الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الباب الخامس في ذكر جملة من خصائصه وأحكامه:
* الأول: أن الله تعالى خصه بإسراء نبيه صلى الله عليه وسلم إليه بقوله تعالى: {سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى} (1).
* الثاني: أن منه حصل المعراج بسيد الأولين والآخرين صلوات (2) الله وسلامه عليه وناهيك بها (3) من فضيلة.
واختلفوا في وقت المعراج:
فقيل: كان قبل المبعث، وهو شاذ؛ إلا إن حُمِل أنَّه حينئذٍ وقع في المنام.
وذهب الأكثر: إلى أنَّه كان بعد المبعث.
ثمَّ اختلفوا؛ فذهب الأكثر إلى أنَّه كان في ربيع الأول قبل الهجرة بسنة. وبالغ ابن حزم؛ فنقل الإجماع على ذلك.
وقيل: قبل الهجرة بسنة وخمسة أشهر، قاله السُّدي، وأخرجه من طريقه (4) الطبري والبيهقيُّ. فعلى هذا؛ كان في شوال.
(1)"الإسراء"[آية: 1].
(2)
في "ق": "عليه صلوات".
(3)
في "ق": "به".
(4)
في "ق": "طريق".
وقيل: كان في رجب، حكاه ابن عبد البر، وجزم به النُّووي في "الروضة".
وقيل: بثمانية عشر شهرا - حكاه ابن عبد البر، وَقَبله ابن قتيبة؛ فعلى هذا: يكون في رمضان.
وقيل: كان قبل الهجرة بسنة وثلاثة أشهر؛ فعلى هذا: يكون في ذي الحجة، وبه جزم ابن فارس.
وقيل: قبل الهجرة بثلاث سنين - حكاه ابن الأثير، واختار ابن المنير تبعًا للحربي: أنَّه كان في سابع عشر (1) ربيع الآخر، وكذا جزم به النَّووي في "فتاويه"؛ لكن قال في "شرح مسلم": ربيع الأول.
* وحكى عياض عن الزُّهري: أنَّه كان بعد المبعث (79/ أ) بخمس سنين، وعليه يدل كلام ابن إسحاق وصنيع ابن عساكر.
وأما البخاري؛ فصنيعه يدل: أنَّه كان قبل الهجرة بسنة أو سنتين.
واستنبط ابن المنير: أنَّه كان يوم الاثنين؛ لأنه وُلد فيه، وبُعث فيه، وهاجر فيه، ومات فيه.
وقد روى ابن (2) أبي شيْبَة ما يوافقه من حديث جابر وابن عباس؛ قالا: وُلد رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الاثنين، وفيه بُعث، وفيه عُرج به إلى السماء، وفيه مات.
ورجح القرطبي والنووي تبعًا لعياض قول الزهري. انتهى ملخصًا؛ غالبه من شرح البخاري لابن حجر.
(1) في "م": "عشرى".
(2)
في "ق": "ابن شيبة".
وقد تقدم في الحديث الصحيح: أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى تلك الليلة ببيت المقدس ركعتين، وكذا تقدم في "المُسند": أنَّه صلى (1)، ورواه البزار في "مسنده"، لكن ذكر ابن حبَّان في "صحيحه": أنَّه لم يصلِّ (2).
* الثالث: مضاعفة الصلاة فيه، وقد تقدمت، وتقدم ذكر الخلاف في قدرها.
* الرابع: استحباب شد الرحال إليه، ففي "الصحيحين":"لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد، فذكر منها المسجد الأقصى"(3).
* الخامس: يستحب ختم القرآن به، كما روى سعيد بن منصور في "سننه"، عن أبي مجلز، قال: كانوا يستحبون لمن أتى المساجد الثلاثة أن يختم بها القرآن قبل أن يخرج: المسجد الحرام ومسجد النبي صلى الله عليه وسلم ومسجد بيت المقدس.
وروى أبو المعالي: أن سفيان الثوري كان يختم به القرآن.
* السادس: يستحب الصيام فيه. فقد رُوي "صوم يوم في بيت المقدس: براءة من النار".
* السابع: ذكر بعض الشافعية استحباب الحج والعمرة منه؛ لخبر أم حكيم عن أم سلمة مرفوعًا: "مَنْ أهلَّ بعمرة من بيت المقدس: غُفر له".
رواه ابن ماجه (4) من رواية ابن إسحاق - وهو مدلس - وصرَّح بالسماع.
(1) تقدم.
(2)
"البزار"(1/ 35)، "كشف""صحيح ابن حبَّان"(1/ 233).
(3)
تقدم.
(4)
ابن ماجه (3001).
ولأحمد من روايته - وصرَّح بالسماع -: "من أهلَّ من المسجد الأقصى بعمرة أو بحجة: غُفر له ما تقدم من ذنبه"(1).
وفي لفظ له من رواية ابن لهيعة: "من أحرم من بيت المقدس: غُفر له ما تقدم من ذنبه"(2).
وفي رواية لأبي داود: "من أهلَّ بحجة أو عُمرة من المسجد الأقصى إلى المسجد الحرام: غُفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر، أو وجبت له الجنة"(3) شكَّ عبد الله أيهما قال، إسناده جيد (79/ ب) ليس فيه ابن إسحاق.
وأما عندنا فلا يستحب الإحرام قبل الميقات.
وأجاب القاضي أبو يعلى في "التعليق" عن الحديث المتقدم؛ بأنَّ قوله: "من أهلَّ": معناه من قصد من المسجد الأقصى، ويكون إحرامه من الميقات.
وأجاب الشيخ موفَّق الدين؛ بتضعيف الخبر؛ لأنه يرويه ابن أبي فدَيْك وابن إسحاق وفيهما مقال، ثمَّ قال: ويُحْتمل اختصاص هذا ببيت (4) المقدس دون غيره ليجمع بين الصلاة في المسجدين في إحرام واحد؛ ولذلك أحرم ابن عمر منه ولم يكن يحرم من غيره إلا من الميقات.
قلت: الاحتمال الثاني الذي ذكره الشيخ: أظهر؛ فإن ابن إسحاق مدلس وقد صرَّح بالسماع عن ابن أبي فُدَيْك ثقة محتجّ به في الكتب الستة، وانفرد ابن سعد بقوله وليس بحجة.
(1)"المسند"(6/ 299).
(2)
"المسند"(6/ 299).
(3)
أبو داود (1741).
(4)
في "م""بيت".
* الثامن: يستحب لمن لم يقدر على زيارته أن يهدي له زيتًا لما تقدم من حديث ميمونة (1). ذكره بعض الشافعية.
* التاسع: حُكِىَ عن بعض السلف: أن السيئات تضاعف فيه.
رُوي ذلك: عن كعب الأحبار، وذكر أبو بكر الواسطي، عن نافع، قال: قال لي ابن عمر: اخرج بنا من هذا المسجد؛ فإن السيئات تضاعف فيه كما تضاعف الحسنات.
* العاشر: أن الدَّجَّال لا يدخل بيت المقدس.
روى ذلك: أبو بكر بن أبي شيبة في "مصنَّفه"(2)، عن سَمُرة بن جندب، عن النبي صلى الله عليه وسلم، وذكر الدجال، وقال:"وإنه سيظهر على الأرض كلها إلا الحرم وبيت المقدس، وأنه يحصر المؤمنين في بيت المقدس".
وأخرجه الحاكم في "مستدركه" من كتاب صلاة الكسوف، وقال: صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه (3).
وروى الإمام أحمد في "مسْنَده"، عن النبي صلى الله عليه وسلم في ذِكر الدَّجَّال، إلى أن قال:"وإنه يلبث فيكم أربعين صباحًا يَرِد فيها كل منهل إلا أربع مساجد: مسجد الحرام، ومسجد المدينة، والطور، ومسجد الأقصى"(4).
* الحادي عشر: قال في "إعلام الساجد": الصخرة في المسجد الأقصى كالحجر الأسود في المسجد الحرام.
(1) تقدم.
(2)
"المصنف"(7/ 496) رقم (37513).
(3)
"المستدرك"(1/ 329).
(4)
"المسند"(5/ 364، 434 - 435).
قال: ولما فُدي إسماعيل بالكبش ذبحه إبراهيم عليهما السلام عليها، فاختار الله ذلك الموضع لقربان خليله (80/أ) صلى الله عليه وسلم، ومنّ عليه بفدا ابنه، فهو محلّ للرحمة.
قلت: وفيه نظر ظاهر؛ وقد تقدم كلام الشيخ تقي الدين في الصخرة.
وذكر الترمذي في التفسير من "جامعه": أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "لما كان ليلة أُسْرِىَ بي أتى جبريل الصخرة ببيت المقدس فوضع أصبعه فيها فخرقها فشد بها البراق"(1).
وروى أبو نعيم، عن وهب بن منبه، قال: قال الله تعالى لصخرة بيت المقدس: "لأضعن عليكِ عرشي ولأحشرنَّ عليك خلقي، وليأتينَّك داود راكبًا"(2).
* الثاني عشر: أن الصخرة محل نداء القيامة في قوله تعالى: {وَاسْتَمِعْ يَوْمَ يُنَادِ الْمُنَادِ مِنْ مَكَانٍ قَرِيبٍ} (3).
قال الفرَّاء: واستمع يا محمَّد صيحة (4) القيامة والنشور يوم ينادي المنادي.
قال تعالى: يعني: إسرافيل عليه السلام ينادي بالحشر: يا أيتها العظام البالية والأوصال المتقطعة واللحوم المتمزقة والشعور المتفرقة إن الله يأمركن أن تجتمعن (5) لفصل القضاء من مكان قريب من صخرة بيت المقدس.
(1) الترمذي (3132). من حديث بريدة وقال: حديث حسن غريب.
(2)
انظر "فضائل بيت المقدس" للمقدسي (ص: 58).
(3)
"ق"[آية: 41].
(4)
في "ق": "صبيحة".
(5)
في "م": "تجمعن".
* الثالث عشر: أنها أقرب الأرض إلى السماء.
قال تعالى: {مِنْ مَكَانٍ قَرِيبٍ} : قال الكلبي: هي أقرب الأرض إلى السماء بثمانية عشر ميلًا.
وقال القشيري: باثني عشر ميلًا.
* الرابع عشر: أنها وسط الأرض جزم به صاحب "المصابيح".
* الخامس عشر: يُكره استقبال بيت المقدس بالبول والغائط، في ظاهر ما نقله حنبل عن الإمام أحمد.
وقال النَّووي في "الروضة": يُكره استقباله واستدباره بهما.
* السادس عشر: رُوي أنَّه من دُفن ببيت المقدس؛ وُقِىَ فتنة القبر وسؤال الملكين.
* السابع عشر: من مات في بيت المقدس؛ فكأنما مات في السَّماء - كما رواه أبو نعيم في "تاريخ أصبهان"، عن أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنَّه قال:"مَن مات في بيت المقدس فكأنما مات في السماء"(1).
* الثامن عشر: روى الخطيب في كتابه: "الموضِّح أوهام الجمع والتفريق" من حديث جابر يرفعه: "أول من يدخل الجنة الأنبياء ثمَّ مؤذِّنو البيت ثمَّ مؤذِّنو بيت المقدس ثمَّ مؤذنو مسجدي ثمَّ سائر المؤذنين، قال: ومؤذن البيت بلال"(80/ ب) قال الخطيب: غريب (2).
* التاسع عشر: ليحذر من اليمين الفاجرة فيه وكذا في المسجدين، فإن عقوبتها عاجلة.
(1)"التاريخ"(2/ 176).
(2)
"الموضح"(1/ 50).
وروىَ: أن عمر بن عبد العزيز أمر كل عمال سليمان بن عبد الملك إلى الصخرة ليحلفوا عندها، فحلفوا؛ إلَّا واحدًا فدا يمينه بألف دينار، فما حال الحول على واحد منهم، بل ماتوا كلهم.
* العشرون: في "الصحيحين": "لا تزال طائفة من أمتي ظاهرين على الحق، لا يضرهم من خالفهم" الحديث (1).
قال الطبري في روايته: قيل: فأين هم يا رسول الله، قال:"ببيت المقدس، أو بأكناف بيت المقدس"(2).
وروى أبو يعلى الموصلي، عن أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنَّه قال:"لا تزال عصابة من أمتي يقاتلون على أبواب دمشق وعلى أبواب بيت المقدس لا يضرهم خذلان مَن خذلهم ظاهرين على الحق إلى أن تقوم الساعة"(3).
* الحادي والعشرون: تقدم أن صلاة العيد في الصحراء أفضل إلا في مكة؛ لمعاينة الكعبة، وألْحَقَ بعض الشافعية المسجد الأقصى بمسجد مكة، منهم: الصيدلاني، وصاحب "الخصال"، والماوردي، والروياني، والبغويُّ، والبندنيجي، والجويني في "مختصره"، والغزالي في "خلاصته"، والخوارزمي في "الكافي"؛ وعلَّله بعضهم: بأن المعنى في مسجد مكة؛ لما فيه من الفضل والسعة، والمسجد الأقصى يجمعهما. وسكتوا عن مسجد المدينة؛ لصغره.
وأما أصحاب الإمام أحمد؛ فإنهم لم يستثنوا إلا المسجد الحرام.
(1) البخاري (3116)، ومسلم (1920) من حديث معاوية رضي الله عنه.
(2)
انظر "المسند"(5/ 269)، و"المعجم الكبير" للطبراني (8/ 171) رقم 7643 من حديث أبي أمامة الباهلي.
(3)
"المسند" لأبي يعلي (11/ 6417).
* الثاني والعشرون: قال ابن سُراقة في كتاب "الأعداد": أكبر مساجد الإِسلام واحد، وهو: مسجد بيت المقدس.
وقيل: ما تم فيه صف واحد قط في عيد ولا جمعة ولا غير ذلك! ! انتهى.
* الثالث والعشرون: أن الله تعالى بارك حوله - كما في قوله تعالى: {سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ} (1).
* الرابع والعشرون: الصخرة من جنة الفردوس - كما تقدم في أثر أنس.
* الخامس والعشرون: أن الجنَّة تحنُّ شوقًا إلى بيت المقدس - كما تقدم أيضًا.
* السادس والعشرون: أن من قصده لا يريد إلَّا الصلاة فيه: يرجى له أن يخرج من ذنوبه (81/ أ) كيوم ولدته أمه - كما تقدم في الباب الأول من سؤال سليمان عليه السلام.
* السابع والعشرون: أنَّه ثاني مساجد الدنيا وضعًا - كما ثبت في "الصحيحين" من حديث أبي ذر - وقد تقدم.
* * *
(1)"الإسراء"[آية: 1].