الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
من بعده أنهم يعطون الأغنياء من ذوي القربى وعن عمر بن الخطاب رضي الله عنه حين قرأ هذه الآية إلى قوله: (رَءُوفٌ رَحِيمٌ) قال: استوعبت هذه المسلمين وليس أحد إلا له حق، وقد خطر بخاطري أن الله تعالى سمى جميع المهاجرين والأنصار والتابعين فقراء، وإن كانوا أغنياء؛ لأنه لو كان المراد فقراءهم؛ لناسب أن يقول لفقراء المهاجرين بطريق الإضافة. وعن بعض المفسرين أن قوله:" للفقراء " ليس بدلاً بل تقديره اعجبوا لهم فإن السياق في مدحهم، فإنه لما أمر باتباع الرسول صلى الله عليه وسلم عجّب الناس اتباع هؤلاء، والذي يؤيده قوله:" ألَمْ تَر إِلَى الَّذِينَ نَافَقُوا " مُصَدَّرًا بقوله: " ألَمْ تَر " وهي كلمة للتعجب، فإن ذكرهم جاء مقابلاً لذكر أضدادهم.
* * *
(أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ نَافَقُوا يَقُولُونَ لِإِخْوَانِهِمُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَئِنْ أُخْرِجْتُمْ لَنَخْرُجَنَّ مَعَكُمْ وَلَا نُطِيعُ فِيكُمْ أَحَدًا أَبَدًا وَإِنْ قُوتِلْتُمْ لَنَنْصُرَنَّكُمْ وَاللهُ يَشْهَدُ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ
(11)
لَئِنْ أُخْرِجُوا لَا يَخْرُجُونَ مَعَهُمْ وَلَئِنْ قُوتِلُوا لَا يَنْصُرُونَهُمْ وَلَئِنْ نَصَرُوهُمْ لَيُوَلُّنَّ الْأَدْبَارَ ثُمَّ لَا يُنْصَرُونَ (12) لَأَنْتُمْ أَشَدُّ رَهْبَةً فِي صُدُورِهِمْ مِنَ اللهِ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَا يَفْقَهُونَ (13) لَا يُقَاتِلُونَكُمْ جَمِيعًا إِلَّا فِي قُرًى مُحَصَّنَةٍ أَوْ مِنْ وَرَاءِ جُدُرٍ بَأْسُهُمْ بَيْنَهُمْ شَدِيدٌ تَحْسَبُهُمْ جَمِيعًا وَقُلُوبُهُمْ شَتَّى ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَا يَعْقِلُونَ (14) كَمَثَلِ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ قَرِيبًا ذَاقُوا وَبَالَ أَمْرِهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (15) كَمَثَلِ الشَّيْطَانِ إِذْ قَالَ لِلْإِنْسَانِ اكْفُرْ فَلَمَّا كَفَرَ قَالَ إِنِّي بَرِيءٌ مِنْكَ إِنِّي أَخَافُ اللهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ (16) فَكَانَ عَاقِبَتَهُمَا أَنَّهُمَا فِي النَّارِ خَالِدَيْنِ فِيهَا وَذَلِكَ جَزَاءُ الظَّالِمِينَ (17)
* * *
(أَلَمْ تَر إِلَى الَّذِينَ نَافَقُوا يَقُولُونَ لِإِخْوَانِهِمُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ) هم بنو قريظة والنضير (لَئِنْ أُخْرِجْتُمْ) من المدينة (لَنَخْرُجَنَّ مَعَكُمْ) نوافقكم ونرافقكم (وَلَا نُطِيعُ فِيكُمْ) في إخلاف ما وعدناكم وفي قتالكم (أَحَدًا أَبَدًا وَإِنْ قُوتِلْتُمْ لَنَنْصُرَنَّكُمْ وَاللهُ يَشْهَدُ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ لَئِنْ أُخْرِجُوا لَا يَخْرُجُونَ مَعَهُمْ وَلَئِنْ قُوتِلُوا لَا يَنْصُرُونَهُمْ) وقد وقع كذلك فإن ابن أبي وأصحابه عاهدوهم على ذلك ثم أخلفوهم (وَلَئِنْ نَصَرُوهُمْ) على الفرض (لَيُوَلُّنَّ الْأَدْبَارَ) لَينهزمون (ثُمَّ لَا يُنْصَرُونَ) بعد ولا ينفعهم نفاقهم. قيل: معناه لينهزمن اليهود، ثم لا ينفعهم نصرة المنافقين (لَأَنْتُمْ أَشَدُّ رَهْبَةً) مرهوبية مصدر فعل المجهول؛ لأنَّهُم مرهوب منهم لا راهبون (فِي صُدُورِهِمْ مِنَ اللهِ) لأن نفاقهم من خوفكم، ولو خافوا من الله لتركوا النفاق (ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَا يَفْقَهُونَ) فإنه لو كان لهم دراية، لعلموا أن الله هو الحقيق بأن يخشى (لَا يُقَاتِلُونَكُمْ) اليهود (جَمِيعًا) مجتمعين (إِلَّا فِي قُرًى مُحَصَّنَةٍ أَوْ مِنْ وَرَاءِ جُدُرٍ) لا يبرزون لقتالكم لفرط خشيتهم منكم وإن كانوا مجتمعين (بَأْسُهُمْ) شدتهم في الحرب (بَيْنَهُمْ شَدِيدٌ)، يعني إذا حارب بعضهم بعضًا فيشتد بأسهم لكن إن قاتلوكم لم يبق لهم تلك الشدة (تَحْسَبُهُمْ جَمِيعًا) متفقين (وَقُلُوبُهُمْ شَتَّى) متفرقة وأصل الحرب الاتفاق (ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَا يَعْقِلُونَ) فإن العقل هو الداعي إلى الاتحاد والاتفاق، وعن بعض تحسبهم أي: اليهود والمنافقين (كَمَثَلِ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ قَرِيبًا أي: مثل اليهود كمثل الذين استقروا من قبلهم في زمان قريب، وهم أهل بدر
أو يهود بني قينقاع، فقد أجلاهم رسول ألله صلى الله عليه وسلم قبلهم (ذاقُوا وَبَالَ أَمْرِهِمْ) سوء عاقبة كفرهم في الدنيا (وَلَهُمْ) في الآخرة (عَذَابٌ أَلِيمٌ كَمَثَل الشَّيْطَانِ) أي: مثل المنافقين في إغراء اليهود كمثل الشيطان (إِذْ قَالَ لِلْإِنْسَانِ اكْفُرْ فَلَمَّا كَفَرَ قَالَ إِنِّي بَرِيءٌ مِنْكَ) تبرأ عنه في العاقبة، كما فعل براهب حمله على الفجور، ثم على سجوده، ثم تبرأ منه. وكما قال يوم بدر:(وَقَالَ لَا غَالِبَ لَكُمُ الْيَوْمَ مِنَ النَّاسِ وَإِنِّي جَارٌ لَكُمْ فَلَمَّا تَرَاءَتِ الْفِئَتَانِ نَكَصَ عَلَى عَقِبَيْهِ وَقَالَ إِنِّي بَرِيءٌ مِنْكُمْ)[الأنفال: 48](إِنِّي أَخَافُ اللهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ فَكَانَ عَاقِبَتَهُمَا أَنَّهُمَا فِي النَّارِ خَالِدَيْنِ فِيهَا وَذَلِكَ جَزَاءُ الظَّالِمِينَ).
* * *