الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
سورة التكوير
مكية
وهي تسع وعشرون آية
* * *
بسم الله الرحمن الرحيم
(إِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ
(1)
وَإِذَا النُّجُومُ انْكَدَرَتْ (2) وَإِذَا الْجِبَالُ سُيِّرَتْ (3) وَإِذَا الْعِشَارُ عُطِّلَتْ (4) وَإِذَا الْوُحُوشُ حُشِرَتْ (5) وَإِذَا الْبِحَارُ سُجِّرَتْ (6) وَإِذَا النُّفُوسُ زُوِّجَتْ (7) وَإِذَا الْمَوْءُودَةُ سُئِلَتْ (8) بِأَيِّ ذَنْبٍ قُتِلَتْ (9) وَإِذَا الصُّحُفُ نُشِرَتْ (10) وَإِذَا السَّمَاءُ كُشِطَتْ (11) وَإِذَا الْجَحِيمُ سُعِّرَتْ (12) وَإِذَا الْجَنَّةُ أُزْلِفَتْ (13) عَلِمَتْ نَفْسٌ مَا أَحْضَرَتْ (14) فَلَا أُقْسِمُ بِالْخُنَّسِ (15) الْجَوَارِ الْكُنَّسِ (16) وَاللَّيْلِ إِذَا عَسْعَسَ (17) وَالصُّبْحِ إِذَا تَنَفَّسَ (18) إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ (19) ذِي قُوَّةٍ عِنْدَ ذِي الْعَرْشِ مَكِينٍ (20) مُطَاعٍ ثَمَّ أَمِينٍ (21) وَمَا صَاحِبُكُمْ بِمَجْنُونٍ (22) وَلَقَدْ رَآهُ بِالْأُفُقِ الْمُبِينِ (23) وَمَا هُوَ عَلَى الْغَيْبِ بِضَنِينٍ (24) وَمَا هُوَ بِقَوْلِ شَيْطَانٍ رَجِيمٍ (25) فَأَيْنَ تَذْهَبُونَ (26) إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ لِلْعَالَمِينَ (27) لِمَنْ شَاءَ مِنْكُمْ أَنْ يَسْتَقِيمَ (28) وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ (29)
* * *
(إِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ): جمع بعضها إلى بعض، فتُلَفّ، أو أظلمت، أو أذهبت ومحيت، أو ألقيت في جهنم، والأولى أن يكون رافع الشمس فعلاً مضمرًا يفسره ما
بعده لأن: " إذا " طالب للفعل، (وَإِذَا النُّجُومُ انكَدَرَتْ): تناثرت، وتساقطت من السماء إلى الأرض، أو تغيرت فلم يبق لها ضوء، (وَإِذَا الجِبَالُ سُيِّرَتْ)، عن وجه الأرض، أو سيرت في الهواء، (وَإِذَا العِشَارُ): الحوامل من الإبل التي وصلت في حملها إلى الشهر العاشر، وهي خيار الأموال عند العرب، (عُطِّلَتْ): تركت وسيبت، أو العشار: السحاب عطلت عن المطر، أو المراد: الأرض، التي تُعَشَّر، عُطّلت عن الزرع، (وَإِذَا الوُحُوشُ حُشِرَتْ)، جمعت، فاختلط الناس والدواب والطيور، وماج بعضها في بعض، أو بعثت ليقتص بعضها من بعض، أو أميتت، عن ابن عباس: حشر كل شيء الموت سوى الجن والإنس، (وَإِذَا البِحَارُ سُجِّرَتْ): أوقدت فصارت نارًا، وعن كثير من السلف: يرسل
الله على البحر الدبور، فتسعرها فتصير نارًا، أو ملئت، وفجر بعضها إلى بعض، فتصير الكل بحرًا واحدًا أو يبست فلم يبق فيها قطرة ماء، (وَإِذَا النُّفُوسُ زُوِّجَتْ): بالأبدان، أو قرن كل رجل مع كل قوم كانوا يعملون عمله، أي: الأمثال من الناس بينهم، أو نفوس المؤمنين بالحور العين، ونفوس الكافرين بالشياطين، أو قرنت نفس الصالح مع الصالح فِي الجنة، ونفس الطالح مع الطالح في النار، (وَإِذَا الْمَوْءُودَةُ): البنات المدفونة حية، (سُئِلَتْ بِأَيِّ ذَنْبٍ قُتِلَتْ)، وسؤالها لتوبيخ قاتلها، وتبكيته كتبكيت النصاري بسؤال (أَأَنْتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّيَ إِلَهَيْنِ) [المائدة: 116]، (وَإِذا الصُّحُفُ): صحائف الأعمال، (نشِرَتْ)، للحساب، فإنها كانت مطوية، أو فرقت بين أصحابها، (وَإِذَا السَّمَاءُ كُشِطَتْ): كشفت وأزيلت كما يكشف الغطاء عن الشيء، (وَإِذَا الجَحِيمُ سُعِّرَتْ): أوقدت شديدًا، (وَإِذَا الجَنَّةُ أُزْلِفَتْ): قربت من المؤمنين، (عَلِمَتْ نَفْسٌ ما أَحْضَرَتْ)، من خير وشر، وهو جواب إذا، والمراد زمان ممتد من النفخة الأولى، وهي زمان التكوين إلى آخر الموقف، ونفس في معنى العموم كتمرة خير من جرادة، وقيل معناه: علمت نفس كافرة ما أحضرت، فالتنوين للتنويع، (فَلَا أُقْسِمُ بِالْخُنَّسِ)، خَنَسَ: تأخر، واختفى، وخنس الكواكب: رجع، (الجَوَارِ الكُنَّسِ)، الجواري: السيارة، يقال كنس الوحش إذا دخل كناسه، عن عليٍّ وغيره رضي الله عنهم: هي النجوم تخنس بالنهار، وتكنس بالليل، أي: تطلع في أماكنها، أو المراد السيارات منها، سوى النيرين تجري معهما، أو ترجع حتى تختفي تحت ضوء الشمس، أو المراد الوحش تأوي إلى كناسها، وعليه ابن عباس رضي الله عنه ومجاهد، (وَالليْلِ إِذا عَسْعَسَ): أقبل ظلامه، أو أدبر، والأول أولى لقوله تعالي:(والضحى والليل إذا سجى)
[الضحى: 1، 2](والليل إذا يغشى)[الليل: 1] والتحقيق أن الواو للعطف، والظرف في مثل هذه الموضع معمول مضاف مقدر، أي: وبعظمة الليل إذا، فإن الإقسام بالشيء إعظام له، كما صرح الزمخشري في " لا أقسم بيوم القيامة " [القيامة: 1] لا أنه معمول لفعل القسم لفساد المعنى، إذ ليس المراد أن إقسامه في الليل، وفي الصبح، أو إذا بدل كأنه قيل: والليل وقت غشيانه، ومثل هذا الشائع، (وَالصُّبْحِ إِذَا تَنَفَّسَ): إذا أضاء، (إِنَّهُ): القرآن، (لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ): جبريل، قال عن الله،
(ذي قُوَّة): شديد القوى، (عِندَ ذِي العَرْشِ مَكِين): ذي مكانة، (مُطَاعٍ ثَمَّ): في السماوات بين الملأ الأعلى، فإنه من سادة الملائكة، (أَمِينٍ)، على الوحي والأمر، (وَمَا صَاحِبُكُم): محمد عليه السلام، (بِمَجنونٍ)، كما زعمتم، وهذا أيضًا من جواب القسم، والكلام مسوق لحقيقة المنزل، ليدل على صدق ما فيه من أهوال القيامة، ووصف الآتي بالقول يؤيد ذلك، ويشد عضده، وأما وصف من أنزل عليه فلا مدخل له في هذا الغرض الذي هو حقية القرآن، ولذا وصف جبريل، واكتفى في وصف محمد عليهما السلام بنفي الجنون المزعوم المنافي لأن يكون صاحبه ممن أنزل عليه، (وَلَقَدْ رَآهُ): محمدٌّ جبريلَ على صورته، (بِالْأُفُقِ الْمُبِينِ): هو
الأفق الأعلى من ناحية المشرق، (وَمَا هُوَ): محمد، (عَلَى الغَيْبِ): على كل ما اطلع عليه مما كان غائبًا عنه، [(بِضنينٍ)]: بمتهم، ومن قرأ بالضاد فمعناه ليس ببخيل عليه، بل يبذله لكل أحد ويعلمه، (وَمَا هُوَ): القرآن، (بِقَوْلِ شَيْطَانٍ رجِيمٍ)، فليس بشعر، ولا كهانة وسحر، (فَأَيْنَ تَذهَبُونَ)، هذا يقال لمن ضل الطريق، مثلت حالهم بحاله في عدولهم عنه إلى الباطل، (إِنْ هُوَ إِلا ذِكْرٌ): عظة، (لِّلْعَالَمِينَ): لجميع الخلائق، (لِمَن شَاءَ مِنكُمْ أَن يَسْتَقِيمَ)، على الطريق الحق، بدل من العالمين فإن بالقرآن لم ينتفع إلا من أراد الاستقامة فكأنه لم يوعظ به غيره، (وَمَا تَشَاءُونَ)، الاستقامة، (إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللهُ): إلا وقت أن يشاء الله مشيئتكم، (رَبُّ الْعَالَمِينَ): مالك الخلق، عن سفيان الثوري: لما نزلت " لمن شاء منكم أن يستقيم " قال أبو جهل: الأمر إلينا إن شئنا استقمنا، وإن شئنا لم نستقم، فأنزل الله:(وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ).
* * *