يوم القيامة فيأخذ من حسناته بقدر ماله.

قال العلامة ابن القيم: قُلت: في هذا نظر؛ لأن النفع الحاصل للناس متولِّد من مال هذا، وعمل هذا، والغاصب وإن عُوقب على ظلمه وتعديه واقتص المظلوم من حسناته، فما تولّد من نفع الناس بعمله له (2)، وغصب المال عليه، وهو لو غصبه وفسق به لعوقب عقوبتين، فإذا غصبه وتصدق به أو بنى به رباطًا أو مسجدًا أو افتكَّ به أسيرًا فقد عمل خيرًا وشرًا {فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ (7) وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ} (3).

وأما ثواب صاحب المال؛ فإنه وإن لم يقصد ذلك: فهو متولد من مال اكتسبه، فقد يتولّد من كسبه خير ولم يقصده، فيشبه ما يحصل له من الخير بولده البرِّ كان لم يقصد ذلك الخير، وأيضًا؛ فإن أَخْذَ مالِهِ مصيبة فإذا أنفق في خير فقد تولد له (4) من المصيبة خير، والمصائب إذا ولَّدت خيرًا.

(1)"له" سقطت من "ق".

(2)

"له" سقطت من "ق".

(3)

ما بين المعقوفتين سورة الزلزلة آية (7، 8) سقطت من "ق".

(4)

"له" سقطت من "ق".

ص: 398

[لم يعدم صاحبها ثوابًا، وكما أن الأعمال إذا ولدت خيرًا](1) أُثيب عليه (2) كان لم يقصده. والله تعالى أعلم.

الثاني والثلاثون بعد المائة: قال بعض الشافعية يُكْره سلُّ السيف في المسجد.

قال عطاء: نهُي عن سل السيف في المسجد، وفيه آثار رواها (103/ أ) ابن أبي شيبة في "مصنفه".

قال في "المستوعب": ويجتنب المساجد الأطفال والمجانين وإقامة الحدود وسل السيوف وإنشاد الضَّوالّ.

وقد تقدم حديث واثلة: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: جنِّبوا مساجدكم (3) صبيانكم

إلى أن قال: "

وسل سيوفكم رواه ابن ماجه بإسناد ضعيف (4).

قال بعضهم: وأما إقراره صلى الله عليه وسلم الحبشة على لعبهم بالحراب والسيوف في المسجد يوم العيد (5) فهو مخصوص بما أقره صلى الله عليه وسلم من جهة التدريب على الحرب والتمرين فيه والتنشيط عليه، فهو من باب المندوب، ويلحق به ما في معناه من الأسباب المعِينة على الجهاد وأنواع البِر.

الثالث والثلاثون (6) بعد المائة: يُسْتَحبّ البكور إلى الجمعة؛ فإن النبي

(1) ما بين المعقوفتين سقطت من "ق".

(2)

في "ق""عليها".

(3)

"مساجدكم" سقطت من "ق".

(4)

ابن ماجه (750) من حديث واثلة بن الأسقع.

(5)

البخاري (454).

(6)

في "ق""الثمانون بدل الثلاثون" وهو خطأ.

ص: 399

- صلى الله عليه وسلم قد حث على البكور، ومازال الناس فيما سلف يبكِّرون إلى الجامع رغبة في جزيل الأجر.

قال الغزالي في "الإحياء": قيل: أول بدعة أحدثت (1) في الإسلام ترك البكور إلى الجامع يوم الجمعة، كان الناس في القرن الأول كانوا يمشون سَحَرًا والطرقات مملوءة بالناس وبالسرج كأيام الأعياد.

قال ابن الجوزي: ولقد رأيت بخط شيخنا أبي الحسن بن الزاغوني- رحمه الله تعالى- في كتاب ألَّفه سمَّاه "إرشاد الهداية" في باب آداب الجمعة: أخبرنا غير واحد أنه كان يرى بكور الناس إلى الجوامع بالسُّرُج والشمع، حتى أخبر مخبر أنه صلّى في بعض الجوامع الفجر فأحصى للمبكّرين أكثر من مائتي شمعة.

واختلف العلماء في قول النبي صلى الله عليه وسلم: "مَن راح في الساعة الأولى"(2):

فقيل: المُراد به من أول النهار، والساعات محسوبة من ذلك. وهذا مذهب الشافعي، وأحمد.

وقيل: إنها أجزاء (3) من الساعة السادسة بعد الزوال، وهو مذهب مالك، وحجته: أن الرواح لا يكون إلّا بعد الزوال؛ لأنه مقابل للغدو. وأنكر مالك التبكير إليها أول النهار، وقال: لم ندرك عليه أهل المدينة.

قال الإمام أحمد: التبكير مستحب؛ ولو كان مشتغلًا بالصلاة في منزله، ويكون بعد طلوع الفجر وفاقًا للشافعي.

وقيل: بعد صلاته لا بعد طلوع الشمس خلافًا لأبي حنيفة ولا بعد

(1) في "ق""حدثت".

(2)

البخاري (881)، ومسلم (850) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.

(3)

في "ق""آخر" و"م، س""آخرًا".

ص: 400

الزوال خلافًا لمالك.

وذكر أبو المعالي من علمائنا: أن تبكير الإمام لا يستحب.

الرابع (103/أ) والثلاثون بعد المائة: يكره تخطي أحد، وحرَّمه في "النصيحة" و"المنتخب" وأبو المعالي وأبو العباس ابن تَيْميَة.

الخامس والثلاثون بعد المائة: إذا رأى فُرجة فإن وصلها بدون التخطي كُرِهَ وإلَّا فلا. وعنه: لا مطلقًا. وعنه: عكسه. وعنه: ثلاثة صفوف، وعنه: بل أكثر. وقيل: إن كانت أمامه لم يُكره. وجزم أبو الخطاب وغيره وأبو المعالي: أنه لا يكره للإمام وغيره للحاجة.

السادس والثلاثون بعد المائة: يحرم وِفاقًا للأئمة الثلاثة، وفي "الرعاية": يُكْره أن يُقيم غيره فيجلس مكانه، ولو كان الغير ولده أو عبده أو عادته يصلي فيه حتى المعلم ونحوه؛ خلافًا للشافعي؛ لأن عنده إذا حضر لم يكن لغيره جلوسه فيه.

وقال (1) علماؤنا: إلا من جلس بمكانه يحفظه لغيره بإذنه أو دونه.

قيل: لأنه يقوم باختياره، وقيل: لأنه جلس يحفظه. ولا يحصل ذلك إلا بإقامته، ولم يذكر جماعة، أو دونه.

قال أبو المعالي: فإن جلس في مصلى الإمام أو طريق المارَّة أو (2) استقبل المصلين في مكان ضيق أقيم، ذَكَرَهُ في "الفروع".

وذكر في "إعلام الساجد"، عن الشافعي، قال: يكره للرجل أن يقيم الرجل عن مجلسه ويجلس هو مكانه إمامًا كان أو مأمومًا، في يوم الجمعة أو

(1)"وقال" سقطت من "م" وفي "س""قال".

(2)

في "م، س""لو".

ص: 401

غيره. فإن اختار صاحب المكان أن يقوم منه وُيجْلِس غيره فيه.

[لم يكن له، وإن تباعد عن ذلك كره له، قال: ولو نصب رجل صاحبًا له فجلس في مكان حتى إذا جاء قام هو وجلس فيه](1): لم يكُره له ولا يكره لهذا الجالس أن يتحول عنه أيضًا.

السابع والثلاثون بعد المائة: إذا آثر بمكانه الأفضل أو سبق إليه آخر، فقيل: يكره، وقيل: يباح.

وفي "الفصول": لا يجوز الإيثار، وقيل: يجوز إن آثر أفضل منه، وفي "الفنون": فإن آثر ذا هيئة بعلم أو دين: جاز، وليس إيثارًا حقيقة بل اتباعًا للسنَّة؛ لقوله عليه السلام:"لِيَليَنِي منكم أولو الأحلام والنهى"(2)، ولا يُكره القبول، وقيل: بَلَى.

الثامن والثلاثون بعد المائة: ظاهر كلام أحمد كراهة الصلاة في المساجد المشْرفة، وقاله النَّووي في "الروضة" قِبَل باب السجدات؛ لأنها تشغل المصلِّين. روى البيهقي، عن أنَس (104/ أ) مرفوعًا:"ابنوا المساجد واتخذوها جُما"(3) بضم الجيم وتشديد الميم.

قال أبو عبيد: الجمَّة التي لا شُرَف له.

وعن ابن عمر رضي الله عنهما: "نهانا (4) أو نهينا أن نصلي في مسجد بشُرف"(5).

(1) ما بين المعقوفتين سقط من "ق" انظر إعلام الساجد (ص: 403).

(2)

مسلم (432) من حديث ابن مسعود رضي الله عنه.

(3)

البيهقي (2/ 439).

(4)

في "ق""نهانا رسول الله صلى الله عليه وسلم".

(5)

البيهقي (2/ 439).

ص: 402

والشُّرَف: بضم الشين وفتح الراء جمع شرفة كغرفة وغرف (1).

وكلام الإمام أحمد تقدم في "الرابع بعد المائة" في الكلام على المحراب لما نقل أثر ابن عمر وعلي رضي الله عنهما.

التاسع والثلاثون بعد المائة: إذا رأى الإمام أو مَن وراءَه في بعض الصلاة في المسجد: صحّ أن يأتمَّ به.

الأربعون بعد المائة: إذا لم يَر الإمام [ولا من وراءه صح أن يأتم به إذا سمع التكبير وهو والإمام](2) في المسجد وفاقًا لمالك والشافعي، وعنه: لا، وعنه: تصحُّ في النفل، وعنه: والفرض مطلقًا وفاقًا لأبي حنيفة، كظلمة وضرر. وعنه: لا يضر المنبر، وعنه: لجمعة ونحوها.

الحادي والأربعون بعد المائة (3): يكره على الأصح علو الإمام كثيرًا وفاقًا لأبي حنيفة ومالك؛ لأن فعله في خبر سهل (4): يدل على أن النهي ليس للتحريم.

وعنه: إن لم يرد التعليم وفاقًا للشافعي، وقيل: إن فعله لم تصح صلاته وفاقًا لمالك، وإن ساواه (5) بعضهم: صحت (6) صلاته وصلاتهم على الأصح وفاقًا لمالك، زاد بعضهم: بلا كراهة وفاقًا لأبي حنيفة. وفي النازلين إذن الخلاف، والكثير ذراع عند القاضي؛ وقدَّره أبو المعالي بقامة المأموم

(1) في "ق""كغرف وغرفة".

(2)

ما بين المعقوفتين سقط من "ق".

(3)

"بعد المائة" سقط من "م، س".

(4)

البخاري (377) من حديث سهل بن سعد رضي الله عنه.

(5)

في "ق""ساوى".

(6)

"صحت" سقطت من "ق".

ص: 403

لحاجته إلى رفع رأسه.

الثاني والأربعون بعد المائة: لا بأس بعلوّ المأموم، نُصَّ عليه خلافًا للشافعي. ولا يعيد الجمعة مصلِّيها فوق المسجد خلافًا لمالك.

الثالث والأربعون بعد المائة: لو غصب أرضًا فبناها مسجدًا: لم تصح الصلاة فيه، وعنه: تصح مع التحريم، وعنه: تكره، وعنه: إن علم النهي بطلت، وإن جهله أو علمه وتعذر تحوله عنه: لم تبطل، وقيل: إن خاف فوت الوقت: صحت.

ونقل جعفر في مسجدٍ محرابه غصب قدم ما يقوم الإمام فيه صلاة الإمام فاسدة، وإذا فسدت صلاته (1): فسدت صلاة المأمومين.

الرابع والأربعون بعد المائة: قال الإِمام أحمد (2): يُخْرِج من المسجد المعبر دون (3) القصَّاص.

وقال: يعجبني القاص إذا كان صدِّيقًا ما أحوج الناس إليه. وقال في رواية ابن هانئ: ما أنفعهم للعامة وإن كان عامة حديثهم كذبًا.

الخامس والأربعون بعد المائة: يمين الإمام أفضل من يساره؛ لقول النبي (104/ ب) صلى الله عليه وسلم: "إن الله وملائكته يصلُّون على ميامن الصفوف".

رواه أبو داود وابن ماجه (4).

وكلما قرب منه: أفضل مما بَعُد؛ لكن لو قرُب واحد عن يساره وبعُد

(1)"صلاته" سقطت من "ق".

(2)

"أحمد" سقطت من "ق".

(3)

"المعبر دون" سقط من "ق".

(4)

أبو داود (676) وابن ماجه (1005) من حديث عائشة رضي الله عنها.

ص: 404

واحد عن يمينه، فهل نقول: الأيسر أفضل؛ لقرْبه (1) أم الأيمن؛ لفضيلة اليمين، أم سواء؛ لأن كل واحد امتاز بشيء؟ ! ظاهر كلامهم في قولهم: وكلما قرب منه أفضل: أن الأقرب أفضل، ولو كان في ناحية اليسار.

وقال في "الفروع": ويتوجه احتمال أن بعد يمينه (2) ليس أفضل من قرب يساره؛ ولعل (3) مرادهم: فعلى هذا يكون سواءً.

وظاهر ما حكاه أحمد، عن عبد الرزاق: أن نُقْرة الإمام أفضل.

وفي وصية ابن الجوزي لولده: "اقصد وراء الإمام".

وفي كتابه "النور": وأفضل (4) الصف الأول؛ أن يكون مقابلًا للإمام، فإن لم يكن، ففي جنبه الأيمن.

السادس والأربعون بعد المائة: "خير صفوف الرجال أولها وشرها آخرها. وخير صفوف النساء آخرها وشرها أولها"ـ (5). هكذا صح عن النبي صلى الله عليه وسلم.

السابع والأربعون بعد المائة: الصف الأول هو ما يقطعه المنبر ويلي الإمام وفاقًا للأئمة الثلاثة.

وقالت طائفة من العلماء: الصف الأول هو المتصل من طرف المسجد إلى طرفه ولا يتخلله منبر ولا مقصورة ولا شيء. وهو من رواية أحمد.

(1) في "ق""لقربه له".

(2)

في "ق""عن يمينه".

(3)

في "ق""لعله".

(4)

في "ق""أفضل".

(5)

مسلم (440) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.

ص: 405

وقاله (1) في "الإحياء": وإن تأخر عن الإمام.

وقال بعضهم: الصف الأول عبارة عن مجيء الإنسان إلى المسجد أولًا، وإن صلى في صف متأخر، ذكره في "شرح مسلم"؛ وغلَّطه هو والقول الذي قبله.

الثامن والأربعون بعد المائة: إذا قدِر على الصلاة في الصف الأول وتركه فهل يكره ذلك؟ في المسألة وجهان. وظاهر الأحاديث: الكراهة.

التاسع والأربعون بعد المائة: للأفضل تأخير المفضول والصلاة مكانه. ذكره بعضهم؛ لأن أُبيًّا نحَّى قيس بن عبادة وقام مكانه، فلما صلى، قال:"يا بنىّ لا يسؤك، فإني لم آتك (2) التي أتيت بجهالة، ولكن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لنا: كونوا في الصف الذي يليني، وإني نظرت في وجوه القوم فعرفتهم غيرك" رواه أحمد بإسناد جيد، والنَّسائي (3).

وهذا (105/ أ) لا يدل على أنه ينحيه (4) من مكانه، فهو رأي صحابي مع أنه في الصحابة مع التابعين.

فظاهر كلامهم في الإيثار بمكانه وفيمن سبق إلى مكان ليس له ذلك. وصرَّح به غير واحدٍ.

قلت: ولعل هذا أوْلى.

الخمسون بعد المائة: لو صفّ صفٌّ عن جانبي الإمام وصفّ صفٌ

(1) في "ق""وقال".

(2)

في "ق""آت".

(3)

أحمد (5/ 140)، والنسائي (808).

(4)

في "ق""لا ينجيه".

ص: 406

خلفه؛ فهل الصف الذي عن جانبيه الأول أم الذي خلفه (1)؟

قال ابن نصر الله في "حواشيه على الفروع": الذي خلْفه هو الصف الأول، وهو ظاهر.

الحادي والخمسون بعد المائة: لا يجوز إخراج بُسُطِ المسجد وحُصُره لعرس ولا لمن ينتظر جنازة ولا لغير ذلك، وعنه: جوازه لمن ينتظر جنازة.

الثاني والخمسون بعد المائة: التيمُّم بالتراب المغصوب كالماء. وظاهر كلامهم: ولو تراب مسجد، وفاقًا للشافعي، وذكر بعض الشافعية في جوازه وجهين.

قال في "الفروع": ولعل هذا الظاهر غير مراد؛ فإنه لا يكره بتراب زمزم مع أنه مسجد.

وقالوا: يكره إخراج حصى المسجد وترابه للتبرُّك وغيره، والكراهة لا تمنع الصحة وأنه لو تيمَّم بتراب الغير جاز في ظاهر كلامهم للإذن فيه عادة وعرفًا- كالصلاة في أرضه، وقد يتوجه: أن تراب الغير يأذن فيه مالكه عادة وعرفًا بخلاف تراب المسجد.

وقد قال الخلَّال في "الأدب": التوقي أنه لا يترَّب الكتاب إلَّا من المباحات.

ثم روى المروذي: أن أبا عبد الله كان يجيء معه بشيء ولا يأخذ من تراب المسجد.

الثالث (2) والخمسون بعد المائة: إذا استناب إمام المسجد من يصلي عنه

(1) في "ق""الذي خلفه هو الصف الأول"؟

(2)

في "م""الثاني" وهو خطأ.

ص: 407

لغير عذر، فأفتى النَّووي أنه لا يستحق شيئًا من الجامكية (1)؛ لا هو ولا النائب، ثم إن جعل للنائب جُعلًا استحقه وإلا فلا، وكذا أفتى ابن عبد السلام، وقال: إن أذن له الناظر في الاستنابة: جاز واستحق النائب المشروط للإمام دونه، وليس هو نائبًا عنه، بل هو وكيل في هذه التولية. فإن تواطئوا على أن يأخذ الوكيل بعضًا والقائم بالإمامة بعضًا: لم يجز. وفي صحة التولية في هذه الصورة نظر؛ مبني على: أن المعلوم كالمشروط ولو شرط ذلك في التولية بطلت ولم يستحق القائم بالإمامة شيئًا؛ لبطلان التولية، فإن لم يجز شرط (105/ ب) ولا تواطؤ فتبرع الإمام على الوكيل فلا بأس به.

وخالفهما الشيخ تقي الدين السبكي وغيره؛ فأفتوا بجواز الاستنابة.

وقال الشيخ تقي الدين ابن تيمية: النيابة في مثل هذه الأعمال المشروطة جائزة ولو عيَّنه الواقف إذا كان مثل المستنيب له في صفاته ولم يكن في ذلك مفسدة راجحة - كالأعمال المشروطة في الإجارة على عمل في الذمة.

وقال أيضًا فيمن زوّر ولايته لنفسه بإمامة وباشر: إن له أجر مِثْلٍ وأطلق، كمن ولايته فاسدة بغير كذبه إلَّا ما يستحقه عَدْلٌ بولاية شرعية. انتهى.

فإذا كان قد جعل له أجر مثله مع الولاية الفاسدة؛ فمع الاستنابة من باب أوْلى أن يستحق، لكن هل يستحق أجرة (2) مثله أو المشروط، كل هذا محل نظر، ولو قيل: إن (3) ظاهر كلام الشيخ تقي الدين إنه يستحق الكل لما كان بعيدًا؛ لقوله: ومَن أكل المال بالباطل قوم لهم جهات معلومها كثير يأخذونه

(1) الجامكية: راتب الموظف.

(2)

في "ق""أجر".

(3)

في "ق""إنه".

ص: 408

ويستنيبون فيها حتى يسيروا (1)، والله تعالى أعلم.

الرابع والخمسون بعد المائة: لو وُقِف على من يصلي الصلوات الخمس في هذا المسجد أو على من يشتغل بالعلم في هذه المدرسة أو يقرأ كذا كل (2) يوم في هذه التربة فأخلّ الإمام والمشتغل (3) والقارئ بهذه الوظائف في بعض الأيام، فأفتى الشيخ عز الدين بن عبد السلام: أنه لم (4) يستحق شيئًا من الغلة في مقابلة الأيام التي أدى فيها الوظيفة بخلاف ما لو استأجره لخياطة خمسة أثواب فخاط بعضها فإنه يستحق حصة ما خاطه من الأجرة.

والفرق: أننا نتبع في الأعواض والعقود: المعاني، وفي الشروط والوصايا: بالألفاظ، والوقف في باب الأرصاد الأرزاق (5) لا من باب المعاوضات، فمن أخلَّ بشيء من الشروط: لم يستحق شيئًا. انتهى.

* قال الزركشي الشافعي: وفيه نظر؛ بل ينبغي أن يقال: يستحق قدر ما عمل، وعليه عمل الناس، ويدل له قول الأصحاب: أن من استؤجر للنيابة في الحج فمات وقد بقي عليه بعض الأركان أنه يوزَّع على العمل والسير، وهو واضح. انتهى.

وأما عندنا؛ فإنهم قالوا: ما تأخذه (6)(106/ أ) الفقراء هل هو كإجارة أو جُعالة، وأنه يستحق بقدر عمله؛ لأنه موجب العقد عرفًا أو كرزق من بيت

(1) في "ق""بيسير".

(2)

في "ق""في كل".

(3)

في "ق""أو المشتغل".

(4)

في "ق""لا".

(5)

في "ق""الإرزات" وفي "م""الارزاة" وفي إعلام الساجد (ص: 339)"الأرزاق" وكذا "ع".

(6)

في "ق""يأخذه".

ص: 409

المال؟ أقوال: الأخير: اختاره القاضي في خلافه وأبو العباس؛ فعلى الأخير؛ الذي يظهر: أنه يأخذ الجميع؛ لأنه أعانه على العلم، وعلى الثاني: صرَّحوا بأنه يستحق بقدر عمله، وعلى الأول: إن أجرينا فيه أحكام الإجارة لا يستحق شيئًا، وأما عند الشيخ تقي الدين ابن تيمية؛ فإن الشرط إذا أفضى إلى ترك ما هو أفضل منه لا عبرة به، فإنه أفتى به: فيمن بني مدرسة في القدس وشرط عليهم الصلوات (1) الخمس فيها، الأفضل لأهلها أن يصلُّوا الصلوات الخمس في الأقصى ولا يقف استحقاقهم الصلاةُ في المدرسة. ووافقه ابن عبد السلام من الشافعية وغيره، بل عند الشيخ تقي الدين أن الأماكن لا تتعين لعبادة من العبادات دائمًا إلا إذا عيَّنها الشارع.

الخامس والخمسون بعد المائة: لباس الخطيب السواد؛ قال علماؤنا: يسنُّ له لِبس أفضل ثيابه: البياض. وقالوا عن لِبس السواد: في الجملة يُباح -كعمامة: نُصَّ عليه، وثوب، وقُباء، وعنه: يكره للجند، وقيل: في غير حرب، وقيل: وإلَّا المصاب (2).

ونقل المروذي بحرقة الوصي ولم يرد أحمد سلام لابسه.

وقال الغزالي: كره جماعة لبس السواد؛ لأنه بدعة حدث بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم، وليس بمكروه؛ لكنه ليس بمحبوب إذْ أحبُّ الثياب إلى الله تعالى البياض.

السادس والخمسون بعد المائة: الدُعاء للسلطان في الخطبة؛ قال علماؤنا: يجوز الدعاء لمعين، وقيل يستحب للسلطان، ويستحب الدعاء

(1) في "م""الصلاة".

(2)

في "ق""لمصاب".

ص: 410

له (1) في الجملة.

قال الإِمام أحمد وغيره: لو كان لنا دعوة مستجابة لدعونا بها لإمام عادل؛ لأن في صلاحه صلاح المسلمين.

وقال الشيخ أبو إسحاق من الشافعية: لا يستحب. سئل عنه عطاء، وقال (2): محدث، وإنما كانت الخطبة تذكيرًا.

وقال القاضي الفارقي: يكره تركه الآن لما في تركه من الضرر بعقوبة السلطان.

السابع والخمسون بعد المائة: قال (106/ ب) بعض الشافعية: يجوز التشبيك بين الأصابع في المسجد؛ لأن في حديث ذي اليدين الذي في "الصحيحين": أن النبي صلى الله عليه وسلم شبك بين أصابعه (3)، وحكاه ابن أبي شيبة عن ابن عمر وغيرهم (4). وحُكِىَ كراهته عن إبراهيم النخعي وكعب وعن النعمان بن عياش. قال: كانوا ينهون عن تشبيك الأصابع، يعني: في الصلاة.

وأما علماؤنا؛ فقالوا يكره التشبيك في الصلاة، ولا شك أن الذي في المسجد ينتظر الصلاة: في صلاة.

قال ابن حمدان في "الرعاية": ولا يشبك أصابعه فيه، يعني: في المسجد، على خلاف صفة ما شبكها النبي صلى الله عليه وسلم.

وقد روى الإمام أحمد في "مسنده"، وابن أبي شيبَة في "مصنَّفه" عن

(1) في "ق""له الدعاء".

(2)

في "ق""فقال".

(3)

البخاري (482)، ومسلم (573) وليس فيه التشبيك من حديث أبي هريرة.

(4)

المصنف لابن أبي شيبة (1/ 420).

ص: 411

أبي سعيد: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إذا كان أحدكم في المسجد فلا يشبكن فإن التشبيك من الشيطان، وإن أحدكم لا يزال في صلاة ما دام في المسجد حتى يخرج منه"(1).

وعن كعب بن عجرة قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "إذا توضأ أحدكم ثم خرج عامدًا إلى الصلاة فلا يشبكن بين يديه فإنه في صلاة"، رواه أحمد وأبو داود والترمذي (2).

* وقد قسَّم بعض العلماء التشبيك إلى أربعة أقسام:

أحدها: إذا كان الإنسان في الصلاة فلا شك في كراهته.

ثانيها: إذا كان في المسجد ينتظر الصلاة أو وهو عامد إلى المسجد يريدها بعدما تطهر، فالظاهر كراهته.

ثالثها: أن يكون في المسجد بعد فراغه من الصلاة وليس يريد صلاة أخرى ولا ينتظرها فلا يكره؛ لحديث ذي اليدين.

رابعها: في غير المسجد، يعفى وغير ما تقدم فهو أوْلى بالإباحة وعدم الكراهة.

الثامن والخمسون بعد المائة: بول الخشاف (3) في المسجد.

قال أبو طالب أحمد بن حميد المشكاتي: سألت أحمد بن حنبل عن الخشاف يكون في المسجد فيبول فيصيب الرجل؟

قال: أرجو أن لا يضر. قلت: إن كان كثيرًا: نجس؟ قال: ما أدري!

(1) رواه أحمد (3/ 43) وابن أبي شيبة (4824).

(2)

أحمد (4/ 242)، وأبو داود (562)، والترمذي (384).

(3)

الخُشَّاف: الخُفَّاش، ويقال: الخُطّاف "مختار الصحاح".

ص: 412

قلت: أليس (1) البول كثيره وقليله يغسل؟ ! قال: ذلك بول الإنسان! قلت: هذا لا يؤكل لحمه يغسل.

التاسع (107/ أ) والخمسون بعد المائة: المصلَّى المتخذ للعيد ونحوه، هل حكمه حكم المسجد أم لا؟

قال الشيخ وجيه الدين أبو المعالي في "شرح الهداية": المكان البعيد لصلاة الجنازة اختلفوا في كونه مسجدًا وكذلك المتخذ لصلاة العيد. والصحيح في المتخذ لصلاة الجنازة: أنه ليس بمسجد؛ لأنه ما أُعد للصلاة حقيقة. ومصلّى العيد: الصحيح أنه مسجد؛ لأنه يعد للصلاة حقيقة. انتهى.

والأصح عند الحنفية، وهو ظاهر مذهب الشافعي: أنه لا يُعطى حكم المسجد؛ لأنها صلاة نادرة، أشبه ما لو وقع (2) صلاة في بقعة من البقاع، أو صلَّى فيها على جنازة أو سَجَدَ فيها سجود تلاوة. ووجه أنه يعطى حكم المسجد ما جاء في "الصحيحين" من حديث أم عطية: أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر الحيَّض أن يحضرْن يوم العيد ويعتزلن المصلّى (3)؛ ولأنه يصلّى فيه بعض الأوقات، فأشبه ما لو صُلِّى فيه أيام الصيف خاصة.

وأجاب بعضهم عن حديث أم عطية؛ بأنه إنما أَمَرَهنّ بالاعتزال؛ ليتَّسع على غيرهن وليتميَّزْن.

الستون بعد المائة: قال مالك: لم تكن القراءة في المصحف في المسجد من أمر الناس القديم، وأول من أحدثه الحجاج بن يوسف، وقال أيضًا: أكره

(1) في "ق""يس".

(2)

في "ق""أوقع".

(3)

البخاري (974)، ومسلم (890).

ص: 413

أن يقرأ في المصحف في المسجد.

قال الزركشي الشافعي: وهذا استحسان لا دليل عليه.

والذي عليه السلف والخلف: استحباب ذلك؛ لما فيه من عمارتها بالذكر، قال تعالى:{وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ} (1)، وهو عام في المصاحف وغيرها. وفي "الصحيح":"إنما بنيت لذكر الله والصلاة وقراءة القرآن"(2).

الحادي والستون بعد المائة: قال الدميري في "شرح المنهاج": واقعة: قال السبكي: قال لي ابن الرفعة: أفتيت ببطلان وقف خزانة وقفها واقف لتكون في مكان معين في "مدرسة العاجينية" بمصر؛ لأن ذلك المكان مستحق لغير تلك المنفعة.

قال السبكي: ونظيره إحداث منبر في مسجد لم يكن فيه جمعة: لا يجوز. وكذلك إحداث كرسي مصحف مؤبدًا (3) يقرأ فيه -كما يفعل بالجامع الأزهر وغيره. ولا يصح وقفه، ويجب إخراجه (107/) من المسجد- كما تقدم من استحقاق هذه المنفعة لغير هذه الجهة. والعجب؛ من قضاة يثبتونه ذلك شرعًا وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعًا.

الثاني والستون بعد المائة: أفتى الشيخ عز الدين بن عبد السلام بأن متولي تدريس المدرسة هو الذي يقدر مقدار الجامكية للفقهاء وينزلهم (4) وليس للناظر في الوقف إلَّا تحصيل الريع وقسمته على المنزَلين، وأما عندنا؛ فقال في "الفروع": ومن وقف على مدرِّس وفقهاء فللناظر ثم للحاكم بعده

(1) النور [آية: 36].

(2)

مسلم (285) من حديث أنس رضي الله عنه.

(3)

في "ق""يريده" وفي "ع""مؤبد".

(4)

"للفقهاء وينزلهم" سقط من "ق".

ص: 414

تقدير استحقاقهم.

الثالث والستون بعد المائة: لو أجَّر متولي المسجد حانوته الخراب بشرط أن يعمّره المستأجر من ماله ويكون ما أنفقه محسوبًا من أجرته لم تصح الإجارة، ذكره الرافعي في أواخر الإجارة؛ لأنه عند الإجارة (1): غير منتفع به، وهذه المسألة مما تعم البلوى بها.

وأما عندنا؛ فينبغي أن يقال: إن كانت الإجارة تلي مدَّتها العقد فكذلك، وإن كانت لا تلى مدتها العقد وأمكن فراغه إلى ابتدائها فتصح - كما قلنا في إجارة العين المشغولة مدة (2) مضافة إذا أمكن التسليم أو أمكن في وقته المستحق أنها تصح، والله أعلم.

الرابع (3) والستون بعد المائة: قال الشافعية: يستحب الاستعاذة للخارج من المسجد، وهو توجيه عندنا؛ لما رَوى ابن السُّنّي عن أبي أمامة، عن النبي صلى الله عليه وسلم: أنه قال: "إن أحدكم إذا أراد أن يخرج من المسجد تداعت جنود إبليس، أجْلبَتْ واجتمعتْ كما تجتمع النحل على يعسوبها، فإذا قام أحدكم على باب المسجد فلْيَقل: اللهم إني أعوذ بك من إبليس وجنوده فإنه إذا قالها: لم يضره"(4).

وفي "المستدرك" للحاكم من حديث أبي هريرة: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إذا دخل أحدكم المسجد فليسلِّم على النبي صلى الله عليه وسلم وليقل: اللَّهم أجرني من الشيطان الرجيم".

(1)"لأنه عنده الإجارة" سقط من "ق".

(2)

"مدة" سقط من "ق".

(3)

في "م""التاسع".

(4)

"عمل اليوم والليلة" حديث رقم: (155).

ص: 415

وقال صحيح (1) على شرط الشيخين، ولم يخرِجاه (2).

والحمد لله رب العالمين

وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليمًا كثيرًا

آمين.

* قال مؤلفه رحمه الله تعالى:

ووافق الفراغ منه: في خامس ذي القعدة في شهر الحرام من شهور سنة ثلاث وسبعين وثمانمائة.

* وكان الفراغ من كتابته: ليلة السبت في ثاني عشر من جمادي الأول سنة سبعة وتسعين وألف: على يد الفقير إلى الله تعالى:

إبراهيم بن طعمة الصالحي

غفر له ولوالديه

آمين .. آمين

* * *

(1)"صحيح"سقطت من "ق".

(2)

المستدرك (1/ 207).

ص: 416