الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
كَانَ فِي ضَلَالٍ بَعِيدٍ): عن الحق يتبرأ منه شيطانه كما قال تعالى حكاية عنه: (وَمَا كَانَ لِيَ عَلَيْكُمْ مِنْ سُلْطَانٍ إِلَّا أَنْ دَعَوْتُكُمْ فَاسْتَجَبْتُمْ لِي فَلَا تَلُومُونِي وَلُومُوا أَنْفُسَكُمْ)[إبراهيم: 22](قَالَ) الله تعالى: (لَا تَخْتَصِمُوا لَدَيَّ وَقَدْ قَدَّمْتُ إِلَيْكُمْ بِالْوَعِيدِ)، الواو للحال أي: لا تختصموا عالمين بأني أوعدتكم على الطغيان بلسان رسلي، والباء مزيدة، أو للتعدية على أن قدم بمعنى تقدم، (مَا يُبَدَّلُ الْقَوْلُ لَدَيَّ): لا تبديل ولا خلف لقولي، وقيل: لا يغير القول على وجهه، ولا يمكن الكذب عندي وإني أعلم الغيب، (وَمَا أَنَا بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ)؛ فأعذبهم بغير جرم، قيل: جملة " ما يبدل " مفعول قدمت، و " بالوعيد " حال أي: قدمت إليكم هذا موعدًا لكم.
* * *
(يَوْمَ نَقُولُ لِجَهَنَّمَ هَلِ امْتَلَأْتِ وَتَقُولُ هَلْ مِنْ مَزِيدٍ
(30)
وَأُزْلِفَتِ الْجَنَّةُ لِلْمُتَّقِينَ غَيْرَ بَعِيدٍ (31) هَذَا مَا تُوعَدُونَ لِكُلِّ أَوَّابٍ حَفِيظٍ (32) مَنْ خَشِيَ الرَّحْمَنَ بِالْغَيْبِ وَجَاءَ بِقَلْبٍ مُنِيبٍ (33) ادْخُلُوهَا بِسَلَامٍ ذَلِكَ يَوْمُ الْخُلُودِ (34) لَهُمْ مَا يَشَاءُونَ فِيهَا وَلَدَيْنَا مَزِيدٌ (35) وَكَمْ أَهْلَكْنَا قَبْلَهُمْ مِنْ قَرْنٍ هُمْ أَشَدُّ مِنْهُمْ بَطْشًا فَنَقَّبُوا فِي الْبِلَادِ هَلْ مِنْ مَحِيصٍ (36) إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى لِمَنْ كَانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ (37) وَلَقَدْ خَلَقْنَا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ وَمَا مَسَّنَا مِنْ لُغُوبٍ (38) فَاصْبِرْ عَلَى مَا يَقُولُونَ وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ الْغُرُوبِ (39) وَمِنَ اللَّيْلِ فَسَبِّحْهُ
وَأَدْبَارَ السُّجُودِ (40) وَاسْتَمِعْ يَوْمَ يُنَادِ الْمُنَادِ مِنْ مَكَانٍ قَرِيبٍ (41) يَوْمَ يَسْمَعُونَ الصَّيْحَةَ بِالْحَقِّ ذَلِكَ يَوْمُ الْخُرُوجِ (42) إِنَّا نَحْنُ نُحْيِي وَنُمِيتُ وَإِلَيْنَا الْمَصِيرُ (43) يَوْمَ تَشَقَّقُ الْأَرْضُ عَنْهُمْ سِرَاعًا ذَلِكَ حَشْرٌ عَلَيْنَا يَسِيرٌ (44) نَحْنُ أَعْلَمُ بِمَا يَقُولُونَ وَمَا أَنْتَ عَلَيْهِمْ بِجَبَّارٍ فَذَكِّرْ بِالْقُرْآنِ مَنْ يَخَافُ وَعِيدِ (45)
* * *
(يَوْمَ نَقُولُ لِجَهَنَّمَ)، نصبه بتقدير نحو: اذكر، أو بظلام، (هَلِ امْتَلاتِ وَتَقُولُ) جهنم:(هَلْ مِنْ مَزِيدٍ)، تطلب المزيد، وفي الصحيح لا تزال جهنم يلقى فيها، وتقول هل من مزيد حتى يضع ربُّ العزة فيها قدمه فينزوي بعضها إلى بعض، فتقول: قط قط "، أو تستبعد الزيادة لفرط كثرتهم فالاستفهام حينئذ للإنكار، أي: قد امتلأت، وعلى هذا إنما هو بعد ما يضع الرب فيها قدمه فينزوي، والسؤال والجواب على حقيقته، (وَأُزْلِفَتِ): قربت، (الْجَنَّةُ لِلْمُتَّقِينَ غَيْرَ بَعِيدٍ)، نصب على الظرف أي: مكانًا غير بعيد بمرأى منهم بين يديهم أو حال، ومعناه التوكيد كعزيز غير ذليل، والتذكير لأن البعيد على زنة المصدر، أو لأن الجنة بمعنى البستان، (هَذَا) أي: يقال لهم هذا، (مَا تُوعَدُونَ لِكُلِّ أَوَّابٍ): رجاع إلى الله تعالى، (حَفيظٍ): حافظ لأمر الله تعالى ولكل بدل من للمتقين (مَنْ خَشِيَ الرَّحْمَنَ)، بدل بعد بدل أو بتقدير أعني أو
هم، (بِالْغَيْبِ): غائبًا عن الأعين أي: خاف الله تعالى في سره أو غائبًا عن عقابه لم يراء أو حال من المفعول أي: خشى عقابه حال كون العقاب غائبًا، (وَجَاءَ بِقَلْبٍ مُنِيبٍ): راجع إلى الله تعالى خاشع، (ادخُلُوهَا) أي: يقال لهم ذلك، (بِسَلام): سالمين من المكاره، أو مسلمين من الله تعالى وملائكته، (ذَلِكَ يَوْمُ الْخُلُود): يوم تقدير الخلود، (لَهُمْ مَا يَشَاءُونَ فِيهَا وَلَدَيْنَا): مما لم يخطر ببالهم، (مَزِيدٌ وَكَمْ أَهْلَكنا قَبْلَهُمْ مِنْ قَرْنٍ): جماعة من الناس، (هُمْ أَشَدُّ مِنْهُمْ بَطْشَّاَ): قوة، (فَنَقَّبُوا): تصرفوا، (فِى الْبِلادِ هَلْ مِنْ مَحِيصٍ): مفر لهم من قضاء الله تعالى، وهل نفعتهم القوة فأنتم أيضًا لا مفر لكم، أو معناه: فبحثوا وطلبوا، وفتشوا في البلاد هل من محيص من الموت، فلم يجدوا قيل: معناه فنقبوا وساروا أي: أهل مكة في أسفارهم في بلاد القرون، فهل رأوا لهم محيصًا حتى يتوقعوا لأنفسهم، وقراءة الشاذة " فنقبوا " بصيغة الأمر تدل على هذا الوجه (إِنَّ فِي ذَلِكَ): المذكور في هذه السورة، (لَذِكْرَى): تذكرة، (لِمَنْ كَانَ لَهُ قَلْبٌ): واع متفكر فإن من لا يعي فكأنه
لا قلب له، (أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ): أصغى [للقرآن]، (وَهُوَ شَهِيدٌ): حاضر بذهنه، فإن من لا يحضر ذهنه فكأنه غائب، (وَلَقَدْ خَلَقْنَا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ)، مر تفسيره، (وَمَا مَسَّنَا مِنْ لُغُوبٍ): تعب وإعياء، وهذا رد قول اليهود: إن الله تعالى فرغ من الخلق يوم الجمعة واستراح يوم السبت، ويسمونه يوم الراحة، (فَاصْبرْ عَلَى مَا يَقُولُونَ): المكذبون، (وَسَبِّحْ): نزهه، (بِحَمْدِ ربِّكَ): متلبسًا بحمده، (قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ الْغُرُوبِ) يعني: الفجر والعصر فإنهما وقتان فاضلان، (وَمِنَ اللَّيْلِ فَسَبِّحْهُ وَأَدْبَارَ السُّجُودِ): أعقاب الصلاة، والمراد التسبيح دبر الصلوات، أو المراد صلاة الفجر وصلاة العصر، وصلاة التهجد، وفي بدء الإسلام قبل الإسراء الفرائض هذه الثلاثة، ثم نسخت بخمس صلوات في ليلة الإسراء، والمراد من أدبار السجود الركعتان بعد المغرب، وعليه عمر، وعلي، والحسن، وابن عباس، وغيرهم رضي الله عنهم (وَاسْتَمِعْ): يا محمد لما أخبرك به من أحوال يوم القيامة، (يَوْمَ يُنَادِ الْمُنَادِ): إسرافيل، (مِنْ مَكَانٍ قَرِيبٍ): من السماء، وهي صخرة بيت المقدس أقرب أجزاء الأرض من السماء ينادي: أيتها العظام البالية، واللحوم المتمزقة إن الله تعالى يأمركن أن تجتمعن لفصل القضاء، ونصب يوم بمقدار، أي: يخرجون من القبور، والدال عليه ذلك يوم الخروج، ويمكن أن يكون " واستمع " عطفًا على اصبر، أي: اصبر اليوم على مقالاتهم، واستمع يوم القيامة عجزهم وندامتهم، (يَوْمَ يَسْمَعون)، بدل من " يناد "، (الصَّيْحَةَ): نفخة البعث، (بِالْحَقِّ)، متعلق بالصيحة، (ذَلِكَ يَوْمُ الْخُرُوجِ): من القبور بدل بعد بدل (إِنَّا نَحْنُ نُحْيِي وَنُمِيتُ وَإِلَيْنَا الْمَصِيرُ): للجزاء، (يَوْمَ تَشَقَّقُ) أي: تتشقق بدل بعد بدل، أو ظرف للمصير، (الأرْضُ عَنْهُمْ سِرَاعًا): مسرعين، (ذَلِكَ حَشْرٌ عَلَيْنا): لا على غيرنا، (يَسِيرٌ):
فإنه لا يتيسر لغير من هو كامل القدرة، (نَحْنُ أَعْلَمُ بِمَا يَقُولُونَ)، تهديد للكفار، وتسلية له عليه الصلاة والسلام (وَمَا أَنْتَ عَلَيْهِمْ بِجَبَّارٍ): فتجبرهم على الهداية إنما أنت منذر، (فَذَكِّرْ بِالْقُرْآنِ مَنْ يَخَافُ وَعِيدِ): فإن من أصرَّ على الكفر لا ينتفع به.
اللهم اجعلنا ممن يخاف وعيدك ويرجو موعودك.
* * *