الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الباب الثلاثون في ذكر حدود الحرم:
* حدُّه من جهة المدينة: ثلاثة أميال- كما قال الأزرقي- دون التنعيم عند بيوت نِفار، بنون مكسورة وفاء وألف وراء مهملة، وجزم به القاضي أبو يعلى في "أحكامه"، وأبو الخطاب، وابن الجوزي، والمجد، وابن حمدان، والرافعي، وقدَّمه في "الفروع"، وقال: عند بيوت السُّقيا، تبعًا "للهداية"- كما نقله عن ابن القاص، وقدمه في "إعلام الساجد".
وقيل: أربعة أميال- كما قال الفاكهي.
وقيل: خمسة أميال- على ما ذكره الباجي.
تنبيه:
قال صاحب "المطالع" عن التنعيم: إنما سُميت بذلك؛ لأن جبلًا عن يمينها يقال له: "نعيم" وآخر عن شمالها (1) يقال له (2): "ناعم"، والوادي: نعْمان.
* ومن طريق اليمن: سبعة أميال- بتقديم السين-، جزم به الأزرقي، وأبو الخطاب، وابن الجوزي، وابن حمدان، وصاحب "الفروع".
وقدم في "إعلام الساجد": ستة أميال، قال في "تحفة الكرام": وجدت
(1) في "ق""شماله".
(2)
"يقال له" مكررة في "ق".
بخط المحب الطبري في "القِرى": أن حدّ الحرم من جهة اليمن: ستة أميال، ولعلّ ذلك؛ سبق قلم، عند (1) أَضاة لِبْن في ثنِيَّة لِبْن (2)، وهذه الأضاة تعرف الآن بأضاة ابن عَقَشِّر، والأَضاة: مُسْتنقع الماء، وهي بهمزة مفتوحة وضاد معجمة على وزن قناة، ولِبْ بكسر اللام وسكون الباء الموحَّدة: قاله الحازمي، وضبطها سليمان بن خليل: بفتح اللام والباء على ما وجده بعض الأعيان بخطه في مواضع من "منسكه".
* ومن جهة العراق: سبعة أميال- بتقديم السين-، قاله الأزرقي، وجزم به القاضي أبو يعلي في "أحكامه"، وأبو الخطَّاب، وابن الجوزي، والمجد، وصاحب "الفروع"، والرافعي، وقدمه في "الرعاية"، و"إعلام الساجد".
وقيل: ثمانية أميال- على ما ذكر ابن أبي زيد المالكي في "النوادر"(33/ ب).
وقيل: تسعة أميال- حكاه ابن حمدان.
وقيل: عشرة أميال - على ما ذكر سليمان بن خليل.
وقيل: ستة أميال - على ما ذكر ابن خُردادبة على ثنيَّة خلّ بالمقْطَّع. فأما "خل"، فبخاء معجمة مفتوحة، و"المُقطَّع" بضم الميم وفتح الطاء المشددة - على ما وُجِدَ بخط سليمان بن خليل فيهما.
ووُجِدَ بخط المحبّ الطبري في "القِرى"(3) على الخاء من خلّ نقطة من
(1)"عند" مكررة في "ق".
(2)
"القرى"(651).
(3)
"القرى"(653).
فوق وعلى اللَّام شدة وضبط المَقْطع بفتح الميم وإسكان القاف.
وفي "تاريخ الأزرقي": على الخاء أيضًا من خل نقطة من فوقها.
ودكر النَّووي في "الإيضاح" و"تهذيب الأسماء واللغات": حوض خل جبل بجيم وباء موحَّدة.
قال في "تحفة الكرام": وذلك تصحيف، والله أعلم.
وذكر الأزرقي: أن سبب تسميته بذلك؛ أنهم قطعوا منه أحجار الكعبة في زمن ابن الزبير، وقيل غير ذلك.
* ومن جهة جُدة - بضم الجيم - عشرة أميال، جزم به الأزرقي، والقاضي أبو يعلى في "أحكامه"، وأبو الخطَّاب، وابن الجوزي، والمجد، وابن حمدان، وصاحب "الفروع" والرافعي، وابن أبي زيد.
قال في "تحفة الكرام": ونحو ثمانية عشر ميلًا - على ما ذكر الباجي في مقدار ما بين مكة والحديبية - بتخفيف الياء الثانية على الأصوب فيها.
ومنتهاها حدُّ الحرم من جهة جُدة - كما ذكر ابن أبي زيد في "النوادر":
قال الأزرقي: منتهى الحد في هذه الجهة منقطع الأعشاش: جمع عش، وقال القاضي في "أحكامه": منقطع العشائر، وكذا قال في "إعلام الساجد".
* ومن جهة الجعرانة - بسكون العين وتخفيف الراء على الأصوب في ضبطها -: تسعة أميال- بتقديم التاء -: قاله الأزرقي، والقاضي أبو يَعلَى، وأبو الخطَّاب، وابن الجوزي، والمجد، وابن حمدان، وصاحب "الفروع"، والرافعي.
وقيل: بريد: حكاه ابن خليل بصيغة التمريض في شِعْب آل عبد الله بن خالد بن أسْيَد وهو لا يُعرف الآن.
* ومن طريق الطائف على طريق عرفة من بطن نَمِرة: أحد عشر ميلًا، قاله الأزرقي.
* قال في "الفروع": ومن (34/ أ) الطائف: سبعة أميال عند طرف عرفة.
* ومن بطن عُرَنة: أحد عشر ميلًا، و"الفروع": تابع ابن الجوزي، وابن الجوزي: تابع أبا الخطَّاب في نقله الذي نقله في "الهداية" عن ابن القاص.
وقيل: نحو ثمانية عشر ميلًا، ذكره الباجي.
وقيل: تسعة أميال - بتقديم التاء على السين -، ذكره ابن أبي زيد، وابن خليل، وغيرهما.
وقيل: سبعة - بتقديم السين على الباء -، كما ذكره الماوردي، وأبو إسحاق الشيرازي، والقاضي أبو يَعْلَى في "أحكامه"، والرافعي، والنووي، وابن حمدان، لكنه قال: وعرفات والطائف وبطن نمرة: سبعة أميال.
* ومن بطن عرفة: أحد عشر ميلا.
قال في "تحفة الكرام": وفيما قالوه نظر قوي يقتضي عدم استقامة قولهم. وقد جزم جماعة، منهم الرافعي - كما تقدم؛ على أنه من طريق المدينة: على ثلاثة، ومن العراق والطائف: على سبعة، ومن الجعرانة: تسعة، ومن جُدَّة: عشرة.
وعليه بنى الشاعر قوله:
وَللْحَرَمِ التَّحْدِيدُ مِنْ أَرْض طَيْبَةٍ
…
ثَلَاَثةُ أَمْيَالٍ إِذَا رُمْتَ إِتْقَانَة
وَسَبْعَةُ أَمْيَالِ عِراقٌ وطائف
…
وَجُدَّةُ عَشْرٌ ثُمَّ تِسْعُ جُعْرَانَة
زاد قاضي (1) القضاة كمال الدين أبو الفضل النويْري، قاضي مكة وخطيبها:
وَمِنْ يمن سَبْعٌ بِتَقْدِيمِ سِينِهَا
…
وَقَدْ كمُلتْ فاشْكُرْ لِرَبِّك إِحْسَانَهْ
وَقَذ زِيدَ في حَدٍّ لَطائفٍ أَربَعٌ
…
وَلَمْ يَرْضَ أَهْلُ العِلْم وَالحِفْظِ إِتقَانَهْ
قال كمال الدين الدَّميري، الأوْلى (2) أن يقال:
وَمِنْ يَمَنِ سَبْعٌ بِتَقْديمِ سينِهَا
…
كَذَلِكَ سَيْل الحِلِّ لَمْ يَعْدُ بُنْيَانَهْ
* لأجل فائدة: وهي أَن سيل الحِلّ لا يدخل الحَرَم. وهذا ذكره الأزرقي، عن عمر ابن الخطَّاب رضي الله تعالى عنه لما؛ بعث أربعة من قريش يحددون أنْصَاب الحرم: وهم مخرمة بن نوفل، وسعيد بن يربوع المخزومي، وحويطب ابن عبد العُزّى، وأزهر بن عبد عوف الزُّهري؛ أمَرَهم أن ينظروا إلى كل وادٍ يصبّ في الحرم، فنصبوا عليه وأعلموه وجعلوه حرمًا. وإلى كل وادٍ يصبّ في الحل فجعلوه حِلًّا (3)، وسيأتي (34/ ب) لهذا مزيد إن شاء الله تعالى في الثالث والسبعين من الخصائص.
* قال ابن سراقة في كتاب "الأعداد والحَرم": في الأرض موضع واحد وهو مكة وحولها، ومساحة ذلك: ستة عشر ميلًا في مثلها، وذلك بريد واحد وثلث في بريد واحد وثلث على التقريب - انتهى.
* وقال أبو القاسم بن خردادبة الخراساني في كتابه "المسالك والممالك": وطول الحرم حول مكة كما يدور: سبعة وثلاثون ميلًا، وهي التي تدور بأنصاب الحرم - انتهى.
(1) في "م"(القاضي).
(2)
في "ق""والأولى".
(3)
"أخبار مكة"(2/، 129130).
* فإن قال قائل: فما السبب في أن بعض حدود الحرم يقرب من مكة، وبعضها بعيد ولم يُجعل على قانون واحد؟
فالجواب من أربعة أوجه (1):
* أحدها:
ما روى سعيد بن جُبيْر عن ابن عباس قال:
لما أُهبط آدم عليه السلام خرَّ ساجدًا يعتذر، فأرسل الله تعالى إليه جبريل عليه السلام بعد أربعين سنة فقال: ارفع رأسك فقد قبلت توبتك، فقال: يارب إنما أتلهَّف على ما فاتني من الطواف بعرشك مع ملائكتك، فأوحى الله تعالى إليه: إني سأنزل لك بيتًا أجعله قِبلة، فأهبط الله تعالى إليه البيت المعمور وكان ياقوتة حمراء يلتهب التهابًا، وله بابان: شرقي وغربي، قد نُظمت حيطانه بكواكب بمض من ياقوت الجنة. فلما استقر البيت في الأرض أضاء نوره ما بين المشرق والمغرب، فنفرت لذلك الجنّ والشياطين وفزعوا فارتقوا في الجو ينظرون من أين ذلك النور فلما رأوه من مكة أقبلوا يريدون الاقتراب إديه، فأرسل الله تعالى ملائكته؛ فقاموا حوالي الحرم في مكان الأعلام اليوم، فمن ثَمَّ ابتدأ اسم الحرم.
* الثاني:
ما رواه وَهب بن منبِّه:
أن آدم عليه السلام لما نزل إلى الأرض اشتد بكاؤه فوضع الله تعالى له خيمة بمكة موضع البيت، وكانت الخيمة ياقوتة حمراء من الجنة وفيها ثلاثة قناديل فيها نور يلتهب من الجنة، فكان ضوء النور ينتهى إلى موضع الحرَم،
(1) انظر "القرى لقاصد أم القرى"(653، 652).
وحرس اللَّه تعالى تلك الخيمة بملائكة، فكانوا يقفون على (35/ أ) مواضع أنصاب الحرم يحرسونه ويذودون سكان الأرض من الجن. فلما قبض اللَّه تعالى آدم عليه السلام، رفعها إليه.
* الثالث:
أن إبراهيم الخليل عليه السلام لمَّا بنى البيت قال لإسماعيل عليه السلام: ابغني حجرًا أجعله للناس آية فذهب إسماعيل عليه السلام ورجع ولم يأتِه بشيء ووجد الركن عنده، فقال: من أين لك هذا؟ قال: جاء به من لم يَكلني إلى حجرك، جاء به جبريل عليه السلام، فوضعه إبراهيم عليه السلام في موضعه هذا، فأنار شرقًا وغربًا ويمينًا وشمالًا، فحرَّم اللَّه تعالى الحرم حيث انتهى نور الركن وإشراقه من كل جانب.
* الرابع:
أن آدم عليه السلام لما أُهبط إلى الأرض خاف على نفسه من الشياطين، فاستعاذ باللَّه تعالى، فأرسل اللَّه تعالى ملائكة حفُّوا بمكة من كل جانب ووقفوا حواليها، فحرّم اللَّه تعالى الحرم من حيث كانت الملائكة وقفت.
قال عبد اللَّه بن عمر: والحرم حرام إلى السماء السابعة.
وقال عطاء: كانوا يرون أن العرش على الحرم (1).
* * *
(1)"القرى"(653).