الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الباب السابع عشر في ذكر المقام:
قد تقدم عن عمرو بن العاص مرفوعًا: "الحَجَر والمَقام ياقوتتان من ياقوت الجنة طَمَس الله نورهما، ولولا ذلك لأضاء ما بين المشرق والمغرب"(1).
وعن ابن عباس قال: "ليس في الأرض من الجنة إلا الرُّكْن الأسود والمقام فإنهما جوهرتان من جوهر الجنة، ولولا ما مسّهما من أهل الشرك، ما مسَّهما ذو عاهة إلَّا شفاه الله تعالى"(2).
* وعن مجاهد أنه قال: "لا تمسّ المقام فإنه من آيات الله"(3).
وعنه أيضًا؛ أنه قال في قول الله تعالى: {فِيهِ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ} (4) قال: أثر قَدَمَيه في المقام (5).
* وفي سبب وقوفه ثلاثة أقوال:
أحدها: أنه وقف عليه حين أذن للناس بالحج. قال الطبري: وهو أظهر.
(1) تقدم.
(2)
"أخبار مكة" للأزرقي (3/ 29)، "أخبار مكة" للفاكهي (1/ 440).
(3)
"أخبار مكة" للأزرقي (3/ 29).
(4)
"آل عمران"[آية: 97].
(5)
"أخبار مكة" للأزرقي (3/ 29)، "تفسير ابن جرير الطبري"(3/ 358).
وقد رُويَ عن أبي سعيد الخُدْري أنه قال: سألت عبد الله بن سلام عن الأثر الذي بالمقام، فقال: كانت الحجارة على ما هي عليه اليوم، إلَّا أن الله سبحانه وتعالى أراد أن يجعل المقام آية من آيات الله تعالى فلما أمَر إبراهيم عليه السلام أن يؤذِّن في الناس بالحج قام على المقام وارتفع المقام حتى صار أطول الجبال وأشرف على ما تحته فقال:"يا أيها الناس أجيبوا ربكم" فقالوا: "لبيك اللهم لبيك" فكان أثره صلى الله عليه وسلم لما أراد الله سبحانه، فكان صلى الله عليه وسلم ينظر عن يمينه وعن شماله: أجيبوا ربكم، فلما فرغ أمَر بالمقام فوضعه قِبَله فكان يصلي إليه مستقْبل الباب فهو قبله إلى ما شاء الله.
الثاني: أنه جاء يطلب ابنه إسماعيل فلم يجده، فقالت له زوجته: انزل فأبى، فقالت: فَدعني أغسل رأسك، فأتته بحجر؛ فوضع رجليه عليه وهو راكب، فغسلت شقه ثم رفعته وقد غابت رجله فوضعته تحت الشق الآخر وغسلته فغابت رجله فيه، فجعله الله تعالى من الشعائر، وهذا مروي؛ عن ابن مسعود وابن عباس (1).
الثالث: أنه قام على ذلك الحجر لبناء البيت. وكان إسماعيل يناوله الحجارة، قاله: سعيد بن جبير.
وروى محمد بن سعد عن أشياخ له: أن عمر بن الخطاب أخَّر المقام إلى موضعه اليوم، وكان ملصقًا بالبيت.
وذكر ابن كثير في تفسيره (2): أن المقام كان ملصقًا بجدار الكعبة قديمًا ومكانه معروف اليوم إلى جانب الباب مما يلي الحِجْر يمنة الداخل من الباب في البقعة المستقلة هناك.
(1)"تفسير ابن كثير"(1/ 168).
(2)
(1/ 168).
وكان الخليل لما فرغ من بناء البيت وضعه على جدار الكعبة أو أنه انتهى عنده البناء فتركه هناك ولهذا، والله أعلم، أُمر بالصلاة هناك عند فراغ الطواف وناسب أن يكون عند مقام إبراهيم حيث انتهى بناء الكعبة فيه.
وإنما (1) أخَّره عن جدار الكعبة: أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه ولم ينكر ذلك أحد من الصحابة.
وقد روى عبد الرزاق، عن عطاء وعن مجاهد أن أول من أخَّر المقام إلى موضعه الآن: عمر بن الخطاب.
وروى الإمام أحمد في المناسك عن عبد الرزاق، ثنا ابن جريج قال: سمعت عطاء وغيره من أصحابنا يزعمون: أن عمر رضي الله عنه أول مَن رفع المقام فوضعه في موضعه الآن وإنما كان في قُبُل الكعبة.
وروى البيهقي بسنده إلى عائشة: أن المقام كان في زمان رسول الله صلى الله عليه وسلم وزمان أبي بكر ملتصقًا بالبيت ثم أخره عمر بن الخطاب.
قال ابن كثير: وسنده صحيح (2).
* وروى ابن أبي حاتم عن سفيان بن عُيَيْنة قال: كان المقام من صقع البيت على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، فحوَّله عمر إلى مكانه بعد النبي صلى الله عليه وسلم.
وذهب السيل به بعد تحويل عمر إياه من موضعه هذا فرده عمر إليه.
وقال سفِيان: لا أدري كم بينه وبين الكعبة قبل تحويله.
قال سفيان: لا أدري أكان لاصقًا بها أم لا (3).
(1)"وأما أخَّره" بجميع النسخ في "ع""إنما آخره".
(2)
"ابن كثير"(1/ 170).
(3)
"تفسير ابن أبي حاتم"(1/ 226).
قال ابن كثير: فهذه الآثار متعاضدة على ما ذكرناه (1).
وذكر الحافظ أبو بكر بن مردَويه بسنده إلى إبراهيم بن مهاجر عن مجاهد قال: قال عمر، يا رسول الله، لو صلينا خلف المقام، فأنزل الله تعالى:{وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى} فكان المقام عند البيت فحوَّله رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى موضعه هذا، قال مجاهد: قد كان عمر يرى الرأي فينزل به القرآن.
هذا مُرسل عن مجاهد، وهو مخالف لما تقدَّم من رواية عبد الرزاق عن مجاهد: أول من أخَّر المقام إلى موضعه الآن عمر بن الخطَّاب.
قال ابن كثير: وهو أصح من طريق ابن مردوَيه مع اعتضاده بما تقدَّم (2).
* وذكر الأزرقي عن أبي مليكة أنه قال: موضع المقام هذا الذي هو به اليوم، هو موضعه في الجاهلية، وفي عهد النبي صلى الله عليه وسلم وأبي بكر وعمر إلا أن السيل ذهب به في خلافة عمر؛ فجعلوه في وجه الكعبة حتى قدِم عمر رضي الله تعالى عنه فردّه بمحضر من الناس (3).
ونقل المحب الطبري عن مالك في "المدوَّنة": أن المقام كان في عهد إبراهيم عليه السلام في مكانه اليوم. وكان أهل الجاهلية ألصقوه إلى البيت خيفة السيل، فكان كذلك في عهد النبي صلى الله عليه وسلم وعهد أبي بكر رضي الله عنه. فلما وَلِىَ عمر رضي الله عنه ردّه بعد أن قاس موضعه بخيوط قديمة قيس بها حين أخَّروه (4)، وقيل إن عمر أخَّره أولًا ثم ذهب به السيل ثم أخَّره؛ فيكون
(1)"التفسير"(1/ 171).
(2)
انظر: "تفسير ابن كثير"(1/ 171).
(3)
"أخبار مكة"(2/ 35).
(4)
"القرى لقاصد أم القرى"(345، 346).
أخَّره مرتين.
وذكر ابن جرير وابن الأثير: أن تأخير عمر له كان في سنة سبع عشرة من الهجرة.
وذكر ابن حمدون في تذكرته: أنه في سنة ثماني عشرة، والحفرة المرخَّمة عند الباب؛ يقال: إنها الموضع الذي صلّى فيه جبريل بالنبي صلى الله عليه وسلم.
وقد تقدَّم كلام ابن كثير فيها.
* قال بعض سدنته:
ذهبنا نرفع المقام في خلافة المهدي فانثلم وهو حجر رخو، فخشينا أن يتفتت، فكتبنا في ذلك إلى المَهْدِي، فبعث إلينا بألف دينار فضببنا بها المقام، أسفله وأعلاه، ثم أمر المتوكل أن يجعل عليه ذهب أحسن من ذلك العمل ففعلوا.
* وذرع المقام: ذراع، والقدمان داخلان فيه: سبع أصابع، ودخولهما منحرفتان، وبين القدمين من الحجر: أُصبعان. والمقام مربع؛ سعة أعلاه: أربع عشرة أُصبعًا، في أربع عشرة أُصبعًا، ومن أسفله: مثل ذلك، وفي طرفيه من أعلاه وأسفله: طوقان من ذهب. وما بين الطوقين من الحجر: بارز بلا ذهب عليه. طوله من نواحيه كلها: تسع أصابع، وعرضه: عشر أصابع عرضًا، وعشر أصابع طولًا، وذلك قبل أن يُجعَل عليه هذا الذهب الذي هو عليه اليوم من عمل أمير المؤمنين المتوكل على الله. وعرض حجر المقام من نواحيه: إحدى وعشرون أُصبعًا.
وبين الركن الأسود والمقام: تسع وعشرون ذراعًا وتسع أصابع.
وبين جدار الكعبة من وسطها إلى المقام: ست وعشرون ذراعًا ونصف، ومن الركن الشامي إلى المقام: ثمانية وعشرون ذراعًا وتسع عشرة أُصبعًا.