الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
(67/ ب)
الباب الثالث عشر في ذكر خروج النار التي أخبر عنها المختار:
* وهي من إخباره بالمغيبات؛ عليه أفضل الصلاة، وإنما أفردتها بالذكر؛ لأنها معجزة كبرى. قال صلى الله عليه وسلم:"لا تقوم الساعة حتَّى تخرج نار من أرض الحجاز تضيء (1) لها أعناق الإبل بِبُصْرَى"(2).
وكان ظهورها في الحَرَّة الشرقية من المدينة في جمادى الآخرة سنة أربع وخمسين وستمائة.
* قال في "تحقيق النصرة: وسارت من مخرجها إلى جهة الشمال مدة ثلاثة أشهر تدب دبيب النمل، تأكل كل ما مرت عليه من جبل وحجر، ولا تأكل الشجرة، فلا تمر على شيء من ذلك إلَّا صار سُدى لا مُلك فيه لإنسان ولا دابة إلى منتهى الحرَّة من جهة الشمال، فقطعت في وسط وادي الشظاة إلى جهة جبل وغيره، فسدَّت الوادي المذكور بسد عظيم بالحجر المسبوك بالنار ولا كسدّ ذي القرنين، وصار السيل ينحبس خلف السدّ المذكور وادٍ عظيم فتجتمع خلفه المياه حتَّى تصير بحرًا مدَّ البصر عرضًا وطولًا؛ كأنه نيل مصر عند زيادته.
* قال المطري: وأخبرني علم الدين سنجر العربي عتيق الأمير منيف بن شيخة صاحب المدينة؛ أن الأمير أرسله بعد ظهور النار بأيام ومعه شخص
(1) في "ق": "يضيء".
(2)
"مسلم"(2902) من حديث أبي هريرة.
من العرب ليتحفظ أمرها، قال: ونحن فارسان إلى أن قربنا منها فلم نجد لها حرًّا، فنزلت عن فرسي وسرت إلى أن وصلت إليها وهي تأكل الصخر والحجر وأخذت سهمًا من كنانتي ومددت به إلى أن وصل النصل (1) إليها فلم أجد لذلك ألمًا ولا حدًّا، فحرق النصل ولم يحترق العود، فأدرت السهم وأدخلت فيها الريش فاحترق ولم تؤثر في العود.
* قال: وأخبرني بعض من أدركها من النساء؛ أنهن كن يغزلن على ضوئها بالليل على أسطحة المدينة.
ونقل أبو شامة، عن مشاهدة كتاب شمس الدين ساف بن عبد الوهاب ابن عيلة الحسيني قاضي المدينة: أنها رؤيت من مكة ومن الفلاة جميعها، ورآها أهل ينبع وأرسلوا قاضيهم بن سعد.
قال أبو شامة: وأخبرني بعض من أثق به ممن شاهدها بالمدينة أنَّه بلغه (68/ أ) أنَّه كتب بتيماء على ضوئها الكتب.
* قد يظهر من عدم أكلها الشجر دون الحجر؛ تحريم النبي صلى الله عليه وسلم شجر المدينة، وهو من الإعجاز؛ لأن طاعته صلى الله عليه وسلم واجبة على كل مخلوق، هذا حاصل كلام المطري.
* نقل في "السكردان" عن أبي شامة أنَّه قال: زلزلت المدينة بسببها، وسمعوا أصواتًا عجيبة قبل ظهورها بخمسة أيام، وذلك يوم الإثنين مستهل الشهر، يعني المتقدم ذكره، ولم تزَل ليلًا ونهارًا حتَّى طلعت يوم الجمعة خامسة فانبجست تلك الأرض عند وادي شظاه عن نار عظيمة جدًا فصارت مثل الوادي العظيم، طوله أربع فراسخ في عرض أربعة أميال وعمقه قامه ونصف ويسيل منها الصخر حتَّى يبقى مثل الإبل ثم يصير كالفحم الأسود.
(1)"النصل" سقطت من "ق".
وذُكر؛ أن من الناس مَن كتب على ضوئها في الليل، وكأنَّ في كل بيت منها مصباحًا، ورأى الناس سَناها من مكة.
وقال ابن كثير: أخبرني قاضي القضاة صدر الدين علي الهيتمي، قال: أخبرني والدي - هو الشيخ صفيّ الدين مدرس مدرسة بُصْرى -، أنَّه أخبره عن واحد من الأعراب صبيحة تلك الليلة ممن كان محاضره ببلد بصرى: أنهم رأوا صفحات أعناق إبلهم في ضوء تلك النار التي ظهرت من أرض الحجاز.
قال أبو شامة: أهل المدينة لجئوا في تلك الأيام إلى المسجد الشريف النبوي على صاحبه أفضل الصلاة والسلام، وتابوا إلى الله تعالى من ذنوب كانوا عليها، واستغفروا عند قبر سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم مما سلف منهم، وأعتقوا عبيدهم، وتصدقوا على فقرائهم.
* * *