الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الباب الثامن والأربعون في ذكر خصائص البيت والمسجد الحرام وأحكامهما:
* خصائصها كثيرة وأحكامها منيرة، أجلّ من أن تحصى وأعظم من أن تستقصى. وسأذكر منها ما يسَّره الكريم طامعًا في ثوابه العميم:
* الأول: أن الكعبة أول بيت وضع على الأرض، كما سبق الكلام عليه.
* الثاني: أن إحياء الكعبة بالحج في كل سنة من فروض الكفايات، ذكره علماؤنا والشافعية؛ حتى قال بعضهم: لا يسقط فرض الكفاية إلا بفعل جمع كثير، بمعنى: أنه لو حج إثنان أو ثلاثة: لا يسقط.
* الثالث: أن تقدم المأموم على إمامه في الموقف في غير المسجد الحرام مبطل للصلاة عندنا وعند الشافعية، وأما في المسجد الحرام: فيجوز تقدم المأموم إذا كان في جهتين وفاقًا للأئمة الثلاثة.
قال في الخلاف: وأومأ إليه في رواية أبي طالب، وقيل: وجهه خلافًا لهم.
وقال أبو المعالي بن منجا: إن كان خارج المسجد بينه وبين الكعبة مسافة فوق بقية جهات المأمومين فهل يمنع الصحة كالجهة الواحدة أم لا؟ فيه وجهان.
* الرابع: من قابل إمام (1) فجعل وجهه إلى وجهه: لم تصحّ صلاته (45/ ب)، وحول الكعبة: تصحّ إجماعًا.
* الخامس: لو تقابلا داخلها صحت أيضًا في الأصح؛ وفاقًا للأئمة الثلاثة.
* السادس: لو جعل ظهره إلى ظهر إمامه صح؛ لأنه لا يعتقد خطأه.
* السابع: إن صلاة الفرض لا تصح في الكعبة عند إمامنا، وهو المشهور عند أصحابه.
ونقل عن ابن جرير وبعض الظاهرية: لا تصح الصلاة فيها فرضًا ولا نفلا.
ونُقل عن مالك: لا يصلَّى الفرض ولا السُنن فيها، ويصلَّى فيها التطوّع.
ومذهب أبي حنيفة والشافعي: الجواز فرضًا ونفْلا.
وقد صحّ عن النبي صلى الله عليه وسلم: أنه دخل البيت وصلّى فيه ركعتين من رواية بلال (2)، فأخذ به الإمام أحمد في النفل؛ لأنهما: نفل، وأبقى الفرض على عموم قوله تعالى:{وَحَيْثُ مَا كُنْتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ} (3)، أي: تلقاء. والذي هو داخله؛ إنما يتوجه تلقاء بعضه، ويكون مستدبرًا لبعضه.
* الثامن: إن صلاة الفرض لا تصح على ظهر الكعبة، كما قلنا داخلها، لكن لو وقف على منتهاه بحيث لم يترك وراءه شيئًا منها: صحت على المنصوص.
(1) في "ق": "إماما"، وفي "م""إمام".
(2)
رواه البخاري (534) من حديث ابن عمر رضي الله عنه.
(3)
"البقرة"(آية: 144).
التاسع: إن صلاة النفل في الكعبة: لا تصح في روايةٍ عندنا؛ ولكن المذهب: الصحة.
* العاشر: أن صلاة النفل لا تصح على ظهرها - على رواية كالفرض، والمذهب: الصحة.
* الحادي عشر: هل يستحب (1) صلاة النفل فيها أم لا؟ فيه روايتان عن إمامنا، والمذهب: الاستحباب.
* الثاني عشر: إن صلاة النافلة في البيت أفضل من المسجد لما فيه من الخلوص والبعد عن الرياء، فهل يأتي مثل ذلك في المسجد الحرام أم لا؟
إن قلنا: إنَّ المضاعفة فيه تعم الفرض والنفل ولا تتعدى المسجد، فتكون النافلة فيه أفضل، وإلا فلا. لكن يُستثنى من ذلك ركعتا الطواف.
* الثالث عشر: إن نظر المصلي إلى موضع سجوده في غير التشهد أفضل مما سواه؛ فلو كان يصلي في المسجد الحرام؛ فهل الأولى النظر إلى الكعبة لترتب الثواب على مجرد النظر؛ وإن لم يكن في صلاة أو المحافظة على النظر إلى موضع السجود؛ لأنه مجمع القلب، والنظر يلهي عن الخشوع: الذي هو مقصود الصلاة - وشرط صحتها على وجه عندنا -، أو يفصل (46/ أ) بين من يلهو بالنظر وبين غيره: فيه ثلاثة أوجه للشافعية.
وأما كلام علمائنا؛ فظاهر كلامهم: أنه ينظر إلى موضع سجوده. ولو قيل بالوجهين الآخرين لما كان بعيدًا، ولعل الثالث أقربهما لتحصيل العبادة بالنظر مع المحافظة على الخشوع.
* الرابع عشر: يحرم المرور بين سترته، إن كان له سترة ولو بعُد منها،
(1) في "ق": "تستحب".
وكذا بين يديه قريبًا مع عدمها.
والقرب: ثلاثة أذرع، وقيل العُرف.
وهل مكة هنا كغيرها؟ فيه روايتان عن الإمام أحمد، وفي "المغني": الحرم كمكَّة، ونقل بكر: يكره المرور بين يديه إلا بمكة لا بأس به.
* الخامس عشر: لا يقطع الصلاة فيها مرور شيء بين يدَي المصلي.
قال أحمد في رواية أبي طالب: فضلت مكة بغير شيء إلى أن قال: ولا يقطع الصلاة فيها شيء غير المرأة بين يدي الرجل.
* السادس عشر: يحرم النفل المطلق في أوقات النهي الخمسة إلا بمكة. قاله: الإمام أحمد في رواية أبي طالب المتقدمة، فإنه قال: يصلي فيها، يعني: مكة، أي ساعة شاء من ليل أو نهار، واستثنى بعض الشافعية الحرم كله ووجهه بعض علمائنا: إن قلنا إنه كمكة في مسألة المرور المتقدمة.
وفي السُنن من حديث جبير ابن مُطْعِم أن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم قال: "يا بني عبد مناف لا تمنعوا أحدًا طاف بهذا البيت وصلى أي ساعة شاء من ليل أو نهار"(1).
وقال الحاكم: صحيح على شرط الشيخين (2).
وفي رواية: "لا صلاة بعد الصبح إلا بمكة"(3).
(1) رواه أبو داود (1894)، والترمذي (868)، والنسائي (585) وابن ماجه (1254) من حديث جبير بن مطعم رضي الله عنه وقال الترمذي: حديث حسن صحيح.
(2)
"المستدرك"(1/ 448).
(3)
المسند (5/ 165) البيهقي (2/ 462) الدارقطني (1/ 424، 2/ 265).
والمقدم عندنا: أن مكة كغيرها في هذه، وهو وجه عند الشافعية، وحُمل الاستثناء في الحديث: على ركعتي الطواف.
* السابع عشر: الطواف به. ويجوز فعله في هذه الأوقات؛ وهو قول أحمد، والشافعية، وإسحاق، وداود، وجمهور العلماء.
وقال مالك: إنْ أخَّر ركعتَي الطواف إلى وقت الجواز: جاز.
* الثامن عشر: إن تحية المسجد: الصلاة، وتحية البيت: الطواف، وتحية مِنى: رمي الجمار، وتحية مزدلفة: صلاة المغرب، وتحية عرفات: الوقوف، وتحية الحرم: الإحرام، وتحية (46/ ب) المسجد من الخطيب يوم الجمعة: الخطبة، قالها: النووي في "نكت التنبيه"؛ بناء على أنه لا يستحب له تحية المسجد. وفيها خلاف عندهم، والاثنتان قبلهما: ذكرهما بعض الشافعية، والباقي؛ ذكره الشيخ تقي الدين ابن تيمية في "شرح العمدة"، ونقل ابن مسدي في "إعلام الناسك"، عن الإمام أحمد وغيره: أنه يحيى المسجد أولًا بركعتين، ثم يقصد الطواف. وهو نقل غريب! ! والمشهور: البداءة بالطواف أولًا. فلو طاف بالبيت وصلى ثم دخل الكعبة، فهل نقول حصلت تحيتها بالطواف كما تقدم أم لا؟ بل ذلك تحية رؤيتها ولا بد من تحية لدخولها.
قال الزركشي الشافعي في "إعلام الساجد": وفيه نظر- انتهى.
قلت: الظاهر أنه لا يحتاج إلى تحية أخرى؛ إذ التحية قد حصلت أولًا.
ولم أرَ أحدًا قال: إن الطواف تحية رؤية البيت! وإنما قالوا: تحية البيت، فقد حصدت التحية وانتفى النظر، ولله الحمد.
* التاسع عشر: النظر إلى البيت عبادة، قاله: الإمام أحمد.
* العشرون: دخول البيت مستحب، يثاب عليه- كما روى البيهقي عن
ابن عباس مرفوعًا: "من دخل البيت: دخل في حسنة، وخرج من سيئة، وخرج مغفورًا له"(1).
* الحادي والعشرون: "صلاة في المسجد الحرام أفضل من مائة ألف صلاة فيما سواه من المساجد"، كما ثبت في الصحيحين، وقد تقدم في "الباب الرابع". وتقدم الكلام عليه، هل المُراد الفرض والنفل أو الفرض فقط؟
* الثاني والعشرون: أن حرم مكة كالمسجد الحرام في المضاعفة المذكورة على ما تقدم. وجزم به من الشافعية: الماوردي، والنووي في "مناسكه"، ونقله: صاحب "البيان" عن الشريف العثماني.
* الثالث والعشرون: فضيلة المضاعفة لا تختص بالصلاة؛ بل وسائر أنواع الطاعات- على ما تقدم.
* الرابع والعشرون: أن السيئات تضاعف بمكة- كما تُضاعف الحسنات.
وممن قال ذلك: مجاهد، وابن عباس، وابن مسعود، وأحمد بن حنبل، وغيرهم؛ لتعظيم البلد. وقد تقدم في "الباب الثامن والعشرين".
* الخامس والعشرون: أنه يعاقب (47/ أ) على الهمّ بالسيئة فيه؛ وإن لم يفعلها.
قال الله تعالى: {وَمَنْ يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ نُذِقْهُ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ} (2).
كل ذلك؛ تعظيمًا لحرمة الحرم، وكذلك فعل الله بأصحاب الفيل؛ أهلكهم قبل الوصول إلى بيته.
(1)"السنن الكبرى"(5/ 158) من حديث ابن عباس رضي الله عنهما.
(2)
"الحج"[الآية: 25].
قال الإمام أحمد: لو أن رجلًا همّ أن يقتل في الحرم، أذاقه الله من العذاب الأليم، ثم قرأ الآية.
* السادس والعشرون: يستحب الغُسل لدخول مكة.
قال في "المستوعب": حتى لحائض، ولا يشاركها غيرها من البلاد في استحباب الغسل لمن أراد الدخول إليها؛ إلَّا مدينة النبي صلى الله عليه وسلم على قول ذكره الشيخ تقي الدين؛ منصوص أحمد؛ لكن: المقدّم خلافه.
* السابع والعشرون: يستحب الغسل لدخول الحرم- كما نقله صالح عن الإمام أحمد.
* الثامن والعشرون: يستحب (1) صلاة العيد في المصلَّى، إلا أهل مكة؛ فإنه لا يستحب لهم الخروج من المسجد الحرام، بل المستحب لهم أن يصلوا في المسجد الحرام؛ لفضيلة البقعة، ومشاهدة الكعبة، وفاقًا للأئمة الثلاثة.
وعند الشافعية؛ خلاف في غيرها من البلدان: قال بعضهم: والصحيح أن فعلها في المسجد أفضل. وقاله: القاضي ابن كجّ في كتاب "التجريد"، وقال في "الأم": يصلي في المصلى في سائر البلدان إلا مكة؛ فإنه يصلي في مسجدها لأنه خير بقاع الأرض. وقال: إن كان يسعهم مسجد ذلك البلد أحببت أن يصلوا فيه.
* التاسع والعشرون: يحرم استقبال القبلة واستدبارها بالبول والغائط في الصحراء والبنيان عند كثير من العلماء، وهو إحدى الروايات عن الإمام أحمد.
(1) في "ق": "تستحب".
* الثلاثون: أنها قِبلَة المسلمين حيث كانوا، لا تقبل صلاة أحدهم إلا باستقبالها إذا قدِر على ذلك إلا في صوَر نادرة، كالصلاة على الراحلة في السفر وحال المسايفة.
* الحادي والثلاثون: أنها قِبْلة المسلمين أمواتًا؛ فلا يدفنون إلا مستقبلين جهتها.
* الثاني والثلاثون: توزع بعضهم عن قضاء الحاجة بمكة:
وممن روي عنه ذلك: الشيخ أبو عمر الزجَّاجي أحد كبار مشايخ الصوفية بمكة، فإنه رُوي عنه: أنه أقام بمكة أربعين سنة لم يبل ولم يتغوَّط في الحرم.
وُيروى (47/ ب) أن الإمام أبا محمد عبيد الله ابن سعيد السجستاني جاوَر بمكة دهرًا فكان إذا أراد قضاء الحاجة: خرَج من الحَرَم.
قال بعضهم: هؤلاء تأوَّلوا أنها مسجد، وهذا التأويل ليس بشيء؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم فعله والصحابة والسلف.
لكن روى ابن السكن الحافظ، من حديث ابن عمر: أنه صلى الله عليه وسلم لما كان بمكة كان إذا أراد حاجة الإنسان خرج إلى المغمس، وهو على ثلث فرسخ منها، رواه الطحاوي في "تهذيب الآثار"(1)، وقال: على ميلين من مكة، ورواه الطبراني في "الأوسط"(2).
* الثالث والثلاثون: المذهب جواز الاستجمار بحجارة الحرم. وفي
(1) الإمام الطحاوي له كتاب "شرح معاني الآثار" وكتاب "مشكل الآثار" وللإمام الطبري كتاب "تهذيب الآثار".
(2)
"الأوسط"(4903).
"النهاية": يحرم، قال في "الفروع": وهو سهو.
وحكى الماوردي الشافعي وجهين في جواز الاستنجاء بحجارة الحرم.
وقال: ظاهر المذهب سقوط الفرض بذلك مع تأثيمه.
* الرابع والثلاثون: كراهة الوضوء والغسل بماء زمزم عند الإمام أحمد. وقد تقدم الكلام عليه.
* الخامس والثلاثون: كراهة إزالة النجاسة به أو التحريم- كما تقدم.
* السادس والثلاثون: لا يدخله مُحِلٌّ قدِمَ إليه حتى يُحرم لدخوله إما بحج أو عُمرة يتحلل بها من إحرامه؛ إلا أن يكون ممن يكثر الدخول إليها لمنافع أهلها، كالحطَّابين والسقَّايين الذين يخرجون منها غدوة ويعودون إليها عشيا، فيجوز لهم دخولها مُحلِّين لدخول المشقة عليهم في الإحرام كلَّما دخلوا، فإن دخل القادم إليها حلالًا فقد أثم ولزمه إحرام على وجه القضاء اللهم إلا أن يدخلها لقتالٍ مباح.
* السابع والثلاثون: يجوز سَتْر الكعبة بالحرير.
* الثامن والثلاثون: هل يجوز قطع شيء من ستور الكعبة وبيعه وشراؤه
ونقله أم لا؟
منعه: ابن القاص وابن عبدان من الشافعية. وأجازه بعضهم.
وقد روى الأزرقي: أن عمر رضي الله عنه كان ينزع كسوة البيت كل سنة فيقسمها على الحاج (1).
وروى الأزرقي أيضًا، عن ابن عباس وعائشة رضي الله تعالى عنهما: أنهما
(1)"أخبار مكة"(1/ 259).
قالا تُباع كسوتها، ويجعل ثمنها في سبيل الله والمساكين وابن السبيل (1).
وذكر العلائي الشافعي في "قواعده": أنه لا يتردد في جواز (48/ أ) ذلك الآن؛ لأجل وقْف الإمام ضيعة معينة؛ على أن يصرف ريعها في كُسوة الكعبة. والوقف بعد استقرار هذه العادة والعلم بها فينزل لفظ الواقف عليها. قال: وهذا ظاهر لا يعارضه المنقول المقدم.
* قال الشيخ موفق الدين في "المغني": وثياب الكعبة إذا نزعت يُتَصدَّق بها. ونقله عن الإمام أحمد رحمه الله تعالى.
وقال ابن حمدان في "الرعاية": ويجوز بيع كُسوة البيت إذا خَلِقت والتصدق بثمنها، وعنه: والصدقة بها.
* التاسع والثلاثون: يحرم أخذ شيء من طِيب الكعبة للتبرك وغيره، ومن أخذه: لزمه رَدُّه إليها، فإن أراد التبرك: أتى بطِيب من عنده فمسحها به ثم أخذه. هكذا نُقل عن الإمام أحمد، وقاله النووي في "الروضة" من زوائده.
* الأربعون: بيع أشجار الحرم: حرام باطل، والمراد، إذا نبتت بنفسها.
قال القفَّال من الشافعية: إلا أن يقطع شيئًا يسيرًا للدواء؛ فيجوز بيعه حينئذ.
وناقشه النووي في "الروضة" وقال: لا ينبغي أن يجوز.
وعندنا الانتفاع بالمقطوع: نُصَّ عليه، وقيل: ينتفع به غير قاطعه كقلع الريح له.
(1)"أخبار مكة"(1/ 262).
وعند أبى حنيفة: يملكُه لصدقته بقيمته كحقوق العباد، وله بيعه، ويكره؛ لأنه مَلَكَهُ بسبب محرَّم.
* الحادي والأربعون: لُقَطة مكة والحرم؛ هل يجوز التقاطها للتملك أم للحفظ والتعريف؟
فيه قولان: والصحيح؛ أنها تملك بالتعريف، وعن الإمام أحمد رواية أنها لا تملك بحال، واختارها الشيخ تقي الدين وغيره من المتأخرين.
وهو قول: عبد الرحمن بن مهدي، وأبي عبيد، وأصحَّ قولَي الشافعي؛ لما في الصحيحين عن ابن عباس، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم فتح مكة "إن هذا البلد حرَّمه الله تعالى، لا يُعْضَدُ شوكه ولا ينفَّر صيده ولا يُلْتَقَطُ لُقَطَتُه إلا مَنْ عَرَفها"(1).
ومعلوم؛ أن لُقَطة كل بلدة تُعرف، ولو كان كغيره لم يكن لتخصيصه بهذا الذِّكْر معنى.
* الثاني والأربعون: صيد الحرَم: حرام؛ على الحلال والمُحرم بالإجماع، إذا كان برِّيًّا، أما إذا كان بحرّيًا: فروايتان عن الإمام أحمد: صحّح بعضهم المنع؛ لقوله عليه السلام: "لا ينفر صيدها"(1)؛ ولأن حرمة الصيد (48/ ب) للمكان؛ فلا فرق.
والثانية: يحل لاطلاق حِلُّه في الآية؛ ولأن الإحرام (2) لا يحرِّمه كحيوان أهلي وسَبُع.
* الثالث والأربعون: يحرم قلع شجر الحرم إجماعًا ونباته حتى الشَّوك
(1)"البخاري"(1587)، و"مسلم"(1355).
(2)
كذا في "م، س": "الحرام"، وفي "ق":"الحرم"، وفي "ع""الإحرام".
والورق، خلافًا للشافعي إلا اليابس، فإنه كميت لظاهر الخبر، ولا بأس بالانتفاع بما زال بغير فعل آدمي، نص عليه.
ولا يحرَّم: الإذخر، والكمأة، والثمرة، وما أنبته: آدمي من بقل، ورياحين، وزرع: إجماعًا، نص أحمد على الجميع.
ولا يحرم ما أنبته آدمي: من شجر، وجزم به ابن البنَّا في "خصاله" بالجزاء فيه، وِفاقًا للشافعي؛ للنهي عن قطع شجرها، وما فيه مضرة: كشوك، وعوسج: يحرم قطعه عند الشيخ وغيره، وعند أكثر الأصحاب- القاضي وأصحابه-: لا يحرم وفاقًا للشافعي.
وفي جواز رعي حشيشه: وجهان.
* الرابع والأربعون: كره الإمام أحمد إسناد الظهر إلى القبلة.
قال في "الفروع": اقتصر أكثر الأصحاب على استحباب استقبالها، فترْكه أولى، ولعل هذا أولى - انتهى.
* الخامس والأربعون: قال الإمام أحمد: لا يُخرَج من تراب الحرم ولا يُدخَل من الحِلِّ كذلك.
قال ابن عمر وابن عباس: ولا يُخرج من حجارة مكة إلى الحِلِّ ولا يُدْخل إليها من الحِلِّ، والخروج: أشد.
واقتصر بعض علمائنا على كراهة إخراجه، وجزم في مكان آخر بكراهتهما. وقال بعضهم: يكره إخراجه إلى الحِلِّ. وفي إدخاله إلى الحرم روايتان. وفي "الأصول" لا يجوز في تراب الحِلِّ والحَرَم، نُصّ عليه. قال أحمد: والخروج أشد.
* السادس والأربعون: لا يحارَب أهلها؛ لتحريم رسول الله صلى الله عليه وسلم قتالهم
بقوله: "لا يحل لامرئ مسلم يؤمن بالله واليوم الآخر أن يسفك بها دمًا"(1).
فإن بغَوْا على أهل العدل: قاتلهم على بغِيهم؛ إذا لم يمكن ردّهم عن البغي إلا بالقتال.
وذهب جماعة من العلماء إلى تحريم قتال البغاة فيه بل يُضيَّق عليهم إلى أن يخرجوا أو يفيئوا، واختاره القفَّال من الشافعية.
* السابع والأربعون: من أتى حدًّا خارج الحرم أو شيئًا يوجب قصاصًا ثم لجأ إلى الحرم، لم يُقَم عليه الحدّ فيه ولم يُقْتصّ (49/ أ) منه؛ ولكن يُلْجأ إلى الخروج منه: بترك مبايعته ومشاراته، فإذا خرج أقيم عليه، هذا هو المذهب، وهو أحد الأقوال في المسألة.
والقول الثاني: إن كان قاتلًا لم يُقْتل حتى يُخْرج من الحرم، وإن كانت الجناية دون النفس استُوفيَت، وهو رواية عن أحمد وأبي حنيفة.
والقول الثالث: إن القتل وما دونه يُسْتَوْفَى وهو قول مالك والشافعي.
* الثامن والأربعون: يمنع من خالف دين الإسلام من ذمِّي ومعاهد أن يدخل الحرم، لا مقيمًا ولا مارًّا به.
قال في رواية ابن مسعود: ليس لليهود والنصارى أن يدخلوا الحَرم، فقد مُنع منه فإن دخله مشرك عُزِّر إذا دخله بغير إذن ولم يستبح به قتله "فإن دخله بإذن لم يعزر وأنكر على الآذن له ولم يستبح به قتله"(2)، وعُزِّر إن اقتضت حاله التعزير وأخرج منه المشرك. وإن أراد مشرك دخول الحرم ليُسْلِم فيه منع منه حتى يُسْلم قبل دخوله.
(1)"البخاري"(104)، و"مسلم"(1354) من حديث أبي شريح الخزاعي رضي الله عنه.
(2)
سقطت هذه العبارة "فإن
…
قتله" من "ق".
* والتاسع والأربعون: إذا مات مشرك في الحرم: حرم دفنه فيه، ودفن في الحِلِّ؛ فإن دُفن في الحرم نُقِل إلى الحِلِّ؛ إلا أن يكون قد بَلي فيُترك (1) - كما تُرك فيه أموات الجاهلية.
* الخمسون: أنها حرم الله تعالى، حرَّمها يوم خلق السموات والأرض، وهذا أحد القولين- كما قاله القاضي أبو يعلي في "أحكامه"؛ فإنه قال:
وقد اختُلِف في مكة وما حولها: هل صارت حرامًا بسؤال إبراهيم عليه السلام، أو كانت قبله كذلك؟
فمن الناس من قال: لم يزل حرمًا (2) آمنًا من الجبابرة المسلطين ومن الخسوف والزلازل (3)؛ وإنما سأل إبراهيم عليه السلام ربه أن يجعله آمنًا من الجدب والقحط، وأن يرزق أهله من كل الثمرات. وهذا ظاهر كلام الإمام أحمد في رواية الأثرم وقد سئل عن قول النبي صلى الله عليه وسلم عن مكة:"أُحلّت لي ساعة من نهار ولم تحلّ لأحد قبلي"(4): ما وجهه؟ !
قال: وجهه أنها كانت حرامًا لم تزل فقد نُصّ على أنها لم تزل حرامًا.
والوجه فيه: ما ورى سعيد بن أبي سعيد- يعني: المقبري- قال: سمعت أبا شريح الخزاعي يقول: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم (49/ ب) لما افتتح مكة قام خطيبًا فقال: "يا أيها الناس، إن الله تعالى حرّم مكة يوم خلق السموات والأرض، فهي حرام إلى يوم القيامة، لا يحل لامرئ يؤمن بالله واليوم الآخر أن يسفك بها دمًا أو يعضد بها شجرا، ألا وإنها لا تحلُّ لأحد بعدي،
(1) في "ق": "فيه كما".
(2)
في "م، ق""حراما"، وفي "س، ع": "حرما".
(3)
في "م": "والزازل"، وفي "س""الزلزال". وفي "ع وق""الزلازل".
(4)
تقدم.
ولم تحل لي إلا هذه الساعة غضَبًا على أهلها، ألا وهي قد رجعت على حالها بالأمس، ألا ليبلغ الشاهد الغائب"، فمن قال إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قاتل بها! فقولوا: إن الله تعالى قد أحلَّها لرسوله ولم يحلَّها لك (1).
ومن الناس من قال: إن مكة كانت حلالًا قبل دعوة إبراهيم عليه السلام كسائر البلاد وإنها صارت بِدَعوته حرمًا (2) آمنا حين حرَّمها الله تعالى، كما صارت (3) المدينة بتحريم رسول الله صلى الله عليه وسلم حرمًا (4) بعد أن كانت حلالًا؛ لما روى أبو هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن إبراهيم كان عبد الله وخليله وإني عبد الله ورسوله. وإن إبراهيم حرّم مكة وإني حرّمت المدينة ما بين لابيتها: عِضاها وصيدها، لا يُحمل فيها السلاح لقتال ولا يُقطع فيها شجر إلا لعلف بعير (5) - انتهى- كلام القاضي.
وهذا الحديث أصله في "الصحيح". فقد روى مسلم: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: اللهم إن إبراهيم حرّم مكة فجعلها حرمًا (6)، وإني حرَّمت المدينة حرامًا ما بين مأزميها: أن لا يهُراق فيها دمٌ ولا يحمَل فيها سلاح لقتال ولا يخبط فيها شجرة إلا لعلف" (7).
ورويناه بإسكان اللام من علف؛ لأنه مصدر، وأما بفتح اللام: فاسم للحشيش والتبن والشعير ونحو ذلك.
(1) تقدم.
(2)
في "ق": "حراما".
(3)
في "ق": "كانت".
(4)
في "ق": "حراما".
(5)
"ابن ماجه"(12، 13)، و"الطبري" في تفسيره (1/ 542).
(6)
في "ق": "حراما".
(7)
"مسلم"(1374) من حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه.
الحادي والخمسون: تغليظ الدِّيَة على من قتل في الحرم المكِّي: واختلفوا في قدر التغليظ: فقال ابن المنذر: روينا عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه قال: "مَنْ قَتَل في الحرم أو الأشهر الحُرُم عليه الدِّيَة وثُلُث الدية"، وبه قال سعيد بن المسيّب، وعطاء بن أبي رباح، وسليمان بن يسار، وأحمد بن حنبل، وغيرهم.
وقالت طائفة: التغليظ في أسنان الإبل لا الزيادة في العدد، وبه قال: طاوس، والشافعي.
قلت: وهو قول عندنا، ولنا قول آخر: إن التغليظ بدِيَتَيْن.
أما حرم المدينة (50/ أ)؛ فالأصح عندنا وعند الشافعية: لا تغليظ فيه.
* الثاني والخمسون: ذهب الحسن البصري: إلى أنه لا يحل لأحد أن يحمل السلاح بمكة؛ لأن القتل فيه منهي عنه، فلا يحلُّ ما هو سببه، ولقوله صلى الله عليه وسلم:"لا يحل لأحد أن يحمل السلاح بمكة" رواه مسلم (1).
قال القاضي عياض: وهو محمول عند أهل العلم على حمل السلاح لغير ضرورة ولا حاجة؛ فأما لضرورة أو حاجة: فإنه يجوز. قال: وهذا مذهب مالك، والشافعي، وعطاء، وحجَّتهم: دخوله في عمرة القضاء بما شرطه من السلاح في القِراب، ودخوله عام الفتح متأهبًا للقتال.
قال: وشذ عكرمة عن الجماعة؛ فقال: إذا احتاج إليه حَمَلَهُ؛ وعليه الفدية.
قال البخاري: ولم يُتابَع عليه في الفدية (2).
(1)"مسلم"(1374) وتقدم.
(2)
في "م": "الفدة"، وفي "ق، س": "الفدية".
قلت: أما كون حمل السلاح بمكة لا يجوز إلا لحاجة: فهو متفق عليه بين الأربعة. نقل الأثرم: لا يُتقلَّد- يعني السيف بمكة- إلا لخوف.
* الثالث والخمسون: كل هدْي أو إطعام يتعلق بالحرم أو الإحرام فهو لمساكين الحرم؛ إن قدر يوصله إليهم، ويجب نحر الهدْي في الحرَم وفاقًا للأئمة الثلاثة، ويجزيه جميعه وفاقًا لأبي حنيفة والشافعي، قال أحمد: مكة ومنَى واحد. وقال مالك لا ينحر في الحج إلا بِمنَى، ولا في العمرة إلا بمكة.
والطعام كالهْدي وفاقًا للشافعي، وعند أبي حنيفة ومالك: يجوزان في الحِلّ. وقال عطاء والنخعي: الهدْي بمكة، والطعام حيث شاء، وما وجب بفعل محظور فحيث فعله خلافًا لأبي حنيفة والشافعي؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم أمر كعب بن عجرة بالفدية بالحدَيبية (1)، وهي من الحِلّ وعنه في الحرَم. وقاله الخِرَقي في غير الحلْق واعتبر في "المجرّد" و"الفصول" العذر في المحظور وغير المعذور في الحرم كسائر الهدْي، وأما جزاء الصيد: ففي الحرم للآية (2)، وحكيت رواية: حيث قتله، وقيل: لعذر.
* الرابع والخمسون: لا دم على المتمتَع والقارِن إذا كانا من حاضِري المسجد الحرام للآية الكريمة (3).
* الخامس والخمسون: يجب قصده للحج والعمرة على المستطيع، ولا يجب ذلك في موضع آخر بالاتفاق.
وبهذا احتج الشيخ عز الدين؛ لتفضيله له على المدينة (50/ ب)، قال:
(1)"البخاري"(1815)، و"مسلم"(1201) من حديث كعب بن عجرة رضي الله عنه.
(2)
"المائدة"[الآية: 95].
(3)
"البقرة"[الآية: 196].
لأنه إذا كان لملك داران وأوجب على رعيته إتيان إحداهما دون الأخرى: دلّ ذلك على أن اهتمامه بتلك أقوى، وأنها أرجح عنده من الأخرى.
* السادس والخمسون: الصحيح عند الشافعية: أنه لا يجوز إحرام المقيم بالحرم بالحج إلا منه، ولو أحْرم خارجه كان مسيئًا. وعندنا يجوز من الحرَم والحِلّ، نقله الأثرم، وابن منصور، ونصَرَه القاضي، وأصحابه وِفاقًا لمالك، كما لو خرج إلى الميقات الشرعي، وكالعمرة. ومنعوا وجوب إحرامه من الحرم ومكة، وعنه: عليه دم، وعنه: إنْ أحْرم من الحِلّ، وجزم به الشيخ؛ لإحرامه دون الميقات، قال: وإن مر في الحرم، يعني: قبل مضيه إلى عرفة: فلا دم؛ لإحرامه قبل ميقاته - كمحرم قبل المواقيت وفاقًا لأبي حنيفة وأحد قوْلَي الشافعي، وأبو حنيفة: يعتبر مروره في الحرم ملبيًّا، ولم يعتبره صاحباه.
* السابع والخمسون: أنها دار إسلام أبدًا لا يُتصوَّرُ فيها خلافه، كذا قاله بعضهم. والمراد: بعد فتحها، وهو أحد التأويلين في قوله صلى الله عليه وسلم:"لا هجرة بعد الفتح"(1)، أي: من مكة؛ لأنها دار إسلام لا يُتصَوَّر منها الهجرة.
وفي "صحيح مسلم" عن جابر قال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول "إن الشيطان قد أيِس أن يعبده المصلون في جزيرة العرب ولكن في التحريش بينهم"(2).
* الثامن والخمسون: المحافظة (3) على الموت بها.
فروى الدارقطني عن عائشة مرفوعًا: "مَن مات في هذا الوجه من حاجّ
(1)"البخاري"(2783)، و"مسلم"(1864) من حديث ابن عباس.
(2)
"مسلم"(2818) من حديث جابر بن عبد الله.
(3)
في "م": "المحافظ".
أو مُعتمِر لم يُعرَض ولم يحاسَب وقيل له ادخل الجنة" (1).
وروى البيهقي عن أبي هريرة مرفوعًا: "من خرج حاجًّا أو مُعتمِرًا أو غازيًا ثم مات في طريقه كتب الله له أجر الغازي والحاج والمعتمر إلى يوم القيامة"(2).
* التاسع والخمسون: اختلف السلف أيما أفضل البداءة بمكة أو في المدينة؟
وفي المسألة قولان حكاهما ابن أبي شيبة في "مصنفه" والإمام أحمد في كتاب "المناسك الكبير" له، فقال وقد سئل هل يُبدأ بالمدينة قبل مكة. فذكر بإسناده عن عبد الرحمن بن يزيد، وعطاء، ومجاهد (51/ أ) قالوا: إذا أردت مكة فلا تبدأ بالمدينة وابدأ بمكة، فإذا قضيت حجّك فامرر بالمدينة إن شئت.
وبإسناده عن إبراهيم النخعي، ومجاهد: إذا أردت مكة فاجعل كل شيء لها تَبَعًا.
وبإسناده عن عدي بن ثابت: أن نفرًا من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم كانوا يبدءون بالمدينة إذا حجّوا ويقولون هذا من حيث أحرم رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وروى ابن أبي شيبة بسنده عن علقمة، والأسود، وعمرو بن ميمون: أنهم بدءوا بالمدينة قبل مكة.
(1)"الدارقطني"(2/ 298)(278).
(2)
شعب الإيمان (3/ 474) حديث رقم (4100) ورواه الطبراني في "الأوسط" كما في "المجمع"(3/ 209) وقال فيه: جميل بن أبي ميمونة وقد ذكره ابن أبي حاتم ولم يذكر فيه جرحًا ولا تعديلًا وذكره ابن حبان في الثقات.
قال في "المغني": قال أحمد: إذا حجّ الذي لم يحج قطّ من غير الشام لا يأخذ على طريق المدينة؛ لأني أخاف أن يحدث به حدث، فينبغي أن يقصد مكة من أخص الطرق ولا يتشاغل بغيره.
وفي "الفصول": نقل صالح، وأبو طالب: "إذا حج للفرض، لم يمرْ بالمدينة؛ لأنه إن حدث به حدَث الموت كان في سبيل الحج، وإن كان تطوعًا: بدأ بالمدينة.
وقال أبو حنيفة: الأحسن أن يبدأ بمكة، حكاه أبو الليث السمرقندي.
وقال العبدري المالكي في "شرح الرسالة": المشي إلى المدينة لزيارة قبر رسول الله صلى الله عليه وسلم أفضل من الكعبة ومن بيت المقدس (1).
* الستون: انعقد الإجماع على أن أفضل البقاع مكة والمدينة.
ثم اختلفوا: أيهما أفضل؟ فقال القاضي عياض مستثنيًا من محل الخلاف:
أفضل بقع (2) الأرض على الإطلاق: المكان الذي ضمّ جسد النبي صلى الله عليه وسلم.
وقال ابن عقيل في "الفنون":
الكعبة أفضل من مجرد الحجرة، فأما وهو فيها؛ فلا والله؛ ولا العرش، وحملته، والجنة؛ لأن بالحجرة جسدًا لو وزن به لرجح.
(1) في هامش نسخة "ق": "هذا القول خطأ محض، مخالف للثابت عن رسول الله من الأحاديث في فضل الحج والعمرة ولقوله "صلوا علي حيث كنتم" ولقوله "لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد" ولأن إتيان الكعبة أحد أركان الإسلام فلا يوازيها غيرها وزيارته عليه السلام ليست واجبة بالإجماع".
(2)
في "ق": "بقاع".
قال في "الفروع": فدلّ كلام الأصحاب أن الحجرة على الخلاف.
وقال الشيخ تقي الدين ابن تيمية: لم أعلم أحدًا فضَّل التربة على الكعبة غير القاضي عياض، ولم يسبقه أحد ولا وافقه أحد.
ثم بعد ذلك اختلفوا في أيهما أفضل:
فذهب عمر وغيره من الصحابة إلى تفضيل المدينة، وهو قول مالك وأكثر المدنيين، وهو (51/ ب) رواية عن أحمد، واختارها ابن حامد وغيره.
وذهب أبو حنيفة، والشافعي، وأحمد، وأكثر العلماء إلى تفضيل مكة، ونصره القاضي، وأصحابه، وبه قال ابن وهب، وابن حبيب، وأصبغ من المالكية، قال العبدري: وهو مذهب أكثر الفقهاء.
قال ابن حزم: روى القطع بتفضيل مكة على المدينة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: جابر، وأبو هريرة، وابن عمر، وابن الزبير، وعبد الله بن عدي، بأسانيد في غاية الصحة:
فحديث عبد الله بن عدي بن الحمراء: رواه أحمد، والنسائي، والترمذي، وابن ماجه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال وهو واقف بالحزوَرة في سوق مكة: "والله إنكِ لخير أرض الله إلى الله، ولولا أني أُخرجْت منك ما خرجت"(1).
وعن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في سوق الحزْوَرَة بمكة: "والله إنكِ لخير أرض الله وأحب البلاد إلى الله تعالى، ولولا أني أخرجت منكِ ما
(1)"أحمد"(4/ 305)، النسائي في "الكبرى"(2/ 479)، و"الترمذي"(3925)، و"ابن ماجه" (3108) وقال الترمذي: حديث حسن غريب صحيح.