الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
سورة الحجرات
مدنية
وهى ثماني عشرة آية وفيها ركوعان
* * *
بسم الله الرحمن الرحيم
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللهِ وَرَسُولِهِ وَاتَّقُوا اللهَ إِنَّ اللهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ
(1)
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ وَلَا تَجْهَرُوا لَهُ بِالْقَوْلِ كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ أَنْ تَحْبَطَ أَعْمَالُكُمْ وَأَنْتُمْ لَا تَشْعُرُونَ (2) إِنَّ الَّذِينَ يَغُضُّونَ أَصْوَاتَهُمْ عِنْدَ رَسُولِ اللهِ أُولَئِكَ الَّذِينَ امْتَحَنَ اللهُ قُلُوبَهُمْ لِلتَّقْوَى لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ عَظِيمٌ (3) إِنَّ الَّذِينَ يُنَادُونَكَ مِنْ وَرَاءِ الْحُجُرَاتِ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْقِلُونَ (4) وَلَوْ أَنَّهُمْ صَبَرُوا حَتَّى تَخْرُجَ إِلَيْهِمْ لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ وَاللهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (5) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ (6) وَاعْلَمُوا أَنَّ فِيكُمْ رَسُولَ اللهِ لَوْ يُطِيعُكُمْ فِي كَثِيرٍ مِنَ الْأَمْرِ لَعَنِتُّمْ وَلَكِنَّ اللهَ حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الْإِيمَانَ وَزَيَّنَهُ فِي قُلُوبِكُمْ وَكَرَّهَ إِلَيْكُمُ الْكُفْرَ وَالْفُسُوقَ وَالْعِصْيَانَ أُولَئِكَ هُمُ الرَّاشِدُونَ (7) فَضْلًا مِنَ اللهِ وَنِعْمَةً وَاللهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (8) وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا فَإِنْ بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللهِ فَإِنْ فَاءَتْ فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا بِالْعَدْلِ وَأَقْسِطُوا إِنَّ اللهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ (9) إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ (10)
* * *
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللهِ وَرَسُولِهِ) أي: لا تتقدموا بين يدي أمرهما وفيهما، ولا تقطعوا أمرًا قبل حكمهما به؛ بل كونوا تابعين لأمر الله تعالى، ورسوله، يقال: تقدم بين يدي أمه وأبيه أي: عجل بالأمر والنهي دونهما، فهو لازم، وقراءة " لا تَقدموا " بفتح التاء يؤيده، أو المفعول محذوف أي: أمرًا عن ابن عباس - رضى الله عنهما - لا تقولوا خلاف الكتاب والسنة، (وَاتَّقُوا اللهَ): في التقدم، (إِنَّ اللهَ سَمِيعٌ): لأقوالكم، (عَلِيمٌ): بأحوالكم، (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ): لا تجاوزوا أصواتكم عن صوته، (وَلا تَجْهَرُوا لَهُ بِالْقَوْلِ): جهرًا، (كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ)، بل اجعلوا أصواتكم معه أخفض من أصوات بعضكم من بعض، أو لا تخاطبوه باسمه وكنيته، بل خاطبوه بالنبي والرسول، كقوله (لَا تَجْعَلُوا دُعَاءَ الرَّسُولِ بَيْنَكُمْ كَدُعَاءِ بَعْضِكُمْ بَعْضًا) [النور: 63] نزلت في أبي بكر وعمر رضي الله عنهما حين تماريا في محضر رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى ارتفعت أصواتهما، فكان أبو بكر وعمر بعد ذلك يُسرَّانه، (أَنْ تَحْبَطَ)
أي: كراهة أو خشية أن تحبط، (أَعْمَالُكُمْ وَأَنْتُمْ لَا تَشْعُرُونَ): بحبطها، وفي الصحيح " إن الرجل ليتكلم بالكلمة من سخط الله لا يلقي لها بالاً يكتب له بها في النار أبعد ما بين السماء والأرض "(1) وقد مر، (إِنَّ الَّذِينَ يَغُضُّونَ): يخفضون، (أَصْوَاتَهُمْ عِنْدَ رَسُولِ اللهِ أُولَئِكَ الَّذِينَ امْتَحَنَ اللهُ قُلُوبَهُمْ لِلتَّقْوَى): أخلصها، فلم يبق لغير التقوى فيها حق يقال: امتحن الذهب إذا أذابه وأخرج خبثه، أو ضرب الله قلوبهم بأنواع المحن لأجل حصول التقوى، أو كناية عن صبرهم، وثباتهم على التقوى التي جَرَّبها ومرنها عليها، (لَهُمْ مَغْفِرَةٌ): عظيمة، (وَأَجْرٌ عَظِيمٌ)، الجملة خبر ثان لـ إنَّ أو استئناف، (إِنَّ الَّذِينَ يُنَادُونَكَ مِنْ وَرَاءِ الْحُجُرَاتِ) أي: من جهة وراء حجرات نسائه (أَكْثَرُهُمْ لا يَعْقلُونَ) إذ العقل يقتضي الأدب سيما مع مثله، (وَلَوْ أَنَّهُمْ صَبَرُوا): لو ثبت صبرهم، (حَتَّى تَخْرُجَ إِلَيْهِمْ لَكَانَ): الصبر، (خَيْرًا لَهُمْ): من الاستعجال، (وَاللهُ عفُورٌ رَحِيمٌ)، حيث يقتصر على النصح لمسيء الأدب، ولو تاب ليغفره نزلت في وفد بني تميم أتوا وقت الظهيرة، ونادوا على الباب حتى استيقظوه، وقالوا: يا محمد اخرج إلينا، فإن مدحنا زين، وذمنا شين، أو
(1) نصه في البخاري [إِنَّ العَبْدَ لَيَتَكَلَّمُ بِالكَلِمَةِ مِنْ رِضْوَانِ اللهِ، لَا يُلْقِي لَهَا بَالًا، يَرْفَعُهُ اللهُ بِهَا دَرَجَاتٍ، وَإِنَّ العَبْدَ لَيَتَكَلَّمُ بِالكَلِمَةِ مِنْ سَخَطِ اللهِ، لَا يُلْقِي لَهَا بَالًا، يَهْوِي بِهَا فِي جَهَنَّمَ]. اهـ (مصحح النسخة الإلكترونية).
في وفد بني العنبر حين سبيت ذراريهم، وأتى بهم فجاء رجالهم يفدون الذراري، وقدموا وقت الظهيرة، فجعلوا يصيحون، وينادون: يا محمد اخرج إلينا حتى أيقظوه، (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا): تفحصوا صدقه، وقراءة " فتثبتوا " معناه توقفوا إلى أن يتبين الأمر (أَنْ تُصِيبُوا) أي: كراهة إصابتكم، (قوْمًا): بُرآء، (بِجَهَالَةٍ): جاهلين بحالهم، (فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ)، نزلت في الوليد بن عقبة بُعث إلى بني المصطلق لأخذ زكاتهم، فرجع من الطريق لخوف منهم للعداوة التي بينه وبينهم في الجاهلية، وقال: إنهم منعوا الصدقة وهموا بقتلي، فقصد رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يغزوهم فجاء وفد منهم وكذبوه، (وَاعْلَمُوا أَنَّ فِيكُمْ رَسُولَ اللهِ لَوْ يُطِيعُكُمْ فِي كَثِيرٍ مِنَ الْأَمْرِ لَعَنِتُّمْ) أي: واعلموا أن فيكم لا في غيركم رسول الله صلى الله عليه وسلم على حال لو أطاعكم في كثير من آرائكم لوقعتم في جهد ومصيبة، نزَّلهم منزلة من لا يعلم أنه بين أظهرهم، وجملة " لو يطيعكم " حال إما من الضمير المستتر، أو البارز في " فيكم "(وَلَكِنَّ اللهَ حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الْإِيمَانَ وَزَيَّنَهُ فِي قُلُوبِكُمْ وَكَرَّهَ إِلَيْكُمُ الْكُفْرَ وَالْفُسُوقَ وَالْعِصْيَانَ)،
ولذلك تطيعونه أنتم لا هو يطيعكم، فلا تُوقعون في عنت، (أُولَئِكَ هُمُ الرَّاشِدُونَ)، وعن بعض المفسرين: إن قوله " ولكنَّ اللهَ " استثناء لقوم آخرين صفتهم غير صفتهم، كأنه قال فيكم الرسول على حال يجب تغييرها، وهي إرادتكم أن يتبعكم، ولو فعل لعنتم، ولكن بعضهم الموصوفين بأن الله تعالى زين الإيمان في قلوبهم لا يريدون أن يتبعهم أولئك هم الذين أصابوا [الطريق] السوي، وعن بعضهم: إن معناه إن فيكم الرسول فعظموه، ولا تقولوا له باطلاً، ثم لما قال ما دل على أنَّهم جاهلون بمكانه مفرطون فيما يجب من تعظيم شأنه اتجه لهم أن يسألوا ماذا فعلنا حتى نسبنا إلى التفريط، وماذا ينتج من المضرة فأجاب إنكم تريدون أن يتبعكم، ولو اتبعكم لعنتم، فعلى هذا جملة " لو يطيعكم " استئنافية، (فَضْلاً مِنَ اللهِ وَنِعْمَة) نصب على أنه مفعول له لـ حَبَّبَ، أو لـ كَرَّه أو مفعول مطلق لهما فإن التحبيب فضل، (وَاللهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا): تقاتلوا، (فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا): بالنصح نزلت حين قال رجل من الأنصار: والله لحمار رسول الله أطيب ريحًا منك، في جواب عبد الله بن أبي حين قال لرسول الله صلى الله عليه وسلم وهو راكب الحمار: إليك عني، والله لقد آذاني نتن حمارك، فاستبا، فتقاتل الصحابة قوم ابن أبي، بالجريد، والنعال، أو في الأوس، والخزرج لما بينهما من القتال بالسعف أو في رجلين من الأنصار تقاتلا بالنعال، (فَإِنْ بَغَتْ): تعدت، (إِحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي): الطائفة التي